الظاهر للكافة أن جماعة الإخوان وحزبها السياسي هما من يتولى السلطة في البلاد ولهما الكلمة المسموعة في مجالات التشريع وبعض الأجهزة التنفيذية, ومهما حاول البعض نفي هذه المعلومة إلا أن جماعة الإخوان حملت المسئولية الفعلية عن أول تجربة قيادية للوطن بعد قيام الثورة.. ومهما حاول الرئيس مرسي أن يبدو محايداً ومتعاملاً مع كافة القوى السياسية برفقه وخلقه الكريم, إلا أن تجربته القيادية أصبحت محسوبة على الإخوان المسلمين, وبالتالي لزمنا أن نؤكد على أمر أشار إليه الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه بقوله: {حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم}.
والمقصود من هذه العبارة البليغة أن يبدأ الإنسان في حياته بمراجعة أعماله ووزنها بميزان الشرع من حين لآخر حتى يعرف أين يقف فيقوم بتصويب ما وقع فيه من تجاوزات.
فتقويم التجارب هو من فعل الصالحين من العباد الذين يهتمون ببلوغ الأفضل والبحث عن الصواب, والانتقال إليه حال معاينة الخطأ.. فهم دائماً يعرضون أعمال الناس على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمتى اتفقت هذه الأعمال معهما قبلوا العمل ورضوه, أما إذا اختلفت فإنهم يرفضوه ويصححوه.
وليس في تولية الصالح للمهمة إسقاط للمسئولية عن كاهل المولى لها، فلقد سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصحابة ذات يوم: أرأيتم أني أسندت المهمة للقوى الأمين أأكون قد أديت؟ قالوا: نعم، قال عمر: لا، حتى أرى ما يصنع.. فدل ذلك على أهمية متابعة فعل الولاة والمكلفين بالمهام كالوزراء والمحافظين والمسئولين الكبار بعد توليتهم حتى وإن كانوا أكفاء ومتميزين.. ولذلك فإن أصحاب التجربة يلزمهم الاستعداد للمحاسبة, وهذا يتطلب إدراكاً لمعيار التقييم الذي سيحاسبهم الناس عليه.
فالتقويم له جوانب متعددة، منها ما يتعلق بالمنهج، وهو يقاس بالكتاب والسنة ومدى الموافقة والمخالفة لهما, ومنها ما يتعلق بالخطة العامة أو المشروع الذي تتبناه الرئاسة، فيتم تقويمه من حيث الأهداف والمراحل والمسئولين والتوقيتات والإمكانات والعقبات التي اعترضت الخطة، وكيف تم تجاوزها, ثم يتم بعد ذلك تقويم الأداء التنفيذي لكل وزارة في قطاع اختصاصها، حتى يتبين للجميع ما مدى إنجاز هذه الوزارة أو مدى إخفاقها. كما يتم تقويم العلاقات الدولية ومتانتها، وكيف استعادت الدبلوماسية العلاقات المتردية مع بعض الدول؟ وكيف طورت هذه العلاقات إلى الأفضل؟ ثم ينبغي تقويم العلاقات الداخلية الخاصة بطوائف المجتمع, فهل نجح النظام في التواصل مع كل الأطياف؟ وهل تمكن من تحسين وتقوية العلاقة وتطويرها معهم بهدف خدمة المجتمع ككل أم لا؟ وبالتالي، نستطيع أن نتعرف على مدى هذا النجاح أو الفشل من خلال مواقف القوى السياسية والحزبية من النظام القائم. ولا شك أن تقويم المشروعات التنموية الكبرى في المجتمع هو حق أصيل لهذا الشعب ينبغي الاطلاع عليه وتقويمه، خاصة أنها تمس الحاضر والمستقبل, وهكذا لابد من التقويم الشامل لكافة المناحي.
إن كبار الأئمة والخلفاء كانوا يراجعون أنفسهم بعد كل موقف أو أزمة أو مرحلة، فكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: {لو استقبلت من أمري ما استدبرت لوليت عمر بن الخطاب وأبا عبيدة بن الجراح على الجيوش، حتى إذا سألني ربي قلت: وليت فاروق الأمة وأمينها}.
ولقد راجع عمر بن الخطاب رضي الله عنه نفسه بعد عام المجاعة، حيث كان يجمع الطعام ويقوم بتوزيعه فقال: "لو عادت بي السنة، أي عام المجاعة، لأدخلت على أهل كل بيت مثلهم، فإن الناس لا يهلكون على أنصاف بطونهم"، وقال أيضاً: لو عادت السنة لأخذت من فضول أموال الأغنياء فرددتها إلى الفقراء"، وهكذا كان الحال مع الإمام علي بن أبي طالب رضى الله عنه، فبالرغم من أنه كان الطائفة الأولى بالحق، إلا أنه بعد أن شهد نتائج القتال وعدم استقرار الأحوال لسنوات طويلة، روى عنه أنه تمنى أن لو اختار طريقاً أيسر من ذلك الذي جرى.
ولما تولى الحسن رضى الله عنه الخلافة بعد استشهاد أبيه، بادر إلى المصالحة ورأب الصدع وجمع الكلمة بالتنازل، وهو عمل مرضي عنه سلفاً، بما أشار النبي صلى الله عليه وسلم إليه منذ أن كان الحسن صبيا فقال: {إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين}.
وانظر يا أخي القارئ إلى منهج عمر بن عبد العزيز مع المعارضين له والخارجين عليه، فأرسل لكبير لهم يدعى {شوذب} يقول إنني أعلم أنه ما أخرجك إلا غضبك لله، فدعنا نناظرك، فإن كان الحق معنا دخلت فيه، وإن كان معك نظرنا أمرنا.
وهو كلام بليغ ليس فيه تخوين ولا تسفيه، وإنما هو كلام من يريد الحق حتى ولو كان مع غيره, وهذا سلوك المخلصين الفضلاء. وخلاصة ما أريده أنه قد مر عام على تجربة الإخوان في الحكم, فلزم أن تقدم الحكومة للجماهير كشف حساب بما تم إنجازه للوطن بعد تقويم شامل لهذه التجربة من جميع جوانبها على النحو الذي ذكرته آنفًا، حتى يطمئن الشعب على مستقبله, ولا بد أيضاً أن يعلم حكام البلاد أن شرار الأئمة من تدعون عليهم ويدعون عليكم, وأن الأرض مرآة السماء، فمن كان صيته في السماء حسنًا وضع في الأرض حسناً, ومن كان صيته في السماء سيئاً وضع في الأرض سيئاً, وأن من سقطت طاعته وشعبيته سقطت بيعته وولايته, وأن من استهان برأي الحكماء والمخلصين افتقد الرؤية الرشيدة, ومن ترك المشورة بالكلية وجب عزله, وأن من انشغل بنفسه وحزبه تجاهل بالتبعيه مصالح شعبه ووطنه, وأن من عزم على إقامة الحق العدل أعانه الله وسدده وأنار بصيرته.
وفي الختام، أستطيع القول بأن فرصة الإصلاح ما زالت بين يدي الحكومة متاحة, ولكن الوقت ينفذ سريعاً, وأن الذي أراه هو وجوب تدخل الرئيس بشكل مباشر وفوري لاحتواء الصراع الذي تشهده الساحة بين مؤسسات الدولة, وامتصاص حالة السخط الشعبي التي هي في ازدياد مستمر لم يعد يخفى على أحد, وسوف تكلل الجهود بإذن الله بالنجاح إذا صدقت النوايا, وتحققت الجدية والموضوعية, أما إذا فاتت هذه الفرصة، فإنني أجزم بأن الرئيس محمد مرسي مع قناعتي الشخصية بدينه وخلقه سيكون أول وآخر رئيس إخواني يحكم مصر, وسيسدل الستار على تجربة مريرة مدتها أربع سنوات في أحسن أحوالها، إذ لم يتحقق شىء للمواطن المصري, فضلاً عن صراعات لا حصر تركت أثراً في النفوس وجروحاً في القلوب, ولن نجد هناك من هو سعيد بهذا الحال، سوى خصوم هذا الوطن في الداخل والخارج، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
القيادى عبود الزمر
والمقصود من هذه العبارة البليغة أن يبدأ الإنسان في حياته بمراجعة أعماله ووزنها بميزان الشرع من حين لآخر حتى يعرف أين يقف فيقوم بتصويب ما وقع فيه من تجاوزات.
فتقويم التجارب هو من فعل الصالحين من العباد الذين يهتمون ببلوغ الأفضل والبحث عن الصواب, والانتقال إليه حال معاينة الخطأ.. فهم دائماً يعرضون أعمال الناس على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمتى اتفقت هذه الأعمال معهما قبلوا العمل ورضوه, أما إذا اختلفت فإنهم يرفضوه ويصححوه.
وليس في تولية الصالح للمهمة إسقاط للمسئولية عن كاهل المولى لها، فلقد سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصحابة ذات يوم: أرأيتم أني أسندت المهمة للقوى الأمين أأكون قد أديت؟ قالوا: نعم، قال عمر: لا، حتى أرى ما يصنع.. فدل ذلك على أهمية متابعة فعل الولاة والمكلفين بالمهام كالوزراء والمحافظين والمسئولين الكبار بعد توليتهم حتى وإن كانوا أكفاء ومتميزين.. ولذلك فإن أصحاب التجربة يلزمهم الاستعداد للمحاسبة, وهذا يتطلب إدراكاً لمعيار التقييم الذي سيحاسبهم الناس عليه.
فالتقويم له جوانب متعددة، منها ما يتعلق بالمنهج، وهو يقاس بالكتاب والسنة ومدى الموافقة والمخالفة لهما, ومنها ما يتعلق بالخطة العامة أو المشروع الذي تتبناه الرئاسة، فيتم تقويمه من حيث الأهداف والمراحل والمسئولين والتوقيتات والإمكانات والعقبات التي اعترضت الخطة، وكيف تم تجاوزها, ثم يتم بعد ذلك تقويم الأداء التنفيذي لكل وزارة في قطاع اختصاصها، حتى يتبين للجميع ما مدى إنجاز هذه الوزارة أو مدى إخفاقها. كما يتم تقويم العلاقات الدولية ومتانتها، وكيف استعادت الدبلوماسية العلاقات المتردية مع بعض الدول؟ وكيف طورت هذه العلاقات إلى الأفضل؟ ثم ينبغي تقويم العلاقات الداخلية الخاصة بطوائف المجتمع, فهل نجح النظام في التواصل مع كل الأطياف؟ وهل تمكن من تحسين وتقوية العلاقة وتطويرها معهم بهدف خدمة المجتمع ككل أم لا؟ وبالتالي، نستطيع أن نتعرف على مدى هذا النجاح أو الفشل من خلال مواقف القوى السياسية والحزبية من النظام القائم. ولا شك أن تقويم المشروعات التنموية الكبرى في المجتمع هو حق أصيل لهذا الشعب ينبغي الاطلاع عليه وتقويمه، خاصة أنها تمس الحاضر والمستقبل, وهكذا لابد من التقويم الشامل لكافة المناحي.
إن كبار الأئمة والخلفاء كانوا يراجعون أنفسهم بعد كل موقف أو أزمة أو مرحلة، فكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: {لو استقبلت من أمري ما استدبرت لوليت عمر بن الخطاب وأبا عبيدة بن الجراح على الجيوش، حتى إذا سألني ربي قلت: وليت فاروق الأمة وأمينها}.
ولقد راجع عمر بن الخطاب رضي الله عنه نفسه بعد عام المجاعة، حيث كان يجمع الطعام ويقوم بتوزيعه فقال: "لو عادت بي السنة، أي عام المجاعة، لأدخلت على أهل كل بيت مثلهم، فإن الناس لا يهلكون على أنصاف بطونهم"، وقال أيضاً: لو عادت السنة لأخذت من فضول أموال الأغنياء فرددتها إلى الفقراء"، وهكذا كان الحال مع الإمام علي بن أبي طالب رضى الله عنه، فبالرغم من أنه كان الطائفة الأولى بالحق، إلا أنه بعد أن شهد نتائج القتال وعدم استقرار الأحوال لسنوات طويلة، روى عنه أنه تمنى أن لو اختار طريقاً أيسر من ذلك الذي جرى.
ولما تولى الحسن رضى الله عنه الخلافة بعد استشهاد أبيه، بادر إلى المصالحة ورأب الصدع وجمع الكلمة بالتنازل، وهو عمل مرضي عنه سلفاً، بما أشار النبي صلى الله عليه وسلم إليه منذ أن كان الحسن صبيا فقال: {إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين}.
وانظر يا أخي القارئ إلى منهج عمر بن عبد العزيز مع المعارضين له والخارجين عليه، فأرسل لكبير لهم يدعى {شوذب} يقول إنني أعلم أنه ما أخرجك إلا غضبك لله، فدعنا نناظرك، فإن كان الحق معنا دخلت فيه، وإن كان معك نظرنا أمرنا.
وهو كلام بليغ ليس فيه تخوين ولا تسفيه، وإنما هو كلام من يريد الحق حتى ولو كان مع غيره, وهذا سلوك المخلصين الفضلاء. وخلاصة ما أريده أنه قد مر عام على تجربة الإخوان في الحكم, فلزم أن تقدم الحكومة للجماهير كشف حساب بما تم إنجازه للوطن بعد تقويم شامل لهذه التجربة من جميع جوانبها على النحو الذي ذكرته آنفًا، حتى يطمئن الشعب على مستقبله, ولا بد أيضاً أن يعلم حكام البلاد أن شرار الأئمة من تدعون عليهم ويدعون عليكم, وأن الأرض مرآة السماء، فمن كان صيته في السماء حسنًا وضع في الأرض حسناً, ومن كان صيته في السماء سيئاً وضع في الأرض سيئاً, وأن من سقطت طاعته وشعبيته سقطت بيعته وولايته, وأن من استهان برأي الحكماء والمخلصين افتقد الرؤية الرشيدة, ومن ترك المشورة بالكلية وجب عزله, وأن من انشغل بنفسه وحزبه تجاهل بالتبعيه مصالح شعبه ووطنه, وأن من عزم على إقامة الحق العدل أعانه الله وسدده وأنار بصيرته.
وفي الختام، أستطيع القول بأن فرصة الإصلاح ما زالت بين يدي الحكومة متاحة, ولكن الوقت ينفذ سريعاً, وأن الذي أراه هو وجوب تدخل الرئيس بشكل مباشر وفوري لاحتواء الصراع الذي تشهده الساحة بين مؤسسات الدولة, وامتصاص حالة السخط الشعبي التي هي في ازدياد مستمر لم يعد يخفى على أحد, وسوف تكلل الجهود بإذن الله بالنجاح إذا صدقت النوايا, وتحققت الجدية والموضوعية, أما إذا فاتت هذه الفرصة، فإنني أجزم بأن الرئيس محمد مرسي مع قناعتي الشخصية بدينه وخلقه سيكون أول وآخر رئيس إخواني يحكم مصر, وسيسدل الستار على تجربة مريرة مدتها أربع سنوات في أحسن أحوالها، إذ لم يتحقق شىء للمواطن المصري, فضلاً عن صراعات لا حصر تركت أثراً في النفوس وجروحاً في القلوب, ولن نجد هناك من هو سعيد بهذا الحال، سوى خصوم هذا الوطن في الداخل والخارج، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
القيادى عبود الزمر
تعليق