مصطلح الحياد في تصوُّري هو أكذوبة، وليس له وجود لدى الغربيين الذين يستخدمونه فقط لكي يخيفونا ويهزمونا نفسياً وفكرياً في كل شيء عبر الترويج لمصطلحات هم أبعد الناس عن استخدامها أو الالتزام بها، وعادة ما تكون مصطلحات كبيرة في ألفاظها لكنها خالية من أي مضمون أو معان فعلية، ومنها الحياد الإعلامي. وقد شغلني هذا الأمر وناقشته مع كثير من الإعلاميين الغربيين الذين التقيت بهم فلم أجد لدى أيٍّ منهم قناعة على الإطلاق بما يسمى بالحياد.
وفي ندوة داخلية عُقدت في قناة الجزيرة، وحَضَرها كثيرٌ من المراسلين ومدراء المكاتب الخارجية وحضرتُ جانباً منها، وجدتُ بعض الزملاء يناقشون هذا الأمر في إحدى الجلسات، وانتقد بعض منهم و?ذا حقُّهم تغطيتي لمعركة الفلوجة، ووجَّهوا لي التُّهم التي وجهها لي الأمريكيون والتي تتلخص بأني لم أكن محيداً في تغطيتي للمعركة.
وكانوا يعتقدون أن هذا اتهامٌ لي، ومع ترحيبي الواسع بالنَّقد الذي يوجِّهه لي كل الزملاء وغيرهم فقد وقفتُ للرد عليهم، ففاجأتهم جميعاً وأذ?لتهم حينما قلت لهم بشكل واضح: (أنا لست محيداً… ولن أكون.. أنا لست محيداً.. ولكني منحاز.. أنا منحاز دائماً للحقيقة وإلى صاحب الحق وإلى الضعيف، وإلى المعتدى عليه، وإلى القيم الإنسانية التي تقوم على العدل والمساواة).
أنا منحاز دائماً ضدَّ الحروب وعمليات القتل للمدنيين، والنساء، والأطفال، وجرائم الحرب التي يرتكبها المعتدون ضد الإنسان في أي مكان في العالم.
أنا منحاز دائماً إلى ديني وعروبتي وثقافتي وهويتي.. لن أتخلى عنها في أي موقف م?ما كانت الاتهامات التي تُوَجَُّه لي، وحينما يتخلى الصحفي الأمريكي أو البريطاني أوالألماني أو الياباني أو الروسي عن الانحياز إلى دينه وثقافته وهويته وقوميته وأمته فليأتوا وليتحدثوا معنا عن الحياد.
هل كان الألف ومئتا صحفي الذين دخلوا العراق على ظ?ور الدبابات الأمريكية أثناء غزو العراق واحتلاله في آذار (مارس) ونيسان (أبريل) 2003 محايدين وهل المراسلون الأمريكيون الذين يبثون تقارير?م و?م يتحركون مع القوات الأمريكية التي تمارس جرائم الحرب في العراق محيدون
إنهم ليسوا محيدين في أدائهم، ولكنهم جميعاً منحازون، ويعملون من أجل أمتهم، وثقافتهم، وهويتهم، ودينهم، ومؤسساتهم، وهم يفخرون بذلك، فلماذا لانكون أكثر فخراً من?م بما نقوم به؟
إن المنهزمين من الإعلاميين العربِ الذين ضاعَت هويتُهم لأن كثيراً منهم أصبح وَلاؤه للدولة الغربية، أو الشرقية التي يقيم فيها، أو الَّتي منحته جنسيتها، أو للمؤسَّسة الغربية التي يعمل بها، أو لمن يدفع له مقابل شراء ولائه لا قيمة لهم، بعدما تخلَّوا عن كل شيء، ثم يأتون إلينا ويتحدثون عن الحياد.
إنني أقول بكل ثقة ويقين: لا يوجد في الإعلام شيء اسمه حياد، وإنما توجد حقيقة يجب أن نسعى جميعاً لإظهار?ا، وحق يجب أن ننحاز جميعاً إليه، وموضوعية يجب أن نتحلى جميعاً بها، وهذه ?ي مهمة الإعلامي الأساسية في الحياة، أما الحياد فهو أكذوبة وأؤكد مرة أخرى لكم أني لن أكون محيداً على الإطلاق، ولكني سأبقي منحازاً لما أعتقد أنه الحق والصواب .
ما إن أنهيت كلمتي حتى ضجت القاعة بالتصفيق الحاد من الجميع عدا بعض الذين كانوا يتشدقون بالحياد، ويرددون مقولات الأمريكيين، ثم جاء كثير من الزملاء وحيوني بعد انتهاء الجلسة وقالوا: (كلنا نريد أن نقول مثل هذا الكلام، وقد عبَّرت بكلماتك عن كثيرين).
وقد دفعني هذا الموقف إلى أن أطرح سؤالاً سيظل يتردد و?و : لماذا لا يملك الناس الجرأة، والشجاعة دائماً لكي يجهروا بما يؤمنون بهه
ــــــــــــــــــــــــ
من كتاب "معركة الفلوجة" لأحمد منصور
وفي ندوة داخلية عُقدت في قناة الجزيرة، وحَضَرها كثيرٌ من المراسلين ومدراء المكاتب الخارجية وحضرتُ جانباً منها، وجدتُ بعض الزملاء يناقشون هذا الأمر في إحدى الجلسات، وانتقد بعض منهم و?ذا حقُّهم تغطيتي لمعركة الفلوجة، ووجَّهوا لي التُّهم التي وجهها لي الأمريكيون والتي تتلخص بأني لم أكن محيداً في تغطيتي للمعركة.
وكانوا يعتقدون أن هذا اتهامٌ لي، ومع ترحيبي الواسع بالنَّقد الذي يوجِّهه لي كل الزملاء وغيرهم فقد وقفتُ للرد عليهم، ففاجأتهم جميعاً وأذ?لتهم حينما قلت لهم بشكل واضح: (أنا لست محيداً… ولن أكون.. أنا لست محيداً.. ولكني منحاز.. أنا منحاز دائماً للحقيقة وإلى صاحب الحق وإلى الضعيف، وإلى المعتدى عليه، وإلى القيم الإنسانية التي تقوم على العدل والمساواة).
أنا منحاز دائماً ضدَّ الحروب وعمليات القتل للمدنيين، والنساء، والأطفال، وجرائم الحرب التي يرتكبها المعتدون ضد الإنسان في أي مكان في العالم.
أنا منحاز دائماً إلى ديني وعروبتي وثقافتي وهويتي.. لن أتخلى عنها في أي موقف م?ما كانت الاتهامات التي تُوَجَُّه لي، وحينما يتخلى الصحفي الأمريكي أو البريطاني أوالألماني أو الياباني أو الروسي عن الانحياز إلى دينه وثقافته وهويته وقوميته وأمته فليأتوا وليتحدثوا معنا عن الحياد.
هل كان الألف ومئتا صحفي الذين دخلوا العراق على ظ?ور الدبابات الأمريكية أثناء غزو العراق واحتلاله في آذار (مارس) ونيسان (أبريل) 2003 محايدين وهل المراسلون الأمريكيون الذين يبثون تقارير?م و?م يتحركون مع القوات الأمريكية التي تمارس جرائم الحرب في العراق محيدون
إنهم ليسوا محيدين في أدائهم، ولكنهم جميعاً منحازون، ويعملون من أجل أمتهم، وثقافتهم، وهويتهم، ودينهم، ومؤسساتهم، وهم يفخرون بذلك، فلماذا لانكون أكثر فخراً من?م بما نقوم به؟
إن المنهزمين من الإعلاميين العربِ الذين ضاعَت هويتُهم لأن كثيراً منهم أصبح وَلاؤه للدولة الغربية، أو الشرقية التي يقيم فيها، أو الَّتي منحته جنسيتها، أو للمؤسَّسة الغربية التي يعمل بها، أو لمن يدفع له مقابل شراء ولائه لا قيمة لهم، بعدما تخلَّوا عن كل شيء، ثم يأتون إلينا ويتحدثون عن الحياد.
إنني أقول بكل ثقة ويقين: لا يوجد في الإعلام شيء اسمه حياد، وإنما توجد حقيقة يجب أن نسعى جميعاً لإظهار?ا، وحق يجب أن ننحاز جميعاً إليه، وموضوعية يجب أن نتحلى جميعاً بها، وهذه ?ي مهمة الإعلامي الأساسية في الحياة، أما الحياد فهو أكذوبة وأؤكد مرة أخرى لكم أني لن أكون محيداً على الإطلاق، ولكني سأبقي منحازاً لما أعتقد أنه الحق والصواب .
ما إن أنهيت كلمتي حتى ضجت القاعة بالتصفيق الحاد من الجميع عدا بعض الذين كانوا يتشدقون بالحياد، ويرددون مقولات الأمريكيين، ثم جاء كثير من الزملاء وحيوني بعد انتهاء الجلسة وقالوا: (كلنا نريد أن نقول مثل هذا الكلام، وقد عبَّرت بكلماتك عن كثيرين).
وقد دفعني هذا الموقف إلى أن أطرح سؤالاً سيظل يتردد و?و : لماذا لا يملك الناس الجرأة، والشجاعة دائماً لكي يجهروا بما يؤمنون بهه
ــــــــــــــــــــــــ
من كتاب "معركة الفلوجة" لأحمد منصور
تعليق