[ حول تطبيق الشريعة ]
المبحث السادس :
شبهة عدم إمكان تطبيق الشريعة بسبب "الدول العظمى" وضغطها على العالم الإسلامي.
تبدو هذه الشبهة من بين الشبهات جميعاً أكثرها "واقعية"... فالدول التي نحيت فيها الشريعة الإسلامية نتيجة التدخل العسكري لأعداء الإسلام، ما تزال عاجزة عن السيطرة الحقيقية على شئونها وإن كانت قد استقلت ظاهرياً، بمعنى خروج الجيوش الغازية من أراضيها، فما تزال واقعة تحت السيطرة السياسية أو الاقتصادية لهذه الدولة أو تلك من القوى العالمية التي تسمى "الدول العظمى"، وما تزال في حالة من الضعف السياسي والاقتصادي والحربي والعلمي والمادي، تجعل خضوعها لسيطرة تلك القوى أمراً واقعاً، شئناه أم أبيناه.
ولهذه القضية - في دراستنا هذه - وجهان:
الوجه الأول؛ هو الإجابة على هذا السؤال: لماذا صار العالم الإسلامي إلى هذا الوضع المهين إزاء القوى العالمية المتسلطة؟
والوجه الثاني؛ هو الإجابة على هذا السؤال: هل حقاً لا نملك أن نصنع شيئاً إزاء ذلك التسلط العالمي على الأمة الإسلامية؟
فإذا تبينّا هذين الوجهين، فسيتبين لنا مدى الواقعية الحقيقية لهذه الشبهة من بين الشبهات.
* * *
فأما السؤال الأول فما بنا هنا أن نتكلم عنه بإسهاب [91]، وإنما نختصر الإجابة عنه أشد الاختصار، فنقول إن السبب في هذا الوضع المهين هو تهاوننا التدريجي المتزايد في التمسك بحقيقة هذا الدين، وانحسار مفاهيمه كلها عن حقيقتها التي نزلت بها من عند الله، واتخاذها صورة غريبة على هذا الدين، بدءاً من مفهوم "لا إله إلا الله"، إلى مفهوم العبادة، إلى مفهوم القضاء والقدر، إلى مفهوم الدنيا والآخرة، إلى مفهوم الحضارة وعمارة الأرض، إلى مفهوم الجهاد، إلى مفهوم التربية، إلى مفهوم الأخلاق، إلى مفهوم العلم... إلى مفهوم كل شيء في هذا الدين [92]!
"لا إله إلا الله"؛ تحولت إلى كلمة تنطق باللسان، وقد كانت منهج حياة كامل!
العبادة؛ انحصرت في الشعائر التعبدية وقد كانت شاملة لكل عمل وكل فكر وكل شعور في حياة المؤمن!
عقيدة القضاء والقدر؛ كانت قوة دافعة رافعة، فصارت قوة مثبطة مخذلة!
الدنيا والآخرة؛ كانتا في حس المسلم حسية واحدة وطريقاً واحداً أوله في الدنيا وآخره في الآخرة، فأصبحت معسكرين متضادين، إما أن تعمل للدنيا وإما أن تعمل للآخرة... ولا يجتمعان!
الحضارة؛ كانت مفهوماً شاملاً يشمل العقيدة والقيم والأخلاق والنظم والتنظيمات والأفكار والنشاط المعمر للأرض، فصارت مفوهاً سطحياً مادياً خلواً من القيم الحقيقية التي تتميز بها حياة الإنسان المسلم!
الجهاد؛ كان حركة بانية لإزالة الجاهلية من الأرض، وإحلال المنهج الرباني محلها، والتمكين لدين الله في الأرض، فانحصر في الجهاد "الدفاعي" ثم انحسر على يد الصوفية إلى جهاد النفس وترك الفساد يعج في الأرض!
التربية؛ كانت تربية شاملة هدفها تكوين المسلم المؤمن العالم بدينه، المتخلق بأخلاقياته، المجاهد في سبيله، فصارت تربية تقليدية تخرّج شخصيات سلبية وإمعات لا دور لها في شيء إيجابي، ولا قدرة لهم على البناء، ولا على مواجهة مستجدات الحياة.
الأخلاق؛ كانت معنى شاملاً يشمل أخلاق السياسة وأخلاق الاقتصاد وأخلاق الاجتماع وأخلاق الفكر وأخلاق الأدب وأخلاق الأسرة وأخلاق الجنس... فانحصرت في بعض ألوان السلوك دون بعض، وتحولت إلى تقاليد خاوية من الروح!
العلم؛ كان شاملاً للعلوم الدينية والعلوم الدنيوية من طب وفلك ورياضيات وفيزياء وكيمياء... إلخ، فانحصر في العلوم الدينية، وانحصر في حدود مذهبية ضيقة، وعصبية مذهبية سقيمة، وتقليد فكري لا يبدع!
ولما حدث ذلك كله، نتج عنه التخلف العلمي والمادي، والحضاري، والسياسي، والحربي، والاقتصادي، والأخلاقي، الذي اجتذب الأعداء من كل صوب ليحاولوا القضاء على الإسلام!
(يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)، قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: (إنكم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة من صدور أعدائكم، وليقذفن في قلوبكم الوَهْن)، قالوا: وما الوهْن يا رسول الله؟ قال: (حب الدنيا وكراهية الموت).
فكون المسلمين اليوم مستضعفين... حقيقةٌ، ولكنها حقيقة يقع وزرها على المسلمين أنفسهم، ولا تصلح عذراً لمجموع الأمة يوم القيامة، اليوم الذي قال الله بشأنه: {بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}.
وقد يقول المسلمون - وهم صادقون -؛ إن كيد الأعداء شديد.
ولكن ينبغي أن نذكر أن هذا الكيد ليس ابن اليوم، وليس ابن الأمس القريب... إن عمره على وجه التحديد أربعة عشر قرناً ونيفاً، أي منذ نزل هذا الدين... ولنعد إلى كتاب الله نجد وصفاً دقيقاً لهذا الكيد من كل الأطراف الحاقدة على "لا إله إلا الله"، والأمة التي اقامت "لا إله إلا الله" واقعاً معاشاً في الأرض، أولئك هم اليهود والنصارى والمشركون والمنافقون. ما تغير موقفهم منذ أربعة عشر قرناً، وما تغيرت الأسباب التي دعتهم إلى موقفهم: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}، {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}، {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}.
كلا! ليس الكيد ابن اليوم، ولا ابن الأمس القريب... فهو قديم قديم، وإن كانت بعض الوسائل قد تغيرت، فإن كل جيل من البشر يستخدم في صراعاته الأدوات المتاحة له في جيله... وإنما الذي تغير حقا هو موقف الأمة الإسلامية من هذا الكيد، وليس الكيد في ذاته ولا وسائل الكيد.
إن الله ينبه الأمة في كتابه المنزل إلى أعدائها، وإلى مواقفهم، ووسائلهم، وتدبيراتهم الظاهرة والخفية، ثم يقول لهم: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً}.
هذه إذن هي القضية...
إنهم لن يكفوا عن الكيد أبداً ما دامت الأمة المسلمة قائمة، وما دامت هناك فرصة للنيل منها... ولكن هناك أداة ربانية ترد كيدهم في نحورهم، فلا يضر الأمة بشيء: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}.
فما تلك الأداة الربانية التي ترد الكيد فيتراجع خاسئاً وهو حسير؟ أهي تعويذة تتلى أو تميمة تعلق على الصدر؟ كلا! إنها عمل إيجابي ضخم تلخصه هاتان الكلمتان: تصبروا... وتتقوا.
وحين انحرف فهم المسلمين لكل مفاهيم الإسلام، انحرف في حسهم كذلك مفهوم الصبر والتقوى، فتحولا إلى سلبية ليس فيها غناء.
ولنعد إلى سياق الآيات لنفهم المقصود بهاتين الكلمتين العظيمتين:
إن الأعداء يريدون أن يُجْلُوا المسلمين عن دينهم، ويردوهم من بعد إيمانهم كفاراً... فما الصبر المطلوب إذاً؟
إنه الصبر على تكاليف هذا الدين، والصبر في مواجهة الأعداء، وثبات المسلمين على دينهم مهما فعل الأعداء لإجلائهم عنه...
وما التقوى؟ إنها تقوى الله، إي اتقاء غضب الله وسخطه، فبأي شيء يتقى غضب الله وسخطه؟ هل من سبيل إلى ذلك إلا طاعته فيما أمر به والانتهاء عما نهى عنه؟!
هذا هو الصبر وهذه هي التقوى اللذان يصدان الكيد فلا يضر، وهما كما نرى قوتان إيجابيتان هائلتان، متينتان كالحصن، لا يجد الأعداء عندهما ثغرة للنفاذ إلى الأمة وإلحاق الضرر بها، والضرر المقصود هنا ليس هو الأذى الذي يصيب الأفراد، إنما هو الضرر الذي يلحق بالدين، الذي هو عماد هذه الأمة وكيانها الحقيقي، إما الأذى فهو يقع، ولكنه لا يؤثر في كيان الأمة، ولا يحولها عن طريقها: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ}.
وكذلك كان حال الأمة مع أعدائها يوم كانت قائمة بالشرط... كانت ممكّنة في الأرض، وكانت هي الغالبة وهي المستعلية، وكان كيد الأعداء مردوداً إلى نحورهم كما ارتد أيام الحروب الصليبية الأولى [93]، وأيام حروب التتار، وغيرهم وغيرهم من الأعداء.
فإن قلنا اليوم إن الكيد شديد، فهذه حقيقة، ولكنها حقيقة لا تعفي الأمة من مسئوليتها أمام الله، يوم يكون الإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره.
* * *
تحدثنا عن الوجه الأول من القضية، ومعرفته ضرورية لنا، لنتعرف على طريق الخلاص، فإن الطبيب إذا لم يتعرف على حقيقة الداء، والأسباب التي أدت إليه، فلن يصف الدواء الحقيقي الذي يؤدي - بإذن الله - إلى الشفاء.
أما الوجه الثاني؛ فهو الرد على هذا السؤال: أحقاً لا نستطيع شيئاً إزاء كيد الأعداء؟!
إن أحداً من الجادين لا يقول ذلك، وإن اختلفت درجات الجد وزوايا الرؤية ومناهج العاملين.
إننا في الحقيقة نملك الكثير... إذا عزمنا العزمة الصادقة، واتجهنا الاتجاه الصحيح، إي إذا عزمنا عزمة صادقة أن نعود إلى حقيقة ديننا ونتحمل التكاليف.
إنه لا بد من جهاد... وكل طريق غيره لا يؤدي إلى شيء... والذين يتهيبون الطريق يقدمون بدائل يحسبونها تؤدي إلى الخلاص وتعفيهم في ذات الوقت من الجهاد، وعند التحليل الواقعي تنكشف هذه البدائل عن أوهام...
يقولون: نبني اقتصادياتنا على أسس متينة، فكل شيء في عالم اليوم مبني على الاقتصاد.
ونقول: مرحباً ببناء اقتصادياتنا على أسس متينة، فذلك أمر لا غنى عنه في أي حال من الأحوال، ولكن الوهم يقع عند الظن بأن هذا الطريق سيوصلنا - وحده - ويعفينا من الجهاد.
إن الذين يتحكمون فينا ليمنعونا من تطبيق شريعتنا، هم أنفسهم الذين يتحكمون فينا ليبقى اقتصادنا عالة عليهم، ولا يستقل عنهم، ولا يستغنى عن تدخلهم، ولا يصل إلى حد الاكتفاء.
وليست هذه دعوة إلى اليأس من الإصلاح... كلا! ولكنها فقط تبصرة بأن الأمر لا يستغني عن الجهاد.
إن الأرض التي انتشر فيها الإسلام - بقدر من الله - هي بفضل الله أغنى بقعة في الأرض، بثرواتها البشرية والمعدنية والمائية، وكل أنواع الطاقات، ولكن أهلها اليوم هم أفقر سكان الأرض، وأشدهم جوعاً ومرضاً وتخلفاً... ولو كانت هذه الثروات والطاقات ملكاً حقيقياً لأهلها لكانوا أغنى سكان الأرض... فمن الذي يمنعهم من امتلاكها والتصرف الحر فيها؟ هم ذات الأعداء الذين يمنعونهم من تطبيق شريعتهم!
إن في السودان وحده مساحة من الأرض يقول الخبراء إنها لو زرعت قمحاً لكفت افريقيا كلها، ودفعت عنها غائلة الجوع بفضل من الله، وقصتها أنها من أخصب بقاع الأرض ولكنها مستنقعات لا تصلح في صورتها الراهنة لشيء، والسبب في ذلك أنه يحدث في النيل في وقت واحد فيضانان، أحدهما تسببه الأمطار المحلية في السودان، التي تملأ النهر بالماء، ثم يأتي الفيضان الآخر من الحبشة محملاً بالغرين الذي يخصّب الأرض، فيجد النهر ممتلئاً فيفيض على الجنبين ويجعل الأرض مستنقعات، والمشروع المطلوب هو حفر قناة وإنشاء خزان تختزن فيه المياه القادمة من الحبشة حتى يتصرف الماء المجتمع من الأمطار المحلية، فيستفاد من هذه المياه وتلك، ويستفاد من الأرض بعد تجفيفها وإعدادها للزراعة، فيزرع فيها من القمح ما يكفي افريقيا كلها.
فما الذي يمنع من تنفيذ ذلك المشروع الحيوي - وهو مدروس من الوجهة الفنية منذ ما يزيد كثيراً على نصف قرن -؟ تمنع من تنفيذه عوامل كثيرة، ليس أقلها تحكم القوى العالمية في اقتصادياتنا بحيث لا نجد في أي وقت فائضاً من المال نوجهه لمثل هذا المشروع النافع، ولا فسحة من الوقت ننتظر فيها ثماره - ولا بد أن يستغرق بضع سنوات من الإنفاق قبل أن يعطي الثمار - لأننا نلهث دائماً وراء تلك القوى نستمطر رحمتها لكي تسعفنا بلقمة الخبز، وتجدول لنا الديون التي نقترضها منهم للوفاء بلقمة الخبز للجماهير الجائعة، ثم تذهب مذاهب لا يعلمها إلا الله، وتثقل الجماهير بدفع فوائد القروض!
وفي آسيا مساحات شاسعة من الأرض القابلة للزراعة، وكميات هائلة من الماء الذي يذهب هدراً في المحيطات، أو يغرق الأرض في فيضانات هادرة تهلك الحرث والنسل... ويحتاج الأمر إلى مشروعات هندسية لتنظيم استخدام الماء، وتخزينه وقت فيضانه وتوجيهه إلى الزراعة وإنتاج الكهرباء... فما الذي يمنع من تنفيذ تلك المشروعات؟ ذات العوامل... ذات القوى المتسلطة التي لا تريد للمسلمين أن يقوموا من وهدتهم.
فكيف تواجه تلك القوى بغير جهاد؟!
ويقولون: نقوي أنفسنا بالسلاح لكي نواجه الأعداء!
ونقول: مرحباً بتقوية أنفسنا بالسلاح... فذلك أمر لا غنى عنه في أي حال من الأحوال.
ولكن الوهم يقع مرة أخرى حين نظن أن هذا الطريق موصل بذاته، بغير جهاد.
فمن أين نأتي بسلاحنا؟
إنه من عند ذات القوى التي تمنعنا من تطبيق شريعتنا، وتمنعنا في الوقت ذاته من تملك القوة الحقيقية التي نحمي بها أنفسنا فضلاً عن أن تكون عندنا قوة ترهب الأعداء، كما أمر رب العالمين: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ}.
وحين نحاول أن نصنّع شيئاً من وسائل القوة تهددنا القوى المتسلطة أو تضربنا.
ولنتذكر جيداً أن "القوى العظمى" مكنت إسرائيل من ضرب المفاعل النووي في إحدى الدول العربية بحجة أنه يهدد أمنها، بينما تملك إسرائيل ثلاث مفاعلات نووية - بحماية القوى العظمى - تهدد بها أمن العالم العربي بأسره والعالم الإسلامي!
ولنذكر أيضاً أن أمريكا هددت بضرب ليبيا بحجة أنها تسعى في إنشاء مصنع للأسلحة الكيماوية! بينما تملك كل دول الغرب مصانع ومصانع من كل نوع من أنواع السلاح بما في ذلك الأسلحة الكيماوية الممنوعة على ليبيا!
ولا تجد "الدول العظمى" في نفسها خجلاً من مثل هذه التصرفات المكشوفة، لأنها "عظمى"... لأنها تملك القوة!
ومن قبل تذرعت بريطانيا "العظمى" لاحتلال مصر عام 1882م، بأن مصر ترمم حصونها الساحلية في أبى قير! فمجرد ترميم الحصون القديمة اعتبرته بريطانيا عملاً عدائياً ضدها! عملاً يستوجب التأديب!
فهل من سبيل لرفع ذلك الجور المحيط بالأمة الإسلامية في جميع الميادين إلا بالجهاد؟!
يقولون: نتعلم.
ونقول: مرحباً بالعلم، فذلك أمر لا غنى عنه في أي حال من الأحوال.
ولكن أبناءنا حين يتعلمون بغير روح الجهاد، فإنما يتعلمون قشوراً من العلم، ولا يصبرون على تكاليف العلم الحقيقي، ويتعلمون لكي يحصلوا على ورقة تؤهلهم للوظيفة المريحة في العمل المريح، ويهربون من العمل الشاق الذي ترتقي به البلاد، ومن شذ منهم فبرز في علمه حقيقة تسعى "القوى العظمى" إلى شرائه، إما بإغرائه بالهجرة إليها، وإما بشراء فكره وقلبه فيكون أداة إفساد في وطنه بدلاً من أن يكون أداة إصلاح...
ويقولون... ويقولون... ويقولون...
كل الوسائل التي يقترحونها تدور في مدى معين، هو المدى الذي رسمته لنا القوى العالمية التي تحارب تطبيق شريعة الله... فهل من سبيل إلا بالجهاد؟!
* * *
يقول الذين يتهيبون الطريق... كيف نجاهد ونحن مستضعفون؟ كيق نجاهد ونحن في قبضتهم أنّى اتجهنا؟
وهؤلاء نقول لهم: انظروا إلى الجهاد الأفغاني... وانظروا إلى الانتفاضة الإسلامية في فلسطين؛ من كان يتصور - أو يصدق - أن أمة شبه عزلاء تضطر أكبر قوة وحشية في التاريخ الحديث أن تسحب جنودها من الميدان؟!
إن الجهاد الأفغاني آية من آيات الله... إنه تصديق عملى لما جاء في كتاب الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.
لقد كاد انتصار الفئة القليلة المؤمنة على أضعافها من القوى الكافرة يصبح أسطورة في حس "المسلم المعاصر"، أو على الأكثر ذكرى لأيام خلت لا يمكن أن تعود!
وحين يقرأ "المسلم المعاصر" في كتاب الله أمثال هذه الايات: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}، {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
حين يقرأ "المسلم المعاصر" أمثال هذه الآيات في كتاب الله؛ لا يحس أنها موجهة إليه هو، ولا موجهة إليه الآن في هذه اللحظة، إنما يقرؤها على أنها كانت موجهة للذين تلقوا القرآن أول مرة ولا علاقة لها بالأجيال الحاضرة! وهي في حسه رواية عن أحداث مضت، وليست سنناً جارية تتحقق كلما تحققت أسبابها!
ولكن الجهاد الأفغاني أعادها إلى وضعها الحقيقي... إنها توجيهات ربانية موجهة للأمة كلها في جميع أجيالها، وسنن جارية تتحقق كلما تحققت أسبابها... {تنصروا الله}، هذا هو المطلوب من الأمة، وحين يقع، يترتب عليه الجزاء الرباني؛ {ينصركم ويثبت اقدامكم}، {وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}.
والمعركة في أفغانستان ما تزال دائرة، وما ندري إلى أي شيء ينتهي ذلك الصراع الجبار، ولكن ما تم منه حتى اللحظة درس للمتهيبين، ودرس للمترددين، ودرس للمتشككين... ودافع في الوقت ذاته لأولي العزم من المجاهدين.
أما الانتفاضة الفلسطينية فهي درس آخر على الطريق:
إنها لا تملك إلا الحجارة... ولكنها تملك أكبر طاقة يؤتاها البشر؛ الإيمان.
وقد فعلت الحجارة في يد الصبية المؤمنين ما لم تفعل أربعون سنة من المناورات والمحادثات والمفاوضات والاجتماعات فيما يسمى "المحافل الدولية" وغيرها من المنتديات.
إنها تحقيق آخر للسنن الربانية الجارية، التي تتحقق كلما تحققت الأسباب.
ودافع لاستنهاض الهمم لمن يملك العزيمة ويبحث عن الطريق...
* * *
لا بد للأمة الإسلامية - لكي تستعيد مقومات وجودها، وفي مقدمتها التحاكم إلى شريعة الله، وتحقيق منهج الله - لابد لها من الجهاد، فإن الأعداء لن يسلموا لها شيء إلا بالجهاد... لا التعليم الحقيقي المثمر، ولا الاقتصاد المستقل، ولا السلاح... ولا شيء على الإطلاق، إنهم سيظلون يحاورون ويداورون، ثم لا يعطون الأمة إلا ما يريدون هم، وما يحقق مصالحهم هم، لا ما يحقق الوجود الحقيقي للأمة التي لا يريدون لها الوجود!
والجهاد وحده هو الذي يحقق للأمة كيانها الذي تتطلع إليه. كيانها السياسي، وكيانها الاقتصادي، وكيانها الحضاري، وكيانها العلمي، وكل كيان.
ولن يتحقق شيء في يوم وليلة، فالمشوار طويل، لأن المدى الذي بعدته هذه الأمة عن طريق الله، والذي ينبغي أن تقطعه من جديد لتعود إليه... مدى كبير، يحتاج إلى زمن غير قصير، وجهد غير قليل.
ولكنه أمر لا بد منه...
ينبغي لنا أن نوطن أنفسنا لجهاد طويل...
ينبغي أن نتعلم بروح الجهاد، ونعمل بروح الجهاد، ونعيش بروح الجهاد، ونحمل في حسنا في كل لحظة أن لنا هدفاً ضخماً نريد تحقيقه، ونعمل على تحقيقه، فبمثل هذه الروح تولد الأمم من جديد، وتأخذ طريقها إلى الصعود.
لا بد من تربية جيل جاد، يحمل بين جنبيه الشعلة المقدسة: شعلة الإيمان، شعلة الجهاد.
وحين يولد هذا الجيل، فسيحقق الله النصر على يديه، تحقيقاً لسننه الجارية، ولوعده الخاص لهذه الأمة: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}.
وحين يولد هذا الجيل، الذي يعيش بروح الجهاد في كل لحظة، فهو إما أن يجد الطريق مفتوحاً، فيحقق أهدافه بجهاد العمل الشاق المتواصل، وإما أن يجد الطريق مسدوداً فيفتحه بجهاد القتال... ولا ينال في كل حالة إلا إحدى الحسنيين: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ}.
وعندئذ يصبح تطبيق الشريعة أمراً واقعاً... وتصبح العقبات هي الأوهام!
ــــــــ
[91] انظر إن شئت: "واقعنا المعاصر"، فصل؛ "آثار الانحراف".
[92] انظر إن شئت: "مفاهيم ينبغي أن تصحح".
[93] تميزاً لها عن الحروب الصليبية الثانية، التي تدور منذ قرنين أو ثلاثة وما تزال دائرة.
::::::::
نقلاً عن كتاب ( حول تطبيق الشريعة )
للأستاذ الدكتور / محمد قطب .
شفاه الله وأطال عمره على طاعته ونفع به الاسلام واهله
اللهم آمين .
المبحث السادس :
شبهة عدم إمكان تطبيق الشريعة بسبب "الدول العظمى" وضغطها على العالم الإسلامي.
تبدو هذه الشبهة من بين الشبهات جميعاً أكثرها "واقعية"... فالدول التي نحيت فيها الشريعة الإسلامية نتيجة التدخل العسكري لأعداء الإسلام، ما تزال عاجزة عن السيطرة الحقيقية على شئونها وإن كانت قد استقلت ظاهرياً، بمعنى خروج الجيوش الغازية من أراضيها، فما تزال واقعة تحت السيطرة السياسية أو الاقتصادية لهذه الدولة أو تلك من القوى العالمية التي تسمى "الدول العظمى"، وما تزال في حالة من الضعف السياسي والاقتصادي والحربي والعلمي والمادي، تجعل خضوعها لسيطرة تلك القوى أمراً واقعاً، شئناه أم أبيناه.
ولهذه القضية - في دراستنا هذه - وجهان:
الوجه الأول؛ هو الإجابة على هذا السؤال: لماذا صار العالم الإسلامي إلى هذا الوضع المهين إزاء القوى العالمية المتسلطة؟
والوجه الثاني؛ هو الإجابة على هذا السؤال: هل حقاً لا نملك أن نصنع شيئاً إزاء ذلك التسلط العالمي على الأمة الإسلامية؟
فإذا تبينّا هذين الوجهين، فسيتبين لنا مدى الواقعية الحقيقية لهذه الشبهة من بين الشبهات.
* * *
فأما السؤال الأول فما بنا هنا أن نتكلم عنه بإسهاب [91]، وإنما نختصر الإجابة عنه أشد الاختصار، فنقول إن السبب في هذا الوضع المهين هو تهاوننا التدريجي المتزايد في التمسك بحقيقة هذا الدين، وانحسار مفاهيمه كلها عن حقيقتها التي نزلت بها من عند الله، واتخاذها صورة غريبة على هذا الدين، بدءاً من مفهوم "لا إله إلا الله"، إلى مفهوم العبادة، إلى مفهوم القضاء والقدر، إلى مفهوم الدنيا والآخرة، إلى مفهوم الحضارة وعمارة الأرض، إلى مفهوم الجهاد، إلى مفهوم التربية، إلى مفهوم الأخلاق، إلى مفهوم العلم... إلى مفهوم كل شيء في هذا الدين [92]!
"لا إله إلا الله"؛ تحولت إلى كلمة تنطق باللسان، وقد كانت منهج حياة كامل!
العبادة؛ انحصرت في الشعائر التعبدية وقد كانت شاملة لكل عمل وكل فكر وكل شعور في حياة المؤمن!
عقيدة القضاء والقدر؛ كانت قوة دافعة رافعة، فصارت قوة مثبطة مخذلة!
الدنيا والآخرة؛ كانتا في حس المسلم حسية واحدة وطريقاً واحداً أوله في الدنيا وآخره في الآخرة، فأصبحت معسكرين متضادين، إما أن تعمل للدنيا وإما أن تعمل للآخرة... ولا يجتمعان!
الحضارة؛ كانت مفهوماً شاملاً يشمل العقيدة والقيم والأخلاق والنظم والتنظيمات والأفكار والنشاط المعمر للأرض، فصارت مفوهاً سطحياً مادياً خلواً من القيم الحقيقية التي تتميز بها حياة الإنسان المسلم!
الجهاد؛ كان حركة بانية لإزالة الجاهلية من الأرض، وإحلال المنهج الرباني محلها، والتمكين لدين الله في الأرض، فانحصر في الجهاد "الدفاعي" ثم انحسر على يد الصوفية إلى جهاد النفس وترك الفساد يعج في الأرض!
التربية؛ كانت تربية شاملة هدفها تكوين المسلم المؤمن العالم بدينه، المتخلق بأخلاقياته، المجاهد في سبيله، فصارت تربية تقليدية تخرّج شخصيات سلبية وإمعات لا دور لها في شيء إيجابي، ولا قدرة لهم على البناء، ولا على مواجهة مستجدات الحياة.
الأخلاق؛ كانت معنى شاملاً يشمل أخلاق السياسة وأخلاق الاقتصاد وأخلاق الاجتماع وأخلاق الفكر وأخلاق الأدب وأخلاق الأسرة وأخلاق الجنس... فانحصرت في بعض ألوان السلوك دون بعض، وتحولت إلى تقاليد خاوية من الروح!
العلم؛ كان شاملاً للعلوم الدينية والعلوم الدنيوية من طب وفلك ورياضيات وفيزياء وكيمياء... إلخ، فانحصر في العلوم الدينية، وانحصر في حدود مذهبية ضيقة، وعصبية مذهبية سقيمة، وتقليد فكري لا يبدع!
ولما حدث ذلك كله، نتج عنه التخلف العلمي والمادي، والحضاري، والسياسي، والحربي، والاقتصادي، والأخلاقي، الذي اجتذب الأعداء من كل صوب ليحاولوا القضاء على الإسلام!
(يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)، قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: (إنكم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة من صدور أعدائكم، وليقذفن في قلوبكم الوَهْن)، قالوا: وما الوهْن يا رسول الله؟ قال: (حب الدنيا وكراهية الموت).
فكون المسلمين اليوم مستضعفين... حقيقةٌ، ولكنها حقيقة يقع وزرها على المسلمين أنفسهم، ولا تصلح عذراً لمجموع الأمة يوم القيامة، اليوم الذي قال الله بشأنه: {بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}.
وقد يقول المسلمون - وهم صادقون -؛ إن كيد الأعداء شديد.
ولكن ينبغي أن نذكر أن هذا الكيد ليس ابن اليوم، وليس ابن الأمس القريب... إن عمره على وجه التحديد أربعة عشر قرناً ونيفاً، أي منذ نزل هذا الدين... ولنعد إلى كتاب الله نجد وصفاً دقيقاً لهذا الكيد من كل الأطراف الحاقدة على "لا إله إلا الله"، والأمة التي اقامت "لا إله إلا الله" واقعاً معاشاً في الأرض، أولئك هم اليهود والنصارى والمشركون والمنافقون. ما تغير موقفهم منذ أربعة عشر قرناً، وما تغيرت الأسباب التي دعتهم إلى موقفهم: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}، {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}، {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}.
كلا! ليس الكيد ابن اليوم، ولا ابن الأمس القريب... فهو قديم قديم، وإن كانت بعض الوسائل قد تغيرت، فإن كل جيل من البشر يستخدم في صراعاته الأدوات المتاحة له في جيله... وإنما الذي تغير حقا هو موقف الأمة الإسلامية من هذا الكيد، وليس الكيد في ذاته ولا وسائل الكيد.
إن الله ينبه الأمة في كتابه المنزل إلى أعدائها، وإلى مواقفهم، ووسائلهم، وتدبيراتهم الظاهرة والخفية، ثم يقول لهم: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً}.
هذه إذن هي القضية...
إنهم لن يكفوا عن الكيد أبداً ما دامت الأمة المسلمة قائمة، وما دامت هناك فرصة للنيل منها... ولكن هناك أداة ربانية ترد كيدهم في نحورهم، فلا يضر الأمة بشيء: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}.
فما تلك الأداة الربانية التي ترد الكيد فيتراجع خاسئاً وهو حسير؟ أهي تعويذة تتلى أو تميمة تعلق على الصدر؟ كلا! إنها عمل إيجابي ضخم تلخصه هاتان الكلمتان: تصبروا... وتتقوا.
وحين انحرف فهم المسلمين لكل مفاهيم الإسلام، انحرف في حسهم كذلك مفهوم الصبر والتقوى، فتحولا إلى سلبية ليس فيها غناء.
ولنعد إلى سياق الآيات لنفهم المقصود بهاتين الكلمتين العظيمتين:
إن الأعداء يريدون أن يُجْلُوا المسلمين عن دينهم، ويردوهم من بعد إيمانهم كفاراً... فما الصبر المطلوب إذاً؟
إنه الصبر على تكاليف هذا الدين، والصبر في مواجهة الأعداء، وثبات المسلمين على دينهم مهما فعل الأعداء لإجلائهم عنه...
وما التقوى؟ إنها تقوى الله، إي اتقاء غضب الله وسخطه، فبأي شيء يتقى غضب الله وسخطه؟ هل من سبيل إلى ذلك إلا طاعته فيما أمر به والانتهاء عما نهى عنه؟!
هذا هو الصبر وهذه هي التقوى اللذان يصدان الكيد فلا يضر، وهما كما نرى قوتان إيجابيتان هائلتان، متينتان كالحصن، لا يجد الأعداء عندهما ثغرة للنفاذ إلى الأمة وإلحاق الضرر بها، والضرر المقصود هنا ليس هو الأذى الذي يصيب الأفراد، إنما هو الضرر الذي يلحق بالدين، الذي هو عماد هذه الأمة وكيانها الحقيقي، إما الأذى فهو يقع، ولكنه لا يؤثر في كيان الأمة، ولا يحولها عن طريقها: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ}.
وكذلك كان حال الأمة مع أعدائها يوم كانت قائمة بالشرط... كانت ممكّنة في الأرض، وكانت هي الغالبة وهي المستعلية، وكان كيد الأعداء مردوداً إلى نحورهم كما ارتد أيام الحروب الصليبية الأولى [93]، وأيام حروب التتار، وغيرهم وغيرهم من الأعداء.
فإن قلنا اليوم إن الكيد شديد، فهذه حقيقة، ولكنها حقيقة لا تعفي الأمة من مسئوليتها أمام الله، يوم يكون الإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره.
* * *
تحدثنا عن الوجه الأول من القضية، ومعرفته ضرورية لنا، لنتعرف على طريق الخلاص، فإن الطبيب إذا لم يتعرف على حقيقة الداء، والأسباب التي أدت إليه، فلن يصف الدواء الحقيقي الذي يؤدي - بإذن الله - إلى الشفاء.
أما الوجه الثاني؛ فهو الرد على هذا السؤال: أحقاً لا نستطيع شيئاً إزاء كيد الأعداء؟!
إن أحداً من الجادين لا يقول ذلك، وإن اختلفت درجات الجد وزوايا الرؤية ومناهج العاملين.
إننا في الحقيقة نملك الكثير... إذا عزمنا العزمة الصادقة، واتجهنا الاتجاه الصحيح، إي إذا عزمنا عزمة صادقة أن نعود إلى حقيقة ديننا ونتحمل التكاليف.
إنه لا بد من جهاد... وكل طريق غيره لا يؤدي إلى شيء... والذين يتهيبون الطريق يقدمون بدائل يحسبونها تؤدي إلى الخلاص وتعفيهم في ذات الوقت من الجهاد، وعند التحليل الواقعي تنكشف هذه البدائل عن أوهام...
يقولون: نبني اقتصادياتنا على أسس متينة، فكل شيء في عالم اليوم مبني على الاقتصاد.
ونقول: مرحباً ببناء اقتصادياتنا على أسس متينة، فذلك أمر لا غنى عنه في أي حال من الأحوال، ولكن الوهم يقع عند الظن بأن هذا الطريق سيوصلنا - وحده - ويعفينا من الجهاد.
إن الذين يتحكمون فينا ليمنعونا من تطبيق شريعتنا، هم أنفسهم الذين يتحكمون فينا ليبقى اقتصادنا عالة عليهم، ولا يستقل عنهم، ولا يستغنى عن تدخلهم، ولا يصل إلى حد الاكتفاء.
وليست هذه دعوة إلى اليأس من الإصلاح... كلا! ولكنها فقط تبصرة بأن الأمر لا يستغني عن الجهاد.
إن الأرض التي انتشر فيها الإسلام - بقدر من الله - هي بفضل الله أغنى بقعة في الأرض، بثرواتها البشرية والمعدنية والمائية، وكل أنواع الطاقات، ولكن أهلها اليوم هم أفقر سكان الأرض، وأشدهم جوعاً ومرضاً وتخلفاً... ولو كانت هذه الثروات والطاقات ملكاً حقيقياً لأهلها لكانوا أغنى سكان الأرض... فمن الذي يمنعهم من امتلاكها والتصرف الحر فيها؟ هم ذات الأعداء الذين يمنعونهم من تطبيق شريعتهم!
إن في السودان وحده مساحة من الأرض يقول الخبراء إنها لو زرعت قمحاً لكفت افريقيا كلها، ودفعت عنها غائلة الجوع بفضل من الله، وقصتها أنها من أخصب بقاع الأرض ولكنها مستنقعات لا تصلح في صورتها الراهنة لشيء، والسبب في ذلك أنه يحدث في النيل في وقت واحد فيضانان، أحدهما تسببه الأمطار المحلية في السودان، التي تملأ النهر بالماء، ثم يأتي الفيضان الآخر من الحبشة محملاً بالغرين الذي يخصّب الأرض، فيجد النهر ممتلئاً فيفيض على الجنبين ويجعل الأرض مستنقعات، والمشروع المطلوب هو حفر قناة وإنشاء خزان تختزن فيه المياه القادمة من الحبشة حتى يتصرف الماء المجتمع من الأمطار المحلية، فيستفاد من هذه المياه وتلك، ويستفاد من الأرض بعد تجفيفها وإعدادها للزراعة، فيزرع فيها من القمح ما يكفي افريقيا كلها.
فما الذي يمنع من تنفيذ ذلك المشروع الحيوي - وهو مدروس من الوجهة الفنية منذ ما يزيد كثيراً على نصف قرن -؟ تمنع من تنفيذه عوامل كثيرة، ليس أقلها تحكم القوى العالمية في اقتصادياتنا بحيث لا نجد في أي وقت فائضاً من المال نوجهه لمثل هذا المشروع النافع، ولا فسحة من الوقت ننتظر فيها ثماره - ولا بد أن يستغرق بضع سنوات من الإنفاق قبل أن يعطي الثمار - لأننا نلهث دائماً وراء تلك القوى نستمطر رحمتها لكي تسعفنا بلقمة الخبز، وتجدول لنا الديون التي نقترضها منهم للوفاء بلقمة الخبز للجماهير الجائعة، ثم تذهب مذاهب لا يعلمها إلا الله، وتثقل الجماهير بدفع فوائد القروض!
وفي آسيا مساحات شاسعة من الأرض القابلة للزراعة، وكميات هائلة من الماء الذي يذهب هدراً في المحيطات، أو يغرق الأرض في فيضانات هادرة تهلك الحرث والنسل... ويحتاج الأمر إلى مشروعات هندسية لتنظيم استخدام الماء، وتخزينه وقت فيضانه وتوجيهه إلى الزراعة وإنتاج الكهرباء... فما الذي يمنع من تنفيذ تلك المشروعات؟ ذات العوامل... ذات القوى المتسلطة التي لا تريد للمسلمين أن يقوموا من وهدتهم.
فكيف تواجه تلك القوى بغير جهاد؟!
ويقولون: نقوي أنفسنا بالسلاح لكي نواجه الأعداء!
ونقول: مرحباً بتقوية أنفسنا بالسلاح... فذلك أمر لا غنى عنه في أي حال من الأحوال.
ولكن الوهم يقع مرة أخرى حين نظن أن هذا الطريق موصل بذاته، بغير جهاد.
فمن أين نأتي بسلاحنا؟
إنه من عند ذات القوى التي تمنعنا من تطبيق شريعتنا، وتمنعنا في الوقت ذاته من تملك القوة الحقيقية التي نحمي بها أنفسنا فضلاً عن أن تكون عندنا قوة ترهب الأعداء، كما أمر رب العالمين: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ}.
وحين نحاول أن نصنّع شيئاً من وسائل القوة تهددنا القوى المتسلطة أو تضربنا.
ولنتذكر جيداً أن "القوى العظمى" مكنت إسرائيل من ضرب المفاعل النووي في إحدى الدول العربية بحجة أنه يهدد أمنها، بينما تملك إسرائيل ثلاث مفاعلات نووية - بحماية القوى العظمى - تهدد بها أمن العالم العربي بأسره والعالم الإسلامي!
ولنذكر أيضاً أن أمريكا هددت بضرب ليبيا بحجة أنها تسعى في إنشاء مصنع للأسلحة الكيماوية! بينما تملك كل دول الغرب مصانع ومصانع من كل نوع من أنواع السلاح بما في ذلك الأسلحة الكيماوية الممنوعة على ليبيا!
ولا تجد "الدول العظمى" في نفسها خجلاً من مثل هذه التصرفات المكشوفة، لأنها "عظمى"... لأنها تملك القوة!
ومن قبل تذرعت بريطانيا "العظمى" لاحتلال مصر عام 1882م، بأن مصر ترمم حصونها الساحلية في أبى قير! فمجرد ترميم الحصون القديمة اعتبرته بريطانيا عملاً عدائياً ضدها! عملاً يستوجب التأديب!
فهل من سبيل لرفع ذلك الجور المحيط بالأمة الإسلامية في جميع الميادين إلا بالجهاد؟!
يقولون: نتعلم.
ونقول: مرحباً بالعلم، فذلك أمر لا غنى عنه في أي حال من الأحوال.
ولكن أبناءنا حين يتعلمون بغير روح الجهاد، فإنما يتعلمون قشوراً من العلم، ولا يصبرون على تكاليف العلم الحقيقي، ويتعلمون لكي يحصلوا على ورقة تؤهلهم للوظيفة المريحة في العمل المريح، ويهربون من العمل الشاق الذي ترتقي به البلاد، ومن شذ منهم فبرز في علمه حقيقة تسعى "القوى العظمى" إلى شرائه، إما بإغرائه بالهجرة إليها، وإما بشراء فكره وقلبه فيكون أداة إفساد في وطنه بدلاً من أن يكون أداة إصلاح...
ويقولون... ويقولون... ويقولون...
كل الوسائل التي يقترحونها تدور في مدى معين، هو المدى الذي رسمته لنا القوى العالمية التي تحارب تطبيق شريعة الله... فهل من سبيل إلا بالجهاد؟!
* * *
يقول الذين يتهيبون الطريق... كيف نجاهد ونحن مستضعفون؟ كيق نجاهد ونحن في قبضتهم أنّى اتجهنا؟
وهؤلاء نقول لهم: انظروا إلى الجهاد الأفغاني... وانظروا إلى الانتفاضة الإسلامية في فلسطين؛ من كان يتصور - أو يصدق - أن أمة شبه عزلاء تضطر أكبر قوة وحشية في التاريخ الحديث أن تسحب جنودها من الميدان؟!
إن الجهاد الأفغاني آية من آيات الله... إنه تصديق عملى لما جاء في كتاب الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.
لقد كاد انتصار الفئة القليلة المؤمنة على أضعافها من القوى الكافرة يصبح أسطورة في حس "المسلم المعاصر"، أو على الأكثر ذكرى لأيام خلت لا يمكن أن تعود!
وحين يقرأ "المسلم المعاصر" في كتاب الله أمثال هذه الايات: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}، {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
حين يقرأ "المسلم المعاصر" أمثال هذه الآيات في كتاب الله؛ لا يحس أنها موجهة إليه هو، ولا موجهة إليه الآن في هذه اللحظة، إنما يقرؤها على أنها كانت موجهة للذين تلقوا القرآن أول مرة ولا علاقة لها بالأجيال الحاضرة! وهي في حسه رواية عن أحداث مضت، وليست سنناً جارية تتحقق كلما تحققت أسبابها!
ولكن الجهاد الأفغاني أعادها إلى وضعها الحقيقي... إنها توجيهات ربانية موجهة للأمة كلها في جميع أجيالها، وسنن جارية تتحقق كلما تحققت أسبابها... {تنصروا الله}، هذا هو المطلوب من الأمة، وحين يقع، يترتب عليه الجزاء الرباني؛ {ينصركم ويثبت اقدامكم}، {وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}.
والمعركة في أفغانستان ما تزال دائرة، وما ندري إلى أي شيء ينتهي ذلك الصراع الجبار، ولكن ما تم منه حتى اللحظة درس للمتهيبين، ودرس للمترددين، ودرس للمتشككين... ودافع في الوقت ذاته لأولي العزم من المجاهدين.
أما الانتفاضة الفلسطينية فهي درس آخر على الطريق:
إنها لا تملك إلا الحجارة... ولكنها تملك أكبر طاقة يؤتاها البشر؛ الإيمان.
وقد فعلت الحجارة في يد الصبية المؤمنين ما لم تفعل أربعون سنة من المناورات والمحادثات والمفاوضات والاجتماعات فيما يسمى "المحافل الدولية" وغيرها من المنتديات.
إنها تحقيق آخر للسنن الربانية الجارية، التي تتحقق كلما تحققت الأسباب.
ودافع لاستنهاض الهمم لمن يملك العزيمة ويبحث عن الطريق...
* * *
لا بد للأمة الإسلامية - لكي تستعيد مقومات وجودها، وفي مقدمتها التحاكم إلى شريعة الله، وتحقيق منهج الله - لابد لها من الجهاد، فإن الأعداء لن يسلموا لها شيء إلا بالجهاد... لا التعليم الحقيقي المثمر، ولا الاقتصاد المستقل، ولا السلاح... ولا شيء على الإطلاق، إنهم سيظلون يحاورون ويداورون، ثم لا يعطون الأمة إلا ما يريدون هم، وما يحقق مصالحهم هم، لا ما يحقق الوجود الحقيقي للأمة التي لا يريدون لها الوجود!
والجهاد وحده هو الذي يحقق للأمة كيانها الذي تتطلع إليه. كيانها السياسي، وكيانها الاقتصادي، وكيانها الحضاري، وكيانها العلمي، وكل كيان.
ولن يتحقق شيء في يوم وليلة، فالمشوار طويل، لأن المدى الذي بعدته هذه الأمة عن طريق الله، والذي ينبغي أن تقطعه من جديد لتعود إليه... مدى كبير، يحتاج إلى زمن غير قصير، وجهد غير قليل.
ولكنه أمر لا بد منه...
ينبغي لنا أن نوطن أنفسنا لجهاد طويل...
ينبغي أن نتعلم بروح الجهاد، ونعمل بروح الجهاد، ونعيش بروح الجهاد، ونحمل في حسنا في كل لحظة أن لنا هدفاً ضخماً نريد تحقيقه، ونعمل على تحقيقه، فبمثل هذه الروح تولد الأمم من جديد، وتأخذ طريقها إلى الصعود.
لا بد من تربية جيل جاد، يحمل بين جنبيه الشعلة المقدسة: شعلة الإيمان، شعلة الجهاد.
وحين يولد هذا الجيل، فسيحقق الله النصر على يديه، تحقيقاً لسننه الجارية، ولوعده الخاص لهذه الأمة: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}.
وحين يولد هذا الجيل، الذي يعيش بروح الجهاد في كل لحظة، فهو إما أن يجد الطريق مفتوحاً، فيحقق أهدافه بجهاد العمل الشاق المتواصل، وإما أن يجد الطريق مسدوداً فيفتحه بجهاد القتال... ولا ينال في كل حالة إلا إحدى الحسنيين: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ}.
وعندئذ يصبح تطبيق الشريعة أمراً واقعاً... وتصبح العقبات هي الأوهام!
ــــــــ
[91] انظر إن شئت: "واقعنا المعاصر"، فصل؛ "آثار الانحراف".
[92] انظر إن شئت: "مفاهيم ينبغي أن تصحح".
[93] تميزاً لها عن الحروب الصليبية الثانية، التي تدور منذ قرنين أو ثلاثة وما تزال دائرة.
::::::::
نقلاً عن كتاب ( حول تطبيق الشريعة )
للأستاذ الدكتور / محمد قطب .
شفاه الله وأطال عمره على طاعته ونفع به الاسلام واهله
اللهم آمين .
تعليق