مقال بقلم الشيخ :عبدالله كامل حفظه الله بعنوان: رحلتى إلى الحرمين دروس وعبر
الحمد لله على إحسانه والشكر له على جزيل فضله وامتنانه والصلاة والسلام على نبينا محمد عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه وعلى آله وأصحابه وإخوانه أما بعد:: فحياكم الله جميعا أيها الإخوة والأخوات وجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. هذه وقفة يسيرة مع رحلتي إلى بلاد الحرمين أقطف فيها ومنها بعض العبر والدروس التي خرجت بها من هذه الرحلة وأحببت أن أهديها إليكم لتتم المنفعة بإذن الله وأنا سأسوقها مختصرة دون إسهاب ولا تفصيل ولا إطناب ودون إملال ولا إخلال والله المستعان وعليه الاتّكال::::
الدرس الأول:: التأمل في استجابة الله تعالى دعاء أنبيائه والمرسلين من عباده:: فهذا إبرهيم عليه السلام يدعو لمكة أن يجعلها الله بلدا آمنا ويقول عليه السلام في ثنايا دعائه:: (( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ)) فيا للعجب كيف تحن النفوس إلى هذه البقاع الطاهرة وكيف تشتاق إليها شوقا يكاد يمزق القلب ولا يملك المرء وهو يطير بقلبه وأشواقه إلى هذه البقاع إلا أن يردد مع القائل::
أهواكِ يا كعبةَ الأنوارِ أهواكِ...
وأقطعُ العمرَ مُشتاقاً للُقياكِ..
ويردد معي وأنا أهتف من أعماق قلبي في قصيدتي التي مطلعها::
خذوني يا أحبائي خذوني...
إلى أرض الحجاز وأسعدوني...
بكى قلبي حنيناً والتِياعاً...
ودمعُ الشوقِ تذرفُهُ عيوني...
وبالمناسبة فهي مسجلة موجودة على مواقع كثيرة كاليوتيوب وغيره لمن أراد سماعها.
وهذا الدرس الأول لا أستطيع أن أكثر فيه الكلام لأنه لا يدركه الإنسان إلا بمشاعره ومهما وصفه الواصفون فلن يعبروا عن روعته. إنك بمجرد أن تخرج من البيت الحرام فتتذكر بعض هذه الأبيات فتنشدها فإن عينك تدمع ويدق قلبك وأنت هنا قريب في مكة لم تسافر ولم تبتعد ولكنها شدة الحنين إلى كعبة الله وبيته الحرام.. عسى الله يبلغنا وإياكم الطواف بها والتنعم بالعبادة فيها آمييين.
الدرس الثاني:: أنه لا يفوز باستشعار روح الإيمان وحلاوة التعبد لله عز وجل في هذه البقاع الطاهرة إلا من أكرمه الله عز وجل وتفضل عليه بواسع فضله. وإنكم لتندهشون إخواني وأخواتي حين تعلمون أن ناسا ممن يسكنون إلى جوار بيت الله الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدخلوا المسجد الحرام ولا المسجد النبوي مرة واحدة في حياتهم وهم ممن ينتسبون إلى الإسلام لكنهم لا يصلون ولا يعرفون المساجد: وكم سمعنا من قصص بعضهم أنه كان لا يصلي فلما جاءوا بجنازته إلى الحرم لم يستطيعوا قط أن يدخلوا بالجنازة حتى يصلي الناس عليها:: وسبحان الله!!! أبى اللهُ إلا أن يُذِل من عصاه. نسأل الله السلامة.
الدرس الثالث:: كلما ازداد العبد تذللا إلى ربه وتعبدا له وإكثارا من ذكره كلما ازداد صدره انشراحا وازداد قلبه انفساحا وازدادت روحه ارتياحا فإذا هو يردد بقلب مطمئن قد اجتاح الإيمان منه وساوس الشيطان اجتياحا::: ((أَلا بذِكْرِ اللهِ تطْمَئِنُّ القُلوبُ.)) وصدق رسول الله::
(((مثَلُ الّذي يذكر ربه والّذي لا يذكر ربه كمثَلِ الحيِ والميت.))) وصدق القائل::
إذا مرِضنا تداوَينا بذِكْرِكُمُ...
ونترُكُ الذِكرَ أحياناً فننتَكِسُ...
وهذا درس يطول الكلام فيه جدا وتكفي هذه الإشارة.
الدرس الرابع:: تحقيق الامتثال لأمر الله عز وجل واستشعار عظمة حكمة الله عز وجل في أوامره ونواهيه وحين يستحضر المؤمن هذه المعاني يدرك أنه ليس شرطا أبدا أن يدرك الحكمة في كل أمر ونهي من الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وسلم. فأنت حينما تتأمل مناسك الحج والعمرة تجد نفسك تطوف حول حجر وتُقبّل حجر وتسعى بين حجرين أو جبلين كبيران وترمي حجرا بحجَر!!! فيتجلى نور الإيمان في قلبك فتعلن بلسانك وبقلبك التلبية والخضوع والانكسار لصاحب هذا الأمر الذي أمر بهذه المناسك لأنه هو العليم الحكيم الخبير سبحانه وبحمده وتكتفي بأن تجعل قدوتك وأسوتك في هذا التعبد سيدَ المتعبدين وإمامَ المتقين صلى الله عليه وسلم فيستريح قلبك ويطمئن فؤادك حين تتذكر قوله عليه الصلاة والسلام:: ((خذوا عني مناسكَكم.)) صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم 7882
الدرس الخامس:: كلما ازداد اليقين في قلبك كلما كنت أقرب إلى ربك وكلما كانت إجابة دعائك أسرع. فالمؤمن حين يشرب من ماء زمزم ويتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم.. ماء زمزم لما شُرِبَ له. إرواء الغليل - الصفحة أو الرقم 4/320 فإنه يحتاج إلى فيض من اليقين في وعد الله ورسوله يروي هذا الفيض قلبه قبل أن يروي هو بدنه بماء زمزم فيستشعر حينها حلاوة هذا الماء ويستشعر عندها قرب الفرَج وحين تجاب دعوته بفضل الله يزداد اليقين في قلبه أكثر وأكثر. بخلاف من يشرب ماء زمزم لكي يجرب مثلاً هل يمكن أن يشفيه هذا الماء أو تستجاب دعوته بشربه فإن هذا بقدر ما في قلبه من الشك أو الريب أو التردد يكون حرمانه مما يصبو إليه والله المستعان.
الدرس السادس:: استشعار عظيم رحمة الله تعالى وفضله على عباده بقبول دعواتهم وتضرعاتهم فما أكثر ما تسمعه من إخوانك الذين تلقاهم في الحرم ممن يقول:: لقد كنت مصابا بمرض كذا وكان في رجلي كذا وكان في بطني كذا وبمجرد أن شربت من زمزم شفاني الله تعالى!!! فتقول بقلب مملوء حبا لله مشغوفا بواسع رحمته على عباده::: ما أعظمك يا ربنا وما أرحمك بعبادك الضعفاء المذنبين!!!.
الدرس السابع:: استشعار رحمة الله تعالى في تيسيره الأمورَ لعبده من حيث لا يحتسب فحين تردد بنبضات قلبك:: اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا ... وتكتب هذه الكلمات الغاليات على صفحات قلبك بماء اليقين فإنك تجد من تيسير الله لك وتسهيله لأمورك ما يعقد لسانك إلا عن شكر الله تبارك وتعالى. وأنا لو استطردت في هذا الباب لأسمعتكم من أمري ومن قصص تيسير الله لي عجبا عُجابا لكن يكفي أن تعلم باختصار شديد أنه في الوقت الذي يخاف كثير من أصحاب الأبصار على أنفسهم من كثرة الزحام وسعة الأماكن وتشعب الطرقات في هذه البقاع الكريمة تجد مثلي ممن أنعم الله عليه بفقد البصر يتحرك بسهولة ويسر ولا يحمل هم هذا الأمر على الإطلاق ولا يحتاج إلى أن يحمل لافتة على صدره تدل على مكان الفندق الذي يقيم فيه ورقم حجرته وما إلى ذلك. وفي الوقت الذي يتعرض كثير من الناس للمعاناة فيضلون الطريق إلى هذا المكان أو ذاك في الوقت الذي لا تخاف أنت فيه على نفسك مثل هذا أبدا. والوقائع معي في هذا الباب كما قلت كثيرة جدا.. أقربها حضورا في ذهني أنني ذات يوم كنت مع بعض إخواني ممن لقيتهم هناك وبعد إنهاء الطواف أجلسني أحدهم في صحن الكعبة وتركني بعدما سمحت له بالانصراف راشدا وبعد انصرافه بدقائق يسيرة فصل شاحن هاتفي وليس معي أحد فلم أتحير كثيرا بل كل الذي قلته في نفسي دون كلام أنا سأواصل إكمال وردي وسيأتيني الآن من يتحركمعي حيث أريد وما كدت أنهي هذا الحديث النفسي حتى مر بي رجلان فعرفاني وسلما علي وفرحا بلقاءي كثيرا أحدهما من أسوان والآخر من ميت غمر وإذا بهما يقولان:: أين تحب أن تذهب!! ولم يفارقاني حتى بلغاني المكان الذي أريد... وهكذا كثير كثير بل دائم هذا التيسير من الله تعالى وقد حدث معي أيضا وأنا عائد إلى مصر شيء من هذه الأمور العجيبة لا أحب أن أطيل بذكرها الآن فإن أحببتم ذكرتها لكم لاحقا إن طلبتم مني ذلك.
الدرس الثامن:: من عرف الصحابة الأطهار وجب عليه أن يحبهم حبا منقطع النظير. من تأمل في حال هؤلاء الأشاوس الأماجد الذين كانوا نجومات زاهرة حول أعظم شمس عرفتها الدنيا وهو محمد عليه الصلاة والسلام من تأمل حال هؤلاء وما لاقوه من العنت والمشقة والشدائد الشديدة في حلهم وترحالهم يدرك عظمة تضحياتهم وكيف بذلوا الكبير والصغير والغالي النفيس من أنفسهم وجهدهم وطاقاتهم وأموالهم وأهليهم في سبيل نصرة دين الله وفي الدفاع عن رسوله صلى الله عليه وسلم. لو تأمت فقط في هذه المسافة التي تقطعها بين مكة والمدينة وأنت تركب سيارة مكيفة مجهزة والاستراحات متناثرة على الطريق تأكل الساخن وتشرب البارد وتستريح و و... إنك مع هذا كله تستشعر الملل والسآمة والمشقة لمجرد أن السيارة تسير بك أربع أو خمس ساعات!!! فسبحان الله كيف كان يسير هؤلاء الصحابة!!! كيف كانوا يقطعون هذه المسافات الشاسعة جدا في شدة الحر ووعورة الطريق وخطورته وقلة الزاد والمؤونة واستحضار قرب لقاء العدو ومقارعته بالسيوف ثم نفاد الزاد وقلة البعير والدواب وتقطع نعالهم من طول السير وشدة الحرارة!!!! يا الله!!!! يا الله!!! ما أعظم هؤلاء الصحابة وما أكبر هممهم وما أوفى نفوسهم وما أعظم تضحياتهم!!! وما أحقر وما أخس وما أفحش وأنجسَ من يتعرض لهم بالسب والغمز واللمز. أحب الله من أحب الصحابة. ولعن الله من أبغضهم وتنقصهم قولوا آمين.
الدرس التاسع:: أن للبيئة التي يعيش فيها الإنسان تأثيرا كبيرا في سلوكه وحياته وصفاته وشخصيته بل إن طبيعة الأرض نفسها تؤثر تأثيرا كبيرا في شخصية من يسكنها ويستنشق هواءها ويعيش في ظلالها وكذلك البيئة التاريخية إن صح التعبير ولا أراه صحيحا لها تأثير كبير في تكوين طبائع الناس. ونحن بالطبع نستثني من هذا من أكرمه الله بالاستقامة على دينه فإنه مهما كانت بيئته فإن استقامته هي التي تشكله تشكيلا جديدا مختلفا رائعا. حين تعامل كثيرا من الناس في مكة والمدينة تدرك هذا الذي وصفته لك وأقول كثيرا منهم ولا أعمم بالطبع وقد استثنيت من قبل. حين تعامل البعض في مكة تجد الشدة والغلظة في الكلام والجفاء في التعبير والسخرية والاستهزاء والكبر والتهكم بالآخرين بعض هؤلاء العساكر في الحرم يشدك هكذا ويجذبك بعنف ويدفعك بشدة ويجيبك بقرف وتهكم ويضحك من لغتك إذا تكلمت... وفي المقابل حين تزور المدينة تتعامل مع شرطتها مع الباعة الجائلين فيها مع أحد مسؤوليها مع عموم الناس فإنك تستشعر أن الأرض كلها ترحب بك وتفتح أحضانها لك.. فسبحان الله كيف طرد الرسول من مكة ولم يمكنوه أن يغرس فيها غراس النور فترة طويلة وكيف استقبلت المدينة هذا النور ليغرسه السراج المنير في قلوب الناس وأرواحهم وأصلابهم قبل أن يغرسه في أرضهم!!! وإياكم أن يفهم أحد أنني بهذا أتنقص أهل مكة أو أزدري مكة أعوذ بالله من الضلال لكنه فقط تأمل في تأثير البيئة في طبائع الناس واقرؤوا مقدمة بن خلدون لتزدادوا تأملا في مثل هذا.
ولا يزال الحديث موصولا أيها الكرام..
الدرس العاشر:: التأمل في أسماء الله الحسنى وصفاته العلا وأن من أسمائه عز وجل السميع البصير العليم الخبير سبحانه وبحمده ويتجلى ذلك جليا حين تطوف بالكعبة فتسمع لغات شتى ولهجات مختلفة كلها تسبح الله وتدعوه وتبكي بين يديه هذا بالتركية وذاك بالأوردية وثالث بالكردية ورابع بالسواحلية وخامس وسادس... سبحان من يسمع أصوات هؤلاء جميعا ويعلم حاجاتهم على اختلاف لغاتهم وتعدد لهجاتهم واختلاف ألسنتهم وألوانهم وكما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات!! وهو مع ذلك يجيب دعاء المضطرين ولا يتبرم بإلحاح الملحّين ولا بكثرة أسئلة السائلين بل هو سبحانه وبحمده يحب أن يسمع أصوات عباده وهم يتضرعون ويبتهلون إليه ويحب أن يرحمهم ويريد أن يتوب عليهم ويفرح بتوبتهم إذا تابوا إليه وهو القائل عز وجل:: ((واللهُ يُريدُ أنْ يتُوبَ عَلَيكُمْ)).
الدرس الحادى عشر:: أن لتلاوة القرآن حلاوة تغمر القلب سرورا وفرحا وأن هذه الحلاوة تزداد كلما ازداد شرف الزمان والمكان فأنت حين تقرأ القرآن في رمضان تجد صدرك منشرحا لآياته مشغوفا بتدبره أكثر من منك في غيره من الأوقات" وكذلك حين تقرأ القرآن في المسجد الحرام أو المسجد النبوي تجد له لذة وحلاوة وطلاوة ومتعة وانشراحا لصدرك أعجب ما يكون وذلك لشرف المكان وقداسته وروحانياته العالية رغم كل الشواغل. ولهذا فإن من الجميل جدا أن تجعل لنفسك وردا لتلاوة القرآن وتدبره ومن الجميل أيضا أن تكتب ما يفتح الله به عليك من معانٍ وفوائد يفتح الله بها عليك في هذه المواضع الشريفة. وهذا ما يفعله بعض مشايخنا وعلمائنا حفظهم الله وهذا ما كان يفعله بن القيم رحمه الله وغيره من أهل العلم.
الدرس الثانى عشر:: استشعار زيادة محبة النبي الحبيب الكريم صلى الله عليه وسلم في قلبك وأنت تدنو من هذه البقعة الطاهرة التي حرمها هو صلى الله عليه وسلم وبين أنه حرم المدينة كما حرم إبرهيم مكة بمعنى أن لها حرمة وقداسة ومكانة تختلف عن غيرها من البقاع أنت يا أخي كلما اقتربت من المدينة زادت النبضات في قلبك ولا تملك نفسك وإذا الدموع دموع الحنين والشوق والذكرى تترقرق في عينيك وأنت تدنو من مكان سكن فيه رسول الله ومشى فيه وجلس فيه مع أصحابه وبنى فيه مسجده وتزوج فيه نساءه وعاش حياته الطاهرة الزاهرة!!! كلما دنوت من المسجد النبوي الشريف ازداد الحنين في قلبك فتسأل نفسك:: كيف لو رأيت رسول الله؟! كيف لو جلست معه مرة هنا أو هناك؟! كيف لو صليت خلفه؟! وعندها تعذر أصحاب الحبيب عليه الصلاة والسلام حين كادت تتمزق قلوبهم وتتفطر أكبادهم حزنا على فراق الحبيب صلى الله عليه وسلم بعد وفاته وعندها تتذكر قول أنس رضي الله عنه:: (لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء فلما توفي صلى الله عليه وسلم أظلم منها كل شيء) ويزداد هذا الحنين الجارف ويزمجر الشوق العاصف حين تدنو لحظة الرحيل عن مدينة النبي النبيل عليه صلاة وسلام الملك الجليل. فيا رب أحينا على سنته وتوفنا على ملته واحشرنا في زمرته. قولوا آمين.
الدرس الثالث عشر:: وسطية أهل السنة والجماعة في كل أمورهم بين فرق الانحراف والضلال فحين تزور قبره صلى الله عليه وسلم فإنك أيها السني لا تتجاوز ما علمك حبيبك عليه الصلاة والسلام فأنت تصلي على النبي الكريم وتلقي عليه السلام بتأدب وتوقير لكنك لا تدعوه ولا تسأله شيئا من أمرك بل حتى لا تدعو ربك وأنت متجه إلى قبره عليه الصلاة والسلام بل تتجه إلى القبلة وتدعو ربك العظيم الحي الذي لا يموت وتسأله ما تريد. أما المنحرفون من أهل البدع فهم يفعلون الأعاجيب من بكاء ونواح وصياح مزيف مكذوب ويقولون كلاما أبعد ما يكون عن هدي هذا الحبيب الذي يقفون عند قبره فمنهم من يسأله ومنهم من يستغيث به إلى غير ذلك من البدع. وفي المقابل من الناس من يمنع من زيارة قبره صلى الله عليه وسلم بحجة المنع من الغلو فيه عليه الصلاة والسلام وكما قيل:: كِلا طرفَيْ قصدِ الأمورِ ذَميمُ... وكذلك نحن الأمة الوسط في شأن حب الرسول عليه الصلاة والسلام بين الغالي والجافي فهذه الطائفة المتناقضة المجرمة الخبيثة المسماة الرافضة تجدهم يبكون عند البقيع وينوحون أشد ما يكون النواح على بعض الصحابة وهم في الوقت ذاته يمرون بقبر أبي بكر وعمر فيلعنونهما وربما تجرأ قذر منهم فبصق على قبري أكرم الناس بعد الأنبياء والمرسلين فقاتل الله البدعة والمصرّين عليها بعد علم وبيان.
الدرس الرابع عشر:: أن فتح المجال لأهل البدع والأهواء وجرؤهم يجعل لهم شوكة فيتبجحون بإظهار بدعهم وضلالاتهم أمام الجميع لأنه لم يؤخذ على أيديهم. وإني لإعجب في الحقيقة من السياسة التي يتعامل بها المسؤولون في بلاد الحرمين وخصوصا القائمين على رعاية الحرمين وحراسته كيف يفتحون المجال لهؤلاء الرافضة الأنجاس فتجدهم في الطابق الثاني من المسجد الحرام يتجمعون ويتصايحون ويتنابحون بما عندهم من الباطل ولا يمنعهم أحد إلا قليل من بعض العاملين بالهيئة بارك الله فيهم في الوقت الذي يضيَق فيه على أهل السنة فلا يكاد يجتمع خمسة أو عشرة ويطول بهم المجلس إلا حامت حولهم الشكوك وحاصرتهم الريبة لماذا يجتمعون وماذا يدبرون؟؟؟ تجد هؤلاء المبتدعة عند الكعبة يصرخون ويحدثون جلبة شديدة فيشغلوا الناس حتى عن الدعاء أثناء الطواف بل والأدهى من ذلك ما تراه من فتنة بنات فارس وغيرهم من من التبرج والسفور والاختلاط المشؤوم فمن الذي يستحق التضييق ومن الذي يجب أن يؤخذ على يديه؟!! الله المستعان.
الدرس الخامس عشر أن القلوب ضعيفة وأن الفتنة خطافة بل إن للفتن خطاطيف تجذب قلوب الناس إليها حتى يسقطوا في حمأتها وأن الإنسان وإن كان في أشرف البقاع وأطهرها فإنه يجب عليه الاستعصام بربه والتحصن بغض البصر والبعد عن مواطن الفتن ولا يوسوس له الشيطان بوساوسه المنكرة أن هذا الاختلاط في ساحات الحرم وغيرها طالما أنه هنا فلا بد أنه لا بأس فيه والأمر هين وهكذا الظروف والوضع كله هكذا وماذا نفعل ويا ليته كان كذا... إلى غيره هذه الوساوس بل يجب على المؤمن أن يحتاط لنفسه وأن يحذر أشد ما يكون الحذر فرُبّ نظرة واحدة أورثت القلب من البلابل والهموم بما يشغله عن الذكر والقرآن وحتى عن الصلاة بل في الصلاة أحيانا وقد قال نبينا الكريم:: {{واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء}} وكما قيل::
وكنتَ إذا أرسلتَ طرفكَ رائداً...
لقلبك يوماً أتعَبَتْكَ المَناظِرُ...
رأيتَ الَّذِي لا كُلُّهُ أنتَ قادرٌ...
عليهِ ولا عن بعضِهِ أنتَ صابِرُ.
الدرس السادس عشر:: أنه في مثل هذه الأسفار الكريمة لا بد لك من زاد إيماني قلبي تستعد
به لهذه الرحلة الطاهرة كما تعد زادك من الطعام الذي يعينك على رحلتك ولذا قال الله تعالى:: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوَى) ولا بد لك من صحبة في سفرك تعينك على طاعة ربك لا بد من صحبة تكون حولك كالمصابيح التي تمدك بالضياء الذي يهديك سبل الخير وتمدك بالوقود الذي يزيد من علو همتك ويُهدون إليك قوارير من زيت النصيحة الذي يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار فإذا لم تجد هذه الصحبة التي تسابقك إلى الصلاة والقيام وتسابقك إلى التبكير في الذهاب إلى الحرمين وتسابقك في الخيرات وتنافسك في ختمات القرآن وغيرها إذا لم تجد هذه الصحبة فاعتزل واخلُ أنت بنفسك فما أحلاها من خلوة حين يكون أنيسك فيها ذكر الله وتلاوة كتابه والصلاة على نبيه والمسارعة في طاعته هذا خير لك من أن تصحب هؤلاء الذين يتمون عمرتهم ثم ينامون كسالى في الفنادق ولا يصلون في الحرم إلا قليلا وعلى مضض وتكاسل بسبب بعد المكان أو طول مسافة السير أو الزحام هذا خير لك من صحبة الأسواق التي تشعر أنها ما جاءت إلا لجمع السلع والبضائع واختيار أفضل الأقمشة وأرخص الأسعار وهذا اشتريناه بكذا وهذا ثمنه غالٍ وهذه ألوانها زاهية أو باهتة وهذا وهذه و... هكذا. احذر من هؤلاء فإن وقتك ثمين جليل وهو وقت قليل قليل فلا تشتت نفسك في كل سبيل فإن لم تجد على الخير من معين ولا دليل فاعتزل واجعل الخلوة المؤمنة المأمونة خير بديل..
الدرس السابع عشر:: أن الأخوة في الله آصرة عظيمة من أعظم الأواصر وحبل متين وروح تسري بين أرواح المؤمنين فإذا هم صف واحد وبنيان مرصوص كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا)) وهذه الأخوة ليست شعارا يتصايح به الإخوان وليست نشيدا مجردا يفسده ناشز الألحان لكنها ترنيمة حب صادق وأنشودة إخلاص يزينه لحن الوفاء الذي تعزف به نفوس المتحابين على قيثارة القلوب أبياتها بذل وتضحية ومواساة وإيثار وإشفاق على أخيك وقلق عليه وفرح لفرحه وحزن لحزنه وبيت القصيد فيها رجاؤك الصادق لأخيك أن يتقلب في نعم الله من خير إلى خير ومن فاضل إلى أفضل ومن جميل إلى أجمل!! هذه هي الأخوة التي تتجلى أنوارها في ظلمات الغربة والبعد عن الأهل والخلان ومفارقة الديار والأوطان. ومثل هذه الأخوة لا خوف عليها أبدا لأن رباطها وثيق وحبلها متين وجذرها عميق لأنها في الله الرحيم الرفيق. ولقد تنسمت عبير هذه الأخوة وشممت أطايبها حين نشر إخواني رقم هاتفي على الشبكة فوجدت هاتفي بين لحظة وأخرى يهتف لي فرحا مسرورا صادحا لحن الأخوة كأنه يقول لي:: أسرع افتح أجب هذا طارق محب يطرق باب قلبك ليلجه فيطمئن عليك!!!! وصدق القائل::
ولما التقَينا قرّبَ الشوقُ جهدَهُ...
خليلَينِ ذابا لوعةً وعٍتابا...
كأنَّ خَليلاُ في خِلالِ خًليلهِ...
تسَرّبَ أثناءَ العِناقِ وغابا...
وما أحسن ترنيمة القائل::
إنَّ أخاكَ الحقَّ من كانَ معَكْ...
ومَن يضُرُّ نفسَهُ لِينفعَكْ...
ومَن إذا ريبُ الزمانِ صدَّعَكْ...
شَتَّتَ فيكَ شملَهُ لِيجمَعَكْ...
الدرس الثامن عشر:: أن من المحن تأتي المنح ومن رحم المأساة يولد الفرَج ومن بين أشواك اليأس تتفتح زهرات الأمل وأنا أريدك أن تعطر سمع قلبك بكلام ربك حين يقول:: ((فإن معَ العسرِ يُسراً. إن معَ العسرِ يُسراً.)) ثم تغرد معي بهذه التغريدة::
عسى فرَجٌ يكونُ عسَى... نعلِّلُ نفسَنا بعسَى...
فلا تيأس وإنْ لاقيتَ همّاً يقبِضُ النَفَسا...
فأقربُ ما يكونُ العبدُ من فرَجٍ إذا يَئِسا.
ولقد عاينت من فضل الله وكرمه ما يسعد القلب ويغمر الروح سرورا حين أعطاني منحة عظيمة بعد المحنة التي كنت أعانيها وهي محنة مرضي الذي أصاب حنجرتي وكنت في أثناء هذه المحنة أدعو الله كثيرا وأقول:: اللهم لا تحرمني من نعمة صوتي أتلو به كتابك وأحدث به الناس عنك!! فأكرمني الله تعالى بإسلام هذه الفتاة الفلبينية على يدي في نفس الغرفة التي أقمت فيها يوما وليلة بعد هذه العملية التي أجريت لي . فسبحان مسبب الأسباب ومن ييسر لعباده ما يقربهم إليه.
الدرس التاسع عشر:: أن هداية العباد بيد الله عز وجل وحده وإذا أراد الله تعالى أن يفتح قلب أحد من عباده ليستقبل نور الحق فتستنير به بصيرته فإن الدنيا كلها لو وقفت لتحجب هذا النور عنه ما استطاعت إلى ذلك سبيلا. وإذا طمس الله على قلب عبد وجعل على بصره غشاوة لأنه اختار درب الغواية فلو حاول الدعاة والمصلحون جميعا أن يقذفوا إلى هذا القلب المظلم ومضة من نور الهداية ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.. قال ربنا:: ((إنك لا تهدي من أحببْتَ ولكنَّ اللهَ يهدي من يشاء.)) هذه الفتاة التي من الله عليها بالإسلام قصتها باختصار أنها كانت إحدى الممرضات اللاتي يقمن بمداواتي بعد إجراء العملية وكنت قد زرت هذه المستشفى من قبل وتمنيت كثيرا أن أكلم واحدة من هؤلاء الممرضات وأدعوها إلى الإسلام لكن لم يكن الوقت يسعفني قبل هذا أما هذه المرة فقد شغل الأمر قلبي وأغرقني في تفكير عميق كيف أكلم واحدة منهن وما هو المدخل الذي أدلف به إلى قلبها لأدعوها لتستقبل النور الطاهر الكريم وكيف تقتنع بأن تعتنق الإسلام؟؟؟ ولا أزال هكذا حتى عزمت ودعوت ربي كثيرا أن يسهل لي الأمر وطلبت هذه الممرضة فجاءتني فبدأت أكلمها عن الإسلام بإنجليزية متكسرة لأنني نسيت كثيرا مما درسته من قبل في هذه اللغة لكنني أفهمتها ما أريد ودعوتها بكلمات يسيرة ففهمت مني وقالت أنها تقرأ عن الإسلام وأن عندها بعض الأسئلة تريد جوابها حتى تفهم الإسلام أكثر وطلبت منها وسيلة الاتصال بها فوعدتني بها وبعد قليل إذا بها تأتيني ومعها طبيب مصري أخبرني أنه حاول إقناعها من قبل بالإسلام فطلبت منه أن يكون مترجما بيني وبينها فبدأت أحدثها قليلا عن النصرانية وأهدم في نفسها فكرة الخلاص المكذوبة وفكرة الصلب المزعومة فإذا كان المسيح هو الله فهل الله يولد من رحم امرأة ثم يرضع ثم يجوع ويعطش ويحتاج للطعام ثم للإخراج ثم يصلب ويموت ويُدفَن ثم يقوم.... تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وإذا كان المسيح هو ابن الله فأين كان الله ذو القدرة والقوة التي لا يقوم لها شيء أين كان حينما أخذ اليهود ولده ليصلبوه؟؟!! إن أحدنا إذا سمع أن أحدا من الناس كبيرا أو صغيرا تعرض لولده بالسب فقط أقام الدنيا ولم يُقعدها فأين رب الناس وخالق الناس من ذلك؟؟!! يقولون لك:: إنما تركه الله يموت ليخلص البشر من خطاياهم! فنقول:: أليست هناك أي طريقة يغفر الله بها خطايا البشر إلا أن يُسلِم ولده للقتل. أليس هذا عجزا وضعفا؟؟!! ونقول:: تعالى ربنا وتقدس. ثم ما ذنب المسيح أن يؤخذ بخطايا البشر جميعا ولماذا يكون هو الضحية أليس هذا ظلما وجوراُ؟؟!! تعالى ربنا وتقدست أسماؤه. ثم إذا كان يخلص خطايا من أخطأ من قبل فلماذا يؤخذ بخطايا من لم يولدوا بعد ولم يأتوا إلى الدنيا؟؟!! أليس الله بقادر على أن يطهر قلوب من يأتي من الخلق من الخطايا ليخف الحمل على هذا المصلوب؟؟!! ثم أليس في هذا فرصة وإعلانا صريحا لكل البشر::: اعملوا ما شئتم وعيشوا كيف شئتم وألقوا بأنفسكم في مستنقعات الرذائل كلها ولا تخافوا فأنتم آمنون ومعكم صك مُسبق بالغفران والخلاص؟؟!!! أليس هذا تشجيعا للبشر على الانحراف والضلال والآثام والمخالفة؟!! هكذا حدثتها والمترجم ينقل عني ثم ذكرَت هي أنها تشعر بالتناقض في كتابها لأنه في كل طبعة جديدة يقولون:: هذه الطبعة منقحة وخالية من الأخطاء فأي طبعة هي الصحيحة وأي طبعة هي الخطأ؟ وأين كلام الله من هذا؟! فقلت لها:: عندنا نحن المسلمين لو طبعنا مليون نسخة من المصحف ثم اكتشفنا خطأاً واحدا في حرف بل في نقطة فإننا نقوم بإحراق هذه النسخ كلها ونعيد نسخها صيانة لجلال القرآن من تحريف كلمة أو حرف أو ضبط حرف!!
ثم بدأت تسألني عما يفعله الإسلام في حياتها وكيف يغير حياتها فبينت لها أن الإسلام يغير حياتها من الناحية العملية فيكرم المرأة غاية الإكرام ويعرف لها مكانتها زوجة وأما وأختا وبنتاً وفصلت لها شيئا من ذلك فسألتني عن الأثر المعنوي فذكرت لها أن للإسلام سرورا في القلب وراحة في الروح والبدن وسعادة منقطعة النظير وقناعة بما آتاني الله ورضا بأقدار الله على أي حال. فقالت لي:: أنا سأفكر ثم أتواصل معك قلت لها:: لا لا ليس هناك مجال للتفكير هذه فرصة رائعة ولا أدري كيف نلتقي بعد هذا وكيف نتواصل ثم إن العمر يمضي ولا وقت أمامنا أفضل من هذا ثم اقتنعت بفضل الله ونطقت خلفي الشهادة أكثر من مرة بفضل الله تعالى ثم اتصلت بي بعدها بأسبوع أو أكثر وذلك قبل عودتي إلى مصر بيوم واحد وسألتها عن مشاعرها بعد الإسلام فقالت إنها في غاية السعادة وذكرت أنها تفكر جديا في إشهار إسلامها فالله أكبر والله يوفقها والله يمن علينا بأمثالها ومثيلاتها ويجعلهم في موازين حسناتنا. قولوا آمين.
الدرس العشرون:: أن كل من آتاه الله شيئا من العلم بدين الله عز وجل يجب عليه أن يحمل هم هذا الدين وهم تبليغه للخلق فإن كثيرا من الناس لا يحتاجون في كثير من الأحيان إلا إلى هزة رفيقة تهز الفكرة الكامنة في نفوسهم أو إلى نداء رحيم شفيق يحرك قلوبهم للإسلام. فمن يا ترى يحمل هم هذا الدين؟؟ وأين نحن من الصديق أبي بكر الذي أسلم ثم أتى خلال أيام بعدد من العشرة المبشرين بالجنة قد دعاهم فأسلموا؟؟ أين نحن من الدعاة إلى الله؟؟ ويا من تملكون القدرة على الكلام بأكثر من لغة أين هممكم من همة زيد بن ثابت الذي تعلم العبرية في بضعة عشر يوما ليدعو بها إلى الله ويحذر من مكر يهود وشرهم؟؟!! أين الهمم يا أيها الدعاة إلى الله أين نحن من رحمة الله الهندي ومن عبد الحميد بن باديس ومن أحمد ديدات رحم الله الجميع؟؟!! وقد قال نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم:: ((بلغوا عني ولو آية.)) فيا كل أخٍ وكل أختٍ قرأ مقالتي هيا بنا تعالوا أسرعوا::
قم نُعِد عهدَ الهُداةِ الراشدين...
قم نَصِلْ مجدَ الأُباةِ الفاتحين...
شَقِيَ الناسُ بدنيا غيرَ دِين...
فلْنُعِدْها رحمةً للعالمين...
لا تقُلْ كيفَ فإنّا مسلمون...
مسلمون مسلمون مسلمون...
إخواني وأخواتي أيها الراكبون معي طائرة التدبر والاعتبار قد وصلنا بفضل الله عز وجل إلى مطار العبرة فاربطوا أحزمة الحزم على أوساط الوسطية واثبتوا في مجالس الذكر قاعدين واهبطوا بسلام من سماء التدبر إلى أرض العمل وأنطقوا قلوبكم قبل ألسنتكم بنشيد التوبة وهتاف الأوبة:: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون. وهيئوا أنفسكم للرحلة القادمة ثم للرحلة الكبرى إلى الدار الآخرة جعلنا الله وإياكم ممن يحطون رحالهم في جنات النعيم.
هذا ما تحصل معنا في هذه الرحلة العاجلة من المنافع الفاضلة طابت رحلتكم وطاب مقامكم ورزقنا الله وإياكم التقوى والاستقامة على كل حال في المنشط والمكرَه والحِل والترحال والحمد لله الكبير المتعال وصلى الله وسلم على نبينا سيد الرجال وإمام المجاهدين الأبطال وعلى صحابته والآل وكل من سار على أحسن منهاج وأكرمِ منوال.
كتبه الفقير إلى عفو ربه:: عبد الله كامل وانتهى منه قبل فجر الجمعة التاسع من جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين وأربعِمائة وألف الموافق للتاسع عشر من أبريل سنة ثلاثة عشرة وألفين للميلاد..
الحمد لله على إحسانه والشكر له على جزيل فضله وامتنانه والصلاة والسلام على نبينا محمد عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه وعلى آله وأصحابه وإخوانه أما بعد:: فحياكم الله جميعا أيها الإخوة والأخوات وجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. هذه وقفة يسيرة مع رحلتي إلى بلاد الحرمين أقطف فيها ومنها بعض العبر والدروس التي خرجت بها من هذه الرحلة وأحببت أن أهديها إليكم لتتم المنفعة بإذن الله وأنا سأسوقها مختصرة دون إسهاب ولا تفصيل ولا إطناب ودون إملال ولا إخلال والله المستعان وعليه الاتّكال::::
الدرس الأول:: التأمل في استجابة الله تعالى دعاء أنبيائه والمرسلين من عباده:: فهذا إبرهيم عليه السلام يدعو لمكة أن يجعلها الله بلدا آمنا ويقول عليه السلام في ثنايا دعائه:: (( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ)) فيا للعجب كيف تحن النفوس إلى هذه البقاع الطاهرة وكيف تشتاق إليها شوقا يكاد يمزق القلب ولا يملك المرء وهو يطير بقلبه وأشواقه إلى هذه البقاع إلا أن يردد مع القائل::
أهواكِ يا كعبةَ الأنوارِ أهواكِ...
وأقطعُ العمرَ مُشتاقاً للُقياكِ..
ويردد معي وأنا أهتف من أعماق قلبي في قصيدتي التي مطلعها::
خذوني يا أحبائي خذوني...
إلى أرض الحجاز وأسعدوني...
بكى قلبي حنيناً والتِياعاً...
ودمعُ الشوقِ تذرفُهُ عيوني...
وبالمناسبة فهي مسجلة موجودة على مواقع كثيرة كاليوتيوب وغيره لمن أراد سماعها.
وهذا الدرس الأول لا أستطيع أن أكثر فيه الكلام لأنه لا يدركه الإنسان إلا بمشاعره ومهما وصفه الواصفون فلن يعبروا عن روعته. إنك بمجرد أن تخرج من البيت الحرام فتتذكر بعض هذه الأبيات فتنشدها فإن عينك تدمع ويدق قلبك وأنت هنا قريب في مكة لم تسافر ولم تبتعد ولكنها شدة الحنين إلى كعبة الله وبيته الحرام.. عسى الله يبلغنا وإياكم الطواف بها والتنعم بالعبادة فيها آمييين.
الدرس الثاني:: أنه لا يفوز باستشعار روح الإيمان وحلاوة التعبد لله عز وجل في هذه البقاع الطاهرة إلا من أكرمه الله عز وجل وتفضل عليه بواسع فضله. وإنكم لتندهشون إخواني وأخواتي حين تعلمون أن ناسا ممن يسكنون إلى جوار بيت الله الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدخلوا المسجد الحرام ولا المسجد النبوي مرة واحدة في حياتهم وهم ممن ينتسبون إلى الإسلام لكنهم لا يصلون ولا يعرفون المساجد: وكم سمعنا من قصص بعضهم أنه كان لا يصلي فلما جاءوا بجنازته إلى الحرم لم يستطيعوا قط أن يدخلوا بالجنازة حتى يصلي الناس عليها:: وسبحان الله!!! أبى اللهُ إلا أن يُذِل من عصاه. نسأل الله السلامة.
الدرس الثالث:: كلما ازداد العبد تذللا إلى ربه وتعبدا له وإكثارا من ذكره كلما ازداد صدره انشراحا وازداد قلبه انفساحا وازدادت روحه ارتياحا فإذا هو يردد بقلب مطمئن قد اجتاح الإيمان منه وساوس الشيطان اجتياحا::: ((أَلا بذِكْرِ اللهِ تطْمَئِنُّ القُلوبُ.)) وصدق رسول الله::
(((مثَلُ الّذي يذكر ربه والّذي لا يذكر ربه كمثَلِ الحيِ والميت.))) وصدق القائل::
إذا مرِضنا تداوَينا بذِكْرِكُمُ...
ونترُكُ الذِكرَ أحياناً فننتَكِسُ...
وهذا درس يطول الكلام فيه جدا وتكفي هذه الإشارة.
الدرس الرابع:: تحقيق الامتثال لأمر الله عز وجل واستشعار عظمة حكمة الله عز وجل في أوامره ونواهيه وحين يستحضر المؤمن هذه المعاني يدرك أنه ليس شرطا أبدا أن يدرك الحكمة في كل أمر ونهي من الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وسلم. فأنت حينما تتأمل مناسك الحج والعمرة تجد نفسك تطوف حول حجر وتُقبّل حجر وتسعى بين حجرين أو جبلين كبيران وترمي حجرا بحجَر!!! فيتجلى نور الإيمان في قلبك فتعلن بلسانك وبقلبك التلبية والخضوع والانكسار لصاحب هذا الأمر الذي أمر بهذه المناسك لأنه هو العليم الحكيم الخبير سبحانه وبحمده وتكتفي بأن تجعل قدوتك وأسوتك في هذا التعبد سيدَ المتعبدين وإمامَ المتقين صلى الله عليه وسلم فيستريح قلبك ويطمئن فؤادك حين تتذكر قوله عليه الصلاة والسلام:: ((خذوا عني مناسكَكم.)) صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم 7882
الدرس الخامس:: كلما ازداد اليقين في قلبك كلما كنت أقرب إلى ربك وكلما كانت إجابة دعائك أسرع. فالمؤمن حين يشرب من ماء زمزم ويتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم.. ماء زمزم لما شُرِبَ له. إرواء الغليل - الصفحة أو الرقم 4/320 فإنه يحتاج إلى فيض من اليقين في وعد الله ورسوله يروي هذا الفيض قلبه قبل أن يروي هو بدنه بماء زمزم فيستشعر حينها حلاوة هذا الماء ويستشعر عندها قرب الفرَج وحين تجاب دعوته بفضل الله يزداد اليقين في قلبه أكثر وأكثر. بخلاف من يشرب ماء زمزم لكي يجرب مثلاً هل يمكن أن يشفيه هذا الماء أو تستجاب دعوته بشربه فإن هذا بقدر ما في قلبه من الشك أو الريب أو التردد يكون حرمانه مما يصبو إليه والله المستعان.
الدرس السادس:: استشعار عظيم رحمة الله تعالى وفضله على عباده بقبول دعواتهم وتضرعاتهم فما أكثر ما تسمعه من إخوانك الذين تلقاهم في الحرم ممن يقول:: لقد كنت مصابا بمرض كذا وكان في رجلي كذا وكان في بطني كذا وبمجرد أن شربت من زمزم شفاني الله تعالى!!! فتقول بقلب مملوء حبا لله مشغوفا بواسع رحمته على عباده::: ما أعظمك يا ربنا وما أرحمك بعبادك الضعفاء المذنبين!!!.
الدرس السابع:: استشعار رحمة الله تعالى في تيسيره الأمورَ لعبده من حيث لا يحتسب فحين تردد بنبضات قلبك:: اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا ... وتكتب هذه الكلمات الغاليات على صفحات قلبك بماء اليقين فإنك تجد من تيسير الله لك وتسهيله لأمورك ما يعقد لسانك إلا عن شكر الله تبارك وتعالى. وأنا لو استطردت في هذا الباب لأسمعتكم من أمري ومن قصص تيسير الله لي عجبا عُجابا لكن يكفي أن تعلم باختصار شديد أنه في الوقت الذي يخاف كثير من أصحاب الأبصار على أنفسهم من كثرة الزحام وسعة الأماكن وتشعب الطرقات في هذه البقاع الكريمة تجد مثلي ممن أنعم الله عليه بفقد البصر يتحرك بسهولة ويسر ولا يحمل هم هذا الأمر على الإطلاق ولا يحتاج إلى أن يحمل لافتة على صدره تدل على مكان الفندق الذي يقيم فيه ورقم حجرته وما إلى ذلك. وفي الوقت الذي يتعرض كثير من الناس للمعاناة فيضلون الطريق إلى هذا المكان أو ذاك في الوقت الذي لا تخاف أنت فيه على نفسك مثل هذا أبدا. والوقائع معي في هذا الباب كما قلت كثيرة جدا.. أقربها حضورا في ذهني أنني ذات يوم كنت مع بعض إخواني ممن لقيتهم هناك وبعد إنهاء الطواف أجلسني أحدهم في صحن الكعبة وتركني بعدما سمحت له بالانصراف راشدا وبعد انصرافه بدقائق يسيرة فصل شاحن هاتفي وليس معي أحد فلم أتحير كثيرا بل كل الذي قلته في نفسي دون كلام أنا سأواصل إكمال وردي وسيأتيني الآن من يتحركمعي حيث أريد وما كدت أنهي هذا الحديث النفسي حتى مر بي رجلان فعرفاني وسلما علي وفرحا بلقاءي كثيرا أحدهما من أسوان والآخر من ميت غمر وإذا بهما يقولان:: أين تحب أن تذهب!! ولم يفارقاني حتى بلغاني المكان الذي أريد... وهكذا كثير كثير بل دائم هذا التيسير من الله تعالى وقد حدث معي أيضا وأنا عائد إلى مصر شيء من هذه الأمور العجيبة لا أحب أن أطيل بذكرها الآن فإن أحببتم ذكرتها لكم لاحقا إن طلبتم مني ذلك.
الدرس الثامن:: من عرف الصحابة الأطهار وجب عليه أن يحبهم حبا منقطع النظير. من تأمل في حال هؤلاء الأشاوس الأماجد الذين كانوا نجومات زاهرة حول أعظم شمس عرفتها الدنيا وهو محمد عليه الصلاة والسلام من تأمل حال هؤلاء وما لاقوه من العنت والمشقة والشدائد الشديدة في حلهم وترحالهم يدرك عظمة تضحياتهم وكيف بذلوا الكبير والصغير والغالي النفيس من أنفسهم وجهدهم وطاقاتهم وأموالهم وأهليهم في سبيل نصرة دين الله وفي الدفاع عن رسوله صلى الله عليه وسلم. لو تأمت فقط في هذه المسافة التي تقطعها بين مكة والمدينة وأنت تركب سيارة مكيفة مجهزة والاستراحات متناثرة على الطريق تأكل الساخن وتشرب البارد وتستريح و و... إنك مع هذا كله تستشعر الملل والسآمة والمشقة لمجرد أن السيارة تسير بك أربع أو خمس ساعات!!! فسبحان الله كيف كان يسير هؤلاء الصحابة!!! كيف كانوا يقطعون هذه المسافات الشاسعة جدا في شدة الحر ووعورة الطريق وخطورته وقلة الزاد والمؤونة واستحضار قرب لقاء العدو ومقارعته بالسيوف ثم نفاد الزاد وقلة البعير والدواب وتقطع نعالهم من طول السير وشدة الحرارة!!!! يا الله!!!! يا الله!!! ما أعظم هؤلاء الصحابة وما أكبر هممهم وما أوفى نفوسهم وما أعظم تضحياتهم!!! وما أحقر وما أخس وما أفحش وأنجسَ من يتعرض لهم بالسب والغمز واللمز. أحب الله من أحب الصحابة. ولعن الله من أبغضهم وتنقصهم قولوا آمين.
الدرس التاسع:: أن للبيئة التي يعيش فيها الإنسان تأثيرا كبيرا في سلوكه وحياته وصفاته وشخصيته بل إن طبيعة الأرض نفسها تؤثر تأثيرا كبيرا في شخصية من يسكنها ويستنشق هواءها ويعيش في ظلالها وكذلك البيئة التاريخية إن صح التعبير ولا أراه صحيحا لها تأثير كبير في تكوين طبائع الناس. ونحن بالطبع نستثني من هذا من أكرمه الله بالاستقامة على دينه فإنه مهما كانت بيئته فإن استقامته هي التي تشكله تشكيلا جديدا مختلفا رائعا. حين تعامل كثيرا من الناس في مكة والمدينة تدرك هذا الذي وصفته لك وأقول كثيرا منهم ولا أعمم بالطبع وقد استثنيت من قبل. حين تعامل البعض في مكة تجد الشدة والغلظة في الكلام والجفاء في التعبير والسخرية والاستهزاء والكبر والتهكم بالآخرين بعض هؤلاء العساكر في الحرم يشدك هكذا ويجذبك بعنف ويدفعك بشدة ويجيبك بقرف وتهكم ويضحك من لغتك إذا تكلمت... وفي المقابل حين تزور المدينة تتعامل مع شرطتها مع الباعة الجائلين فيها مع أحد مسؤوليها مع عموم الناس فإنك تستشعر أن الأرض كلها ترحب بك وتفتح أحضانها لك.. فسبحان الله كيف طرد الرسول من مكة ولم يمكنوه أن يغرس فيها غراس النور فترة طويلة وكيف استقبلت المدينة هذا النور ليغرسه السراج المنير في قلوب الناس وأرواحهم وأصلابهم قبل أن يغرسه في أرضهم!!! وإياكم أن يفهم أحد أنني بهذا أتنقص أهل مكة أو أزدري مكة أعوذ بالله من الضلال لكنه فقط تأمل في تأثير البيئة في طبائع الناس واقرؤوا مقدمة بن خلدون لتزدادوا تأملا في مثل هذا.
ولا يزال الحديث موصولا أيها الكرام..
الدرس العاشر:: التأمل في أسماء الله الحسنى وصفاته العلا وأن من أسمائه عز وجل السميع البصير العليم الخبير سبحانه وبحمده ويتجلى ذلك جليا حين تطوف بالكعبة فتسمع لغات شتى ولهجات مختلفة كلها تسبح الله وتدعوه وتبكي بين يديه هذا بالتركية وذاك بالأوردية وثالث بالكردية ورابع بالسواحلية وخامس وسادس... سبحان من يسمع أصوات هؤلاء جميعا ويعلم حاجاتهم على اختلاف لغاتهم وتعدد لهجاتهم واختلاف ألسنتهم وألوانهم وكما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات!! وهو مع ذلك يجيب دعاء المضطرين ولا يتبرم بإلحاح الملحّين ولا بكثرة أسئلة السائلين بل هو سبحانه وبحمده يحب أن يسمع أصوات عباده وهم يتضرعون ويبتهلون إليه ويحب أن يرحمهم ويريد أن يتوب عليهم ويفرح بتوبتهم إذا تابوا إليه وهو القائل عز وجل:: ((واللهُ يُريدُ أنْ يتُوبَ عَلَيكُمْ)).
الدرس الحادى عشر:: أن لتلاوة القرآن حلاوة تغمر القلب سرورا وفرحا وأن هذه الحلاوة تزداد كلما ازداد شرف الزمان والمكان فأنت حين تقرأ القرآن في رمضان تجد صدرك منشرحا لآياته مشغوفا بتدبره أكثر من منك في غيره من الأوقات" وكذلك حين تقرأ القرآن في المسجد الحرام أو المسجد النبوي تجد له لذة وحلاوة وطلاوة ومتعة وانشراحا لصدرك أعجب ما يكون وذلك لشرف المكان وقداسته وروحانياته العالية رغم كل الشواغل. ولهذا فإن من الجميل جدا أن تجعل لنفسك وردا لتلاوة القرآن وتدبره ومن الجميل أيضا أن تكتب ما يفتح الله به عليك من معانٍ وفوائد يفتح الله بها عليك في هذه المواضع الشريفة. وهذا ما يفعله بعض مشايخنا وعلمائنا حفظهم الله وهذا ما كان يفعله بن القيم رحمه الله وغيره من أهل العلم.
الدرس الثانى عشر:: استشعار زيادة محبة النبي الحبيب الكريم صلى الله عليه وسلم في قلبك وأنت تدنو من هذه البقعة الطاهرة التي حرمها هو صلى الله عليه وسلم وبين أنه حرم المدينة كما حرم إبرهيم مكة بمعنى أن لها حرمة وقداسة ومكانة تختلف عن غيرها من البقاع أنت يا أخي كلما اقتربت من المدينة زادت النبضات في قلبك ولا تملك نفسك وإذا الدموع دموع الحنين والشوق والذكرى تترقرق في عينيك وأنت تدنو من مكان سكن فيه رسول الله ومشى فيه وجلس فيه مع أصحابه وبنى فيه مسجده وتزوج فيه نساءه وعاش حياته الطاهرة الزاهرة!!! كلما دنوت من المسجد النبوي الشريف ازداد الحنين في قلبك فتسأل نفسك:: كيف لو رأيت رسول الله؟! كيف لو جلست معه مرة هنا أو هناك؟! كيف لو صليت خلفه؟! وعندها تعذر أصحاب الحبيب عليه الصلاة والسلام حين كادت تتمزق قلوبهم وتتفطر أكبادهم حزنا على فراق الحبيب صلى الله عليه وسلم بعد وفاته وعندها تتذكر قول أنس رضي الله عنه:: (لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء فلما توفي صلى الله عليه وسلم أظلم منها كل شيء) ويزداد هذا الحنين الجارف ويزمجر الشوق العاصف حين تدنو لحظة الرحيل عن مدينة النبي النبيل عليه صلاة وسلام الملك الجليل. فيا رب أحينا على سنته وتوفنا على ملته واحشرنا في زمرته. قولوا آمين.
الدرس الثالث عشر:: وسطية أهل السنة والجماعة في كل أمورهم بين فرق الانحراف والضلال فحين تزور قبره صلى الله عليه وسلم فإنك أيها السني لا تتجاوز ما علمك حبيبك عليه الصلاة والسلام فأنت تصلي على النبي الكريم وتلقي عليه السلام بتأدب وتوقير لكنك لا تدعوه ولا تسأله شيئا من أمرك بل حتى لا تدعو ربك وأنت متجه إلى قبره عليه الصلاة والسلام بل تتجه إلى القبلة وتدعو ربك العظيم الحي الذي لا يموت وتسأله ما تريد. أما المنحرفون من أهل البدع فهم يفعلون الأعاجيب من بكاء ونواح وصياح مزيف مكذوب ويقولون كلاما أبعد ما يكون عن هدي هذا الحبيب الذي يقفون عند قبره فمنهم من يسأله ومنهم من يستغيث به إلى غير ذلك من البدع. وفي المقابل من الناس من يمنع من زيارة قبره صلى الله عليه وسلم بحجة المنع من الغلو فيه عليه الصلاة والسلام وكما قيل:: كِلا طرفَيْ قصدِ الأمورِ ذَميمُ... وكذلك نحن الأمة الوسط في شأن حب الرسول عليه الصلاة والسلام بين الغالي والجافي فهذه الطائفة المتناقضة المجرمة الخبيثة المسماة الرافضة تجدهم يبكون عند البقيع وينوحون أشد ما يكون النواح على بعض الصحابة وهم في الوقت ذاته يمرون بقبر أبي بكر وعمر فيلعنونهما وربما تجرأ قذر منهم فبصق على قبري أكرم الناس بعد الأنبياء والمرسلين فقاتل الله البدعة والمصرّين عليها بعد علم وبيان.
الدرس الرابع عشر:: أن فتح المجال لأهل البدع والأهواء وجرؤهم يجعل لهم شوكة فيتبجحون بإظهار بدعهم وضلالاتهم أمام الجميع لأنه لم يؤخذ على أيديهم. وإني لإعجب في الحقيقة من السياسة التي يتعامل بها المسؤولون في بلاد الحرمين وخصوصا القائمين على رعاية الحرمين وحراسته كيف يفتحون المجال لهؤلاء الرافضة الأنجاس فتجدهم في الطابق الثاني من المسجد الحرام يتجمعون ويتصايحون ويتنابحون بما عندهم من الباطل ولا يمنعهم أحد إلا قليل من بعض العاملين بالهيئة بارك الله فيهم في الوقت الذي يضيَق فيه على أهل السنة فلا يكاد يجتمع خمسة أو عشرة ويطول بهم المجلس إلا حامت حولهم الشكوك وحاصرتهم الريبة لماذا يجتمعون وماذا يدبرون؟؟؟ تجد هؤلاء المبتدعة عند الكعبة يصرخون ويحدثون جلبة شديدة فيشغلوا الناس حتى عن الدعاء أثناء الطواف بل والأدهى من ذلك ما تراه من فتنة بنات فارس وغيرهم من من التبرج والسفور والاختلاط المشؤوم فمن الذي يستحق التضييق ومن الذي يجب أن يؤخذ على يديه؟!! الله المستعان.
الدرس الخامس عشر أن القلوب ضعيفة وأن الفتنة خطافة بل إن للفتن خطاطيف تجذب قلوب الناس إليها حتى يسقطوا في حمأتها وأن الإنسان وإن كان في أشرف البقاع وأطهرها فإنه يجب عليه الاستعصام بربه والتحصن بغض البصر والبعد عن مواطن الفتن ولا يوسوس له الشيطان بوساوسه المنكرة أن هذا الاختلاط في ساحات الحرم وغيرها طالما أنه هنا فلا بد أنه لا بأس فيه والأمر هين وهكذا الظروف والوضع كله هكذا وماذا نفعل ويا ليته كان كذا... إلى غيره هذه الوساوس بل يجب على المؤمن أن يحتاط لنفسه وأن يحذر أشد ما يكون الحذر فرُبّ نظرة واحدة أورثت القلب من البلابل والهموم بما يشغله عن الذكر والقرآن وحتى عن الصلاة بل في الصلاة أحيانا وقد قال نبينا الكريم:: {{واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء}} وكما قيل::
وكنتَ إذا أرسلتَ طرفكَ رائداً...
لقلبك يوماً أتعَبَتْكَ المَناظِرُ...
رأيتَ الَّذِي لا كُلُّهُ أنتَ قادرٌ...
عليهِ ولا عن بعضِهِ أنتَ صابِرُ.
الدرس السادس عشر:: أنه في مثل هذه الأسفار الكريمة لا بد لك من زاد إيماني قلبي تستعد
به لهذه الرحلة الطاهرة كما تعد زادك من الطعام الذي يعينك على رحلتك ولذا قال الله تعالى:: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوَى) ولا بد لك من صحبة في سفرك تعينك على طاعة ربك لا بد من صحبة تكون حولك كالمصابيح التي تمدك بالضياء الذي يهديك سبل الخير وتمدك بالوقود الذي يزيد من علو همتك ويُهدون إليك قوارير من زيت النصيحة الذي يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار فإذا لم تجد هذه الصحبة التي تسابقك إلى الصلاة والقيام وتسابقك إلى التبكير في الذهاب إلى الحرمين وتسابقك في الخيرات وتنافسك في ختمات القرآن وغيرها إذا لم تجد هذه الصحبة فاعتزل واخلُ أنت بنفسك فما أحلاها من خلوة حين يكون أنيسك فيها ذكر الله وتلاوة كتابه والصلاة على نبيه والمسارعة في طاعته هذا خير لك من أن تصحب هؤلاء الذين يتمون عمرتهم ثم ينامون كسالى في الفنادق ولا يصلون في الحرم إلا قليلا وعلى مضض وتكاسل بسبب بعد المكان أو طول مسافة السير أو الزحام هذا خير لك من صحبة الأسواق التي تشعر أنها ما جاءت إلا لجمع السلع والبضائع واختيار أفضل الأقمشة وأرخص الأسعار وهذا اشتريناه بكذا وهذا ثمنه غالٍ وهذه ألوانها زاهية أو باهتة وهذا وهذه و... هكذا. احذر من هؤلاء فإن وقتك ثمين جليل وهو وقت قليل قليل فلا تشتت نفسك في كل سبيل فإن لم تجد على الخير من معين ولا دليل فاعتزل واجعل الخلوة المؤمنة المأمونة خير بديل..
الدرس السابع عشر:: أن الأخوة في الله آصرة عظيمة من أعظم الأواصر وحبل متين وروح تسري بين أرواح المؤمنين فإذا هم صف واحد وبنيان مرصوص كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا)) وهذه الأخوة ليست شعارا يتصايح به الإخوان وليست نشيدا مجردا يفسده ناشز الألحان لكنها ترنيمة حب صادق وأنشودة إخلاص يزينه لحن الوفاء الذي تعزف به نفوس المتحابين على قيثارة القلوب أبياتها بذل وتضحية ومواساة وإيثار وإشفاق على أخيك وقلق عليه وفرح لفرحه وحزن لحزنه وبيت القصيد فيها رجاؤك الصادق لأخيك أن يتقلب في نعم الله من خير إلى خير ومن فاضل إلى أفضل ومن جميل إلى أجمل!! هذه هي الأخوة التي تتجلى أنوارها في ظلمات الغربة والبعد عن الأهل والخلان ومفارقة الديار والأوطان. ومثل هذه الأخوة لا خوف عليها أبدا لأن رباطها وثيق وحبلها متين وجذرها عميق لأنها في الله الرحيم الرفيق. ولقد تنسمت عبير هذه الأخوة وشممت أطايبها حين نشر إخواني رقم هاتفي على الشبكة فوجدت هاتفي بين لحظة وأخرى يهتف لي فرحا مسرورا صادحا لحن الأخوة كأنه يقول لي:: أسرع افتح أجب هذا طارق محب يطرق باب قلبك ليلجه فيطمئن عليك!!!! وصدق القائل::
ولما التقَينا قرّبَ الشوقُ جهدَهُ...
خليلَينِ ذابا لوعةً وعٍتابا...
كأنَّ خَليلاُ في خِلالِ خًليلهِ...
تسَرّبَ أثناءَ العِناقِ وغابا...
وما أحسن ترنيمة القائل::
إنَّ أخاكَ الحقَّ من كانَ معَكْ...
ومَن يضُرُّ نفسَهُ لِينفعَكْ...
ومَن إذا ريبُ الزمانِ صدَّعَكْ...
شَتَّتَ فيكَ شملَهُ لِيجمَعَكْ...
الدرس الثامن عشر:: أن من المحن تأتي المنح ومن رحم المأساة يولد الفرَج ومن بين أشواك اليأس تتفتح زهرات الأمل وأنا أريدك أن تعطر سمع قلبك بكلام ربك حين يقول:: ((فإن معَ العسرِ يُسراً. إن معَ العسرِ يُسراً.)) ثم تغرد معي بهذه التغريدة::
عسى فرَجٌ يكونُ عسَى... نعلِّلُ نفسَنا بعسَى...
فلا تيأس وإنْ لاقيتَ همّاً يقبِضُ النَفَسا...
فأقربُ ما يكونُ العبدُ من فرَجٍ إذا يَئِسا.
ولقد عاينت من فضل الله وكرمه ما يسعد القلب ويغمر الروح سرورا حين أعطاني منحة عظيمة بعد المحنة التي كنت أعانيها وهي محنة مرضي الذي أصاب حنجرتي وكنت في أثناء هذه المحنة أدعو الله كثيرا وأقول:: اللهم لا تحرمني من نعمة صوتي أتلو به كتابك وأحدث به الناس عنك!! فأكرمني الله تعالى بإسلام هذه الفتاة الفلبينية على يدي في نفس الغرفة التي أقمت فيها يوما وليلة بعد هذه العملية التي أجريت لي . فسبحان مسبب الأسباب ومن ييسر لعباده ما يقربهم إليه.
الدرس التاسع عشر:: أن هداية العباد بيد الله عز وجل وحده وإذا أراد الله تعالى أن يفتح قلب أحد من عباده ليستقبل نور الحق فتستنير به بصيرته فإن الدنيا كلها لو وقفت لتحجب هذا النور عنه ما استطاعت إلى ذلك سبيلا. وإذا طمس الله على قلب عبد وجعل على بصره غشاوة لأنه اختار درب الغواية فلو حاول الدعاة والمصلحون جميعا أن يقذفوا إلى هذا القلب المظلم ومضة من نور الهداية ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.. قال ربنا:: ((إنك لا تهدي من أحببْتَ ولكنَّ اللهَ يهدي من يشاء.)) هذه الفتاة التي من الله عليها بالإسلام قصتها باختصار أنها كانت إحدى الممرضات اللاتي يقمن بمداواتي بعد إجراء العملية وكنت قد زرت هذه المستشفى من قبل وتمنيت كثيرا أن أكلم واحدة من هؤلاء الممرضات وأدعوها إلى الإسلام لكن لم يكن الوقت يسعفني قبل هذا أما هذه المرة فقد شغل الأمر قلبي وأغرقني في تفكير عميق كيف أكلم واحدة منهن وما هو المدخل الذي أدلف به إلى قلبها لأدعوها لتستقبل النور الطاهر الكريم وكيف تقتنع بأن تعتنق الإسلام؟؟؟ ولا أزال هكذا حتى عزمت ودعوت ربي كثيرا أن يسهل لي الأمر وطلبت هذه الممرضة فجاءتني فبدأت أكلمها عن الإسلام بإنجليزية متكسرة لأنني نسيت كثيرا مما درسته من قبل في هذه اللغة لكنني أفهمتها ما أريد ودعوتها بكلمات يسيرة ففهمت مني وقالت أنها تقرأ عن الإسلام وأن عندها بعض الأسئلة تريد جوابها حتى تفهم الإسلام أكثر وطلبت منها وسيلة الاتصال بها فوعدتني بها وبعد قليل إذا بها تأتيني ومعها طبيب مصري أخبرني أنه حاول إقناعها من قبل بالإسلام فطلبت منه أن يكون مترجما بيني وبينها فبدأت أحدثها قليلا عن النصرانية وأهدم في نفسها فكرة الخلاص المكذوبة وفكرة الصلب المزعومة فإذا كان المسيح هو الله فهل الله يولد من رحم امرأة ثم يرضع ثم يجوع ويعطش ويحتاج للطعام ثم للإخراج ثم يصلب ويموت ويُدفَن ثم يقوم.... تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وإذا كان المسيح هو ابن الله فأين كان الله ذو القدرة والقوة التي لا يقوم لها شيء أين كان حينما أخذ اليهود ولده ليصلبوه؟؟!! إن أحدنا إذا سمع أن أحدا من الناس كبيرا أو صغيرا تعرض لولده بالسب فقط أقام الدنيا ولم يُقعدها فأين رب الناس وخالق الناس من ذلك؟؟!! يقولون لك:: إنما تركه الله يموت ليخلص البشر من خطاياهم! فنقول:: أليست هناك أي طريقة يغفر الله بها خطايا البشر إلا أن يُسلِم ولده للقتل. أليس هذا عجزا وضعفا؟؟!! ونقول:: تعالى ربنا وتقدس. ثم ما ذنب المسيح أن يؤخذ بخطايا البشر جميعا ولماذا يكون هو الضحية أليس هذا ظلما وجوراُ؟؟!! تعالى ربنا وتقدست أسماؤه. ثم إذا كان يخلص خطايا من أخطأ من قبل فلماذا يؤخذ بخطايا من لم يولدوا بعد ولم يأتوا إلى الدنيا؟؟!! أليس الله بقادر على أن يطهر قلوب من يأتي من الخلق من الخطايا ليخف الحمل على هذا المصلوب؟؟!! ثم أليس في هذا فرصة وإعلانا صريحا لكل البشر::: اعملوا ما شئتم وعيشوا كيف شئتم وألقوا بأنفسكم في مستنقعات الرذائل كلها ولا تخافوا فأنتم آمنون ومعكم صك مُسبق بالغفران والخلاص؟؟!!! أليس هذا تشجيعا للبشر على الانحراف والضلال والآثام والمخالفة؟!! هكذا حدثتها والمترجم ينقل عني ثم ذكرَت هي أنها تشعر بالتناقض في كتابها لأنه في كل طبعة جديدة يقولون:: هذه الطبعة منقحة وخالية من الأخطاء فأي طبعة هي الصحيحة وأي طبعة هي الخطأ؟ وأين كلام الله من هذا؟! فقلت لها:: عندنا نحن المسلمين لو طبعنا مليون نسخة من المصحف ثم اكتشفنا خطأاً واحدا في حرف بل في نقطة فإننا نقوم بإحراق هذه النسخ كلها ونعيد نسخها صيانة لجلال القرآن من تحريف كلمة أو حرف أو ضبط حرف!!
ثم بدأت تسألني عما يفعله الإسلام في حياتها وكيف يغير حياتها فبينت لها أن الإسلام يغير حياتها من الناحية العملية فيكرم المرأة غاية الإكرام ويعرف لها مكانتها زوجة وأما وأختا وبنتاً وفصلت لها شيئا من ذلك فسألتني عن الأثر المعنوي فذكرت لها أن للإسلام سرورا في القلب وراحة في الروح والبدن وسعادة منقطعة النظير وقناعة بما آتاني الله ورضا بأقدار الله على أي حال. فقالت لي:: أنا سأفكر ثم أتواصل معك قلت لها:: لا لا ليس هناك مجال للتفكير هذه فرصة رائعة ولا أدري كيف نلتقي بعد هذا وكيف نتواصل ثم إن العمر يمضي ولا وقت أمامنا أفضل من هذا ثم اقتنعت بفضل الله ونطقت خلفي الشهادة أكثر من مرة بفضل الله تعالى ثم اتصلت بي بعدها بأسبوع أو أكثر وذلك قبل عودتي إلى مصر بيوم واحد وسألتها عن مشاعرها بعد الإسلام فقالت إنها في غاية السعادة وذكرت أنها تفكر جديا في إشهار إسلامها فالله أكبر والله يوفقها والله يمن علينا بأمثالها ومثيلاتها ويجعلهم في موازين حسناتنا. قولوا آمين.
الدرس العشرون:: أن كل من آتاه الله شيئا من العلم بدين الله عز وجل يجب عليه أن يحمل هم هذا الدين وهم تبليغه للخلق فإن كثيرا من الناس لا يحتاجون في كثير من الأحيان إلا إلى هزة رفيقة تهز الفكرة الكامنة في نفوسهم أو إلى نداء رحيم شفيق يحرك قلوبهم للإسلام. فمن يا ترى يحمل هم هذا الدين؟؟ وأين نحن من الصديق أبي بكر الذي أسلم ثم أتى خلال أيام بعدد من العشرة المبشرين بالجنة قد دعاهم فأسلموا؟؟ أين نحن من الدعاة إلى الله؟؟ ويا من تملكون القدرة على الكلام بأكثر من لغة أين هممكم من همة زيد بن ثابت الذي تعلم العبرية في بضعة عشر يوما ليدعو بها إلى الله ويحذر من مكر يهود وشرهم؟؟!! أين الهمم يا أيها الدعاة إلى الله أين نحن من رحمة الله الهندي ومن عبد الحميد بن باديس ومن أحمد ديدات رحم الله الجميع؟؟!! وقد قال نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم:: ((بلغوا عني ولو آية.)) فيا كل أخٍ وكل أختٍ قرأ مقالتي هيا بنا تعالوا أسرعوا::
قم نُعِد عهدَ الهُداةِ الراشدين...
قم نَصِلْ مجدَ الأُباةِ الفاتحين...
شَقِيَ الناسُ بدنيا غيرَ دِين...
فلْنُعِدْها رحمةً للعالمين...
لا تقُلْ كيفَ فإنّا مسلمون...
مسلمون مسلمون مسلمون...
إخواني وأخواتي أيها الراكبون معي طائرة التدبر والاعتبار قد وصلنا بفضل الله عز وجل إلى مطار العبرة فاربطوا أحزمة الحزم على أوساط الوسطية واثبتوا في مجالس الذكر قاعدين واهبطوا بسلام من سماء التدبر إلى أرض العمل وأنطقوا قلوبكم قبل ألسنتكم بنشيد التوبة وهتاف الأوبة:: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون. وهيئوا أنفسكم للرحلة القادمة ثم للرحلة الكبرى إلى الدار الآخرة جعلنا الله وإياكم ممن يحطون رحالهم في جنات النعيم.
هذا ما تحصل معنا في هذه الرحلة العاجلة من المنافع الفاضلة طابت رحلتكم وطاب مقامكم ورزقنا الله وإياكم التقوى والاستقامة على كل حال في المنشط والمكرَه والحِل والترحال والحمد لله الكبير المتعال وصلى الله وسلم على نبينا سيد الرجال وإمام المجاهدين الأبطال وعلى صحابته والآل وكل من سار على أحسن منهاج وأكرمِ منوال.
كتبه الفقير إلى عفو ربه:: عبد الله كامل وانتهى منه قبل فجر الجمعة التاسع من جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين وأربعِمائة وألف الموافق للتاسع عشر من أبريل سنة ثلاثة عشرة وألفين للميلاد..
تعليق