الحمد لله و حده
و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده
أما بعد
و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده
أما بعد
هناك كثير من الناس إلا من رحم ربي يغتر بأهل الكفر لما لهم من سعة الدنيا و ما وصلوا إليه من التقدم و الازدهار وكذالك رغد العيش تم تجد من هؤلاء المغترين من يشكون احوالهم التي لا تسر احد قريبا كان او بعيد فإذا قيل له ان الحل هو في ترك المعاصي و التوبة إلى المتعالي سارع إلى الأمر,
متصورا أنه بمجرد أن يعلن توبته وإنابته لربه تعالى ، أنه سينتقل مباشرة إلى النعيم ، فيرتفع عنه البلاء ، وتأتيه الأموال ، ويعيش في رغد من العيش ! وكل ذلك غير لازم البتة ، بل إنه ثمة اختبار وابتلاء لتوبة هذا العبد ، هل هي صادقة أم لا ، وهل هي لله أم ليست له ، وكل ذلك سيجعله في ابتلاء جديد ؛ بل إن مختصر هذه الحياة وحكمتها : أنها تجربة ابتلاء واختبار . قال الله تعالى : ( إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (الانسان:2) ؛ فإذا فهم هذه الحقيقة ، فهو حري أن يسلم له قلبه ، وإن لم تسلم له جوارحه ، وظاهر عيشه ، أما بدون وعي ذلك والتنبه إليه ، فهو حري ألا يسلم له قلبه ، حتى وإن سلمت جوارحه ومن هنا جاء عن بعض السلف قولهم " لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف " وأي نعيم يقصد أولئك العظام ؟ إنه نعيم القلب ، يقينه بربه تعالى ، وفرحه بطاعته ، وسعادته بالتقرب إليه ، ولو عاش في ضيق من الدنيا ، وهذا هو مقياس الحياة الطيبة ، كما ذكره الله تعالى في كتابه الكريم حين قال : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/ 97 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
فمَن جمع بين الإيمان والعمل الصالح : ( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) وذلك بطمأنينة قلبه ، وسكون نفسه ، وعدم التفاته لما يشوش عليه قلبه ، ويرزقه الله رزقاً حلالاً طيِّباً من حيث لا يحتسب ، ( وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ ) في الآخرة ( أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) من أصناف اللذات مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، فيؤتيه الله في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة . " تفسير السعدي " ( ص 448 ) .
وأما الآخرون من الكفار والعصاة : فاسمع لقول الله تعالى في حقيقة حالهم حين قال : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) طه/ 124 .
قال ابن كثير – رحمه الله - :
( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي ) أي : خالف أمري ، وما أنزلته على رسولي ، أعرض عنه وتناساه ، وأخذ من غيره هداه : ( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ) أي : في الدنيا ، فلا طمأنينة له ، ولا انشراح لصدره بل صدره ضيق حَرَج لضلاله ، وإن تَنَعَّم ظاهره ، ولبس ما شاء ، وأكل ما شاء ، وسكن حيث شاء ، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى : فهو في قلق وحيرة ، وشك ، فلا يزال في ريبة يتردد ، فهذا من ضنك المعيشة .
" تفسير ابن كثير " ( 5 / 322 ، 323 ) .
فهل من الحكمة في شيء ، أو من العقل الصريح أن نترك ما فتح الله تعالى لنا من أبواب العبودية ، وشرفنا به من الإيمان به ، لأجل اغترارنا بحال أهل الكفر من السعة في الدنيا والرزق : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ)
تعليق