إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ذكريات هناك

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #46
    رد: ذكريات هناك

    اللهم أكتب لنا الحج و العمرة

    في انتظار البقية يا دكتور

    تعليق


    • #47
      رد: ذكريات هناك

      المشاركة الأصلية بواسطة راجي رحمة الله مشاهدة المشاركة
      جزاك الله خيرا على سرد هذه الذكريات الممتعة


      وأسجل متابعتي وأنتظر مفاجأة الميقات
      إن شااااااااااااء الله قريبا جدا



      المشاركة الأصلية بواسطة قلب معلق بالمساجد مشاهدة المشاركة
      اللهم أكتب لنا الحج و العمرة



      في انتظار البقية يا دكتور


      آمين يار رب العالمين

      (إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها دبَّت فيها الروح وكُتبت لها الحياة)

      تعليق


      • #48
        دماء الحجاج (15)

        دماء الحجاج (15)




        كان قد مضى ثمان ساعات تقريا ونحن في ميقات السيل الكبير و بدأ صبر الجميع ينفد وكلما سألنا أبو ترك أو الطبيب المشرف على الرحلة كانت الإجابة نحن في انتظار التصاريح و لمن لا يعلم هناك تصاريح للحج تصدرها الدولة لراغبي الحج حتى تنتظم الأمور ونظرنا لجهلنا الشديد استطاع أبو ترك أن يخدعنا و أدعى أن التصاريح في مكة و أنه في انتظار شخص سوف يحضرها و لكننا مع مرور الوقت شعرنا بالمكيدة الذي دبرها لنا هذا المخادع . أجريت عدة اتصالات مع خالي و كنت أمازحه و سألته عن حكم الضرب بدون سباب للمحرم فضحك و قال لي يجوز إذا أيقن الحج أنه لا أمل له في إتمام حجه .




        كان أبو ترك يجلس على قهوة منذ الصباح الباكر و يدخن الشيشة في برود عجيب و لا تعجب للآسف هناك من يدخنون الشيشة في منطقة الميقات و غالبا ما يكونوا من أصحاب الحملات !. ثم جاء الطبيب و أخبرنا أنه يمكننا الآن التحرك لن التصاريح قد وصلت لكن لم تصل سوى تصاريح لحافلة واحدة و نحن أربع حافلات فسوف نقوم بإدخال حافلة و بعد مرورها سوف نرسل التصاريح لحافلة أخرى.




        كان هذا بالطبع جزء من برنامج النصب الذي أعده لنا المدعو أبو ترك و للآسف قام الطبيب و هو من الشخصيات المعروفة بالمستشفى بتغطية هذا النصاب و كان طوال الوقت يمدحه ويقول عنه انه شخص طيب و محترم ( لا أعرف كيف يقول عنه هذا و هو يشرب شيشة في الميقات ) لكن هذه ظروف خاصة خارج عن إرادة الجميع . طبعا لم تنجح تلك المحاولات و اتضح أنه لا توجد تصاريح و استغرق الأمر عدد ساعات أخرى و كان الكيل قد فاض بالناس و كادوا يفتكون بأبو ترك و هنا قرر أبو ترك أن يتحرك و يخرج من بروده الشهير و يترك الشيشة التي لم تفارق يده منذ الصبح الباكر فوقف بيننا و ألقى علينا خطبة عصماء كدنا أن نبكي منها - لكننا كنا نعلم انه كذاب أشر فلم نشعر نحوه بأدنى شفقة - و قال أبو ترك أنه تعرض لعملية نصب و أن هناك شخص في مكة أخبره يستطيع أن يساعده على دخول مكة بدون تصاريح طبعا ضحكت و نظرة إليه و أنا أقول لنفسي نصاب تعرض لعملية نصب ! .




        المهم في النهاية قال أبو ترك هناك حل أخير و هو الدخول سيرا على الأقدام عبر الجبال و سوف تمر الحافلات خاوية ثم تلتقطنا من موضع معين وافقنا لأننا كنا في مساء اليوم الثامن و الناس قد بلغ بها الجهد مبلغه . لن أطيل أكثر من ذلك المهم بطريقة ملتوية استطعنا أن نصل مكة أخيرا. و أعذرني أيها القارئ الكريم على الألفاظ التي استخدمتها مع هذا المخادع لكنه بالفعل يستحق ما هو أكثر من ذلك و الحمد لله أني لم أكمل رحلة الحج معه فقد أقمت مع احد معارفي و أكملت الحج وحيدا لكني أحببت أن أذكر هذه التفاصيل حتى أنقل للجميع أن أمثال هذا الرجل هم السبب الرئيسي في كثر من الصعوبات التي تواجه الحجاج في الحج أما الدولة السعودية فهي تبذل قصارى جهدها لكن لا يمكن لدولة في العالم أن تسيطر على كل هذه الأعداد الغفيرة و ما مر بي خلال الرحلة جزء بسيط جدا مما حدث لباقي الركاب الذين أكملوا مع هذا الرجل فقد تسبب في سرقة حقائبهم و خدعهم في يوم عرفة و لم يجدوا لهم مكان و المفترض أنه تقوم الحملات بتوفير خيم مجهزة للحجاج في عرفة بل قام و قام بإنزال الرجال في مكان و النساء في مكان آخر و ظل الجميع يبحثون عن بعض طوال اليوم و كاد البعض أن يهلك و بعض الأزواج لم يروا زوجاتهم إلا في نهاية اليوم التالي ! .




        أضف لهذا أن هذا النصاب بالاشتراك مع الأربعين حرامي أقصد مع عدد من النصابين قاموا بتأجير أماكن المبيت في منى لعدة حملات فلم يستطيع الناس أن يجدوا مكان للنوم و دارت بين الناس العديد من المعارك بسبب هذا .




        لقد لقى في هذا العام 364 شخص حتفهم و كنت أن هناك في تلك اللحظات و السبب الرئيسي في رأي ليس تقصير الدولة كما يدعي البعض و لا التشدد و عدم الأخذ بالرخص بالرمي قبل الزوال فهذا افتراء مع احترامي الشديد لأصحاب هذا الرأي فقد رميت وقت وقوع الحادث بكل سهولة و يسر و هذا قبل بناء الجسر الجديد لكن السبب الرئيسي هم المتاجرون بدماء الحجاج أبو ترك و الأربعين حرامي .




        أراكم على خير على عرفات الله إن شاء الله .
        (إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها دبَّت فيها الروح وكُتبت لها الحياة)

        تعليق


        • #49
          رد: ذكريات هناك

          لا حول ولا قوة إلا بالله

          هل وصلنا لهذه الدرجة

          كيف نستغرب مما يفعله الكفرة بالمسلمين

          إذا كان هذا هو حال المسلمين مع المسلمين

          و في الحج

          لا حول ولا قوة إلا بالله

          جزاك الله خيرا يا دكتور

          تعليق


          • #50
            رد: ذكريات هناك

            المشاركة الأصلية بواسطة قلب معلق بالمساجد مشاهدة المشاركة
            لا حول ولا قوة إلا بالله


            هل وصلنا لهذه الدرجة

            كيف نستغرب مما يفعله الكفرة بالمسلمين

            إذا كان هذا هو حال المسلمين مع المسلمين

            و في الحج

            لا حول ولا قوة إلا بالله


            جزاك الله خيرا يا دكتور

            و جزاكم مثله

            للآسف هناك ما هو أبشع و أنكى

            و إن لله و إن إليه رجعون
            (إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها دبَّت فيها الروح وكُتبت لها الحياة)

            تعليق


            • #51
              على عرفات الله (16)

              على عرفات الله (16)

              وصلنا مكة بعد صلاة المغرب تقريبا وكنا في غاية الإرهاق و التعب لكن فرحة الوصول و شعورنا بأننا قاب قوسين أو أدنى من أداء مناسك الحج جعلنا ننسى كل ما حدث لنا في الطريق. و فور وصولي انطلقت مباشرة للفندق و تركت حقائبي و ذهبت لأداء جزء من المناسك و هي طواف القدوم و سعي الحج لأنني حججت مفردا في هذا العام و الحج لمن لا يعرف على ثلاث مراتب و هي التمتع و القران و الإفراد ، و التمتع هو أفضلها على الإطلاق لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم " لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولولا أن معي الهدي لأحللت " و لا أريد أن أدخل بك عزيزي القارئ في مسائل فقهية لذا أكتفي بما ذكرت هاهنا.

              فرغت من أداء الطواف و السعي و كل ذرة في جسدي تصرخ مطالبة بنيل حظها من الراحة و إلا أعلنت العصيان و توقفت عن عملها لذا قررت الإذعان لمطالب جسدي المنهك و ذهبت إلى الفندق لأنام حتى صلاة الفجر حتى يمكنني أداء المناسك على أكمل وجه و لم أكد ألقي جسدي المكدود على الفراش حتى داعب النوم جفوني و سقطت في بئر سحيق لا أدري بما يدور حولي و لكن كعادتي دائما ما أجد مفاجأة كالعادة تنتظرني حتى تطير النوم من عيوني و تخرجني من سباتي العميق فقد انطلق فجأة هاتفي المحمول يصرخ مطالبا إياي بالاستيقاظ من النوم و لو كان هذا الهاتف رجلا لقتلته فقد كان النوم في هذه اللحظات أغلى شيء .

              رفعت الهاتف إلى أذني و أنا في غاية الضيق و التعب و جاء صوت محدثي عبر الهاتف يسألني باللطف (( أنت نمت و نسيت يا خالد ؟))
              أجبت طبعا بكياسة (( أبدا أنا مستيقظ و كله تمام !!)) طبعا سألت نفسي من المتكلم و نسيت ماذا لا أدري ؟!!
              قال المتحدث (( إذا أنا في انتظارك حالا في الحرم و معي زياد لا تتأخر!! )بمجرد سماعي لأسم زياد تذكرت كل شيء كان المتحدث طبيب أسنان معنا في المستشفى جاء هو و زوجته لأداء فريضة الحج و عنده طفل لطيف أسمه زياد عمره حوالي عام و كان الطبيب يبحث عن شخص يحمل الطفل ريثما ينتهي هو و زوجته من أداء المناسك و طبعا كان هذا الشخص هو أنا و قد اخبرني الطبيب قبيل الحج بعدة أيام بأنه سوف يترك لي زياد لعدة ساعات حتى ينتهي هو و زوجه من أداء المناسك فوافقت دون تردد لكن مشقة السفر جعلتني أنسى الأمر حتى جاءني صوت الرجل عبر الهاتف ليذكرني يزيزو (زياد) .

              زياد طفل صغير جميل ما شاء الله و مثل غالب الأطفال الحل الوحيد لشد انتباهه هو أن يرى أمام عينه لعبة لطيفة فكان المفترض مني و لمدة ثلاث ساعات - و الإجهاد يكاد يقتلني - أنا ألعب مع زياد و أشد انتباهه حتى لا يبكي و كان يجري حولي في كل مكان و كلما رأى امرأة منتقبة صرخ ماما... ماما . لم اصدق عيني حين عاد أبوه و أمه فقد كنت على شفا انهيار عصبي وحمدت الله أنني لم أفقد أعصابي فقد كان زياد قد بدأبيتململ ويبكي و يأبى الجلوس أو النوم.

              عدت مجددا إلى الفندق و كانت الساعة الواحدة صباحا تقريبا و أوصيت عامل الفندق أن يوقظني لصلاة الفجر لأني لن أستطيع أن أستيقظ بنفسي و مرت ساعات و أنا نائم ثم استيقظت و عندما نظرت في الساعة كانت عقاربها تشير للسابعة شعرت ساعتها بضيق نفسي شديد لضياع صلاة الفجر صبيحة يوم عرفة و كدت أبكي من الحزن و أردت أن أدق عنق العامل لأنه لم يوقظني لكني تذكرت أنني محرم فقررت الصفح عنه لعله انشغل أو نسى. قمت و توضأت و أديت الصلاة ثم خرجت إلى ساحة الفندق فلم أجد أي شخص كان الفندق خالي تماما فقد خرج الجميع منذ الصباح الباكر إلى عرفة فقررت الذهاب وحيدا و بمجرد خروجي من الفندق شعرت أن مكة كلها قد أصبحت لون واحد و أن ربوعها قد اصطبغت باللون الأبيض كانت مكة عن بكرة أبيها تسير نحو عرفة و هو مشهد يهز الوجدان و يبعث في النفس خشوع عجيب لا يشعر به إلا من رآه الغريب أنني و حتى هذه اللحظات لم أكن أدري الخطوة القادمة نعم أنا قرأت عن مناسك الحج باستفاضة لكن القضية كانت غير هذا تماما فالمفترض أن الرجل الذي استضافني كان سيأخذني معه لأحد المخيمات في عرفة و لكنه يبدو أنه في غمرة الأحداث نسى الأمر و كان جواله مغلق و الوصول لأي شخص في هذا الوقت عن طريق الجوال من دروب المستحيل لذا كان علي أن أبحث عن حل أخر و كان أمامي خياران الأول الاتصال بخالي و هو ضابط شرطة و كان مشرف على حجاج القرعة المصرية و الأمر الأخر الاتصال بأصدقاء لي جاءوا للحج هذا العام و قد حاولت جاهدا الوصول إلي أي منهم و لا يمكن أن تتصور عزيزي القارئ مدى صعوبة الأمر فوسيلة الاتصال الوحيدة هي الهواتف النقالة و هي تكاد تكون عقيمة في هذا اليوم و الأصوات دائما تأتي متقطعة و استطعت بعد جهد جهيد أن ألقى صديقي إبراهيم سيف وقد استغرق هذا الأمر حوالي 5 ساعات تقريبا كل هذا و أن أتنقل على عرفة سيرا على الأقدام و كنت في هذه الأثناء أحاول أن أذكر الله كثيرا و أقرئ أحيانا بعض آيات الله . و لم أستطع طوال هذه المدة أن أجلس و لو لحظة واحدة فقد كانت الطرقات ممتلئة تماما ، و كنت قد قابلت حاج باكستني تائه و ساعدته حتى وجد بعض معارفه أما إبراهيم في طريق للوصول إلي فقد ساعد العديد من الحجاج التائهين و أنا أرى أن باب تفريج الكرب في الحج من أعظم الأبواب و التي قد يغفل عنها الكثير بحجة أنه قد أتى لأداء المناسك و أن هناك مختصين للقيام بمثل هذا الأمر و هذا مع كامل احترامي فكر سقيم فهؤلاء المكروبين في حاجة ماسة للمساعدة فاللغات مختلفة و الأماكن متشابهة و الطرقات شديدة الزحام و السلطات مهما بذلت من مجهود لن ستطيع خدمة هذا الجمع الغفير لذا فمهمة رفع المشقة عن الآخرين لا تنحصر أبدا في الجنود و الضباط إنما هي مهمة جماعية بالمقام الأول .

              التقيت إبراهيم و كنت في غاية السعادة لهذا و كنت قد عثرت أيضا على المخيم الموجود فيه خالي كما يقولون (( عصفورين بحجر واحد )) تجولنا قليلا ثم تركته لأعود مرة أخرى لخالي و هنا سوف أتوقف قليلا عن سرد الأحداث لأنقلكم مباشرة إلى هذا المكان الرائع عرفات الله .

              عرفة منطقة شاسعة فيها سكون عجيب يطلع إليها الله سبحانه وتعالى ليباهي ملائكته بطاعة عباده له و في عرفة تسكب الرحمات و العبرات و تخشع الأصوات و ترتفع أكف الضراعة، في عرفات الله وقفات و تأملات لا تحصيها كلمات و لا تحويها كتب فكيف تصف تلك الوجوه الناضرة التي هي إلى ربها ناظرة و كيف تكتب عن تلك المشاعر الراقية و الأحاسيس المرهفة لقد جاء هذا الجمع الغفير شعث غبر لا يرجون شيء إلا رحمة الخالق سبحانه و تعالى .

              الحج عرفة و لا عجب في ذلك فما يري يوم أكثر عتيقاً ، و لا عتيقة من يوم عرفة لا يغفر الله فيه لمختال كما جاء عن الهادي البشير صلوات ربي و سلامه عليه و ما رئي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أغيظ ولا أذل فيه من يوم عرفةفهو يوم مفاصلة و فيه يتحرر الإنسان من عبودية المادة التي طغت على واقعنا المعاصر بتحرره من ثيابه و زينته و تركه ليس للمحرمات فقط و إنما لجانب من الأمور المباحة شرعا لكن أراد الله سبحانه و تعالى لعباده في هذا الموقف الجليل أن تتحرر أجسادهم و قلوبهم من كل رابط أرضي لتحلق هذه الأرواح في سماء الرحمة و لتذوق لذة و حلاوة المناجاة بعيدا عن صخب الحياة و أنواء الواقع و مشاغل الدنيا.

              الحج عرفة كيف لا و قد بلغ منا الجهد مبلغه و أنهكنا الجوع و العطش و صارت الأفئدة تسعى حثيثا لطلب الرحمة من رب العباد لقد جاء هؤلاء البشر من بقاع شتى يرجون رحمة ربهم و يخافون عذابه و ما بُذلت الأموال و لا أُجهدت الأبدان إلى لهذا الهدف السامي إرضاء الله سبحانه وتعالى و هو مفتاح دار السعادة التي لا تقاربها دار في أرضنا هذه أبدا و لا تضاهيها لقد ارتفعت الأيدي بالدعاء في هذا اليوم و اختلطت الأصوات و انشرحت الصدور بذكر ربها الغفور و نزلت السكينة و غشيت تلك البقعة المباركة الرحمة ، اللهم ما تقبل منا و تابع لنا بين الحج و العمرة و ارزقنا الإخلاص في الأقوال و الأعمال.
              (إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها دبَّت فيها الروح وكُتبت لها الحياة)

              تعليق


              • #52
                رد: ذكريات هناك

                السلامُ عليكم
                الحمدُ لله و الصلاةُ و السلامُ على رسول الله :

                حياكَ الله أخي الدكتور ...

                ربما هذه أول مرة أقرأُ لكَ مُشاركات لأني مُستجِدٌ على المُنتدى...

                لي تعليقان أخي الكريم على "الذكريات" لو تفضلتم لي...

                ما لفت انتباهي هو أُسلوبك القصصي التصويري، و الإنتقال بين أحداث القصة دون شعور القارىء مما يجعلُه يعيش واقع القصة مع صاحبها...

                و كذلك ما شاء الله لا تخلو القصة مِن الآيات و الأحاديث و الجوانب الفقهية؛ و هذا سيزيد في فهم هذه النصوص الشرعية بحول الله...

                فهذا يعكس ثقافة و عقلية عالية لكَ أخي ... أسألُ اللهَ أن ينفع بك الأمة، و أن يزيدك من فضله...
                أعلمُ شخصاً قصته قريبة لقصتك من ناحية الهجرة و مدتها الزمنية و المُضايقات الأمنية و حتى الخطوبة و أموراً أشد أُخرى ...نسأل الله أن يُيَسر حال الأمة...

                لكن لي مُلاحظة أخي ربما يُشاركني بها البعض؛ و هي عُمر القصة قد طال جدا، حتى أنه الآن أكبر من عمر القصة الحقيقي ... أي الموضوع تم البدء به بمنتصف شهر ستة، فالآن مضى عليه حوالي نصف سنة... أما القصة فقد وصلت أحداثها تقريبا للشهر الثالث أو بداية الرابع من عمرها ...

                أظن أن سبب سرْد القصة لم يأت بعد... و أن الحلقات القادمة تحملُ أموراً أثقلتْ كاهلك ... يسر الله حالك... و يا ليتك أخي تتواجد أكثر هنا و تُتحفنا بجميل ِ مواضيعك و صليلِ أقلامك ... أو بالأحرى صليل كايبوردك ^_^

                تعليق


                • #53
                  رد: ذكريات هناك

                  المشاركة الأصلية بواسطة أبو بكر أشرف الشامي مشاهدة المشاركة
                  ... و يا ليتك أخي تتواجد أكثر هنا و تُتحفنا بجميل ِ مواضيعك و صليلِ أقلامك ... أو بالأحرى صليل كايبوردك ^_^


                  سلام عليكم و رحمة الله و بركاته

                  الأخ الكريم أبو بكر أشرف الشامي

                  جزاك الله خيرا على أسلوبك الراقي في الرد و هذا الإطراء الرقيق بارك الله فيك بالفعل أخي الحبيب أنا مقل جدا في ارتياد المنتدى و الكتابة رغم أنني من عشاق الطريق إلى الله لكن هناك ظروف خاصة جدا تحول بيني و بين الاستمرار و التواصل و عموما سأحاول جاهدا أن أسرع في الأحداث رغم أنني بالفعل حتى الآن لم أكتب شيء عن الجانب الثري في تجربتي و قد فكرت مرار التوقف عن الكتابة نظرا لظروفي الخاصة لكن حبي للكتابة يقف حائلا في وجهي

                  اللهم أرزقنا الإخلاص في الأقوال و الأفعال

                  و صلى اللهم على محمد و آله و صحبه و سلم
                  (إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها دبَّت فيها الروح وكُتبت لها الحياة)

                  تعليق


                  • #54
                    رد: ذكريات هناك


                    يَسر الله أمورك أخي و فرج كربك...

                    استمِر أخي بالكتابة فما يُدريك لعلك بجُملة تكتبها تنفع شخصاً آخر فيُكتب لك بها الأجر...

                    إن كان تواجدك على النت قليل لظروف عندك أخي فيُمكنك حل هذه المشكلة بأن : تكتب المقالات و المشاركات التي تود على ملفات "وورد" مُسبقا ثم عندما تدخل تُشارك بها فتغتنم الوقت إن شاء الله ... يسر الله أمرك.

                    تعليق


                    • #55
                      رد: ذكريات هناك

                      جزاك الله خيرا يا دكتور خالد ...
                      هذا العدد جاء في وقته .. فموسم الحج بدأ و عرفة اقترب
                      و الله لقد شوقتنا بشدة للحج يا دكتور
                      اللهم ارزقنا الحج و العمرة

                      و اتفق مع أخي الحبيب أبو بكر الشامي ... لأن أسلوبك مشوق جدا و نحن نشتاق لمعرفة بقية القصة

                      جزاكم الله خيرا

                      تعليق


                      • #56
                        رد: ذكريات هناك

                        المشاركة الأصلية بواسطة أبو بكر أشرف الشامي مشاهدة المشاركة

                        إن كان تواجدك على النت قليل لظروف عندك أخي فيُمكنك حل هذه المشكلة بأن : تكتب المقالات و المشاركات التي تود على ملفات "وورد" مُسبقا ثم عندما تدخل تُشارك بها فتغتنم الوقت إن شاء الله ... يسر الله أمرك.
                        إن شاء الله تزيد مشاركاتي في الفترة القادمة

                        المشاركة الأصلية بواسطة قلب معلق بالمساجد مشاهدة المشاركة
                        و اتفق مع أخي الحبيب أبو بكر الشامي ... لأن أسلوبك مشوق جدا و نحن نشتاق لمعرفة بقية القصة


                        جزاكم الله خيرا
                        جزاك الله كل خير

                        للعلم حبدأ أصدق و أتصور نفسي أديب
                        (إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها دبَّت فيها الروح وكُتبت لها الحياة)

                        تعليق


                        • #57
                          رد: ذكريات هناك

                          ^_^ صــدِّق يعـــــم ... يعني الأدباء أكثر عقل منك؟ أنت يا راجل أديب و نص... ^_^

                          تعليق


                          • #58
                            مشاهد لا أنساها (17)

                            مشاهد لا أنساها (17)

                            هناك مشاهد و مواقف لا بمكن أن تُمحى من ذاكرة المرء أبدا ، و لعل مشاهد الحج من أروع المشاهد التي رأيتها في حياتي فهي تحمل في طياتها حكم و عظات و منها المبهج و منها ما يدعو للأسى و قد رأيت أنه ما دمنا قد تكلمنا على الحج فلا مانع من تسجيل بعض هذه المشاهد و طرحها بين يدي القارئ الكريم .

                            من المشاهد الرائعة مشهد الإفاضة من عرفات إلى مزدلفة و يشبهه كثيرا مشهد رمي الجمرات فالناس كلها تسير في اتجاه واحد و كأنه يوم الحشر يوم يحشر الناس إلى ربهم و ترى في عيون البشر هذه الرغبة و الرهبة فيما عند ربهم من رحمات لا تنضب مغفرة تسع أهل الأرض جميعا لو اخلصوا السير في طريق الله . و لقد كان هذا المشهد و ما يزال من أكثر مشاهد الحج الماتعة التي تؤثر في قلب كل من شاهدها و قد قمت بتصوير هذا المشهد الرائع بجوالي المسكين الذي لفظ أنفاسه الأخيرة بعد عودتي للقصيم مباشرة كما أخبرتكم آنفا !.

                            و كنت قد اضطررت للسير من عرفة لمزدلفة لأن الأتوبيس قد يستغرق عشرات الساعات و أنا بطبيعتي لا أستطيع المكوث في مكان واحد لفترة طويلة ، و قد تركت خالي في الثانية صباحا لأن الطريق كان متوقف تماما و قررت أن أسير على قدمي حتى وصلت منى مع مطلع صلاة الفجر في واحدة من أمتع المرات التي سرت فيها على قدمي إن لم تكن أمتعها على الإطلاق أما خالي فقد وصل مع باقي الفوج حوالي الساعة 11 صباحا في اليوم التالي ! .

                            من المشاهد المؤثرة مشاهد مساعدة المحتاجين في الحج فمنهم التائه و المريض و الفقير و هذا في رأي الخاص هو أعظم أبواب الأجور و الحسنات في الحج بل لعله و الله أعلم من حكمة الله حين شرع هذه الفريضة للأمة فرفع البلاء عن أمثال هؤلاء إنما هي رحمة جعلها الله في قلوب عباده و كم كنت أشعر بسعادة بالغة حين أرى مجموعة من الشباب يسيرون مع رجل أو امرأة على - اختلاف الجنسيات و الثقافات – يمدون له يد المساعدة و يبحثون معه عن مكان الفوج الذي جاء معه هذا الرجل أو المرأة ، و على قدر الحزن الذي كنت أشعر به نحو هذا المسكين لفقدانه أهله و أصدقائه على قدر ما كانت تملأ قلبي فرحة عارمة أن جعل الله في هذه الأمة رحمة يعطف بها القوي على الضعيف و الغني على الفقير فترى ملحمة عظيمة في رفع الظلم و نشر العدل و كانت لي تجربة لطيفة مع امرأة في السبعين تقريبا من عمرها صينية الجنسية و جدتها تقف مع أحد الجنود و هو يشير لها في عدة اتجاهات محاولا أن يشرح لها شيء بالطبع هي لم تفهم و لو هو استطاع أن يشرح فتبرعت على الفور بالتدخل في الحديث فأنا أجيد الإنجليزية و جال بخاطري أن هذه المرأة و لا شك تعرف على الأقل النذر اليسير من الإنجليزية مما يجعلني قادر على التعامل معها ، و شعر الجندي أن رحمة من السماء قد نزلت عليه حين رآني أتحدث إلى المرأة بلغة لا يفهمها هو أما أنا فشعرت بخطر شديد فالمرأة لا تعرف حرف واحدة من اللغة الإنجليزية وتتحدث الصينية فقط ، نظرت حولي في حيرة شديدة فمعي الآن امرأة صينية عجوز لا تفهمني و لا أفهمها و تريد العثور على أسرتها و بالطبع معلوماتي عن الصيني كمعلومات الحاجة أم السيد بائعة الخضروات المجاورة لمنزلنا عن الخريطة الجينية أي أنها تساوي صفر بل ربما دون الصفر بقليل من هذا المنطلق قررت أخذ هذه المسكينة إلى مركز الحجاج التائهين كان هذا صبيحة يوم النحر بعد أن قمت بإلقاء الجمرات ظللت أسير في طرقات منى في محاولة للعثور على المركز لكن الأمر كان شاق للغاية فالزحام لا يوصف و الناس تجري في شتى الاتجاهات بعد أن انهوا أعمال يوم النحر ليتحللوا من ملابسهم و كان من الصعب جدا أن تجد من يستمع إليك و قد حاولت التحدث إلى العديد من ذوي الملامح الآسيوية لكن دون جدوى فلم أعثر على شخص يجيد الإنجليزية ثم كان أن هداني الله لأصل إلى أحد مخيمات الحجاج الأمريكان ففوجئت أن غالبهم من المصريين الحاصلين على الجنسية اأمريكية ، و استقبلني شاب مصري بحفاوة بالغة و قرر مشاركتي رحلة البحث عن مكان هذه المرأة و أخيرا استطعنا أن نجدد حجاج صينيين أخذوها معهم لينتهي أحد المشاهد التي لا أنساها .

                            و من المشاهد المبهجة أن تلقى قدرا أو بموعد مسبق أحد معارفك و قد كانت سعادتي غامرة حين لقيت خالي و بعض أصدقائي و على رأس القائمة أخي الحبيب د/ حازم شومان وهو أحد الدعاة الشباب المعروفين في مدينتي و قد نمنا سويا على أحد أرصفة منى و لم يكن معنا سوى غطاء واحد صغير جدا و الطقس شديد البرودة فكان دكتور حازم يستيقظ ليضعه علي و ينام دون غطاء فاستيقظ أنا من فوري لأضعه عليه مرة أخرى و هكذا طوال الليل . و قد التقيت أنا و دكتور حازم مع أحد الدعاة المشهورين جدا و له العديد من البرامج حاليا في الفضائيات و هو الدكتور صلاح سلطان وهو يشغل حاليا منصبالمستشار الشرعي للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية و وزارة الشئون الإسلامية بمملكة البحرين ، و كان لقاء شيق للغاية تحدثنا فيه عن عالمية الإسلام و النوازل الفقهية والتيسير في الحج و قد طلبت منه مراسلته و التواصل معه ثم نسيت الأمر بعد ذلك .
                            و من اللطائف أنه في أخر ليلة من ليالي التشريق قابلت دكتور شريف القطب و هو صديق عزيز و صاحب الصيدلية التي عملت بها بعد تخرجي و أخيرا كنت استقل حافلة في طريقي إلى منى قادما من مكة ففوجئت أن الرجل الذي يجلس خلفي تماما هو ضابط أمن الدولة الذي قابتله في مدينة المنصورة قبل سفري فلم أتمالك نفسي من الضحك !.

                            و كانت مثل هذه اللقاءات التي يدبر لها الملك سبحانه و تعالى أفضل و أمتع من اللقاءات التي نعد لها مسبقا و هناك عشرات المواقف المشابهة لا أريد أن أثقل كاهل القارئ الحبيب بها.

                            أما أفضل موقف مر بي أنا شخصيا في الحج و أسأل الله العظيم أن يتقبله مني و أن يجعله خالصا لوجه هو ما حدث صبيحة يوم الثاني عشر من ذي الحجة فلسبب غير مجهول قامت البعثة المصرية عن بكرة أبيها برمي الجمرات ليس فقط قبل الزوال و لكن قبل صلاة الفجر و العلماء إن كانوا قد رخصوا في الرمي قبل الزوال فقد جعلوا وقت الرمي يبدأ مع صلاة الفجر أما أن يلقي الناس لليوم الأخير قبل الفجر فلم أسمع به أبدا و قد حاولت أن أثني أعضاء البعثة عن هذا و قلت لهم إن أردتم أن تأخذوا بالرخصة فلا مانع و الله أعلى و أعلم و لكن ألقوا بعد الفجر أما أن تلقوا قبل الفجر فلم نسمع بهذه الفتوى أبدا و بالطبع ذهب كلامي أدراج الرياح فقد كانت التعليمات أن تغادر البعثة المصرية منطقة منى و تتجه إلى الفنادق قبل صلاة فجر يوم الثاني عشر من ذي الحجة ، قام الناس بإلقاء الجمرات و عادوا مجددا للمخيمات في انتظار تعليمات المشرفين للتوجه للحافلات و هنا أسمح لي أيها القارئ أن أشرح لك بتفصيل بسيط نظام المخيمات حتى تفهم تحديدا ما حدث في هذه الليلة ، المخيمات عبارة مجموعة خيم خراسانية يجمعها سور واحد و كل مخيم له رقم فلنفترض مثلا (16) فيكون المخيم (16) هذا هو مساحة الأرض التي تحوي عدد أخر من الخيام كل خيمة لها حرف أبجدي و يقطنها حوالي 25 شخص تقريبا و الحافلات مكتوب عليها رقم المخيمات بترتيب معين فمثلا الحافلة (16- أ) تعني الخيمة (أ) في المخيم (16) و هكذا. و هناك شارع صغير مجاور للبعثة المصرية و وكان عدد المصريين في هذه المنطقة حوالي 15 ألف نفس و ما حدث في هذه الليلة أنه بعد أن قام الناس برمي الجمرات كنا في انتظار الحافلات لتقل الناس إلى مكة أما أنا فكنت قد قررت أن ألقي بعد الزوال و كان معي لواء شرطة متقاعد و مستشار قد قرروا المكوث معي ، و كنت متحمس جدا لمساعدة الناس في نقل حاجاتهم إلى الحافلات و كنت قد اكتسبت ثقة و محبة الناس في المخيم بفضل الله في فترة و جيزة جدا و استطعت أن أكسب ودهم بشكل كبير في هذه الأيام القليلة لذا فقد ألتف حولي الناس حين بدأت بوادر الأزمة و بفضل الله استطعت أن ألعب دور مهم جدا في هذه الليلة لحل الأزمة الرهيبة التي حدثت فجأة و هذه الأزمة باختصار أنه كان من المفترض أن تأتي الحافلات تباعا لتخلي المخيمات بالترتيب 16 ثم 17 ثم 18 ..... إلخ ، و تكون أيضا بترتيب الخيام داخل المخيم الواحد حتى لا تحدث فوضى فمثلا (16-أ) ثم (16-ب) وهكذا لكن جاء قرار رهيب لا أدري من أين هل هو من المسئولين عن البعثة المصرية أم المطوفين - و المطوف هو الشخص السعودي المسئول عن كل مخيم - فقد انطلقت فجأة أصوات في كل المخيمات أن غادروا على الفور لأن الحافلات في انتظاركم في الخارج ليس هذا فقط بل أن هناك إشاعة لاقت رواج سريع و هي أن الحافلات قليلة و لن تكفي المتواجدين و أن الناس لن تستطيع مغادرة منى و نظرا لأن الإنسان خلق هلوعا فقد خرج الناس سراعا علما بأن غالب الحجاج من كبار السن و النساء و بعضهم مرضى للغاية و الآن تخيل معي أخي القارئ شارع ضيق جدا يسع حافلتان بالكاد و الناس لا تعرف أرقام الحافلات و لا تستطيع أن تجد المشرفين في هذا الزحام و التخبط الرهيب و أصوات الصراخ و البكاء في كل مكان و للآسف بعض كبار المسئولين فروا من المكان خشية أن تحدث كارثة فيسألوا عنها و ألقوا المسئولية على كاهل صغار الضباط و الذين كانت لهم - و هي شهادة حق – مواقف بطولية في هذه الليلة العصيبة و على الرغم من كل هذه الأحداث شعرت بمتعة رهيبة لم أشعر بها في حياتي كلها فقد وجدت فجأة نفسي بطلا – أسأل الله أن يرزقنا الإخلاص – في عيون لناس و أنا أحمل متاعهم بل أحيانا أحملهم و أجري هنا و أساعد هذا و أحافظ لهذا على متاعه و أساعد العجائز و المرضى في ركوب الحافلات كانت النشوى تعتريني و الفرحة بمساعدة هؤلاء الضعفاء تعصف بي . و ماتزال ابتسامات هؤلاء الناس في وجهي و شعورهم بالأمان لوجودي حولهم محفورة في ذاكرتي أراها شاخصة أمام عيني دليل واقعي على عظمة هذا الدين في حثه على الرفق بالضعفاء و مساعدة الآخرين فمن فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الرحمن الرحيم عنه كربة من كرب الآخرة فالهم ارزقنا الإخلاص و اجعلنا عونا لكل محتاج .

                            لقد أطلت النفس هذه المرة لكن أرجو المعذرة فو الذي لا إله غيره إن مشاهد الحج الرائعة لا تُمحى بهذه البساطة و الحديث عنها له مذاق خاص ، كيف لا و هي من أعظم الشعائر التي فرضها الله علينا وهي منة عظيمة لا يعرفها إلا من ذاقها و رأى بأم عينيه كيف يكابد المرضى و كبار السن الأمرين من أجل هذه الشعيرة العظيمة و قد رأيت هذا جليا و أنا أساعد الحجاج في مغادرة منى الأمر الذي استغرق الليل بطوله حتى مطلع الفجر و كنا قد أو شكنا على الانتهاء و تبقى معي امرأتان عجوزان معها عدد من الحقائب أضف لذلك بدانتهم و كانتا تبكيان خوفا من أن ألا يستطيعا العودة على مكة نظرت حولي يمينا و يسارا فوجدت حافلة مسرعة متجهة نحونا و بالطبع كان السائق لا ينوي التوقف أبدا و لم يكن هناك أمامي سوى حل واحد فقمت بحمل بعض الحقائب و ألقيت نفسي أمام الحافلة و انطلقت الصرخات من حولي فقد تصور الجميع أن الحافلة ستدهسني لكني كنت واثق أن السائق سوف يتوقف بعون الله و لم أتحرك من أمام الحافلة حتى قاموا بأخذ المرأتان فحمدت الله كثيرا .

                            بقي الآن في جعبتي مشهدان أخيران الأول هو الحادث المأساوي الذي وقع في هذا العام عند جسر الجمرات و راح ضحيته أكثر من ثلاثمائة نفس و كنت أنا شاهد عيان على هذا الحادث بل إن أسرتي بالكامل ظنت أني هلكت فقد أخبرتكم من قبل أن هاتفي المحمول كانت له معي مغامرة خاصة في الحج فقد قمت باستخدامه في تصوير العديد من مشاهد الحج مما تسبب في فراغ بطاريته تماما لذا لم أستطع أن أتحدث إلى أسرتي أو معارفي لطمأنتهم علي فعندما و قع الحادث و لم يستطيعوا الاتصال بي ظن أبي و أمي أني قد هلكت و لم يستطيعوا معرفة أخباري إلا في المساء بعد عودتي الفندق و كان موقف مؤثر للغاية ، أعود مجددا للحادث فقد حضرت أحداثه و هناك عدد من الإشاعات تواترت حول هذا الحادث لذا أرى من واجبي أن أفندها لله ثم للتاريخ منها على سبيل المثال أن أحد الشخصيات الهامة كانت ترمي في هذا الوقت فقامت الشرطة بدفع الناس مما أدى لوقوع الحادث أقول أن هذا كذب وبهتان فقد رأيت أميرة من الأسرة الحاكمة ترمي و حولها عدد من الجنود و كان عليهم جميعا و قار و هدوء و كان عدد الحرس بسيط جدا مقارنة بأنها أميرة و لم يدفعوا أحدا أبدا و يجب أن أوضح أنني لست مواطن سعودي و لا أعمل حاليا في السعودية و قد يكون عندي بعض الملاحظات الخاصة على أخطاء وقعت في الحج أي أنني لست صاحب مصلحة خاصة في مدح الحكومة السعودية و لكنها شهادة حق و من يكتمها يأثم قلبه ، و من الأكاذيب التي يروج لها أعداء الحق و أعداء السنة أن تشدد بعض العلماء في عدم الانصياع لأصوات الحكمة التي نادت في توسيع وقت الرمي هو سبب الحادث فأقول إن الأخذ بالعزيمة و الورع في الفتوى لا يسمى تشددا و قد رمى رسول الله صلوات ربي و سلامه عليه بعد الزوال و هو فعل غالب الصحابة و الجمهور على هذا و دون دخول في تفاصيل فقهية فإن إتباع الهدي النبوي لم و لن يكن أبدا سبب في الكوارث مع احترام بالطبع الرأي القائل بتوسعة وقت الرمي ، إنما سبب هذا الحادث و هذا رأي الشخصي هو جشع غالب أصحاب الحملات فيحملون الناس على التعجل في اليوم الثاني عشر مما يجعل الحجاج يتصرفون بشيء من التسرع يؤدي لوقوع مثل هذه الحوادث الأمر الأخر هو عدم الاستماع لأصوات العقل فكل اللافتات الإرشادية الموضوعة في كل شبر تقريبا من أرض مكة يضرب بها عرض الحائط فالناس تنام عند جسر الجمرات وتحمل متاعها معها أثناء مغادرة منى و كل هذه الأشياء مجتمعة هي سبب مثل هذه الحوادث فالحج مسئولية كل فرد و ليست مسئولية أفراد الأمن أو رجال الدولة .

                            صدقوني ما عرضته عليكم صور سريعة جدا فالحج مليء بالأحداث الرائعة التي لو قصصتها عليكم لاحتجت لعشرات الحلقات لكن حسبي ما ذكرته الآن و أرجو أن أكون قد وفقت فيه لكن أسمحوا لي بموقف أخير قبل المغادرة فكنا قد ركبنا الحافلة لنعود إلى القصيم و ظل رفاقي يقصون ويلات ما فعله أبو ترك و المقالب الساخنة المضحكة المبكية لكنهم حمدوا الله جميعا أن أتم عليهم نعمة الحج عدت برأسي إلى الوراء و أخذت أستعرض شريط ذكرياتي مع هذه الرحلة الرائعة و تلك الأيام المبهرة التي قضيناها في رحاب الله و كنا فيها بحق ضيوف الرحمن و لم يقطع حبل أفكاري إلا صوت سعال شديد للغاية نظرت يمنة و يسرى لأرى من صاحب هذا الصوت البشع ثم تذكرت أنها حالة الربو القاتلة المصابة بها حافلتنا المسكينة و كالعادة توقف الحافلة على جانب الطريق و قف السائق الهندي ينظر إلينا و عيناه تكاد تدمع و قال بصوت مستعطف (( ايش سوي أنا .... هذا سيارة ما في كويس ... كتير خربان ))

                            أراكم بإذن الله في القصيم قريبا .


                            (إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها دبَّت فيها الروح وكُتبت لها الحياة)

                            تعليق


                            • #59
                              رد: ذكريات هناك

                              سبحان الله و بحمده سبحان الله العظيم
                              (إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها دبَّت فيها الروح وكُتبت لها الحياة)

                              تعليق


                              • #60
                                رد: ذكريات هناك

                                جزاااااااااااااك الله خيرا يا دكتور خالد
                                و الله أنت في كل مرة بتزود اشتياقنا لزيارة بيت الله الحرام
                                أنا باحس إني معاك في الأحداث اللي انت بتحكيها دي و باعيشهل لحظة بلحظة فعلا
                                و أول لما تقف باحس ان روحي اتسحبت مني
                                و رجعت للواقع مرة تانية
                                سبحان الله حتى الأهوال اللي شفتوها دي .. عشان لله (نحسبكم كذلك) بتبقى ممتعة جدا
                                و بعد ما المواقف بيخلص بتفضل ذكراه الجميلة معاك طول العمر

                                و الله احنا ديننا ده .. جنة حقيقية في الدنيا

                                جزاك الله خيرا يا دكتور

                                و ربنا يستر و الاتوبيس الـ(كتير خربان) ده يتصلح .. عشان تروحوا :)

                                تعليق

                                يعمل...
                                X