علمني طفلي!!
الطفولة عالمٌ طاهرٌ وخالي من جميع الأمراض النفسية والقلبية التي تصيب عادة الكبار؛ نتيجة المعاملات المادية والمشاحنات اليومية، لذا تجد أن كل معاني الخير التي نحاول غرسها في نفوس الأطفال؛ تبقى محفورة في عقلهم الباطن لفترة ليست بالقصيرة، ما لم يصطدموا بما يخالفها على أرض الواقع من خلال تصرفات المحيطين بهم، فتكون سبباً في عملية الإنتكاس!!
أما إذا قدر الله لهؤلاء الأطفال أن يتربوا في بيئات صالحة، ووجدوا صدى تلك المعاني الجميلة في واقع تصرفات المحيطين بهم؛ فسرعان ما تنمو تلك المعاني وتتأصل في نفوسهم، بل وتمثل لدى الكثيرين منهم منهج حياة في السلوك!!
وذلك بحسب قوة تأصل تلك المعاني في النفوس، حيث يُعول على مدى قوة قناعتهم بتلك المعاني في ثباتهم عند مواجهة المجتمع المخالف من حولهم مع مرور الأيام، وإمكانية إدراكهم بأن ما هم عليه من المبادئ هو الحق، وأن ما عليه المخالفين هو الباطل!!
وهنا أضرب مثالاً بالحوار الذي دار بيني وبين طفلي الذي يبلغ من العمر أربع سنوات منذ أيام قليلة، حيث كنا نشاهد نشرة إخبارية نقلت وقائع الاحتفال بالمولد النبوي في سوريا، فشاهد ولدي بشار الأسد وهو يصلي بجوار مفتي الخراب السوري، فسألني : هل هذا هو بشار الأسد الذي يقتل الناس؟! فقلت له : نعم، فقال لي : ولكنه يصلي ألا تشاهده؟! فكيف يقتل الناس وهو يصلي؟!
فوالله الذي لا إله غيره أدهشني سؤاله، وبقيت مذهولاً للحظات؛ أفكر في كيفية الرد عليه، وأنا الذي علمته أن الصلاة سببٌ في دخول الناس الجنة!!
فلم أجد في نهاية المطاف بُداً من الإجابة عليه بما يتناسب مع عقلية الكبار، فقلت له : هذا كذاب، يحاول خداع الناس، ويمثل أنه يصلي؛ كي يضحك عليهم وكأنه طيب لا يقتل أحداً، ولكنه يرسل جنوده سراً لقتل المسلمين في أنحاء سوريا!!
شعرت بأنني ألقيت حملاً كبيراً عن كاهلي، ولكنه بطريقة (اعتباطية) وعليَّ الآن أن انتظر ردة الفعل من هذا القزم الصغير الذي ورطني في تلك الإجابة المتسرعة التي تكبر نطاق تفكيره بمراحل، فلم يكن منه إلا أن هزَّ رأسه، وكأنه قد تفهم الأمر تماماً!!
. . (فقلت في نفسي مازحاً قزم ونصاب كمان!!)
ولكني بقي سؤاله يتردد في ذاكرتي بين الحين والآخر (كيف يصلي ويقتل؟!) وأقول لعلني أفكر في إجابة أخرى؛ أصلح بها ما أفسدته؛ خوفاً من كوني تسببت في خلط عليه الأمور، أو أحدثت لديه ازدواجية في التفكير وهو في هذه السن المبكرة!!
ولكن سرعان ما جاءت النشرة التالية، وعرضت نفس المشاهد، فإذا به يسارع نحو التلفاز مشيراً على بشار الأسد وهو يقول : (يا كذاب!! أنت تتظاهر بالصلاة وتقتل الناس؟! انظري يا أمي إلى هذا الكذاب، هذا لا يصلي، هذا فقط يخادع الناس!!!!!!!)
لم أتمالك نفسي من شدة إعجابي بهذا الرجل الصغير (ما شاء الله لا قوة إلا بالله) حيث استوعب تماماً ما أردت شرحه!!
فأيقنت بأن مخاوفي إنما كانت تتناسب مع الأجيال السابقة؛ كأجيالنا ونحن صغار (أي من هم في مثل عمري) أما هذا الجيل الصاعد، فكأن الله قد هيأه لمواجهة ما سوف يتضاعف من فتن هذه الحياة مع مرور الأيام؛ مصداقاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه، وأخرجه البخاري : (اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم)!!
وهكذا علمني طفلي
أن الصغار تربةٌ صالحةٌ لغرس بذور الصلاح
وأنه يمكنهم أن يكونوا كباراً في صلاحهم
فقط إذا تربوا على هذا الدين!!
تعليق