إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

العقيدة بين القلب والعقل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العقيدة بين القلب والعقل

    القلب مستقر العقيدة، والعقل مدخلها إليه، ووظيفة العقل في العقيدة القبول لا الإدراك".. هذه القاعدة من قواعد العقيدة تبين مكانة العقيدة في البدن، وعلاقة موضوعات العقيدة بالعقل، وتحديد وظيفة العقل في قضاياها.


    القلب مستقر العقيدة
    اعلم أخي التقي ذي القلب الزكي أنَّ الله العلي اختار القلب من بين أجزاء البدن مستقرًا للعقيدة، وهي أعظم ما في الدين، وما دلالة ذلك إلا على عظم هذه المضغة التي في البدن (القلب).


    وإنه ليمكنك القول موجزًا أنَّ الله جعل أعظم ما في البدن مستقرًّا لأعظم ما في الدين، وهي (العقيدة)، وليس أدل على عظم مكان القلب بين أجزاء البدن إلا ما سأورده لك أخي من نقاط لتعلم خطر القلب فيك؛ ومَن ثَمَّ يأخذ منك أعظم الاهتمام.


    1- نجاة المرء من الفتن إنما يكون بسلامة القلب
    اعلم أخي حفظني الله وإياك من كل فتنة: أنك تجابه نوعين اثنين من الفتن, فتنة الشهوة وهي كل انحراف عن الحلال في الأشياء، فالانحراف عن الحلال في شأن المال فتنة شهوة, والانحراف عن الحلال في شأن الجنس فتنة شهوة, وهكذا.


    وثم نوع آخر من الفتن... فتنة الشبهة وهي كل تبديل لمفهوم في الدين وتحريف لمعنى عن مقصده, فتسمية الربا بالفائدة فتنة شبهة, وتسمية التبرج وخروج المرأة شبه عارية تمدنًا وتحررًا فتنة شبهة, وتسمية الخمر بغير اسمها كأن تُسمى الخمر بالمشروبات الروحية أو بالمشروبات الحديدية فتنة شبهة, وكأن يُسمى الالتزام بأحكام الشرع تزمتًا فتنة شبهة, وكأن تُسمى الصدقات بالضرائب من الضرب والإيلام فتنة شبهة.. وهكذا.


    واعلم أخي أن فتنة الشبهة أشد خطرًا وأعظم فتكًا من أختها فتنة الشهوة؛ إذْ إن فتنة الشبهة تلبس الحق بالباطل فعندما تقع فيها أعاذك الله وإياي منها تجد نفسك تصنع الانحراف وتقع في المحرمات وأنت تظن أنك تحسن صنعًا.


    فتجد نفسك تأكل الربا وأنت تحسب أنك لا تفعل محرمًا لأنك تأكله باسم الفائدة المباحة، والمرأة تخرج من بيتها، وقد سبقتها رائحة عطرها وكشفت عورتها باسم التمدن والموضة والتحرر، وعندها تضل وهو تظن أنها تحسن صنعًا!.


    إنَّ الواقع في فتنة الشهوة وإن كان قد ارتكب محرمًا، إلا أنه يعلم أنه من المنحرفين العصاة المستحقين غضب الله عز وجل، أما الواقع في فتنة الشبهة يرتكب المحرم، وهو يظن أنه قد فعل الصالحات، وصدق الله سبحانه إذ يقول: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً(103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا(104)﴾ (الكهف).


    هاكم الفتن قد ادلهمت أمامنا وكثرت من حولنا.. ها هي قد أحاطت بنا فكيف النجاة؟ إن سفينة نجاتنا أخي هذا الحديث فهيا نتلوه متدبرين: قال حذيقة بن اليمان- رضي الله عنه-: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "تُعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودًا عودًا، فأي قلبٍ أُشربها نُكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نُكتت فنه نكتة بيضاء حتى تعود القلوب على قلبين: قلب أسود مربادًا كالكوز مجخيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه، وقلب أبيض فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض".


    سفينة نجاتنا أن تنكر قلوبنا تلكم الفتن كل الفتن، فإن كانت فتنة شهوة رددناها بالخوف من عذاب الله والرجاء في النعيم في الآخرة، وإن كانت فتنة شبهة رددناها بالعلم والفقه؛ فمن يرد الله به خيرا يفقه في الدين.


    إذا أقبلت المحرمات من كل حدب وصوب رددناها بالخوف من الرب العظيم والرجاء فيما عنده من النعيم المقيم, وإذا ما تتابعت الشبهات من كل فج عميق رددناها بالعلم الذي يكشف زيفها.


    فإذا ما حفظنا قلوبنا وسلمناها من الفتن فلنيقن عندها بالنجاة فالنجاة قرينة القلوب السليمة والهلاك قرين القلوب المريضة السقيمة التي أعيتها الفتن، كما أنه ملازم للقلوب القاسية الميتة التي أماتتها الفتن واقرأ إنَّ شئت قول الله سبحانه:
    ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ(53)﴾ (الحج).


    أرأيت كيف جعل الله سبحانه وتعالى القلوب في هذه الآيات ثلاثة قلوب: قلبين مفتونين وقلبًا ناجيًّا، فالمفتونان: القلب الذي فيه مرض والقلب القاسي, والناجي: القلب المؤمن المخبت إلى ربه وهو المطمئن إليه الخاضع له المستسلم المنقاد، وما ذاك القلب إلا القلب السليم.


    ألا فلتتفقد قلبك أخي الحبيب فإن رأيته قد سلم من الفتن فاحمد الله، ولتكن على سلامته قائمًا دائمًا، وإن وجدته أُصيب بشيء من الفتن فسارع بتنظيفه، واجتهد في ذلك أيما اجتهاد حتى تسلمه من الفتن، فما لك من نجاة إلا بحفظ قلبك سليمًا معافى لا تصبه الفتن وإلا فالهلاك الهلاك.


    2- النجاة يوم القيامة لا تكون إلا بسلامته
    وهل الآخرة إلا بما كان في الدنيا؟ وما دام القلب هو أساس نجاة المرء في الدنيا من الفتن فنجاة المرء في الآخرة ليس إلا لصاحب القلب السليم، وما ذلك إلا لأنه نجا في الدنيا من الفتن فلم يقع فيها فنجا في الآخرة من النار فهو عنها من المبعدين.


    قال الله سبحانه مقررًا في القرآن ما ينفع الإنسان يوم القيامة: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ(88) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)﴾ (الشعراء) ذلك اليوم.. اليوم الآخر ليس يوم البنون والأموال، وإنما يوم القلوب والأعمال، ها قد تبيَّن لك أخي أنَّ النجاةَ من الفتن في الدنيا قرينة سلامة القلوب والنجاة من العذاب في الآخرة قرينة سلامة القلوب.. ها قد تبين لك عظيم مكانة القلب من البدن، ولذا فلا عجبَ أن يختاره الله سبحانه مستقرًّا لأعظم ما في الدين (العقائد)، وسوف نخص قاعدةً منفردةً تُبين عظيم مكانة العقيدة في الدين إن شاء الله تعالي.


    العقل مدخلها إليه
    إن الذين ينأون بقضايا العقيدة عن العقل لمخطئون، إذ كيف ينأون عن العقل، وقد شرَّفه الله سبحانه وجعل له قدرًا عظيمًا، إنَّ الباحث في الإسلام ونظرته إلى العقل لما وسعه إلا أن يقرر بأنه لا يوجد دينًا يُكرِّم العقلَ ويرفع شأنه مثل الإسلام, وسأسوق إلى عقلك الحصيف وقلبك النظيف طرفًا من ذلك لترى بعقلك، وتستشعر بقلبك تشريف الإسلام للعقل.


    1- العقل مناط التكليف
    وهاكم حديث عظيم ترويه لنا أمنا عائشة- رضي الله عنها- عن النبي- صلى الله عليه وسلم قال-: "رُفِعَ القلمُ عن ثلاثٍ؛ عن النائمِ حتّى يستيقظَ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل" (رواه أحمد وأصحاب السن والحاكم، وقال صحيح على شرط الشيخين وحسَّنه الترمذي).

    إنَّ المُشرِّع الحكيم الرب العظيم اشترط العقل في وجوب تكاليف الإسلام وفرائضه، فالصلاة والزكاة الصوم والحج، وهي من أركان الإسلام، يشترط فيها العقل؛ فلا صلاةَ ولا زكاةَ ولا صومَ ولا حجَّ على مجنون، وما ذلك إلا تقرير النبي الذي لا ينطق عن الهوي، فكيف ننأي بالعقل عن أمور العقائد وهو مناط التكليف؟!


    2- تحريم كل ما ينال من العقل.

    فها هو النبي- صلي الله عليه وسلم- يقول: "كل مُسْكر خمر وكل خمر حرام"، بل وجعل النبي- صلى الله عليه وسلم- القليل في حرمته كالكثير فقال: "ما أسكر كثيره فقليله حرام".
    فعجيب أن ننأى بالعقل عن أساس الدين.. العقيدة.. وقد اهتم الدين في تشريعاته بالعقل هذا الاهتمام العظيم؟


    3- حارب كل ما يعيق العقل عن التفكير السليم
    حارب الإسلام كل ما يكبل العقل ويعوقه عن التفكير السليم، فحارب التقليد والتمسك بالآراء القديمة دون تفكير فيها، والتحقق من صحتها وحارب الأوهام والخرافات التي تقيد التفكير وتعوق عن الانطلاق والبحث للوصول إلى الحقيقة وحارب التسرع في إصدار الأحكام دون التأكد من صحة المقدمات ومن دقة الأدلة وصحتها ونهي عن اتباع الظن المعرض للخطأ ودعا إلى اتباع الحق الذي تؤيده الأدلة الصحيحة.ونهي أيضا عن الوقوع تحت تأثير الأهواء والميول التي تؤدي إلى التحيز وتسبب أخطاء التفكير.



    ففي محاربة التقليد الأعمي دون تبصر قوله تعالي: ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ(23)﴾ (الزخرف).
    واتل في ذلك أيضًا قوله تعالي: ﴿فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لاَنْزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ(24)﴾ (المؤمنون)، وتدبر في ذلك قوله تعالي: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآياتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرىً وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ (36)﴾ (القصص).


    وليس أدل على محاربة الإسلام للخرافة من هذه الحادثة العظيمة: لما كسفت الشمس يوم موت إبراهيم بن الرسول- صلى الله عليه وسلم- قال الناس: إنها كسفت لموت إبراهيم, فقال لهم الرسول عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله وإنهما لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته" (أخرجه مسلم عن عائشة).


    إنه التوجيه النبوي الكريم بالابتعاد عن التفسير الذي يميل إلى الخرافة والتوضيح الساطع القاطع بأن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وأنهما يجريان بسنن الله الثابتة التي لا تتغير بموت إنسان أو بحياته.


    كما أنَّ الإسلام ذم الأخذ بالظن وعدم التحقق من الأدلة إذ يقول الله سبحانه: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ(116)﴾ (الأنعام)، ويقول أيضًا: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ(148)﴾ (الأنعام)، وقوله:﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ(36)﴾ (يونس).


    وليرتل قلبك وليتدبر عقلك قوله علا شأنه: ﴿أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ(66)﴾ (يونس).



    وها هو النبي يقرر في الحديث الذي أخرجه البخاري عن أبي هريرة: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث"، إنه التشريع الإسلامي يُحافظ على العقل متحررًا من كل قيد يؤثر على تفكيره.


    4- جعل الإسلام عبادة خاصة بالعقل (عبادة التفكر).
    إنه الإسلام الدين العظيم الذي يقدر العقل أيما تقدير جعل له عبادة تخصه؛ عبادة التفكر، بل وجعلها تفوق كثير من العبادات الأخرى، استمع إلى قول النبي الحبيب- صلى الله عليه وسلم-: "تفكير ساعة خير من عبادة سنة".


    وكم من أمرٍ يحث فيه الله سبحانه وتعالى الناس لأن ينظروا ويتفكروا، وكم دعاهم الله سبحانه أن يتدبروا, وهاكم طرفًا من هذه الآيات:

    استمع إليه سبحانه وهو يدعونا أن نتفكر فيما يخص بدء الخلق: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(20)﴾ (العنكبوت).


    ثم استمع إليه وهو يدعونا أن نتفكر فيما علا من السماوات وفيما دنى من الأرض: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(191)﴾ (آل عمران).


    بل ويلفتنا إلى ما فيهما من أشياء في قوله سبحانه: ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ(101)﴾ (يونس).


    واستمع إليه يدعونا أن نتفكر في أنفسنا: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ(8)﴾ (الروم).. ﴿فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ(5)﴾ (الطارق).


    بل إنه إذ يدعونا سبحانه إلى النظر، لم يدعنا إلى نظرة عابرة للأشياء، بل دعانا إلى التدقيق في الملاحظة، وأن نُعيد النظر مرة تلو المرة.. استمع إليه وهو يقول: ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ(3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ(4)﴾ (الملك).


    5- استخدام الأسلوب المنطقي في إثبات قضايا عقائدية
    إنك لتلمس عظيم الدعوة إلى تحكيم المنطق السليم في أعظم أمور العقيدة وقضاياها، توحيد الله سبحانه، في مثل قوله سبحانه: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ (الأنبياء: 22).


    وهنا يقرر ربنا سبحانه أنه لو كان في السماوات والأرض آلهة معه لفسدتا وما ذلك إلا لفت للعقل أن يفكر في ذلك التقرير ليذعن له مقررًا أنه ليس إلا إله واحد حق وهو الله سبحانه.. فسبحان الله رب العرش عما يصفون، ومثل ذلك قوله سبحانه: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَبْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً(42)﴾ (الإسراء).


    وقِس على ذلك أيضًا قوله سبحانه: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ(91)﴾ (المؤمنون).


    فلو كان هناك من آلهة أخرى لِمَ سكتوا عن هذا التحدي؟ لِمَ لَمْ يذهب كل إله منهم بخلقه الذي يخصه. فهل يجد المنطق السليم إلا الإذعان والإقرار بالوحدانية أمام هذه الأدلة المنطقية الدامغة؟ وهاكم دعوة عظيمة أخرى إلى تحكيم العقول في قضية من قضايا العقائد.. القرآن كلام الله سبحانه.. استمع معي بعقل متفكر إلى قوله سبحانه: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين(23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ(24)﴾ (البقرة).


    فها هو الله العظيم يقدم دليلاً عقليًّا لكل كافر بالقرآن لديه شك في هذا القرآن أنه من عند الله ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾، ثم انظر كيف يقرر الله العليم بأنهم لا يستطيعون ذلك بل ولن يستطيعوا فعل ذلك أبدًا أبدًا.. أقرَّ الله سبحانه عجزهم مسبقًا وجاء واقعهم على ما أقرَّ الله سبحانه فعجز فصحاء العرب عن أن يأتوا بسورةٍ من مثله وما زال عجزهم قائمًا, ولا يجد المنطق السليم أمام هذا الدليل إلا الإذعان والإقرار بأن القرآن كلام الله.
    أبعد كل هذا ننأى بالعقل عن قضايا العقيدة؟!

  • #2
    رد: العقيدة بين القلب والعقل

    جزاك الله خيرا على الموضوع رغم اطالته



    تعليق


    • #3
      رد: العقيدة بين القلب والعقل

      واياكم وناسف على الاطالة

      تعليق


      • #4
        رد: العقيدة بين القلب والعقل

        بارك الله فيكم أخي الحبيب
        موضوع طيب
        رغم طوله
        حفظك الله ورعاك
        د.ناصر العمر |
        إذا اقشعرَّ جلدك ولان قلبك وأنت تسمع آيات الوعد والوعيد؟! عندئذٍ تكون متدبّراً للقرآن ومنتفعاً به، ويكون حجةً لك لا حجةً عليك !. ولكي تلمس أثر القرآن في نفسك، انظر: هل ارتفع إيمانك؟.. هل بكيت؟.. هل خشعت؟.. هل تصدقتَ؟..فكل آية لها دلالاتها وآثارها .

        تعليق


        • #5
          رد: العقيدة بين القلب والعقل

          بارك الله فيك اخى الحبيب


          تعليق

          يعمل...
          X