ما إن قامت الثورات في بعض البلدان وتحقق لها النجاح في إزالة الأنظمة الطاغوتية التي كانت تجثم على صدور الشعوب بمختلف طوائفها وخاصة الإسلاميين الذين كان لهم النصيب الأوفى من موجات العسف والظلم والطغيان، وبدا أن هناك إمكانية أن تسترجع الشعوب حقوقها التي سُلبَت منها عقوداً طويلة؛ من خلال قدرتها على أن تولِّي بإرادتها مَن تثق في دينه وأمانته وكفايته وقدرته على تحقيق آمال الشعوب وتطلُّعاتهم، وشعر الإسلاميون - باعتبارهم مكوناً أساسياً، بل المكون الأساسي الغالب لهذه الشعوب - أنه ليس من الحكمة العزوف عن المشاركة السياسية ومغالبة القوى غير الإسلامية التي تريد إخفاء هوية الأمة وَجَعلِها تابعة للمنظومة الفكرية العلمانية أو الليبرالية، ورأت أن في عدم المشاركة بقصد المغالبة نوعاً من المساعدة لتلك القوى المناوئة لهوية الأمة التي تريد أن تحرفها بعيداً عن منابعها الأصلية في تحقيق مشروعها. لذا فقد قرر التيار الإسلامي بفصائله المتعددة خوض غمار تلك المغالبة، التي تكون نتيجتها - عندما يتحقق للإسلاميين الغلبة على بقية الاتجاهات كما هو متوقع - أن يحوز السلطة بكاملها؛ سواء تشكيل الحكومة التي تكون تعبيراً عن التمكن من المجلس النيابي أو تولِّي رئاسة الدولة. وإزاء إمكانية تحقق هذا المتصوَّر بل ربما يكون هو الأقرب للحدوث، فقد ارتفعت بعض الأصوات محذِّرة من تولِّي الإسلاميين السلطة، وهذه الأصوات تنتمي إلى اتجاهيين عقديين متباينين التباين كله ومتنافرين التنافر كله:
الاتجاه الأول:اتجاه يتحالف فيه العلمانيون والليبراليون والنصارى وفلول الأنظمة البائدة يحذِّرون فيه من تولي الإسلاميين للسلطة؛ لما في ذلك من تأثير سلبي على تلك الاتجاهات ويتوجهون بخطابهم هذا للخارج وللسلطات الحاكمة ولعامة الشعب مستخدمين في ذلك الكذب والتهييج؛ رغبة في استعداء الأنظمة وعامة الشعوب على الإسلاميين.
الاتجاه الثاني:اتجاه إسلامي خالص يحذِّر أيضاً من تولِّي الإسلاميين السلطة ولكن من منطلَق آخر، وهو: خشيتهم من إخفاق الإسلاميين عند تولي السلطة في عدم قدرتهم على تحقيق ما كانت الشعوب تأمَل فيه وتصبو إليه وتعقد عليهم فيه الآمال العريضة، وهم على عكس الطائفة الأُولَى؛ إذ يقولون ذلك بدافع الخشية والخوف على التجربة الإسلامية، ويتوجهون بالتحذير للداخل الإسلامي من قبيل النصح عند هذه الطائفة وليس من منطلق الاستعداء.
ومقصود هذه المقالة مناقشة الاتجاه الثاني؛ لأنه من داخل البيت الإسلامي، وإصلاح الداخل مقدَّم على إصلاح الخارج؛ فماذا يقدم الاتجاه الإسلامي من حجج تدعوه إلى إطلاق هذا التحذير؟
يقدم هؤلاء عدداً من المسوغات من وجهة نظرهم، تتلخص في ما يلي:
1 -أن النظام البائد أفسد البلد في كل مجال: حيث مكث عدة عقود يفسد ما وسِعَه الإفساد؛ ولن يستطيع أحد يتولى الأمر بعد هذا الفساد أن يصلح الخلل العميق الذي أصاب كل شيء بما في ذلك الإنسان والحيوان والجماد. لذا فهم يتخوفون أن يرتد الفشل المتوقَّع إلى الإسلام نفسه؛ حيث يُحَمَّل الإسلام وِزْر أوضاع وخطايا لم يكن هو المنشأ لها بل لم تكن له بها أدنى علاقة أو صلة من قَبْل.
2 -الغربة الشديدة التي يعيشها الشعب عن الإسلام وشرائعه: حيث كانت همة الأنظمة من خلال وسائل الإعلام المتعددة متوجهة إلى إفساد العقائد والعبادات والأخلاق والعقليات، ومن المتوقع أن تتسبب هذه الغربة في نفورٍ شديد من التطبيق الصحيح للأحكام الشرعية؛ وخاصة في ما يكون وَقْعُه شديداً على النفس مما فيه منع الشهوات الباطلة التي أَلِف كثيراً منها كثيرٌ من الناس.
3 -ضعف الخبرة السياسية لدى الاتجاهات الإسلامية لحداثة عهدها بالممارسة السياسية: وهذا قد لا يمكِّنها من إجادة سياسة الرعية؛ حيث يترتب على ذلك وجودُ احتقانات كثيرة بين الإسلاميين والشعب، تؤثِّر على تجاوب الشعب مع ما تدعو إليه القوى الإسلامية من حيث الرجوعُ إلى الشرع والتمسكُ به وتطبيقُه في واقع الحياة لتكون الشريعة هي المرجع في الأحكام كما أن العقيدة هي الحاكمة على العقائد.
4 -وجود الأقليات - سواء منها الدينية أو الأيديولوجيات العقدية - التي قد تختلق الذرائع لعمل قلاقل في البلد تمهيداً لإحداث فتنة يترتب عليها تدخُّل أجنبي، وبذلك يسقط المشروع الإسلامي برمَّته.
5 -عدم موافقة الغرب وعلى رأسهم الدول الاستعمارية الناشئة كأمريكا والعتيدة كفرنسا على قيام حكم إسلامي في البلدان العربية، وهو ما يؤذن بمواجهة لا نستطيع خوضها الآن.
ومن ثَمَّ فإن أصحاب هذا الاتجاه مع عدم تولي الإسلاميين للسلطة في الوقت الحالي في مقابل أن يمسكها أناس وطنيون تهمُّهم مصلحة البلد في المقام الأول؛ وذلك إلى أن تصلح أحوال البلد وتستقر أركانها من غير أن تعترضها العراقيل السابقة، وحينئذٍ يمكن للإسلاميين أن يتقدموا لتولِّي السلطة. هذا - تقريباً - هو كل ما أمكنني جمعُه من حجج الغيورين على الدين الحريصين على بلادهم.
الاتجاه الأول:اتجاه يتحالف فيه العلمانيون والليبراليون والنصارى وفلول الأنظمة البائدة يحذِّرون فيه من تولي الإسلاميين للسلطة؛ لما في ذلك من تأثير سلبي على تلك الاتجاهات ويتوجهون بخطابهم هذا للخارج وللسلطات الحاكمة ولعامة الشعب مستخدمين في ذلك الكذب والتهييج؛ رغبة في استعداء الأنظمة وعامة الشعوب على الإسلاميين.
الاتجاه الثاني:اتجاه إسلامي خالص يحذِّر أيضاً من تولِّي الإسلاميين السلطة ولكن من منطلَق آخر، وهو: خشيتهم من إخفاق الإسلاميين عند تولي السلطة في عدم قدرتهم على تحقيق ما كانت الشعوب تأمَل فيه وتصبو إليه وتعقد عليهم فيه الآمال العريضة، وهم على عكس الطائفة الأُولَى؛ إذ يقولون ذلك بدافع الخشية والخوف على التجربة الإسلامية، ويتوجهون بالتحذير للداخل الإسلامي من قبيل النصح عند هذه الطائفة وليس من منطلق الاستعداء.
ومقصود هذه المقالة مناقشة الاتجاه الثاني؛ لأنه من داخل البيت الإسلامي، وإصلاح الداخل مقدَّم على إصلاح الخارج؛ فماذا يقدم الاتجاه الإسلامي من حجج تدعوه إلى إطلاق هذا التحذير؟
يقدم هؤلاء عدداً من المسوغات من وجهة نظرهم، تتلخص في ما يلي:
1 -أن النظام البائد أفسد البلد في كل مجال: حيث مكث عدة عقود يفسد ما وسِعَه الإفساد؛ ولن يستطيع أحد يتولى الأمر بعد هذا الفساد أن يصلح الخلل العميق الذي أصاب كل شيء بما في ذلك الإنسان والحيوان والجماد. لذا فهم يتخوفون أن يرتد الفشل المتوقَّع إلى الإسلام نفسه؛ حيث يُحَمَّل الإسلام وِزْر أوضاع وخطايا لم يكن هو المنشأ لها بل لم تكن له بها أدنى علاقة أو صلة من قَبْل.
2 -الغربة الشديدة التي يعيشها الشعب عن الإسلام وشرائعه: حيث كانت همة الأنظمة من خلال وسائل الإعلام المتعددة متوجهة إلى إفساد العقائد والعبادات والأخلاق والعقليات، ومن المتوقع أن تتسبب هذه الغربة في نفورٍ شديد من التطبيق الصحيح للأحكام الشرعية؛ وخاصة في ما يكون وَقْعُه شديداً على النفس مما فيه منع الشهوات الباطلة التي أَلِف كثيراً منها كثيرٌ من الناس.
3 -ضعف الخبرة السياسية لدى الاتجاهات الإسلامية لحداثة عهدها بالممارسة السياسية: وهذا قد لا يمكِّنها من إجادة سياسة الرعية؛ حيث يترتب على ذلك وجودُ احتقانات كثيرة بين الإسلاميين والشعب، تؤثِّر على تجاوب الشعب مع ما تدعو إليه القوى الإسلامية من حيث الرجوعُ إلى الشرع والتمسكُ به وتطبيقُه في واقع الحياة لتكون الشريعة هي المرجع في الأحكام كما أن العقيدة هي الحاكمة على العقائد.
4 -وجود الأقليات - سواء منها الدينية أو الأيديولوجيات العقدية - التي قد تختلق الذرائع لعمل قلاقل في البلد تمهيداً لإحداث فتنة يترتب عليها تدخُّل أجنبي، وبذلك يسقط المشروع الإسلامي برمَّته.
5 -عدم موافقة الغرب وعلى رأسهم الدول الاستعمارية الناشئة كأمريكا والعتيدة كفرنسا على قيام حكم إسلامي في البلدان العربية، وهو ما يؤذن بمواجهة لا نستطيع خوضها الآن.
ومن ثَمَّ فإن أصحاب هذا الاتجاه مع عدم تولي الإسلاميين للسلطة في الوقت الحالي في مقابل أن يمسكها أناس وطنيون تهمُّهم مصلحة البلد في المقام الأول؛ وذلك إلى أن تصلح أحوال البلد وتستقر أركانها من غير أن تعترضها العراقيل السابقة، وحينئذٍ يمكن للإسلاميين أن يتقدموا لتولِّي السلطة. هذا - تقريباً - هو كل ما أمكنني جمعُه من حجج الغيورين على الدين الحريصين على بلادهم.
تعليق