رد: حملة الإعداد القرآنى لرمضان(متجدد بإذن الله) تم إضافة رابط سورة النساء
تعد سورة النساء من السور التى يحمل كثير من الناس هما عند محاولة فهمها أو تدبرها ظنا منهم أنها سورة صعبة تمتلىء بالأحكام و الأمور الفقهية المعقدة التى يشكل فهمها على كثير من القراء مما نتج عنه وجود حاجز نفسى بين بعض المسلمين و بين السورة
و هذا أمر غير صحيح بالمرة لمن نجح فى تجاوز ذلك الحاجز الوهمى و بدأ يتأمل فى ثنايا تلكم السورة العظيمة
إن سورة النساء تعد من أرق السور القرآنية من حيث المعانى و الأسلوب البديع المؤثر الذى أدى بالنبى حين سماعها من بن مسعود رضى الله عنه أن يبكى بكاءا يغرق وجهه الشريف بالدموع و يقول حسبك حين بلغ قول الله " فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا {} يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا"
إنها سورة بكى الصحابة حين سمعوا آية منها حركت مشاعرهم و سالت مآقيهم بالدمع عندما تليت عليه
"إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا"
سورة دفعت بن عباس رضى الله عنهما ليقول عن بعض آياتها " فيها ثمان آيات خير مما طلعت عليه الشمس و غربت منها : "وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا {} يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا" و " إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا" و "إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا"
لكن أعظم ما يحرك القلوب فى هذه السورة لمن وعاه و تدبره الإبهار الذى تحويه السورة.
الإبهار بشرع الله و بيان مدى العدل المعجز الذى قام عليه هذا الدين
العدل الذى هو أساس قيام الأمم و رفعتها و إن كانت كافرة كما فى مقولة شيخ الإسلام الخالدة " إنَّ اللَّهَ يُقِيمُ الدَّوْلَةَ الْعَادِلَةَ وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً ؛ وَلَا يُقِيمُ الظَّالِمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُسْلِمَةً" مجموع الفتاوى6-340
العدل الذى لما غابت شمسه عن أمتنا تهاوت و ضعفت و ذلت و صارت تبعا لغيرها من الأمم
إن سورة النساء فى مجملها بنائية أشبه فى ذلك بسورة البقرة و جل القرآن المدنى و هى تتعرض لعوامل بناء الأمة و كذلك تشبه سورة آل عمران من خلال تعرضها لعوامل الهدم لكن سورة النساء تركز على عوامل الهدم الداخلية بعد أن بينت آل عمران العوامل الخارجية كما سبق و أوضحنا
و أبرز عوامل الهدم الداخلى على الأطلاق هو الظلم فمجتمع يستشرى فيه الظلم لفى خطر عظيم و هو على شفا جرف هار كيف لا و هو مجتمع ينخره سوس الحقد و الحسد و تأكله نيران الغل و الغضب و يخيم عليه ضباب اليأس و الإحباط و الذلة و الإمتهان و كل ذلك من شؤم الظلم " ألا لعنة الله على الظالمين"
و هناك عوامل أخرى للهدم الداخلى بينتها السورة الكريمة فى العديد من المواضع منها
· الشهوات و الفواحش التى تأكل المجتمع من الداخل
· و تفكك الأسرة التى هى وحدة بناء هذا المجتمع
· و كذلك الأعداء الحاقدة من الداخل و هم المنافقون الذين يحرصون تكريس عوامل الهدم السابقة "وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا "
إن هذه العوامل و غيرها هى أهم أسباب الإنهيار الداخلى الذى يصيب الأمم و بتوافر ضدها نجد مجتمعا قويا متماسكا قائم على أسس متينة من العدل و الترابط و رعاية حدود الله وتحكيم شرعه و قبوله و لا يجد السوس الذى ينخر فى جسده بيئة صالحة ليرتع فيها فيفنى و يضمحل
و لنمر مرورا سريعا من خلال السورة على أهم عوامل البناء و الهدم التى ذكرها الله فيها:
أولا: الظلم:
تعرضت السورة لقضية الظلم و حذرت منه فى العديد من المواضع و ذلك لما بيناه من كونه أخطر السلوكيات الهدامة التى تدمر أى مجتمع لذا حذر منه ربنا فى الحديث القدسى " إنى حرمت الظلم على نفسى و جعلته بينكم محرما فلا تظالموا" و قال النبى " الظلم ظلمات يوم القيامة "
و لقد بين ربنا فى السورة كيف أنه حرم على نفسه أدنى الظلم فقال" إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا"
و لو أن العرب يعلمون شيئا أدنى من الذرة لأعلمهم الله أنه حرمه على نفسه
و إذا كان الإنسان يحب أن يعامل من مولاه بهذا العدل و الإنصاف فمن باب أولى عليه أن يعامل الناس بما يحب أن يعامل به و لو وضع الظالم نفسه مكان من ظلمه و لو للحظة واحدة و تخيل مشاعر المظلوم من ذل و امتهان و عجز لما رضى أبدا أن يكون على تلك الحال القاسية و لسارع لتطبيق ما دعت إليه هذه السورة الكريمة و أصلته فى أكثر آياتها و تجمله هذه الآية الجامعة "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا"
و الملحوظ فى هذه الآية قوله تعالى عن الحكم بالعدل أنه يكون بين الناس و لم يخص بالعدل المؤمنين أو المتقين إنما أمر بالعدل دون غيرهم بل عمم العدل على الجميع و هذا ما سارت عليه السورة فى فى جل مواضعها
لقد أصلت سورة النساء لمبدأ العدل المطلق مع الجميع حتى أبعد من يتصور العدل معهم و هم الأعداء
و الناظر لسورة النساء متأملا يجد طوائف أربعا أوصت السورة بالعدل معهم و عليهم
1. العدل مع الضعفاء الذين لا يتمكنون من الإتيان بحقهم
2. العدل مع الأعداء
3. العدل على الأولياء و الأحبة و أقرب الناس
4. العدل مع كل صاحب حق
أولا العدل مع الضعفاء :
ذكرت سورة النساء صنوفا شتى من الضعفاء بل سميت باسم صنف منهم و هن النساء
أما القول بضعفهن فهو الوارد فيما رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي وحسنه الألباني في صحيح الجامع من قوله صلى الله عليه وسلم :" إني أحرج عليكم حق الضعيفين : اليتيم والمرأة "
و الله بين فى هذه السورة أن الضعف سمة البشر " و خلق الإنسان ضعيفا " و هذا الضعف قد يتفاوت
و لا شك أن المرأة بخلقها الرقيق و بنيانها الذى هو فى الأغلب الأعم أضعف من بنيان الرجل و عواطفها الأرهف فإنها على ذلك تكون أكثر عرضة للإيذاء و الإستضعاف
وضعف المرأة جبلي و ليس كسبيا وهكذا خلقها الله و لذا كان من كمال رجولة الرجل رحمتها و عدم ظلمها أو الطغيان عليها بما أوتي الرجال من قوة فنزل الشرع بإنصافها و رعاية حقوقها و كان من آخر كلام النبى الوصية بها " إستوصوا بالنساء خيرا
و لقد أنصفت سورة النساء المرأة و أمرت بالعدل معها كزوجة و كأم و كأخت و كأبنة
و ذلك فى العديد من الآيات منها
و كذلك أوصت بالضعفاء من الإماء و العبيد
الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ
بل شرع الجهاد فى السورة لنصرة دين الله و هذا هو المقصد الأصيل و الذى تعودنا عليه فى أغلب مواضع القرآن لكن زيد هنا مقصد آخر و هو نصرة المستضعفين الذين لا يستطيعون جلب حقهم
وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا
ثانيا العدل مع الأعداء :
و أوضح الأمثلة على هذا النوع العجيب من العدل يظهر فى الموقف الذى نزل بسببه الآيات من (105) إلى (113)
القصة باختصار تروى سرقة قام بها أنصاري يسمى بشير بن أبيرق لدرع رجل من الأنصار يسمى رفاعة بن النعمان ، وهو أمر يمكن أن يحصل في أي مجتمع، فالناس تبقى بشرا، ويحصل فيها مخالفات، وورد في بعض الروايات عن هذا الرجل (بشير بن أبيرق) أنه كان مطعونا، ويبدو أن الناس تكلمت في الموضوع والسرقة، فعمد إلى رمي الدرع في بيت يهودي (زيد بن السمين) ومضى إلى النبي صل الله عليه وسلم ليبرئه علانية؟ وهو ما فعله النبي صل الله عليه
جاءت الآيات تعاتب النبي صل الله عليه وسلم على التصرف يقول الله عز وجل :
إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً (105) وَاسْتَغْفِرِ اللّهَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً (106) وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً
و ما أجمل ما كتبه الأستاذ سيد قطب فى ظلاله معلقا على هذه الآيات المبهرة :
إن المسألة لم تكن مجرد تبرئة برىء , تآمرت عليه عصبة لتوقعه في الاتهام – وإن كانت تبرئة بريء أمرا هائلا ثقيل الوزن في ميزان الله – إنما كانت أكبر من ذلك كانت هي إقامة الميزان الذي لا يميل مع الهوى , ولا مع العصبية ولا يتأرجح مع المودة والشنآن أيا كانت الملابسات والأحوال .
وكانت المسألة هي تطهير هذا المجتمع الجديد وعلاج عناصر الضعف البشري فيه مع علاج رواسب الجاهلية والعصبية – في كل صورها حتى في صورة العقيدة إذا تعلق الأمر بإقامة العدل بين الناس – وإقامة هذا المجتمع الجديد الفريد في تاريخ البشرية على القاعدة الطيبة النظيفة الصلبة المتينة التي لا تدنسها شوائب الهوى والمصلحة والعصبية , والتي لا تترجرج مع الأهواء والميول والشهوات !
كان هناك سبب واضح عريض . . أن هذا المتهم "يهودي" من "يهود" يهود التي لا تدع سهما مسموما تملكه إلا أطلقته في حرب الإسلام وأهله .
وكان هنالك سبب آخر ; وهو أن الأمر في الأنصار الأنصار الذين آووا ونصروا والذين قد يوجد هذا الحادث بين بعض بيوتهم ما يوجد من الضغائن . بينما أن اتجاه الاتهام إلى يهودي يبعد شبح الشقاق !
وكان هنالك سبب ثالث هو عدم إعطاء اليهود سهما جديدا يوجهونه إلى الأنصار . وهو أن بعضهم يسرق بعضا ثم يتهمون اليهود ! وهم لا يدعون هذه الفرصة تفلت للتشهير بها والتغرير !
ولكن الأمر كان أكبر من هذا كله . كان أكبر من كل هذه الاعتبارات الصغيرة . الصغيرة في حساب الإسلام كان أمر تربية هذه الجماعة الجديدة لتنهض بتكاليفها في خلافة الأرض وفي قيادة البشرية . وهي لا تقوم بالخلافة في الأرض ولا تنهض بقيادة البشرية حتى يتضح لها منهج فريد متفوق على كل ما تعرف البشرية ; وحتى يثبت هذا المنهج في حياتها الواقعية . وحتى يمحص كيانها تمحيصا شديدا ; وتنفض عنه كل خبيئة من ضعف البشر ومن رواسب الجاهلية . وحتى يقام فيها ميزان العدل – لتحكم به بين الناس – مجردا من جميع الاعتبارات الأرضية , والمصالح القريبة الظاهرة , والملابسات التي يراها الناس شيئا كبيرا لا يقدرون على تجاهله !
واختار الله – سبحانه – هذا الحادث بذاته في ميقاته مع يهودي من يهود التي يذوق منها المسلمون الأمرين إذ ذاك في المدينة ; والتي تؤلب عليهم المشركين وتؤيد بينهم المنافقين وترصد كل ما في جعبتها من مكر وتجربة وعلم لهذا الدين ! وفي فترة حرجة من حياة المسلمين في المدينة والعداوات تحيط بهم من كل جانب ووراء كل هذه العداوات يهود !
هنا كان الأمر جدا خالصا , لا يحتمل الدهان ولا التمويه ! وكان هذا الجد هو أمر هذا المنهج الرباني وأصوله . وأمر هذه الأمة التي تعد لتنهض بهذا المنهج وتنشره . وأمر العدل بين الناس . العدل في هذا المستوى الذي لا يرتفع إليه الناس – بل لا يعرفه الناس – إلا بوحي من الله , وعون من الله .
إن الآيات حين يتابع الإنسان ظروف نزولها يصاب بقشعريرة ورعدة من التنزيل، ويفهم قول الرحمن "إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا"…
يعاتب الله ويدافع عن يهودي متهم ظلما، وتتنزل الآيات في قضية رجل من قوم يكنون العداوة والكراهية والتآمر للأمة، ولكن هذا لا يمنع، بل هي كامل القوة، وسر قوة هذا المجتمع؟؟ إنها حقنة العدل في شرايين هذا المجتمع الفتي ؟؟
إنني أخجل حين أقرأ هذه الآيات، وأرى مظاهر الظلم في كل مكان وأعرف سر القوة و النهوض من الإحباط والانحدار.
يتابع القرآن العتاب ويقول افترضوا أنكم دافعتم عنه في هذه الدنيا، فماذا ستفعلون بين يدي الديان يوم الدين؟
ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا؟ فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة؟ أم من يكون عليهم وكيلا؟
ثم تؤصل القاعدة الجامعة التى تجمل الحكم الربانى على هذه الحادثة و كل ما كان على شاكلتها
"وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا "
ثم يعقب القرآن ويقول عن رحمة الله عن تطويق هذا الحريق الخطير(وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا)(انتهى كلام سيد قطب بتصرف يسير)
ثالثا العدل على الأولياء :
و هذا النوع هو الأصعب و نموذجه واضح فى القصة السابقة مع بشير بن أبيرق الذى لم يمنع وضعه و كونه من الأنصار الذين طالما بين النبى حبه لهم و حرصه عليهم أن يقام عليه العدل و يُظهر الحق و يظهر هذا النوع جليا فى آية من السورة يقول الله فيها
فحتى و إن كان الذى عليه الحق من أقرب الناس لابد من العدل معه و لقد وعى النبى الدرس جيدا و علمه للأمة جليا بينا فى قوله " لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"
رابعا العدل مع كل ذى حق :
و هذا نوع مهم من العدل و هو يميز المنهج الإسلامى عن مناهج أخرى كثيرة تعنى بالتشدق بقيم ما يسمونها بالمساواة
و فارق كبير بين العدل و المساواة فالعدل يكون بإعطاء كل ذى حق حقه و على قدر ما يستحق أما المساواة فلا تميز على أساس من الإستحقاق أو الخاجة
و هذا فى الحقيقة ضد الفطرة و الجبلة التى جبل الناس عليها و قد أدت لانهيار النظام الشيوعى فى معقله بروسيا حين لم يفاضل بين الناس على أساس الجهد و الاستحقاق
فالناس بطبيعتهم متفاوتون لكل قدراته و كفاءته و تتباين هذه القدرات و تختلف الظروف فتختلف الاحتياجات و لو تمت المساواة دون النظر لهذه الفوارق لفشى الإحباط و اليأس بين المجتهدين و لشعروا أنه لا قيمة لإجتهادهم و تميزهم
لذا نجد فى السورة عدلا على حسب الاستحقاق و ليس التمييز
و نضرب لذلك مثالا واحدا حتى لا نطيل
آيات المواريث التى تكررت فيها قاعدة " للذكر مثل حظ الأنثيين " سواءا كانت الأنثى إبنة كما فى هذه الآية أو أخت أو زوجة كما فى الآيات الأخرى
و تظهر فى هذه الأيام دعاوى من ذيول الشيوعية تشكك فى هذا الأمر زاعمة أن هذا تفريق لا داعى له غاضين الطرف بقصد أو بدون قصد عن الواقع الإسلامى الذى تتضافر الآيات لرسمه و الذى فيه المرأة فى الأغلب الأعم لا تكون أبدا مسئولة عن نفقتها
فهى إما زوجة ملزم بها زوجها أو أم ملزم بها ولدها أو أخت ملزم بها أخوها فإن لم تكن أى شىء من هذا وورثت فلا شك أنه لا يوجد هنا من سيشاركها فى ميراثها و إن وجد من يشاركها من أب أو أخ أو زوج أو إبن فلابد له أن يتكفل بها و يصير النصف الذى ورثته أمرا ثانويا لا تعول عليه كثيرا فى العيش إلا فى حالات غاية فى الندرة
هنا نجد أن مناط العدل كان على أساس الإحتياج فمن الأكثر احتياجا رجل مكلف وجوبا بالإنفاق على من يعول من نساء أم امرأة فى الغالب سيوجد من ينفق عليها و هى عزيزة كريمة ؟
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ
بعد كل هذا الكلام عن العدل و تأصيله فى المجتمع و التحذير من الظلم توضح السورة بعض عوامل بناء المجتمع غير العدل التى إن لم تتوافر كان ذلك سببا فى انهياره من الداخل
من هذه العوامل :
· الشهوات و الفتن :
و هذه من أخطار أسباب تآكل المجتمع كما بينا فى آل عمران و تركز السورة على أهم فتنتين تكتوى الأمة بنيرانهما
فتنة المال و فتنة النساء
لذا حذرت السورة فى غير آية من هاتين الفتنتين سواءا بالتحذير من أكل الأموال بالباطل أيا كان نوع هذا المال ليتيم أو انمرأة أو ميراث أو شراكة
أو التحذير من الفواحش و بالذات الزنا ووضع حلول عملية لهذه المشكلة إما بسد الذرائع عن طريق تيسير السبيل الشرعى من زواج أو تعدد و إما بوضع العقوبات الرادعة التى ترهب من أقدم على تلكم الجريمة المخزية
· الأسرة و ترابطها و تماسك أواصرها:
فإن من أخطر أسباب الانهيار المجتمعى التفكك الأسرى و لقد بين النبى فى حديث بعث الشيطان لسراياه كيف أن أسمى الامانى الإبليسية تفكيك البيت الواحد و انهيار الأسرة التى هى وحدة البناء المجتمعى حين يقول لتابعه الذى فرق بين الرجل و زوجه "نعم أنت "
· و لقد رسخت السورة للستقرار الاسرى من أول مراحله و هى مرحلة اختيار الزوجة فبينت صفات الزوجة الأصلح
· و بينت الصلاحيات للزوج و الاختصاصات المنوط بها
· و أوضحت لو حدث خلل كيف يكون التعامل التدريجى لإصلاحه
· فإن اشتعل الموقف أكثر و شارف البيت على الانهيار
· و لو تطور الخلاف ووصل إلى أقسى مراحله و حدثت الكراهية
· أما لو بلغ الأمر طريقا مسدودا و صار الإنفصال هو الحل الوحيد فترشدنا السورة إلى أسلوب التعامل الراقى الذى لا يؤدى إلى وقوع العداوة بين الطرفين و يكون الضحايا هم الأبناء
و بهذه المراحل الدقيقة يستقيم عود الأسرة و تهدأ الحياة الاجتماعية مما يسمح بخروج نشأ مستقر نفسيا قادر على الإبداع و التغيير يواجه الحياة بصدر رحب و ليس بعقد و مشاكل نفسية تأكله من الداخل و تعطله عن القيام بدوره البنائى فى المجتمع
· الأعداء الحاقدة من الداخل و الخارج
و هؤلاء الأعداء لا تكاد تجد سورة من السور المدنية إلا و حذرت منهم
بل يصل الأمر إلا وجود متلازمة دائما ما تصحبنا فى السور الدنية البنائية تتمثل فى ذكر للليهود الذين يحركون عن بعد الذراع الداخلى لهم المتمثل فى المنافقين الذين ينخرون استقرار الأمة من الداخل عن طريق نشر الفواحش و تمزيق عرى المجتمع بإفساد أفراده فينهار الجيل المسلم و لا يقوى على جهاد أسيادهم و محركيهم و يخور عزمه عن تطبيق شرع الله و طاعة رسوله
لذا لا تكاد سورة من السور المدنية بالذات النساء و النور و الأحزاب تخلو من ذكر للمنافقين و للفواحش و ارتباطهم بنشرها و من ذكر للجهاد و لطاعة اللله و رسوله
هذه المتلازمة واضحة جدا فى سورة النساء و للمنافقين منها النصيب الأكبر حبث يحذر الله عباده منهم و يقطع الطمع تماما عنهم
و يبين الله سعى هؤلاء المنافقين لنشر الفواحش و الشهوات
"وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا"
و يوضح أن الحل فى أمرين رئيسين يقوضان ما يسعى هؤلاء المجرمون إلى طمسه
الأول : إبقاء جذوة الجهاد و الفداء متقدة فى قلوب المؤمنين و ذلك فى آيات كثيرة تحرك القلب و تجعله يهفو إلى الجهاد و نصرة دين الله منها
و الثانى : بيان أهمية طاعة أوامر الله و رسوله و اتباع الشرع و تحكيمه مهما كانت العوائق و المغريات التى يضعها المنافقون فى طريق هذه الطاعة
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا
فواجهت السورة هذا الصدود بطائفة من الآيات الجامعة توجه المسلمين لهذا الأصل الأصيل و الركن الركين من عقيدة التسليم و الاتباع المطلق و الانقياد غير المشروط لشرع الله و لنهج رسوله الكريم صلوات الله و سلا مه عليه
هذا باختصار أهم ما تدور حوله سورة النساء من معانى أسأل الله أن أكون قد وفقت لتوضيحها و بيان أهم فوائدها و إنه لجهد المقل و ما كان فيه من توفيق فمن الله وحده و ما كان من خطأ أو زلل أو نسيان فمنى و من الشيطان
و إلى لقاء قريب مع سورة المائدة
رابط الجزء الثانى من سلسلة كيف تعيش مع القرآن
للشيخ الحبيب عادل لطفى
http://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=167386016659719&id=100000 808192061#!/notes/%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D9%84-%D9%84%D8%B7%D9%81%D9%89/2%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AA%D8%B9%D9%8A%D8%B4-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86/128800450534253
الحلقة الرابعة
من سلسلة الاعداد القرآنى لرمضان
سورة النساء
و هذا أمر غير صحيح بالمرة لمن نجح فى تجاوز ذلك الحاجز الوهمى و بدأ يتأمل فى ثنايا تلكم السورة العظيمة
إن سورة النساء تعد من أرق السور القرآنية من حيث المعانى و الأسلوب البديع المؤثر الذى أدى بالنبى حين سماعها من بن مسعود رضى الله عنه أن يبكى بكاءا يغرق وجهه الشريف بالدموع و يقول حسبك حين بلغ قول الله " فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا {} يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا"
إنها سورة بكى الصحابة حين سمعوا آية منها حركت مشاعرهم و سالت مآقيهم بالدمع عندما تليت عليه
"إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا"
سورة دفعت بن عباس رضى الله عنهما ليقول عن بعض آياتها " فيها ثمان آيات خير مما طلعت عليه الشمس و غربت منها : "وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا {} يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا" و " إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا" و "إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا"
لكن أعظم ما يحرك القلوب فى هذه السورة لمن وعاه و تدبره الإبهار الذى تحويه السورة.
الإبهار بشرع الله و بيان مدى العدل المعجز الذى قام عليه هذا الدين
العدل الذى هو أساس قيام الأمم و رفعتها و إن كانت كافرة كما فى مقولة شيخ الإسلام الخالدة " إنَّ اللَّهَ يُقِيمُ الدَّوْلَةَ الْعَادِلَةَ وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً ؛ وَلَا يُقِيمُ الظَّالِمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُسْلِمَةً" مجموع الفتاوى6-340
العدل الذى لما غابت شمسه عن أمتنا تهاوت و ضعفت و ذلت و صارت تبعا لغيرها من الأمم
إن سورة النساء فى مجملها بنائية أشبه فى ذلك بسورة البقرة و جل القرآن المدنى و هى تتعرض لعوامل بناء الأمة و كذلك تشبه سورة آل عمران من خلال تعرضها لعوامل الهدم لكن سورة النساء تركز على عوامل الهدم الداخلية بعد أن بينت آل عمران العوامل الخارجية كما سبق و أوضحنا
و أبرز عوامل الهدم الداخلى على الأطلاق هو الظلم فمجتمع يستشرى فيه الظلم لفى خطر عظيم و هو على شفا جرف هار كيف لا و هو مجتمع ينخره سوس الحقد و الحسد و تأكله نيران الغل و الغضب و يخيم عليه ضباب اليأس و الإحباط و الذلة و الإمتهان و كل ذلك من شؤم الظلم " ألا لعنة الله على الظالمين"
و هناك عوامل أخرى للهدم الداخلى بينتها السورة الكريمة فى العديد من المواضع منها
· الشهوات و الفواحش التى تأكل المجتمع من الداخل
· و تفكك الأسرة التى هى وحدة بناء هذا المجتمع
· و كذلك الأعداء الحاقدة من الداخل و هم المنافقون الذين يحرصون تكريس عوامل الهدم السابقة "وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا "
إن هذه العوامل و غيرها هى أهم أسباب الإنهيار الداخلى الذى يصيب الأمم و بتوافر ضدها نجد مجتمعا قويا متماسكا قائم على أسس متينة من العدل و الترابط و رعاية حدود الله وتحكيم شرعه و قبوله و لا يجد السوس الذى ينخر فى جسده بيئة صالحة ليرتع فيها فيفنى و يضمحل
و لنمر مرورا سريعا من خلال السورة على أهم عوامل البناء و الهدم التى ذكرها الله فيها:
أولا: الظلم:
تعرضت السورة لقضية الظلم و حذرت منه فى العديد من المواضع و ذلك لما بيناه من كونه أخطر السلوكيات الهدامة التى تدمر أى مجتمع لذا حذر منه ربنا فى الحديث القدسى " إنى حرمت الظلم على نفسى و جعلته بينكم محرما فلا تظالموا" و قال النبى " الظلم ظلمات يوم القيامة "
و لقد بين ربنا فى السورة كيف أنه حرم على نفسه أدنى الظلم فقال" إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا"
و لو أن العرب يعلمون شيئا أدنى من الذرة لأعلمهم الله أنه حرمه على نفسه
و إذا كان الإنسان يحب أن يعامل من مولاه بهذا العدل و الإنصاف فمن باب أولى عليه أن يعامل الناس بما يحب أن يعامل به و لو وضع الظالم نفسه مكان من ظلمه و لو للحظة واحدة و تخيل مشاعر المظلوم من ذل و امتهان و عجز لما رضى أبدا أن يكون على تلك الحال القاسية و لسارع لتطبيق ما دعت إليه هذه السورة الكريمة و أصلته فى أكثر آياتها و تجمله هذه الآية الجامعة "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا"
و الملحوظ فى هذه الآية قوله تعالى عن الحكم بالعدل أنه يكون بين الناس و لم يخص بالعدل المؤمنين أو المتقين إنما أمر بالعدل دون غيرهم بل عمم العدل على الجميع و هذا ما سارت عليه السورة فى فى جل مواضعها
لقد أصلت سورة النساء لمبدأ العدل المطلق مع الجميع حتى أبعد من يتصور العدل معهم و هم الأعداء
و الناظر لسورة النساء متأملا يجد طوائف أربعا أوصت السورة بالعدل معهم و عليهم
1. العدل مع الضعفاء الذين لا يتمكنون من الإتيان بحقهم
2. العدل مع الأعداء
3. العدل على الأولياء و الأحبة و أقرب الناس
4. العدل مع كل صاحب حق
أولا العدل مع الضعفاء :
ذكرت سورة النساء صنوفا شتى من الضعفاء بل سميت باسم صنف منهم و هن النساء
أما القول بضعفهن فهو الوارد فيما رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي وحسنه الألباني في صحيح الجامع من قوله صلى الله عليه وسلم :" إني أحرج عليكم حق الضعيفين : اليتيم والمرأة "
و الله بين فى هذه السورة أن الضعف سمة البشر " و خلق الإنسان ضعيفا " و هذا الضعف قد يتفاوت
و لا شك أن المرأة بخلقها الرقيق و بنيانها الذى هو فى الأغلب الأعم أضعف من بنيان الرجل و عواطفها الأرهف فإنها على ذلك تكون أكثر عرضة للإيذاء و الإستضعاف
وضعف المرأة جبلي و ليس كسبيا وهكذا خلقها الله و لذا كان من كمال رجولة الرجل رحمتها و عدم ظلمها أو الطغيان عليها بما أوتي الرجال من قوة فنزل الشرع بإنصافها و رعاية حقوقها و كان من آخر كلام النبى الوصية بها " إستوصوا بالنساء خيرا
و لقد أنصفت سورة النساء المرأة و أمرت بالعدل معها كزوجة و كأم و كأخت و كأبنة
و ذلك فى العديد من الآيات منها
"فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا
"وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ"
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ {} وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {}
وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً {} وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا
وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا
وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا
و من الضعفاء الذين راعت السورة حقهم أيضا اليتامى و ذلك فى آيات كثيرة نذكر منها
وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا {4/2} وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ
وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا {4/2} وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ
وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا
إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرً
الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ
بل شرع الجهاد فى السورة لنصرة دين الله و هذا هو المقصد الأصيل و الذى تعودنا عليه فى أغلب مواضع القرآن لكن زيد هنا مقصد آخر و هو نصرة المستضعفين الذين لا يستطيعون جلب حقهم
وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا
ثانيا العدل مع الأعداء :
و أوضح الأمثلة على هذا النوع العجيب من العدل يظهر فى الموقف الذى نزل بسببه الآيات من (105) إلى (113)
القصة باختصار تروى سرقة قام بها أنصاري يسمى بشير بن أبيرق لدرع رجل من الأنصار يسمى رفاعة بن النعمان ، وهو أمر يمكن أن يحصل في أي مجتمع، فالناس تبقى بشرا، ويحصل فيها مخالفات، وورد في بعض الروايات عن هذا الرجل (بشير بن أبيرق) أنه كان مطعونا، ويبدو أن الناس تكلمت في الموضوع والسرقة، فعمد إلى رمي الدرع في بيت يهودي (زيد بن السمين) ومضى إلى النبي صل الله عليه وسلم ليبرئه علانية؟ وهو ما فعله النبي صل الله عليه
جاءت الآيات تعاتب النبي صل الله عليه وسلم على التصرف يقول الله عز وجل :
إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً (105) وَاسْتَغْفِرِ اللّهَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً (106) وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً
و ما أجمل ما كتبه الأستاذ سيد قطب فى ظلاله معلقا على هذه الآيات المبهرة :
إن المسألة لم تكن مجرد تبرئة برىء , تآمرت عليه عصبة لتوقعه في الاتهام – وإن كانت تبرئة بريء أمرا هائلا ثقيل الوزن في ميزان الله – إنما كانت أكبر من ذلك كانت هي إقامة الميزان الذي لا يميل مع الهوى , ولا مع العصبية ولا يتأرجح مع المودة والشنآن أيا كانت الملابسات والأحوال .
وكانت المسألة هي تطهير هذا المجتمع الجديد وعلاج عناصر الضعف البشري فيه مع علاج رواسب الجاهلية والعصبية – في كل صورها حتى في صورة العقيدة إذا تعلق الأمر بإقامة العدل بين الناس – وإقامة هذا المجتمع الجديد الفريد في تاريخ البشرية على القاعدة الطيبة النظيفة الصلبة المتينة التي لا تدنسها شوائب الهوى والمصلحة والعصبية , والتي لا تترجرج مع الأهواء والميول والشهوات !
كان هناك سبب واضح عريض . . أن هذا المتهم "يهودي" من "يهود" يهود التي لا تدع سهما مسموما تملكه إلا أطلقته في حرب الإسلام وأهله .
وكان هنالك سبب آخر ; وهو أن الأمر في الأنصار الأنصار الذين آووا ونصروا والذين قد يوجد هذا الحادث بين بعض بيوتهم ما يوجد من الضغائن . بينما أن اتجاه الاتهام إلى يهودي يبعد شبح الشقاق !
وكان هنالك سبب ثالث هو عدم إعطاء اليهود سهما جديدا يوجهونه إلى الأنصار . وهو أن بعضهم يسرق بعضا ثم يتهمون اليهود ! وهم لا يدعون هذه الفرصة تفلت للتشهير بها والتغرير !
ولكن الأمر كان أكبر من هذا كله . كان أكبر من كل هذه الاعتبارات الصغيرة . الصغيرة في حساب الإسلام كان أمر تربية هذه الجماعة الجديدة لتنهض بتكاليفها في خلافة الأرض وفي قيادة البشرية . وهي لا تقوم بالخلافة في الأرض ولا تنهض بقيادة البشرية حتى يتضح لها منهج فريد متفوق على كل ما تعرف البشرية ; وحتى يثبت هذا المنهج في حياتها الواقعية . وحتى يمحص كيانها تمحيصا شديدا ; وتنفض عنه كل خبيئة من ضعف البشر ومن رواسب الجاهلية . وحتى يقام فيها ميزان العدل – لتحكم به بين الناس – مجردا من جميع الاعتبارات الأرضية , والمصالح القريبة الظاهرة , والملابسات التي يراها الناس شيئا كبيرا لا يقدرون على تجاهله !
واختار الله – سبحانه – هذا الحادث بذاته في ميقاته مع يهودي من يهود التي يذوق منها المسلمون الأمرين إذ ذاك في المدينة ; والتي تؤلب عليهم المشركين وتؤيد بينهم المنافقين وترصد كل ما في جعبتها من مكر وتجربة وعلم لهذا الدين ! وفي فترة حرجة من حياة المسلمين في المدينة والعداوات تحيط بهم من كل جانب ووراء كل هذه العداوات يهود !
هنا كان الأمر جدا خالصا , لا يحتمل الدهان ولا التمويه ! وكان هذا الجد هو أمر هذا المنهج الرباني وأصوله . وأمر هذه الأمة التي تعد لتنهض بهذا المنهج وتنشره . وأمر العدل بين الناس . العدل في هذا المستوى الذي لا يرتفع إليه الناس – بل لا يعرفه الناس – إلا بوحي من الله , وعون من الله .
إن الآيات حين يتابع الإنسان ظروف نزولها يصاب بقشعريرة ورعدة من التنزيل، ويفهم قول الرحمن "إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا"…
يعاتب الله ويدافع عن يهودي متهم ظلما، وتتنزل الآيات في قضية رجل من قوم يكنون العداوة والكراهية والتآمر للأمة، ولكن هذا لا يمنع، بل هي كامل القوة، وسر قوة هذا المجتمع؟؟ إنها حقنة العدل في شرايين هذا المجتمع الفتي ؟؟
إنني أخجل حين أقرأ هذه الآيات، وأرى مظاهر الظلم في كل مكان وأعرف سر القوة و النهوض من الإحباط والانحدار.
يتابع القرآن العتاب ويقول افترضوا أنكم دافعتم عنه في هذه الدنيا، فماذا ستفعلون بين يدي الديان يوم الدين؟
ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا؟ فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة؟ أم من يكون عليهم وكيلا؟
ثم تؤصل القاعدة الجامعة التى تجمل الحكم الربانى على هذه الحادثة و كل ما كان على شاكلتها
"وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا "
ثم يعقب القرآن ويقول عن رحمة الله عن تطويق هذا الحريق الخطير(وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا)(انتهى كلام سيد قطب بتصرف يسير)
ثالثا العدل على الأولياء :
و هذا النوع هو الأصعب و نموذجه واضح فى القصة السابقة مع بشير بن أبيرق الذى لم يمنع وضعه و كونه من الأنصار الذين طالما بين النبى حبه لهم و حرصه عليهم أن يقام عليه العدل و يُظهر الحق و يظهر هذا النوع جليا فى آية من السورة يقول الله فيها
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا
رابعا العدل مع كل ذى حق :
و هذا نوع مهم من العدل و هو يميز المنهج الإسلامى عن مناهج أخرى كثيرة تعنى بالتشدق بقيم ما يسمونها بالمساواة
و فارق كبير بين العدل و المساواة فالعدل يكون بإعطاء كل ذى حق حقه و على قدر ما يستحق أما المساواة فلا تميز على أساس من الإستحقاق أو الخاجة
و هذا فى الحقيقة ضد الفطرة و الجبلة التى جبل الناس عليها و قد أدت لانهيار النظام الشيوعى فى معقله بروسيا حين لم يفاضل بين الناس على أساس الجهد و الاستحقاق
فالناس بطبيعتهم متفاوتون لكل قدراته و كفاءته و تتباين هذه القدرات و تختلف الظروف فتختلف الاحتياجات و لو تمت المساواة دون النظر لهذه الفوارق لفشى الإحباط و اليأس بين المجتهدين و لشعروا أنه لا قيمة لإجتهادهم و تميزهم
لذا نجد فى السورة عدلا على حسب الاستحقاق و ليس التمييز
و نضرب لذلك مثالا واحدا حتى لا نطيل
آيات المواريث التى تكررت فيها قاعدة " للذكر مثل حظ الأنثيين " سواءا كانت الأنثى إبنة كما فى هذه الآية أو أخت أو زوجة كما فى الآيات الأخرى
و تظهر فى هذه الأيام دعاوى من ذيول الشيوعية تشكك فى هذا الأمر زاعمة أن هذا تفريق لا داعى له غاضين الطرف بقصد أو بدون قصد عن الواقع الإسلامى الذى تتضافر الآيات لرسمه و الذى فيه المرأة فى الأغلب الأعم لا تكون أبدا مسئولة عن نفقتها
فهى إما زوجة ملزم بها زوجها أو أم ملزم بها ولدها أو أخت ملزم بها أخوها فإن لم تكن أى شىء من هذا وورثت فلا شك أنه لا يوجد هنا من سيشاركها فى ميراثها و إن وجد من يشاركها من أب أو أخ أو زوج أو إبن فلابد له أن يتكفل بها و يصير النصف الذى ورثته أمرا ثانويا لا تعول عليه كثيرا فى العيش إلا فى حالات غاية فى الندرة
هنا نجد أن مناط العدل كان على أساس الإحتياج فمن الأكثر احتياجا رجل مكلف وجوبا بالإنفاق على من يعول من نساء أم امرأة فى الغالب سيوجد من ينفق عليها و هى عزيزة كريمة ؟
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ
بعد كل هذا الكلام عن العدل و تأصيله فى المجتمع و التحذير من الظلم توضح السورة بعض عوامل بناء المجتمع غير العدل التى إن لم تتوافر كان ذلك سببا فى انهياره من الداخل
من هذه العوامل :
· الشهوات و الفتن :
و هذه من أخطار أسباب تآكل المجتمع كما بينا فى آل عمران و تركز السورة على أهم فتنتين تكتوى الأمة بنيرانهما
فتنة المال و فتنة النساء
لذا حذرت السورة فى غير آية من هاتين الفتنتين سواءا بالتحذير من أكل الأموال بالباطل أيا كان نوع هذا المال ليتيم أو انمرأة أو ميراث أو شراكة
أو التحذير من الفواحش و بالذات الزنا ووضع حلول عملية لهذه المشكلة إما بسد الذرائع عن طريق تيسير السبيل الشرعى من زواج أو تعدد و إما بوضع العقوبات الرادعة التى ترهب من أقدم على تلكم الجريمة المخزية
· الأسرة و ترابطها و تماسك أواصرها:
فإن من أخطر أسباب الانهيار المجتمعى التفكك الأسرى و لقد بين النبى فى حديث بعث الشيطان لسراياه كيف أن أسمى الامانى الإبليسية تفكيك البيت الواحد و انهيار الأسرة التى هى وحدة البناء المجتمعى حين يقول لتابعه الذى فرق بين الرجل و زوجه "نعم أنت "
· و لقد رسخت السورة للستقرار الاسرى من أول مراحله و هى مرحلة اختيار الزوجة فبينت صفات الزوجة الأصلح
فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ
وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا
وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً
"وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا ."
· الأعداء الحاقدة من الداخل و الخارج
و هؤلاء الأعداء لا تكاد تجد سورة من السور المدنية إلا و حذرت منهم
بل يصل الأمر إلا وجود متلازمة دائما ما تصحبنا فى السور الدنية البنائية تتمثل فى ذكر للليهود الذين يحركون عن بعد الذراع الداخلى لهم المتمثل فى المنافقين الذين ينخرون استقرار الأمة من الداخل عن طريق نشر الفواحش و تمزيق عرى المجتمع بإفساد أفراده فينهار الجيل المسلم و لا يقوى على جهاد أسيادهم و محركيهم و يخور عزمه عن تطبيق شرع الله و طاعة رسوله
لذا لا تكاد سورة من السور المدنية بالذات النساء و النور و الأحزاب تخلو من ذكر للمنافقين و للفواحش و ارتباطهم بنشرها و من ذكر للجهاد و لطاعة اللله و رسوله
هذه المتلازمة واضحة جدا فى سورة النساء و للمنافقين منها النصيب الأكبر حبث يحذر الله عباده منهم و يقطع الطمع تماما عنهم
فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُسَبِيلاً() وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا
بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا {} الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا
"وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا"
و يوضح أن الحل فى أمرين رئيسين يقوضان ما يسعى هؤلاء المجرمون إلى طمسه
الأول : إبقاء جذوة الجهاد و الفداء متقدة فى قلوب المؤمنين و ذلك فى آيات كثيرة تحرك القلب و تجعله يهفو إلى الجهاد و نصرة دين الله منها
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا
فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا
الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا
فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً
وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا
فواجهت السورة هذا الصدود بطائفة من الآيات الجامعة توجه المسلمين لهذا الأصل الأصيل و الركن الركين من عقيدة التسليم و الاتباع المطلق و الانقياد غير المشروط لشرع الله و لنهج رسوله الكريم صلوات الله و سلا مه عليه
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً
فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا
} وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا {} ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا
مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا
و إلى لقاء قريب مع سورة المائدة
و كتبه الفقير لعفو ربه
محمد على يوسف صباح الأربعاء 15 يونيو 2011
للشيخ الحبيب عادل لطفى
http://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=167386016659719&id=100000 808192061#!/notes/%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D9%84-%D9%84%D8%B7%D9%81%D9%89/2%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AA%D8%B9%D9%8A%D8%B4-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86/128800450534253
تعليق