الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآله وصحبه ومن سار على نهجه وهديه ... وبعد
حديثنا اليوم ـ أيها الأحبة ـ عن موقف عصيب ورهيب من مواقف يوم القيامة، بيّنه الله لنا في كتابه الكريم، هذا الكتاب الذي نزل لنا رحمة من الله؛ مبينًا فيه أحوالنا وأحوال الأمم السابقة والقادمة
كما جاء في الأثر: (فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم).
هذا الموقف عبارة عن حوار ساخن بين فئتين من البشر التابعين والمتبوعين أو الضالين والمضلين، وهم موجودون في كل عصر وزمان، يصور لنا المولى سبحانه هذا الحوار في سورتي إبراهيم وغافر بقوله: وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ [إبراهيم: ٢١].
يبين الله لنا هذا الموقف حينما يخرج الخلق من القبور للحساب، فيبدأ الضعفاء بالتحدث ولوم أسيادهم الذين أضلوهم في الدنيا، فالضعفاء هم الضعفاء في كل وقت وحين، وهم دائمًا المخدوعون، يسيرون وراء كل ناعق وناعقة، وهم المقلدون دون تفكير ودون تدبر، مخالفين أوامر ربهم حينما يقول سبحانه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ [يوسف: ١٠٨]
هذه طريقتي من الكتاب والسنة، انظر إليها ببصرك واتبعني، ولا تتبعني وأنت مغمض العينين وتقول كما يقول بعض البسطاء الجهلة والعوام: أنا العبد المأمور ويسمع ويطيع لرئيسه أو مديره أو شيخه الضالّ، لا، ديننا دين العدالة، ودين الحق، اتبعني على بصيرة وأنت فاتح العينين، وإن حدث شيء مخالف للكتاب والسنة اتركه ولا تلتفت إليه ولا تبالِ فيه وإن فعله فلان وفلان من عِليَةِ القوم.
يبين لنا سبحانه حوار هؤلاء الضعفاء المقلدين مع المستكبرين المضلين العاصين لله ولرسوله، يبين لنا جدلهم ونقاشهم يوم القيامة، يوم لا ينفع واسطة ولا أعذار، وقُضي الأمر، حينما يلومون المستكبرين على إضلالهم
فيقولون لهم: لقد اتبعناكم وسمعنا أقوالكم وأصبحنا من رجالكم وحاشيتكم وتابعين لكم، نأتمر بأوامركم ونواهيكم، فلماذا لا تكفّون وتدفعون عنا شرّ هذا العذاب المقبل علينا؟!
فيرد المستكبرون بأسلوب فيه استكبار وكذب، وهو قولهم: لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ، فلا تلومونا، ونحن وإياكم في طريق واحد، إلى مصير واحد، إننا لم نهتد ونضللكم، ولو هدانا الله لقدناكم إلى الهدى معنا كما قدناكم حين ضللنا إلى الضلال.
ويلاحظ أن المستكبرين فقط الآن عرفوا الله، ونسبوا هداهم وضلالهم إليه، بينما كانوا في الدنيا معرضين عن الله وعن دينه، فيعترفون الآن بقدرته، وكانوا من قبل ينكرونه وينكرون قدرته، وهم إذ يقولون هذا إنما يتهربون من سبب الضلال والإضلال بإرجاع الأمر إلى الله، والله سبحانه لا يأمر بالضلال: وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف: ٢٨]، ويقول سبحانه: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان: ٣].
ويستمر المستكبرون في تيئيس الضعفاء بقولهم: الآن لا فائدة، ولا جدوى من الجزع، كما أنه لا فائدة من الصبر، فقد انتهى كل شيء، وحُقّ العذاب، ولا رادّ له مِن صبر أو جزع، وفات الأوان الذي يُفيد فيه الصبر على العذاب وينفع فيه الدعاء، وهذا في الدنيا، أما الآن فقد انتهى كلّ شيء، ولم يعد هناك مفر، ولا محيص ولا منجى، قال تعالى: سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ.
وحينما يشتد الجدل والتلاوم بين الطرفين يتدخل الشيطان ليشترك في الحوار، ويزيدهم هما على هم، ويتشيطن على الضعفاء وعلى المستكبرين سواء بكلام ربما يكون أقسى عليهم من العذاب، قال تعالى: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [إبراهيم: ٢٢].
هنا تظهر شخصية الشيطان الخبيث على صورتها الحقيقية التي بينها لنا ربنا سبحانه حين قال: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر: ٦].
يظهر لهم موبخًا وساخرًا ومتشفّيًا بعد أن انتهي الأمر وقضي ولا يوجد أمل لهم في عودة أو توبة إلى الله فيقول: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ الآية.
نعم، صدق في هذه الآية، الله وعدنا وعد الحق، وأنزل علينا كتابًا عظيمًا مبينًا فيه كل شيء يهمنا؛ لأن أمتنا مرحومة بفضل الله، ثم بفضل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
الأمم السابقة كان إذا أذنب أحدهم يكتب على باب بيت المذنب كفارة الذنب، ويصبح مفضوحًا بين الناس، أما أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيكفيها التوبة سرًا والاستغفار، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران: ١٣٥]، قال تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء: ١١٠]، يستغفر ويتوب بينه وبين ربه، ولا يعلم عنه أحد، ولا يصر على الذنب مرة أخرى؛ لأن الإصرار على الذنب ذنبًا آخر.
فالله يغفر الذنوب، وبين لنا هذا في كتابه، وهو الوعد الحق، أما وعد الشيطان فيقول فيه ساخرًا متشفيا: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ، وعندكم كتابه الكريم، أما أنا فقد وعدتكم وأخلفتكم الميعاد، وليس لي عليكم سلطان أو سلطة، ولم ينزل عليّ كتاب لكي أقنعكم به، إنما وسوست لكم، وأغريتكم، ونسيتم العداء بيني وبينكم، فصدقتموني وتركتم قول الحق من الله تبارك وتعالى، ثم يبدأ يُؤنّبهم ويحطّمهم ويدعوهم لتأنيب أنفسهم ولومها.
ثم ينفض يده منهم وهو الذي وعدهم من قبل ومناهم، فأما الآن فما هو بمغيثهم إذا صرخوا، كما أنهم لن ينجدوه أو يغيثوه إذا صرخ، قال تعالى: مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ.
ثم يتبرأ من إشراكهم به، ويكفر بهذا الإشراك: إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ.
ثم يهزأ بهم ويتشفى منهم ويختم حقده بقوله: إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [إبراهيم: ٢٢].
تأملوا ـ أيها الأحبة ـ قول إبليس لكلّ عاصٍ لله.
وهكذا ـ أيّها المسلمون ـ تبرأ الشيطان من الضعفاء والمستكبرين، ولامهم على اتّباعه والانقياد له
فمن هؤلاء الضعفاء والمستكبرون يا ترى؟
إنما هم أنا وأنت وجميع من على سطح الأرض من البشر
فتفكر ـ أخي المسلم ـ في هذا الموقف الصعب، واعتبر، وهل تظنّ أنك سوف تسلم وربنا سبحانه وتعالى يقول وقوله الحق: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا [مريم: ٧١]؟!
الورود على جهنم لا مفرَّ منه، وهذا الخطاب لسائر الخلائق بَرّهم وفاجرهم ومؤمنهم وكافرهم، إنه ما منهم من أحد إلا سيرد النار حكمًا حتمه الله على نفسه، وأوعد به عباده، فلا بد من تحقيقه، ولا محيد ولا مفرّ من وقوعه، أما النجاة من هذا الموقف العظيم فمن الله حين يأذن: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [مريم: ٧٢].
فمن هم المتقون .............. ؟؟
هذا نراه بإذن الله في تتمة هذا الموضوع فتابعنا إن يسر الله لنا ولكم
حديثنا اليوم ـ أيها الأحبة ـ عن موقف عصيب ورهيب من مواقف يوم القيامة، بيّنه الله لنا في كتابه الكريم، هذا الكتاب الذي نزل لنا رحمة من الله؛ مبينًا فيه أحوالنا وأحوال الأمم السابقة والقادمة
كما جاء في الأثر: (فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم).
هذا الموقف عبارة عن حوار ساخن بين فئتين من البشر التابعين والمتبوعين أو الضالين والمضلين، وهم موجودون في كل عصر وزمان، يصور لنا المولى سبحانه هذا الحوار في سورتي إبراهيم وغافر بقوله: وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ [إبراهيم: ٢١].
يبين الله لنا هذا الموقف حينما يخرج الخلق من القبور للحساب، فيبدأ الضعفاء بالتحدث ولوم أسيادهم الذين أضلوهم في الدنيا، فالضعفاء هم الضعفاء في كل وقت وحين، وهم دائمًا المخدوعون، يسيرون وراء كل ناعق وناعقة، وهم المقلدون دون تفكير ودون تدبر، مخالفين أوامر ربهم حينما يقول سبحانه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ [يوسف: ١٠٨]
هذه طريقتي من الكتاب والسنة، انظر إليها ببصرك واتبعني، ولا تتبعني وأنت مغمض العينين وتقول كما يقول بعض البسطاء الجهلة والعوام: أنا العبد المأمور ويسمع ويطيع لرئيسه أو مديره أو شيخه الضالّ، لا، ديننا دين العدالة، ودين الحق، اتبعني على بصيرة وأنت فاتح العينين، وإن حدث شيء مخالف للكتاب والسنة اتركه ولا تلتفت إليه ولا تبالِ فيه وإن فعله فلان وفلان من عِليَةِ القوم.
يبين لنا سبحانه حوار هؤلاء الضعفاء المقلدين مع المستكبرين المضلين العاصين لله ولرسوله، يبين لنا جدلهم ونقاشهم يوم القيامة، يوم لا ينفع واسطة ولا أعذار، وقُضي الأمر، حينما يلومون المستكبرين على إضلالهم
فيقولون لهم: لقد اتبعناكم وسمعنا أقوالكم وأصبحنا من رجالكم وحاشيتكم وتابعين لكم، نأتمر بأوامركم ونواهيكم، فلماذا لا تكفّون وتدفعون عنا شرّ هذا العذاب المقبل علينا؟!
فيرد المستكبرون بأسلوب فيه استكبار وكذب، وهو قولهم: لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ، فلا تلومونا، ونحن وإياكم في طريق واحد، إلى مصير واحد، إننا لم نهتد ونضللكم، ولو هدانا الله لقدناكم إلى الهدى معنا كما قدناكم حين ضللنا إلى الضلال.
ويلاحظ أن المستكبرين فقط الآن عرفوا الله، ونسبوا هداهم وضلالهم إليه، بينما كانوا في الدنيا معرضين عن الله وعن دينه، فيعترفون الآن بقدرته، وكانوا من قبل ينكرونه وينكرون قدرته، وهم إذ يقولون هذا إنما يتهربون من سبب الضلال والإضلال بإرجاع الأمر إلى الله، والله سبحانه لا يأمر بالضلال: وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف: ٢٨]، ويقول سبحانه: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان: ٣].
ويستمر المستكبرون في تيئيس الضعفاء بقولهم: الآن لا فائدة، ولا جدوى من الجزع، كما أنه لا فائدة من الصبر، فقد انتهى كل شيء، وحُقّ العذاب، ولا رادّ له مِن صبر أو جزع، وفات الأوان الذي يُفيد فيه الصبر على العذاب وينفع فيه الدعاء، وهذا في الدنيا، أما الآن فقد انتهى كلّ شيء، ولم يعد هناك مفر، ولا محيص ولا منجى، قال تعالى: سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ.
وحينما يشتد الجدل والتلاوم بين الطرفين يتدخل الشيطان ليشترك في الحوار، ويزيدهم هما على هم، ويتشيطن على الضعفاء وعلى المستكبرين سواء بكلام ربما يكون أقسى عليهم من العذاب، قال تعالى: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [إبراهيم: ٢٢].
هنا تظهر شخصية الشيطان الخبيث على صورتها الحقيقية التي بينها لنا ربنا سبحانه حين قال: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر: ٦].
يظهر لهم موبخًا وساخرًا ومتشفّيًا بعد أن انتهي الأمر وقضي ولا يوجد أمل لهم في عودة أو توبة إلى الله فيقول: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ الآية.
نعم، صدق في هذه الآية، الله وعدنا وعد الحق، وأنزل علينا كتابًا عظيمًا مبينًا فيه كل شيء يهمنا؛ لأن أمتنا مرحومة بفضل الله، ثم بفضل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
الأمم السابقة كان إذا أذنب أحدهم يكتب على باب بيت المذنب كفارة الذنب، ويصبح مفضوحًا بين الناس، أما أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيكفيها التوبة سرًا والاستغفار، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران: ١٣٥]، قال تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء: ١١٠]، يستغفر ويتوب بينه وبين ربه، ولا يعلم عنه أحد، ولا يصر على الذنب مرة أخرى؛ لأن الإصرار على الذنب ذنبًا آخر.
فالله يغفر الذنوب، وبين لنا هذا في كتابه، وهو الوعد الحق، أما وعد الشيطان فيقول فيه ساخرًا متشفيا: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ، وعندكم كتابه الكريم، أما أنا فقد وعدتكم وأخلفتكم الميعاد، وليس لي عليكم سلطان أو سلطة، ولم ينزل عليّ كتاب لكي أقنعكم به، إنما وسوست لكم، وأغريتكم، ونسيتم العداء بيني وبينكم، فصدقتموني وتركتم قول الحق من الله تبارك وتعالى، ثم يبدأ يُؤنّبهم ويحطّمهم ويدعوهم لتأنيب أنفسهم ولومها.
ثم ينفض يده منهم وهو الذي وعدهم من قبل ومناهم، فأما الآن فما هو بمغيثهم إذا صرخوا، كما أنهم لن ينجدوه أو يغيثوه إذا صرخ، قال تعالى: مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ.
ثم يتبرأ من إشراكهم به، ويكفر بهذا الإشراك: إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ.
ثم يهزأ بهم ويتشفى منهم ويختم حقده بقوله: إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [إبراهيم: ٢٢].
تأملوا ـ أيها الأحبة ـ قول إبليس لكلّ عاصٍ لله.
وهكذا ـ أيّها المسلمون ـ تبرأ الشيطان من الضعفاء والمستكبرين، ولامهم على اتّباعه والانقياد له
فمن هؤلاء الضعفاء والمستكبرون يا ترى؟
إنما هم أنا وأنت وجميع من على سطح الأرض من البشر
فتفكر ـ أخي المسلم ـ في هذا الموقف الصعب، واعتبر، وهل تظنّ أنك سوف تسلم وربنا سبحانه وتعالى يقول وقوله الحق: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا [مريم: ٧١]؟!
الورود على جهنم لا مفرَّ منه، وهذا الخطاب لسائر الخلائق بَرّهم وفاجرهم ومؤمنهم وكافرهم، إنه ما منهم من أحد إلا سيرد النار حكمًا حتمه الله على نفسه، وأوعد به عباده، فلا بد من تحقيقه، ولا محيد ولا مفرّ من وقوعه، أما النجاة من هذا الموقف العظيم فمن الله حين يأذن: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [مريم: ٧٢].
فمن هم المتقون .............. ؟؟
هذا نراه بإذن الله في تتمة هذا الموضوع فتابعنا إن يسر الله لنا ولكم
تعليق