إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أصول الوصول إلى الله للشيخ يعقوب (( حفظه الله ))

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    رد: اروع سلاسل الشيخ محمد حسين يعقوب سلسلة أصول الوصول إلى الله

    الأصل الخامس : املك عصا التحويلة




    بعض الناس يركب القطار ويظن أن السائق هو الذى يقوده , وينسى أن هناك عاملا بسيطا بيده عصا صغيرة يحول بها مجرى القطار كله رغم أنف السائق .. فعصا تحويلة قلبك فى يد من ؟!
    أيها الاخوة : الصراط مدحضة مزلة , تزل عنه الاقدام , فمع طول السفر قد تتحول الاقدام عن الطريق دون شعور , ولذا ينبغى أن تملك عصا التحويلة فلا تسلمها لأحد يتحكمك بها غير الله الذى يهديك الصراط المستقيم , صراط الوصول إليه – سبحانه - .
    فكم منا من سلم العصا لزوجته فحولته من طالب علم الى طالب دنيا , وكم منا من سلمها لأولاده فحولوا همه من طالب جنة الى طالب مال .. عصا تحويلة قلبك فى يد من ؟ أسلمتها لمن ؟ لصاحب .. لزميل .. لشيخ .. لمدير ؟!!
    أخى فى الله , سل نفسك من المتحكم فيك , ومن الذى يسير قلبك , هل الله وحده ؟ أم أشياء أخر ؟
    قف مع نفسك وقفة لتسلم قلبك لله يقودك كيف شاء .
    أخى فى الله , استسلم لله .. سلم قلبك لله , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا إن السلطان والقرآن سيفترقان , فدوروا مع القرآن حيث دار " . [أخرجه الحاكم بلفظ : دوروا مع كتاب الله حيث دار - وبهذا اللفظ ضعفه الألبانى]
    نعم : إننا نحتاج أن نملك عصا التحويلة لندور مع القرآن , لندور مع الشرع , لندور مع الدين , مع الامر والنهى , فلا نثبت على الباطل .
    أخــى , عصا التحويلة خطر , فأى لعب بها قد يتسبب فى أن يحيد القطار عن طريق الوصول , وربما اصطدم فانقلب , فتحكم – أخى – فى كل ذرة من قلبك , ووجهها الى الله وحده , حرك قطار نفسك فى طريق واحد .. طريق الوصول الى الله ..



    أخــى , سرت الى الله سنين ثم تحولت , فما الذى حولك ؟! من الذى حولك ؟! لم تغيرت فغيرت اتجاهك ؟! لم انزلقت رجلك فخرجت عن طريق السير الى الله ؟!
    إننا بحاجة – إخوناه – لأن نملك عصا التحويلة , لكى نعيد السير الى الطريق مرة أخرى , حتى وإن حدنا أو تهنا أو خضنا أو ضللنا أو أخطأنا أو أذنبنا .. لابد من العود .. ارجع والله عز وجل كريم يقبل توبة العبد إذا تاب , قال الملك جل جلاله "
    وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا" ( النساء : 110 ) .. فعد الى الله واتجه الى الله , وقف على طريق السير الى الله .
    فبعصا التحويلة غير اتجاهك , وحول قلبك الى الصراط المستقيم .. عدل طريقك , وانظم سيرك , ووجه قلبك تجد الله غفورا رحيما .. املك عصا التحويلة تسلك طريق الوصول الى الله .

    الشيخ محمد حسين يعقوب
    التعديل الأخير تم بواسطة *أمة الرحيم*; الساعة 07-01-2016, 08:20 PM. سبب آخر: وضع الآيات بالتشكيل

    تعليق


    • #17
      رد: اروع سلاسل الشيخ محمد حسين يعقوب سلسلة أصول الوصول إلى الله

      بارك الله في عمرك الله يعطيك العافية

      تعليق


      • #18
        رد: اروع سلاسل الشيخ محمد حسين يعقوب سلسلة أصول الوصول إلى الله

        تعليق


        • #19
          رد: اروع سلاسل الشيخ محمد حسين يعقوب سلسلة أصول الوصول إلى الله

          الأصل السادس : يومك يومك


          أيها الاخوة , الله – جل جلاله – حين خلق العبد ما خلقه الا ليعبده , قال – تعالى – " وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون " ( الذاريات : 56 ) ثم أجرى الله اللطيف الرحيم تكاليفه على العبد فكلفه ما يطيق .
          قال الملك : "
          وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ " ( البقرة : 220 ) يعنى : ولو شاء الله لأوقعكم فى العنت والمشقة والتعب , ولكن الله يقول : " يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ " ( البقرة : 185 ) ويقول – سبحانه وتعالى - : " يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا " ( النساء : 28 ) .
          فمن رحمة الله ولطفه بالعبد فى التكاليف أنه كلفك كل يوم على قدر يومك , لكى لا يعنتك , ولذا فإن من ظلم العبد لنفسه أن يحمل هم غد .. من رحمته – سبحانه – أن جعل التكاليف يوما بيوم .. فلو صليت العشاء لا يطالبك الله بشىء أو فرض حتى أذان الفجر , فكل وقت له واجب , والله لا يطالبك الا بواجب الوقت .. لا يطالبك – سبحانه – بواجب الغد .. أما اليوم فنعم .
          إنك لو مت الآن قبل صلاة العشاء لن يسألك الله عن العشاء .. لو مت قبل أن يمر العام ويحول الحول , لن تسأل عن زكاة هذه السنة .. لو عشت عمرك ولم يبلغ مالك النصاب لا يسألك الله عن الزكاة .. وهذا كله من رحمة الله .. فمن ظلم العبد لنفسه حمل هم غد .
          تجد الرجل اليوم جالسا يفكر : آخر الشهر من أين سنأتى بالنقود .. يا أخى أين أنت وأين آخر الشهر ؟! .. تجده يتكلم ويقول : الأولاد عندما يكبرون أين سيعيشون ؟ .. يا أخى عندما يكبرون فلهم رب يتكفل بهم أحن عليهم منك .. وهكذا يحمل الهمّ فينشغل به .
          تجد الأب فى زماننا – للاسف الشديد – مشغولا بشراء قطعة أرض ليبنى بيتا للاولاد .. مشغولا بسعادتهم الدنيوية وراحتهم البدنية , فينسى فى خضم المشاكل والظروف أن يعرفهم طريق الله .
          سبحان الله العظيم !! .. عمر بن عبد العزيز كان له أحد عشر ولدا ذكرا , غير الاناث , فلما جاءه الموت قال له كاتبه رجاء بن حيوة : لو أوصيت بهم أحدا .. أوص عليهم أحدا ينفق عليهم .. قال له ذلك , لأن عمر بن عبد العزيز لم يترك وهو يموت الا عشرة دراهم .. أحد عشر ولدا ورثهم أحد عشر درهما . قال له عمر بن عبد العزيز : والله لست أوصى بهم أحدا الا الله , ان يكونوا صالحين فالله يتولى الصالحين , ثم جمعهم فقال : إنى أموت ولم أترك لكم شيئا , غير أنكم ما مررتم بأحد من المسلمين إلا وهو يعلم أن لكم عليه حقا .
          وهذه الكلمة الاخيرة كلمة جميلة .. أنك حين تترك أولادك ويكون لك ذكرى طيبة عند الناس , تجدهم كلما مر عليهم الأولاد يقولون : اللهم ارحم أباكم , لقد كان رجلا صالحا .. وهذه تكفى .
          نعم , هذا هو الوالد الحقيقى الذى عرف الطريق الى الله فعرفه لأبنائه , لا ذالكم الأب الذى ضيع أيامه وانشغل بالدنيا .. وتعجب حين تعلم أن هذا الأب كلما انشغل بالأولاد ليرضيهم لا يرضون فتزداد المشاكل والهموم , ولو أنه شغل نفسه وعياله بالله لحلت المشاكل .
          إننا اليوم ونحن ننظر فى واقع المسلمين , لا نجد أحدا يعيش يومه فالكل ينظر للمستقبل وناس أنه يمكن ألا يكمل يومه .. قال ابن عمر : " إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح " . لقد تعجبت لبعض الافكار والاخلاقيات التى وصلت الى القرى !! وكيف لا أدهش ونحن دائما نعد هؤلاء الفلاحين أصولنا ..هؤلاء أولاد الأصول .. هؤلاء هم الناس الذين يفهمون فى الأصول , ألا لعنة الله على الظالمين الذين لوثوا صفاء الريف الروحى .
          أفسد التلفاز أخلاقياتهم , فتجد الرجل يرسل ابنته لتتعلم وقد تسافر وحدها وترجع بالليل فتقول له : لماذا تعلم البنت ؟ فهى فى النهاية ستتزوج وتجلس فى البيت , يقول لك : حتى يكون فى يديها " سلاح " وتقول له : وإذا طلقت بسبب السلاح أو لم تتزوج فما الحل ؟ ! وهل كان مع أمها سلاح ؟ هل كان معها " بكالوريا " ؟! وأمك أنت ماذا كان معها ؟! ماذا كان سلاحهم ؟!! ان السلاح هو رضا الله .
          نعـــم : فهؤلاء الناس ينظرون الى المستقبل ولا يعيشون واقعهم , لا يعيشون يومهم .. وانظر حولك لترى الناس كيف يعيشون , وكيف تعلقت قلوبهم بالغد .
          ولهذا , فلكى تصل الى رضا الله عش يوما بيوم , فاجعل كل يوم هدفا تصل به الى أعلى درجة فى الجنة .. ابدأ يوما جديدا من صلاة الفجر , وضع فى حسبانك أنه آخر يوم فى عمرك , ولذا تسأل نفسك ماذا سأفعل ؟ .. أول شىء : أتوب – اللهم تب علينا يا رب .
          إخوتاه , هل فيكم أحد يود أن يتوب اليوم ؟ إذا قال : نعم تبت , قلت : من ماذا ؟ قال : من كل شىء , قلت : لست صادقا .. إن الذى يقول : تبت من كل شىء يريد أن يخادع الله .. أخىّ , قل لى , حدد لى من أى ذنب تبت ؟ من النظر للنساء , من الكذب , من السجائر , أم من النوم عن صلاة الفجر , أم من النفاق .. تبت من ماذا ؟ من أكل الحرام , أم من حلق اللحية .. من أى شىء تبت ؟!
          سأعطيك فرصة أخرى الآن – وسمها اختبارا إن شئت - : استحضر فى ذهنك الآن ذنبا , ذنبا ثقيلا وتب منه الآن .. اذا هيا نتوب .. الآن الآن .. اللهم تب علينا يا رب .. اللهم تقبل توبتنا , واغسل حوبتنا , وأجب دعوتنا .
          نعم – أيها الاخوة – تبدأ اليوم فتقول : اليوم سأتوب من النظر الى النساء .. وعد يا رب .. وعهد بينى وبينك , اليوم لن أنظر وليكن ما يكون , اليوم تحد .. اليوم سأحفظ ربعا , اليوم سأقرأ ثلاثة أجزاء , اليوم سأصوم , اليوم سأتصدق بخمسة جنيهات , .. وهكذا كل يوم تسأل نفسك : ماذا سأعمل اليوم ؟ فيكون لك خطة عمل واضحة , فتنجز كل يوم شيئا جديدا , فيصبح لحياتك معنى .
          يقول ابن القيم : " العبد من حين استقرت قدمه فى هذه الدار فهو مسافر فيها الى ربه , ومدة سفره هى عمره الذى كتب له . فالعمر هو مدة سفر الانسان فى هذه الدار الى ربه – تعالى – ثم قد جعلت الايام والليالى مراحل لسفره , فكل يوم وليلة من المراحل فلا يزال يطويها مرحلة بعد مرحلة حتى ينتهى السفر . فالكيّس الفطن هو الذى يجعل كل مرحلة نصب عينيه , فيهتم بقطعها سالما غانما , فإذا قطعها جعل الاخرى نصب عينيه ولا يطول عليه الامد فيقسو قلبه ويمتد أمله ويحضره بالتسويف والوعد والـتأخير والمطل , بل يعد عمره تلك المرحلة الواحدة فيجتهد فى قطعها بخير ما بحضرته , فإنه إذا تيقن قصرها وسرعة انقضائها هان عليه العمل وطوعت له نفسه الانقياد الى التزود , فإذا استقبل المرحلة الاخرى من عمره استقبلها كذلك , فلا يزال هذا دأبه حتى يطوى مراحل عمره كلها فيحمد سعيه ويبتهج بما أعده ليوم فاقته وحاجته , فإذا طلع صبح الاخرة وانقشع ظلام الدنيا , فحينئذ يحمد سراه وينجلى عنه كراه , فما أحسن ما يستقبل يومه وقد لاح صباحه واستبان فلاحه " .
          إذا نريد أن نجعل كل يوم وحدة مستقلة نعيشها ونخطط لها فى حينها , أما " غدا " فلا علاقة لنا به , فحينما يأتى سنفكر له فى حينه , وأما " أمس " فقد انقضى وانتهى فلا علاقة لنا به أيضا , نحن الآن فى " اليوم " ماذا سنصنع به , هل سنضيعه بالتفكير فى " أمس " و " غد " , أم أننا سنجعل حياتنا وحدة مستقلة نعيشها يوما بيوم لنريح ونستريح ؟ .
          أخى فى الله , فاتتك صلاة بالأمس , فاعزم اليوم على الا تضيع فرضا فى جماعة .. بالأمس لم يكن فى القراءة خشوع ولا فهم ولا تركيز , وكانت دماغك مشغولة , فتوكل اليوم على الله , وارم حمولك عليه لتصل اليه , وعش يومك الذى أنت فيه

          .


          ابن يومك وارفع بناءه بأداء ما يرضى الله , ويقرب اليه , بحيث أنك لو مت فى هذا اليوم دخلت الجنة – اللهم ارزقنا الجنة يا رب .
          ويقول ابن القيم أيضا : " السنة شجرة , والشهور فروعها , والايام أغصانها , والساعات أوراقها , والانفاس ثمرها , فمن كانت أنفاسه فى طاعة فثمرة شجرته طيبة , ومن كانت فى معصية فثمرته حنظل , وإنما يكون الجداد يوم المعاد , فعند ذلك يتبين حلو الثمار من مرها " اهـ .
          البنات اللواتى كنّ يتزين فى " الكوافير " فى دمياط وانهدم عليهن البيت متنّ .. أربع عرائس والبنات اللاتى معهن متنّ جميعا .. ولو كانت تلك البنت العروس تظن أنها ستموت لما دخلت , ولما ذهبت , ولعملت بطاعة الله فى آخر يوم تفارق فيه الحياة استعدادا للقاء الله .. وهكذا يومك , لابد أن تملأه بطاعة الله معتقدا أنه اليوم الاخير لك على الدنيا , والا فسيأتيك الموت كما اتى العرائس , فتموت ولم تصل الى الله .






          أخى فى الله , حبيبى فى الله ,
          أوصيك بوصية الامام الموفق ابن قدامة رحمه الله إذ يقول :
          " فاغتنم – يرحمك الله – حياتك النفيسة , واحتفظ بأوقاتك العزيزة , واعلم أن مدة حياتك محدودة , وأنفاسك معدودة , فكل نفس ينقص به جزء منك . والعمر كله قصير , والباقى منه هو اليسير , وكل جزء منه جوهرة نفيسة لا عدل لها ولا خلف منها , فإن بهذه الحياة اليسيرة خلود الأبد فى النعيم أو العذاب الاليم , وإذا عادلت هذه الحياة بخلود الأبد , علمت أن كل نفس يعادل أكثر من ألف ألف عام فى نعيم , وما كان هكذا فلا قيمة له , فلا تضيع جواهر عمرك النفيسة بغير طاعة أو قربة تتقرب بها , فإنك لوكان معك جوهرة من جواهر الدنيا لساءك ذهابها , فكيف تفرط فى ساعاتك , وكيف لا تحزن على عمرك الذاهب بغير عوض ؟! " اهـ .
          وعن عمر بن ذر أنه كان يقول : " اعملوا لانفسكم – رحمكم الله – فهذا الليل وسواده , فإن المغبون من غبن خير الليل والنهار , والمحروم من حرم خيرهما , إنما جعل سبيلا للمؤمنين الى طاعة ربهم , ووبالا للاخرين للغفلة عن أنفسهم , فأحيوا لله أنفسكم بذكره , فإنما تحيا القلوب بذكر الله عز وجل . كم من قائم لله – جل وعلا – فى هذا الليل قد اغتبط بقيامه فى ظلمة حفرته , وكم من نائم فى هذا الليل قد ندم على طول نومته عندما يرى من كرامة الله للعابدين غدا , فاغتنموا ممر الساعات والليالى والايام – رحمكم الله - , وراقبوا الله – جل وعلا – فى كل لحظة , وداوموا شكره " اهـ .
          فلذلك أطالبك – أخى فى الله – لكى تصل الى رضوان الله جل جلاله بأمر مهم : هو ان تحصل لك عزلة شعورية تماما عن المستقبل وما يجرى فيه , لأنك لا تعلم الغيب , قال ربنا – جل جلاله - :
          "
          وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا " ( لقمان : 34 ) , ولا تخف من المستقبل فالله معك يعينك , وهو – سبحانه – لا يضيع عباده الصالحين " إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ"
          ( الاعراف : 196 ) , فدع عنك هم غد لغد , فرزق غد عند ربك , ولربما جاء " غد " فلم يجدك .. الهم ارزقنا حسن الخاتمة .
          فالزم يومك الذى أنت فيه , وابذل قصارى جهدك فى أن تجعل من هذا اليوم مطية للوصول الى الله – تعالى - , فقد يكون آخر يوم لك فى هذه الحياة .. فيومك يومك يا طالب الوصول .




          يقول ابن القيم رحمه الله : " هلمّ الى الدخول على الله ومجاورته فى دار السلام بلا نصب ولا تعب ولا عناء , بل من أقرب الطرق وأسهلها , وذلك أنك فى وقت من بين وقتين وهو فى الحقيقة عمرك , وهو وقتك الحاضر بين ما مضى وما يستقبل , فالذى مضة تصلحه بالتوبة والندم والاستغفار , وذلك شىء لا تعب عليك فيه ولا نصب ولا معاناة عمل شاق , وإنما هو عمل القلب , وتمتنع فيما فيما يستقبل من الذنوب , وامتناعك ترك وراحة , ليس هو عملا بالجوارح يشق عليك معاناته , وإنما هو عزم ونية جازمة تريح بدنك وقلبك وسرك , فما مضى تصلحه بالتوبة , وما يستقبل تصلحه بالامتناع والعزم والنية , وليس للجوارح فى هذين نصب ولا تعب , ولكن الشأن فى عمرك , وهو وقتك الذى بين الوقتين , فإن أضعته أضعت سعادتك ونجاتك , وإن حفظته مع إصلاح الوقتين الذى قبله وبعده بما ذكرت , نجوت وفزت بالراحة واللذة والنعيم " .
          هذه خلاصة الكلام أيها السائر : يومك يومك .

          الشيخ محمد حسين يعقوب



          التعديل الأخير تم بواسطة *أمة الرحيم*; الساعة 07-01-2016, 08:24 PM.

          تعليق


          • #20
            رد: اروع سلاسل الشيخ محمد حسين يعقوب سلسلة أصول الوصول إلى الله

            الأصل السابع : وليسعك بيتك

            قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن سأل عن النجاة : " أمسك عليك لسانك , وليسعك بيتك , وابك على خطيئتك " [صححه الألبانى] : قال عبدالله بن عباس رضى الله عنهما : " أخسر الناس صفقة من انشغل بالناس عن نفسه , وأخسر منه صفقة من انشغل بنفسه عن الله " .
            وقال بعض السلف : " علامة إعراض الله عن العبد انشغاله بما لا يعنيه " وقال بعض السلف أيضا " علامة الافلا س كثرة الحديث عن الناس " .
            وقال ابن الجوزى : " إذا رأيت نفسك تأنس بالخلق وتستوحش من الخلوة فاعلم أنك لا تصلح لله"
            وقال ابن قدامة : " إذا رأيت الناس يعجبون بك , فاعلم أنهم إنما يعجبون بستر الله عليك , فلا تذب عن الناس الذباب وحجرك مملوء بالعقارب " .
            مصيبة عصرنا الانشغال بالناس , ومن الانشغال بغير الله الانشغال بوسائل الاعلام والجرائد والمجلات والتلفاز ..
            أن أدخلت التلفاز بيتك لمتابعة نشرة الاخبار لتعرف أحداث العالم , وتشاهد بعض القنوات المفيدة , .. اعلم يا أخى , أن الجلوس اليوم أمام نشرات الاخبار بغير ضوابط فتنة .. نعم : فتنة , لأنك قد تنشغل بالعالم عن نفسك .
            إخوتاه , إن ما تشاهدونه فى نشرات الاخبار من أحداث فلسطين – اللهم اكشف عنهم الكربة , اللهم انتقم من اليهود وعجل بزوالهم – وكل ما حصل , لا يساوى عشر معشار واحد على مئة ألف بالنسبة لما حدث فى أماكن أخرى , لكن الاماكن الاخرى أعموها عنكم وعتموا عليها , وهذه فتحوها لكم تشاهدونها .. لماذا ؟ .. ما السر ؟! .. إن النيران التى يؤججونها داخل النفوس لها علة , فتيقظ حتى لا تقع فى الشرك .
            إننا – إخوتاه – فى زمن تصغير الكبراء وتصغير المسائل الكبيرة , ولذلك فإن القضية التى تقلقكم دائما , قضية فلسطين .. هذه قضية كبيرة جدا صغروها فى فلسطين , ثم قاموا بتصغيرها أكثر فى القدس .. والقضية أكبر من ذلك , فلو أن اسرائيل أعطت الفلسطينيين دولة مستقلة ذات سيادة وحدود وكفت عن قتل المسلمين .. فهل عندها تنتهى القضية ؟ لا .. عندهم انتهت ولكنها عندنا لم تنته ولن تنتهى .. القضية قضية اليهود وليست فلسطين – اللهم انتقم من اليهود . هذا مثال للاعلام فى العالم , فما الفائدة من تضييع طاقات الشباب أمام هذه الشاشات ؟!
            إن الذين يجلسون اليوم امام التلفاز ويودون أن ينقذوا فلسطين تراهم أكثر الناس ركودا , فترى الواحد منهم ينشغل بسماع الاخبار أكثر من الامساك بالمصحف .. يظل يتكلم فى الاخبار وتنقلها أكثر من ذكر والدعاء .. إذا فالتفرج والانشغال بهذه الترهات لا ينقذ المسلمين .. لابد أن تفهم الوضع .. نريد أن نوقف التفرج والانشغال بالناس , لأنه موقف الضعيف الذليل المتخاذل , ولننشغل بأنفسنا أولا قبل كل شىء , فبصلاح النفس تنصلح الامة ويكون النصر .
            ولذلك يقول العلماء عن هذه القضية : الفتنة دوارة , ويسمون ما يجرى الآن " دوامات الفتن "
            الدوامة هل رأيتها ؟.. الفتنة مثلها دوارة , فمن الممكن وفى دوران الفتنة أن تطالنا .. فوارد جدا أن تجد الاعداء غدا أمام بيتك , فيا ترى – ساعتها – هل ستثبت أم ستبيع دينك ؟! وزوجتك ستثبت أم تبيعك ؟! وأولادك هل سيثبتون على الدين أم أنهم سيتيهون ويتعلمنون ويتشردون ؟!! ..
            تدبر ما أقول لك وقف مع نفسك وقفة رجل يريد لها النجاة .. انشغل بنفسك وأهل بيتك , قال الله – تعالى - : "
            يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا " ( التحريم : 6 ) .
            نعـــم : إن انشغالك بنفسك هو الاصل , قال الله : "
            فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ "
            ( النساء : 84 ) , وقال – تعالى - : "
            وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ " ( الانعام : 164 ) ..
            فالأصل فى الاسلام : انج بنفسك أولا .
            أيها الاخ الكريم , سؤال واضح ومحدد وصريح ويحتاج الى إجابة قاطعة : كيف حالك مع الله ؟ ..
            اسألك فى التو واللحظة : الآن , هل الله راض عنك ؟ أجب ولا تكن مغرورا .. لو مت اليوم فى لحظتك هذه , هل ستكون من النبى محمج صلى الله عليه وسلم فى الجنة ؟! .. هذه هى القضية التى أقصدها .. أن تجعل نفسك قضيتك , ورضا ربك عنك هو موضوعك .
            نعم يا شباب : كلنا مشغولون , ولكن 99 % من الشغل بالاخرين , 99 % من الشغل بأنفسنا ليس بالله .. حتى الجزء اليسير الذى ننشغل فيه بأنفسنا لنصلحها لا يكون لله – ولا حول ولا قوة الا بالله - , فاللهم اروقنا الاخلاص واجعلنا من أهله , لذلك لا تغتر بعبادات تؤديها , وقربات تقوم بها , وطاعات تقدمها , وعبادات تغتر بصورها وهى فى الحقيقة من الفتنة .
            أيها الاخوة فى الله , أحبتى فى الله , تأملوا معى هذه القصة : خرج رجل من الصوفية الى الخلاء يعبد الله , فوجد فى الصحراء على الارض غرابا أعمى مكسور الجناح , فوقف يتأمل : سبحان الله ! غراب أعمى مكسور الجناح وفى صحراء ! من أين يأكل ويشرب وكيف يعيش ؟! فبينما هو ينظر إذ جاء غراب آخر فوقف ففتح الغراب الاعمى فمه , فأطعمه الغراب الاخر فى فمه وسقاه حتى شبع تعجب الرجل وقال : سبحان الله ! .. والله لقد أرانى الله آية .. أبعد هذا أسعى من أجل الرزق .. وأوى الى كهف فأقام فيه , فسمع به عالم فسأل عن مكانه , فقالوا : أوى الى كهف يتعبد , فمضى اليه وقال له : ما الذى حملك على ما صنعت ؟ فحكى له قصة الغراب , فقال له : سبحان الله ! ولم رضيت أن تكون الاعمى ؟!! .
            سبحان الله العظيم , كم فى هذه القصة من فوائد ! .. منها : تصديق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " نضر الله امرءا سمع مقالتى فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع " [صححه الألبانى]
            فالله أرى الآية للرجل الاول , وأما الثانى فسمع بها فقط ولكنه انتفع بها أكثر من الاول , فكان أفضل من الاول , فلم لا تكون الافضل ؟! ..
            لماذا ترضى أن تكون الاعمى ؟! , لم لا تكون أنت المبصر وتطعم العمى ؟! , لم ترضى الدنية ؟! لم تؤثر النوم والكسل ؟! .. هذا هو الواقه الآن فى الامة , فشبابها اليوم يفضلون العمى , يريدون ان يناموا وغيرهم يعملوا لهم ينتظرون من يحمل عنهم همومهم , ويحلوا لهم مشاكلهم .
            نعم – إخوتاه - : كثير منا يطالب دائما بحقوقه ولا يلتفت الى واجباته .. فقبل أن تطالب بحقك أد ما عليك من واجب , ولاشك أن أول الواجبات علينا أنفسنا .. وللاسف الشديد تجلس مع بعض الاخوة فتجد أحدهم يقول : أنا خائف على الاخ فلان , لأنه ظل أياما لم يصل الفجر .. أقول له : خف أنت على نفسك .
            نعـــم : لا مانع من أن نخاف على إخواننا , ولكن لا ينبغى أن ننشغل بعيوبهم , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يرى أحدكم القذاة فى عين أخيه , ولا يرى الجذع فى عين نفسه " . [موقوف على أبى هريرة]
            فإذا كنت يا هذا صادقا فى كلمتك " أخاف على فلان " فاذهب اليه سرا , وابحث عنه لعله متورط فى مشكلة , لعل له عذرا , اذهب اليه وساعده على القيام للصلاة , والا فاكفه شرك , ولا تعن الشيطان عليه , وانشغل بنفسك فهذا أولى بك .
            الزم نفسك والزمها طاعة الله .. احمل هم نفسك , فهذا أصل من الاصول المهمة .. وليسعك بيتك .. انشغل بإصلاح قلبك , وأمر صلاتك , وذكرك لله , وحفظك للقرآن , وتعلمك للعلم , ودعوتك الى الله , وتربية أولادك وأهل بيتك على الكتاب والسنة .. وليسعك بيتك .

            الشيح محمد حسين يعقوب
            التعديل الأخير تم بواسطة *أمة الرحيم*; الساعة 07-01-2016, 08:27 PM.

            تعليق


            • #21
              رد: اروع سلاسل الشيخ محمد حسين يعقوب سلسلة أصول الوصول إلى الله

              جزاكم الله خيرًا ، ونفع الله بكم

              تعليق


              • #22
                رد: اروع سلاسل الشيخ محمد حسين يعقوب سلسلة أصول الوصول إلى الله

                تعليق


                • #23
                  رد: اروع سلاسل الشيخ محمد حسين يعقوب سلسلة أصول الوصول إلى الله

                  الأصل الثامن : الصادق حبيب الله


                  أريد أن أسألك سؤالا , وأجبنى بصراحة : بالله عليك , هل تريد أن تدخل الجنة أم تود أن يكون معك اليوم مليونا من الجنيهات ؟!:
                  لا تجب الان لأنك ستكذب , ربما تقول : الاثنين , نجمع بين الخيرين .. أعطنى المليون وأدخلنى الجنة أيضا , أقول : لا .. لا يكون , فالقضية إما دنيا وإما آخرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الاخرة قد تولت مقبلة , وإن الدنيا قد تولت مدبرة , ولكل منهما بنون , فكونوا أبناء الاخرة ولا تكونوا أبناء الدنيا " .
                  من انشغل بدنياه أضر بآخرته ومن انشغل بآخرته أضر بدنياه ولابد .
                  شعبة بن الحجاج أمير المؤمنين فى الحديث قال " لازمت الحديث فأفلست , ولزم أخى فلان دكانه فأنجح وأفلح " قال " فلان " ظل يتاجر حتى أصبح صاحب ملايين , أما أنا فطلبت العلم وليس عندى الآن أى شىء ..
                  ولذلك قال الامام الشافعى " لا يصلح لطلب هذا العلم الا رجل ضربه الفقر . قالوا : ولا الغنى المكفّى ؟ قال : لا .. يعنى : حتى من كان عنده مال يكفيه لا يصلح لطلب العلم ..
                  ولأجل ذلك أقول بدون مبالغة : كلكم غير صالحين لطلب العلم , لأننا – يا شباب – أصحاب دنيا . فلنكن صادقين وواضحين وصرحاء .. فلو كنا نطلب الله لرضينا بالكفاف .بقى بن مخلد .. ذلكم العالم تلميذ الامام أحمد , لما اشتكى إليه الطلبة الفقر , قال : والله لقد جاء علىّ يوم بعت فيه سروالى لاشترى الكاغد – الورق - , وقال : ولقد كانت تمضى علىّ أيام لا أذوق فيها طعاما , فانتقل بين المزابل آكل ورق الكرنب الذى يلقيه الناس ..
                  نعم : هذا هو طالب العلم .. وهذه هى الاخرة .. وهؤلاء هم الصادقون .
                  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " طوبى لمن هدى الاسلام , ورزق كفافا , وقنعه الله بما آتاه" [صححه الألبانى]
                  وقال صلى الله عليه وسلم " اللهم اجعل طعام آل محمد قوتا "[البخارى] وكان صلى الله عليه وسلم لا يدخر لغد .أخوتاه , ما المقصود بالصدق ؟ .. لأن الناس اليوم قد صغروا قضية الصدق جدا , فعندما يأتى أحد ليتكلم فى الصدق تنصرف الاذهان الى قول الحق وصدق اللسان فقط , والصدق معنى لأكبر من ذلك بكثير ..
                  نعم : فنحن فى زمن تصغير الكبير .. تصغير الكبائر والقضايا الكبيرة وتكبير الاصاغر والمسائل الصغيرة .. والصدق أكبر مما تظنون .الصدق – إخوتاه – هو الاسلام , قال – سبحانه وتعالى – "
                  وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ "( الزمر : 33 ) , وقال ربنا " لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا " ( البقرة : 177 ) . فبعد أن ذكر الله أركان الايمان أركان الاسلام , قال : " أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا " .. إذا فالصدق هو الدين كله .. والتقوى أيضا تشمل الدين كله , فكل طاعة تقوى .

                  لكن أعز أنواع الصدق : صدق العزم , قال – تعالى – "
                  طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ ۚ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ " ( محمد : 21 ).. هذه الاية مبهرة .. اقرأها ثانية .. هل فهمتها ؟ ..أسألك : لديك رغبة فى دخول الجنة ؟ .. لديك استعداد لقيام الليلة من أولها لاخرها , وتصبح صائما , وتتصدق بنصف ما تملك من مال ؟ , تقول : نعم , ان شاء الله .. وهذا ما يقوله الله فى الاية .. " طاعة وقول معروف " .. فترى هذا الشخص يسمع الكلام فيتكلم كلاما جميلا , فإذا عزم الامر .... أتدرى ما معنى هذه النقاط ؟! , أى إذا عزم الامر لم تجد أحدا , " فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ " .يقول ربك : " وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ ۖ قُل لَّا تُقْسِمُوا ۖ طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ " ( النور : 53 ) .

                  عندى كراسة اسمها " آيات فاضحة " ..
                  أجمع فيها الايات التى تفضح البواطن وتظهر الحقائق وتجلو الخفايا السيئة والرديئة , ايات تحس حين تقرؤها أنها تتكلم عنك أنت وتوجه أصابع الاتهام إليك وهذه الاية منها , اية فاضحة فعلا , فوقت الكلام تجدهم , لكن وقت الجد والتنفيذ ما تجد أحدا على الاطلاق – اللهم استرنا ولا تفضحنا , اللهم عافنا ولا تبتلنا , اللهم تب علينا يا رب العالمين , اللهم إنا نسألك أن ترزقنا الصدق والاخلاص , اللهم ارزقنا صدق العزم معك يا الله .. آمين .إخوتاه , اصدقوا فى عزمكم مع الله , وكونوا على استعداد للوفاء بهذا العزم , فإن النفس قد تسخو بالعزم فى الحال , إذ لا مشقة فى الوعد والعزم , فإذا حقت الحقائق , وهاجت الشهوات , انحلت العزيمة ولم يتحقق الوفاء بالعزم . قال – سبحانه وتعالى – "
                  مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا " ( الاحزاب : 23 )

                  عن أنس بن مالك رضى الله عنه : "
                  عمى أنس بن النضر – سميت به – لم يشهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم – فكبر عليه – فقال : أول مشهد قد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه !! , أما والله , لئن أرانى الله مشهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرين الله ما أصنع , قال : فهاب أن يقول غيرها , فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد من العام المقبل , فاستقبل سعد بن معاذ , فقال : يا أبا عمرو , إلى أين ؟ - تنبيها على خطئه فى الانهزام والفرار - , ثم قال أنس : واها لريح الجنة !! أجدها دون أحد . فقاتل حتى قتل , فوجد فى جسده بضع وثمانون , من بين ضربة وطعنة ورمية . قالت عمتى الربيع بنت النضر : فما عرفت أخى الا ببنانه . ونزلت هذه الاية : "
                  رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا " ( الاحزاب : 23 ) [متفق عليه] .. لله دره من صادق ربانى !! .. يجد حلاوة العمل قبل الشروع فيه , يجد ريح الجنة قبل أن يقاتل ! .. وما ذاك الا لصدقه فى الوفاء بالعزم .

                  أيها الاخوة الاحباب , من الشواهد القوية على الصدق فى قصة أصحاب الاخدود : أن الولد حينما تعلم من الراهب التوحيد وتعلم من الساحر الكفر , كان فى داخل قلبه إرادة صادقة فى معرفة الحق لديه ميول فطرية للراهب لكنه يريد ان يككون لديه يقين ان ما هو عليه هو الصواب ..قال : حين رأى دابة تقطع طريق الناس اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك فاقتل الدابة ودع الناس يمشون .. فلما كان صادقا فى طلب الحق أراه الله آية .. وهذه نقطة مهمة جدا , أنه صدق فعرفه الله الحق فعرفه وسار عليه وثبت , فشق شيخه أمامه نصفين وشق صديقه أمامه نصفين , وصعد به الى الجبل وأدخل الى البحر وهو فى منتهى الثبات . وعلامة الصدق أنه دل الملك كيف يقتله !! قال الغلام للملك : لست بقاتلى حتى تفعل ما آمرك به , خذ سهما من كنانتى وضعه فى كبد قوسك ثم قل : بسم الله رب الغلام , حينذاك تقتلنى .. إذا فالغلام هو الذى دل الملك كيف يقتله .. ولم ضحى بنفسه فى سبيل القتل ؟! , حتى يسمع الناس كلمة : بسم الله .. حتى يعرف الناس أن لهم معبودا اسمه الله .. هذا هو الصدق .شاهد ثان فى الصدق من نفس القصة .. الراهب لما جاءه الغلام وقال له : كانت دابة تعترض طريق الناس فرميتها فقتلتها , قال له الراهب : أى بنى , أنت اليوم أفضل منى .. صدق .. فلم يخف تلك الافضلية . حتى الساحر كان صادقا مع نفسه .. تعلمون أن الساحر كذاب كبير , ولكنه كان صادقا مع نفسه , حيث قال للملك : إنى كبرت , فأبلغنى غلاما أعلمه السحر يكن لك من بعدى .. الساحر يقول : أنا سأموت .. لم يداهن نفسه – وإن كان يداهن الناس .إذا فالغلام صدق فعرف , والراهب صدق فلم يخف , والساحر صدق فلم يداهن نفسه .

                  وإن كنت تعجب من قولنا : صدق الساحر مع نفسه , فالعجب أكثر لمن لم يصلوا حتى إلى تلك الدرجة " الصدق مع النفس " .. هؤلاء الذين يداهنون حتى على الواقع .. إن بعضنا – وللاسف الشديد – يكذب الكذبة فتكبر فيصدقها .. يلتزم بالكذب فتكبر الكذبة , وينسى أنه هو الذى كذبها فى الاصل , فيعيش كذبة " شيخ " أو " ملتزم " .. تماما كالذى فى يده بعرة يتأفف منها , ولكن الناس ظنوها تمرة , فقالوا : تمرة .. تمرة لذيذة فى يده .. فأكلها !!! .. نعم : أكلها لمهانة نفسه .

                  قال محمد بن كعب :
                  إنما يكذب الكاذب من مهانة نفسه عليه .قال بعضهم : لا يشم رائحة الصدق داهن نفسه أو غيره .
                  أيضا من القصص الطريفة , أنه كان هناك رجل أمى لا يعرف القراءة ولا الكتابة ومعه خطاب , فكان يمشى فى الشارع فأعطى الخطاب لرجل يقرؤه له , لكن هذا الرجل كان ضعيف النظر , فحاول أن يقرأ فلم يستطع , فأخرج نظارته وقرأه له وقعد يفهمه الموضوع .. فقال الامى فى نفسه متعجبا : النظارة فعلت كل هذا !! .. وقال للرجل : ما هذه النظارة العجيبة ؟! قال له : هذه نظارة قراءة , فذهب واشترى نظارة قراءة ولبسها وأخذ ينظر بها ولا يستطيع القراءة !! .. ونسى أن القضية ليست فى النظارة .. القضية فى الدماغ التى وراء النظارة .. فهمت ما أقصد ؟! .فبعض الناس يعتقد أنه طالما أطال لحيته , وقرأ كتابين , واستمع لبعض الشرائط , وحضر بعض الدروس قد أصبح " الامام " .. لا يا بنىّ , القضية فى القلب الذى وراء النظارة .. فى القلب الذى وراء المظهر .. نعم – إخوتاه - : لابد أن يوافق المظهر المخبر , والا كنا كذابين غشاشين مخادعين لأنفسنا قبل الناس .

                  قال عبد الواحد بن زيد :
                  كان الحسن البصرى إذا أمر بشىء كان من أعمل الناس به , وإذا نهى عن شىء كان من أترك الناس له , ولم أر أحدا قط أشبه سريرة بعلانية منه .وكان أبو عبدالرحمن الزاهد يقول : إلهى , عاملت الناس فيما بينى وبينهم بالأمانة , وعاملتك فيما بينى وبينك بالخيانة , ويبكى .
                  وقال أبو يعقوب النهرجورى :
                  الصدق موافقة الحق فى السر والعلانية .

                  إخوتاه , اصدقوا فى أعمالكم مع الله , " فمخالفة الظاهر للباطن عن قصد هى الرياء , وإن كانت عن غير قصد يفوت بها الصدق , فقد يمشى الرجل على هيئة السكون والوقار وليس باطنه موصوفا بذلك الوقار , فهذا غير صادق فى عمله , وإن لم يكن مرائيا " .

                  سؤال :
                  هل تحب أن ينصر الله الاسلام ؟ .. أرأيت أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم كل أمة محمد صلى الله عليه وسلم مثلك .. لو أن الامة كلها الصغار والكبار مثلك بالضبط .. بذنوبك وعيوبك وإيمانك وأعمالك .. تنصر الامة ؟! .. الامة تنصر بالخلص .. اللهم اجعلنا من المخلصين.هل تصلح أنت للنصر ؟! .. لايمكن , وإلا فلو قلت : نعم , فأنت مغرور جدا .. إذا أقول لك : إن قولك : إنك تحب أن ينصر الله الإسلام كذب .. أول نصر الدين أن تصلح نفسك .. من هنا البداية .

                  ولذا , فحينما أقول لك :
                  هل تصلح أن تكون مجددا للاسلام ؟ , فلا تقل : الله المستعان وتنصرف .. لا .. فكلمة " الله المستعان " هذه تحتاج إلى شغل , تحتاج إلى علم وعبادة , تحتاج إلى صلة بالله , تحتاج إلى جهد ليل نهار .. فإن كنت صادقا مع الله فتعال إلى هنا واحفر لنفسك خندقا .. احفر بنفسك .. احفر واتعب , فامر الدين يحتاج إلى شغل وسهر وجهاد , فاصدق ولا تكن كذابا .الامام النووى لما جاءه الموت قالوا له : لم لم تتزوج ؟ , قال : لو تذكرت لفعلت .. نسيت .. والامام ابن تيميّة أيضا مات ولم يتزوج .. أيضا نسى .. سبحان الله العظيم ! نسوا الزواج , تلكم القضية التى تكاد تطيش بعقول الشباب اليوم .. والملتزم منهم على الخصوص .

                  نعـــم : فمن يوم أن يلتزم الشاب لا تجد شيئا فى رأسه يفكر فيه ليل نهار إلا الزواج , فصارالزواج شغله الشاغل وهمه الدائم , ولذلك أصبح الزواج عقبة .. فتراه ّا رأى منتقبة قال : أتزوج هذه .. لالا , بل هذه .. وهكذا .. ليس هؤلاء المؤمل لهم أن يكونوا رجالا .. فهل هؤلاء هم الذين سيحملون الدين ؟! .. هل هؤلاء هم الذين سينصر الله بهم الدين ؟!! , وأين الرجال ؟!!! , بل أين أنصاف الرجال ؟! , بل أين أين أشباه الرجال ؟!! .. يا حسرة على الرجال !!

                  إخوتاه , إن الله ينصر الدين برجال قضيتهم الدين .. رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه .. رجال لا يعرفون إلا الله .. رجال يحبون الله ويحبهم .. رجال صادقون فعلا .
                  إخوتاه , اصدقوا الله فى استقامتكم ..استقيموا بصدق ولا تلتفتوا إلى غير الله .
                  قال الشاعر :أردنـاكـم صــرفـا فـلمّـا مــزجتـم بعدتم بمقدار التفاتكـــــم عنّـّاوقلنا لكم لا تسكنوا القلب غيرنا فأسكنتم الأغيار , ما أنتم منّاقال جعفر الصادق : الصدق هو المجاهدة , وأن لا تختار على الله غيره , كما لم يختر عليك غيرك , قال – تعالى – "
                  هُوَ اجْتَبَاكُمْ " ( الحج : 78 ) .والصدق – إخوتاه – مفتاح الصّدّيقية , وأعلى مراتب الصدق : كما جاء فى الحديث : " وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صدّيقا "[متفق عليه] . فالصدق مفتاح الصديقية , ومبدؤها وهى غايته , فلا ينال درجتها كاذب ألبتة , لا فى قوله , ولا فى عمله , ولا فى حاله .. قال الله – تعالى – عن أبى بكر رضى الله عنه : " وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ " ( الزمر : 33 ) .

                  قال على بن أبى طالب رضى الله عنه : والذى نفسى بيده , إن الله سمى أبا بكر فى السماء صديقا .
                  فالذى جاء بالصدق : من هو شأنه الصدق فى قوله وعمله وحاله .فالصدق : فى هذه الثلاثة . فالصدق فى الاقوال : استواء اللسان على الاقوال , كاستواء السنبلة على ساقها . والصدق فى الاعمال : استواء الافعال على الامر والمتابعة , كاستواء الرأس على الجسد . والصدق فى الاحوال : استواء أعمال القلب والجوارح على الاخلاص , واستفراغ الوسع , وبذل الطاقة , فبذلك يكون العبد من الذين جاءوا بالصدق .وبحسب كمال هذه الامور فيه وقيامها به , تكون صديقيته , ولذلك كان لأبى بكر الصديق رضى الله عنه ذروة سنام الصديقية , سمى : " الصديق " على الاطلاق , و" الصّدّيق " أبلغ من الصدوقوالصدوق أبلغ من الصادق . فأعلى مراتب الصدق : مرتبة الصّدّيقية , وهى كمال الانقياد للرسول صلى الله عليه وسلم , مع كمال الإخلاص للمرسل .
                  قال ابن القيم : " قال شيخنا : والصّديق أكمل من المحدّث , لأنه استغنى بكمال صديقيته ومتابعته عن التحديث والإلهام والكشف , فإنه قد سلم قلبه وسره وظاهره وباطنه للرسول صلى الله عليه وسلم , فاستغنى به عما منه . قال : وكان هذا المحدّث يعرض ما يحدّث به على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم , فإن وافقه قبله , وإلا ردّه , فعلم أن مرتبة الصديقية فوق مرتبة التحديث ".والفهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عنوان الصديقية , ومنشور الولاية النبوية , وفيه تفاوت مراتب العلماء , حتى عدّ ألف بواحد .أخى فى الله , حبيبى فى الله ,
                  الصادق جبيب الله , فهل تريد الله أم تريد الدنيا ؟ .. هل تريد الجنة أم تريد شهواتك ؟ .. تريد الرّفعة فى الدنيا أم تريد المنزلة العليا فى الجنة ؟ .. هذه قضية تحتاج منك أن تكون صادقا فيها .. فاصدق الله , فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اصدق الله يصدقك " [صححه الألبانى] .
                  قال أبو سليمان : اجعل الصدق مطيتك , والحق سيفك , والله – تعالى – غاية طلبتك .وقال ذو النون المصرى : الصدق سيف الله فى أرضه ما وضع على شىء إلا قطعه .وقيل : من طلب الله بالصدق , أعطاه الله مرآة يبصر منها الحق والباطل .
                  وقال محمد بن سعيد المروزى : إذا طلبت الله بالصدق , آتاك الله تعالى مرآة بيدك , تبصر كل شىء من عجائب الدنيا والآخرة .
                  وقال أبو سليمان : "من كان الصدق وسيلته , كان الرضا من الله جائزته " .. فاصدق الله – أخىّ – فالصادق حبيب الله .
                  ***




                  الشيخ محمد حسين يعقوب
                  التعديل الأخير تم بواسطة *أمة الرحيم*; الساعة 08-01-2016, 05:23 PM. سبب آخر: وضع الآيات بالتشكيل

                  تعليق


                  • #24
                    رد: اروع سلاسل الشيخ محمد حسين يعقوب سلسلة أصول الوصول إلى الله

                    الأصل التاسع : دوما فى المعاملة السحب من الرصيد



                    قال الله – تعالى – "
                    فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ "

                    ( سورة المائدة : 49 ) .
                    وأنت سائر فى طريقك إلى الله تفاجأ بأنك قد تعثرت عليك طاعة لست قادرا على قيام الليل مثلا ونسأل ما السبب ؟! .
                    قال سفيان : اغتبت إنسانا فحرمت قيام الليل شهرا .. وقال بعضهم : أصبت ذنبا فأنا منذ أربع سنين إلى ورا .. أرع سنين فى النازل بسبب ذنب .. قال الله "
                    إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا " ( آل عمران : 155 ) .

                    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "احفظ الله يحفظك , احفظ الله تجده تجاهك .. تعرف الى الله فى الرخاء يعرفك فى الشدة " .. هذا هو معنى كلمة " السحب من الرصيد " .


                    فلابد أن يكون لك عند الله رصيد سابق من الخيرات يثمر خيرات جديدة يقبلك الله بكلتيهما ويكونان رصيدا لك فى المستقبل .


                    وهكذا .. "
                    وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ " ( محمد : 17 ) , فكلما ازدادوا هدى آتاهم تقوى , وكلما ازدادوا تقوى زادهم هدى .

                    إن التعامل مع ربنا الكريم عظيم , وكلما كان رصيدك عنده أعلى كان رزقك منه فى الخيرات أوفر .



                    انظر الى الثلاثة الذين نزلت عليهم الصخرة فى الغار لما كانوا فى الاصل وأول الامر مخلصين ,بدليل أنهم توسلوا بأعمال كانوا فيها مخلصين , وفقهم الله للتوسل بها .. يعنى : كى يوفقك الله فلابد أن يكون لديك عمل , قال – سبحانه وتعالى - "
                    وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " ( الانعام : 127 ) . فالولاية تحتاج للعمل إذا فحينما تأتى لتبدأ فى التعامل مع الله فأنت تسحب من رصيدك السابق من أعمال عنده , فتستجلب بها الزيادة والجديد .

                    والبداية – لاشك – تحتاج إلى معاناة , لذا يقول العلماء " من كانت له بداية محرقة , كانت له نهاية مشرقة " .. أن تكون الانطلاقة الاولى قوية ومؤثرة وصحيحة ..


                    قال أحد السلف : عالجت قيام الليل عشرين سنة ثم تمتعت به عشرين سنة .. وقال آخر : حرست قلبى عشرين سنة فحرسنى عشرين سنة .. نعم : لابد دائما أن يكون السحب من الرصيد .


                    كنت مرة فى سفر لبلد غربى فرأيت فى المسجد شابا قد امتلأ وجهه بنور الايمان , فتعجبت من أن أجد فى هذا الجو وجها يذكّر بالله , فقلت له : من أنت وما الذى جاء بك إلى هنا ؟, قال لى : منذ شهر وأنا ماكث فى المسجد لا أخرج .. لماذا ؟! .. قال : لأننى عندما سافرت إلى هذا البلد انبهرت , وطبعا كنت اعيش فى بلدى فى الكبت , فلما جئت إلى هنا وجدت الانفتاح , ولا أحد يقول لى : أين تذهب أو من أين أتيت ؟, فالحياة مفتوحة , فشرب للخمر وزنا وسرقة وكل شىء .


                    يقول : حتى مرضت مرضا شديدا جدا .. كنت أظل أسعل حتى أسقط من على السرير وأنا فى الشقة وحدى .. وفى لحظة سعلت فوقعت فحاولت أن أقوم فلم أستطع .. فقلت : يا رب يا رب يا رب وبكيت .. ثم أفقت وقلت : يا رب !! لكن بأى وجه أنادى ربى ؟!! .. فأنا لا أصلى ولا أصوم ولا أعرف ربنا .. أقول يا رب بماذا ؟! .. قال : وساعة أن وقعت فى ذهنى هذه الكلمة , ارتعشت وخرجت أجرى بسرعة أبحث عن مسجد , فوجدت هذا المسجد فدخلت فيه ولم أخرج حتى الآن !!


                    فالذى أعجبنى – يا شباب – من هذا الموقف هو كلمة هذا الشاب : أقول : يا رب , لكن يا رب بم ؟! " .. ماذا لدىّ عند الله كى أدعوه ؟!.. وهذا هو معنى : " تعرف إلى الله فى الرخاء يعرفك فى الشدة " .. هذا هو معنى الكلمة التى أقولها لكم دائما : " إياك أن تبيعه فيبيعك " .


                    وهو أيضا معنى حديث النبى صلى الله عليه وسلم : " وأما الثالث فأعرض , فأعرض الله عنه " [أخرجه مسلم]
                    ومعنى قول الله عز وجل : "
                    نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ " ( التوبة : 67 ) .
                    فماذا قدمت وما رصيدك لكى تطلب ؟!

                    , وهل تريد من الله وأنت لست على ما يريد ؟!! ..

                    قال ابن القيم – عليه رحمة الله - : " كن لله كما يريد , يكن لك فوق ما تريد " ..




                    عن الشعبى : أن قوما من المهاجرين خرجوا متطوعين فى سبيل الله , فنفق حمار رجل منهم , فأرادوه على أن ينطلق معهم فأبى , وانطلق أصحابه مرتحلين وتركوه , فقام فتوضأ وصلى , ثم رفع يديه فقال : اللهم إنى خرجت من الدفينة ( مكان بين مكة والبصرة ) مجاهدا فى سبيلك وابتغاء مرضاتك , وأشهد أنك تحيى الموتى وتبعث من فى القبور . اللهم فأحى لى حمارى . ثم قام إلى الحمار فضربه , فقام الحمار ينفض أذنيه , فأسرجه وألجمه ثم ركبه , فأجراه حتى لحق بأصحابه , فقالوا له : ما شأنك ؟ , قال : شأنى أن الله بعث لى حمارى ..


                    نعـم : هذا هو الرصيد الذى سحب منه , ولذلك استجيب دعاؤه . وهذا معنى التوسل بالعمل الصالح , "
                    رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ۚ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا " ( آل عمران : 193 ) .. انظر إلى فاء الترتيب فى قوله – تعالى - : " ربنا فاغفر " أى نتوسل لك بسرعة استجابتنا لمناديك أن تستجيب دعاءنا .

                    وانظر إلى البراء بن مالك الذى لقى المشركين وقد أوجعوا فى المسلمين , فقالوا له : يا براء , إن رسول الله قال : " إنك لو أقسمت على الله أبرك " فاقسم على ربك , فقال : أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم , وألحقتنى بنبيك , فمنحوا أكتافهم , وقتل البراء شهيدا .. نعم : مجاب الدعوة ..


                    يسال ربه النصر للمسلمين , ولنفسه الشهادة , فيجاب وينالها .. سبحان الله العظيم يقسم على الله فيجيب فى التو واللحظة .. نعم – إخوتاه - : لأن له فى الاصل رصيدا يسحب منه .


                    والواعظ البر عمر بن ذر , قال عنه كثير بن محمد : سمعت عمر بن ذر يقول : اللهم إنا أطعناك فى أحب الاشياء إليك أن تطاع فيه : الايمان بك والاقرار بك , ولم نعصك فى أبغض الاشياء أن تعصى فيه : الكفر والجحد بك . اللهم فاغفر لنا بينهما , وأنت قلت : "
                    وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ۙ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ " ( النحل : 38 ) , ونحن نقسم بالله جهد أيماننا لتبعثنّ من يموت , أفتراك تجمع بين أهل القسمين فى دار واحدة ؟. نعم : قدم الطاعة والايمان وابتعد عما يغضب الرحمن , فحرى أن يستجاب له .

                    وعامر بن عبد قيس الذى كان يسأل ربه أن ينزع شهوة النساء من قلبه , فكان لا يبالى أذكرا لقى أم أنثى .. استجاب الله دعاءه , لأن له عند الله رصيدا كبيرا من الصالحات .. فما رصيدك أنت لكى تطلب ؟!


                    حبيبى فى الله , أدلك على ما يزيد فى رصيدك من الحسنات ؟ .. القرآن .. القرآن معين لا ينضب .. هو أفضل الذكر وأحسن الطاعات , فعض عليه يساعدك فى القيام بالصالحات .


                    أخى فى الله , قدم صالحا تجد صالحا .. املأ رصيدك لتسحب منه عند الحاجة ,


                    التعديل الأخير تم بواسطة *أمة الرحيم*; الساعة 09-01-2016, 10:35 PM. سبب آخر: وضع الآيات بالتشكيل

                    تعليق


                    • #25
                      رد: اروع سلاسل الشيخ محمد حسين يعقوب سلسلة أصول الوصول إلى الله

                      الأصل العاشر : القراّن قائد وسائق وحاد



                      قال الله – عز وجل – "
                      وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيرًا * فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا " ( الفرقان : 51- 52 )
                      .. وجاهدهم بماذا ؟ , بالقرآن .. كأن الله – جل جلاله – يشير فى هذه الاية إلى أن هذا القرآن بديل من إرسال الرسل , فقد كفل الله به مهمة جميع الرسل , بأن يصنع القرآن رجالا كالرسل .


                      يقول ربى – وأحق القول قول ربى – "
                      وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ "( العنكبوت : 50 )

                      فقال الله "
                      أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ " ( العنكبوت : 51 ) .. فهم يطلبون آية فعرفهم أعظم آية .. هى القرآن .

                      وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من نبى قبلى الا وأوتى ما على مثله آمن البشر , وكان الذى أوتيته كتابا يتلى , وأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة ". [متفق عليه]


                      وفى سورة البقرة يقول الله – سبحانه وتعالى – "
                      أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ " (البقرة : 259) الرجل يقول : هل يعقل أن يحيى الله هذه .. كيف "! , فأراه الله الآية فى نفسه أماته الله وأحياه .. قال له : أرأيت ؟ قال : ما رأيت شيئا .. قال له الله : كم لبثت ؟ قال : لبثت يوما أو بعض يوم .. لا .. " فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ " .. أراه الآية بعينيه " وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا " (البقرة : 259) .. الحمار قدّامه .. هيكل عظمى على الارض , بدأ العظم يقف ويتركب بعضه فى بعض , وبعد العظم الغضاريف وبعدها كسى اللحم ثم نفخ فى الحمار الروح ونهق .. نظرت بأم عينيك ؟ !.. " قال أعلم أن الله على كل شىء قدير " (البقرة : 259) .

                      وبعد هذه القصة مباشرة : "
                      وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ " (البقرة : 260) .. نفس السؤال .. لكنّ الله لم يره الآية فى نفسه , بل قال " قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا " (البقرة : 260) .. فالأول أراه الله الآية فى نفسه , وسيدنا إبراهيم أراه الله الآية فى الطير .. فى الكون .

                      ونفس السؤال وجّهه العاص بن وائل السهمى , وأبى بن خلف إلى النبى محمد صلى الله عليه وسلم , قال الله

                      "
                      وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ " (يس : 78) فأجاب الله عليه بقرآن :

                      "
                      قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ . الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ . أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم ۚ بَلَىٰ وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ" ( يس : 79 – 81 ) .

                      إذا فالأول أراه الله الآية فى نفسه .. فى حماره وطعامه , وسيدنا أبراهيم عليه السلام أراه الله الآية فى الطير , أما فى أمة محمد صلى الله عليه وسلم فالآية فى القرآن , هذه هى القضية .. قضية كلية .. أن ديننا كله مرده إلى القرآن والسنة .. القرآن هو الاصل والسنة متمّمة ومكملة ومفسرة .. ولذلك لابد أن تتذكروا دوما :
                      " كل ما شغلك عن القرآن فهو شؤم عليك " .

                      بعض الناس طيلة الوقت يستمع إلى الشرائط , ويحضر للمشايخ , ويقرأ فى كتب العلم وهو هاجر للقرآن .. كل هذا لن ينفعك .. القرآن هو الذى يصنعك .. القرآن يربيك .. القرآن ينفعك .. فعليك بالقرآن حفظا وتلاوة وتدبرا وتفسيرا ومذاكرة .. تفهم معنى كلمة مذاكرة ؟!

                      القرآن فيه علم العقيدة والفقه والسيرة والتفسير والتاريخ واللغة والبلاغة والرقائق .. كل شىء .. القرآن كلام الله .. كتاب مبارك يربيك على العلم والعمل والدعوة .. القرآن هو طريقك لأن تكون رجلا .. نعم : القرآن هو الذى يصنع الرجال , وسيظل يصنعهم إلى أن يرث الله الارض ومن عليها.

                      نعم – إخوتاه - : القرآن مصنع الرجال .. القرآن يفرّخ الابطال .. فى حظيرة العبودية .. وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته .. فهل أنت من أهل الله ؟ .. هل أنت من أهل القرآن ؟! .. هل وهبت كل حياتك للقرآن ؟, وهل وضعته على قمة أولوياتك ؟ .. هل فكرت مرة أن تذاكره كما تذاكر الكتاب المدرسى بجد واجتهاد ؟! .

                      أخى فى الله , إذا كنت بعيدا عن القرآن فاعلم أنك محروم كل الحرمان , ولو ذقت لما ابتعدت .. تعال إلى الله واعكف على القرآن لتصنع , وإلا فما أبعد الدواء عن تلك الأدواء .

                      قال – تعالى – "
                      وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىٰ ۗ بَل لِّلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا " ( الرعد : 31 )
                      كان المشركون يطلبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم آيات حسية : تسيير الجبال أو تقطيع الأرض أو تكليم الموتى , فأنزل الله هذا القرآن ليس من شأنه ذلك بل أعظم من ذلك وهو صياغة النفوس , وصناعة القلوب , وإيجاد الإنسان الذى يرضاه الله له عبدا .


                      لقد تربى الصحابة – رضوان الله عليهم – أفضل جيل عرفه التاريخ على يد أعظم مرب عرفته البشرية .. تربوا بالقرآن , فكان منهم ما تسمع وتقرأ .. إيمان وثبات تزول دونه الجبال ..

                      وهاك مثالا واحدا منهم : عبّاد بن بشر .. صديق القرآن .. يقول الكتور عبدالرحمن رأفت باشا – رحمه الله تعالى - : " إن نشدته بين العبّاد وجدته التقى النقى قوّام الليل بأجزاء القرآن , وإن طلبته بين الأبطال ألفيته الكمى الحمى خوّاض المعارك لإعلاء كلمة الله , وإن بحثت عنه بين الولاة رأيته القوى المؤتمن على أموال المسلمين .

                      وقد استمع عبّاد بن بشر إلى مصعب بن عمير حين أتى المدينة وهو يرتل القرآن بصوته الفضى الدافىء ونبرته الشّجية الآسرة , فشغف ابن بشر بكلام الله حبّا , وأفسح له فى سويداء قلبه مكانا رحبا , وجعله شغله الشاغل , فكان يردده فى ليله ونهاره وحله وترحاله حتى عرف بين الصحابة بالإمام وصديق القرآن " .

                      ومن الأئمة الذين رباهم القرآن , الإمام أبو بكر محمد بن أحمد بن سهل , المعروف بابن النابلسى:

                      قال عنه أبو ذر الحافظ : سجنه بنو عبيد – الفاطميون – وصلبوه على السّنّة , سمعت الدارقطنى يذكره ويبكى , ويقول , كان يقول وهو يسلخ : "
                      كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا " ( الإسراء : 58 )

                      " قال أبو الفرج ابن الفرج : أقام جوهر – القائد – لأبى تميم صاحب مصر أبا بكر النابلسى فقال له : بلغنى أنك قلت : إذا كان مع الرجل عشرة أسهم , وجب أن يرمى فى الروم سهما وفينا تسعة .. قال : ما قلت هذا , بل قلت : إذا كان معه عشرة أسهم وجب أن يرميكم بتسعة , وأن يرمى العاشر فيكم أيضا , فإنكم غيرتم الملة وقتلتم الصالحين , وادعيتم نور الألوهية .. فشهره ثم ضربه ثم أمر يهوديا فسلخه .

                      قال معمر بن أحمد بن زياد الصوفى : أخبرنى الثقة أن أبا بكر سلخ من مفرق رأسه , حتى بلغ الوجه , وكان يذكر الله ويصبر حتى بلغ الصدر , فرحمه السلاخ , فوكزه بالسكين موضع قلبه فقضى عليه , وأخبرنى الثقة : أنه كان إماما فى الحديث والفقه , صائم الدهر , كبير الصّولة عند العامة والخاصة , ولما سلخ كان يسمع من جسده قراءة القرآن " .

                      نعــم : لما أطعم القرآن لحمه , وأسقاه دمه .. لما اختلط القرآن بلحمه ودمه فجرى فى عروقه ونبض به حسه , نطق جسده الطاهر بالقرآن .. اللهم اجعلنا من أهل القرآن , اللهم لا تحرمنا نعيم القرآن وطعم القرآن ولذة القرآن وحلاوة القرآن .. يا كريم يا رحمن .. يا كريم يا منّان .

                      اللهم يا ربنا اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا , ونور أبصارنا , وجلاء أحزاننا وهمومنا وغمومنا , اللهم اجعله حجة لنا لا علينا , اللهم اجعله لنا فى الدنيا إماما , وفى القبر مؤنسا , ويوم القيامة شفيعا , وعلى الصراط نورا , ومن النار سترا وحجابا .. اللهم يا ربنا ربّنا بالقرآن وللقرآن وعلى القرآن .. اللهم لا تحرمنا نعمة القرآن .. آميـــن .

                      نعم – والله : القران نعمة . وتأمل مذا يقول من ذاق نعمة القرآن .. إنه رجل ربّاه القرآن وسرى بألفاظه ومعانيه فى دمه : " الحياة فى ظلال القرآن نعمة , نعمة لا يعرفها إلا من ذاقها , نعمة ترفع العمر وتباركه وتزكيه , والحمد لله لقد منّ علىّ بالحياة فى ظلال القرآن فترة من الزمان , ذقت فيها من نعمته ما لم أذق قط فى حياتى .. عشت أتملّى فى ظلال القرآن ذلك التصور الكامل الشامل الرفيع النظيف للوجود , لغاية الوجود كله وغاية الوجود الانسانى .. وعشت فى ظلال القرآن أحس التناسق الجميل بين حركة الإنسان كما يريدها الله وحركة هذا الكون الذى أبدعه الله .. وعشت فى ظلال القرآن أرى الوجود أكبر بكثير من ظاهره المشهود , أكبر فى حقيقته وأكبر فى تعدّد جوانبه , إنه عالم الغيب والشهادة لا عالم الشهادة وحده , وإنه الدنيا والآخرة لا هذه الدنيا وحدها .. عشت فى ظلال القرآن أرى الإنسان أكرم بكثير من كل تقدير عرفته البشرية من قبل للانسان ومن بعد , إنه أنسان بنفخة من أمر الله .. وهو بهذه النفخة مستخلف فى الارض .. وفى ظلال القرآن تعلمت أنه لا مكان فى هذا الوجود للمصادفة العمياء ولا للفلتة العارضة , "
                      إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ " ( القمر : 49 ) .

                      ومن ثم عشت – فى ظلال القرآن – هادىء النفس , مطمئن السريرة , قرير الضمير .. عشت أرى قضاء الله وقدره , أمره ومشيئته فى كل حادث , وفى كل أمر . عشت فى كنف الله وفى رعايته , عشت استشعر إيجابية صفاته – تعالى – وفاعليتها .. "
                      أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ " ( النمل : 62 ) ..

                      "
                      وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ " ( الانعام: 18 ) ..

                      "
                      وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " ( يوسف : 21 ) ..

                      "
                      وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ " ( الانفال : 24 ) ..

                      "
                      فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ "(البروج : 16 )

                      "
                      وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا " ( الطلاق : 2 ) ..

                      "
                      مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا " ( هود : 56 ) ..

                      "
                      أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ " ( الزمر : 36 ) ..

                      "
                      وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ " ( الحج : 18 ) ..

                      "
                      وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ " ( الزمر : 23 ) .

                      ذلك ما أحسّه وهو يقرأ القرآن ويعيش معه , فما النتيجة والحصيلة من هذه المعايشة الطويلة ؟ .. يقول رحمه الله : " وانتهيت من فترة الحياة فى ظلال القرآن إلى يقين جازم حاسم : أنه لا صلاح لهذه الارض , ولا راحة لهذه البشرية , ولا طمأنينة لهذا الانسان , ولا رفعة ولا بركة ولا طهارة ولا تناسق مع سنن الكون وفطرة الحياة إلا بالرجوع ألى الله , والرجوع إلى الله – كما يتجلى فى ظلال القرآن – له صورة واحدة وطريق واحد , واحد لا سواه , إنه العودة بالحياة كلها إلى منهج الله الذى رسمه للبشرية فى كتابه الكريم , إنه تحكيم هذا الكتاب وحده فى حياتها , والتحاكم إليه وحده فى شئونها , وإلا فهو الفساد فى الارض , والشقاوة للناس والارتكاس فى الحمأة الجاهلية التى تعبد الهوى من دون الله "
                      فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " ( القصص : 50 ) .

                      إن الاحتكام ألى منهج الله فى كتابه ليس نافلة ولا تطوعا ولا موضع اختيار , وإنما هو الايمان أو فلا ايمان .. والامر إذا جد .. إنه أمر عقيدة من أساسها , ثم هو أمر سعادة هذه البشرية أو شقائها .. إن هذه البشرية وهى من صنع الله لا تفتح مغليق فطرتها الا بمفاتيح من صنع الله , ولا تعالج أمراضها وعللها إلا بالدواء الذى يخرج من عنده – سبحانه - , وقد جعل فى منهجه وحده مفاتيح كل مغلق وشفاء كل داء "
                      وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ " ( الإسراء : 82 ) ..

                      "
                      إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ " ( الإسراء : 9 ) .

                      لقد تسلّم الإسلام القيادة بهذا القرآن وبالتصور الجديد الذى جاء به من القرآن , وبالشريعة المستمدة من هذا التصور .. فكان ذلك مولدا جديدا للانسان , أعظم فى حقيقته من المولد الذى كانت به نشأته . لقد أنشأ هذا القرآن للبشرية تصورا جديدا عن الوجود والحياة والقيم والنظم , كما حقق لها واقعا اجتماعيا فريدا كان يعز على خيالها تصوره مجرد تصور قبل أن ينشئه لها القرآن إنشاء .. نعم لقد كان هذا الواقع من النظافة والجمال والعظمة والارتفاع والبساطة واليسر والواقعية والايجابية والتوازن والتناسق .. بحيث لا يخطر للبشرية على بال , لولا أن الله أراده لها وحققه فى حياتها .. فى ظلال القرآن , ومنهج القرآن , وشريعة القرآن " .

                      لذلك نصيحتى لكم دائما : ربّوا أولادكم على القرآن , دعوهم للقرآن يربيهم .. ربّوهم وتربوا معهم على مائدة القرآن .. فالقرآن القرآن .. القرآن أصل .. ومن سلك طريق القرآن فقد بلغ مراد الله منه.

                      قال – تعالى – "
                      وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا " ( آل عمران : 103 ) قال اعلماء : حبل الله : القرآن .. فاجعل القرآن معك وكن مع القرآن .. لا تنسه أبدا , فإنه القائد والحادى والسائق إلى الله .

                      اللهم اجعلنا وأهلينا وذرياتنا من أهل القرآن أهلك وخاصتك .


                      الشيخ محمد حسين يعقوب
                      التعديل الأخير تم بواسطة *أمة الرحيم*; الساعة 12-01-2016, 02:25 PM. سبب آخر: وضع الآيات بالتشكيل

                      تعليق


                      • #26
                        رد: اروع سلاسل الشيخ محمد حسين يعقوب سلسلة أصول الوصول إلى الله

                        الأصل الحادى عشر :
                        لا تلبس ثياب الفراغ أثناء العمل





                        عندنا فى مصر تجد الميكانيكى طوال الاسبوع بملبس العمل المزيت تراه وهو لابس " العفريتة " الزرقاء , ويداه مزيتة ووجهه فيه الشحم , ويوم الاحد لا تعرفه ! .. فتراه قد رجل شعره ووضع عليه الفزلين والكريمات , ولبس البدلة ووضع المنديل الاحمر والازرة الالماظ , وارتدى النظارة الشمسية , وخرج فى أحسن صورة , وهو يقول : وقت الشغل شغل , أما آخر الاسبوع فتنزه وفسح وترويح .. هذا الاسطى لو جاء الورشة بهذا اللبس ماذا يقول له صاحب الورشة ؟ سيقول له : ارجع , فليس هذا شكل من يريد أن يشتغل !! .. هذا ما اقصده بقول : لا تلبس ثياب الفراغ أثناء العمل .. فبعضنا يريد أن يعيش الجنة فى الدنيا مثل هذا الرجل .
                        إن بعضنا يريد أن يلتزم بالدين وفى نفس الوقت يريد شقة واسعة , ومحمولا وسيارة مكيفة , وعروسا عينها زرقاء وشعرها أصفر وطويلة وعريضة ومطيعة وطالبة علم , وعشرة أولاد صبيان , وبنتا تدللـه , وخداما وخدامة .. لا .. الدنيا دار ابتلاء "
                        لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ " ( البلد : 4 ) .
                        "
                        الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا " ( الملك : 2 ) .
                        المؤمن فى هذه الدنيا فى شغل .. ومتى الفراغ ؟ .. الفراغ فى الجنة .. فحينما تدخل الجنة افعل ما شئت .. الدنيا دار عمل , فلا تلبس ثياب الفراغ أثناء العمل , فلست فى فسحة من أمرك , ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر " . [أخرجه مسلم] الدنيا سجن المؤمن , والسجن له ظروفه .. السجن له ملابسه وأكله وشربه , وله أحكامه ومواعيده , وله ضوابطه .. الدنيا سجن , فلا تحاول فى السجن أن تعيش الجنة .
                        السجن له مواعيده .. مواعيد الفسح .. هناك مواعيد للصلاة لا يصح النوم فيها ولا الشغل أثنائها , هذا هو سجن الدنيا .. لابد أن تقطع هكذا .. لكن الذى يريد أن يعيشها على أنها الجنة , فيأكل على مزاجه ويشرب على مزاجه ويمشى على مزاجه وينام على مزاجه , ويفعل ما يريد وما يشتهى , سيضل الطريق لا محالة .
                        لابد أن تعيش الدنيا كما يريد الله لا كما تريدها أنت .. فأنت الآن فى سجن التكاليف الشرعية .. وإن كنت مكتفا بهذه التكاليف النبيلة , فهناك أناس غيرك مكتفون أيضا بالعادات والتقاليد , لكن ليس لهم أجر ولك أنت أجر .. فلو كنت تمرض فالكفار يمرضون , ولو كنت تتعب فالمنافقون يتعبون .. إذا كنت تؤذى فى سبيل الله , فهناك من يؤذون من أجل مناهج باطلة بل وكفرية .. "
                        إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ " ( النساء : 104 ) أنت ترجو بالذى تعمله أجرا هم لا يرجونه .. وهذا هو عزاؤك .. ان الله – تعالى – سيعطيك .. فضع نفسك فى سجن التكاليف الشرعية ليكون الخروج على باب الجنة .
                        ولذلك لم يقل الله للمؤمنين بعد غزوة أحد : كفاكم ما حدث واقعدوا فى بيوتكم .. لا .. بل قال – سبحانه وتعالى – "
                        وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ " .. خلفهم وإياكم أن تتركوهم .. نعم : شغل مستمر , وعمل متواصل , وجهد غير منقطع , ومع ذلك تجد بعض الناس يريد أن يتناول كل الشهوات , وأن يعيش دوما فى عافية .. يا أخى , إن النبى محمد صلى الله عليه وسلم أوذى وطرد وشتم بل وتفل فى وجهه الشريف .. اضطهد أعز وأطهر مخلوق على ظهر الارض .. صلى الله عليه وسلم .. شتموه ووضعوا التلااب على رأسه .. خنقوه بثوبه ورموا الحجر عليه .. وحفر له حفرة فى غزوة أحد ليقع فيها .. فوقع وجحشت ساقاه .. ودخلت حلقات المغفر فى وجنتيه .. شقوا رأسه وأدموا وجهه وضربوا كتفه .. ورموه بالسهام .. وفى الطائف رموه بالحجارة حتى جرح كل جسده – فداه أبى وأمى ونفسى صلى الله عليه وسلم .. وقع من على الفرس فجحش جنبه الشريف .. مرض بالحمى حتى لم يطق حمّاه أحد .. عاش غريبا .. مطاردا من كفار يريدون قتله .. فداه أبى وأمى ونفسى رسول الله .
                        من يوم نودى صلى الله عليه وسلم بـ "
                        يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ " ( المدثر : 1 – 2 ) , قام ولم يرقد أو يركد بعدها لحظة .. ذهب زمان النوم يا خديجة .
                        إخوتاه , إن المتفقه فى سيرة النبى محمد صلى الله عليه وسلم لا يجد لحظة استراح فيها , فأيامه كلها جهاد وتعب ومشقة .. وإن العين لتذرف رأفة ورحمة به .. مشى كثيرا وجرى كثيرا .. جاع شهورا وكان يأكل الدّقّل ( أردأ التمر ) وربما لا يجده .. سهر السنين الطويلة .. ونام على الحصير .. ولم يلبس الديباج أو الحرير .. عاش هذه الدنيا فى كد ونصب , ليقيم الحق ويبلغ دعوة ربه , بأبى هو وأمى ونفسى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أرسل بالمدثر فقام صابرا محتسبا , فلم يهدأ حتى جاءه نصر الله , ودخل الناس فى دين الله أفواجا .
                        هكذا عاشها رسول الله صلى الله عليه وسلم , وتريد أنت أن تعيشها نظيفة حلوة ! .. تريد أن تعيشها ممتعا معافى ! تريد أن تعيشها فى راحة وأمان ! لا يا أخى .. هذه دنيا الأصل فيها المشاكل والأحزان , وإلا لما كان هناك اشتياق للآخرة .. الدنيا – يا أخى – للعمل والتعب والجد والاجتهاد , فلا تلبس ثياب الفراغ أثناء العمل .
                        الدنيا شغل .. شغل للآخرة , فالزم الشغل حتى تمر هذه الدار بسلام .. فإذا أردت زوجة فلتكن ما تكون .. قصيرة أو نحيفة أو .. أو .. المهم أن تكون صاحبة دين و " بنت أصول " .. ولا تتنازل عن هذين الشرطين أبدا .. وارض بها مهما كانت صفاتها , واتخذها بلغة [أى ما تتبلغ به] إلى الجنة .. وفى الجنة سيصنعها الله لك من جديد "
                        إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا " ( الواقعة : 35 – 37 ) , بل ويزيد لك سبعين حورية من الحور العين .. الزم الشغل ولا تحزن على شىء من الدنيا ولا تفكر فيها , فإن جاءتك أو لمّحت إليك , فسخرها فى خدمة ما أنت فيه من عمل الآخرة , وإلا فاطرحها جانبا وامض فى طريقك إلى الله .
                        إخوتاه , إن الذى يسير على هذا النهج هو رجل الآخرة الذى يريد الوصول , فلا يخلع ثياب العمل حتى يلقى الله , أما الذى يريد أن يلبس ثياب الفراغ أثناء العمل فينشغل قلبه بالزوجة والمال والاولاد فهو رجل الدنيا يعيش لها , ولذا لن يصل إلى الله مطلقا حتى يخلع ثياب الفراغ , ويلبس دائما ثياب العمل لآخرة .
                        فوظف – أخى فى الله – كل أركان حياتك فى العمل للآخرة , وواصل الشغل ليل نهار .. فأنت فى مقام مستعبد , ولا يصح للأجير أن يلبس ثياب الراحة فى زمان الاستئجار , وكل زمان المتقى نهار صوم .. فواصل السير ولا تنقطع .
                        التعديل الأخير تم بواسطة *أمة الرحيم*; الساعة 12-01-2016, 02:36 PM. سبب آخر: وضع الآيات بالتشكيل، وبعض التنسيق

                        تعليق


                        • #27
                          رد: اروع سلاسل الشيخ محمد حسين يعقوب سلسلة أصول الوصول إلى الله

                          جزاكــَ
                          اللــــــــــهٌ
                          خيــــــــــــــــراً
                          ونفــــــــــــــــــ ـعَ
                          بــــــــــــــــــــــــ ــــــكـَ


                          لقد اشتقنا الى لقاك يااللهوالعوده لك والتمتع بالنظر الى وجهك الكريم الذى تخشع له القلوب والابصار

                          تعليق


                          • #28
                            رد: اروع سلاسل الشيخ محمد حسين يعقوب سلسلة أصول الوصول إلى الله

                            تعليق


                            • #29
                              رد: اروع سلاسل الشيخ محمد حسين يعقوب سلسلة أصول الوصول إلى الله

                              الأصل الثانى عشر :
                              فى الطريق مواقف للتمييز



                              السائر إلى الله أو عموم من يعيش فى هذه الحياة لابد أن يتعرض لمواقف .. فهذه الحياة أمواج تترادف يركب الانسان فيها طبقا عن طبق .. هذه المواقف للتمحيص . قال - سبحانه - :





                              "قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ * وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ " ( آل عمران : 137 – 142 )






                              تدلك هذه الايات على أن الله – سبحانه وتعالى – يقلب الايام على الناس ليتبين أحوالهم , وليعلم الله علم ظهور وإقامة حجة على العباد من يستحق الجنة ممن لا يستحقها .. فالسائرون إلى الله صفوة , ولكن " مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ " ( آل عمران : 179 ) .





                              أيها الاخوة , التمييز بين النعمة والنقمة والفتنة , وبين المنة والحجة , وبين العطية والبلية , وبين المحنة والمنحة أمر مهم للسائر فى الطريق إلى الله .




                              ففى طريق الوصول إلى الله لابد أن تكون صاحب تمييز بين النعمة والفتنة .. فقد يصيب رجلين شىء واحد , ويكون بالنسبة لأحدهما نعمة وللآخر فتنة .. قد يكون الشىء الواحد لرجل بلية وللآخر عطية .




                              يقول ربك " أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ " ( البقرة : 19 ) صيب " ماء" يحيي الله به الارض , ولكن فى نفس الوقت فيه ظلمات ورعد وبرق . " يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ " ( البقرة : 19 ) .






                              يقول العلماء : هذا هو المثل المائى الذى ضربه الله سبحانه وتعالى للقرآن , أنه صيب وهو للمؤمنين , قال – تعالى – " وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا " ( الإسراء : 82 ) .






                              فى قصة كعب بن مالك لما جاءه كتاب من ملك غسان يقول له : " بلغنا أنّ صاحبك قد قلاك , ولم يجعلك الله بدار مهانة , فالحق بنا نواسك , لم يقل – أى كعب - : جاء الغيث .. ولكنه التمييز .. قال : " وهذا من البلاء , فتيممت التنور فسجرته " .




                              نعــم : فقد يرزق العبد مالا ويظن أنه نعمة ويكون هذا المال بالنسبة له فتنة .. قد يرزق عملا وهذا العمل من وجهة نظر الناس جميعا كرم , وهو فى حقه بلاء .. قد يحفظ القرآن ويكون عليه حجة .. نعم : القرآن حجة لك أو عليك .




                              قال العلماء : " إذا رأيت أن الله يعطى العبد على معاصيه , فاعلم أنه استدراج " .. تعصى ويكرمك , وتعصى ويزيدك , وتعصى ويبارك لك .. إذا سينتقم منك .. لا تطمئن , فهو – سبحانه – يجرك لينتقم منك , قال – تعالى – " سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ " ( القلم : 44 – 45 ) .





                              يقول صاحب الظلال فى هاتين الآيتين : " وإن شأن المكذبين وأهل الارض أجمعين لأهون وأصغر من أن يدبر الله لهم هذه التدابير .. ولكنه – سبحانه – يحذرهم نفسه ليدركوا أنفسهم قبل فوات الاوان , وليعلموا أن الامان الظاهر الذى يدعه لهم هو الفخ الذى يقعون فيه وهم مغرورون , وأن إمهالهم على الظلم والبغى والاعراض والضلال هو استدراج لهم إلى أسوأ مصير , وأنه تدبير من الله ليحملوا أوزارهم كاملة , ويأتوا إلى الموقف مثقلين بالذنوب , مستحقين للخزى والرهق والتعذيب .. وليس أكبر من التحذير , وكشف الاستدراج والتدبير , عدلا ولا رحمة , والله - سبحانه – يقدم لأعدائه وأعداء دينه ورسوله عدله ورحمته فى هذا التحذير وذلك النذير , وهم بعد ذلك وما يختارون لأنفسهم , فقد كشف القناع ووضحت الأمور ! .




                              إنه – سبحانه – يمهل ولا يهمل , ويملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته , وهو هنا يكشف عن طريقته وعن سننه التى قدرها بمشيئته , ويقول لرسوله صلى الله عليه وسلم " فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا الْحَدِيثِ " ( القلم : 44 ) , وخل بينى وبين المعتزين بالمال والبنين والجاه والسلطان , فسأملى لهم , وأجعل هذه النعمة فخهم ! فيطمئن رسوله , ويحذر اعداءه .. ثم يدعهم لذلك التهديد الرعيب " .





                              فلا تفرح – أخى فى الله – بالكرم بعد المعصية , وكن مميزا بين العطية والبلية وبين النعمة والنقمة , ولذا قال سبحانه وتعالى " لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ " ( الحديد : 23 ) , تقول زوجة سعيد بن عامر الجمحى : استيقظت يوما على صوته وهو يقول : أعوذ بالله منك , أعوذ بالله منك , أعوذ بالله منك , فقمت فوجدت بين يديه سرة مال وهو يدفعها بيده كأنها عقرب , قلت : مالك , قال : " دخلت علىّ الدنيا لتفسد علىّ دينى " .





                              نعم – إخوتاه – : لابد أن يكون لديك بصيرة وتمييز بين ما ينفعك وما يضرك فى آخرتك , فإذا أعطاك الله نعمة واستعملتها فى طاعته كانت نعمة , وإذا استعملتها فى المعصية كانت محنة وفتنة .. أعطاك الله مالا : هل هذا المال زادك قربا أم أبعدك ؟! .. أعطاك زوجة أعانتك على طاعته , فهذه نعمة , ولو شغلتك عن الله كانت فتنة






                              فانظر كل لحظة فى حياتك لترى النعم التى وهبها الله لك : هل تقربك منه أم تبعدك عنه ؟.. هل هى نعم أم نقم ؟ .. هل توقفك بين يدى الله أم تشغلك عنه ؟ .. تزيدك إيمانا أم تقسى قلبك ؟ .. تزيدك شكرا أم طمعا ؟! .




                              قف مع نعم الله لتعلم أين قدمك .. لتعلم أين أنت .. فى طريق الوصول أم تائه فى طرق أخرى ؟ .. فرق بين النعمة والنقمة .. وبين المحنة والمنحة .. وبين البلية والعطية .. وبين الحجة والمنة .. ميز لتعرف أين الفتنة لتجتنبها فتصل إلى الله بسلام .

                              الشيخ محمد حسين يعقوب









                              التعديل الأخير تم بواسطة *أمة الرحيم*; الساعة 12-01-2016, 02:42 PM. سبب آخر: وضع الآيات بالتشكيل

                              تعليق


                              • #30
                                رد: اروع سلاسل الشيخ محمد حسين يعقوب سلسلة أصول الوصول إلى الله

                                جزاكم الله خيرًا كثيرًا أختنا الكريمة على حسن النقل

                                تقبل الله عملكم

                                رجاءً لو تنتبهوا لوضع الآيات في موضعها مشكلة

                                ويمكنكم الاستعانة بهذا الموقع المبارك

                                http://quran.ksu.edu.sa/index.php

                                أو غيره

                                وفقكم الله لكل خير

                                تعليق

                                يعمل...
                                X