الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ...أما بعد:
مقدمة
هذه بعض الفوائد من كتاب مقدمة الصحاح لأحمد عبد الغفور عطّار
إن مؤلفي المعجمات الأول هم رواد التأليف المعجمي في العربية , ومعاجمهم الطلائع الأولى , وهي التي وضعت كل قواعد المعجم العربي , ومعاجم هؤلاء الرواد لم تُبق لمن بعدهم جديداً في ترتيب المواد , إلاّ في حالات لا تعد جدتها ابتكاراً , وإن كان فيها تيسير على الشُّداة , مثل معجم الشيخ محمد النجاري المصري المتوفى سنة 1332هجرية , الذي جمع فيه اللسان والقاموس ورتب موادهما ترتيباً اتبع فيه طريقة البرمكي , وهي ترتيب المواد على أوائل الحروف – كترتيب معاجمنا الحديثة - وخالفه انه لم يراع الاشتقاق والتجريد , فهو يذكر الكلمة في بابها بالحرف الأول , الذي يُنطَق به , غير ناظر إلى أصالة الحرف الذي تبدأ به الكلمة , فهو يذكر كلمة كتب في حرف الكاف , ويذكر كلمة " مكتب " في حرف الميم , مع أن المعجمين يذكرون كلمة " مكتب " في مادة كتب , وهذه الطريقة سبق إليها ( فلوجل الألماني) .
ورواد التأليف المعجمي في العربية , وضعوا كل قواعد المعجم , ومن جاء بعدهم حتى هذا العصر لم يضيفوا جديداً إلى نظام السلف , ولم يبتكروا ترتيباً طريفاً , بل سبقهم أولئك الرواد ومشى الخَلَف على نهجهم بعد أن اختاروا طريقة أحدهم , وأغفلوا ماعداها , لأنها أقرب تناولاً , وأكثر تيسيراً وأبعد , عن المشقة , وتركوا غيرها لوعورة الطريق إليها .
ويلتقي هؤلاء الرواد في كثير من النقاط , ويتفق بعضهم في المنهج , ولكنّ لكل منهم سماته وخصائصه , وفي وسعنا أن نحصر معجمات هؤلاء الرواد – من الخليل حتى البرمكي - في أربع مدارس , كلها وجدت خلال ثلاثة قرون , ابتداء من أواخر القرن الثاني للهجرة , وحتى أواخر القرن الرابع للهجرة , وعلى سبيل التقريب : بدأت قبل وفاة الخليل سنة 170 هجرية أو 175 هجرية , وانتهت سنة 397 هجرية .وكما يلتقي الرواد في بعض نقاط المناهج التي اتبعوها فإن المدارس المعجمية تلتقي في بعض النقاط , وتختلف في بعضها , ولكن لكل منها شخصيتها الخاصة التي تميزها عن سواها .
وعندما يطلع القارئ على هذه المدارس , ومنهج كل منها , سيرى الفارق بينهن واضحاً جلياً .
وهذه المدارس أربع في رأينا , إلاّ أن في وسعنا أن نجعل مردّ أصولها إلى نبعين مختلفين , وهي أربع لمن أراد التفصيل , واثنتان لمن أراد الإيجاز والإجمال .
وهاتان المدرستان هما : مدرسة المعاني , ومدرسة الألفاظ , أما مدرسة المعاني فهي التي اتخذت معاجم رتبتها حسب المعاني والموضوعات , كالغريب المصنف لابي عبيد , أحد الرواد المتقدمين , والمخصص لابن سيده , ويدخل في فصول هذه المدارس كل الرسائل والكتب اللغوية التي اتخذت المعانيَ وسيلتها في ذكر الكلمات .
أما مدرسة الالفاظ فهي التي بنت قواعدها على علم الأصوات اللغوية , ورتبت المعجم حسب الحروف التي تبتدئ بها أوائل الكلمات على اختلاف في ترتيب الحروف , كالاختلاف بين ترتيب الخليل وأبي عمرو والجوهري والبرمكي والقالي .
فهؤلاء بنوا معجماتهم على علم الأصوات اللغوية , ورتبوها على الحروف , ولكن كل واحد منهم اتخذ طريقاً خاصاً , فالخليل رتب مواده على الحروف بحسب المخارج , واتبعه القالي على اختلاف يسير , إذ خالف الخليلَ في ترتيب حروف الحلق , وخالفه في ترتيب المجموعات إذ نقلها من مواضعها التي أنزلها فيها الخليلُ دون أن يغير في ترتيب حروف كل مجموعة من المجموعات .
وأبو عمرو رتّب مواده على ترتيب الحروف الهجائية المعروفة وكذلك البرمكي , أما الجوهري فقد رتب على الحروف ولكنه خالف من سبقه أو لحقه , ممن خالفوا طريقته , خالفهم في أنه لم ينظر إلى أول الكلمة بل نظر إلى آخرها , ثم رتب المواد على حروف الهجاء .
ولو قسمنا المدارس اللغوبة إلى مجموعتين بهذا الاعتبار , لكان تقسيما ً صحيحاً , إلاّ أننا آثرنا أن نفرد لكل من ألف معجماً بناه على الاصوات اللغوية مدرسة خاصة به , نسبناها إلى رائدها أو إمامها ليكون عملنا أدق وأكثر تفصيلاً . . .
وهذه المدارس الأربع هي :
1- مدرسة الخليل .
2- مدرسة أبي عبيد .
3- مدرسة الجوهري .
4- مدرسة البرمكي .
مدرسة الخليل أول مدرسة عرفتها العربية في تاريخ المعجم العربي , والخليل إمام هذه المدرسة وإمام المعجميين العرب عامة , فهو أول من شقّ أمامهم طريق التأليف المعجمي ودلهم عليه , وفتح لهم بابه .
وقِوام مدرسته ترتيب المواد على الحروف حسب مخارجها , وتقسيم المعجم إلى كتب , وتفريع الكتب إلى أبواب بحسب الأبنية , وحشد الكلمات في الأبواب , وقلبُ الكلمة إلى مختلف الصيغ التي تاتي منها , مثل قوله في باب السين والميم مع الواو والألف والياء : سوم , وسم , سمو , مسو , موس . وإهمال مالم يستعمل إذا لم يجئ , فهو قد أهمل في هذا الباب " ومس " لأن العرب لم تستعمله في رأيه .
وقد سار بعض رواد التاليف المعجمي على نهج الخليل , فالتزمه الأزهري في " التهذيب " وابن عباد في " المحيط " , والقالي في " البارع " .
ولم يكن هؤلاء الرواد مقلدين , ولم يتبعوا الخليل في كل دقيقة من دقائق منهجه , بل خالفوه في بعض منهجه , وأضافوا إلى طريقة الخليل أشياء جديدة , وهذا الجديد الذي أضافوه أو المقصد الذي أرادوه , نتيجة تطور التأليف المعجمي الملحوظ بين البادئ المبتكر , والتابع المتأخر , , ,
فالخليل أراد أن يحصر اللغة – كما حصر العروض – حصراً علمياً , بوساطة الأرقام , وذكر أن عدد أبنية كلام العرب – المستعمل والمهمل - على مراتبها الأربع , من الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي اثنا عشر مليون كلمة .
وطريقة الخليل في الإحصاء طريقة دقيقة مبنية على علم الحساب , فهو رأى أن الحروف التي تتألف منها الكلمات ثمانية وعشرون , والأبنية أربع .
ففي الثنائي –مثلا - ذكر أن عدد أبنيته 756 وذلك ناتج من أن عدد الحروف الهجائية 28 وتضرب في 27 وهي الكلمات التي تتركب مع الحرف الذي تبتدئ به الكلمة , بعد ان يسقط هو نفسه في التركيب مع جنسه , فحرف الهمزة مع الباء فالتاء فالثاء حتى الياء يكوّن سبعاً وعشرين كلمة , فسضرب هذا العدد في عدد الحروف ينتج 756 منها المهمل , ومنها المستعمل .
وهكذا صنع في أبنية الثلاثي فالرباعي فالخماسي .
وطريقة الخليل هي الفاذة في إحصاء مواد اللغة , ولكن الرقم الذ ذكره ليس هو المستعمل , بل فيه المهمل ة وهو كثير , ولعله أكثر من المستعمل .
أما أتباع مدرسة الخليل فقد قصدوا على جمع اللغة , ولكنهم أرادوا مع ذلك ان يسموا عملهم بجديد , فوصف الأزهري عمله في كتابه أنه " تهذيب اللغة " ونفيُ الغلط عنها وتصويب ما لحق بعض ألفاظها من تصحيف وتحريف .
أما ابن دريد فسمى كتابه " جمهرة اللغة " واسمه يدل على مقصده من تأليف معجمه , فهو عنى بتدوين جمهور العربية , أما غيره فيذكره عرضاً , ومقصد ابن عباد في " المحيط " استيعاب المواد واستدراك ما أغفله غيره ممن سبقوه , ومقصد القالي قريب من مقصد الأزهري .
ومن أوجه الخلاف بين رائد هذه المدرسة وأتباعها أن الخليل جعل كل كتاب في معجمه قائماً على حرف من حروف الهجاء , ومقسوماً إلى أربعة أبواب : الثنائي المضاعف , والثلاثي الصحيح , واللفيف , وجعل الباب الرابع للرباعي والخماسيّ .
وكذلك صنع القالي , إلاّ أنه أفرد لكل من الرباعي والخماسي باباً , وعزل ماكان ثلاثياً معتلاً بحرف عن اللفيف , وسماه الثلاثي المعتل .
والأزهري الذي اتبع الخليل وسار على طريقه خطوة خطوة , خالفه في المهموز وأحرف العلّة , فالخليل حشد ماكان معتلاً بحرف أو حرفين مع المهموز دون تفرقة , وجعلهما في باب اللفيف , وأراد الأزهري إفراد المهموز , وعزْله عن المعتل , ولكنه لم يوفق كل التوفيق .
وصنع الصاحب صُنع الأزهري في باب اللفيف , وافتتح الباب بالصحيح , ثم ما كان مبدوءاًُ بالهمزة , ثم ما كان أوله واواً , ثم ما كان أوله ياء , ولكن لم يتّبع الصاحبُ هذا النهج في الثلاثي المعتل .
وأراد ابن فارس التخلص من مدرسة العين , ولكنه لم يستطع أن يخرج عنها , فقد تبع العين في بعض الخطوط التي خطّها الخليل , منها : أنّ ابن فارس قسّم معجمه بحسب الأبنية , وهذا هو بعض قواعد كتاب العين .
واتبع أيضاً طريقة أبي عمرو الشيباني بعد أن أدخل عليها كثيراً من الضبط والإحكام , فهو سار في ترتيب مواد معجمه المجمل والمقاييس على ترتيب حروف الهجاء , وكان ابن فارس أكثر توفيقاً من أبي عمرو في ترتيب الكلمات إذ راعى الحرف الثاني , ولكن البرمكي كان أكثر منهما توفيقاً في هذا السبيل .
ولعلّ أهم عيوب هذه المدرسة – باستثناء معجمي ابن فارس- وعورة الطريق لمن يريد أم ينتقل في ربوعها , وصدُّها الشادي عن منهلها كل الصدود , وإجهادها العالم الذي يقصدها مسترشداً مستفيداً .
(مقتطف من الشبكة وبارك الله في واضعه )
مقدمة
هذه بعض الفوائد من كتاب مقدمة الصحاح لأحمد عبد الغفور عطّار
إن مؤلفي المعجمات الأول هم رواد التأليف المعجمي في العربية , ومعاجمهم الطلائع الأولى , وهي التي وضعت كل قواعد المعجم العربي , ومعاجم هؤلاء الرواد لم تُبق لمن بعدهم جديداً في ترتيب المواد , إلاّ في حالات لا تعد جدتها ابتكاراً , وإن كان فيها تيسير على الشُّداة , مثل معجم الشيخ محمد النجاري المصري المتوفى سنة 1332هجرية , الذي جمع فيه اللسان والقاموس ورتب موادهما ترتيباً اتبع فيه طريقة البرمكي , وهي ترتيب المواد على أوائل الحروف – كترتيب معاجمنا الحديثة - وخالفه انه لم يراع الاشتقاق والتجريد , فهو يذكر الكلمة في بابها بالحرف الأول , الذي يُنطَق به , غير ناظر إلى أصالة الحرف الذي تبدأ به الكلمة , فهو يذكر كلمة كتب في حرف الكاف , ويذكر كلمة " مكتب " في حرف الميم , مع أن المعجمين يذكرون كلمة " مكتب " في مادة كتب , وهذه الطريقة سبق إليها ( فلوجل الألماني) .
ورواد التأليف المعجمي في العربية , وضعوا كل قواعد المعجم , ومن جاء بعدهم حتى هذا العصر لم يضيفوا جديداً إلى نظام السلف , ولم يبتكروا ترتيباً طريفاً , بل سبقهم أولئك الرواد ومشى الخَلَف على نهجهم بعد أن اختاروا طريقة أحدهم , وأغفلوا ماعداها , لأنها أقرب تناولاً , وأكثر تيسيراً وأبعد , عن المشقة , وتركوا غيرها لوعورة الطريق إليها .
ويلتقي هؤلاء الرواد في كثير من النقاط , ويتفق بعضهم في المنهج , ولكنّ لكل منهم سماته وخصائصه , وفي وسعنا أن نحصر معجمات هؤلاء الرواد – من الخليل حتى البرمكي - في أربع مدارس , كلها وجدت خلال ثلاثة قرون , ابتداء من أواخر القرن الثاني للهجرة , وحتى أواخر القرن الرابع للهجرة , وعلى سبيل التقريب : بدأت قبل وفاة الخليل سنة 170 هجرية أو 175 هجرية , وانتهت سنة 397 هجرية .وكما يلتقي الرواد في بعض نقاط المناهج التي اتبعوها فإن المدارس المعجمية تلتقي في بعض النقاط , وتختلف في بعضها , ولكن لكل منها شخصيتها الخاصة التي تميزها عن سواها .
وعندما يطلع القارئ على هذه المدارس , ومنهج كل منها , سيرى الفارق بينهن واضحاً جلياً .
وهذه المدارس أربع في رأينا , إلاّ أن في وسعنا أن نجعل مردّ أصولها إلى نبعين مختلفين , وهي أربع لمن أراد التفصيل , واثنتان لمن أراد الإيجاز والإجمال .
وهاتان المدرستان هما : مدرسة المعاني , ومدرسة الألفاظ , أما مدرسة المعاني فهي التي اتخذت معاجم رتبتها حسب المعاني والموضوعات , كالغريب المصنف لابي عبيد , أحد الرواد المتقدمين , والمخصص لابن سيده , ويدخل في فصول هذه المدارس كل الرسائل والكتب اللغوية التي اتخذت المعانيَ وسيلتها في ذكر الكلمات .
أما مدرسة الالفاظ فهي التي بنت قواعدها على علم الأصوات اللغوية , ورتبت المعجم حسب الحروف التي تبتدئ بها أوائل الكلمات على اختلاف في ترتيب الحروف , كالاختلاف بين ترتيب الخليل وأبي عمرو والجوهري والبرمكي والقالي .
فهؤلاء بنوا معجماتهم على علم الأصوات اللغوية , ورتبوها على الحروف , ولكن كل واحد منهم اتخذ طريقاً خاصاً , فالخليل رتب مواده على الحروف بحسب المخارج , واتبعه القالي على اختلاف يسير , إذ خالف الخليلَ في ترتيب حروف الحلق , وخالفه في ترتيب المجموعات إذ نقلها من مواضعها التي أنزلها فيها الخليلُ دون أن يغير في ترتيب حروف كل مجموعة من المجموعات .
وأبو عمرو رتّب مواده على ترتيب الحروف الهجائية المعروفة وكذلك البرمكي , أما الجوهري فقد رتب على الحروف ولكنه خالف من سبقه أو لحقه , ممن خالفوا طريقته , خالفهم في أنه لم ينظر إلى أول الكلمة بل نظر إلى آخرها , ثم رتب المواد على حروف الهجاء .
ولو قسمنا المدارس اللغوبة إلى مجموعتين بهذا الاعتبار , لكان تقسيما ً صحيحاً , إلاّ أننا آثرنا أن نفرد لكل من ألف معجماً بناه على الاصوات اللغوية مدرسة خاصة به , نسبناها إلى رائدها أو إمامها ليكون عملنا أدق وأكثر تفصيلاً . . .
وهذه المدارس الأربع هي :
1- مدرسة الخليل .
2- مدرسة أبي عبيد .
3- مدرسة الجوهري .
4- مدرسة البرمكي .
مدرسة الخليل أول مدرسة عرفتها العربية في تاريخ المعجم العربي , والخليل إمام هذه المدرسة وإمام المعجميين العرب عامة , فهو أول من شقّ أمامهم طريق التأليف المعجمي ودلهم عليه , وفتح لهم بابه .
وقِوام مدرسته ترتيب المواد على الحروف حسب مخارجها , وتقسيم المعجم إلى كتب , وتفريع الكتب إلى أبواب بحسب الأبنية , وحشد الكلمات في الأبواب , وقلبُ الكلمة إلى مختلف الصيغ التي تاتي منها , مثل قوله في باب السين والميم مع الواو والألف والياء : سوم , وسم , سمو , مسو , موس . وإهمال مالم يستعمل إذا لم يجئ , فهو قد أهمل في هذا الباب " ومس " لأن العرب لم تستعمله في رأيه .
وقد سار بعض رواد التاليف المعجمي على نهج الخليل , فالتزمه الأزهري في " التهذيب " وابن عباد في " المحيط " , والقالي في " البارع " .
ولم يكن هؤلاء الرواد مقلدين , ولم يتبعوا الخليل في كل دقيقة من دقائق منهجه , بل خالفوه في بعض منهجه , وأضافوا إلى طريقة الخليل أشياء جديدة , وهذا الجديد الذي أضافوه أو المقصد الذي أرادوه , نتيجة تطور التأليف المعجمي الملحوظ بين البادئ المبتكر , والتابع المتأخر , , ,
فالخليل أراد أن يحصر اللغة – كما حصر العروض – حصراً علمياً , بوساطة الأرقام , وذكر أن عدد أبنية كلام العرب – المستعمل والمهمل - على مراتبها الأربع , من الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي اثنا عشر مليون كلمة .
وطريقة الخليل في الإحصاء طريقة دقيقة مبنية على علم الحساب , فهو رأى أن الحروف التي تتألف منها الكلمات ثمانية وعشرون , والأبنية أربع .
ففي الثنائي –مثلا - ذكر أن عدد أبنيته 756 وذلك ناتج من أن عدد الحروف الهجائية 28 وتضرب في 27 وهي الكلمات التي تتركب مع الحرف الذي تبتدئ به الكلمة , بعد ان يسقط هو نفسه في التركيب مع جنسه , فحرف الهمزة مع الباء فالتاء فالثاء حتى الياء يكوّن سبعاً وعشرين كلمة , فسضرب هذا العدد في عدد الحروف ينتج 756 منها المهمل , ومنها المستعمل .
وهكذا صنع في أبنية الثلاثي فالرباعي فالخماسي .
وطريقة الخليل هي الفاذة في إحصاء مواد اللغة , ولكن الرقم الذ ذكره ليس هو المستعمل , بل فيه المهمل ة وهو كثير , ولعله أكثر من المستعمل .
أما أتباع مدرسة الخليل فقد قصدوا على جمع اللغة , ولكنهم أرادوا مع ذلك ان يسموا عملهم بجديد , فوصف الأزهري عمله في كتابه أنه " تهذيب اللغة " ونفيُ الغلط عنها وتصويب ما لحق بعض ألفاظها من تصحيف وتحريف .
أما ابن دريد فسمى كتابه " جمهرة اللغة " واسمه يدل على مقصده من تأليف معجمه , فهو عنى بتدوين جمهور العربية , أما غيره فيذكره عرضاً , ومقصد ابن عباد في " المحيط " استيعاب المواد واستدراك ما أغفله غيره ممن سبقوه , ومقصد القالي قريب من مقصد الأزهري .
ومن أوجه الخلاف بين رائد هذه المدرسة وأتباعها أن الخليل جعل كل كتاب في معجمه قائماً على حرف من حروف الهجاء , ومقسوماً إلى أربعة أبواب : الثنائي المضاعف , والثلاثي الصحيح , واللفيف , وجعل الباب الرابع للرباعي والخماسيّ .
وكذلك صنع القالي , إلاّ أنه أفرد لكل من الرباعي والخماسي باباً , وعزل ماكان ثلاثياً معتلاً بحرف عن اللفيف , وسماه الثلاثي المعتل .
والأزهري الذي اتبع الخليل وسار على طريقه خطوة خطوة , خالفه في المهموز وأحرف العلّة , فالخليل حشد ماكان معتلاً بحرف أو حرفين مع المهموز دون تفرقة , وجعلهما في باب اللفيف , وأراد الأزهري إفراد المهموز , وعزْله عن المعتل , ولكنه لم يوفق كل التوفيق .
وصنع الصاحب صُنع الأزهري في باب اللفيف , وافتتح الباب بالصحيح , ثم ما كان مبدوءاًُ بالهمزة , ثم ما كان أوله واواً , ثم ما كان أوله ياء , ولكن لم يتّبع الصاحبُ هذا النهج في الثلاثي المعتل .
وأراد ابن فارس التخلص من مدرسة العين , ولكنه لم يستطع أن يخرج عنها , فقد تبع العين في بعض الخطوط التي خطّها الخليل , منها : أنّ ابن فارس قسّم معجمه بحسب الأبنية , وهذا هو بعض قواعد كتاب العين .
واتبع أيضاً طريقة أبي عمرو الشيباني بعد أن أدخل عليها كثيراً من الضبط والإحكام , فهو سار في ترتيب مواد معجمه المجمل والمقاييس على ترتيب حروف الهجاء , وكان ابن فارس أكثر توفيقاً من أبي عمرو في ترتيب الكلمات إذ راعى الحرف الثاني , ولكن البرمكي كان أكثر منهما توفيقاً في هذا السبيل .
ولعلّ أهم عيوب هذه المدرسة – باستثناء معجمي ابن فارس- وعورة الطريق لمن يريد أم ينتقل في ربوعها , وصدُّها الشادي عن منهلها كل الصدود , وإجهادها العالم الذي يقصدها مسترشداً مستفيداً .
(مقتطف من الشبكة وبارك الله في واضعه )
تعليق