قيام الليل وما يتعلق به من أحكام وآداب
أولاً: قيام الليل عموماً:
*أ. الآيات:
1- قال تعالى: { وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَـٰمًا} [الفرقان:64].
قال سعيد بن جبير: "يعني يصلون بالليل"([1]).
وقال ابن جرير: "والذين يبيتون لربهم يصلون لله، يراوحون بين سجودٍ في صلاتهم وقيام"([2]).
وقال السيوطي: "ينتصبون لله على أقدامهم، ويفترشون وجوههم سجداً لربهم، تجري دموعهم على خدودهم خوفاً من ربهم".
قال الحسن: لأمرٍ ما سهر ليلهم، ولأمر ما خشع نهارهم"([3]).
2- وقال تعالى: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ} [السجدة:16].
قال الحسن: "يعني قيام الليل"([4]).
وقال مجاهد: "يقومون يصلون من الليل"([5]).
وقال ابن كثير: "يعني بذلك قيام الليل، وترك النوم والاضطجاع على الفرش الوطيئة"([6]).
3- وقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءانَاء ٱلَّيْلِ سَـٰجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} [الزمر:9].
قال ابن عباس: "من أحب أن يهوِّن الله عليه الوقوف يوم القيامة، فليره الله في ظلمة الليل ساجداً أو قائماً يحذر الآخرة، ويرجو رحمة ربه"([7]).
وقال ابن كثير: "قال ابن عباس والحسن والسُدّي وابن زيد آناء الليل جوف الليل"([8]).
4- وقال تعالى: {كَانُواْ قَلِيلاً مّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِٱلأَسْحَـٰرِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17، 18].
قال الحسن: "كابدوا قيام الليل"([9]).
وقال أيضاً: "مدوا في الصلاة ونشطوا حتى كان الاستغفار بسحر"([10]).
وقال القرطبي: "{كَانُواْ قَلِيلًا مّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} أي: ينامون قليلاً من الليل ويصلون أكثره"([11]).
*ب. الأحاديث:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصيام، بعد رمضان، شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة، بعدالفريضة، صلاة الليل)) ([12]).
قال النووي: "فيه دليل لما اتفق العلماء عليه أن تطوع الليل أفضل من تطوع النهار"([13]).
2- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: كان الرجل في حياة النبي صلىالله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتمنَّيت أن أرى رؤيا فأقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت غلاماً شاباً، وكنت أنامُ في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني، فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان، وإذا فيها أُناسٌ قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، قال: فلقينا ملك آخر فقال لي:لم تُرَع. فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:((نِعْم الرجل عبد الله لوكان يُصلي من الليل، فكان بعدُ لا ينام من الليل إلا قليلاً)) ([14]).
قال ابن حجر: "شاهد الترجمة قوله: ((نِعْم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل)) فمقتضاه أن من كان يصلي من الليل يوصف بكونه نعم الرجل"([15]).
وقال أيضاً: وفي الحديث تنبيه على أن قيام الليل مما يُتقى به النار"([16]).
3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عُقدٍ، يضرب على مكان كل عقدة: عليك ليلٌ طويل فارقد،فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدةٌ، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدةٌ،فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان))([17]).
قال ابن حجر: "والذي يظهر أن في صلاة الليل سراً في طيب النفس وإن لم يستحضر المصلى شيئاً مما ذكر، وكذا عكسه، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيْلِ هِىَ أَشَدُّ وَطًْأ وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل:6]. وقد استنبط بعضهم منه أن من فعل ذلك مرةً ثم عاد إلى النوم لا يعود إليه الشيطان بالعقد المذكور ثانياً([18]).
4- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن في الليل لساعةً لا يوافقها رجلٌ مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة، إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلةٍ)) ([19]).
قال النووي: "فيه إثبات ساعة الإجابة في كل ليلة ويتضمن الحث على الدعاء في جميع ساعات الليل رجاء مصادفتها"([20]).
5- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى، وأيقظ امرأته فصلَّت، فإن أبت نضح في وجهها من الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلَّت، وأيقضت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء))([21]).
قال الطيبي: "وفيه أن من أصاب خيراً ينبغي له أن يتحرى إصابته الغير، وأن يحب له ما يحب لنفسه، فيأخذ بالأقرب فالأقرب. فقوله صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله رجلاً فعل كذا)) تنبيه للأمة بمنزلة رش الماء على الوجه لاستيقاظ النائم، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما نال ما نال بالتهجد من الكرامة والمقام المحمود، أراد أن يحصل لأمته نصيب وافر من ذلك، فحثهم عليه على سبيل التلطف، حيث عدل من صيغة الأمر إلى صيغة الدعاء لهم"([22]).
6- وعن أبي سعيد وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين جميعاً، كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات))([23]).
قال أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي: "وفي الحديث إشارة إلىتفسير الآية الكريمة: {وَٱلذٰكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرًا وَٱلذٰكِرٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيمًا} [الأحزاب:35] ([24]).
*ج. آثار عن بعض الصحابة والسلف في فضل قيام الليل:
1- قال ابن عمر رضي الله عنهما حين حضرته الوفاة: (ما آسى على شيء من الدنيا إلا على ظمأ الهواجر ومكابدة الليل)([25]).
2- وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (شرف الرجل قيامه بالليل وغناه استغناؤه عما في أيدي الناس)([26]).
3- وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (فضل صلاة الليل على صلاة النهار كفضل صدقة السر على صدقة العلانية)([27]).
4- وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: (ركعة بالليل أفضل من عشر بالنهار)([28]).
5- وقيل للحسن: ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهاً؟ قال:"لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره نوراً"([29]).
6- وقال أيضاً: "ما نعلم عملاً أشد من مكابدة هذا الليل، ونفقة هذا المال"([30]).
7- وعن الأوزاعي: "بلغني أنه من أطال قيام الليل خفف الله عنه يوم القيامة"([31]).
8- وقال يزيد الرقاشي: "بطول التهجد تقر عيون العابدين وبطول الظمأ تفرح قلوبهم"([32]).
9- وقال أيضاً: "قيام الليل نور للمؤمن يوم القيامة، يسعى من بين يديه ومن خلفه، وصيام العبد يُبعده من حرِّ السعير"([33]).
10- وقال شريك: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار"([34]).
*د. آداب قيام الليل:
1. ذكرُ الله سبحانه وتعالى عند القيام:
إذا استيقظ الإنسان من نومه لصلاة الليل استحبّ له أن يذكر الله تعال تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
فعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: سألت عائشة أم المؤمنين: بأي شيء كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟ قالت: كان إذاقام من الليل افتتح صلاته: ((اللهم! رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات الأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيهمن الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم))([35]).
قال النووي: "يسن لكل من استيقظ في الليل أن يمسح النوم عن وجهه وأن يتسوك وأن ينظر في السماء وأن يقرأ الآيات التي في آخر آل عمران: {إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ} [آل عمران:190] الآيات، ثبت كل ذلك في الصحيحين([36]) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"([37]).
2. التسوك عند القيام للتهجد:
عن حذيفة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك([38]).
قال ابن دقيق العيد: "فيه دليل على استحباب السواك في هذه الحالة وهي القيام من النوم. وعلته أن النوم مقتضى لتغير الفم والسواك هو آلة التنظيف للفم فيسن عند مقتضى التغير"([39]).
3. استفتاح القيام بركعتين خفيفتين:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذاقام من الليل ليصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين ([40]).
قال النووي: "هذا دليل على استحبابه لينشط بهما لما بعدهما"([41]).
4. ترك القيام عند النعاس:
عن عائشة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد، حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه))([42]).
قال النووي: "وفيه الحث على الإقبال على الصلاة بخشوع وفراغ قلب ونشاط، وفيه أمر الناعس بالنوم أو نحوه مما يذهب عنه النعاس"([43]).
5. طول القيام:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصلاة طول القنوت)) ([44]).
قال النووي: "المراد بالقنوت هنا القيام باتفاق العلماء فيما علمت"([45]).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلةً، فلم يزل قائماً حتى هممتُ بأمر سوء، قلنا: وما هممت؟ قال: هممت أن أقعد وأذر النبي صلى الله عليه وسلم)([46]).
قال ابن حجر: "وفي الحديث دليل على اختيار النبي صلى الله عليه وسلم تطويل صلاة الليل، وقد كان ابن مسعود قوياً محافظاً على الاقتداء بالنبي صلىالله عليه وسلم، وما همَّ بالقعود إلا بعد طول كثير ما اعتاده"([47]).
6. إيقاظ الأهل لصلاة القيام:
عن أم سلمة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ ليلةً فقال: ((سبحان الله، ماذا أنزل الليلة من الفتنة؟ ماذا أنزل من الخزائن؟ منيوقظ صواحب الحجرات؟ يا رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة))([48]).
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت النبي عليه السلام ليلةً فقال: ((ألا تصليان؟!))([49]).
قال ابن بطال: "في حديث أم سلمة وحديث علي فضل صلاة الليل وإنباه النائمين من الأهل والقرابة"([50]).
7. الإكثار من الدعاء والاستغفار:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن في الليل لساعةً، لا يوافقها رجلٌ مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة، إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلةٍ))([51]).
8. ترك المشقة على النفس في القيام:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي امرأةٌ فقال: ((من هذه؟))، فقلت: امرأةٌ لا تنام، تصلي، قال: ((عليكم من العمل ماتطيقون، فوالله، لا يملُّ الله حتى تملوا)) ([52]).
قال القاضي عياض: "ظاهره الإنكار لما تقدم من تكلُّف ما لايُطاق ويشق من العبادة، وقد جاء المعنى مفسراً في حديث مالك في الموطأ ([53])، قال: (فكره ذلك حتى عرفت الكراهة في وجهه)"([54]).
9. النوم بعد قيام الليل:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما ألفي رسول الله صلى الله عليه وسلم السحر الأعلى في بيتي أو عندي إلا نائماً) ([55]).
قال القاضي عياض: "تعني ـ والله أعلم ـ قبل الفجر وبعد قيامه،ثم ينام ليستريح من تعب القيام، وينشط لصلاة الصبح، والنوم بعد القيام آخر الليل مستحسن"([56]).
هـ. الأسباب التي بها يتيسَّر قيام الليل:
قال الغزالي: "اعلم أن قيام الليل عسير على الخلق إلا على من وفق للقيام بشروطه الميسرة له ظاهراً وباطناً.
فأما الظاهرة: فأربعة أمور:
الأول: أن لا يكثر الأكل فيكثر الشرب فيغلبه النوم ويثقل عليه القيام.
الثاني: أن لا يتعب نفسه بالنهار في الأعمال التي تعيا بها الجوارح،وتضعف بها الأعصاب، فإن ذلك أيضاً مجلبة للنوم.
الثالث: أن لا يترك القيلولة بالنهار.
الرابع: أن لا يحتقب الأوزار بالنهار، فإن ذلك مما يقسي القلب ويحول بينه وبين أسباب الرحمة.
وأما الباطنة فأربعة أمور:
الأول: سلامة القلب عن الحقد على المسلمين، وعن البدع وعن فضول هموم الدنيا.
الثاني: خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل.
الثالث: أن يعرف فضل قيام الليل بسماع الآيات والأخبار والآثار.
الرابع: وهو أشرف البواعث الحب لله وقوة الإيمان"([57]).
و. قصص وأشعار في فضل قيام الليل:
1- كان بعض السلف نائماً فأتاه آت في منامه فقال له: قم فصل، أما علمت أن مفاتيح الجنة مع أصحاب الليل، هم خزانها.
2- قال عون بن عبد الله:يدخل الله الجنة أقواماً فيعطيهم حتى يملوا وفوقهم ناس في الدرجات العلى، فلما نظروا إليهم عرفوهم، فقالوا: ربنا إخواننا كنا معهم فيم فضلتهم علينا؟ فيقول:هيهات هيهات! إنهم كانوا يجوعون حين تشبعون، ويظمئون حين تروون، ويقومون حين تنامون، ويشخصون حين تخفضون.
3- وكان بعض السلف يحيي الليل بالصلاة ففتر عن ذلك، فأتاه آتٍ في منامه، فقال له: قد كنت يا فلان تدأب في الخطبة فما الذي قصر بك عن ذلك؟ قال: وما ذلك؟ قال: كنت تقوم مِن الليل، أوَما علمت أن المتهجد إذا قام إلى تهجده قالت الملائكة: قد قام الخاطب إلى خطبته؟!.
4- ورأى بعضهم في منامه امرأة لا تشبه نساء الدنيا فقال لها: من أنت؟ قالت: حوراء أمة الله، فقال لها:زوجيني نفسك، قالت: اخطبني إلى سيدي وامهرني، قال: وما مهرك؟ قالت: طول التهجد.
5- نام بعض المتهجدين ذات ليلة، فرأى في منامه حوراء تنشده:
*أ. الآيات:
1- قال تعالى: { وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَـٰمًا} [الفرقان:64].
قال سعيد بن جبير: "يعني يصلون بالليل"([1]).
وقال ابن جرير: "والذين يبيتون لربهم يصلون لله، يراوحون بين سجودٍ في صلاتهم وقيام"([2]).
وقال السيوطي: "ينتصبون لله على أقدامهم، ويفترشون وجوههم سجداً لربهم، تجري دموعهم على خدودهم خوفاً من ربهم".
قال الحسن: لأمرٍ ما سهر ليلهم، ولأمر ما خشع نهارهم"([3]).
2- وقال تعالى: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ} [السجدة:16].
قال الحسن: "يعني قيام الليل"([4]).
وقال مجاهد: "يقومون يصلون من الليل"([5]).
وقال ابن كثير: "يعني بذلك قيام الليل، وترك النوم والاضطجاع على الفرش الوطيئة"([6]).
3- وقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءانَاء ٱلَّيْلِ سَـٰجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} [الزمر:9].
قال ابن عباس: "من أحب أن يهوِّن الله عليه الوقوف يوم القيامة، فليره الله في ظلمة الليل ساجداً أو قائماً يحذر الآخرة، ويرجو رحمة ربه"([7]).
وقال ابن كثير: "قال ابن عباس والحسن والسُدّي وابن زيد آناء الليل جوف الليل"([8]).
4- وقال تعالى: {كَانُواْ قَلِيلاً مّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِٱلأَسْحَـٰرِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17، 18].
قال الحسن: "كابدوا قيام الليل"([9]).
وقال أيضاً: "مدوا في الصلاة ونشطوا حتى كان الاستغفار بسحر"([10]).
وقال القرطبي: "{كَانُواْ قَلِيلًا مّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} أي: ينامون قليلاً من الليل ويصلون أكثره"([11]).
*ب. الأحاديث:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصيام، بعد رمضان، شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة، بعدالفريضة، صلاة الليل)) ([12]).
قال النووي: "فيه دليل لما اتفق العلماء عليه أن تطوع الليل أفضل من تطوع النهار"([13]).
2- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: كان الرجل في حياة النبي صلىالله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتمنَّيت أن أرى رؤيا فأقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت غلاماً شاباً، وكنت أنامُ في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني، فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان، وإذا فيها أُناسٌ قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، قال: فلقينا ملك آخر فقال لي:لم تُرَع. فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:((نِعْم الرجل عبد الله لوكان يُصلي من الليل، فكان بعدُ لا ينام من الليل إلا قليلاً)) ([14]).
قال ابن حجر: "شاهد الترجمة قوله: ((نِعْم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل)) فمقتضاه أن من كان يصلي من الليل يوصف بكونه نعم الرجل"([15]).
وقال أيضاً: وفي الحديث تنبيه على أن قيام الليل مما يُتقى به النار"([16]).
3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عُقدٍ، يضرب على مكان كل عقدة: عليك ليلٌ طويل فارقد،فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدةٌ، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدةٌ،فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان))([17]).
قال ابن حجر: "والذي يظهر أن في صلاة الليل سراً في طيب النفس وإن لم يستحضر المصلى شيئاً مما ذكر، وكذا عكسه، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيْلِ هِىَ أَشَدُّ وَطًْأ وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل:6]. وقد استنبط بعضهم منه أن من فعل ذلك مرةً ثم عاد إلى النوم لا يعود إليه الشيطان بالعقد المذكور ثانياً([18]).
4- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن في الليل لساعةً لا يوافقها رجلٌ مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة، إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلةٍ)) ([19]).
قال النووي: "فيه إثبات ساعة الإجابة في كل ليلة ويتضمن الحث على الدعاء في جميع ساعات الليل رجاء مصادفتها"([20]).
5- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى، وأيقظ امرأته فصلَّت، فإن أبت نضح في وجهها من الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلَّت، وأيقضت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء))([21]).
قال الطيبي: "وفيه أن من أصاب خيراً ينبغي له أن يتحرى إصابته الغير، وأن يحب له ما يحب لنفسه، فيأخذ بالأقرب فالأقرب. فقوله صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله رجلاً فعل كذا)) تنبيه للأمة بمنزلة رش الماء على الوجه لاستيقاظ النائم، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما نال ما نال بالتهجد من الكرامة والمقام المحمود، أراد أن يحصل لأمته نصيب وافر من ذلك، فحثهم عليه على سبيل التلطف، حيث عدل من صيغة الأمر إلى صيغة الدعاء لهم"([22]).
6- وعن أبي سعيد وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين جميعاً، كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات))([23]).
قال أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي: "وفي الحديث إشارة إلىتفسير الآية الكريمة: {وَٱلذٰكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرًا وَٱلذٰكِرٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيمًا} [الأحزاب:35] ([24]).
*ج. آثار عن بعض الصحابة والسلف في فضل قيام الليل:
1- قال ابن عمر رضي الله عنهما حين حضرته الوفاة: (ما آسى على شيء من الدنيا إلا على ظمأ الهواجر ومكابدة الليل)([25]).
2- وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (شرف الرجل قيامه بالليل وغناه استغناؤه عما في أيدي الناس)([26]).
3- وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (فضل صلاة الليل على صلاة النهار كفضل صدقة السر على صدقة العلانية)([27]).
4- وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: (ركعة بالليل أفضل من عشر بالنهار)([28]).
5- وقيل للحسن: ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهاً؟ قال:"لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره نوراً"([29]).
6- وقال أيضاً: "ما نعلم عملاً أشد من مكابدة هذا الليل، ونفقة هذا المال"([30]).
7- وعن الأوزاعي: "بلغني أنه من أطال قيام الليل خفف الله عنه يوم القيامة"([31]).
8- وقال يزيد الرقاشي: "بطول التهجد تقر عيون العابدين وبطول الظمأ تفرح قلوبهم"([32]).
9- وقال أيضاً: "قيام الليل نور للمؤمن يوم القيامة، يسعى من بين يديه ومن خلفه، وصيام العبد يُبعده من حرِّ السعير"([33]).
10- وقال شريك: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار"([34]).
*د. آداب قيام الليل:
1. ذكرُ الله سبحانه وتعالى عند القيام:
إذا استيقظ الإنسان من نومه لصلاة الليل استحبّ له أن يذكر الله تعال تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
فعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: سألت عائشة أم المؤمنين: بأي شيء كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟ قالت: كان إذاقام من الليل افتتح صلاته: ((اللهم! رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات الأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيهمن الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم))([35]).
قال النووي: "يسن لكل من استيقظ في الليل أن يمسح النوم عن وجهه وأن يتسوك وأن ينظر في السماء وأن يقرأ الآيات التي في آخر آل عمران: {إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ} [آل عمران:190] الآيات، ثبت كل ذلك في الصحيحين([36]) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"([37]).
2. التسوك عند القيام للتهجد:
عن حذيفة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك([38]).
قال ابن دقيق العيد: "فيه دليل على استحباب السواك في هذه الحالة وهي القيام من النوم. وعلته أن النوم مقتضى لتغير الفم والسواك هو آلة التنظيف للفم فيسن عند مقتضى التغير"([39]).
3. استفتاح القيام بركعتين خفيفتين:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذاقام من الليل ليصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين ([40]).
قال النووي: "هذا دليل على استحبابه لينشط بهما لما بعدهما"([41]).
4. ترك القيام عند النعاس:
عن عائشة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد، حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه))([42]).
قال النووي: "وفيه الحث على الإقبال على الصلاة بخشوع وفراغ قلب ونشاط، وفيه أمر الناعس بالنوم أو نحوه مما يذهب عنه النعاس"([43]).
5. طول القيام:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصلاة طول القنوت)) ([44]).
قال النووي: "المراد بالقنوت هنا القيام باتفاق العلماء فيما علمت"([45]).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلةً، فلم يزل قائماً حتى هممتُ بأمر سوء، قلنا: وما هممت؟ قال: هممت أن أقعد وأذر النبي صلى الله عليه وسلم)([46]).
قال ابن حجر: "وفي الحديث دليل على اختيار النبي صلى الله عليه وسلم تطويل صلاة الليل، وقد كان ابن مسعود قوياً محافظاً على الاقتداء بالنبي صلىالله عليه وسلم، وما همَّ بالقعود إلا بعد طول كثير ما اعتاده"([47]).
6. إيقاظ الأهل لصلاة القيام:
عن أم سلمة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ ليلةً فقال: ((سبحان الله، ماذا أنزل الليلة من الفتنة؟ ماذا أنزل من الخزائن؟ منيوقظ صواحب الحجرات؟ يا رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة))([48]).
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت النبي عليه السلام ليلةً فقال: ((ألا تصليان؟!))([49]).
قال ابن بطال: "في حديث أم سلمة وحديث علي فضل صلاة الليل وإنباه النائمين من الأهل والقرابة"([50]).
7. الإكثار من الدعاء والاستغفار:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن في الليل لساعةً، لا يوافقها رجلٌ مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة، إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلةٍ))([51]).
8. ترك المشقة على النفس في القيام:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي امرأةٌ فقال: ((من هذه؟))، فقلت: امرأةٌ لا تنام، تصلي، قال: ((عليكم من العمل ماتطيقون، فوالله، لا يملُّ الله حتى تملوا)) ([52]).
قال القاضي عياض: "ظاهره الإنكار لما تقدم من تكلُّف ما لايُطاق ويشق من العبادة، وقد جاء المعنى مفسراً في حديث مالك في الموطأ ([53])، قال: (فكره ذلك حتى عرفت الكراهة في وجهه)"([54]).
9. النوم بعد قيام الليل:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما ألفي رسول الله صلى الله عليه وسلم السحر الأعلى في بيتي أو عندي إلا نائماً) ([55]).
قال القاضي عياض: "تعني ـ والله أعلم ـ قبل الفجر وبعد قيامه،ثم ينام ليستريح من تعب القيام، وينشط لصلاة الصبح، والنوم بعد القيام آخر الليل مستحسن"([56]).
هـ. الأسباب التي بها يتيسَّر قيام الليل:
قال الغزالي: "اعلم أن قيام الليل عسير على الخلق إلا على من وفق للقيام بشروطه الميسرة له ظاهراً وباطناً.
فأما الظاهرة: فأربعة أمور:
الأول: أن لا يكثر الأكل فيكثر الشرب فيغلبه النوم ويثقل عليه القيام.
الثاني: أن لا يتعب نفسه بالنهار في الأعمال التي تعيا بها الجوارح،وتضعف بها الأعصاب، فإن ذلك أيضاً مجلبة للنوم.
الثالث: أن لا يترك القيلولة بالنهار.
الرابع: أن لا يحتقب الأوزار بالنهار، فإن ذلك مما يقسي القلب ويحول بينه وبين أسباب الرحمة.
وأما الباطنة فأربعة أمور:
الأول: سلامة القلب عن الحقد على المسلمين، وعن البدع وعن فضول هموم الدنيا.
الثاني: خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل.
الثالث: أن يعرف فضل قيام الليل بسماع الآيات والأخبار والآثار.
الرابع: وهو أشرف البواعث الحب لله وقوة الإيمان"([57]).
و. قصص وأشعار في فضل قيام الليل:
1- كان بعض السلف نائماً فأتاه آت في منامه فقال له: قم فصل، أما علمت أن مفاتيح الجنة مع أصحاب الليل، هم خزانها.
2- قال عون بن عبد الله:يدخل الله الجنة أقواماً فيعطيهم حتى يملوا وفوقهم ناس في الدرجات العلى، فلما نظروا إليهم عرفوهم، فقالوا: ربنا إخواننا كنا معهم فيم فضلتهم علينا؟ فيقول:هيهات هيهات! إنهم كانوا يجوعون حين تشبعون، ويظمئون حين تروون، ويقومون حين تنامون، ويشخصون حين تخفضون.
3- وكان بعض السلف يحيي الليل بالصلاة ففتر عن ذلك، فأتاه آتٍ في منامه، فقال له: قد كنت يا فلان تدأب في الخطبة فما الذي قصر بك عن ذلك؟ قال: وما ذلك؟ قال: كنت تقوم مِن الليل، أوَما علمت أن المتهجد إذا قام إلى تهجده قالت الملائكة: قد قام الخاطب إلى خطبته؟!.
4- ورأى بعضهم في منامه امرأة لا تشبه نساء الدنيا فقال لها: من أنت؟ قالت: حوراء أمة الله، فقال لها:زوجيني نفسك، قالت: اخطبني إلى سيدي وامهرني، قال: وما مهرك؟ قالت: طول التهجد.
5- نام بعض المتهجدين ذات ليلة، فرأى في منامه حوراء تنشده:
أتخطب مثلي وعني تنام ونوم المحبين عنا حـرام
لأنا خُلقنا لكل امرئ كثير الصلاة براه الصيام
لأنا خُلقنا لكل امرئ كثير الصلاة براه الصيام
6- وكان لبعض السلف ورد من الليل فنام عنه ليلة، فرأى في منامه جارية كأن وجهها القمر، ومعها رق فيه كتاب مكتوب، فقالت: أتقرأ؟ قال: نعم، فأعطته إياه، ففتحه فإذا فيه مكتوب:
ألهتـك اللذائـذ والأمـــاني عن الفردوس والظلل الدواني
أتلهو بالكرى عن طيب عيـشٍ مع الخيرات في غُرف الجنان
تعيش مخلـداً لا مـوت فيهـا وتنعم في الجنان مع الحسان
تيقـظ من منـامك إن خـيراً من النـوم التهجد بالقُران
فاستيقظ قال: فوالله ما ذكرتها إلا ذهب عني النوم.
7- كان بعض الصالحين له وردٌ فنام عنه، فوقف عليه فتى في منامه، فقال له بصوت محزون:
7- كان بعض الصالحين له وردٌ فنام عنه، فوقف عليه فتى في منامه، فقال له بصوت محزون:
تيقظ لساعات من الليل يا فتى لعلـك تحظى في الجنان بحورها
فتنعم في دارٍ يـدوم نعيمهـا محمد فيهـا والجليـل يزورها
فقم وتيقظ سـاعة بعد ساعة عساك توفي ما بقي من مهورها
فتنعم في دارٍ يـدوم نعيمهـا محمد فيهـا والجليـل يزورها
فقم وتيقظ سـاعة بعد ساعة عساك توفي ما بقي من مهورها
8- كان بعض السلف الصالح كثير التهجد، فبكى شوقاً إلى الله عز وجل ستين سنة، فرأى في منامه كأنه على ضفة نهر يجري بالمسك به شجرُ لؤلؤ ونبت من قضبان الذهب، فإذا بحورٍ مزيناتٍ يقلن بصوتواحد: سُبحان المسبّح بكل لسان سبحانه، سبحان الموحد بكل مكان سبحانه، سبحان الدائم في كل الأزمان سبحانه، فقال لهن: ما تصنعن هاهنا، فقلن:
ذرانا إله الناس رب محمـد لقـوم على الأقدام بالليل قوم
يناجون رب العـالمين إلههـم وتسري هموم القوم والناس نوم
فقال: بخٍ بخٍ لهؤلاء من هم لقد أقر الله أعينهم بكنَّ، فقلن: أوما تعرفهم؟! قال: لا، فقلن: بلى هؤلاء المتهجدون أصحاب القرآن والسهر.
9- وروي عن أبي سليمان الداراني أنه قال: ذهب بي النوم ذات ليلة في صلاتي فإذا بها – يعني الحوراء –تنبهني وتقول: يا أبا سليمان! أترقد وأنا أربىّ لك في الخدور منذ خمسمائة سنة؟ وفي رواية عنه أنه نام ليلة في سجوده، قال: فإذا بها قد ركضتني برجلها وقالت: أحبيبي ترقد عيناك والملك يقظان ينظر إلى المتهجدين في تهجدهم، بؤساً لعين آثرت لذة نوم على مناجاة العزيز، قم فقد دنا الفراغ، ولقي المحبّون بعضهم بعضاً، فما هذا الرقاد ياحبيبي وقرة عيني؟ أترقد عيناك وأنا أربى لك في الخدور منذ خمسمائة عام؟ فوثب فزعاً، وقد عرق من توبيخها له، قال: وإن حلاوة منطقها لفي سمعي وقلبي.
10- وقال أبو سليمان الداراني: إذا جن الليل وخلا كل حبيب بحبيبه، افترش أهل المحبة أقدامهم، وجرت دموعهم على خدودهم أشرف الجليل جل جلاله، ونادى يا جبريل!: بعيني من تلذذ بكلامي واستروح إلى مناجاتي، ناد فيهم يا جبريل! ما هذا البكاء، هل رأيتم حبيباً يعذب أحباءه أم كيف يجمل بي أن أعذب قوماً إذا جنهم الليل تملقوني؟ فبي حلفت إذا قدموا عليّ يوم القيامة لأكشفن لهم عن وجهي ينظرون إلي، وأنظر إليهم.
11- رأت امرأة من الصالحات فيمنامها كأن حللاً قد فرقت على أهل مسجد محمد بن جحادة، فلما انتهى الذي يفرقها إليه، دعا بسفط مختوم، فأخرج منه حلة صفراء، قالت: فلم يقم لها بصري، فكساه إياها،وقال: هذه لك بطول السهر، قالت: فوالله لقد كنت أراه – تعني محمد بن جحادة – بعد ذلك فأتخايلها عليه – تعني تلك الحلة.
12- وقال بعضهم:
9- وروي عن أبي سليمان الداراني أنه قال: ذهب بي النوم ذات ليلة في صلاتي فإذا بها – يعني الحوراء –تنبهني وتقول: يا أبا سليمان! أترقد وأنا أربىّ لك في الخدور منذ خمسمائة سنة؟ وفي رواية عنه أنه نام ليلة في سجوده، قال: فإذا بها قد ركضتني برجلها وقالت: أحبيبي ترقد عيناك والملك يقظان ينظر إلى المتهجدين في تهجدهم، بؤساً لعين آثرت لذة نوم على مناجاة العزيز، قم فقد دنا الفراغ، ولقي المحبّون بعضهم بعضاً، فما هذا الرقاد ياحبيبي وقرة عيني؟ أترقد عيناك وأنا أربى لك في الخدور منذ خمسمائة عام؟ فوثب فزعاً، وقد عرق من توبيخها له، قال: وإن حلاوة منطقها لفي سمعي وقلبي.
10- وقال أبو سليمان الداراني: إذا جن الليل وخلا كل حبيب بحبيبه، افترش أهل المحبة أقدامهم، وجرت دموعهم على خدودهم أشرف الجليل جل جلاله، ونادى يا جبريل!: بعيني من تلذذ بكلامي واستروح إلى مناجاتي، ناد فيهم يا جبريل! ما هذا البكاء، هل رأيتم حبيباً يعذب أحباءه أم كيف يجمل بي أن أعذب قوماً إذا جنهم الليل تملقوني؟ فبي حلفت إذا قدموا عليّ يوم القيامة لأكشفن لهم عن وجهي ينظرون إلي، وأنظر إليهم.
11- رأت امرأة من الصالحات فيمنامها كأن حللاً قد فرقت على أهل مسجد محمد بن جحادة، فلما انتهى الذي يفرقها إليه، دعا بسفط مختوم، فأخرج منه حلة صفراء، قالت: فلم يقم لها بصري، فكساه إياها،وقال: هذه لك بطول السهر، قالت: فوالله لقد كنت أراه – تعني محمد بن جحادة – بعد ذلك فأتخايلها عليه – تعني تلك الحلة.
12- وقال بعضهم:
يا نفس فاز الصالحون بالتقـى وأبصروا الحق وقلبي قد عمي
يا حسنهم والليـل قـد جنّهم ونورهم يفـوق نور الأنجـم
ترنّمـوا بالـذكـر في ليلهم فعيشهم قد طـاب بالترنّـم
قلوبهم للذكر قـد تفرّغـت دموعهم كاللؤلـؤ منتظـم
أنوارهم بهم لهم قد أشرقـت وخلع الغفران خـير القسم
يا حسنهم والليـل قـد جنّهم ونورهم يفـوق نور الأنجـم
ترنّمـوا بالـذكـر في ليلهم فعيشهم قد طـاب بالترنّـم
قلوبهم للذكر قـد تفرّغـت دموعهم كاللؤلـؤ منتظـم
أنوارهم بهم لهم قد أشرقـت وخلع الغفران خـير القسم
13- قام بعض الصالحين في ليلة باردة، وكان على أخلاق رثة، فضربه البرد، فبكى، فسمع هاتفاً يقول: أقمناك وأنمناهم، ثم تبكي علينا:
تنبهـوا أيـا أهيـل ودِّي كم ذا الكرى هبّ نسيم نجد
كم بين خالٍ وجوٍ وساهرٍ وراقـدٍ وكـاتمٍ ومُبـدي
كم بين خالٍ وجوٍ وساهرٍ وراقـدٍ وكـاتمٍ ومُبـدي
14- وقال بعضهم:
الليـل لي ولأحبـابي أحادثهـم قـد اصطفيتهم كي يسمعوا ويعوا
لهم قلوب بأسـراري لهـا مُلئت علـى ودادي وإرشادي لهم طبعوا
قد أثمرت شجرات الفهم عندهم فمـا جنوا إذ جنوا مما به ارتفعوا
سروا فما وهنوا عجزاً ولا ضعفوا وواصلوا حبل تقريبي فما انقطعوا([58])
لهم قلوب بأسـراري لهـا مُلئت علـى ودادي وإرشادي لهم طبعوا
قد أثمرت شجرات الفهم عندهم فمـا جنوا إذ جنوا مما به ارتفعوا
سروا فما وهنوا عجزاً ولا ضعفوا وواصلوا حبل تقريبي فما انقطعوا([58])
([8]) تفسير القرآن العظيم (4/51). ([9]) جامع البيان(22/408). ([10]) جامع البيان (22/409). ([11]) الجامعلأحكام القرآن (17/36). ([12]) أخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب فضل صوم المحرم رقم (1163).
([13]) صحيح مسلم بشرح النووي (8/55). ([14]) أخرجه البخاري في كتاب التهجد، باب فضل قيام الليل رقم (1121) واللفظ له، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رقم (2479).
([15]) فتح الباري (3/9). ([16]) فتح الباري (3/10).
([17]) أخرجه البخاري، كتاب التهجد، باب عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم ُ يُصلِّ بالليل،ومسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب ما روى فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح رقم(776).
([18]) فتح الباري (3/33). ([19]) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب في الليل ساعة مستجاب فيها الدعاء رقم(757).
([20]) شرح مسلم للنووي (6/36).
([21]) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب قيام الليل، رقم (1308)، والنسائي في كتاب قيامالليل، باب الترغيب في قيام الليل رقم (1610)، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة،باب ما جاء فيمن أيقظ أهله من الليل رقم (1336)، وابن خزيمة في صحيحه (2/183)،وابن حبان في صحيحه كما في الإحسان(6/306)، والحاكم في المستدرك (1/309) وقال: هذاحديث صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وحسَّنه العلامة الألباني في صحيح الترغيب(1/399) رقم (625).
([22]) شرح الطيـبي (3/129).
([23]) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الحث على قيام الليل رقم (1451)، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة باب ما جاء فيمن أيقظ أهله من الليل، رقم (1339)، وابن حبـان فيصحيحـه كما في الإحسان (6/307)، والحاكم في المستدرك (1/316) وقال: هذا حديث صحيحعلى شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، والحديث صححه العلامة الألباني في صحيح الجامع رقم (330).
([24]) عون المعبود (4/325). ([25]) مختصر قيام الليل للمروزي (ص62)، وابن سعد في الطبقات (4/185)، وسير أعلام النبلاء(3/232). ([26]) مختصر قيام الليل للمروزي (ص63)
.([27]) مختصر قيام الليل للمروزي (ص63)، والطبراني في الكبير (9/205) رقم (8998) و(8999)، وفي(10/179) رقم (10382)، قال الهيثمي في المجمع (2/251) رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات، ورجع الشيخ الألباني وقفه وضعف المرفوع في الجامع الصغير رقم (3980).([28]) مختصرقيام الليل للمروزي (ص63).
([29]) مختصر قيام الليل للمروزي (ص58). ([30]) الصلاة والتهجد للخراط (ص298). ([31]) مختصرقيام الليل للمروزي (ص66). ([32]) قيام الليل للمروزي (ص67).
([33]) الصلاة والتهجد للخراط (298).([34]) الكامل لابن عدي (2/526). ([35]) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، رقم (770).
([36]) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب قراءة القرآن بعد الحدث رقم (183)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه رقم (763).
([37]) المجموع شرح المهذب (4/45). ([38]) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء باب السواك رقم (245) ومسلم في كتاب الطهارة، باب السواك رقم (255).
([39]) إحكام الأحكام (1/67).([40]) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، رقم (767).
([41]) شرحصحيح مسلم للنووي (6/54). ([42]) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء باب الوضوء من النوم رقم (212) واللفظ له، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين، باب أمر من نعس في صلاته... رقم (786).
([43]) شرحصحيح مسلم للنووي ((6/74). ([44]) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين، باب أفضل الصلاة طول القنوت رقم (756).
([45]) شرح صحيح مسلم للنووي (6/35). ([46]) أخرجه البخاري في كتاب التهجد، باب طول الصلاة في قيام الليل رقم (1135) واللفظ له،ومسلم في كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل رقم(773).
([47]) فتح الباري (3/24). ([48]) أخرجه البخاري في كتاب التهجد، باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل والنوافل من غير إيجاب .. رقم (1126).
([49]) أخرجه البخاري في كتاب التهجد، باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل والنوافل من غير إيجاب رقم (1127) واللفظ له، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين، بابما روى فيمن نام الليل حتى أصبح رقم (775).
([50]) شرح صحيح البخاري لابن بطال (3/115). ([51]) تقدم تخريج الحديث والكلام عليه في فضل قيام الليل عموماً.
([52]) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب أحب الدين إلى الله أدومه رقم (43)، ومسلم في كتاب:صلاة المسافرين، باب أمر من نعس في صلاته... رقم (785)، واللفظ له.
([53]) الموطأ في كتاب صلاة الليل، باب ما جاء في صلاة الليل (1/118). ([54]) إكمالالمعلم بفوائد مسلم (3/150).
([55]) أخرجه البخاري في كتاب التهجد، باب من نام عند السحر رقم (1133)، ومسلم كتاب صلاة المسافرين باب صلاة الليل رقم (742) واللفظ له.
([56]) إكمال العلم بفوائد مسلم (3/88) بتصرف. ([57]) إحياءعلوم الدين (2/38-40) بتصرف. ([58]) كل ماتقدم من القصص والأشعار من كتاب شرح حديث اختصام الملأ الأعلى لابن رجب الحنبلي،(ص57-62) بتصرّف
تعليق