وجوب الإعتصام بالكتاب والسنة
المبحث الأول
معنى الاعتصام بالكتاب والسنة وأدلة وجوبه
لقد أمر الله الأمة بالاجتماع واتحاد الكلمة وجمع الصف على أن يكـون أساس هذا الاجتماع الاعتصام بالكتاب والسنة ، ونهى عن التفرق وبـين خطورته على الأمة في الدارين . ولتحقيق ذلك أمرنا بالتحاكـم إلى كتـاب الله تعالى في الأصول والفروع ونهينا عن كل سبب يؤدي إلى التفرق .
فالطريق الصحيح إلى النجاة هو التمسك بكتاب الله تعالى وسنة رسـوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم فإنهما حصن حصين وحرز متين لمن وفقه الله تعـالى . قـال تعـالى : وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (آل عمران : 103) . فقد أمر الله تعالى بالاعتصام بحبل الله ، وحبل الله هو عـهد الله أو هو القرآن كما قال المفسرون ، إذ العهد الذي أخذه الله على المسـلمين هو الاعتصام بالقرآن والسنة . فقد أمر الله تعالى بالجماعة ونهى عن التفـرق والاختلاف . قال تعالى : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (الحشر : 7) . وهذا شامل لأصول الدين وفروعه الظاهرة والباطنـة .
وأن ما جاء به الرسول يتعين على العباد الأخذ به واتباعه ولا تحل مخالفتـه ، وأن نص الرسول على حكـم الشيء كنص الله تعالى لا رخصة لأحـد ولا عذر له في تركه ، ولا يجوز تقديم قول أحد على قوله . قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (الأنفال : 20) . فقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بطاعتـه وطاعة رسـوله ، وزجرهم عن مخالفته والتشبه بالكافرين به المعاندين له . ولهذا قـال : وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ أي تتركوا طاعته وامتثال أوامره وترك زواجره .
وقال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (النساء : 59) .
قـال الحافظ ابن كثير : (أطيعوا الله ، أي اتبعوا كتابه ، وأطيعوا الرسول أي خـذوا سنته ، وأولي الأمر منكـم أي فيما أمروكم به من طاعة الله لا في معصيـة الله ، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله) . وقوله فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ قال مجاهد : أي إلى كتاب الله وسنة رسـوله .
*::**::*::*:::*:*::*::*::*:*:*::*
وهذا أمر من الله عز وجل بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الديـن وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة كما قال تعـالى : وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ (الشورى : 10) . فما حكـم به الكتـاب والسنة وشهدا له بالصحة فهو الحق ، فماذا بعد الحق إلا الضلال . ولهذا قال تعـالى : إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أي ردوا الفصـل في الخصومات والجهالات إلى الكتاب والسنة ومن لا يرجع إليهما في ذلـك فليس مؤمنًا بالله ولا اليوم الآخر . وقوله ذَلِكَ خَيْرٌ أي التحـاكم إلى كـتاب الله وسنة رسوله ، والرجوع إليهما في فصل النـزاع خير وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا أي وأحسن عاقبة ومآلا كما قال السدي وقال مجاهد : (وأحسـن جزاء وهو قريب) . وفي كتاب الله آيات كثـيرة وردت في وجـوب الاعتصام بالكتاب والسنة والرجوع إليهما في كل الأمور .
وأما الأدلة من السنة على وجوب التمسك بالكتاب والسنة فمنها مـا رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم قال : إن الله يرضى لكـم ثلاثًا ويسخط لكـم ثلاثًا ، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا ، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم . ويسخط لكـم ثلاثًا ، قيل وقال ، وكثرة السؤال وإضاعة المال . وعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي . وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم : تركتكـم علـى البيضـاء ليلـها كنهارها لا يزيغ عنها بعد إلا هالك . وجاء في حديث العربـاض بـن سارية قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم : عليكـم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعـدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ .
وقد بشر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم المتمسكين بسنته من أمته بأعظم بشـارة وأشـرف مقصد يطلبه كل مؤمن ويسعى إلى تحقيقه من كان في قلبه أدنى مسكة مـن إيمان ألا وهو الفوز بدخول الجنة . جاءت هذه البشـرى في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم : كل أمتي يدخلون الجنة إلا مـن أبى . قـالوا ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقـد أبى . وأي إباء ورفض للسنة أعظم مـن مخالفـة أمـره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم ؟ وذلـك بالإحداث والابتداع في الدين .
ومعلوم أن الفرقة الناجية هي التي كانت على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وهي الجماعة . قال أبي بن كعب رضي الله عنه : عليكم بالسبيل والسـنة فإنه ليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن ففاضت عيناه من خشـية الله فتمسه النار أبدًا وإن اقتصادًا في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خـلاف سبيل وسنة .
تعليق