الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا
من يهدهِ الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هاديَ له
وأشهد أن لا إله إلا الله
اللهم صلِّ وسلم وبارك علي نيبنا محمد وعلي آله وصحبه الكرام
أما بعــــــــــــــــد
دوره في شرح القواعد والأصول الجامعة
في أصول الفقه
للشيخ /عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله
أقول مستعينة بالله عز وجل
ما دفعني لعمل تلك الدوره التي أسأل الله أن ينفع بها
الإشاره إلى أهمية هذا العلم الذي تبنى عليه المقاصد والأحكام
وأعلم أن من أهم ما يكون لطالب العلم أن يعرف القواعد والأصول ،لأنها هي التي تجمع له العلم ،أما معرفة المسائل مفردة فهذه لا تنفع إلا القليل ، لأنه سرعان ما ينساه المرء ثم لا ينتفع به ؛لكن إذا كان عنده قواعد يبني عليها فروع هذه القواعد حصل علي خير كثير ولهذا يقال "من حُرم الأصول حُرم الوصول "
لذلك أحثُ طلبة العلم علي معرفة الأصول والقواعد ؛لأنها هي التي تنمي مواهبهم وتجمع لهم شوادر العلم ،أما كونه يعرف هذا حلال .وهذا حرام، هذا واجب، وهذا مكروه هذا بلا شك إنه نافع ،لكنه ليس من شأن طالب العلم هذا شأن العامي الذي يُخبَر عن حكم مسأله ويمشي ،لكن طالب العلم ينبغي أن يكون عنده حصيله من القواعد والأصول التي تبني عليها حتي إذا سئل أي ُّ مسأله ردها إلي القاعده العامة
هذه مقدمه أحببت أن ألفت نظرك أيها السالك لسبل العلماء ولنتعرف سوياً علي كيفية استنباط الحكم الفرعي من القاعده الأصوليه وكيفية الحكم علي المسأله طبقا للقاعده الأصوليه
تعريف أصول الفقه "فهو العلم بالقواعد والأدلة الإجمالية ،التي يتوصل بها إلي إستنباط الفقه كما يطلق علي هذه القواعد والأدلة الإجماليه"
أما القواعد فهي "قضايا كلية ينطبق حكمها علي الجزئيات التي تندرج تحتها ،فتعرف بها حكم هذه الجزئيات وبهذه القواعد يتوصل المجتهد إلى استنباط الفقه :أي استنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية "
ويعرف أيضا القواعد الفقهية "الأمر الذي ينطبق عليه جزئيات كثيرة ،تفهم أحكامها منه "
هذا اختصار لأهم المصطلحات ولنبدأ في شرح القواعد ولقد اكتفيت في هذه الدورةِ بشرح بعض القواعد الفقهيةِ
نسأل الله أن يتقبل منا وأن يجعله عملاً خالص لوجهه الكريم
(((القاعده الأصوليه الأولي ))
"الشارعُ لا يأمرُ إلا بما مصلحته خالصةٌ
أو راجحة ولا ينهي إلا عما مفسدته خالصةُ أو راجحه"
الشرح
إذن هنا مصلحة وهنا مفسده ،والمصلحة إما خالصه ليس فيها مفسدة ،وإما راجحة يعني تشتمل علي مفاسد لكنها قليلة بالنسبة للمصالح هذا القسم <يكون مأموراً به>
أما المفاسدٍِ إما خالصة ،وإما مفاسدِ راجحة يعني بها مفسدة ومصالح لكن المفسدة أرجح هذا القسم (منهي به محظوراً)
وعلي هذه القاعده تدور الأوامر والنواهي ، الأوامر تدور علي المصالح الخالصة أو الراجحة ، والنواهي تدور علي المفاسد الخالصة أو الراجحه
وهذا أصل شامل لجميع الشريعة ،لا يشذٌ عنه شيء من أحكامها ،قال تعالي
(إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚيَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
(فانتبه) وجميع ما في الشريعة من العبادات والمعاملات والأمر بأداء الحقوق المتنوعةِ تفاصيل وتفاريع وجميع ما فصَّله العلماء من المصالح المأمورات ومنافعها ،ومضارِّ المنهيات ومفاسدها داخل في هذا الأصل (القاعده السابق ذكرها )ولهذا يعللُ الفقهاء الأحكام المأمور بها بالمصالح ،والمنهي عنها بالمفاسد
(وبالمثال يتضح المقال )
مثال [ما مصلحته خالصةٌ من المأمورات ]
فجمهور الأحكام الشرعيه تدخل في باب المأمورات مثل الإيمان والتوحيد والإخلاص والصدق والعدل والإحسان والبِّر والصلة وأشباهها من مصالُحها في القلب والروح والدين والآخره والدنيا كل هذا يدخل فيما هو مصلحته خالصه مما يأمر به الشارع
مثال [ ما مصلحته راحجة ٌ عن مفسدته ]
حرم الله عزوجل الميتة والدم ولحم الخنزير ونحوها لما فيها من المفاسد والمضار ولكن قاوم هذه المفاسد مصلحة عظيمة ودفع مفسدة كبيره وهي ضروره لإحياء النفس حلت قال تعالي
(فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙفَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ]
(فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙفَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ]
إنتبه لتلك القاعده (لا ينتهك المحرم إلا لواجب )
يعني لو كان إنسان في البر وجاع وخاف الهلاك ولم يجد إلا ميته تحل له أم لأ؟؟ نعم تحل له بل أكل الميته هنا تبعا للقاعده الأصوليه يجب عليه أكلها مع إنها مفسده لكن قاومها مصلحة أعظم وهي إحياء النفس وهذا معني مصلحته راجحة اي به مفاسد ولكن المصلحة أعم وراجحة عن المفاسد
مثال [من كانت مفسدته خالصة أو راجحة ]
فالشرك بالله والكذب والظلم والربا وتعليم السحر والميتة والدم ولحم الخنزير ممن هو مفسدته خالصه لذلك نهي الشارع عنه وكذلك الخمر والميسر ممن هو مفسدته راحجةُ قال تعالي (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ)
وقال تعالي(وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ)
وقال تعالي (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖقُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ)
بقي علينا أن نقول هل نفهم من هذه القاعدة أن الشريعة إنما تأمر بما مصلحته خالصة أو راحجة ،وإنما تنهي عن ما مفسدته راحجة أو خالصه هل نقف عند هذا الحد ؟؟ لأ بل يجب علينا أن نؤمن بأن كل ما أمر الله ورسوله فهو خير ومصلحة سواء ظهر لنا ذلك أم لم يظهر وحينئذ نطمئن إلي الأوامر
وإن خالفة هوانا فالله عز وجل يعلم ونحن لا نعلم ما يضرنا وما ينفعنا وأن نعلم أن كل ما نهي عنه الله ورسوله فهو مفسدة إما خالصة أو راجحة وحينئذ نطمئن إلي المحرم ولا نقول لماذا حُرِم ،أو عن الواجب لماذا أُوجب وما أشبه ذلك قال تعالي
(وَمَاكَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗوَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)
وإن خالفة هوانا فالله عز وجل يعلم ونحن لا نعلم ما يضرنا وما ينفعنا وأن نعلم أن كل ما نهي عنه الله ورسوله فهو مفسدة إما خالصة أو راجحة وحينئذ نطمئن إلي المحرم ولا نقول لماذا حُرِم ،أو عن الواجب لماذا أُوجب وما أشبه ذلك قال تعالي
(وَمَاكَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗوَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)
أسأل الله أن أكون وفقت في شرح القاعدة الأولي
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
يتبع بإذن الله
تعليق