التفريق بين المرور وبين الاعتراض بين يدي المصلي
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : " كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -وَرِجْلايَ فِي قِبْلَتِهِ- فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي , فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ ، وإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا ، وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ ".
في الحديث مسائل :
1- هذا الحديث اعترضتْ به عائشة رضي الله عنها على ما حُدِّثَتْ به .
فقد روى البخاري ومسلم من طريق الأسود ومسروق عن عائشة أنه ذكر عندها ما يقطع الصلاة : الكلب والحمار والمرأة . فقالت : شبهتمونا بالْحُمُر والكلاب ! والله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة ، فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس فأوذي النبي صلى الله عليه وسلم فأنْسَلّ من عند رجليه .
فما الجواب على هذا الاعتراض ؟
الجواب :
1 – أن المرور بين يدي المصلِّي ليس كالاعتراض الموجود قبل صلاته .
2 – أنه جاء في روايات عن عائشة رضي الله عنها أن الذي يكون بيني يدي النبي صلى الله عليه وسلم هو جزء منها ، كما في حديث الباب : " وَرِجْلايَ فِي قِبْلَتِهِ " وفي رواية للبخاري : " كنت أمدّ رجلي في قبلة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُصلي ، فإذا سجد غمزني فرفعتها ، فإذا قام مددتها " .
وليس جزء الشيء كالشيء .
وليست يد الإنسان وَرِجْله مثل مروره بكامل جسده.
ومن هنا فإنه لو مدّ إنسان يده ليأخذ مصحف ، ومرّت يَده بين يدي المصلي لم يُحكم لهذا الفعل بالمرور بيني يدي المصلي .
3 – أن الجمع بين المرأة والحمار والكلب ليس من باب التشبيه بين المذكورات في الحديث ، وإنما هو للجامِع بينها في قَطع الصلاة .
وهذا الحديث قد اتّخذه أعداء الإسلام تِكأة في أن الإسلام أهان المرأة !
وليس الجمع بين هذه الثلاث من باب المساواة بين المذكورات .
فإن تحريم نكاح الأمهات والعمات والخالات ليس في درجة واحدة ، إذ حق الأم أعظم ، وهي أشد في التحريم .
كما أنك لو قلت : لا يَجوز أكل لحم الإنسان والخنزير والكلب ، لم يكن بينها رائحة مساواة ، وغاية ما فيه تحريم أكلها .
4 –أن هذا لِضيق البيوت ، وهو مُصرّح به في الأحاديث الأخرى ، أعني ضيق حُجرته صلى الله عليه وسلم وهو مفهوم هذا الحديث ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يجِد مُتسعاً لسجوده إلا بِقبض عائشة لرجليها .
2- التفريق بين المرور بيني يدي المصلي وبين الاعتراض جاء في قول عائشة رضي الله عنها .
روى البخاري من طريق عروة أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهي بينه وبين القبلة على فراش أهله ، اعتراض الجنازة .
3- بهذا تجتمع الأحاديث ، ولا تعارض بينها .
أي أنه يُفرّق بين الاعتراض وبين المرور بيني يدي المصلي .
4- وهذا الفعل وَقع في النافلة دون الفريضة ، وهو غير مُتصوّر في الفريضة ، أي أن المرأة تكون أمام الإمام في الفريضة ، إلا لمنفرد .
5- جواز صلاة التطوّع خَلْف المرأة ، أي وهي نائمة ، وليس وراءها في الإمامة – كما في مُضْحِكَات هذا العصر – !
قال الإمام البخاري : باب التطوع خلف المرأة .
ثم ساق حديث الباب .
6- مس المرأة لا يَنقض الوضوء .
ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يَغمز عائشة رضي الله عنها إذا أراد أن يسجد ، فيغمز رجلها .
7- فائدة قولها : " وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ " لئلا يَفهم أنه عليه الصلاة والسلام يَرى عائشة تمام الرؤية فيَغمز قدمها من وراء الثوب ، وإنما يَدل على أن يتحسس الرِّجْل ثم يغمزها .
وهذا بخلاف حال المتنطّعين والمتكبّرين .
وصلاة الله وسلامه على رسوله محمد وعلى آله وأصحابه .
والله تعالى أعلم .
كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
تعليق