السؤال
أدرس في كلية الطب وأتمنى أن أصبح طبيبا ناجحا إن شاء الله ، وفيما يتعلق بدراستي فتواجهني مشكلة ، وهي : كجزء من دراستي علي أن أقوم بتشريح جثث الموتى ، وهذا يستدعى كشف أماكن متعددة من الجسد والقطع منه ، هل عملي هذا حلال أم حرام ؟ أرجو نصحي لأنني لا أريد أن أخالف الشريعة .
~ ~ ** ~ ~ ** ~ ~ **
الجواب
الحمد للّه
لقد قامت المجامع الفقهية واللجان العلمية بدراسات مفصلة لتحقيق حكم تشريح جثة الإنسان لغرض تعليم الطب ، وذلك أن المسألة تنازعها أصلان كبيران :
الأول : حرمة الميت في الشريعة ، وما جاء من التشديد في احترامه وتقديره .
الثاني : المصلحة الضرورية المترتبة على التشريح في حالات كثيرة .
ونحن ننقل هنا الفتاوى الصادرة في هذا الشأن عن الهيئات العلمية وبعض أهل العلم المعاصرين ، وخلاصتها أنه لا حرج من استعمال الجثث في التشريح لغرض تعلم الطب وتعليمه ، ولكن بشرط ألا تكون الجثة لإنسان معصوم الدم ، وألا يتجاوز فيها قدر الحاجة والضرورة .
جاء في قرارات "المجمع الفقهي الإسلامي" بمكة المكرمة نقلا عن "فقه النوازل" للجيزاني (4/208-209) ما يلي :
" بناء على الضرورات التي دعت إلى تشريح جثث الموتى ، والتي يصير بها التشريح مصلحة تربو على مفسدة انتهاك كرامة الإنسان الميت ، قرر مجلس المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي ما يأتي :
أولا : يجوز تشريح جثث الموتى لأحد الأغراض الآتية :
أ- التحقيق في دعوى جنائية لمعرفة أسباب الموت أو الجريمة المرتكبة وذلك عندما يشكل على القاضي معرفة أسباب الوفاة ويتبين أن التشريح هو السبيل لمعرفة هذه الأسباب .
ب- التحقق من الأمراض التي تستدعي التشريح ليتخذ على ضوئه الاحتياطات الواقية والعلاجات المناسبة لتلك الأمراض .
ت- تعليم الطب وتعلمه كما هو الحال في كليات الطب .
ثانيا : في التشريح لغرض التعليم تراعى القيود التالية :
أ- إذا كانت الجثة لشخص معلوم يشترط أن يكون قد أذن هو قبل موته بتشريح جثته ، أو أن يأذن بذلك ورثته بعد موته ، ولا ينبغي تشريح جثة معصوم الدم إلا عند الضرورة .
ب- يجب أن يقتصر في التشريح على قدر الضرورة كيلا يعبث بجثث الموتى .ت- جثث النساء لا يجوز أن يتولى تشريحها غير الطبيبات إلا إذا لم يوجدن .ثالثا : يجب في جميع الأحوال دفن جميع أجزاء الجثة المشرحة " انتهى .
وجاء في كتاب "البحوث العلمية" لهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية (2/83-84) ما يلي :
" الموضوع ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
الأول : التشريح لغرض التحقق عن دعوى جنائية .
الثاني : التشريح لغرض التحقق عن أمراض وبائية ؛ لتتخذ على ضوئه الاحتياطات الكفيلة بالوقاية منها .
الثالث : التشريح للغرض العلمي تعلما وتعليما .
وبعد تداول الرأي والمناقشة ودراسة البحث المقدم من اللجنة قرر المجلس ما يلي :
بالنسبة للقسمين الأول والثاني : فإن المجلس يرى : أن في إجازتهما تحقيقا لمصالح كثيرة في مجالات الأمن والعدل ووقاية المجتمع من الأمراض الوبائية ، ومفسدة انتهاك كرامة الجثة المشرحة مغمورة في جنب المصالح الكثيرة والعامة المتحققة بذلك .
وإن المجلس لهذا يقرر بالإجماع : إجازة التشريح لهذين الغرضين ، سواء كانت الجثة المشرحة جثة معصوم أم لا .
وأما بالنسبة للقسم الثالث : وهو التشريح للغرض التعليمي فنظرا إلى أن الشريعة الإسلامية قد جاءت بتحصيل المصالح وتكثيرها ، وبدرء المفاسد وتقليلها ، وبارتكاب أدنى الضررين لتفويت أشدهما ، وأنه إذا تعارضت المصالح أخذ بأرجحها .
وحيث إن تشريح غير الإنسان من الحيوانات لا يغني عن تشريح الإنسان .
وحيث إن في التشريح مصالح كثيرة ظهرت في التقدم العلمي في مجالات الطب المختلفة : فإن المجلس يرى : جواز تشريح جثة الآدمي في الجملة ، إلا أنه نظرا إلى عناية الشريعة الإسلامية بكرامة المسلم ميتا كعنايتها بكرامته حيا ؛ وذلك لما روى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كسر عظم الميت ككسره حيا ) ، ونظرا إلى أن التشريح فيه امتهان لكرامته ، وحيث إن الضرورة إلى ذلك منتفية بتيسر الحصول على جثث أموات غير معصومة : فإن المجلس يرى الاكتفاء بتشريح مثل هذه الجثث وعدم التعرض لجثث أموات معصومين " انتهى .
كما جاء في "مجموع فتاوى ابن باز" (22/349) ما يلي :
" إذا كان الميت معصوما في حياته - سواء كان مسلما أو كافرا ، وسواء كان رجلا أو امرأة - فإنه لا يجوز تشريحه ، لما في ذلك من الإساءة إليه وانتهاك حرمته ، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
: ( كسر عظم الميت ككسره حيا ) رواه أبو داود (2792) .
أما إذا كان غير معصوم كالمرتد والحربي فلا أعلم حرجا في تشريحه للمصلحة الطبية " انتهى .
والله أعلم .
تعليق