السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإخوة الكرام
يسعدنى المشاركة معكم فى هذا المنتدى المبارك
وهذا أول موضوع لى فى المنتدى والله أسأل أن يوفقنا لما فيه الخير والهدى
فهذا موضوع جد مهم وخطير وفى البداية فهذا ليس كلامى أنا مجرد ناقل
لن اضع البحث كله مرة واحدة لأنه طويل ولكن سأضعه على مرات إن شاء الله ليسهل قراءته على الإخوة والأخوات ولا أطيل عليكم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى,وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى,سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا,إنك أنت العليم الحكيم... اللهم علمنا ما ينفعنا,وانفعنا بما علمتنا,وهيىء لنا من أمرنا رشدا...أما قبل:
فإن أصل كل فساد مخالفة الحق وتنكب طريقه,وصلاح الأمر كله فى اتباع الحق والتزام طريقه؛والحق هو الوضع الثابت الذى خلق الله عليه المخلوقات أو أرداها أن تكون عليه,ذلك أنه ليس من مخلوق فى الدنيا إلا وخلقه الله-تعالى-وحده لم يشاركه أحد فى خلقه,وليس من مخلوق فى الدنيا إلا وجعله الله-عز وجل-على وضعٍ معين,ودبر أمره بكيفية معينة,وهو- سبحانه وتعالى-كامل منزه عن الخطأ,فالصلاح كله فى خلقه وتدبيره,وكل شىء ينحرف عن الوضع الإلهى والتدبير الربانى يفسد؛فهذه السماوات والأرض خلقها الله بالحق,ودبر أمرهما بحكمته,فصلحتا بخلقه وتدبيره-سبحانه-:( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) سورة الانبياء الاية 22
والإنسان مخلوق من مخلوقات الله-عز وجل-وصلاح حياته مرهون بمعرفة الحق واتباعه,وفسادها نتيجة محتومة لجهله بالحق,أو تمرده عليه-وإن عرفه-
ولما كان الله هو الحق,ومنه الحق,وأمره وتدبيره هو الحق,فإن سبب فساد الحياة البشرية كلها هو الكفر بالخالق,والكفر بأمره وتدبيره,وبما أنزل من الحق,وسبب صلاح هذه الحياة كلها هو الإيمان بالله,ولذلك قال عز من قائل:( قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ) سورة طه الايه 123,124,125
ولا يتبع هداه إلا من آمن به وذكره,واستشعر وجوده وصفاته وعظمته-سبحانه-ومن نسى ذكر الله أعرض عن هداه.
والإنسان ممتحن فى هذه الدنيا بهذين الأمرين؛ذكر الله واتباع هداه,أو نسيانه والضلال,فهو على مفترق طريقين لا ثالث لهما,طريق الإيمان والهدى والسعادة فى الدنيا والآخرة,وطريق الكفر والضلال والشقاء فى الدارين,ولذا كان أشرف ما يتعلمه الإنسان ويعلمه لغيره:أمور الإيمان وأركانه ومقتضياته,وأحوط ما يحتاط ويتسلح به معرفة معالم الكفر وأسبابه ومقتضياته... فإن كان على بصيرة من هذين الأمرين الخطيرين,عرف الإنسان طريق سعادته فالتزمه ولم يحد عنه,وطريق شقائه فاجتنبه... وبعد:
فهذه الصفحات تتعلق بمسألة المساجد المقبورة,اقتطفتها من البحث الذى أعددته فى توحيد الألوهية,ليعين أحبتى الكرام على معرفة الحق فى تلك المسألة التى خاض فيها الكثير بغير علم,فالله المستعان,وعليه التكلان..
احتياط الشرع لتوحيد الألوهية ...
عرفنا أن توحيد الإلهية يقوم على إخلاص العبادة لله-تعالى-وعدم الإشراك به فى أى شىء من صورها-التى قدمناها,وفى غيرها مما لم نذكره اتكالا على معرفته-
ولماكان هذا النوع من التوحيد هو أخطر أنواع التوحيد وأشرفها,فقد احتاط له الشرع أعظم الحيطة,ونفى عنه كل شائبة شرك,وحرَّم كل وسيلة مفضية إلى الإخلال بقواعده؛حتى يبقى مصون الحمى,بعيدا عن عوامل الزيغ والانحراف.
ولقد بالغ النبى-صلى الله عليه وسلم-فى حماية جناب-جانب-التوحيد,وحذر وأنذر,وأبدأ وأعاد, وخص وعم فى حماية الحنيفية السمحة التى بعثه الله بها,فهى حنيفية فى التوحيد,سمحة فى العمل,كما قال بعض العلماء:هى اشد الشرائع فى التوحيد والإبعاد عن الشرك,واسمحالشرائع فى العمل.
وسوف أذكر-إن شاء الله-بعض الأمور التى نهى عنها الشرع لكونها ذرائع وطرقا إلى الوقوع فى الذنب الأعظم-الذى هو الشرك بالله-حماية لجناب التوحيد... فمن هذه الأمور والاحتياطات:
1-نهى الشرع عن كل الألفاظ التى توهم النِدِّيَّة والمساواة بين الله-تعالى-وبين أحد من خلقه؛ كقولك مثلا:أنا فى حمى الله وفلان,أو:أنا متوكل على الله وفلان,أو:ما شاء الله وفلان... وبيَّن أن المخرج من ذلك هو العطف ب"ثم" لا بـ"الواو" قال-صلى الله عليه وسلم-:"لا يقولن أحدكم ما شاء الله وفلان,وليقل ما شاء الله ثم فلان." وذلك لأن العطف بالواو يقتضى المساواة بين المعطوف والمعطوف عليه,بخلاف ثم فإنه حرف يقتضى تأخر المعطوف فى الرتبة عن المعطوف عليه.
2-نهى الشرع عن كل الألفاظ التى فيها تعظيم لغير الله,أو نسبة تأثير إليه,كقولك مثلا:وحياتك,أو:وحياة أبيك,أو:لولا فلان لكان كذا,أو:لولا صياح الديك-مثلا-أو:نهيق الحمار لسرقنا اللصوص ونحو ذلك.
3-نهى الشرع عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها؛لما فى ذلك من التشبه بعبَّادها حيث يتحرون السجود لها فى هذه الأوقات؛قال-صلى الله عليه وسلم-:"لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها."
4-نهى عن شد الرحال إلى مكان من الأمكنة بقصد التقرب إلى الله بالعبادة فيه إلا إلى المساجد الثلاثة,فقد روى عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أنه قال:"لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد؛المسجد الحرام,ومسجدى هذا,والمسجد الأقصى."
5-نهى أن يقوم الناس بعضهم لبعض على جهة التعظيم,كما روى عنه-صلى الله عليه وسلم- أنه قال لأصحابه-حين رآهم قاموا له-"لا تقوموا كما يقوم الأعاجم,يعظِّم بعضهم بعضا." وصلى بهم مرة جالسا من وجع,وصلوا وراءه قياما,فأشار إليهم:أن اجلسوا,ثم قال-صلى الله عليه وسلم-لهم بعد أن فرغ من صلاته:"كدتم أن تفعلوا آنفا فعل فارس بعظمائها,يجلس الرجل ويمثل الناس قياما بين يديه."
6-نهى عن الوفاء بالنذر إذا نذر فى مكان يُعبد فيه صنم,أو يقام فيه عيد من أعياد الجاهلية,فقد جاء النبىَّ-صلى الله عليه وسلم-رجلٌ,فقال:يا رسول الله:إنى نذرت أن أنحر إبلا ببوانة. فسأل النبى-صلى الله عليه وسلم-:هل كان فى هذا المكان صنم من أصنام الجاهلية يًُعبد؟ فقيل:لا. فسأل:هل كان فيه عيد من أعياد الجاهلية يُقام؟ فقيل:لا. فقال للرجل:"فأوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر فى معصية,ولا فيما لا يملك ابن آدم."
7-نهى عن اعتقاد العدوى والتطير:فقد روى البخارى ومسلم عن أبى هريرة-رضى الله عنه-أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال:"لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر." قالوا يا سول الله:فما بال الإبل تكون فى الرمل كأنها الظباء,فيجىء البعير الأجرب فيدخل فيها فيجربها كلها؟! قال:"فمن أعدى الأول؟" فقوله:"ولا هامة" قال الفراء:الهامة:طير من طير الليل كأنه يعنى البومة. قال ابن الأعرابى:كانوا يتشاءمون بها إذا وقفت على بيت أحدهم يقول:نعت إلىَّ نفسى,أو أحدا من أهل بيتى. وقوله:"ولا صفر" روى أبو عبيدة فى غريب الحديث عن رؤبة أنه قال:هى حية تكون فى البطن,تصيب الماشية والناس,وهى أعدى من الجربعند العرب.اهـ وكأنه يعنى الدودة الشريطية...
فنفى النبى-صلى الله عليه وسلم-وجود العدوى حماية لجناب التوحيد؛لأن المسلم يجب عليه أن يعتقد أن الله-تعالى-هو الضار النافع,وأنه ما شاء الله كان,ولم يشاء لم يكن,وَرَدَّ النبى-صلى الله عليه وسلم-على هذه الشبهة التى طرحها بعضهم فقال:ما بال الإبل كأنها الظباء فيخالطها الجمل الأجرب فيجربها؟! فقال-صلى الله عليه وسلم-:"فمن الذى أعدى الأول؟ " أى أنه لو صح اعتقاد العدوى,وأن المريض هو الذى يضر السليم,فما الذى أمرض الجمل الأول؟! هذا مع ما رواه البخارى وأحمد عن النبى-صلى الله عليه وسلم-:"فر من المجذوم كما تفر من الأسد." فالعبد ينبغى عليه أن يأخذ بأسباب العافية والصلاح,وهذا عمل الجوارح,وينبغى كذلك أن يعتقد بقلبه أن الله-تعالى-هو الضار النافع,وأن المريض لا يملك أن يضر السليم...
وقوله-صلى الله عليه وسلم-:"ولا طيرة" التطير:هو التشاؤم,سواء كان بيوم معين,أو شخص معين,أو حدث معين؛لأنه ينافى كمال التوحيد الواجب؛لكونه من إلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته,وذلك بتعلق القلب به خوفا وطمعا,ومنافاته للتوكل على الله-تعالى-الذى لا ينفع ولا يضر غيره.
وفى الصحيحين:"لا عدوى ولا طيرة,ويعجبنى الفأل؟ قالوا: وما الفأل؟ قال:"الكلمة الطيبة." قال النووى:
ومن أمثال التفاؤل أن يكون له مريض,فيتفاءل بما يسمعه,فيسمع من يقول:يا سالم,أو يكون طالب حاجة,
فيسمع من يقول:يا واجد,فيقع فى قلبه رجاء البرء,أو الوجدان,والله أعلم... وإنما أحب النبى-صلى الله عليه وسلم-الفأل؛لأن الناس إذا أمَّلوا فائدة الله ورجوا عائدته عند سبب ضعيف أو قوى,فهم على خير,وإذا قطعوا آمالهم ورجاءهم من الله-تعالى-كان ذلك من الشر,وأما الطيرة فإنها سوء ظن بالله-تعالى-وتوقع البلاء...
8-نهى عن الإطراء والغلو فى النبى-صلى الله عليه وسلم-والصالحين؛فقد نهى النبى-صلى الله عليه وسلم-أصحابه عن الغلو فيه,والمبالغة فى مدحه,فقال:"لا تطرونى كما أطرت النصارى ابن مريم,وإنما أنا عبد,فقولوا:عبد الله ورسوله." والإطراء:هو مجاوزة الحد فى المدح, والكذب فيه. وقال-صلى الله عليه وسلم-:"لا تتخذوا قبرى عيدا,ولا تجعلوا بيوتكم قبورا, وصلوا علىَّ حيثما كنتم." وقال للوافد الذى قال له أنت سيدنا وابن سيدنا:"إنما السيد الله." وقال للرجل الذى قال له ما شاء الله وشئت:"أجعلتنى لله ندا؟! بل ما شاء الله وحده." وأنكر على معاذ بن جبل-رضى الله عنه-حين دخل عليه,فسجد له,وقال له:"يا معاذ:لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد, لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها,ولكن لا ينبغى السجود إلا لله." ثم قال له:"أرأيت يا معاذ لو مررت على قبرى,أكنت ساجدا له؟ قال:لا. قال:لا تفعل."
وعن ابن عباس-رضى الله عنهما-فى قوله-تعالى-:(وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ونسرا) قال:هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح,فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم:أن انصبوا إلى مجالسهم التى كانوا يجلسون فيها أنصابا,وسموها بأسمائهم,حتى إذا هلك أولئك,ونُسى العلم عُبدت.
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن فى فتح المجيد-رحمه الله-:وهذا يفيد الحذر من الغلو ووسائل الشرك,وإن كان القصد بها حسنا,فإن الشيطان أدخل أولئك فى الشرك من باب الغلو فى الصالحين,والإفراط فى محبتهم.
قال البوصيرى فى البردة فى النبى-صلى الله عليه وسلم-:
فهذا البيت وما بعده مضمونهما إخلاص الدعاء واللياذ والرجاء والاعتماد فى أضيق الحالات وأعظم الاضطرار لغير الله-تعالى-
قال ابن القيم-رحمه الله-:ومن أسباب عبادة الأصنام الغلو فى المخلوق,وإعطاؤه فوق منزلته, حتى جعلوا فيه حظا من الألوهية,وشبهوه بالله-تعالى-وهذا هو التشبيه الواقع فى الأمم,الذى أبطله الله-سبحانه-وبعث رسله وأنزل كتبه بإنكاره والرد على أهله... وقال:وما زال الشيطان يوحى إلى عبَّاد القبور,ويلقى إليهم أن البناء والعكوف عليها من محبة أهل القبور من الأنبياء والصالحين,وأن الدعاء عندهم مستجاب,ثم ينقلهم من هذه المرتبة إلى الدعاء بها,والإقسام على الله بها-فإن شأن الله-تعالى-أعظم من أن يُقسم عليه,أو يُسأل بأحد من خلقه-فإذا تقرر ذلك عندهم,نقلهم منه إلى دعائه وسؤاله الشفاعة من دون الله,واتخاذ قبره وثنا تُعلق عليه القناديل والستور,ويُطاف به,ويُستلم,ويُقبَّل,ويُحج إليه,ويُذبح عنده... فإذا تقرر ذلك عندهم نقلهم منه إلى دعاء الناس إلى عبادته,واتخاذه عيدا ومنسكا,ورأوا أن ذلك أنفع لهم فى دنياهم وآخرتهم! وكل ذلك مما قد عُلِمَ بالاضطرار من دين الإسلام أنه مضاد لما بعث الله به رسوله-صلى الله عليه وسلم-من تجريد التوحيد,وأن لا يُعبد إلا الله... فإذا تقرر ذلك عندهم نقلهم منه إلى أن من نهىعنذلك فقد تنقص أهل هذه الرتب العالية,وحطهم عن منزلتهم,وزعم أنه لا حرمة لهم ولا قدر,فيغضب المشركون,وتشمئز قلوبهم,كما قال-تعالى-:(وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون) اهـ
سرى ذلك فى نفوس كثير من الطغام والجهال,وكثير ممن ينتسب إلى العلم والدين,حتى عادَوْا أهل التوحيد,ورموهم بالعظائم,ونفَّروا الناس عنهم,ووالَوا أهل الشرك,وعظموهم,وزعموا أنهم أولياء الله ودينه ورسوله! ويأبى الله ذلك!!! ( وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) سورة الانفال الاية 34
وفيما ذكرت فى التنبيه على هذا الأمر-الذى انتشر فى زماننا وبين قومنا انتشار النار فى الهشيم-كفاية لمن كان قلب أو ألقى السمع وهو شهيد,ومن أراد الحق فى هذا الأمر-وغيره- فليرجع إلى دلائل الكتاب والسنة الصحيحة؛فإن فيهما ما يشفى الغليل,ويقيم البراهين,ويدحض الشبهات...وقد تكفل الله-تعالى-بالهداية والسلامة من امتثل ما جاء فيهما,واتبعهما حق الاتباع,قال-تعالى-:(فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا)
وبما ذكرت من كتاب الله-تعالى-ومن سنة النبى-صلى الله عليه وسلم-قد بان الحق,واستبان منهجه:( فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ )؟!!! سورة يونس الاية 32
ولقد نهج الخلفاء الراشدون سنة نبيهم-صلى الله عليه وسلم-فى الحَيْطة للتوحيد والمحافظة على حماه المقدس,حتى قيل:إن الفاروق-رضى الله عنه-أمر بقطع شجرة الرضوان التى بايع الصحابة-رضى الله عنهم-رسول الله-صلى الله عليه وسلم-تحتها على الموت عام الحديبية؛لما علم أن بعض الناس يذهبون إليها,ويتعمدون الصلاة عندها. وقال مرة-رضى الله عنه-وهو يستلم الحجر الأسود:اللهم إنى أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع,ولولا أنى رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك... وعزل خالدا-رضى الله عنه-عن القيادة فى وقت كانت الآمال كلها متعلقة به؛ليتم ما بدأه من انتصارات على الروم,ولكنه خشى أن يُفتن الناس به,فعزله,وولى مكانه أبا عبيدة بن الجراح... وهذا على-رضى الله عنه-يقول لأبى الهياج الأسدى-رحمه الله-:"ألا أبعثك على ما بعثنى عليه رسول الله؟ أن لا تدع قبرا مشرفا إلا سويته,ولا صورة إلا طمستها."
وعلى هذا المنهج الواضح من المحافظة على التوحيد,سار السلف الصالح وأئمة الهدى من بعدهم,لم يسمحوا لأحد أن يخرق سياج التوحيد,أو يستبيح بيضته,حتى نبتت طوائف الشيعة والمتصوفة,فأعملوا فيه معاول هدمهم؛بغلوهم فى أئمتهم وشيوخهم,وتقديسهم للمشاهد والمزارات,وتبركهم بالآثار والمخلفات,وسجودهم على العتبات,وتقديمهم النذور والقربانات... ومازال الأمر يستفحل,والخطر يشتد,حتى وصل إلى ما نشاهده-الآن-فى معظم بلاد الإسلام من إقامة القباب على القبور,وإنشاء المقاصير لها,وتزيينها بالزخارف,وفرشها بالبسط ,وإيقاد السرج عليها,ووضع صناديق النذور عندها,وفتحها للزائرين والزائرات؛يحجون إليها, ويرتكبون عندها كثيرا من الأعمال الشركية؛كالطواف,والتقبيل,ووضع النذور,والتوسل,والمناجاة,وذبح القرابين,وإقامة المهرجانات الجاهلية التى يسمونها الموالد,إلى غير ذلك مما يئن منه الإسلام,وتتفتت على صخرته كل قواعد التوحيد.
ولطالما هب الغيورون من علماء هذه الأمة وهداتها,ناصحين لها بالإقلاع عن هذه العادات الشركية,ومنذرين لها بسوء العاقبة إن استمرت على هذه الحال,ولكن جهودهم كانت تضيع سدى؛لأن قوى السلطان لا تسندها,وقد جاء فى الأثر:إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.. وليتها حتى قامت على الحياد فى ذلك الصراع المرير بين جند الرحمن وعسكر الشيطان,بل انحازت بكل ثقلها إلى جحافل الشرك والطغيان,واضطهدت كل داعية إلى التوحيد والإيمان...
وأختم الكلام عن احتياط الشرع لتوحيد الألوهية بمسألتين أردت أن أرجأهما لأطيل النفس فيهما,بسبب ما فيهما من كثير الجدال,فأردت أن أذكر فيهما ما يحق به الله الحق,ويجليه لكل طالب,ثم يكون لى معذرة عند الله-تعالى-فالله المستعان,وعليه التكلان.
الإخوة الكرام
يسعدنى المشاركة معكم فى هذا المنتدى المبارك
وهذا أول موضوع لى فى المنتدى والله أسأل أن يوفقنا لما فيه الخير والهدى
فهذا موضوع جد مهم وخطير وفى البداية فهذا ليس كلامى أنا مجرد ناقل
لن اضع البحث كله مرة واحدة لأنه طويل ولكن سأضعه على مرات إن شاء الله ليسهل قراءته على الإخوة والأخوات ولا أطيل عليكم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى,وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى,سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا,إنك أنت العليم الحكيم... اللهم علمنا ما ينفعنا,وانفعنا بما علمتنا,وهيىء لنا من أمرنا رشدا...أما قبل:
فإن أصل كل فساد مخالفة الحق وتنكب طريقه,وصلاح الأمر كله فى اتباع الحق والتزام طريقه؛والحق هو الوضع الثابت الذى خلق الله عليه المخلوقات أو أرداها أن تكون عليه,ذلك أنه ليس من مخلوق فى الدنيا إلا وخلقه الله-تعالى-وحده لم يشاركه أحد فى خلقه,وليس من مخلوق فى الدنيا إلا وجعله الله-عز وجل-على وضعٍ معين,ودبر أمره بكيفية معينة,وهو- سبحانه وتعالى-كامل منزه عن الخطأ,فالصلاح كله فى خلقه وتدبيره,وكل شىء ينحرف عن الوضع الإلهى والتدبير الربانى يفسد؛فهذه السماوات والأرض خلقها الله بالحق,ودبر أمرهما بحكمته,فصلحتا بخلقه وتدبيره-سبحانه-:( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) سورة الانبياء الاية 22
والإنسان مخلوق من مخلوقات الله-عز وجل-وصلاح حياته مرهون بمعرفة الحق واتباعه,وفسادها نتيجة محتومة لجهله بالحق,أو تمرده عليه-وإن عرفه-
ولما كان الله هو الحق,ومنه الحق,وأمره وتدبيره هو الحق,فإن سبب فساد الحياة البشرية كلها هو الكفر بالخالق,والكفر بأمره وتدبيره,وبما أنزل من الحق,وسبب صلاح هذه الحياة كلها هو الإيمان بالله,ولذلك قال عز من قائل:( قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ) سورة طه الايه 123,124,125
ولا يتبع هداه إلا من آمن به وذكره,واستشعر وجوده وصفاته وعظمته-سبحانه-ومن نسى ذكر الله أعرض عن هداه.
والإنسان ممتحن فى هذه الدنيا بهذين الأمرين؛ذكر الله واتباع هداه,أو نسيانه والضلال,فهو على مفترق طريقين لا ثالث لهما,طريق الإيمان والهدى والسعادة فى الدنيا والآخرة,وطريق الكفر والضلال والشقاء فى الدارين,ولذا كان أشرف ما يتعلمه الإنسان ويعلمه لغيره:أمور الإيمان وأركانه ومقتضياته,وأحوط ما يحتاط ويتسلح به معرفة معالم الكفر وأسبابه ومقتضياته... فإن كان على بصيرة من هذين الأمرين الخطيرين,عرف الإنسان طريق سعادته فالتزمه ولم يحد عنه,وطريق شقائه فاجتنبه... وبعد:
فهذه الصفحات تتعلق بمسألة المساجد المقبورة,اقتطفتها من البحث الذى أعددته فى توحيد الألوهية,ليعين أحبتى الكرام على معرفة الحق فى تلك المسألة التى خاض فيها الكثير بغير علم,فالله المستعان,وعليه التكلان..
احتياط الشرع لتوحيد الألوهية ...
عرفنا أن توحيد الإلهية يقوم على إخلاص العبادة لله-تعالى-وعدم الإشراك به فى أى شىء من صورها-التى قدمناها,وفى غيرها مما لم نذكره اتكالا على معرفته-
ولماكان هذا النوع من التوحيد هو أخطر أنواع التوحيد وأشرفها,فقد احتاط له الشرع أعظم الحيطة,ونفى عنه كل شائبة شرك,وحرَّم كل وسيلة مفضية إلى الإخلال بقواعده؛حتى يبقى مصون الحمى,بعيدا عن عوامل الزيغ والانحراف.
ولقد بالغ النبى-صلى الله عليه وسلم-فى حماية جناب-جانب-التوحيد,وحذر وأنذر,وأبدأ وأعاد, وخص وعم فى حماية الحنيفية السمحة التى بعثه الله بها,فهى حنيفية فى التوحيد,سمحة فى العمل,كما قال بعض العلماء:هى اشد الشرائع فى التوحيد والإبعاد عن الشرك,واسمحالشرائع فى العمل.
وسوف أذكر-إن شاء الله-بعض الأمور التى نهى عنها الشرع لكونها ذرائع وطرقا إلى الوقوع فى الذنب الأعظم-الذى هو الشرك بالله-حماية لجناب التوحيد... فمن هذه الأمور والاحتياطات:
1-نهى الشرع عن كل الألفاظ التى توهم النِدِّيَّة والمساواة بين الله-تعالى-وبين أحد من خلقه؛ كقولك مثلا:أنا فى حمى الله وفلان,أو:أنا متوكل على الله وفلان,أو:ما شاء الله وفلان... وبيَّن أن المخرج من ذلك هو العطف ب"ثم" لا بـ"الواو" قال-صلى الله عليه وسلم-:"لا يقولن أحدكم ما شاء الله وفلان,وليقل ما شاء الله ثم فلان." وذلك لأن العطف بالواو يقتضى المساواة بين المعطوف والمعطوف عليه,بخلاف ثم فإنه حرف يقتضى تأخر المعطوف فى الرتبة عن المعطوف عليه.
2-نهى الشرع عن كل الألفاظ التى فيها تعظيم لغير الله,أو نسبة تأثير إليه,كقولك مثلا:وحياتك,أو:وحياة أبيك,أو:لولا فلان لكان كذا,أو:لولا صياح الديك-مثلا-أو:نهيق الحمار لسرقنا اللصوص ونحو ذلك.
3-نهى الشرع عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها؛لما فى ذلك من التشبه بعبَّادها حيث يتحرون السجود لها فى هذه الأوقات؛قال-صلى الله عليه وسلم-:"لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها."
4-نهى عن شد الرحال إلى مكان من الأمكنة بقصد التقرب إلى الله بالعبادة فيه إلا إلى المساجد الثلاثة,فقد روى عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أنه قال:"لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد؛المسجد الحرام,ومسجدى هذا,والمسجد الأقصى."
5-نهى أن يقوم الناس بعضهم لبعض على جهة التعظيم,كما روى عنه-صلى الله عليه وسلم- أنه قال لأصحابه-حين رآهم قاموا له-"لا تقوموا كما يقوم الأعاجم,يعظِّم بعضهم بعضا." وصلى بهم مرة جالسا من وجع,وصلوا وراءه قياما,فأشار إليهم:أن اجلسوا,ثم قال-صلى الله عليه وسلم-لهم بعد أن فرغ من صلاته:"كدتم أن تفعلوا آنفا فعل فارس بعظمائها,يجلس الرجل ويمثل الناس قياما بين يديه."
6-نهى عن الوفاء بالنذر إذا نذر فى مكان يُعبد فيه صنم,أو يقام فيه عيد من أعياد الجاهلية,فقد جاء النبىَّ-صلى الله عليه وسلم-رجلٌ,فقال:يا رسول الله:إنى نذرت أن أنحر إبلا ببوانة. فسأل النبى-صلى الله عليه وسلم-:هل كان فى هذا المكان صنم من أصنام الجاهلية يًُعبد؟ فقيل:لا. فسأل:هل كان فيه عيد من أعياد الجاهلية يُقام؟ فقيل:لا. فقال للرجل:"فأوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر فى معصية,ولا فيما لا يملك ابن آدم."
7-نهى عن اعتقاد العدوى والتطير:فقد روى البخارى ومسلم عن أبى هريرة-رضى الله عنه-أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال:"لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر." قالوا يا سول الله:فما بال الإبل تكون فى الرمل كأنها الظباء,فيجىء البعير الأجرب فيدخل فيها فيجربها كلها؟! قال:"فمن أعدى الأول؟" فقوله:"ولا هامة" قال الفراء:الهامة:طير من طير الليل كأنه يعنى البومة. قال ابن الأعرابى:كانوا يتشاءمون بها إذا وقفت على بيت أحدهم يقول:نعت إلىَّ نفسى,أو أحدا من أهل بيتى. وقوله:"ولا صفر" روى أبو عبيدة فى غريب الحديث عن رؤبة أنه قال:هى حية تكون فى البطن,تصيب الماشية والناس,وهى أعدى من الجربعند العرب.اهـ وكأنه يعنى الدودة الشريطية...
فنفى النبى-صلى الله عليه وسلم-وجود العدوى حماية لجناب التوحيد؛لأن المسلم يجب عليه أن يعتقد أن الله-تعالى-هو الضار النافع,وأنه ما شاء الله كان,ولم يشاء لم يكن,وَرَدَّ النبى-صلى الله عليه وسلم-على هذه الشبهة التى طرحها بعضهم فقال:ما بال الإبل كأنها الظباء فيخالطها الجمل الأجرب فيجربها؟! فقال-صلى الله عليه وسلم-:"فمن الذى أعدى الأول؟ " أى أنه لو صح اعتقاد العدوى,وأن المريض هو الذى يضر السليم,فما الذى أمرض الجمل الأول؟! هذا مع ما رواه البخارى وأحمد عن النبى-صلى الله عليه وسلم-:"فر من المجذوم كما تفر من الأسد." فالعبد ينبغى عليه أن يأخذ بأسباب العافية والصلاح,وهذا عمل الجوارح,وينبغى كذلك أن يعتقد بقلبه أن الله-تعالى-هو الضار النافع,وأن المريض لا يملك أن يضر السليم...
وقوله-صلى الله عليه وسلم-:"ولا طيرة" التطير:هو التشاؤم,سواء كان بيوم معين,أو شخص معين,أو حدث معين؛لأنه ينافى كمال التوحيد الواجب؛لكونه من إلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته,وذلك بتعلق القلب به خوفا وطمعا,ومنافاته للتوكل على الله-تعالى-الذى لا ينفع ولا يضر غيره.
وفى الصحيحين:"لا عدوى ولا طيرة,ويعجبنى الفأل؟ قالوا: وما الفأل؟ قال:"الكلمة الطيبة." قال النووى:
ومن أمثال التفاؤل أن يكون له مريض,فيتفاءل بما يسمعه,فيسمع من يقول:يا سالم,أو يكون طالب حاجة,
فيسمع من يقول:يا واجد,فيقع فى قلبه رجاء البرء,أو الوجدان,والله أعلم... وإنما أحب النبى-صلى الله عليه وسلم-الفأل؛لأن الناس إذا أمَّلوا فائدة الله ورجوا عائدته عند سبب ضعيف أو قوى,فهم على خير,وإذا قطعوا آمالهم ورجاءهم من الله-تعالى-كان ذلك من الشر,وأما الطيرة فإنها سوء ظن بالله-تعالى-وتوقع البلاء...
8-نهى عن الإطراء والغلو فى النبى-صلى الله عليه وسلم-والصالحين؛فقد نهى النبى-صلى الله عليه وسلم-أصحابه عن الغلو فيه,والمبالغة فى مدحه,فقال:"لا تطرونى كما أطرت النصارى ابن مريم,وإنما أنا عبد,فقولوا:عبد الله ورسوله." والإطراء:هو مجاوزة الحد فى المدح, والكذب فيه. وقال-صلى الله عليه وسلم-:"لا تتخذوا قبرى عيدا,ولا تجعلوا بيوتكم قبورا, وصلوا علىَّ حيثما كنتم." وقال للوافد الذى قال له أنت سيدنا وابن سيدنا:"إنما السيد الله." وقال للرجل الذى قال له ما شاء الله وشئت:"أجعلتنى لله ندا؟! بل ما شاء الله وحده." وأنكر على معاذ بن جبل-رضى الله عنه-حين دخل عليه,فسجد له,وقال له:"يا معاذ:لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد, لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها,ولكن لا ينبغى السجود إلا لله." ثم قال له:"أرأيت يا معاذ لو مررت على قبرى,أكنت ساجدا له؟ قال:لا. قال:لا تفعل."
وعن ابن عباس-رضى الله عنهما-فى قوله-تعالى-:(وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ونسرا) قال:هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح,فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم:أن انصبوا إلى مجالسهم التى كانوا يجلسون فيها أنصابا,وسموها بأسمائهم,حتى إذا هلك أولئك,ونُسى العلم عُبدت.
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن فى فتح المجيد-رحمه الله-:وهذا يفيد الحذر من الغلو ووسائل الشرك,وإن كان القصد بها حسنا,فإن الشيطان أدخل أولئك فى الشرك من باب الغلو فى الصالحين,والإفراط فى محبتهم.
قال البوصيرى فى البردة فى النبى-صلى الله عليه وسلم-:
يا أكرم الخلق ما لى من ألوذ به *** سواك عند حدوث الحادث العممِ
قال ابن القيم-رحمه الله-:ومن أسباب عبادة الأصنام الغلو فى المخلوق,وإعطاؤه فوق منزلته, حتى جعلوا فيه حظا من الألوهية,وشبهوه بالله-تعالى-وهذا هو التشبيه الواقع فى الأمم,الذى أبطله الله-سبحانه-وبعث رسله وأنزل كتبه بإنكاره والرد على أهله... وقال:وما زال الشيطان يوحى إلى عبَّاد القبور,ويلقى إليهم أن البناء والعكوف عليها من محبة أهل القبور من الأنبياء والصالحين,وأن الدعاء عندهم مستجاب,ثم ينقلهم من هذه المرتبة إلى الدعاء بها,والإقسام على الله بها-فإن شأن الله-تعالى-أعظم من أن يُقسم عليه,أو يُسأل بأحد من خلقه-فإذا تقرر ذلك عندهم,نقلهم منه إلى دعائه وسؤاله الشفاعة من دون الله,واتخاذ قبره وثنا تُعلق عليه القناديل والستور,ويُطاف به,ويُستلم,ويُقبَّل,ويُحج إليه,ويُذبح عنده... فإذا تقرر ذلك عندهم نقلهم منه إلى دعاء الناس إلى عبادته,واتخاذه عيدا ومنسكا,ورأوا أن ذلك أنفع لهم فى دنياهم وآخرتهم! وكل ذلك مما قد عُلِمَ بالاضطرار من دين الإسلام أنه مضاد لما بعث الله به رسوله-صلى الله عليه وسلم-من تجريد التوحيد,وأن لا يُعبد إلا الله... فإذا تقرر ذلك عندهم نقلهم منه إلى أن من نهىعنذلك فقد تنقص أهل هذه الرتب العالية,وحطهم عن منزلتهم,وزعم أنه لا حرمة لهم ولا قدر,فيغضب المشركون,وتشمئز قلوبهم,كما قال-تعالى-:(وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون) اهـ
سرى ذلك فى نفوس كثير من الطغام والجهال,وكثير ممن ينتسب إلى العلم والدين,حتى عادَوْا أهل التوحيد,ورموهم بالعظائم,ونفَّروا الناس عنهم,ووالَوا أهل الشرك,وعظموهم,وزعموا أنهم أولياء الله ودينه ورسوله! ويأبى الله ذلك!!! ( وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) سورة الانفال الاية 34
وفيما ذكرت فى التنبيه على هذا الأمر-الذى انتشر فى زماننا وبين قومنا انتشار النار فى الهشيم-كفاية لمن كان قلب أو ألقى السمع وهو شهيد,ومن أراد الحق فى هذا الأمر-وغيره- فليرجع إلى دلائل الكتاب والسنة الصحيحة؛فإن فيهما ما يشفى الغليل,ويقيم البراهين,ويدحض الشبهات...وقد تكفل الله-تعالى-بالهداية والسلامة من امتثل ما جاء فيهما,واتبعهما حق الاتباع,قال-تعالى-:(فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا)
وبما ذكرت من كتاب الله-تعالى-ومن سنة النبى-صلى الله عليه وسلم-قد بان الحق,واستبان منهجه:( فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ )؟!!! سورة يونس الاية 32
ولقد نهج الخلفاء الراشدون سنة نبيهم-صلى الله عليه وسلم-فى الحَيْطة للتوحيد والمحافظة على حماه المقدس,حتى قيل:إن الفاروق-رضى الله عنه-أمر بقطع شجرة الرضوان التى بايع الصحابة-رضى الله عنهم-رسول الله-صلى الله عليه وسلم-تحتها على الموت عام الحديبية؛لما علم أن بعض الناس يذهبون إليها,ويتعمدون الصلاة عندها. وقال مرة-رضى الله عنه-وهو يستلم الحجر الأسود:اللهم إنى أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع,ولولا أنى رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك... وعزل خالدا-رضى الله عنه-عن القيادة فى وقت كانت الآمال كلها متعلقة به؛ليتم ما بدأه من انتصارات على الروم,ولكنه خشى أن يُفتن الناس به,فعزله,وولى مكانه أبا عبيدة بن الجراح... وهذا على-رضى الله عنه-يقول لأبى الهياج الأسدى-رحمه الله-:"ألا أبعثك على ما بعثنى عليه رسول الله؟ أن لا تدع قبرا مشرفا إلا سويته,ولا صورة إلا طمستها."
وعلى هذا المنهج الواضح من المحافظة على التوحيد,سار السلف الصالح وأئمة الهدى من بعدهم,لم يسمحوا لأحد أن يخرق سياج التوحيد,أو يستبيح بيضته,حتى نبتت طوائف الشيعة والمتصوفة,فأعملوا فيه معاول هدمهم؛بغلوهم فى أئمتهم وشيوخهم,وتقديسهم للمشاهد والمزارات,وتبركهم بالآثار والمخلفات,وسجودهم على العتبات,وتقديمهم النذور والقربانات... ومازال الأمر يستفحل,والخطر يشتد,حتى وصل إلى ما نشاهده-الآن-فى معظم بلاد الإسلام من إقامة القباب على القبور,وإنشاء المقاصير لها,وتزيينها بالزخارف,وفرشها بالبسط ,وإيقاد السرج عليها,ووضع صناديق النذور عندها,وفتحها للزائرين والزائرات؛يحجون إليها, ويرتكبون عندها كثيرا من الأعمال الشركية؛كالطواف,والتقبيل,ووضع النذور,والتوسل,والمناجاة,وذبح القرابين,وإقامة المهرجانات الجاهلية التى يسمونها الموالد,إلى غير ذلك مما يئن منه الإسلام,وتتفتت على صخرته كل قواعد التوحيد.
ولطالما هب الغيورون من علماء هذه الأمة وهداتها,ناصحين لها بالإقلاع عن هذه العادات الشركية,ومنذرين لها بسوء العاقبة إن استمرت على هذه الحال,ولكن جهودهم كانت تضيع سدى؛لأن قوى السلطان لا تسندها,وقد جاء فى الأثر:إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.. وليتها حتى قامت على الحياد فى ذلك الصراع المرير بين جند الرحمن وعسكر الشيطان,بل انحازت بكل ثقلها إلى جحافل الشرك والطغيان,واضطهدت كل داعية إلى التوحيد والإيمان...
وأختم الكلام عن احتياط الشرع لتوحيد الألوهية بمسألتين أردت أن أرجأهما لأطيل النفس فيهما,بسبب ما فيهما من كثير الجدال,فأردت أن أذكر فيهما ما يحق به الله الحق,ويجليه لكل طالب,ثم يكون لى معذرة عند الله-تعالى-فالله المستعان,وعليه التكلان.
تعليق