أولاً : كلمات تقدح في العقيدة
¶ احنا ولاد النهاردة .
¶ عيش شبابك .
¶ عيش لحظتك .
نسمع هذه الكلمات كثيرا من بعض الشباب في هذا الزمان
والسؤال : أتدري متى تقال هذه الكلمات ؟
تقال هذه الكلمات عندما يريد الشاب أن يقبل على معصية معينة يشعر حينها بنشوة معينة أو بلذة مؤقتة ففي هذه اللحظات هو يريد أن ينسى كل شيء وأي شيء في مقابل أن يتلذذ بهذه المعصية حتى لو كان سيموت غداً. وكذلك باقي الكلمات تحمل نفس المعنى وقبل أي شيء نبين معنى كلمة عقيدة .
العقيدة : مأخوذة من العقد وهو ربط الشيء ، واعتقدت كذا : عقدت عليه القلب والضمير .
والعقيدة : هي ما يدين به الإنسان، ومن يقال: له عقيدة حسنة : أي سالمة من الشك .
والعقيدة : تكون في القلب وهي إيمان القلب بالشيء ، وتصديقه به .
وقد يقول قائل: وما دخل هذه الكلمات بالعقيدة وما هي خطورة هذه الكلمات عليها ؟
أولا : بالنسبة للشق الأول من السؤال : فنقول أن هذه الكلمات لم تعد مجرد كلمات بل أصبحت إيماناً راسخاً في قلوب الكثير من الشباب .
الشق الثاني من السؤال : خطورة هذه الكلمات .
¶نسيان رقابة الله عن عمد وقصد وقد قال تعالى :
) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ((الحشر : 19).
¶ اعتقاد أن من يعطيه اللذة أنه هو الذي يعطيه الحياة السعيدة الطيبة وقد قال تعالى : ) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( ( النحل : 97 ) .
¶ التساهل بما سيحدث بعد الموت وقد قال رب العالمين سبحانه وتعالى : ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) ( ( الحج: 1 ، 2 ) .
نصيحة
أخي في الله العقيدة هي زاد المؤمنين،وهي سلاح الموحدين،وهي ملاذ الطالبين، وهي روضة المحبين، وهي أغلى ما يمتلكه المسلم؛فقد يمتلك الإنسان ذهباً وفضةً وياقوتاً ومرجاناً إلا أن هذه الأشياء بدون عقيدة سليمة قد تكون سببا في تعاسته وشقاوته في الدنيا قبل الآخرة،قال تعالى :) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ((الشعراء 88،89) .
وصدق من قال :
ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيد
وصدق من قال :
فيا أيها المعجب فخراً بمقاصير البيوت
إنما الدنيا محل لقيام وقنوت
وغداً تنزل بيتاً ضيقاً بعد النحوت
بين أقوام سكوت ناطقات في الصموت
فارض في الدنيا بثوب ومن العيش بقوت
والتمس بيتاً ضعيفاً مثل بيت العنكبوت
ثم قل يا نفس هذا بيتك وغداً نموت
فيا أخي هوِّن الدنيا في عينيك ولا تستسلم لشهواتها ولا تذل نفسك لملذاتها واعلم أنها مهما طالت فهي قصيرة ، ومهما عظمت فهي حقيرة ، ثم إني سائلك سؤالاً فأرجو منك الإجابة بصدق ووضوح : ماذا بعد اللذة واللذة واللذة ؟إنما الدنيا محل لقيام وقنوت
وغداً تنزل بيتاً ضيقاً بعد النحوت
بين أقوام سكوت ناطقات في الصموت
فارض في الدنيا بثوب ومن العيش بقوت
والتمس بيتاً ضعيفاً مثل بيت العنكبوت
ثم قل يا نفس هذا بيتك وغداً نموت
والإجابة معلومة ضيق في الصدر، وضنك في العيش، ومرارة ما بعدها مرارة ، ثم استحقار للنفس ، ثم تأنيب الضمير .
ولقد سألت كثيراً من الشباب هذا السؤال فوالله ما زاد أحدهم على هذه الكلمات : أشعر بضيق وبخنقة تذهب ثم تعود على فترات متقاربة ، كما أشعر بأنني لا أريد أن أكلم أحداً ، ولا أن أرى أحداً ، ولكن أريد أن أختلي بنفسي ، ومنهم من قال لي : أنا أريد أن أبكي وأبكي وأبكي حتى تجف الدموع وتتبدل دماً بدل الدمع ، بل بالفعل قد التزمني أحدهم وظل يبكي ويبكي قرابة النصف ساعة فما هدأ إلا بعد أن قلت له قول ربه جل في علاه: ) قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ( ( الزمر : 53 ) .
وكأنها قد روته بعد ظمأ وأحيت قلبه بعد موته ثم هدأ وقال لي هذه المقولة التي يقولها الكثير من الشباب الآن (( أنا أريد أن أتوب ولكن الفتن تحيط بنا من كل جانب ، فماذا نفعل ؟ ))
أولا : اعلم يا أخي أن الفتن التي تحيط بك تحيط بغيرك من الشباب المستقيم ، فلماذا لم يتحجج بها مثلك ؟
لأنها لا تشغل باله كما تشغل بالك ، ولأنه انصرف عنها وابتعد ولم يلتفت إليها واختار رضا الله على رضا نفسه فرضيَ عنه الله وأرضاه بنفسه ولأنه يعلم قول رسول الله r :(( تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ )) ([1] ) .
فالحل أن تنكرها وتعرض عنها ولا تلتفت إليها ، ولا تشغل بالك بها ، واستعن بربك في هذا ، وكن صادقاً مع نفسك ومع الله ، وستجد بإذن الله العون من الله .
ثانياً : اعلم يا أخي أن الدنيا دار ابتلاء واختبار ، فمن نجح في هذا الاختبار فاز ، ومن خسر فهو الخاسر وهذه الفتن التي نراها الآن من الابتلاء الذي يبتلي الله به عباده فينبغي أن تضع ذلك دائماً وأبداً أمام عينيك قال تعالى : ) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ( ( الإنسان : 2 ) .
ثالثاً : اعلم يا أخي أن الانجراف مع الفتن والغرق في بحورها العميقة ، والسير في اتجاه تيارها ليس حلاً لراحة البال وسعادة النفس ، بل إنه يزيد من ألمها ومرارتها ، لأن الشهوات والملذات لا تنتهي فكلما خرجت من فتنة وقعت في أخرى .
([1]) رواه مسلم من حديث حذيفة بن اليمان t .
تعليق