الشبهات المتعلقة بعقيدة الولاء والبراء.
أ.د. الوليد بن عبد الرحمن ال فريان
وبعد:
فإنّ من أعظم خصائص العقيدة الإسلامية الثبوتَ والوضوح والكمال بما لا تجده في دين آخر؛ وذلك أن الله تعالى تكفّل ببيانها وحفظها في كتابه العزيز، وفي سنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى:﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [سورة المائدة: 3]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك[1]
وأولاها العلماءُ أكبر عناية تعليما وتدريسا وتأليفا، منذ أنْ ذرَّ قرنُ الاختلاف في العقيدة بظهور طوائف الخوارج والشيعة[2]، وما تلاهما من الفرق والمذاهب العقدية المنحرفة.على أنه لم ينقطع هذا الزيغُ طيلة التاريخ الإسلامي إلى عصرنا، وإنْ تغيّرت الأسماءُ واختلفت الشعارات، وتبدّلت الأهداف والغايات؛ فإنَّ لكل قومٍ وارث.
وما زال العلماءُ المخلصون يبذلون وسعهم من أجل بيان الحقيقة، وتبصير الناس بالعقيدة الإسلامية الحقة.ويلاحقون الأفكار الضالة والوساوس الشيطانية الدخيلة، ويغتنمون الفُرص المتاحة لبسط الحقائق ومطاردة إبليس وحِزبه ﴿أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [سورة المجادلة: 19].
وما هذا المؤتمر إلّا حلْقةٌ من حلَقات العمل الدؤوب، لخدمة الإسلام والذّب عن أصوله ومقوماته. وعلى المشتغلين بالعلم الشرعي والعمل الإسلامي الإسهامُ في تعضيد هدفه والمشاركة في تحقيق غاياته.فرأيتُ من المـُتعينّ عليَّ الكتابة في جانب من جوانب موضوع هذا المؤتمر، وهو بيانُ ما أُثير من الشبهات المتعلقة بعقيدة الولاء والبراء ومناقشتُها.
التمهيد:عقيدةُ الولاء والبراء: أصلٌ عظيم من أصول الدين، وشعبةٌ من شعب الإيمان، ولازم من لوازم التوحيد، وتطبيقٌ عملي لكلمة الإسلام الخالدة؛ قال الله تعالى:﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ [سورة البقرة: 256]، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: أوثق عُرى الإيمان الحبُّ في الله والبغضُ في الله[3]، وجعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم: مفارقةَ المشركين، قرينةَ التوحيد وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة[4]. وبايع أصحابَه على البراءة منهم[5].
وهي العقيدةُ التي تمنح المسلم عُزلةً شعورية، وانفصالاً تاماً عن الكفار، وانخلاعاً عن تصورات الجاهلية وقيمها وقيادتها وسلطانها وشعائرها وشرائعها، وتعزّز انتماءه لدينه وأمته وقيمه ومبادئه وقيادته، وتنمّي فيه روحَ الشرف والعزة والكرامة، وتدفع به نحو الرقي والأصالة، وتزيده ثقة وطموحاً. ولذلك كانت هدفاً لأعداء الإسلام، فأوسعوها تشويهاً وانتقاصاً، وأحاطوها بالشبهات والتُّرهات.وشايعهم بعضُ جهلة المسلمين، فنالوا منها بفهومهم الخاطئة ونظراتهم القاصرة، وجعلوها ذريعةً للنيل من أهل الإسلام، والطعن في الولاية الشرعية ظلما وعدوانا.
ولكن الله تعالى لا يزالُ يغرسُ في هذا الدين غرساً يستعملهم فيه بطاعته[6]، ولله عند كل بدعة كيد بها الإسلام ولياً من أوليائه يذب عنها[7].
وقد بقيت هذه العقيدة ناصعة بمظاهرها، عنيةً بمبادئها، وكانت حصناً منيعاً في وجه الكائدين والمتربصين.فالمحبةُ لله ولرسوله وللمؤمنين، والنصرة والنصيحة للمسلمين، والسمعُ والطاعة للولاية الشرعية، ولزومُ الجماعة: من أعظم سِمات الولاية لأهل الإسلام.
كما أنَّ الجهاد في سبيل الله، والبُغضَ لأعداء الإسلام، والتنديدَ بفجورهم وفسادهم وإظهارَ معايبهم، والحذرَ من التشبه بهم والإقامة بينهم، والاحتفاءِ بهم وأعيادهم: من أبرز سمات البراء من أهل الكفر والعصيان. وتلك قيمٌ إسلامية أصيلة، لا تستقيم الحياة بدونها ولا تنعم الأمة إلا في ظلها.
يتبع إن شاء الله.
المراجع في آخر فقرة.
تعليق