مكر الله هو إيصال العقوبة إلى من يستحقُّها من حيث لا يشعر، وهو عدلٌ منه -سبحانه وتعالى-.
فالمكر في حق الله تعالى عدلٌ وجزاء يُحمد عليه -سبحانه وتعالى-، يُنسب من باب المقابلة والجزاء، ولذلك ليس من أسماءِ الله -عز وجل- الماكر، ولاتُطلق صفةُ الماكر على الرب -سبحانه وتعالى-، المكر لمن يَستحقه، ولذلك الأمن من مكر الله يَستلزم عدم الخوف، الذي يأمنُ مكْر الله فإنه لا يخاف الله -سبحانه وتعالى-، لو كان يخافُ الله لم يأمنْ من مكْر الله -عز وجل-،
إذا جاءتِ النعم والخيرات والأمن والأرزاق دارةً مع طاعة الله، فهي نعمة، أما إذا جاءت مع المعاصي فهي استدراج من الله -سبحانه وتعالى
1) كما قال الله تعالى: ﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف: 97- 99].
انظر هؤلاء الأقوام في غاية الرَّغَد، ﴿ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾، الخائف والجائع في الليل لا ينامان لكن هؤلاء نائمون؛ لأنهم في عيشٍ في رغد في أمانٍ في طُمأنينة، أو ﴿ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾ الفقيرُ منذ أن يصبحَ ينطلقُ إلى عملِه، لكن هؤلاء لا يحتاجونَ، هؤلاء أغنياء، ضُحى، في رابعة النهار، عند ارتفاع الشمس وهم مقيمون يلعبون.
يلعبون ومع ذلك أتاهم عذاب الله -سبحانه وتعالى- ﴿ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾.
هؤلاء مقيمون على المعاصي وعلى اللهو ، وهم في ترف ونعم من الله -سبحانه وتعالى-، فإذن هذا هو الأمن من مكر الله -سبحانه وتعالى-.
المكر في محله يدل على قوة الماكر، وأنه غالب على خصمه، ولذلك لا يوصف الله -سبحانه وتعالى- به على الإطلاق، فلا نقول: إن الله ماكر، وإنما هذه الصفة تكون في مقام المدح، كما قال الله تعالى: ﴿ وَيمْكُرُونَ وَيمْكُرُ اللَّهُ ﴾ [الأنفال: 30]، ويقول سبحانه: ﴿ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [النمل: 50]، ومثل قوله: ﴿ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ﴾، في مقابلة هنا تطلق، أما بعض من ألفوا سمى الله -سبحانه وتعالى- الماكر، فلذلك لا يقال: إن من أسماء الله الماكر.
أما الخيانة فلا نصف الله بها، لأنها ذم بكل حال، كما قال الله تعالى: ﴿ وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ﴾ [الأنفال: 71]، ولم يقل: خانهم في ذلك. َ
إذن على الإنسان أن يحذر من النعم، يحذر النعم التي يجلبها الله تعالى للعبد، لئلا تكون استدراجا، وأن يشكر الله وأن يقوم بأمره -سبحانه وتعالى
2)وقول الله -تبارك وتعالى-: ﴿ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾الآية التي قبلها الذي يأمن مكْر الله خاسر، هالك، وهنا الذي يقنطُ من رحمة الله ضالٌّ، غير مُهتدٍ، تائه عن الحق، فإذن في هذه الآية والتي قبلها جمْعٌ بين الخوف والرجاء.
2)وقول الله -تبارك وتعالى-: ﴿ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾الآية التي قبلها الذي يأمن مكْر الله خاسر، هالك، وهنا الذي يقنطُ من رحمة الله ضالٌّ، غير مُهتدٍ، تائه عن الحق، فإذن في هذه الآية والتي قبلها جمْعٌ بين الخوف والرجاء.
ولذلك الله -عز وجل- كما قال عن أنبيائه ورسله: ﴿يدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء: 90].
فهذا إبراهيم لما بشَّرَه الملائكة بالولد بعد العُقم الطويل، وجاءه الملائكة لإهلاك قوم لوطٍ، وقدم إليهم عجلا سمينا، ولم لم يأكلوه، لما خاف منهم بشروه بهذه البشرى، ثم سأل، يعني كيف يكون الولد بعد هذا العقم، وزوجته امرأة كبيرة؟ آية من آيات الله، فبشروه بذلك، قال: ﴿ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾، فالذي يقنط من رحمة الله -عز وجل- ضالٌّ. فالقنوط من رحمة الله لا يجوز، وهو من كبائر الذنوب ؛ لأنه سُوء ظنٍّ في قدرة الله -سبحانه وتعالى-، فالله بيده كل شيءٍ، بيده مقاليدُ الأمور -سبحانه وتعالى-، ومنها أنه طعْن في رحمةِ الله.
انظر العبد لما يقفُ بين يدي ربه، ماذا يقول؟ يقولُ بكل صلاةٍ: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: 1- 3]، انظر صفة ربك -سبحانه وتعالى- التي تبدأ بها.
ولذلك إذا وقع الإنسان في كُربة، أو في مُصيبة، فلا يستبعد فرج الله، فإن فرج الله قريب، وأنَّ الله -سبحانه وتعالى- يكشفُ كربَه، كما أخبرنا عن يونسَ -عليه الصلاة والسلام-، ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الصافات: 143، 144].
3) حديث ابن عباس -رضي الله عنه-، عن ابن عباس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الكبائر -عليه الصلاة والسلام-، فقال: «الشرك بالله، واليأس من رَوح الله» اليأس من رَوح الله، قريب من اليأس من رحمة الله، وهو الفرج والتنفيس، رَوح الله هو الفرج والتنفيث. روح الله رحمته -سبحانه وتعالى-، قريب من الرحمة.
«والأمن من مكر الله» جَمَعَ بين الخوف والرجاء كما قال الله تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف: 87].
ولذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- في أعظمِ المواقف -عليه الصلاة والسلام- من أشدِّ الناس تفاؤلا برحمة الله وفضله، انظر، يقف مشركون على رأسِه -عليه الصلاة والسلام-، هو وأبو بكر الصديق -رضي الله عنه- في الغارِ، فيقول: يا رسولَ الله، لو نظر أحد المشركين إلى شِراك نعله، يَعني بمجرد أنْ ينظرَ إلى نعله سيرانا، قال: «يا أبا بكرٍ، ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما؟».
إنه اليقين برحمة الله وفضل الله -سبحانه وتعالى-.
أيضًا هذا الحديث، والحديث الذي بعده دالاَّنِ على أنَّ الأعمال منها كبائر، ومنها صغائرُ، فلذلك الكبائر لا بدَّ من التوبة منها.
فهذا الدليل دل عليه والحديث حسن، الحديث عن ابن عباس سنده حسن في ذلك.
4) وعن ابن مسعود قال: «أكبر الكبائرِ الإشراكُ بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من رَوح الله»، رواه عبد الرزاق.}
هذه أكبر الكبائر، وانظر حديث ابن عباس، بدأ بماذا؟ بالشركِ فالشركُ من أعظمِ الذنوبِ، أن تجعلَ لله ندًّا وهو خلقك، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48]، فالشرك أمْره عظيم، والشرك في الألوهيةِ، وليس كما يقولُ من ضل من طوائفِ هذه الأمة من يقول الشرك في الربوبية، لا، إنما الشركُ في صرفِ العبادة لله رب العالمين.
قال: «الإشراك بالله، والأمن من مكْر الله، والقنوطُ من رحمة الله واليأس من روح اللهِ» كلاهما: القنوطُ من رحمة اللهِ، واليأس من روح الله متقاربان، وروح الله هى فرج الله وهذا الحديث صحيح، هذا الحديث سنده ثابت في ذلك.
إذن: هذا الحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- هنا سُئل في حديث ابن عباس عن الكبائر، وهنا قال: «أكبر الكبائر»، وكأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أجاب كلَّ سائل بما يناسبه، لكن لو جمعنا هذه الأحاديث، تكون واضحة لنا في هذه القضايا.
ولذلك هذا الباب يُبين لنا تحريمَ الأمنِ من مكر الله، والقنوطِ من رحمة الله -عز وجل-، ومنهاأنه يَجب الجمع بين الخوف والرجاء، يجبُ على الإنسان أن يَجمعَ بين الخوف والرجاء، يخشى الله ويخافه، ويرجو رحمته ونصْره في ذلك.
أيضًا أن الإنسان قاعدة له: يبدأ دائما بالأهم فالأهم، النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سئل عن الكبائر بدأ بماذا؟ بدأ بالشرك، بدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بالشرك، فدائما نبدأ بالأهم فالأهم؛ حتى نقومَ بكلِّ ما أمر الله -سبحانه وتعالى- في ذلك. فيراعي الإنسان هذه القضايا.
وأيضًا مما يتعلق بهذا البابِ: ما يظنه بعض الناس أن الله لن ينصر دينه، ولن يُعلي كلمته، وأن هذا الدين لن ينتصرَ وأن النصرةَ تكون للكفارِ، هذا كله مما يجبُ على الإنسان أن يحذر منه، يجب عليه اليقين أنَّ هذا الدين منصور، وأن اللهَ ناصرٌ دينَه ومُعلي كلمته، وأنه لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا بلغه هذا الدين بعزِّ عزيز، أو بذل ذليل، فهل الدين منتصر، لكن من يقوم بذلك؟!
تعليق