باب الخوف من الله –سبحانه وتعالى
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله.
نبدأ بقول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾[آل عمران: 175].
ه
هذه الآية لها قصة، وقصتها: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أصيب هو وأصحابه في يوم أُحد، وأصابتهم الجراح، وأصابهم الشدة، واستشهد من استشهد من أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- بسبب مخالفة أمره -عليه الصلاة والسلام-، أنهم تركوا الجبل ونزلوا من الجبل، مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرهم أن يبقوا في ذلك، فاستشهد من الصحابة من استشهد، وأصيب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم جاء الخبر للنبي -صلى الله عليه وسلم- من قريش أنهم يريدون الرجوع إليهم للقضاء على المسلمين، القضاء التام، كما قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173]؛ أي: كافينا الله -سبحانه وتعالى-، ﴿ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 174]، لم يصبهم أذى، وانقلبوا إلى المدينة، ورجعوا إلى بلادهم، ﴿ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾، -سبحانه وتعالى- هو الذي جعل الخوف في قلوب المشركين، ولذلك هربوا سراعا إلى مكة.
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ ﴾ [آل عمران: 175]
"لا" هنا الناهية، ينهى المؤمنين ألا تخافوا أولياءَ الشيطان، بل يجب على الإنسان أن يكون قويًّا في دينه ﴿ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ولذلك من خاف الله كفاه، ونصره، وأيده، ومن خاف الناس، خاف من كل شيء، من لم يخش الله ولم يخف الله، خاف من كل شيء، ومن خاف الله خاف منه كل شيء.
ولذلك يجبُ أن يكون في قلب الإنسان خشية الله والخوف منه -سبحانه وتعالى-.
فهذه قصة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا سبب نزول هذه الآية، وهي تسمى "حمراء الأسد"، خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- في أثر المشركين في حمراء الأسد، وأقام فيها ثلاثة أيام نبينا -صلى الله عليه وسلم-، ثم رجعوا سالمين غانمين قد أدخلوا الرعبَ في هؤلاء المشركين.
إذن هذه القضية قضية الخوف وهذا ما يتعلق بهذه المسألة، وهذا سبب هذه الآية.
2)قوله -تبارك وتعالى-: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [التوبة: 18].
2)قوله -تبارك وتعالى-: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [التوبة: 18].
قبل هذه الآية قال الله -تبارك وتعالى-: ﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِم بالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾، هؤلاء المشركون زعموا أنهم هم عُمار المسجد الحرام، ومنعوا منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فردَّ الله عليهم.
﴿إنما﴾ أداة حصرٍ، الحصر لمن؟ الذين يعمرون مساجد الله، هم الذين لهم هذه الصفات، وهؤلاء هم المهتدون.
أول صفاتهم: يؤمنون بالله واليوم الآخر﴿ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾، إذن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والإيمان بألوهيته وأسمائه وربوبيته وأسمائه وصفاته، وبقية أركان الإسلام والإيمان.
قال ﴿ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ ودائمًا يقرن الله -عز وجل- الإيمان بالله باليوم الآخر؛ لأن الإيمان باليوم الآخر حاثٌّ على العمل، إذا علم الإنسان أنَّ أمامه حسابٌ، وأمامه جزاء استعدَّ لهذا العمل.
﴿ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ ﴾ وإقامتها إقامتها واجبة، أن يأتي بالأركان والواجبات، فهذه إقامة واجبة، وإذا أتى بالأركان والواجبات والمستحبات تكون إقامته أيضًا أتى بالواجب والمستحبِّ.
﴿ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ﴾ حصر الخشية في الله -سبحانه وتعالى-، وهذا محل الشاهدِ من الآية، كما صح عن ابن عباس رضى الله عنه: "عسى" من الله واجبة.
عسى؛ أي: هؤلاء أن يكونوا من المهتدين، فهؤلاء هم المهتدون إلى الحق.
فإذن من شرْط الإيمان: الإخلاصُ والخوف من الله -سبحانه وتعالى-، والخشية لله -سبحانه وتعالى-، والخشية من الخوف لكنها أخص منه، لماذا؟ فالخشية معها علم، ولذلك قال: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]، إذن الخشية فيها عِلم، يعلم الله -سبحانه وتعالى-، لكن قد يخاف الجاهلُ، الخوف يكون للعالم والجاهل، لكن الخشية تكونُ معها علم.
وأيضًا الخشيةُ معها معرفة بعظمةِ المخشيِّ -سبحانه وتعالى-، يعلم عَظَمَةَ الرب وقدرته، وجبروته، وسلطانه -سبحانه وتعالى-.
إذن: هذه الصفات، وحصر الله -عز وجل- هذه الصفات في المهتدين؛ أنهم لا يخشون إلا الله -سبحانه وتعالى-، كما جاء في حديث ابن عباس -رضي الله عنه-: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء؛ لم ينفعوك بشيء إلا بشيء كتبه الله لك، وأن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء؛ لم يضروك بشيء إلا بشيء قد كتبه الله عليك»؛ يعني ما قدره الله هو الذي سيكون في ذلك.
وقوله: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ﴾ [العنكبوت: 10].
3)قول الله -تبارك وتعالى-: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ﴾ [العنكبوت: 10].
﴿ وَمِنَ النَّاسِ ﴾ هذا بعض الناس، فهؤلاء هم أهل النفاقِ، يقولون: آمنا بالله، دعوى ليست حقيقيةً، ليسوا بمؤمنين، ليس حقيقتهم أنهم مؤمنون بالله -سبحانه وتعالى-، وإنما حقيقتهم أنهم يدَّعون ذلك.
﴿ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ ﴾أوذي بسبب الدين؛ ﴿ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ﴾عذاب الله، تفرُّ من عذاب الله إلى ماذا؟ إلى طاعة الله، إلى تنفيذ أوامره، فهم هنا ساوَوْا بين عذاب الله وبين الناس، فماذا فعلوا؟ سارعوا إلى طاعة الناس، الأصل أنهم يلتجؤون إلى الله، لكنْ هؤلاء سارعوا إلى طاعةِ الناس خوفًا من أذاهم، مع أن عذاب الله -عز وجل- مستمرٌّ، لم يَقدروا الله -سبحانه وتعالى- قدره.
فهذه الآية في المنافقين أعاذنا الله وإياكم منهم.
وهذا أخبر الله -عز وجل- عنه كثيرا: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ [الحج: 11]، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «أشد الناس بلاء الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام - ثم الأمثل والأمثل، يُبتلى المسلم حَسَبَ إيمانِه» رواه الإمام الترمذيُّ.
ولذلك المنافقون كما قال الله تعالى عنهم: ﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [الأحزاب: 12]، وأما أهل الإيمان: ﴿ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 22].
إذن هذه القضية الأذى الذي يحصل، هو يحصل لكن هذا ابتلاء وتمحيص من الله -سبحانه وتعالى-، والابتلاء منه ما يكون ما يقدره الله على الإنسان، ما يقدره الله -عز وجل- على الإنسان من مصائبَ أو مرضٍ، أو نقصٍ في ماله، أو ولده، أو شيء من ذلك، هذا من قدَر الله -عز وجل-، ولذلك قال الله: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 155، 156].
وبعض الناس إذا أصابتْه مصائبُ فإنه لا يصبرُ، بل يضعفُ إيمانه، بعضهم يرتدُّ، وبعضهم يكفر.
فمن المصائبِ ما يُقدره الله، ومنه ما يكون أذًى كما في هذه الآية، ومنه ما يكون أذى على أيدي الخلق بسببِ إيمانه؛ امتحانا من الله -عز وجل-، وكثير من الناس ينقص إيمانه بسببِ المصائب نقصًا عظيمًا، فليكنِ المسلمُ على حذرٍ، ويسأل الله -عز وجل- دائما العافية.
4)عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- مرفوعًا: «إنَّ من ضعْف اليقين أنْ تُرضيَ الناس بسَخَطِ الله، وأن تحملهم على رِزق الله، وأن تظنَّهم على ما لم يُؤتك الله، إن رزق الله لا يجرُّه حرصُ حريصٍ، ولا يرده كراهيةُ كارهٍ».
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من التمس رضى الله بسخط الناس، رضي الله عنه وأرضى عنه الناسَ، ومن التمس رضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناسَ» رواه ابن ماجة في صحيحه.}
ومما يتعلق بهذه الآية، هذا الحديث حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- مرفوعا، هذا الحديث وإن كان في سنده مقال، وفيه ضعف، لكن هذا الحديث دليله الآية السابقة، يعني ليس العمدة هذا الحديث، وإنما هو للاعتضاد، لا للاعتماد، يعني الآية كافية في هذا المعنى.
ولذلك أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال مرفوعا؛ أي مرفوعا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن من ضعف اليقين» هو أعلى درجات العلم، «إن من ضعف اليقين أن تُرضي الناس بسخط الله» الأصل أن تُرضي الله في سخط الناس، حتى ولو سخط الناس، رضي الناس أم سخطوا عليك أن تُرضي الربَّ -سبحانه وتعالى-، أن تقوم بأمرِ الله -سبحانه وتعالى-،
«وأن تَحمدَهم على رزق اللهِ»، هل في هذا معنى، أنهم ليسوا سببا؟ لا، قد يكونون سببًا، لكنَّ كثيرًا من الناس تعلُّقهم بالأسباب الظاهرة، أما الرزقُ فهو من الله -سبحانه وتعالى-.
«وأن تحمدهم على رزق الله، وأن تذمَّهم على ما لم يُؤتك الله» لم يعطك الله -سبحانه وتعالى-، فتذم الناس وتسبهم بسبب هذا، هذا لا يجوز، وهذا من ضعف الإيمان.
فالواجب على المسلم أن يسأل الله -عز وجل-، أن يسأل الله رزقه، ويسأل الله -عز وجل- ما يُغنيه، لكن لا يمنع هذا أن يطالبَ بحقِّه، يقول: أعطني حقي، أعطني ما يجب لي، يبذل الأسباب، يجتهدُ في ذلك، لا يمنعُ ذلك أن يطلبوا عنه، ولذلك البحث عن الرزق، إنما هي أسباب، بينما الرزق من الله، فالناس يبحثون عن الرزق، لكن منهم من يرزق، ومنهم من لا يرزق، بل بعضهم يكون اجتهاده ضعيفا، وليس عنده، ويُرزق، وبعضهم يكون اجتهاده شديدا وعنده ذكاء في حفظِ المال وكذا ومع ذلك لا يُرزق شيئا.
فكلها بيدِ الله -سبحانه وتعالى-، وإنما هذه هي أسباب، ولذلك حقيقة المؤمن التوكُّل على الله، والناس مجرد أسباب في ذلك، فهؤلاء كلهم يَكونون مجرد أسبابٍ، والله -سبحانه وتعالى- هو الرازق -سبحانه وتعالى-.
«وأن تذمَّهم على ما لم يُؤتك الله» هذا الرزق ما كتبه الله، فلماذا تذم فلانًا؟! ما كتبه الله لك، الأمة لو اجتمعوا أن يمنعوا الرزق الذي لك لا يُمكن أن يمنعوك، سيأتيك رزقك، لكنْ أن تذمَّهم على شيءٍ لم يكتبه الله لك، ليس كذلك.
«إن رزق الله لا يجرُّه حرص حريصٍ» رأينا أناسا فيهم من الحرص الشديد، وأناسا فيهم الفراسة، فرزق الله ذا، ولم يرزقْ هذا، شيء كتبه الله لهذا، وشيء لم يكتبه لهذا، والله -سبحانه وتعالى- يعطي جنة عرضها السماوات والأرض، فما بالك في عَرَضٍ من الدنيا؟! قد يكون ابتلاءً، وقد يكون امتحانًا، يُعطَى هذا، يُبتلى بماله، فلذلك على الإنسان أن يحرص على هذا البابِ.
«لا يجره حرصُ حريصٍ، ولا يرده كراهية كارهٍ» كم من الناس يكرهون أن فلانًا عنده من المال، ومع ذلك رزقه كتبه الله -عز وجل-، لكن هل معنى هذا أننا لو أنَّ إنسانا سعى لنا بخيرٍ، أو سعى لإخوانه المسلمين، المهم أنه سعى في خيرٍ، هل نشكره أو لا؟ بل نشكره،
قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يشكرُ الله من لا يشكر الناس»، والحديث حسن.
فإذن تشكر الناس إذا فعلوا لك معروفا، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من فعل إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا إلا أن تدعوا له، فادعوا له»، فلذلك تُكافئ من فعل إليك، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «احرص» ليس معنى ذلك أن الإنسان ينام، ويتواكل، كما يفعل أهل الجهالة، لا، قال: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله» -سبحانه وتعالى-.
ولذلك هذا من ضعف اليقين؛ أن يجعل عِوض إرضاء الله -سبحانه وتعالى-، يسخط الله برضاء الناس، بل الإنسان يتبع رضى الله في كل الأحوال والأمور بيد الله -سبحانه وتعالى-.
ولهذا الحديث قصة فإن معاوية -رضي الله عنه- لما تولى الخلافة -رضي الله عنه-، أرسل إلى أم المؤمنين عائشةَ -رضي الله عنها-؛ لأن عائشةَ -رضي الله عنها- روت كثيرا من حديث النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وهي من عُلماء الصحابة، فأرسل إليها يطلبُ منها النصيحةَ.
فأرسلت إليه هذا الحديث العظيم، فكتبتْ إليه، «من التمس رضى الناس بسخط الله»، من التمس؛ يعني طلب رضى الناس بسخط الله، يُسخط الله بهذا حتى يرضى عنه الناسُ؛ فإن الله -عز وجل- يُعاجله ويُعاقبه بقصد مطلوبه، ما هو؟ أن يَسخط اللهُ -عز وجل- عليه، «من التمس رضى الله بسخط الناس، رضي الله عنه وأرضى الناس» إذا طلب رضى الله حتى ولو سخط الناسُ، فإن اللهَ -عز وجل- يُرضي عنه الناسَ.
انظر خلفاء الأمة، انظروا عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- أسخط أناسا في زمنه، وأخذ أموالهم، وقام بأعمالٍ جليلة -رضي الله عنه-، ورد مظالمَ وقامَ بأعمال سخط عليه أناس، حتى جاء في بعض السيرِ أنهم وضعوا له سُما، ومع ذلك انظروا الأمة إلى هذه اللحظةِ كم يترحمون على عمر بن عبد العزيز، وهو من التابعين -رضي الله عنه-، انظر «من التمس رضى الله بسخط الناس؛ رضي الله عنه وأرضى الناس عنه».
انظر قصة الإمام أحمد -رحمه الله- يأتي به خليفة أكبر دولة في العالم، يأتي به ويُطالبه بأن يقولَ: القرآن مخلوق، ويقف دون ذلك، ويُعذب ومع ذلك، انظر ترضِّي الأمة عنه، بل يرضى نفسُ الخليفة بعده، الخليفة الذي بعده الخليفة المتوكل يرجع إلى رأيِ الإمام أحمد، ولا يُعيِّن قاضيا ولا متوليا ولا واليا إلا من يُشير به الإمامُ أحمد -رحمه الله-، ويُعظمه غايةَ التعظيم، والأمة إلى هذه الساعة تُعظمه بذلك.
انظر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وإن كان كثير من أهل البدع يُشنع عليه، انظر ماذا كان؟ أرضى الله عنه الناس، ورضي عنه، مع أنه مات وهو في السجن، ومع ذلك التمس رضى الله بسخط الناس، فرضي الله عنه وأرضى الله عنه، انظر إلى اليوم أي كتاب لابن تيمية يُنشر ومع ذلك لا مالَ عند ابن تيمية ولا ذُرية ولا غير ذلك، لكن فضل الله يُؤتيه من يشاءُ.
ومن العكسِ منِ التمسَ رِضى الناس بسخطِ الله، يسخط الله ويُغضب الله، ويقول غيرَ الحق، ماذا يكون؟ سخط الله عليه وأسخطَ عليه الناسَ، هذا كبعض المعاصرين الآن يفتون بالفتاوى الباطلة، لأجل أن يرضوا بعض الناس إما حاكما أو غير ذلك، أو لبعض المصالح، أو لهذا الغرض، فيسخط الله عليه الناس، كل الناس ساخطون قوله، رادُّون لما يقول، نعوذ بالله من الخذلان.
ولذلك الواجبُ على المسلم أن يقولَ ما أمر الله به، ويقول ما شرع الله، ويذكر الدليل من كتاب الله ومن سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأعظم ذلك من يُوافق الناسَ لأجل الشركِ، وفي قضايا الشرك الكبار، القضايا الكبيرة، في قضايا الشرك، يعرف الأدلةَ من الكتاب والسنة، لكن لأنَّ لوالده قبرا أو لقومه أصحاب القبور، فيُريد أن يوافقَهم ويسكت عن الحقِّ ولا يُبينه، نعوذ بالله، فإن هذا يُسخط الله عليه، ويسخط الناس عليه، نسأل الله حُسن الخاتمة في ذلك.
فالواجبُ على المسلم أنه يطلب رضى الله -سبحانه وتعالى-؛ لأن الله بيده كل شيء -سبحانه وتعالى-.
أيضًا نُثبت الرضى والسخط لله -سبحانه وتعالى-، فهذا مذهب أهل السنة والجماعة، وليست كما يقول أهل البدع أنهم يُنكرون على أهل السنة، يقولون إنكم تُثبتون الرضى والسخط مثل رضى الناس وسخط الناس، نعوذ بالله، هذا تشبيه، فإن أهل السنة لا يقولون بذلك، بل يُثبتون كما جاء في كتاب الله، وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وهنا نحن نتكلم عن
أقسام الخوف.الخوف منهخوف العبادة،خوف التأله، الإنسان يتعبد الله، يخاف الله -سبحانه وتعالى-، وهذا مما يقعُ فيه كثير من بعض المشركين أنهم يخافون المقبورين، يخاف فلانا المقبورَ في هذا المكان، أو يخاف الجن، بعضهم يخاف الجن، فيذبح للجن ويتقرب إليهم، ويبذل لهم، ويصرف العبادة لهم؛ لأجل أنهم يُطيعونه كما مر معنا في باب سابق، ﴿أَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن: 6]، والأصل أنَّ الإنسان لا يخافُ إلا الله -تبارك وتعالى-.
إذن: خوفُ العبادة، كما يُسميه بعضُ العلماء: خوف السر، يعني تخاف لك من مقبور مدفون في أرض قد أَرِمَ، عظام ميتة، إنسان ميت تخافه! تخاف من ماذا؟ هذا لا يجوز بأي حال من الأحوال، ولذلك صرف هذا الخوف لغير الله شرك.
وهذا الخوف خوفُ التألُّه والعبادة، الناس فيه أصناف، منهم: من يغلو في ذلك، حتى إنه تتوقف الحياة لديه، كما حصل لبعض العباد، ويأتي في أخبارهم أشياء غريبة جدًّا من الخوف والبكاء المستمر والانقطاع عن الحياة، كل هذا، هذا غلو في الخوف، وذكروا بعض أهل السير مثل عطاء السليمي، ومثل رياح القيسي وغيرهم، ذكروا أمثلة من ذلك، غلب عليهم الخوف، قد يقال منهم عبد الواحد بن زيد، وغيره، هذا غلب عليهم الخوف، لكن عبد الواحد بن زيد عنده بدع أخرى.
ومن الناس من يفرط، لا يخاف الله -سبحانه وتعالى-، يرتكب المعاصي، يسرف بالله، لا يخاف الله، وهذا فرَّط، والصواب الاعتدال؛ أن يخاف الله ويرجوه، ويحبه -سبحانه وتعالى-، هذه الآية.. الخوف النوع الثاني.
النوع الأول خوف العبادة، وهذا صرْفه لغير الله شرك، ولهذا سبب إدخال المؤلف لهذا الباب في التوحيد، صرف الخوف، الخوف العبادة، فصرْفها لغيرِ الله شرك.
طيب هناك
خوف طبيعي، كالخوف من السبُعِ، الخوف من الأماكن المظلمة، بعض الناس يخاف من الأماكن المرتفعة، ما حُكم هذا الخوف؟
هذا خوف طبيعي لا يضر الإنسان في ذلك، لكن لو كان الوهم، زاد الإنسان عنده الوهم، فإنه يُطارد هذا الوهمَ، ويستعيذ بالله -عز وجل-.
هناك نوع آخر من الخوف، وهو الخوف المحرم، يعني أرى أناسا عصوا الله، تركوا، تخلفوا عن صلاة الجماعة، فلا آمرهم بمعروف، ولا أنهاهم عن المنكر؛ خوفًا من الناس، هذا لا يجوز، هذا خوف محرم، خوف محرم، لكن إذا كان هذا الخوف، إذ فعل الإنسان أو أمر أو غير ذلك، أنه سيصل إليه ضرر أكبر، لا يتحمله أو لا يستطيعه، فهنا له في الأمر مندوحة، لكن، إذا لم يكن هناك خوف، مجرد أنك تأمر الناس بالأسلوب الطيب والأسلوب الحسن، فهذا الواجب على الإنسان أنه يبين ذلك ويوضحه للناس، فهذا خوف محرم.
إذن عندنا ثلاثة أنواع من الخوف:
1- خوف التأله والعبادة، هذا صرفه لغير الله شرك.
2- الخوف الطبيعي لا يضر الإنسان، بل خوف الناس من النار مثلا وهروبهم منها، وإنقاذ إخوانهم هذا من الأمر الطيب الذي يُشكر عليه، وهو خوف جِبليٌّ.
3- الخوف المحرم، وهو أن الإنسان يترك ما أمر الله به أو يترك ما نهىالله عنه خوفًا من الناس في ذلك.
د/ عبدالله السهلى (بتصرف)
تعليق