الاستغاثة بغير الله أو دعاء غيره.
والاستغاثة دعاء يعني الدعاء عام، ومنه الاستغاثة، ثم الاستغاثة هي الدعاء وقت الشدة، فإذن الاستغاثة هي دعاء، لكنها خاصة، والدعاء عام، فعطف العام على الخاص،
وكما جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الدعاء هو العبادة»،لراوي: النعمان بن بشير المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 3247
خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح وقال الله عز وجل: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾[غافر: 60]، فقال ادعوني، ما قال: ادعوا غيري، وإنما أمر الله عز وجل المؤمنينَ أن يدعوا الله سبحانه وتعالى ولا يدعوا غيره، فإذن من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره؛ أي إنه يطلب إزالة الشدة، إلا إذا كان فيما يقدر عليه الإنسان كما جاء في قصة موسى﴿ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ﴾[القصص: 15]، فموسى عليه السلام قادر على أن يدفع عن هذا الإنسان، فهذا لا إشكالَ فيه، لكن المراد بالاستغاثة هنا الشرك ، الذين يقولون: يا حسين، يا علي، يا بدوي، يا فلان من الخلق، ولذلك مهما عظُمت مكانة هذا العبد، فإنه بريء من هذا الشرك، الذين يستغيثون بعيسى عليه السلام ويستغيثون بغيره من الأولياء أو من الأشجار أو من الأحجار، أو من غيرهم، فإن هذا هو من الشرك.
أيضًا المراد بالدعاء، دعاء العبادة، لكنْ واحد قال: أنا أدعوكم اليوم لحضور هذا الدرس، هذه دعوة، أيضًا أنا أدعوكم اليوم للعشاء عندي، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:«وإذا دعاك أخوك؛ فأجبه»،لراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2162
خلاصة حكم المحدث: صحيح الدعوة هنا إنما هي دعوة إلى شيء مخصص، لكن المراد عندنا في هذين القضيتين هما: الاستغاثة بغير الله، ودعاء غير الله سبحانه وتعالى.
1) قوله تبارك وتعالى:﴿ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ولَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَنفَعُكَ ولَا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ ﴾[يونس: 105، 106]، الأمر بالحنيفية، الحنيفية هي البراءة من الشرك والبراءة من البدعة والضلالة، والإقامة على دين الله عز وجل، الخطاب لمن؟ لمحمد -صلى الله عليه وسلم-، هل سيدعو محمد -صلى الله عليه وسلم- بأبي هو أمي، هل سيدعو غير الله، لكن إذا كان هذا الوعيد الشديد لمن دعا بذلك، حتى ولو كان نبيا، ماذا سيكون لغيره؟ لا يجوز له، ولذلك هذا من بيان عظمة هذا الأمر،و {المرد بالظلم هنا الشرك}.
فالدعاء كله عبادة، ولذلك يجب صرف هذه العبادة لله رب العالمين، وأن يتعلم الإنسان الأدعية، يتعلم الإنسان الأدعية الواردة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، كم في كثير من الأماكن العظيمة الفاضلة والأوقات والأزمنة الفاضلة، يعني تجد في عرفة هذا الوقت العظيم أعظم الدعاء، وأفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، ومع ذلك تجد بعضهم في ذلك المشهد العظيم والموقف العظيم كل أدعيته باطلة، بل أحيانًا تكون استغاثات شركية، أعوذ بالله من الخذلان.
فالإنسان عليه أن يتعلم الأدعية النبوية، فإن الدعاء النبوي فيه ما تريد، وفيه فوق ما تريد، فتعلم أدعية النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل نتعلم الأدعية التي نكررها في اليوم والليلة.
أيضًا، من الأدلة في ذلك هذه الآية:
﴿ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ ﴾ [العنكبوت: 17]، من الذي يرزقُ؟ أليس الله؟ أيرزقك الله سبحانه وتعالى وتدعو فلان؟! سبحان الله، ﴿ فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 17]، ولذلك قال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا ﴾، ما عندهم رزق، الرزق عند من؟ عند رب العالمين، الرزق عند الله سبحانه وتعالى، فابتغِ الرزق عند الله، اسأل الله سبحانه وتعالى، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، كل الأمر بيد الله سبحانه وتعالى.
فهم يعبدون الأوثان والأوثان عامة سواء كانت قبورا أو أشجارا أو أحجارا أو غير ذلك، ﴿ فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ ﴾ ما دام أنه خلقكم، ولذلك قال الله: ﴿يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذين خلقكم﴾،فهو الخالق يستحق العبادة سبحانه وتعالى، ﴿ وَاشْكُرُوا لَهُ ﴾، والشكر كثير من الناس يقول الشكر بلسانه، أشكر الله، لكنه لا يشكره بفعله، ولا يشكره بقلبه، يعني قلبه ليس فيه الثناء على الله، وبيان نعم الله عز وجل على قلبه، وطمأنينة قلبه إلى نعم الله عز وجل، وأيضًا شكرها بالجوارح، أن يستعمل هذه الجوارح في طاعة الله، يستعمل بصره في طاعة، ويستعمل سيارته في طاعة الله، ويستعمل ماله في طاعة الله سبحانه وتعالى، فلذلك الشكر له سبحانه وتعالى بهذا الأمر، ﴿ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾الحشر إلى الله، سترجع إلى ربك، ستأتي ربك سبحانه وتعالى يوم القيامة، فاستعد لمثل هذا اللقاء في ذلك.
الآية الثالثة: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾[الأحقاف: 5]، هل هناك أضل من هذا؟! واحد يدعو ميت من مئات السنين، قد أرمت جثته، عظامه بالية يدعوه، هل سيستجيب له؟! ﴿ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ﴾[الأحقاف: 5]، غافلون لا يعرفون، هم بحاجة إلى من يدعو لهم، وهؤلاء يدعوهم من دون الله، ﴿ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ﴾[الأحقاف: 6]، إذا حشر الناس يكونون لهم أعداء، يتبرأ الذين اتُّبعوا من الذين اتَّبعوا، يتبرأون منهم، يقول ما كنتم تعبدونا، نحن برآء منكم ومن عبادتكم ومن أعمالكم، يتبرأون منهم، ولذلك الله عز وجل قبلها قال: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو﴾[الأحقاف: 4، 5]، هل هناك أضل من هذا الذي يدعو من دون الله عز وجل، من لا يستجيب له، يعني لا يمكن أنه يستجيب له، ويستحيل أنه يستجيب له إلى يوم القيامة ﴿وهم عن دعائهم غافلون، وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء﴾يكون بينهم يوم القيامة من العداوة والضلال نعوذ بالله من الخذلان.
بعضهم يأتي إلى قبر معين، ثم يدعو عنده، ثم يقول: الدعاء عند هذا القبر مجرب، استجاب الله في هذا المكان، الله يجيب المضطر، ولو كان كافرا، سبحانه وتعالى، وأحيانا تكون فتنة لهم، توافق قَدرًا، فيكونون في هذا الظلام نعوذُ بالله من الخذلان، فلذلك على الإنسان أن يتمسكَ بالأدلة الثابتةِ عن الرسول -صلى الله عليه وسلم.
يختم المؤلف هذا الباب العظيم بهذه القصة، قصة رواها الطبراني وفيها ابن لهيعة، فضعفها بعض أهل العلم، وهذه القصة مما يُعتضد بها، ذكر المؤلف هذه القصة عن ابن لهيعة، أن رجلا من المنافقين كان يُؤذي المؤمنين، فقال بعضهم لبعض: قوموا بنا نَستغيث برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من هذا المنافق، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنه لا يُستغاث بي، وإنما يستغاث باللهِ عز وجل»، النبي -صلى الله عليه وسلم- قادر لكن أراد البيان للمؤمنين، أن الإنسان يَستغيث بالله رب العالمين، وأن تكون استغاثته بالله، ولجوؤه إلى الله سبحانه وتعالى، فهذا باب عظيم والأدلة عليه كثيرة.
من الأدلة ما ضرب الله ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ﴾[الحج: 73]، قال أهل التفسير: حريٌّ بالإنسان أن يتأمل ذلك، فهذه الآيات الكثيرة الدالة على هذا، والأدلة الكثيرة، والقرآن كله دال على أبواب التوحيد، ولذلك إنما نذكر بعض النماذج وبعض الأدلة الدالة على ذلك.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
د/ عبد الله بن دجين السهلى
تعليق