رد: أَعُلماء عَلمانيون؟!
لقد كانت العلمانية في مكة المكرمة تسمح بإجارة النبي-صلى الله عليه وسلم- ليمارس دين الله-سبحانه- في بيته، ويطوف بالبيت، بل وتوفِّر له الحراسة الأمنية من أجل ممارسة دين الله.. بشرط ألا يقرب السياسة! حيث إنه لما رجع-صلى الله عليه وسلم- من الطائف مهموماً، فأجاره المطعم بن عدي، أي تكفل بحمايته وهو على شركه، فأمر أبناءه بأن يلبسوا السلاح ويحموا محمدا ليدخل مكة ويطوف بالبيت!
كذلك قد كان أبو بكر الصديق-رضي الله عنه- بنى مسجدًا بمكة بفناء داره قبل الهجرة فكان يتلو فيه القرآن ويدعو إلى الله وإلى رسوله، وقد كان أجاره رجل من سادات قريش على أن يفعل ذلك، وعلى أن يلزم بيته أو قناته ولا يتجاوز خط السياسة الأحمر الذي خضبته الدماء... دماء المعتصمين.. ليس معتصمي ميدان من ميادين أي مصر.. بل معتصمي حبل الله وكتابه العزيز، الذين يريدون أخذ الإسلام جملة كما جاء من عند الله-سبحانه- ولا يُفَرِّطون في بعضه أو يُفتَنون عنه.
هذه كلها تسمح بها العلمانية، ولا تُقلقها.. بل تخدمها حيث إنها تُبين بها أنها لا تحارب الدين، وإنما تحارب التطرف والإرهاب.. وهو كل من يريد أن يمكن لدين الله في الأرض، كل من يريد أن يحكم البلاد بسياسة شرعية... كل من يريد أن يوحد الله تعالى في السياسة كما يوحده في الصلاة والصيام.. كل من يريد أن يُعَلِّم الناس دين الله وأحكام دين الله في السياسة كما يعلمهم إياها في الصلاة والصيام والنكاح وآداب المرحاض..كله من دين الله لا نفرق بين شيء من أحكامه.. وكل هذا إرهاب تحاربه العلمانية، وتجد له غطاءً شرعية عند علماء يؤصِّلون لفصل السياسة عن الدين!
وإلا لو لم تكن من دين الله لما جاء بها الوحي في كتاب الله-سبحانه- وفي سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ولما أجمع عليها علماء الأمة..
ينبغي ألا نكون مقتسمين نجعل كتاب عضين، أي أعضاء متفرقة نأخذ بعضها ونترك بعضها:" وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89) كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91) فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)"[الحجر].
أو كمن قال الله فيهم:"إنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152)[النساء].
أو كمن أنكر الله عليهم:" أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)"[البقرة]. واشتراء الحياة الدنيا سبب من أسباب التفريط في الجانب المغضِب لأعداء الدين!
وأمثال هؤلاء المشايخ يحرمون التشبه بالكفار في اللباس والتسريحة، حتى في وضع الساعة في اليمين.. فأين يقع هذا من التشبه بهم في إخراج السياسة من الدين، وفصلها عنه؟!
تساءَلْ معــــــي!!
إذا صحَّ لي أن أتسائل فأقول: إذا رجعوا إلى قنواتهم وحلقاتهم، لتعليم الناس سنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم- كأن يقوموا بشرح صحيح البخاري فيها مثلا؛ فوصلوا إلى هذا الحديث في الصحيحين..:"إن بني إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء،كلما هلك نبي خلف نبي.. وأنه لا نبي بعدي..." أكانوا يعلمونه للناس، أم أنهم يرجعون منه إلى تعليم الناس الدين ويتركوه؟!
أيعلمونه لهم كما علَّمه النبي-صلى اله عليه وسلم- لصحابته-رضي الله عنه، وكما علّمه السلف لتلامذتهم، والعلماءُ الربانيون لطُلَّابهم، أم يقولون لهم:(اللي عاوز يتعلم سياسة يأخذ هذا الحديث ويروح أيِّ مكان يتعلم سياسته، يتعلم سياسته في أي حتة بعيدا عن الرحمة، بعيدا عن الحكمة... بعيدا عن البصيرة)؟!!
وأي علم يصح ويصلح ويصدق إذا ابتعد عن الرحمة التي ما أرسل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلا بها كما قال تعالى:" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)"[الأنبياء]؟!
وأي علم يصح ويصلح ويصدق إذا ابتعد عن الحكمة التي هي جُماع الخير:" يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)"[البقرة]؟!
فإذا فعلوا ذلك- وقد فعلوا-.. أيكونون علماء أم عَلمانيين؟!
وإذا وصلوا في تعليمهم السنة إلى قول النبي-صلى الله عليه وسلم-:" عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي، عضوا عليها بالنواجذ.."[الألباني، السلسلة الصحيحة، رقم: 2735]. وهذا الحديث يتعلق بالحكام والسياسة، وقد ذكرهم كخلفاء، وليس كصحابة.. فهل إذا وصلوا إليه يعلموه للناس، أم يقولون له هذا ليس من الدين، روحوا تعلَّموه في أيِّ مكان آخر بعيدا عن باديتنا؟!
بل؛ إذا جعلوا من تعليم الناس دين الله تعليمهم القرآن وتلاوة وتفسيراً.. ووصلوا في تفسيره إلى آيات الحكم والحُكام والتحاكم.. وهي كلها في السياسة.. من نحو قوله تعالى: " وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)"[المائدة], ".. الفاسقون" و".. الظالمون".
ونحو قوله تعالى:" فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)"[النساء].
ونحو قوله تعالى:" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60)"[النساء].
وقوله:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)"[النساء].
أكانوا يشرحونها للناس، ويبينون لهم ما فيها من أحكام الدين، أم يتركونها ويقولون هي ليست من الدين، لأنها سياسة؟! فروحوا بعيدا في أي مكان آخر تعلموا سياستها، وإنما نحن هنا نقتصر على تعليم الناس الآيات التي هي من دين الله، أما آيات القرآن التي ليست من دين الله فتعلموها بعيداً؟!
أيعني أنه صار فيه قرآن وسنة من الدين، وقرآن وسنة ليس من الدين!!! هذا مقتضى الحال والفِعال.
ولا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل، وإنا لله وإنا إليه راجعون...
وفي الضفة الأخرى... بل في الوجهة الأخرى لهذا التَّعلمْن... نجد الإرجاء الغالي.. من الغلو وليس من الغلاء.. فهو رخيس لمخالفته السنة!
الإرجاء الذي وضع من الإسلام شطرَه، وجرَّده من فروعه وأغصانه وثماره.. فلا يقي من حَر ولا يحمي من قَر..
هذا الإرجاء هو الذي فتح الباب لبعض (الشيوخ) و(رجال الدين) بإخراج السياسة من الإيمان والدين ...
في رسالتنا"الكشف والتبيين لشبهات المرجئين" (2001م) كتبت في مقدمتها:"... قام شيوخ يرسخون الإرجاء ويؤصلونه له وقامت جماعات تتبنَّاه.. حتى إذا أكل الإرجاءُ الجمَّ الغفيرَ من الشيب والشباب, وصار أهل السنة ومنهج الحق-عندهم- في عداد "الخوارج كلاب النار" و"التكفيريين" و"من لا عهد لهم ولا ذمة" وحتى استتم العناق واستحكم الوفاق بين طواغيت العلمانية مع طواغيت الإرجاء, وصار بعضهم لبعض ظهيرا ونصيرا, واجتمعوا على قصعة الدين, ففصل الأولون بين الدين والحياة, وفصل الآخِرون بين الإيمان والعمل, فظهر بذلك أنهما وِجهتان لعملة واحدة...".
وها نحن نرى مصداق ذلك في الواقع..
كل الأسف.. والأسى.. أن يتطهر (علماء) الشريعة، و(شيوخ) الدين عن السياسة، ويُطهِّروا منها مجالسهم، ومساجدهم وبرامجهم وقنواتهم!!
أهِــيَ أطهر من الحرمين ومساجد المسلمين الأولين والسلف الصالحين.. وإلا فكيف نكون سلفيين؟!
أقنواتهم ومجالسهم أطهر من المجالس التي يجلسها النبي-صلى الله عليه وسلم- للدين والسياسة التي من الدين، ويتبعه فيها السلف الصالحون، حيث كانت مساجدهم موطنا ومنطلقا للعبادة والسياسة، ومَعلنا للحرب والسلم؟!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:(وكانت " مواضع الأئمة ومجامع الأمة " هي المساجد؛ فإن النبي- صلى الله عليه وسلم- أسس مسجده المبارك على التقوى: ففيه الصلاة والقراءة والذكر؛ وتعليم العلم والخطب. وفيه السياسة وعقد الألوية والرايات وتأمير الأمراء وتعريف العرفاء. وفيه يجتمع المسلمون عنده لما أهمهم من أمر دينهم ودنياهم. وكذلك عماله في: مثل مكة والطائف وبلاد اليمن وغير ذلك من الأمصار والقرى وكذلك عماله على البوادي؛ فإن لهم مجمعا فيه يصلون وفيه يساسون كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم –"إن بني إسرائيل كان تسوسهم الأنبياء؛ كلما ذهب نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء تعرفون وتنكرون قالوا: فما تأمرنا؟ قال: أوفوا ببيعة الأول فالأول واسألوا الله لكم؛ فإن الله سائلهم عما استرعاهم"، كان " الخلفاء والأمراء " يسكنون في بيوتهم كما يسكن سائر المسلمين في بيوتهم؛ لكن مجلس الإمام الجامع هو المسجد الجامع)[مجموع الفتاوى: 35 / 39-40] .
انتهي ما عندي من كـــلام ولم ينتهِ ما بي من آلام!!
والله أعلم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
لقد كانت العلمانية في مكة المكرمة تسمح بإجارة النبي-صلى الله عليه وسلم- ليمارس دين الله-سبحانه- في بيته، ويطوف بالبيت، بل وتوفِّر له الحراسة الأمنية من أجل ممارسة دين الله.. بشرط ألا يقرب السياسة! حيث إنه لما رجع-صلى الله عليه وسلم- من الطائف مهموماً، فأجاره المطعم بن عدي، أي تكفل بحمايته وهو على شركه، فأمر أبناءه بأن يلبسوا السلاح ويحموا محمدا ليدخل مكة ويطوف بالبيت!
كذلك قد كان أبو بكر الصديق-رضي الله عنه- بنى مسجدًا بمكة بفناء داره قبل الهجرة فكان يتلو فيه القرآن ويدعو إلى الله وإلى رسوله، وقد كان أجاره رجل من سادات قريش على أن يفعل ذلك، وعلى أن يلزم بيته أو قناته ولا يتجاوز خط السياسة الأحمر الذي خضبته الدماء... دماء المعتصمين.. ليس معتصمي ميدان من ميادين أي مصر.. بل معتصمي حبل الله وكتابه العزيز، الذين يريدون أخذ الإسلام جملة كما جاء من عند الله-سبحانه- ولا يُفَرِّطون في بعضه أو يُفتَنون عنه.
هذه كلها تسمح بها العلمانية، ولا تُقلقها.. بل تخدمها حيث إنها تُبين بها أنها لا تحارب الدين، وإنما تحارب التطرف والإرهاب.. وهو كل من يريد أن يمكن لدين الله في الأرض، كل من يريد أن يحكم البلاد بسياسة شرعية... كل من يريد أن يوحد الله تعالى في السياسة كما يوحده في الصلاة والصيام.. كل من يريد أن يُعَلِّم الناس دين الله وأحكام دين الله في السياسة كما يعلمهم إياها في الصلاة والصيام والنكاح وآداب المرحاض..كله من دين الله لا نفرق بين شيء من أحكامه.. وكل هذا إرهاب تحاربه العلمانية، وتجد له غطاءً شرعية عند علماء يؤصِّلون لفصل السياسة عن الدين!
وإلا لو لم تكن من دين الله لما جاء بها الوحي في كتاب الله-سبحانه- وفي سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ولما أجمع عليها علماء الأمة..
ينبغي ألا نكون مقتسمين نجعل كتاب عضين، أي أعضاء متفرقة نأخذ بعضها ونترك بعضها:" وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89) كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91) فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)"[الحجر].
أو كمن قال الله فيهم:"إنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152)[النساء].
أو كمن أنكر الله عليهم:" أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)"[البقرة]. واشتراء الحياة الدنيا سبب من أسباب التفريط في الجانب المغضِب لأعداء الدين!
وأمثال هؤلاء المشايخ يحرمون التشبه بالكفار في اللباس والتسريحة، حتى في وضع الساعة في اليمين.. فأين يقع هذا من التشبه بهم في إخراج السياسة من الدين، وفصلها عنه؟!
تساءَلْ معــــــي!!
إذا صحَّ لي أن أتسائل فأقول: إذا رجعوا إلى قنواتهم وحلقاتهم، لتعليم الناس سنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم- كأن يقوموا بشرح صحيح البخاري فيها مثلا؛ فوصلوا إلى هذا الحديث في الصحيحين..:"إن بني إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء،كلما هلك نبي خلف نبي.. وأنه لا نبي بعدي..." أكانوا يعلمونه للناس، أم أنهم يرجعون منه إلى تعليم الناس الدين ويتركوه؟!
أيعلمونه لهم كما علَّمه النبي-صلى اله عليه وسلم- لصحابته-رضي الله عنه، وكما علّمه السلف لتلامذتهم، والعلماءُ الربانيون لطُلَّابهم، أم يقولون لهم:(اللي عاوز يتعلم سياسة يأخذ هذا الحديث ويروح أيِّ مكان يتعلم سياسته، يتعلم سياسته في أي حتة بعيدا عن الرحمة، بعيدا عن الحكمة... بعيدا عن البصيرة)؟!!
وأي علم يصح ويصلح ويصدق إذا ابتعد عن الرحمة التي ما أرسل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلا بها كما قال تعالى:" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)"[الأنبياء]؟!
وأي علم يصح ويصلح ويصدق إذا ابتعد عن الحكمة التي هي جُماع الخير:" يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)"[البقرة]؟!
فإذا فعلوا ذلك- وقد فعلوا-.. أيكونون علماء أم عَلمانيين؟!
وإذا وصلوا في تعليمهم السنة إلى قول النبي-صلى الله عليه وسلم-:" عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي، عضوا عليها بالنواجذ.."[الألباني، السلسلة الصحيحة، رقم: 2735]. وهذا الحديث يتعلق بالحكام والسياسة، وقد ذكرهم كخلفاء، وليس كصحابة.. فهل إذا وصلوا إليه يعلموه للناس، أم يقولون له هذا ليس من الدين، روحوا تعلَّموه في أيِّ مكان آخر بعيدا عن باديتنا؟!
بل؛ إذا جعلوا من تعليم الناس دين الله تعليمهم القرآن وتلاوة وتفسيراً.. ووصلوا في تفسيره إلى آيات الحكم والحُكام والتحاكم.. وهي كلها في السياسة.. من نحو قوله تعالى: " وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)"[المائدة], ".. الفاسقون" و".. الظالمون".
ونحو قوله تعالى:" فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)"[النساء].
ونحو قوله تعالى:" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60)"[النساء].
وقوله:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)"[النساء].
أكانوا يشرحونها للناس، ويبينون لهم ما فيها من أحكام الدين، أم يتركونها ويقولون هي ليست من الدين، لأنها سياسة؟! فروحوا بعيدا في أي مكان آخر تعلموا سياستها، وإنما نحن هنا نقتصر على تعليم الناس الآيات التي هي من دين الله، أما آيات القرآن التي ليست من دين الله فتعلموها بعيداً؟!
أيعني أنه صار فيه قرآن وسنة من الدين، وقرآن وسنة ليس من الدين!!! هذا مقتضى الحال والفِعال.
ولا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل، وإنا لله وإنا إليه راجعون...
وفي الضفة الأخرى... بل في الوجهة الأخرى لهذا التَّعلمْن... نجد الإرجاء الغالي.. من الغلو وليس من الغلاء.. فهو رخيس لمخالفته السنة!
الإرجاء الذي وضع من الإسلام شطرَه، وجرَّده من فروعه وأغصانه وثماره.. فلا يقي من حَر ولا يحمي من قَر..
هذا الإرجاء هو الذي فتح الباب لبعض (الشيوخ) و(رجال الدين) بإخراج السياسة من الإيمان والدين ...
في رسالتنا"الكشف والتبيين لشبهات المرجئين" (2001م) كتبت في مقدمتها:"... قام شيوخ يرسخون الإرجاء ويؤصلونه له وقامت جماعات تتبنَّاه.. حتى إذا أكل الإرجاءُ الجمَّ الغفيرَ من الشيب والشباب, وصار أهل السنة ومنهج الحق-عندهم- في عداد "الخوارج كلاب النار" و"التكفيريين" و"من لا عهد لهم ولا ذمة" وحتى استتم العناق واستحكم الوفاق بين طواغيت العلمانية مع طواغيت الإرجاء, وصار بعضهم لبعض ظهيرا ونصيرا, واجتمعوا على قصعة الدين, ففصل الأولون بين الدين والحياة, وفصل الآخِرون بين الإيمان والعمل, فظهر بذلك أنهما وِجهتان لعملة واحدة...".
وها نحن نرى مصداق ذلك في الواقع..
كل الأسف.. والأسى.. أن يتطهر (علماء) الشريعة، و(شيوخ) الدين عن السياسة، ويُطهِّروا منها مجالسهم، ومساجدهم وبرامجهم وقنواتهم!!
أهِــيَ أطهر من الحرمين ومساجد المسلمين الأولين والسلف الصالحين.. وإلا فكيف نكون سلفيين؟!
أقنواتهم ومجالسهم أطهر من المجالس التي يجلسها النبي-صلى الله عليه وسلم- للدين والسياسة التي من الدين، ويتبعه فيها السلف الصالحون، حيث كانت مساجدهم موطنا ومنطلقا للعبادة والسياسة، ومَعلنا للحرب والسلم؟!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:(وكانت " مواضع الأئمة ومجامع الأمة " هي المساجد؛ فإن النبي- صلى الله عليه وسلم- أسس مسجده المبارك على التقوى: ففيه الصلاة والقراءة والذكر؛ وتعليم العلم والخطب. وفيه السياسة وعقد الألوية والرايات وتأمير الأمراء وتعريف العرفاء. وفيه يجتمع المسلمون عنده لما أهمهم من أمر دينهم ودنياهم. وكذلك عماله في: مثل مكة والطائف وبلاد اليمن وغير ذلك من الأمصار والقرى وكذلك عماله على البوادي؛ فإن لهم مجمعا فيه يصلون وفيه يساسون كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم –"إن بني إسرائيل كان تسوسهم الأنبياء؛ كلما ذهب نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء تعرفون وتنكرون قالوا: فما تأمرنا؟ قال: أوفوا ببيعة الأول فالأول واسألوا الله لكم؛ فإن الله سائلهم عما استرعاهم"، كان " الخلفاء والأمراء " يسكنون في بيوتهم كما يسكن سائر المسلمين في بيوتهم؛ لكن مجلس الإمام الجامع هو المسجد الجامع)[مجموع الفتاوى: 35 / 39-40] .
انتهي ما عندي من كـــلام ولم ينتهِ ما بي من آلام!!
والله أعلم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
تعليق