إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلة (معنى: شهادة أن محمدا رسول الله )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    رد: سلسلة (معنى: شهادة أن محمدا رسول الله )

    السلام عليكم ورحمةالله وبركاته

    أحسن الله إليك أخي الحبيب
    (المحب لله ولرسوله)
    وأسأل الله العون والهداية لي ولكم

    تعليق


    • #17
      رد: سلسلة (معنى: شهادة أن محمدا رسول الله )

      جزاكم الله خيرا اخوانى الكرام
      ونتمنى من الله دائما ان يجمعنا على طاعته

      وفى الاخرة فى جنته


      اللهم امين
      اللهم صلِّ على سيدنا محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً

      تعليق


      • #18
        رد: سلسلة (معنى: شهادة أن محمدا رسول الله )

        جزاكم الله خير الجزاء

        وعلمكم بما ينفعكم ونفعكم بما يعلمكم أنه هو ولى ذلك والقادر عليه

        اللهم ردنا إليك رداً جميلاً واصنعنا على أعينك
        وجعلنا لك كما تحب وترضى

        اللهم املأ قلبي حبا لك وإقبالا عليك وحياء منك
        اللهم ارزقنا حسن أتباع الرسول صل الله عليه وسلم فى الدين والخلق..والحمدلله رب العالمين

        سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.

        تعليق


        • #19
          رد: سلسلة (معنى: شهادة أن محمدا رسول الله )

          السلام عليكم ورحمةالله وبركاته

          أحسن الله إليكما أخوي الحبيب
          (العابد لله)
          (tears of heart)

          وأسأل الله العون والهداية لي ولكم

          تعليق


          • #20
            رد: سلسلة (معنى: شهادة أن محمدا رسول الله )









            أقول بعد حمد الله والصلاة و السلام على رسوله ومن والاه :

            تحدثنا في الحلقات السابقة عن أربعة أمور في معنى شهادة أن محمدا رسول الله أذكر نفسي وإياكم بها مختصرة فإن كثرة الكلام تُنسي بعضه بعضا ،



            فقلت في المقدمة:

            ... فلما علم كل مسلم أن ليس المراد من لا إله إلا الله مجرد التلفظ بها ،

            فكذلك يُقال في قرينتها ، بل لا بد من التصديق بها والالتزام بمعناها ومقتضاها ، وهو الاعتقاد الجازم بأنه - صلى الله عليه وسلم – مرسل من ربه عز وجل ، قد حمله الله هذه الشريعة كرسالة ، وكلفه بتبليغها إلى الأمة ، وفرض على جميع الأمة تقبل رسالته والسير على نهجه ،

            وقلت أن مقتضى هذه الشهادة توجب على المسلم الإيمان بعدة أمور منها:



            الأمر الأول : أهلية النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذه الرسالة .

            فهو خاتم الرسل وأفضلهم ، وقد خصه الله بما لم يحصل لغيره ممن قبله ، فإنه بلا شك على جانب كبير من هذا الاصطفاء والاختيار الذي أصبح به مرسلا إلى عموم الخلق من الجن والإنس ، مبرءا عن النقائص ومساوئ الأخلاق التي تزيل الحشمة ، وتسقط المروءة ، وتلحق بفاعلها الإزراء والخسة ،



            الأمر الثاني : عصمته من الخطايا

            اتفقت الأمة على أن الأنبياء معصومون من كبائر الذنوب ، لمنافاتها للاجتباء والاصطفاء ، فلو وقع منهم ظاهرا شيء من هذه الخطايا

            لتسلط أعداؤهم بذلك على القدح فيهم ، والطعن في شريعتهم ،

            فأما صغائر الذنوب فقد تقع من أحدهم على وجه الاجتهاد،

            ولكن لا يقرون عليها، فلا تكون قادحة في العدالة، ولا منافية للنبوة، وإنما هي أمارة على أنهم بشر لم يصل أحدهم إلى علم الغيب، ولا يصلح أن يمنح شيء من صفات الربوبية .



            الأمر الثالث : عموم رسالته .

            اختص محمد - صلى الله عليه وسلم - دون الأنبياء بخصائص كثيرة ، وعلى هذا فإن على جميع البشر أن يتبعوه ويطيعوه ، فإنهم جميعا من أمته (أمة الدعوة) ، وقد وردت الخطابات في القرآن لعموم الناس ، وهذه النصوص تبين أن جميع البشر مكلفون باتباع رسالته ، وملزمون بطاعته ،

            وقد اشتهر أيضا أنه - صلى الله عليه وسلم – مبعوث إلى الجن كما بعث إلى الإنس ،



            الأمر الرابع : تبليغه الرسالة

            وقلنا ان هذا محض تكليف من الله فلا بد من حصوله، مع أن هذا هو وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام ، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - من جملتهم ، وقد شهد له صحابته - رضي الله عنهم - بهذا البلاغ والبيان وقد اشتهر أنه - صلى الله عليه وسلم - بدأ بدعوة أهل بلده وقومه ، ثم بدعوة العرب في أنحاء الجزيرة ، ثم بمن وراءهم ، فكان يرسل الرسل إلى القبائل في البوادي والقرى للدعوة إلى الله وقبول هذه الرسالة ، ثم بعث الدعاة إلى اليمن والبحرين وغيرهما ، ثم بعث كتبا تتضمن الدعوة إلى هذه الشريعة إلى ملوك الفرس والروم وغيرهم ، فما توفي حتى انتشرت دعوته ، واشتهر أمره عند القريب والبعيد.



            واليوم بأمر الله وتوفيقه نتحدث عن:

            الأمر الخامس :

            ختم النبوة :

            لما كانت هذه الشريعة لجميع الخلق ، وقد كلف بها جميع العباد في أقطار البلاد ،

            فإنما ذلك لكونها خاتمة الشرائع ، وآخر الرسالات المنزلة من السماء ،

            فيجب علينا الإيمان بأن محمدا - صلى الله عليه وسلم –

            خاتم الأنبياء وآخر الرسل ،

            قال الله تعالى في سورة الأحزاب الآية 40

            ( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ )

            وقد قُرئ بفتح التاء وكسرها ، وأصل الخاتم ما يختم به ما قبله ،

            ومنه ما تختم به الرسائل حتى لا يضاف إليها شيء ليس منها ،



            والمعنى أنه - صلى الله عليه وسلم –

            آخر الأنبياء الذين أرسلهم الله إلى الخلق ، فيلزم من كونه خاتم الأنبياء أن يكون آخر الرسل ،

            وقد روى مسلم وغيره عن أبي هريرة - رضي الله عنه –

            أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه ، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ، ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة قال : فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين)



            وروى مسلم أيضا عن جبير بن مطعم - رضي الله عنه –

            أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :

            ( إن لي أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي)

            صحيح البخاري المناقب (3339),صحيح مسلم الفضائل (2354),سنن الترمذي الأدب (2840),مسند أحمد بن حنبل (4/80),موطأ مالك الجامع (1891),سنن الدارمي الرقاق (2775).



            وفي سنن أبي داود وغيره في حديث ثوبان الطويل قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :

            ( وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون ، كلهم يزعم أنه نبي ، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي)

            سنن الترمذي الفتن (2219),سنن أبو داود الفتن والملاحم (4252),سنن ابن ماجه الفتن (3952),مسند أحمد بن حنبل (5/278).



            فيجب الإيمان بأنه - صلى الله عليه وسلم - آخر الأنبياء

            وأن من ادعى النبوة بعده فهو كاذب ،

            وأن عيسى بن مريم - عليه السلام - حين ينزل في آخر الزمان إنما يحكم بشريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو كفرد من أفراد هذه الأمة ، وإن كان ينزل عليه الوحي ، لكنه لا يخرج عن هذا الشرع الشريف ،



            وعلى هذا فكل من زعم النبوة ، أو ادعى الرسالة في هذه الأمة فهو كذاب أفاك

            ضال مضل ، ولو أتى بمخرفة أو شعوذة ، ولو سحر أعين الناس بأنواع من السحر والبهرج الذي يروج على الرعاع والجهلة من العوام ،

            كما جرى على يدي الأسود العنسي ومسلمة الكذاب ، من الأحوال الشيطانية ، والترهات الباطلة التي يعلم كذبها كل ذي عقل سليم ،



            وكذلك غيرهما ممن ادعى النبوة وحصل له أتباع وشوكة ، وفتن به بعض الناس ، ومن آخر هم غلام أحمد القاديانى الذي انتشر شره وفتن بشبهته طوائف وأمم في الهند والسند ، وكثير من البلاد ،

            مرورا بكفرةِ البابية والبهائية وغير ذلك همٌّ كثير ،وهكذا كل مدع للنبوة إلى يوم القيمة ، وآخرهم الدجال الكذاب الذي وردت السنة بأمره وبيان فتنته والتحذير من شره ،



            وقد قال تعالى : في سورة الشعراء الآية 221/ 222

            (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ )

            فهذا يدل على أن أولئك الكذابين تنزل عليهم الشياطين ، وتخيل إليهم إنما يأتيهم وحي من الله ، ولكن سنة الله في خلقه أن يجعل على الحق نورا ، وأن الخرافات والأكاذيب لا بد وأن ينكشف أمرها ، وبتجلي لأولى الألباب .



            هذا ما تيسر مختصرا من فضل الله

            وللحديث بقية إن شاء الله

            مع

            الأمر السادس : واجب الأمة نحوه :

            تقبلوا تحيات ودعوات

            محبكم في الله

            (أبو أنس)

            عفا الله عنه وعنكم

            التعديل الأخير تم بواسطة أبو أنس حادي الطريق; الساعة 25-03-2009, 02:16 AM.

            تعليق


            • #21
              رد: سلسلة (معنى: شهادة أن محمدا رسول الله )










              واجب الأمة نحوه :

              وبعد أن عرفنا صدقه - صلى الله عليه وسلم - فيما جاء به ، وصحة رسالته ، ووجوب تصديقه ، وذلك هو مدلول شهادة أن محمدا رسول الله ، التي تستلزم تصديقه ثم التعبد باتباعه ، والإيمان بما يترتب على ذلك من الثواب ، وعلى تركه من العقاب ، فإن من واجبنا أن نقوم بتحقيق ذلك وتطبيقه في واقع الحياة ، وذلك يتمثل في أوامر وردت أدلتها في الكتاب والسنة .



              1- فمنها الإيمان به - صلى الله عليه وسلم - فقد أمر الله بذلك كما أمر بالإيمان بالله والملائكة والكتب ، ورتب الله تعالى على ذلك جزيل الثواب ، وعلى تركه أليم العقاب ،



              قال الله تعالى : في سورة النساء الآية 136 (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا))



              وقال تعالى : في سورة الحديد الآية 28 (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ))



              وقال سبحانه : في سورة التغابن الآية 8 (( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا ))



              وقال تعالى : في سورة الأعراف الآية 158 (( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ ))



              وقال سبحانه وتعالى : في سورة الفتح الآية 13 ((وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا ))

              وغيرها من الآيات في هذا المعنى ،



              وروى مسلم وغيره عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، ويؤمنوا بي وبما جئت به ) صحيح البخاري الإيمان (25),صحيح مسلم الإيمان (22).



              وفسر - صلى الله عليه وسلم - الإيمان في حديث جبريل المشهور بقوله : (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره ) في سنن الترمذي الإيمان (2610),سنن النسائي الإيمان وشرائعه (4990),سنن أبو داود السنة (4695),سنن ابن ماجه المقدمة (63),مسند أحمد بن حنبل (1/28).



              ولا شك أن الإيمان به - صلى الله عليه وسلم - يستلزم تصديقه فيما جاء به ،

              واعتقاد صحة رسالته ، ذلك أن أصل الإيمان يقين القلب واطمئنانه بصحة الشيء ، ثم التكلم به عن معرفة وإيمان ، ثم تطبيق ذلك بالعمل بمقتضاه فباجتماع ذلك يتم الإيمان ، ويعتبر وسيلة للنجاة .



              وبتخلف تصديق القلب يبطل أثر الشهادة ولا تنفع قائلها .



              ولهذا كذب الله المنافقين بقوله : في سورة المنافقون الآية 1 (( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ))



              2 - ومن ذلك الأمر بطاعته - صلى الله عليه وسلم - والتحذير من معصيته ،



              ولا شك أن طاعته من علامات الإيمان به ، فإن التصديق الجازم بصدقه لتستلزم طاعته فيما بلغه عن الله تعالى ، فمن خالفه في ذلك أو شيء منه عنادا أو تهاونا لم يكن صادقا في شهادته له بالرسالة ،



              ولقد أمر الله تعالى بطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مواضع كثيرة من القرآن ،



              قال الله تعالى : في سورة النساء الآية 59 (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ))



              وقال تعالى : في سورة المائدة الآية 92(( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ))



              وقال سبحانه وتعالى : في سورة النور الآية 54 (( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ))



              ومثل معنى ذلك قوله تعالى : في سورة الحشر الآية 7 (( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ))



              بل قد رتب على طاعته - صلى الله عليه وسلم - جزيل الثواب فقال تعالى : سورة النور الآية 56 وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ))



              وقال تعالى : في سورة الأحزاب الآية 71 (( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ))



              وهكذا توعد على معصيته بالعقوبة الشديدة ،

              قال الله تعالى : في سورة النساء الآية 14و13 (( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )) ((وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ))



              وحكى عن أهل النار قولهم : في سورة الأحزاب الآية 66 (( يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا ))



              وورد في الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله)



              ومعنى هذا أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما يأمر بما أوحي إليه ، فطاعته في ذلك طاعة لربه ،



              قال الله تعالى : في سورة النساء الآية 80 (( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ))



              وروى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (كل الناس يدخل الجنة إلا من أبى ، قالوا : يا رسول الله وكيف يأبى ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى) صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (6851),صحيح مسلم الإمارة (1835),مسند أحمد بن حنبل (2/361).



              ولا شك أن طاعته هي فعل ما أمر به ، وتجنب ما نهى عنه ، والتسليم مع ذلك لما جاء به ، والرضى بحكمه وترك الاعتراض على شرعه أو التعقب والانتقاد لحكمه .



              3 - ومن ذلك أمر الأمة باتباعه والاقتداء بسنته ،

              وقد رتب الله على ذلك الاهتداء والمغفرة ، وجعله علامة على صدق المحبة لله تعالى ،



              قال عز وجل : في سورة الأعراف الآية 158 (( وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ))



              ولما ادعى اليهود والنصارى أنهم أبناء الله وأحبابه أنزل آية المحنة ، وهي قوله تعالى : في سورة آل عمران الآية 31و32 (( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )) (( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ))



              وقال تعالى : في سورة الأحزاب الآية 21 (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ))



              ولا شك أن مما يجب على العباد محبة ربهم الذي خلقهم وأنعم عليهم ، ولكن حصول هذه المحبة وقبولها متوقف على اتباع هذه النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - فقد جعل الله من ثواب اتباعه محبة الله تعالى لمن اتبعه ومغفرته له ،



              ولكن علامة هذا الاتباع تقليده - صلى الله عليه وسلم - والسير على نهجه ، والاقتداء به في سيرته وأعماله وقرباته ، وتجنب كل ما نهى عنه ، والحذر من مخالفته التي نهايتها الخروج عن التأسي به ،



              كما ثبت في الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ( فمن رغب عن سنتي فليس مني) : صحيح البخاري النكاح (4776),صحيح مسلم النكاح (1401),سنن النسائي النكاح (3217),مسند أحمد بن حنبل (3/285).



              4 - ومن ذلك محبته الصادقة بالقلب والقالب ، بل تقديمها على ما سواها



              قال الله تعالى : في سورة التوبة الآية 24 (( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ))



              فانظر كيف وبخهم على تقديم شيء من هذه الأصناف الثمانية التي تميل إليها النفس عادة وتؤثر الحياة لأجلها على محبة الله ومحبة رسوله ، وتوعدهم بقوله (فتربصوا) . . الخ

              أي انتظروا أمر الله وهو أثر سخطه وغضبه ، بما ينزله من العقوبة ،



              وفي ذلك أبلغ دليل على وجوب محبة الله تعالى ومحبة رسوله - صلى الله عليه وسلم –



              وقد أكد ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - في سنته كقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أنس :

              (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان ، أن يكون الله رسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار) صحيح البخاري الإيمان (16),صحيح مسلم الإيمان (43),سنن الترمذي الإيمان (2624),سنن النسائي الإيمان وشرائعه (4988),سنن ابن ماجه الفتن (4033),مسند أحمد بن حنبل (3/114).



              وفي الصحيحين أيضا عن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)



              ولما قال له عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : (( والله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي قال : لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال - رضي الله عنه - والله لأنت أحب إلى من كل شيء حتى من نفسي . فقال : الآن يا عمر ) صحيح البخاري الأيمان والنذور (6257),مسند أحمد بن حنبل (5/293).



              وقد ورد في الحديث أن من ثواب محبته - صلى الله عليه وسلم - الاجتماع معه في الآخرة ، وذلك لما في صحيح البخاري المناقب (3485),

              (( سأله رجل عن الساعة فقال : ما أعددت لها ؟ قال ما أعددت لها إلا حب الله ورسوله . فقال أنت مع من أحببت)) صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2639),سنن الترمذي الزهد (2385),سنن أبو داود الأدب (5127),مسند أحمد بن حنبل (3/168).



              وفي الصحيحين عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :

              (المرء مع من أحب) صحيح البخاري الأدب (5816),صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2641),مسند أحمد بن حنبل (4/405).



              وكفي بذلك ثوابا وأجرا لهذه المحبة ، ولكن المحبة الصادقة تستلزم الاقتداء به والتأدب بآدابه ، وتقديم سنته على رضى كل أحد ، وتستلزم أيضا محبة من يحبه ويواليه ، وبغض من يبغضه ويعاديه ، ولو كان أقرب قريب ، فمن استكمل ذلك فقد صدق في هذه المحبة ، ومن خالفه أو نقص شيئا من ذلك نقصت محبته بقدر ذلك .



              5 - ومن ذلك احترامه - صلى الله عليه وسلم - وتوقيه وتعزيره

              كما ذكر في قوله تعالى : في سورة الفتح الآية 9 (( لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ))



              وقوله تعالى : في سورة الحجرات الآية 1و2و3 (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ)) (( إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ))

              فنهاهم عن التقدم بين يديه برأي أو نظر يخالف ما جاء به ، ونهاهم عن رفع الصوت بحضرته ، أو الجهر له بالقول بدون مبرر ، وتوعدهم على ذلك بحبوط العمل ،



              وقال تعالى : في سورة النور الآية 63 (( لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ))

              أي لا تنادوه باسمه العلم كما يدعو أحدكم الآخر ، ولكن ادعوه بما تميز به بأن تقولوا : يا نبي الله أو يا رسول الله .

              وما ذاك إلا لما خصه الله به من الفضل والرفعة ، وفي تعزيره وتوقيره واحترامه تعظيم لسنته ، ورفع لقدرها في نفوس أتباعه ، مما يحصل به اتباعه وامتثال أمره وتجنب نهيه .



              قال تعالى : في سورة النساء الآية 59 (( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ))



              وقال تعالى : في سورة النور الآية 63 (( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ))



              وقال تعالى : في سورة النساء الآية 65 (( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ))



              وأجمعت الأمة أن الرد والتحاكم بعده يكون إلى سنته ، ففي هذه الآيات أعظم برهان على تحريم مخالفته ، ومنع الاستبدال بسنته ، فانظر كيف حذر الذين يخالفون عن أمره بالفتنة وهي الشرك أو الزيغ ، وبالعذاب الأليم ، وكيف أقسم على نفي الإيمان عنهم حتى يحكموه في كل نزاع يحدث بينهم ، ويسلموا لقضائه ، ولا يبقى في نفوسهم أي حرج أو تعنت مما قضي به بينهم ، وكفى ذلك وعيدا وتهديدا لمن ترك سنته بعد معرفة حكمها تهاونا واستخفافا ، واعتاض عنها بالعادات والآراء والقوانين الوضعية ونحوها .



              هذا ما تيسر وللحديث بقية إن شاء الله

              مع

              الاقتصاد والتوسط في حقه - صلى الله عليه وسلم -

              تعليق


              • #22
                رد: سلسلة (معنى: شهادة أن محمدا رسول الله )









                الأمر السابع :

                الاقتصاد والتوسط في حقه - صلى الله عليه وسلم - :

                جرت سنة الله في خلقه بوقوع الإفراط أو التفريط ، وأن كل أمة يقع منهم في الغالب غلو أو تقصير ، لذلك حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته المتبعين له من الغلو في حقه وإعطائه شيئا من خالص حق الله تعالى ،



                ويتبين ذلك بما يأتي .

                1 - أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يخرج عن كونه بشرا ، قال الله تعالى في سورة الكهف الآية 110 قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ فبين أنه اختص بالوحي إليه فقط ،



                وقال تعالى : في سورة الإسراء الآية 93 (( قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا )) وذلك لما طلب منه المشركون أن يفجر الأرض أو يسقط السماء عليهم . . الخ ،



                فبين لهم أن الذي يملك ذلك هو ربه وحده ، فأما هو فإنما تميز بالرسالة التي حمله الله إياها ، وقد حكى الله عن الأمم السابقة طعنهم في رسالة الرسل بأنهم بمثر ،




                كما في قوله تعالى عن قوم هود أو صالح : في سورة المؤمنون الآية 33 /34 (( مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ))(( وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ ))



                وحكى عن المكذبين لمحمد - صلى الله عليه وسلم - أنهم قالوا : كما في سورة الفرقان (( مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ )) أي يسعى للتكسب وطلب الرزق ،

                فأجاب عن ذلك بقوله : (( وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ )) أي ليسوا ملائكة فإن البشر لا يتمكنون عادة من رؤية الملائكة بل لو أرسل الله ملكا لما تمكنوا من مشاهدته حتى يتمثل في صورة إنسان فيقع الاشتباه ،



                قال تعالى : في سورة الأنعام الآية 9 (( وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ ))



                ولما وقع منه - صلى الله عليه وسلم - السهو في الصلاة ولم يذكروه ظنا منهم أن الصلاة قد قصرت فقال : إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني متفق عليه هو في صحيح البخاري برقم 401 ومسلم 5 / 61 عن ابن مسعود .



                ومتى كان الرسل بشرا فلا يناسب إعطاءهم شيئا من حق الله من صفة أو عمل .



                2 - أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يعلم الغيب ، وإنما يخبر بما أخبره الله به وأوحاه إليه ،



                قال الله تعالى : في سورة الأنعام الآية 50 (( قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ))

                وقال تعالى : في سورة الأحقاف الآية 9 (( قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ))

                وقال تعالى : في سورة الأعراف الآية 188 (( وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ))



                فالغيب لا يعلمه إلا الله تعالى وإنما يظهر بعض خلقه على شيء من ذلك كمعجزة وبرهان على صدقه

                كما قال تعالى : في سورة الجن الآية /2726 (( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا )) (( إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ))

                أي أنه تعالى يطلع من ارتضاه وهم رسله على أمور من الغيب مما سبق أو مما يأتي ،



                ولا ينافي ذلك قوله تعالى : في سورة النمل الآية 65 (( قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ))



                فإن ما وقع من الإخبار في الأحاديث عن الأمور المستقبلة هو من الوحي الذي اطلع الله عليه رسوله - صلى الله عليه وسلم - بواسطة الرسول الملكي ، أو بما فتح الله عليه وألهمه ،



                ومتى كان هذا وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن قبله من الرسل ، لم يصلح أن يصرف لهم شيء من حق الله الذي هو عبادته وحده ، ولا أن يوصفوا بما اختص به الرب تعالى ،



                فقد أنكر - صلى الله عليه وسلم - على الجاريتين اللتين عند الربيع بنت مسعود قولهما : وفينا نبي يعلم ما في غد ،

                رواه الترمذي هو في سنن الترمذي مع تحفه الأحوذي 4 / 211 وصححه



                . وقالت عائشة - رضي الله عنه - : من حدثك أن محمدا يعلم ما في غد فلا تصدقه

                رواه البخاري هو في صحيح البخاري مع الشرح برقم 4855 . وورد في صحيح البخاري الإيمان (50),صحيح مسلم الإيمان (9),سنن النسائي الإيمان وشرائعه (4991),سنن ابن ماجه المقدمة (64),مسند أحمد بن حنبل (2/426).



                وفي حديث جبريل - عليه السلام - لما سأل عن الساعة قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما المسئول عنها بأعلم من السائل ، وسأحدثك عن أماراتها إذا ولدت الأمة ربها ، وإذا رأيت الحفاة العراة رعاة الشاة يتطاولون في البنيان ،

                وفي خمس لا يعلمهن إلا الله ثم قرأ (( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ))

                متفق عليه هو في صحيح البخاري برقم 50 وصحيح مسلم 1 / 161 .



                وهذه الخمس يعني مفاتح الغيب المذكورة في قوله تعالى : في سورة الأنعام الآية 59 (( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ )) فمن ادعى العلم بشيء منها أو نسبه إلى بشر فهو كاذب .





                هذا ما تيسر وللحديث بقية إن شاء الله

                تعليق


                • #23
                  رد: سلسلة (معنى: شهادة أن محمدا رسول الله )

                  جزاك الله خيراأبو أنس
                  ورفع قدرك في الدارين وأعلى منزلتك
                  بارك الله فيك وفى أعمالك القيمة


                  تعليق


                  • #24
                    رد: سلسلة (معنى: شهادة أن محمدا رسول الله )

                    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                    بارك الله فيك أخي الحبيب (أبو شدا)

                    وأسال الله أن يحبك وأن يباهي بك الملائكة

                    تعليق


                    • #25
                      رد: سلسلة (معنى: شهادة أن محمدا رسول الله )

                      جزاكم الله خير

                      تعليق


                      • #26
                        رد: سلسلة (معنى: شهادة أن محمدا رسول الله )





                        تابع

                        الأمر السابع :

                        الاقتصاد والتوسط في حقه - صلى الله عليه وسلم - :



                        3 - أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يملك الضر ولا النفع لنفسه فضلا عن غيره ، قال الله تعالى : في سورة الأعراف الآية 188 (( قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ))

                        وقال تعالى : في سورة الجن الآية 21 (( قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ))



                        وما ذاك إلا أن الملك لله وحده ، فهو الذي بيده النفع والضر والعطاء والمنع ، وهو مالك الملك ، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه ، أما الخلق كلهم بما فيهم الأنبياء فإنهم مملوكون ، يعمهم قول الله تعالى : في سورة سبأ الآية 22 (( لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ))



                        يقول شيخ الإسلام ابن تيمية بعد هذه الآية :

                        نفي الله عما سواه كلما يتعلق به المشركون ، فنفي أن يكون لغيره ملك أو قسط منه أو يكون عونا لله . . الخ



                        وقد قال تعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم - : في سورة آل عمران الآية 128 (( لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ )) وذلك حين أن شج النبي - صلى الله عليه وسلم - في وقعة أحد وكسرت رباعيته ،

                        فقال : "كيف يفلح قوم شجوا نبيهم أو كان ذلك لما قنت عليه الصلاة والسلام يدعو على بعض المشركين بمكة ، فأنكر الله عليه ، وأخبره بأن الأمر كله لله وحده ليس لك منه شيء"

                        رواه البخاري برقم 4069 وغيره عن ابن عمر - رضي الله عنه – وفي صحيح مسلم الجهاد والسير (1791),سنن الترمذي تفسير القرآن (3003),سنن ابن ماجه الفتن (4027),مسند أحمد بن حنبل (3/253).



                        وثبت في الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - أنذر عشيرته وأقاربه وقال لهم : أنقذوا أنفسكم من النار لا أغني عنكم من الله شيئا حتى قال ذلك لعمه وعمته وابنته"

                        صحيح البخاري الوصايا (2602),صحيح مسلم الإيمان (204),سنن الترمذي تفسير القرآن (3185),سنن النسائي الوصايا (3644),مسند أحمد بن حنبل (2/361),سنن الدارمي الرقاق (2732).



                        وفي رواية صحيح: " اشتروا أنفسكم"

                        البخاري الوصايا (2602),صحيح مسلم الإيمان (206),سنن النسائي الوصايا (3646),مسند أحمد بن حنبل (2/350),سنن الدارمي الرقاق (2732)



                        أي بتوحيد الله وإخلاص العبادة له ، وطاعته فيما أمر والانتهاء عما عنه زجر ، فإن في ذلك إنقاذ من النار ، دون الاعتماد على النسب والقرابة ،

                        فدفع بذلك ما يتوهمه بعضهم من أنه يغنى عن أقاربه ويشفع لهم ،

                        وهذا الوهم قد سرى وتمكن في نفوس الجمع الغفير ، فتراهم يعتمدون على مجرد الانتساب إلى قرابة النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعدونه شرفا ، ظانين أن النجاة والشفاعة تحصل لهم بدون عمل ، بل إنهم يخالفون سنته ، ويعصون الله ورسوله علنا ،



                        كما أن هناك آخرون يتعلقون بحبه المزعوم دون اتباعه وطاعته ، ويعتقدون أنه يشفع لهم بمجرد تلك المحبة الوهمية ، رغم مخالفة مدلول المحبة من تقليده والسير على نهجه ،



                        فإذا كان هو - صلى الله عليه وسلم - لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، ولا يدفع الضر والعذاب عن نفسه لو عصاه كما قال تعالى : في سورة الجن الآية 22 (( قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا))



                        فكيف بغيره من قريب أو بعيد ، وقد بين عليه الصلاة والسلام لأقاربه أنه لا ينجيهم من عذاب الله ولا يدخلهم الجنة ولا يقربهم إلى الله ، وإنما أعمالهم هي التي تنقذهم من النار .



                        وثبت في الصحيح " أنه - صلى الله عليه وسلم - حاول هداية عمه أبي طالب فلم يقدر على ذلك ، فلما حضرته الوفاة جاءه " فقال له : يا عم قل لا إله إلا الله ، كلمة أحاج لك بها عند الله"

                        صحيح البخاري المناقب (3671),صحيح مسلم الإيمان (24),سنن النسائي الجنائز (2035),مسند أحمد بن حنبل (5/433).



                        فلقنه جلساء السوء الحجة الشيطانية ، فكان آخر كلامه : هو "على ملة عبد المطلب".

                        ونزل في ذلك قوله تعالى : في سورة القصص الآية 56 (( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ))



                        ففي هذه القصة أعظم ما يبطل شبهة المشركين الذين يغلون في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - ويسألونه تفريج الكروب ، وغفران الذنوب ، ويهتفون باسمه عند الشدائد بقولهم : " يا رسول الله " . ونحو ذلك ،



                        فإذا كان هو عليه الصلاة والسلام أفضل الخلق وأقربهم من الله ، وأعظمهم عنده جاها ، ومع ذلك حرص على هداية عمه أبي طالب في حياته وعند وفاته فلم يستطع ذلك ،

                        لأن الله تعالى كتب عليه الشقاء ، وقد عزم على الاستغفار له .



                        فنهاه الله عن ذلك بقوله . في سورة التوبة الآية 113 (( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ))



                        ففي ذلك دليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يملك لغيره نفعا ولا يدفع عنه ضرا ، ولو دعاه ورجاه وهتف باسمه ، ولو زعم أنه يحبه حبا شديدا ،



                        فلو كان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء من هداية القلوب أو تفريج الكربات ، لكان أولى الناس بذلك عمه الكبير الذي كفله وحماه ، وحال بينه وبين أذى المشركين ، فإذا لم يقدر على هدايته ونجاته فغيره بطريق الأولى .



                        هذا ما تيسر وللحديث بقية إن شاء الله

                        تعليق


                        • #27
                          رد: سلسلة (معنى: شهادة أن محمدا رسول الله )

                          فإذا كان هو عليه الصلاة والسلام أفضل الخلق وأقربهم من الله ، وأعظمهم عنده جاها ، ومع ذلك حرص على هداية عمه أبي طالب في حياته وعند وفاته فلم يستطع ذلك ،

                          لأن الله تعالى كتب عليه الشقاء ، وقد عزم على الاستغفار له .




                          فنهاه الله عن ذلك بقوله . في سورة التوبة الآية 113 (( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ))



                          ففي ذلك دليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يملك لغيره نفعا ولا يدفع عنه ضرا ، ولو دعاه ورجاه وهتف باسمه ، ولو زعم أنه يحبه حبا شديدا ،

                          جزاك الله خيرا اخى الحبيب ابو انس
                          اللهم صلِّ على سيدنا محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً

                          تعليق


                          • #28
                            رد: سلسلة (معنى: شهادة أن محمدا رسول الله )

                            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                            جزاك الله خيرا أختنا الكريمة (
                            صاحبة القلادة)
                            بارك الله فيك أخي الحبيب (العابد لله)


                            وأسال الله أن يحبك وأن يباهي بك الملائكة

                            تعليق


                            • #29
                              رد: سلسلة (معنى: شهادة أن محمدا رسول الله )



                              تابع الأمر السابع :
                              الاقتصاد والتوسط في حقه - صلى الله عليه وسلم - :

                              4 - عبوديته - صلى الله عليه وسلم - شرف وفضيلة ،

                              فقد ثبت في الصحيحين عن عمر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، إنما أنا عبد ، فقولوا عبد الله ورسوله"
                              صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3261),مسند أحمد بن حنبل (1/56).




                              يقول الشيخ سليمان بن عبد الله - رحمه الله - على هذا الحديث في شرح التوحيد ص 272 :

                              "قوله إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله أي : لا تمدحوني فتغلوا في مدحي كما غلت النصارى في عيسى فادعوا فيه الربوبية ، وإنما أنا عبد الله ، فصفوني بذلك كما وصفني به ربي ، وقولوا عبد الله ورسوله ،

                              فأبى عباد القبور إلا مخالفة لأمره ، وارتكابا لنهيه ، وناقضوه أعظم المناقضة ، وظنوا أنهم إذا وصفوه بأنه عبد الله ورسوله ، وأنه لا يدعى ولا يستعان به ، ولا ينذر له ، ولا يطاف بحجرته ، وأنه ليس له من الأمر شيء ، ولا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله أن في ذلك هضما لجنابه ، وغضا من قدره ، فرفعوه فوق منزلته ، وادعوا فيه ما ادعت النصارى في عيسى أو قريبا منه ، فسألوه مغفرة الذنوب ، وتفريج الكروب .



                              وقد ذكر شيخ الإسلام في كتاب " الاستغاثة " عن بعض أهل زمانه أنه جوز الاستغاثة بالرسول - صلى الله عليه وسلم - في كل ما يستغاث فيه بالله ، وصنف فيه مصنفا .

                              وكان يقول : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا الله .

                              وحكي عن آخر من جنسه يباشر التدريس ، وينسب إلى الفتيا أنه كان يقول : " إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم ما يعلمه الله ، ويقدر على ما يقدر الله عليه ، وأن هذا السر انتقل بعده إلى الحسن ، ثم انتقل إلى ذرية الحسن ، إلى أبي الحسن الشاذلي ،

                              وقالوا : هذا مقام القطب الغوث الفرد الجامع ،


                              ومن هؤلاء من يقول في قول الله تعالى : ((وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)) سورة الأحزاب الآية 42 إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الذي يسبح بكرة وأصيلا ،


                              ومنهم من يقول : نحن نعبد الله ورسوله . فيجعلون الرسول

                              معبودا .


                              قلت : وقال البوصيري :

                              فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم

                              فجعل الدنيا والآخرة من جوده ، وجزم بأنه يعلم ما في اللوح المحفوظ

                              ، وهذا هو الذي حكاه شيخ الإسلام عن ذلك المدرس ، وكل ذلك كفر صريح .

                              ومن العجب أن الشيطان أظهر لهم ذلك في صورة محبته - عليه السلام - وتعظيمه ومتابعته ، وهذا شأن اللعين لا بد وأن يمزج الحق بالباطل ليروج على أشباه الأنعام أتباع كل ناعق ، الذين لم يستضيفوا بنور العلم ، ولم يلجوا إلى ركن وثيق ، لأن هذا ليس بتعظيم ، فإن التعظيم محله القلب واللسان والجوارح ، وهم أبعد الناس منه ،



                              فإن التعظيم بالقلب : ما يتبع اعتقاد كونه عبدا رسولا ، من تقديم محبته على النفس والوالد والناس أجمعين ،

                              ويصدق هذه المحبة أمران :

                              أحدهما تجريد التوحيد ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان أحرص الخلق على تجريده ، حتى قطع أسباب الشرك ووسائله من جميع الجهات ، حتى قال له رجل : " ما شاء الله وشئت " . قال : أجعلتني لله ندا ؟ بل ما شاء الله وحده"
                              رواه أحمد كما في المسند1 / 214 ، 282 عن ابن عباس وصححه المحقق (سنن ابن ماجه الكفارات (2117),مسند أحمد بن حنبل (1/214).




                              ونهى أن يحلف بغير الله ، وأخبر أن ذلك شرك ، ونهى أن يصلي إلى القبر أو يتخذه مسجدا أو عيدا ، أو يوقد عليه سراج ، بل مدار دينه على هذا الأصل الذي هو قطب رحى النجاة ، ولم يقرر أحد ما قرره - صلى الله عليه وسلم - بقوله وفعله ، وسد الذرائع المنافية له ، فتعظيمه - صلى الله عليه وسلم - بموافقته على ذلك لا بمناقضته فيه .



                              الثاني : تجريد متابعته وتحكيمه وحده في الدقيق والجليل من أصول الدين وفروعه ، والرضى بحكمه والانقياد له والتسليم ، والإعراض عما خالفه ، وعدم الالتفات إلى ما خالفه ،

                              حتى يكون وحده هو الحاكم المتبع المقبول قوله ، المردود ما خالفه كما كان ربه تعالى وحده هو المعبود المألوه المخلوق المستغاث به ، المتوكل عليه الذي إليه الرغبة والرهبة ، الذي يؤمل وحده لكشف الشدائد ومغفرة الذنوب الذي من جوده الدنيا والآخرة الذي خلق الخلق وحده ، ورزقهم وحده ، ويبعثهم وحده ويغفر ويرحم ويهدي ويضل ، ويسعد ويشقي وحده ، وليس لغيره من الأمر شيء كائنا من كان ، لا النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا جبريل - عليه السلام - ولا غيرهما ،

                              فهذا هو التعظيم الحق المطابق لحال المعظم ، النافع للمعظم في معاشه ومعاده ، والذي هو لازم إيمانه وملزومه .



                              وأما التعظيم باللسان فهو الثناء عليه بما هو أهله مما أثنى به عليه ربه وأثنى على نفسه من غير غلو ولا تقصير ، كما فعل عباد القبور ، فإنهم غلوا في مدحه إلى الغاية .



                              وأما التعظيم بالجوارح فهو العمل بطاعته ، والسعي في إظهار دينه ، ونصر ما جاء به ، وجهاد ما خالفه .



                              وبالجملة فالتعظيم النافع هو التصديق فيما أخبر ، وطاعته فيما أمر ، والانتهاء عما عنه نهى وزجر ، والموالاة والمعاداة والحب والبغض لأجله ، وتحكيمه وحده ، والرضى بحكمه ، وأن لا يتخذ من دونه طاغوت يكون التحاكم إلى أقواله ،

                              فما وافقها من قوله - صلى الله عليه وسلم - قبله ، وما خالفها رده أو تأوله أو أعرض عنه ، والله سبحانه يشهد وكفي به شهيدا وملائكته ورسله وأولياؤه ، أن عباد القبور وخصوم الموحدين ليسوا كذلك ، والله المستعان .

                              هذا كلام الشيخ رحمه الله



                              وقد حكى ما شاهده في زمانه وقبله من أقوام جهلة بالتوحيد ادعوا محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - فبالغوا في مدحه حتى وصفوه بها لا يستحقه إلا الله تعالى من الملك والعلم والتصرف ، وحتى صرفوا له خالص حق الله - عز وجل - من الدعاء والرجاء وتفويض الأمور إليه والاعتماد عليه ،



                              وقد ذكر - رحمه الله - في شرح التوحيد ص186 وما بعدها بعض ما قال أهل الغلو والإطراء في حقه - صلى الله عليه وسلم - وأورد أبياتا من قصيدة البردة للبوصيري كقوله :
                              يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به ..سواك عند حلول الحادث العمم
                              وما بعده من الأبيات ،

                              ثم بين ما فيها من الشرك الصريح ، وذكر أيضا بعضا من شعر البرعي الذي بالغ فيه وغلا ، ووقع في عبادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - صريحا ، ونسى ربه عز وجل

                              وهكذا ذكر النعمى في ( معارج الألباب ) ص 169 وما بعدها بعض أقوال الغلاة ومبالغتهم في التعلق بالأموات ، ومن ذلك أبيات شعر تتضمن الشرك الواضح بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأولها قوله :

                              يا سيدي يا صفي الدين يا سندي يا عمدتي بل ويا ذخري ومفتخري
                              أنت الملاذ لما أخشى ضرورته ... وأنت لي ملجأ من حادث الدهر
                              إلى آخر تلك الأبيات الشركية ،


                              وعلق عليها - رحمه الله - يقول : فلا ندري أي معنى اختص به الخالق بعد هذه المنزلة ، من كيفية مطلب ، أو تحصيل مأرب ، وماذا أبقى هذا المشرك الخبيث من الأمر ، فإن المشركين أهل الأوثان ما يؤهلون كل ما عبدوه من دون الله لشيء من هذا ولا لما هو أقل منه . ا . هـ


                              ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخاف على أمته من هذا الغلو ويحذرهم من أسبابه ،


                              فقد روي أبو داود بسند جيد عن عبد الله بن الشخير - رضي الله عنه - قال : انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا : أنت سيدنا . فقال السيد الله تبارك وتعالى قلنا : وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا ، فقال : قولوا بقولكم أو بعض قولكم"
                              سنن أبو داود الأدب (4806),مسند أحمد بن حنبل (4/25).



                              وعن أنس - رضي الله عنه -. أن أناسا قالوا : يا رسول الله يا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا . فقال : يا أيها الناس قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان ، أنا محمد عبد الله ورسوله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل" .
                              رواه النسائي بسند جيد ، هو في عمل اليوم والليلة برقم 249 وكذا رواه أحمد 3 / 249 وغيره .



                              وهذا كثير في السنة كقوله - صلى الله عليه وسلم - : إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله"
                              رواه الطبراني ذكره في مجمع الزوائد 10 / 159 قال : ورجاله رجال الصحيح غير ابن لهيعة وهو حسن الحديث .



                              وتقدم أنه - صلى الله عليه وسلم - قال له رجل : " ما شاء الله وشئت " فقال : أجعلتني لله مثلا ما شاء الله وحده"
                              سنن النسائي الأيمان والنذور (3773),مسند أحمد بن حنبل (6/372).



                              فالنبي - صلى الله عليه وسلم - هو سيد الخلق وأفضلهم وخيرهم ، لكنه يكره المدح سيما أمام الممدوح ، حتى قال : "إذا لقيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب"
                              رواه مسلم هو في صحيحه 128 / 18 عن المقداد - رضي الله عنه – (صحيح مسلم الزهد والرقائق (3002),سنن الترمذي الزهد (2393),سنن أبو داود الأدب (4804),سنن ابن ماجه الأدب (3742),مسند أحمد بن حنبل (6/5). ،


                              وما ذاك إلا أن المدح قد يوقع الممدوح في الإعجاب والكبرياء التي تحبط الأعمال أو تنافي كمال التوحيد ، وقد افتخر عليه الصلاة والسلام بالعبودية لربه وهي الذل والتواضع له ، وذلك شرف وفضيلة،


                              ولذلك ذكره الله باسم العبد في قوله تعالى :

                              في سورة البقرة الآية 23 ((وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا ))
                              وفي قوله : في سورة الإسراء الآية 1 ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ))
                              وقوله تعالى : في سورة الكهف الآية 1 ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ))
                              وقوله : في سورة الجن الآية 19 ((وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ))


                              فإن العبودية لله تعالى تقتضي غاية الذل وغاية المحبة ، فالتذلل لله تعالى يستدعي الخضوع والخشية والاستكانة لله تعالى ، وأن يرى نفسه حقيرا ذميما مقصرا في واجبه ، فيرجع إلى نفسه بالمعاتبة ، ويعترف لربه بالفضل والإنعام ، وكذلك الحب يستدعى محبة ما يحبه الله وكراهية ما يكرهه من الأقوال والأفعال والإرادات ، فظهر بذلك كمال صفة العبودية لرب الأرباب .


                              تعليق


                              • #30
                                رد: سلسلة (معنى: شهادة أن محمدا رسول الله )

                                جزاك الله خيرا



                                تعليق

                                يعمل...
                                X