ملحوظة:ملخص المحاضرة فى أول رد على المشاركة
رابط المحاضرة:
http://www.youtube.com/watch?v=oagqVThbSoY
تفريغ المحاضرة:
الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أفضل الرسل والنبيين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد أيها الإخوة، نرحب بكم في هذه اللقاءات المتجددة من حلقات مقرر العقيدة في الأكاديمية الإسلامية المفتوحة، ونحن في آخر أسبوع في هذه الدراسة نرحب بكم، ونشكر لكم تواصلكم، فأهلا وسهلاً.
ولعله من الجميل أنه بدأنا بالأخ عبد الوهاب إن شاء الله، ويستمر معنا حتى ننتهي من هذه الحلقات، فأهلاً وسهلاً بالجميع.
توقفنا في اللقاء الماضي في منتصف الباب، تذكرنا بالباب يا حمد؟ لو قرأت لنا، نسمع مرة أخرى، من أول الباب.
{بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد؛
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانًا تُعبَد من دون الله.
روى مالك في الموطأ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «اللهُمَّ لا تجعل قبري وثنًا يُعبَد، اشتدَّ غضب الله على قومٍ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجدَ»، ولابن جرير بسنده عن سفيان عن منصور عن مجاهد ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ﴾ [النجم: 19]، قال: كان يَلتُّ لهم السَّوِيق، فماتَ فعكفوا على قبرِه، وكذا قال أبو الجوزاء عن ابن عباس، كان يَلتُّ السَويق للحاجِّ.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسُّرُج» رواه أهل السنن.}
توقفنا في منتصف هذا الباب، شرحنا الحديث الأول في هذا الباب وتكلمنا على تفسير الآية ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ﴾ [النجم: 19]، وأن اللات كان رجلا يتقرب إلى الله بهذه العبادات فيلت السَّويق، يخلطه بالسمن للحجاج، يقدم لهم ويُطعم الحجاج في ذلك، وكانت هذه عادة مشتهرة انتهت في أوائل الدولة الأموية، وفي عهدها.
فهذا مَرَّ معنا، ودُعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- «اللهم لا تجعلْ قبري وثنًا يُعبد»، وهذا تحقق بحمْد الله وبدُعاء نبينا -صلى الله عليه وسلم- استجاب الله دُعاء نبيه -صلى الله عليه وسلم- فقبره -عليه الصلاة والسلام- في غُرفة عائشةَ مُحاط بثلاثة جُدران -عليه الصلاة والسلام-.
وبيَّنا أيضًا نهْج السلف في زيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- إذا أتى من سفر، أما في كل يوم أو في كل صلاة أو في كل صلاة فجر، والدعاء عنده، كل هذا غير مشروع، الصحابة كانوا يُصلون في المسجد، ولكن لم يكونوا يَترددون عليه بشكلٍ يوميٍّ، وإنما كانوا يَزورُونه إذا قدِموا من سفرٍ، كما كان يفعل عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، حتى إنَّ الإمام مالكًا كان يَكره أن يُقال: زُرت قبرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه لم يردْ في الأدلة.
يَبقى معنا الحديثُ الأخيرُ في هذا الباب، حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- «لَعَنَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسُّرُج»، رواهُ أهل السنن، أبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي، كلهم أخرجوا هذا الحديث، والصحيح من هذا الحديث: «لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زائرات القبور»، فهذا لعْن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
«والمتخذين عليها المساجد والسُّرُج»، هذا اللفظة منها ضعيفة، لكن اتخاذ المساجد والسُّرُج وَرَدَ في أحاديثَ أُخرى، فبالتالي مَرَّ معنا الأحاديث: «لعنة الله على اليهودِ والنصارى، اتَّخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد»، وهذه الأحاديثُ صحيحة.
زائرات القبور: أي النساء اللاتي يَزرن القبور، والنساء كما تعلم أن كثيرات من النساء الآن إذا زُرن القبورَ، نجد منهن من يأخذ منها التراب، ومنهن مَن تَتبرك بالقبور، لهن أعمال كثيرة أكثر من الرجالِ، وإن هذا موجود أيضًا في النساءِ، لكنْ هنا جاء «لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زائرات القبور»، جاءتْ فيه أحاديثُ أُخرى، حديث أمِّ عطية -رضي الله عنها- «نُهينا عن اتباعِ الجنائز، ولم يُعْزَم علينا».
لهذا السبب: اختلفَ أهلُ العلمِ في هذه المسألة، فذهب جمهور أهل العلم على تحريمِ زيارة النساء القبورِ، هذا مذهب جمهور أهل العلم؛ أي: لا يجوزُ للنساء أنْ تزور القبور.
وَذَهَبَ بعضُ أهل العلم إلى جوازِ ذلك، واستدلُّوا بحديثِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: «كنت نهيتُكم عن زيارةِ القبورِ، ألا فزُوروها، فإنها تُذكر الآخرةَ»، وهذه الأحاديثُ فيها ردٌّ على القبورية؛ «فإنها تذكركم الآخرة»؛ يعني لا تدعوها، ولا تتوجهوا إليها، وإنما تذكركم بالآخرة، هذا هو الغرض من زيارة القبور، وأيضًا الدعاء لهم كما كان يفعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لكن هذا الحديث: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور»، هنا الخطاب للرجال أم للنساء، أم خطابٌ عام؟ ذهب بعض أهل العلم إلى أنه عام، ولذلك أجازوها، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها مخصوص حديث: «لعن رسول الله زائرات القبور»، فيكون مخصوصًا من هذا العموم بهذا الحديث، ولذلك الراجح من هذه الأحاديث هو نهي النساء عن زيارة القبور، النهي عن زيارة القبور، ولذلك جاء أيضًا في قصة المرأة التي كانت تَبكي على ولدها فلما رآها النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرها بالصبر فقالت: إليكَ عني، إليك عني، ثم لما ذهب، أُخبرت أنه رسول الله فلحقت به، فقصتها مشهورة في الحديث.
فلذلك الصواب من أقوال أهل العلم وهو الراجح من أقوال أهل العلم أن هذا الحديث دليل على منع النساء من زيارة القبور، نهي النساء عن زيارة القبور.
المسألة الثانية فيها: «ولعن المتخذين عليها السُّرُج»، المراد: إضاءة الأنوار على القبور، إضاءة الأنوار على القبور؛ لأن هذا دليل على تعظيمها، وهو سبب للغلو فيها ويُفضي إلى الشركِ وتجد بعض المقابر في بلاد المسلمين عليها من الزينة وعليها من الجمال ومن العظمة، بينما فقراء المسلمين يَعيشون في صناديقَ، وفي عشش، فإن هذه الأموال لماذا لا تُصرف لهم في ذلك؟ وهذا يسبب الغلو في هذه الأماكن فيها، فلا يجوز أن تُضاء المقابر، بل تُجعل المقبرة خاليةً فيها، إذا احتاج الناس دفنَ ميتٍ في الليل فإنهم يدفنونه، ويأخذون معهم سراجًا أو إنارة فيها كما فَعَلَ النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، أما إضاءة القبور، فلا تجوز في ذلك.
هذا الباب أو هذه الأحاديث الدالة على هذا الباب فيها خلاصتها: أن الغلو في قبور الأنبياء يصيرها أوثانًا تُعبد من دون الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا كما دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا هو الحاصل اليوم في تاريخ الأمة.
ومنها: «اشتد غضب الله -عز وجل- على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، اشتدَّ غضب الله؛ لأن معصيتهم شرك بالله -عز وجل- فيها، ومنها أنَّ الله -عز وجل- صان قبرَ نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
نُواصل البابَ الذي بعْده، وهو أيضًا قريب، كل هذه الأبواب التي أخذناها في المحاضرة الماضية، وهذه المحاضرة وأيضًا بعضها في المحاضرة التي قبلها، كلها في حماية جناب التوحيد، وكلها أحاديث عن رسول الله، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسيأتينا في بعضها آيات من كتاب الله -عز وجل-، تقرأ لنا يا حمد، أنت قارئنا الرسمي اليوم، نعم..
{قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في حماية المصطفى -صلى الله عليه وسلم- جناب التوحيد وسدِّه كلَّ طريق يُوصِل إلى الشرك، وقول الله تعالى ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم ﴾ [التوبة: 128]، الآية.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلّوا عليَّ؛ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» رواه أبو داود بإسناد حسن ورواته ثقات.
وعن علي بن الحسين أنه رأى رجلاً يجيء إلى فُرجة كانت عند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فيدخل فيها فيدعو، فنهاه وقال: ألا أحدثكم حديثًا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: «لا تتخذوا قبري عيدًا ولا بيوتكم قبورًا، وصلوا علي؛ فإن تسليمكم يبلغني أينما -أو حيث- كنتم» رواه في المختارة.}
الشيخ: إذن هذه أحاديث هذا الباب فنرجع للآية الأولى.
باب ما جاء في حماية المصطفى -صلى الله عليه وسلم- جناب التوحيد، وسدِّه كلَّ طريق يُوصِل إلى الشرك.
سدّ النبي -صلى الله عليه وسلم-، باب ما جاء في حماية جناب التوحيد، جناب التوحيد: الجناب هو: البعض منه، يعني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حمى التوحيد جنابه وكل ما يتعلق بالتوحيد، أغلق جميع الأبواب المؤدية إلى الشرك، وهذا ظاهر.
مرّ معنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- في مرضه -عليه الصلاة والسلام- اشتدّ به المرض، ضاق به صدره، يضع الخميصة على وجهه من شدة المرض فيرفعها إذا اغتم، يعني ضاق النفس، ومع ذلك يقول: «لعنةُ الله على اليهود والنصارى، اتَّخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، ويقول -عليه الصلاة والسلام- «أولئك شرار الخلق» كل هذه، بل قبل موته بخمس، يخطب -عليه الصلاة والسلام- «فلا تتخذوا قبري عيدًا» -صلى الله عليه وسلم-، ينهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كل هذا متى؟ وهو في سياق المرض، وهو مريض -عليه الصلاة والسلام-، ثم قبل موته، ثم وهو في شدة المرض وفي شدة ألم المرض -عليه الصلاة والسلام- في سياق الموت يُحذر الأمة، مع أنه حذّر -صلى الله عليه وسلم-، كل حياته جهاد -عليه الصلاة والسلام- يُرسل جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- فيقول: «أرحني من ذا الخلاصة»، أرحني من هذا الصنم، اهدم هذا الصنم، فنبينا -صلى الله عليه وسلم- جاهد حياته -عليه الصلاة والسلام- في هدم الأوثان في النفوس وفي الأرض، ولذلك كل الأوثان الموجودة هدمها -عليه الصلاة والسلام- في جزيرة العرب، لا يبقى منها شيء، يأتيه الرجل يقول: نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة، فيقول: «هل فيها وثن؟» هل فيها وثن من أوثان المشركين، فإذن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته كلها وفي آخرها اشتدت هذه الوصاة، ولذلك هذا الباب من أعظم الأبواب التي بيَّن بها المؤلف-رحمه الله- الأحاديث الثابتة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
لا تعجب من المؤلف -رحمه الله- أنه كرر هذه الأبواب بابًا بعد بابٍ، كل مرة يكرر بابًا بعد بابٍ، ولذلك لما ننظر في الأسئلة التي يبعث بها الناس، سنجد أنه فعلاً هذه الأسئلة هي تُؤكد الحاجة إلى فهم هذه الأبواب التي جاءت فيها أخبار النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولذلك إنما حصل الشرك في هذه الأمة، بسبب التساهل في هذه الأبواب، وعدم سدّ أبواب الشرك، والتهاون فيها، ولذاك تأصل كثير منها للأسف الشديد في ذلك، بل أن مّن ينبه على هذه الأمور من المسلمين، من عامة المسلمين أو علمائهم، مَن ينبه على أمور الشرك، ماذا يقولون عنه؟ يقولون هذا متشدد، هذا خارجيّ، بلِ التهمة في بعض البلاد أنه سلفي، أي على اعتقاد سلف هذه الأمة، على اعتقاد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه والتابعين وسلف هذه الأمة، فمن كان على اعتقاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تكون هذه هي التهمة؟! هذا من انحراف المفاهيم، وهذا سببه عدم حماية جناب التوحيد، والتهاون في هذه القضايا، ومراعاة الناس وأعراف الناس في هذه الأمور، وهذه من القضايا العظيمة.
المصطفى -صلى الله عليه وسلم- اختاره الله -عز وجل- ولذلك ﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ﴾ [الحج: 75]، ولذلك جناب التوحيد بينه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وحذَّر منه، وحذّر من وسائل الشرك فيها كل هذه الأمور، فإن لو حسُنَتِ النية في بعض الأماكن أو بعض الأقوال لا ينفع ذلك، لا بد من حماية التوحيد والحرص فيه.
استدل المؤلف بالآية الأولى، وهي آية سورة التوبة قول الله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾ من أنفسكم: أي من جِنسكم، وهذا حجة على العرب، مَن عرف العربية حُجة عليه، هذا الرسول بلسان عربي مبين، والقرآن بلسان عربي مبين، ما لك عذر، لا بد أن تتأمل القرآن وتفهمه، ولذلك مَن بلغته القرآن والسنة ثم يعتذر أنه لم يعرف الشرك، هذا لا عُذْرَ له.
﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ * فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [التوبة: 129]
لقد جاءكم: هنا اللام ماذا؟ لام القسم، قسم مقدر، والله لقد جاءكم، يعني القضية مؤكدة، والله لقد جاءكم رسول من أنفسكم، من جنسكم، تعرفونه، وتعرفون نسبه وتعرفون سيرته -عليه الصلاة والسلام-.
﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ﴾: يعني يشق عليه، يشق عليه -عليه الصلاة والسلام- أنه يرى أمته تُعرض عليه، عزيز عليه أي شاق عليه.
﴿مَا عَنِتُّمْ﴾: الرسول -صلى الله عليه وسلم- يشق عليه ما يشق على أمته، ولذلك نجد أنَّ نبينا -صلى الله عليه وسلم- ما خُير في أمرين إلا اختار أيسرهما -عليه الصلاة والسلام- ولذلك في صلاة التراويح، صلَّى بهم اليوم الأول، الليلة الأولى، والليلة الثانية، ولم يخرج في الثالثة، لماذا؟ قال: «خشيت أن تُفرض عليكم».
وقال -عليه الصلاة والسلام- «لولا أنْ أشق على أمتي؛ لأمرتهم بالسواكِ عند كل صلاةٍ» ما الذي تركه عن ذلك؟ ترك الأمر حتى لا يشق عليهم.
كان يحب صلاة الليل، يؤخر صلاة العشاء، لكن خشية المشقَّة عليهم بكَّر بها نبينا -صلى الله عليه وسلم-، كما قال الله تعالى ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، وغيرها من الآيات التي بينها الله -عز وجل-، وهذه الحنيفية، الحنيفية السمحة، سهلة، يسيرة على مَن يسرها الله -عز وجل- عليه -صلى الله عليه وسلم-.
قال: ﴿ بالْمُؤْمِنِينَ ﴾ هذا خاص بالمؤمنين، ﴿ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ -عليه الصلاة والسلام-، شدة الشفقة، الرؤوف: شدة الشفقة.
رحيم -عليه الصلاة والسلام- بأمته، أما الكفار الذين كفروا وعصوا أمر الله -عز وجل- كما قال الله: ﴿ مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29]، هذا هو الواجب بين المسلمين، لكن ليس معنى الشدة على الكفار هو ظلمهم أو قتلهم بغير حق، أو أخذ أموالهم، أو التعدي على أعراضهم؛ لا.. ليس هذا من الشدة، ليس من هذا الشدة، لكن الذي حصل للأسف الشديد عند المسلمين انحراف في الجانبين: قوم وهم قلة يقتلون الكافر بمجرد كفره، لكن إذا كان هذا الكافر غير مقاتل للمسلمين ولم يعتدي عليهم فإن له الأمان لا يجوز التعرض له.
الطائفة الثانية: أنهم شابهوا المشركين بكل شيء، شابهوهم في أعيادهم، في لباسهم، في كل ما هو من دينهم، فكِلا الأمرين ذميم.
هذه الآية ما علاقتها بالباب؟ ما علاقة هذه الآية بالباب؟
مناسبتها: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- متصف بهذه الصفات -عليه الصلاة والسلام- بلسان عربي مبين، فهو من أنفسكم -عليه الصلاة والسلام-، وهو رءوف ورحيم بالمؤمنين، ألم يبين التوحيد؟ ألم يبين الشرك؟ ألم يُبيّن التوحيد ويأمر به، ويحمي جنابه، وينهى عن الشرك ويسد كل طريقة توصل إليه؟ بلى والله، قد بلغنا وبيَّن -عليه الصلاة والسلام- البيان العظيم، واستشهد في يوم عرفة، قال: «اللهم هل بلغت، فقالوا: نعم» استشهد الله عليهم ثلاثًا -عليه الصلاة والسلام- فلذلك لا عُذرَ لأحدٍ، بيَّن النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، نهانا عن الغلوِّ، ونهى عن الشرك، ونهى عن عبادةِ القبورِ، نهى عن كلِّ هذه القضايا غاية البيان، فليس لأحد عُذرٌ -عليه الصلاة والسلام- فهو الشفيقُ الرحيمُ بأمته، فبيَّن غايةَ البيانِ -صلى الله عليه وسلم-.
للأسف الشديدِ يُوجد اليوم من بعض المسلمين أنَّه إذا قلت له نُبيِّن التوحيد للناس قال: هذا يُفرق الناس! وهل يجمع الناس إلا التوحيدُ؟ لا يجمع الناس إلا التوحيد، أما الباطلُ فهو الذي يُفرقهم، وهو الَّذي يَجعلهم فرق وأحزاب، وكل اجتماعٍ ليس على أساس صحيح مآله إلى باطلٍ، وإلى ذهاب، فالواجب أنْ يُبيَّن التوحيد، ويُدعَى الناس إليه، ولذلك أهل السنة ولله الحمد مجتمعون، اعتقادهم واحد، أنتَ اليومَ في ألف وأربعمائة وثلاث وثلاثين بإمكانك تُدَرِّس العقائدَ التي كتبها، العقيدة التي كَتَبَها الإمام أحمد، أو التي كتبها الإمام مالك، أو التي كتبها الإمام الشافعي، أو التي كتبها الإمام أبو حنيفة، كل هذه العقائد أنا أستطيع أنْ أدرسها اليوم، وأدرِّس التي كتبها علماؤنا اليوم، الذي كتبه علماؤنا اليوم نُدرِّسه؛ لأنَّ اعتقاد أهل السنة واحد، لم يتفرقوا، ولم يختلفوا، انظر كم بينهم؟ بينهم أكثر من ألف ومائتين سنة، ومع ذلك لا يوجد اختلاف، الاعتقاد واحد، ندرِّس ما قال الله وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- دون اختلاف، ما قاله أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ما قالَه الأئمة العظماء، أئمة السنة، ابن خزيمة -رحمه الله- إمام التوحيد يُدرَّس كتابه، من الشافعية، وكتابه يُدرَّس إلى هذا اليوم، ابن منده، كل علماء الإسلام كتبهم كما أنك تدرِّس تلك الكتبُ التي قبل ألف ومائتين سنة لا يُوجد اختلاف بين كتب أهل السُّنة، أما أهلُ البدع فتجد بينهم من الفروق والاختلافات ما لا يعلمه إلا رب العالمين، ولذلك لا يجمع الناس إلا توحيد الله وإخلاص العبودية.
الحديث في هذا الباب، أول هذه الأحاديث: حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «لا تجعلوا بيوتكم قبورًا»، «لا تجعلوا بيوتكم قبورًا»، «ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلوا عليَّ؛ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم»، رواه أبو داود بإسناد حسن، ورواته ثقات، والحديث صحيح، إسناده صحيح، الحديث إسناده صحيح.
فإذن هذا الحديث فيه عدة جمل:
الأولى: «لا تجعلوا بيوتكم قبورًا»، «لا تجعلوا بيوتكم قبورًا»؛ أيْ لا تُعطلوا البيوت من ذكر الله، لماذا؟ لأنَّ القبور ليس فيها ذِكْر الله، ليس فيها صلاة، القبور أموات، لا يستطيعون، بحاجة لمن يدعو لهم، ليس في القبور صلاة، ولذلك من صلى في المقبرة، نقول: أعدْ هذه الصلاةَ، وإذا كان هذا المسجد بُني على قبرٍ، نقول: أعد هذه الصلاة؛ لأنك صليتَ في المقبرة، ولو بُنيت في مسجدٍ؛ لأن هذا المسجد بُني في مقبرة، فلا يجـوز.
«لا تجعلوا بيوتكم قبورًا»؛ يعني تكون خاليةً من ذِكر الله؛ لأنَّ القبورَ ليس فيها صلاة، انقطع العملُ فيها، خالية، مظلمة، حفر مظلمة، إلا ما نورها الله بالإيمان، فإذن: القبور ليست مكانًا للصلاة ولا مكانَ للعبادة، ولذلك يجبُ أن يكون البيت مليئا بذكر الله، للأسف الشديد كثير من بيوت المسلمين أصبحت أسوأ من القبور، مليئة بالشر، بقنوات الشر، بقنوات الضلال، بقنوات الدعوة إلى كل خنا، أما الدعوة إلى الخير فهذه قليلة، ولذلك إذا كان هذا البيت صالحًا؛ فإنه سيُخرج جيلا صالحًا، وإذا كان هذا البيت سيئا سيُخرج جيلا سيئًا في ذلك، بل أحيانًا البيوت تطرد منها الملائكة بما فيها من الأغاني والموسيقى تكون مأوى للشياطين، خالية من ذكر الله -عز وجل-، وهذا أيضًا البيوت، قال: «لا تَجعلوا بيوتكم قبورًا»؛ أي بيوت الله هي التي فيها ذكر الله -عز وجل- فالقبر لا يُصلى عنده فيها.
الجملة الثانية في هذا الحديث: قوله -صلى الله عليه وسلم- «لا تجعلوا قبري عيدًا»: العيد: اسم لما يتكرر، فعيد الأسبوع الجمعة، نجد بعض أهل الضلال انحرفت مفاهيمهم غاية الانحراف، فقالوا: الرسول يقول: «لا تجعلوا قبري عيدًا»، يعني اعكفوا عند قبري، أقيموا إقامة دائمة عند القبر، سبحان الله! ما هذا الفهم؟! ما هو الجمعة تعود كل أسبوع، ومع ذلك هي عيد، ولذلك العيد هو لما يتعوّد ويتكرر سواء في اليوم أو في الأسبوع أو في الشهر أو في السنة، سُمي عيدًا لما فيه التكرار.
الأعياد: فيه أعياد مكانية، وزمانية، الزمانية المشروعة: عيد الفطر وعيد الأضحى، هذه أعياد الإسلام، أما أعياد الموالد، يعني عباد القبور يجعلون لقبورهم، يعني للمعبود هذا عدة موالد، يلد في السنة، ما شاء الله ثلاث مرات! ما ولد مرة واحدة، مولد بعد الحصاد الشتوي، حتى يكون الناس عندهم شيء من البذور يقدمونه، يعني لم يولد وقت الزراعة، لا .. جاء بعد الحصاد، حتى يكون عند الناس شيء يقدمونه، والمولد الثاني له، هو ولد في السنة ثلاث مرات، والمولد الثاني له: يكون بعد الحصاد الصيفي، يعني زراعة الصيف بعد ما انتهت يكون فيه مولد، وفيه مولد ثانٍ في الوسط، هكذا، تمشية الأمور، لمـاذا؟ لأجل الحصول على النذور، ولذلك أحيانًا يكون المولد النبوي ويقيمونه طول السنة، بعض الأحيان في بعض البلاد لأجل الدعوة إلى مذاهبهم الباطلة، ويدعون فيه إلى الغلو في النبي -صلى الله عليه وسلم- وأحيانًا يصلون إلى الشرك.
أحيانًا من الموالد، عيد الميلاد، عيد ميلاد المسيح، والمسيح -عليه الصلاة والسلام- ولد في الصيف، لم يُولد في الشتاء، ومع ذلك الاحتفال متى يكون؟ دائمًا في الشتاء، ما عمرهم احتفلوا به في الصيف، الآية ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ﴾ [مريم: 25]، النخل عندنا نعرفه، هل فيه نخل يطلع في الشتاء؟ لا يوجد، كل النخل عندنا في الصيف، فإذن.. ومهما كان لا يجوز هذه الموالد في ذلك، وهناك في أعياد أخرى كثيرة.
أما الأماكن الشرعية فالمساجد: هي مكان الاجتماع وأيضًا الاجتماع في المسجد الحرام، والمسجد النبوي ومِنى وعرفة في أوقاتهما، أما الأعياد الباطلة فهي التي تكون عند القبور، ولذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن تأتي إلى الأماكن التي يجتمع فيها المشركون.
هنا من الأسئلة التي طُرحت في هذا الباب، إحدى الأخوات تقول: جزاكم الله خيرًا، عندنا مسجد فيه قبور في مدينة، إذا رجع الحجاج من الحج يزورون هذا القبر في اعتقادهم مباركة حجهم، وكذلك المتزوجون الجدد، فما حكم من فعل ذلك؟ ومنهم من يقول: إرضاءً لوالديه؟
هذا المكان لا يجوز الذهاب إليه، لا لوالد ولا لغيره؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سأله الرجل الذهاب إلى.. ينحر إبلاً ببوانة، فسأله النبي -صلى الله عليه وسلم- هل فيها عيد من أعياد المشركين؟ هل فيها عيد من أعياد المشركين؟
هذا القبر يتبركون به ويطلبون، يذبحون ويقدمون له النذور ويلتمسون منه البركة، والنفع والضر وهذا من الشرك الأكبر المخرج من الملة فلا يجوز لا إرضاءً لوالد ولا لغيره، لا يجوزُ الذهاب إلى مثل هذه، وهذه بعض الأسئلة.
الكلمة الثالثة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «وصلّوا عليَّ؛ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم»، هذا توجيه من نبينا -صلى الله عليه وسلم- «صلّوا عليّ»، تقول: اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، ولذلك أكثِرْ من الصلاةِ على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث أُبيّ، قال: «يا رسول الله، كم يكون لك من صلاتي؟ قال: ما شئتَ» وجاء في الحديث أنه كلما أكثرت فهو خير لك، فأكثِرْ من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن هؤلاء الذين يزعمون أنّا لا نحب رسول الله، ونحن ندعو الناس إلى الإكثار من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، يكثر الإنسان من الصلاة على نبينا -صلى الله عليه وسلم-.
«من صلى على النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى الله عليه عشرًا» متى وأين؟ في الملأ الأعلى، يصلي عليه عشر في الملأ الأعلى، يا له من أمرٍ عظيم! يا له من أمر عظيم في ذلك، ولذلك الصلاة على .. إن الله وملائكته يصلون على النبي -صلى الله عليه وسلم- أي الثناء عليه -صلى الله عليه وسلم- في ذلك.
«فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» في أي مكان الصلاة تبلغ النبي -صلى الله عليه وسلم-، كيف تبلغه؟ هذا عالم البرزخ، لا نعلم، لكن ورد في حديث صححه بعض أهل العلم، وضعفه بعضهم، قوله -صلى الله عليه وسلم- «إن لله ملائكة سيَّاحين، يسيحون في الأرض يبلغون النبي -صلى الله عليه وسلم- سلام أمته عليه» رواه النسائي وصححه ابن القيم.
فهذا الحديث إن صح، فهو الحجة في إبلاغ النبي -صلى الله عليه وسلم-، كيف يبلغونه؟ نحن عالم البرزخ لا نعلمه، الإنسان لا يعلم ما يكون له، حتى يعلم ما يكون لغيره. «فإن صلاتكم» وَكَّل الله بها مَن يبلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- سواء كنت قريب عنده أو بعيدًا عن نبينا -صلى الله عليه وسلم-.
عندك سؤال يا عبد الحكيم. عادة المستجد أنه يصير هادئًا، تفضل أعطنا سؤالك..
{شيخ، أحسن الله إليه، هل يجوز الصلاة على -مثلاً- أحد علماء البلدة، نقول: اللهم صلّ وسلم على فلان؟}
الشيخ:
لا، الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا إذا دخل أحد معه بسبيل التبع، أما الصلاة فعلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أما غيرهم فيُدعى لهم بالرحمة، والصحابة أخبرنا الله تعالى أن الله رضي عنه ورضوا عنه، فالدعاء لهم بالرضوان، رضي الله عنهم أجمعين.
{طيب .. إذا كان معنى الصلاة هي الثناء، فأنا أدعو له أن الله يثني عليه.}
الشيخ:
لا .. هنا خص الله ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ﴾ [الأحزاب: 56]، صلى الله عليه وسلم، فقالوا، قال أبو العالية: الصلاة من الله ثناء، ومن الملائكة استغفار، ومن العباد دعاء، دعاء للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فهذه خاصة بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، لقول الله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، إذا قال لك الله صلّ على فلان! جاءك خبر من الله؟! استسلم.
الحديث الأخير في هذا الباب نحن نحتاج شيء من العجلة؛ لأنَّ الوقت معنا قصير.
الحديث الثالث: حديث علي بن الحسين -رضي الله عنه-، هذا الحديث ... عندك.. هناك أسئلة؟
{أستاذ.. هناك بعض الناس يقولون إذا ذهبتَ إلى المدينة فسلمْ على النبي -عليه الصلاة والسلام- مني؟}
الشيخ:
قل له يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبره بحديث رسول الله الذي رواه أبو هريرة، وحديث علي بن الحسين الذي نقرأه الآن، بلغه حديث الرسول، حديث قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-، سمعت هذا الحديث؟ اسمعه الآن وبلغه به.
عن علي بن الحسين زين العابدين -رضي الله عنه-، يعني الحديث مروي عن آل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ليس لأحد حجة، هذا من هو؟ جدّه الرسول -صلى الله عليه وسلم-، جدته فاطمة أم الحسين. عن علي بن الحسين -رضي الله عنه- أنه رأى رجلاً يأتي إلى فرجة: يعني مكانًا غرفة عائشة، كانت عند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فيدخل فيها فيدعو، فنهاه، وقال: ألا أُحدثكم بحديثٍ سمِعته من أبي عن جدي، أبوه الحسين -رضي الله عنه-، عن جده علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم أجمعين-، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تتخذوا قبري عيدًا»، هذا مرَّ معنا في حديث أبي هريرة الذي سبق، «لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، وصلّوا عليَّ؛ فإن تسليمكم ليبلغني أينما كنتم» رواه المقدسي في المختارة، والحديث سنده حسن.
هذا الحديث جاء عن آل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، عن علي بن الحسين -رضي الله عنه- أنه رأى رجلا يأتي إلى قبرِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيته في غرفة حجرة عائشة، في أحد الجدران توجد فرجة، يعني مكان يقف فيه ويدعو، أي نقر في الجدار، فيه شيء من الفتح في الجدار، رأى هذا الرجلَ يتردد على قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فنهاه علي بن الحسين -رضي الله عنه- وقال: لا تفعل هذا، لا تتردد على قبر رسول الله، ولا تدعُ عنده، فهذا رآه لماذا؟ لأنه مخالف لما جاء عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهذا مستقر عند الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم-؛ لأنه قد يكون من وسائل الشرك، الترددُ على قبرِ الرسول -صلى الله عليه وسلم- والدعاء عنده يكون من وسائل الشرك، ولذلك السنة أنك تُسلم على قبرِ الرسول -صلى الله عليه وسلم-، تُسلم عليه كما كان يفعل عبد الله بن عمر، السلام عليك يا رسول الله، ثم يتقدم: السلام عليك يا أبا بكر، ثم السلام عليك يا أبتِ لعمر بن الخطاب، ثم ينصرف.
إن دعا لهم، أشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة، أما أنه يستقبل القبلة ويدعو بهذا الدعاء الطويل، ويكون عنده من الخشوع الأمر العجيب، هذا لم يردْ ولم يعرف عن سلف هذه الأمة.
علي بن الحسين -رضي الله عنه- نهاه وأنكر عليه، ولم يكتف بذلك، بل أعطاه الدليل، قال: أنا أعطيك الدليل عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: «لا تتخذوا قبري عيدًا»، يعني لا تكثرِ الترددَ على قبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا تكثر التردد على قبر الرسول -صلى الله عليه وسلم-، كما جاء في حديث أبي هريرة الذي مضى معنا.
وقال: «ولا تجعلوا بيوتكم قبورًا»؛ أي لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، القبور ليس فيها صلاة ولا عبادة، ولذلك لا يجوز الصلاة في القبور ولا العبادة عندها في ذلك، «وصلّوا عليّ»، الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- : اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد -صلى الله عليه وسلم-.
رواه المختارة، ومؤلفه عبد الله بن محمد المقدسي الحنبلي -رحمه الله-، ألف هذا الكتاب وجمع فيه الأحاديث الجياد الزائدة على ما في الصحيحين، على ما في الصحيحين في ذلك.
فلذلك الواجب أن الإنسان يُنكر ما يقع فيه الناس من الشرك، ويُنكر ما يخالفون فيه هدي نبينا -صلى الله عليه وسلم- من وسائل الشرك، يُنكر عليهم ويبين لهم بالأسلوب كما فعل علي بن الحسين، فإنه أنكر عليهم، ثم بيّن الحجة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكما قال أهل العلم: لا يفصل النزاع بين الناس إلا كتاب منزّل من السماء، فلا يفصل النزاع اليوم إلا قال الله وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أما قول فلان من الناس، فمهما يكن من ذلك في هذه القضية.
ألفت كتب في الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، منها بعض الكتب الخرافية التي جاءت بأحاديث موضوعة مثل دلائل الخيرات، وصلاة الفاتحة التي زعموا أن صلاة الفاتحة أفضل من القرآن ستة آلاف مرة، كل هذه من كتب الخرافة، وكلها من كتب الضلال، ينبغي للمسلم أن يحذر منها، ويتجنبها بكل سبيل.
وأفضل الكتب: "جلاء الأفهام في الصلاة على خير الأنام" للإمام ابن القيم -رحمه الله-، كتاب جيد وجميل في هذا الموضوع، لكن كتب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- من الكتب الباطلة مثل: "دلائل الخيرات". وغيرها، هذه كتب باطلة لا يجوز للمسلم أنه يطلع فيها، أو يقرأ فيها، أو يرجع إليها، بل عليه الحرص من هذه الكتب الباطلة.
لعلنا نختم في هذا اللقاء وترون أننا نسابق الوقت، يعني الباب الأخير فيما يتعلق بحماية التوحيد في ذلك فقول النبي -صلى الله عليه وسلم-، حماية النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلنا نشير إليه إشارة سريعة بمشيئة الله تعالى.
هذا الباب الأخير في هذا الباب: باب ما جاء في حماية النبي -صلى الله عليه وسلم- حمى التوحيد وسد طرقه، فهذا قريب للباب الذي أخذناه، لكن أيضًا فيه بيان هذا الباب في ذلك، والخلاف بين هذين البابين؛ الباب السابق: باب ما جاء في حماية المصطفى -صلى الله عليه وسلم- جناب التوحيد، وهنـا: حمى التوحيد، ما الفرق بين جناب التوحيد وحمى التوحيد؟ جناب التوحيد: أي بعضه، والشيء منه، بينما حمى التوحيد: ما حوله.
فالنبيُّ -صلى الله عليه وسلم- كما أنه حمى التوحيد وسدّ الطرقَ الموصلةَ إلى الشرك ووسائله؛ فإنه حمى ما حول التوحيد؛ لأن أمر التوحيد أمْرُه عظيم في ذلك، بعد حماية التوحيد النبي -صلى الله عليه وسلم-، دعا إلى حماية التوحيد، بعد حماية التوحيد ما حوله حماية فيه، وسدّ الطرق التي توصل إلى الشرك، وقطع الأسباب، فوسيلة المحرم محرمٌ في ذلك، ولذلك من القواعد المعروفة: سدّ الذرائع، فبيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- التوحيد وحذّر أمته أن يقعوا في الشرك، فهذا الباب مكمل للباب السابق في ذلك.
تقرأ لنا يا حمـد.. نعم.
{قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في حماية المصطفى -صلى الله عليه وسلم- حمى التوحيد وسدّه طرق الشرك.
عن عبد الله بن الشخير -رضي الله عنه- قال: «انطلقتُ في وفد بني عامر إلى رسول الله، فقلنا: أنت سيدنا، فقال: السيد الله تبارك وتعالى، فقلنا: وأفضلنا فضلاً، وأعظمنا طَوْلاً، فقال: قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشيطان» رواه أبو داود بإسناد جيد.
وعن أنس -رضي الله عنه- أن ناسًا قالوا: «يا رسول الله، يا خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، فقال: يا أيها الناس: قولوا بقولكم ولا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشيطان، أنا محمد عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله -عز وجل-» رواه النسائي بسند جيد.}
إذن: هذا الحديث الأول في هذا الباب، باب ما جاء في حماية النبي -صلى الله عليه وسلم- حمى التوحيد.
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن بيّن التوحيد وحماية التوحيد، بيّن -عليه الصلاة والسلام- حمى التوحيد، ألا يقع أحد في حمى التوحيد، ولا يحوم حول الشرك، يكون الإنسان أبعد شيء، ولو كانت هذه الأمة متابعة، الطوائف التي انحرفت في مسائل الشرك، لو كانوا متابعين لرسول الله ومحبين لرسول الله كما يزعم بعضهم، لسَلَّموا من هذا الشرك، لو كانوا يُحبون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويحبون أصحابه، ويحبون آل بيته، ما وقعوا في هذا الشرك، لكنهم يكذبون، فتابعوا الهوى، وتابعوا الشيطان، وخالفوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أما أهل السنة فهم الذين يحبون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولذلك هم الذين يعلمون هذه الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ينقلونها للناس ويبينونها للناس، ويحذرون الناس أن يقعوا في هذه المزالق والأمور العظيمة، فحري بالمسلم أن يحرص وأن يكون له رسالة يُبلغها إخوانه المسلمين سواء جماعة أو أفرادًا في ذلك.
وبحمد الله -عز وجل- أن هذا حاصل من إخواننا المسلمين، فكم من المتابعين معنا في هذه الحلقات، في حلقات الأكاديمية المفتوحة، مَن يدرِّسون هذه الدروس بعد نهايتها لأهلهم في المساجد وفي البيوت، وفي غيرها، وكم منهم من كان يسأل ما مصير من كان يذهب إلى القبور من أهله ومن مات منهم، كيف يُقنع كبار السن الذين عاشوا على مثل هذه الخرافات، فهذا بحمد الله من حرص المسلمين على هذه القضية.
الحديث الأول في هذا الباب:
عن عبد الله بن الشخير -رضي الله عنه-، انطلق في عام الوفود، عام الوفود هو عام تسعة للهجرة، لما فتح الله -عز وجل- على نبيه -صلى الله عليه وسلم- مكة ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ﴾ [سورة النصر: 1-2]، جاءت العرب كلها تبايع الرسول -صلى الله عليه وسلم- على الإسلام، من ضمن هذه الوفود وفد بني عامر، قبيلة من قبائل العرب المشهورة، جاؤوا إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فكانوا على عادتهم أنهم يمدحون ملوكهم وكبراءهم ويجعلون لهم المدائح، يعني على هذه الطريقة، فخاطبوا الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما كانوا يخطبون ملوكهم وغيرهم إذا وفدوا إليهم، فقالوا: أنت سيدنا، فقال: النبي -صلى الله عليه وسلم- «السيد الله، السيد الله تبارك وتعالى»، وقالوا أيضًا: «أنت سيدنا وأنت أفضلنا فضلاً، وأنت أعظمنا طَوْلاً» يعني أغنانا وأكثرنا عظمة وقوة وسلطان في ذلك، فقال: «قولوا بقولكم» ما هو قولكم؟ يا رسول الله، قولكم: يا رسول الله؛ لأنهم كانوا يقولون: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «أو بعض قولكم، لا يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشيطان»؛ أي يَجْذبَنَّكُم الشيطان إليه، يجركم الشيطان إليه، تتابعون الشيطان، وهذا الذي وقع من طوائف من المسلمين، تابعوا الشيطان وأن تقولوا قولاً منكرًا.
ولذلك الذين يُرددون القصيدة البوصِيريِّة، البُردة، عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- يقولون فيها الشرك الأكبر، ويُرددون الشرك الأكبر، ويدعون إليه، ثم يقولون: نحن نحبُّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كيف تخالفون أمره ما صحّ عنه، وهذا الحديث رواه أبو داود بسند جيد، وأيضًا والنسائي وغيره وإسناده صحيح، إسناد هذا الحديث صحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، النبي نهاهم أن يقولون «أنت سيدنا وأفضلنا فضلاً وأعظمنا طولاً» في ذلك، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «السيد هو الله» السيد هو: المالك، وهو المتصرف، فالتصرف المطلق لله -عز وجل- الله -عز وجل- هو السيد، وهو من معاني الصمد: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ [الصمد: 1-2].
فالصمد هو: الذي كمل، كاملٌ في علمه وحلمه وسُؤدده، وهو الذي يصمد للخلائق وحاجتهم، فالسيد هو من معاني الصمد، فالسيد الله -سبحانه وتعالى-.
فهؤلاء قالوا: «أنت سيدنا» أي عظمة وفخرًا في ذلك، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- بيّن أن السيادة المطلقة لله -سبحانه وتعالى- في ذلك، ولذلك قال بعضهم أن «السيد» إذا قيل سيد بني فلان، وسيد بني فلان، سيد الأنصار، سيد شباب الجنة، غير ذلك، إنما تطلق مضافة، أما المطلقة تمامًا فهي لله -عز وجل-.
ولذلك اختلف أهل العلم في إطلاق السيد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، النبي -صلى الله عليه وسلم- هنا قال: «وأنت سيدنا» لم يقرهم الإقرار الكامل، ولم يردهم، وسدَّ عليهم الطريق، الشرك كله، سدّ النبي -صلى الله عليه وسلم- طريق الشرك.
طيب.. ورد حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أنا سيد ولد آدم» وقوله -صلى الله عليه وسلم- «إن ابني هذا سيد»؛ أي الحسن -رضي الله عنه- «ويصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين»، فكان قال ذلك وهو طفل صغير، ثم جعل الله الصلح على يديه بعد خلافة علي -رضي الله عنه-.
أيضًا قوله عن الحسن والحسين: «سيدا شباب أهل الجنة»، كيف نجمع بين هذه وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- «السيد الله» نهاهم عن ذلك؟
اختلف أهل العلم، منهم مَن قال: إن هذا على سبيل الكراهة والأدب، والإباحة على سبيل الجواز، ومنهم مَن قال: التحريم، أنه يحرم أن نطلق على أحد السيد، وهذا مروي عن الإمام مالك -رحمه الله- وقالوا: الأحاديث السابقة قوله «أنا سيد ولد آدم» و «ابني هذا سيد» هذه كلها أحديث منسوخة.
القول الثالث: أن النهي عند خشية المفسدة، الغلو، والإباحة إذا لم يكن فيه محذور في ذلك، وجاء أيضًا قول آخر أن النهي عن الخطاب الغير بأن تقول: أنت سيد، لكنك أن تقول عن فلان: هو سيد بني فلان، أنه لا إشكال في هذا الأمر.
والراجح أنه جائز بشرطين:
الأول: أن يكون أهلاً لذلك؛ لأنَّ المنافق لا يجوز أن تقول له: سيد. لا يجوز للمنافق، ويدخل في المنافقين أهل البدع، وأولاهم بذلك دعاة الشرك، فلا يجوز أن يقال له سيد.
إذا قلتم ذلك، كما قال النبي: لا تقولوا للمنافق سيد.
الثالث: إذا لم يكنْ هناك محذورٌ، عجب وتكبر وغير ذلك.
عند بعض الطوائف، عندهم السادة الذين ينتسبون لآل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأحيانًا يكون فيه اعتقادات أنهم يضرون وأنهم ينفعون وأنهم يُشرك بهم من دون الله، هذا لا يجوز بأي حال، سواء كانوا من آل بيت رسول الله أو من غيرهم، ومَن كان من أهل الشرك ومن دعاة الضلالة ودعاة القبور، ومخالفي قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فهذا بريء منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بل هو ممن تابع أبا لهب، ممن يتابع أبي لهب، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بريء منه؛ بل من تابع الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقال بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
الحديث الثاني، حديث أنس -رضي الله عنه- أن ناسًا -أي: وفدًا- قالوا للرسول -صلى الله عليه وسلم- «يا خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، فقال: يا أيها الناس قولوا بقولكم، »؛ أي: يا رسول الله، ولذلك قال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- «إنما أنا عبد الله ورسوله» وقوله -صلى الله عليه وسلم- «أنا عبد الله ورسوله» ردًّا على الطائفتين:
ردّ على مَن يكذبه ويقول أنَّه شاعر أو مجنون أو كاهن أو ساحر، ومَن يقول... نعم، معنا الآن اتصال، فأهلاً، معنا الأخت رزان من السعودية، فأهلا وسهلاً، تفضلي..
{الأخت رزان: السلام عليكم}
الشيخ:
عليكم السلام ورحمة الله.
{الأخت رزان: بارك الله فيك يا شيخ، عندي سؤال.}
الشيخ: تفضلي
{الأخت رزان: السؤال يا شيخ: شيخ سمعناه يقول: إن السلام على الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يكون إلا من عند قبره، تُردّ إليه روحه، أما إذا كنت في بيتي فإنها لا تُردّ إليه روحه. جزاك الله خير.}
الشيخ: وإياكم، شكر الله لكِ.
شكر الله للأخت رزان، وهذا مرَّ معنا، الأحاديث التي قبل قليل، لكن نُكمِل هذا حديث أنس -رضي الله عنه- ثم نعود للإجابة على سؤالها في ذلك.
حديث أنس -رضي الله عنه- قال النبي -صلى الله عليه وسلم- قولوا: «عبد الله ورسوله» عبد الله: التواضع، العبودية، ولذلك الله -سبحانه وتعالى- وصف الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأعظم الصفات وهي العبودية في أعظم الأماكن: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا ﴾ [الإسراء: 1]، وإنزال الكتاب سمَّاه عبدًا -عليه الصلاة والسلام-، ولذلك أشرف المقامات للإنسان العبودية، عبد لله.
والثانية «ورسوله» -صلى الله عليه وسلم- صادق -عليه الصلاة والسلام-، مَن زعم أنه كاذب وأنه ساحر أو أنه لم يُوحَ إليه؛ فهذا ردّ عليه، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم- : «عبد الله ورسوله» -عليه الصلاة والسلام-، «ما أحب أن ترفعون فوق منزلتي التي أنزلني اللهُ -عز وجل-»، رواه النسائي بسند جيد، والحديث صحيح. فالثابت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
«قولوا بقولكم» لما قالوا: خيرنا، أنت أفضلنا وأعلانا نسبًا ومكانة -عليه الصلاة والسلام-، وسيدنا وابن سيدنا، فنهاهم النبى صلى الله علية وسلم
رابط المحاضرة:
http://www.youtube.com/watch?v=oagqVThbSoY
تفريغ المحاضرة:
الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أفضل الرسل والنبيين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد أيها الإخوة، نرحب بكم في هذه اللقاءات المتجددة من حلقات مقرر العقيدة في الأكاديمية الإسلامية المفتوحة، ونحن في آخر أسبوع في هذه الدراسة نرحب بكم، ونشكر لكم تواصلكم، فأهلا وسهلاً.
ولعله من الجميل أنه بدأنا بالأخ عبد الوهاب إن شاء الله، ويستمر معنا حتى ننتهي من هذه الحلقات، فأهلاً وسهلاً بالجميع.
توقفنا في اللقاء الماضي في منتصف الباب، تذكرنا بالباب يا حمد؟ لو قرأت لنا، نسمع مرة أخرى، من أول الباب.
{بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد؛
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانًا تُعبَد من دون الله.
روى مالك في الموطأ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «اللهُمَّ لا تجعل قبري وثنًا يُعبَد، اشتدَّ غضب الله على قومٍ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجدَ»، ولابن جرير بسنده عن سفيان عن منصور عن مجاهد ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ﴾ [النجم: 19]، قال: كان يَلتُّ لهم السَّوِيق، فماتَ فعكفوا على قبرِه، وكذا قال أبو الجوزاء عن ابن عباس، كان يَلتُّ السَويق للحاجِّ.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسُّرُج» رواه أهل السنن.}
توقفنا في منتصف هذا الباب، شرحنا الحديث الأول في هذا الباب وتكلمنا على تفسير الآية ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ﴾ [النجم: 19]، وأن اللات كان رجلا يتقرب إلى الله بهذه العبادات فيلت السَّويق، يخلطه بالسمن للحجاج، يقدم لهم ويُطعم الحجاج في ذلك، وكانت هذه عادة مشتهرة انتهت في أوائل الدولة الأموية، وفي عهدها.
فهذا مَرَّ معنا، ودُعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- «اللهم لا تجعلْ قبري وثنًا يُعبد»، وهذا تحقق بحمْد الله وبدُعاء نبينا -صلى الله عليه وسلم- استجاب الله دُعاء نبيه -صلى الله عليه وسلم- فقبره -عليه الصلاة والسلام- في غُرفة عائشةَ مُحاط بثلاثة جُدران -عليه الصلاة والسلام-.
وبيَّنا أيضًا نهْج السلف في زيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- إذا أتى من سفر، أما في كل يوم أو في كل صلاة أو في كل صلاة فجر، والدعاء عنده، كل هذا غير مشروع، الصحابة كانوا يُصلون في المسجد، ولكن لم يكونوا يَترددون عليه بشكلٍ يوميٍّ، وإنما كانوا يَزورُونه إذا قدِموا من سفرٍ، كما كان يفعل عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، حتى إنَّ الإمام مالكًا كان يَكره أن يُقال: زُرت قبرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه لم يردْ في الأدلة.
يَبقى معنا الحديثُ الأخيرُ في هذا الباب، حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- «لَعَنَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسُّرُج»، رواهُ أهل السنن، أبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي، كلهم أخرجوا هذا الحديث، والصحيح من هذا الحديث: «لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زائرات القبور»، فهذا لعْن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
«والمتخذين عليها المساجد والسُّرُج»، هذا اللفظة منها ضعيفة، لكن اتخاذ المساجد والسُّرُج وَرَدَ في أحاديثَ أُخرى، فبالتالي مَرَّ معنا الأحاديث: «لعنة الله على اليهودِ والنصارى، اتَّخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد»، وهذه الأحاديثُ صحيحة.
زائرات القبور: أي النساء اللاتي يَزرن القبور، والنساء كما تعلم أن كثيرات من النساء الآن إذا زُرن القبورَ، نجد منهن من يأخذ منها التراب، ومنهن مَن تَتبرك بالقبور، لهن أعمال كثيرة أكثر من الرجالِ، وإن هذا موجود أيضًا في النساءِ، لكنْ هنا جاء «لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زائرات القبور»، جاءتْ فيه أحاديثُ أُخرى، حديث أمِّ عطية -رضي الله عنها- «نُهينا عن اتباعِ الجنائز، ولم يُعْزَم علينا».
لهذا السبب: اختلفَ أهلُ العلمِ في هذه المسألة، فذهب جمهور أهل العلم على تحريمِ زيارة النساء القبورِ، هذا مذهب جمهور أهل العلم؛ أي: لا يجوزُ للنساء أنْ تزور القبور.
وَذَهَبَ بعضُ أهل العلم إلى جوازِ ذلك، واستدلُّوا بحديثِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: «كنت نهيتُكم عن زيارةِ القبورِ، ألا فزُوروها، فإنها تُذكر الآخرةَ»، وهذه الأحاديثُ فيها ردٌّ على القبورية؛ «فإنها تذكركم الآخرة»؛ يعني لا تدعوها، ولا تتوجهوا إليها، وإنما تذكركم بالآخرة، هذا هو الغرض من زيارة القبور، وأيضًا الدعاء لهم كما كان يفعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لكن هذا الحديث: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور»، هنا الخطاب للرجال أم للنساء، أم خطابٌ عام؟ ذهب بعض أهل العلم إلى أنه عام، ولذلك أجازوها، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها مخصوص حديث: «لعن رسول الله زائرات القبور»، فيكون مخصوصًا من هذا العموم بهذا الحديث، ولذلك الراجح من هذه الأحاديث هو نهي النساء عن زيارة القبور، النهي عن زيارة القبور، ولذلك جاء أيضًا في قصة المرأة التي كانت تَبكي على ولدها فلما رآها النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرها بالصبر فقالت: إليكَ عني، إليك عني، ثم لما ذهب، أُخبرت أنه رسول الله فلحقت به، فقصتها مشهورة في الحديث.
فلذلك الصواب من أقوال أهل العلم وهو الراجح من أقوال أهل العلم أن هذا الحديث دليل على منع النساء من زيارة القبور، نهي النساء عن زيارة القبور.
المسألة الثانية فيها: «ولعن المتخذين عليها السُّرُج»، المراد: إضاءة الأنوار على القبور، إضاءة الأنوار على القبور؛ لأن هذا دليل على تعظيمها، وهو سبب للغلو فيها ويُفضي إلى الشركِ وتجد بعض المقابر في بلاد المسلمين عليها من الزينة وعليها من الجمال ومن العظمة، بينما فقراء المسلمين يَعيشون في صناديقَ، وفي عشش، فإن هذه الأموال لماذا لا تُصرف لهم في ذلك؟ وهذا يسبب الغلو في هذه الأماكن فيها، فلا يجوز أن تُضاء المقابر، بل تُجعل المقبرة خاليةً فيها، إذا احتاج الناس دفنَ ميتٍ في الليل فإنهم يدفنونه، ويأخذون معهم سراجًا أو إنارة فيها كما فَعَلَ النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، أما إضاءة القبور، فلا تجوز في ذلك.
هذا الباب أو هذه الأحاديث الدالة على هذا الباب فيها خلاصتها: أن الغلو في قبور الأنبياء يصيرها أوثانًا تُعبد من دون الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا كما دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا هو الحاصل اليوم في تاريخ الأمة.
ومنها: «اشتد غضب الله -عز وجل- على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، اشتدَّ غضب الله؛ لأن معصيتهم شرك بالله -عز وجل- فيها، ومنها أنَّ الله -عز وجل- صان قبرَ نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
نُواصل البابَ الذي بعْده، وهو أيضًا قريب، كل هذه الأبواب التي أخذناها في المحاضرة الماضية، وهذه المحاضرة وأيضًا بعضها في المحاضرة التي قبلها، كلها في حماية جناب التوحيد، وكلها أحاديث عن رسول الله، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسيأتينا في بعضها آيات من كتاب الله -عز وجل-، تقرأ لنا يا حمد، أنت قارئنا الرسمي اليوم، نعم..
{قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في حماية المصطفى -صلى الله عليه وسلم- جناب التوحيد وسدِّه كلَّ طريق يُوصِل إلى الشرك، وقول الله تعالى ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم ﴾ [التوبة: 128]، الآية.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلّوا عليَّ؛ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» رواه أبو داود بإسناد حسن ورواته ثقات.
وعن علي بن الحسين أنه رأى رجلاً يجيء إلى فُرجة كانت عند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فيدخل فيها فيدعو، فنهاه وقال: ألا أحدثكم حديثًا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: «لا تتخذوا قبري عيدًا ولا بيوتكم قبورًا، وصلوا علي؛ فإن تسليمكم يبلغني أينما -أو حيث- كنتم» رواه في المختارة.}
الشيخ: إذن هذه أحاديث هذا الباب فنرجع للآية الأولى.
باب ما جاء في حماية المصطفى -صلى الله عليه وسلم- جناب التوحيد، وسدِّه كلَّ طريق يُوصِل إلى الشرك.
سدّ النبي -صلى الله عليه وسلم-، باب ما جاء في حماية جناب التوحيد، جناب التوحيد: الجناب هو: البعض منه، يعني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حمى التوحيد جنابه وكل ما يتعلق بالتوحيد، أغلق جميع الأبواب المؤدية إلى الشرك، وهذا ظاهر.
مرّ معنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- في مرضه -عليه الصلاة والسلام- اشتدّ به المرض، ضاق به صدره، يضع الخميصة على وجهه من شدة المرض فيرفعها إذا اغتم، يعني ضاق النفس، ومع ذلك يقول: «لعنةُ الله على اليهود والنصارى، اتَّخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، ويقول -عليه الصلاة والسلام- «أولئك شرار الخلق» كل هذه، بل قبل موته بخمس، يخطب -عليه الصلاة والسلام- «فلا تتخذوا قبري عيدًا» -صلى الله عليه وسلم-، ينهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كل هذا متى؟ وهو في سياق المرض، وهو مريض -عليه الصلاة والسلام-، ثم قبل موته، ثم وهو في شدة المرض وفي شدة ألم المرض -عليه الصلاة والسلام- في سياق الموت يُحذر الأمة، مع أنه حذّر -صلى الله عليه وسلم-، كل حياته جهاد -عليه الصلاة والسلام- يُرسل جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- فيقول: «أرحني من ذا الخلاصة»، أرحني من هذا الصنم، اهدم هذا الصنم، فنبينا -صلى الله عليه وسلم- جاهد حياته -عليه الصلاة والسلام- في هدم الأوثان في النفوس وفي الأرض، ولذلك كل الأوثان الموجودة هدمها -عليه الصلاة والسلام- في جزيرة العرب، لا يبقى منها شيء، يأتيه الرجل يقول: نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة، فيقول: «هل فيها وثن؟» هل فيها وثن من أوثان المشركين، فإذن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته كلها وفي آخرها اشتدت هذه الوصاة، ولذلك هذا الباب من أعظم الأبواب التي بيَّن بها المؤلف-رحمه الله- الأحاديث الثابتة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
لا تعجب من المؤلف -رحمه الله- أنه كرر هذه الأبواب بابًا بعد بابٍ، كل مرة يكرر بابًا بعد بابٍ، ولذلك لما ننظر في الأسئلة التي يبعث بها الناس، سنجد أنه فعلاً هذه الأسئلة هي تُؤكد الحاجة إلى فهم هذه الأبواب التي جاءت فيها أخبار النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولذلك إنما حصل الشرك في هذه الأمة، بسبب التساهل في هذه الأبواب، وعدم سدّ أبواب الشرك، والتهاون فيها، ولذاك تأصل كثير منها للأسف الشديد في ذلك، بل أن مّن ينبه على هذه الأمور من المسلمين، من عامة المسلمين أو علمائهم، مَن ينبه على أمور الشرك، ماذا يقولون عنه؟ يقولون هذا متشدد، هذا خارجيّ، بلِ التهمة في بعض البلاد أنه سلفي، أي على اعتقاد سلف هذه الأمة، على اعتقاد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه والتابعين وسلف هذه الأمة، فمن كان على اعتقاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تكون هذه هي التهمة؟! هذا من انحراف المفاهيم، وهذا سببه عدم حماية جناب التوحيد، والتهاون في هذه القضايا، ومراعاة الناس وأعراف الناس في هذه الأمور، وهذه من القضايا العظيمة.
المصطفى -صلى الله عليه وسلم- اختاره الله -عز وجل- ولذلك ﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ﴾ [الحج: 75]، ولذلك جناب التوحيد بينه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وحذَّر منه، وحذّر من وسائل الشرك فيها كل هذه الأمور، فإن لو حسُنَتِ النية في بعض الأماكن أو بعض الأقوال لا ينفع ذلك، لا بد من حماية التوحيد والحرص فيه.
استدل المؤلف بالآية الأولى، وهي آية سورة التوبة قول الله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾ من أنفسكم: أي من جِنسكم، وهذا حجة على العرب، مَن عرف العربية حُجة عليه، هذا الرسول بلسان عربي مبين، والقرآن بلسان عربي مبين، ما لك عذر، لا بد أن تتأمل القرآن وتفهمه، ولذلك مَن بلغته القرآن والسنة ثم يعتذر أنه لم يعرف الشرك، هذا لا عُذْرَ له.
﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ * فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [التوبة: 129]
لقد جاءكم: هنا اللام ماذا؟ لام القسم، قسم مقدر، والله لقد جاءكم، يعني القضية مؤكدة، والله لقد جاءكم رسول من أنفسكم، من جنسكم، تعرفونه، وتعرفون نسبه وتعرفون سيرته -عليه الصلاة والسلام-.
﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ﴾: يعني يشق عليه، يشق عليه -عليه الصلاة والسلام- أنه يرى أمته تُعرض عليه، عزيز عليه أي شاق عليه.
﴿مَا عَنِتُّمْ﴾: الرسول -صلى الله عليه وسلم- يشق عليه ما يشق على أمته، ولذلك نجد أنَّ نبينا -صلى الله عليه وسلم- ما خُير في أمرين إلا اختار أيسرهما -عليه الصلاة والسلام- ولذلك في صلاة التراويح، صلَّى بهم اليوم الأول، الليلة الأولى، والليلة الثانية، ولم يخرج في الثالثة، لماذا؟ قال: «خشيت أن تُفرض عليكم».
وقال -عليه الصلاة والسلام- «لولا أنْ أشق على أمتي؛ لأمرتهم بالسواكِ عند كل صلاةٍ» ما الذي تركه عن ذلك؟ ترك الأمر حتى لا يشق عليهم.
كان يحب صلاة الليل، يؤخر صلاة العشاء، لكن خشية المشقَّة عليهم بكَّر بها نبينا -صلى الله عليه وسلم-، كما قال الله تعالى ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، وغيرها من الآيات التي بينها الله -عز وجل-، وهذه الحنيفية، الحنيفية السمحة، سهلة، يسيرة على مَن يسرها الله -عز وجل- عليه -صلى الله عليه وسلم-.
قال: ﴿ بالْمُؤْمِنِينَ ﴾ هذا خاص بالمؤمنين، ﴿ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ -عليه الصلاة والسلام-، شدة الشفقة، الرؤوف: شدة الشفقة.
رحيم -عليه الصلاة والسلام- بأمته، أما الكفار الذين كفروا وعصوا أمر الله -عز وجل- كما قال الله: ﴿ مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29]، هذا هو الواجب بين المسلمين، لكن ليس معنى الشدة على الكفار هو ظلمهم أو قتلهم بغير حق، أو أخذ أموالهم، أو التعدي على أعراضهم؛ لا.. ليس هذا من الشدة، ليس من هذا الشدة، لكن الذي حصل للأسف الشديد عند المسلمين انحراف في الجانبين: قوم وهم قلة يقتلون الكافر بمجرد كفره، لكن إذا كان هذا الكافر غير مقاتل للمسلمين ولم يعتدي عليهم فإن له الأمان لا يجوز التعرض له.
الطائفة الثانية: أنهم شابهوا المشركين بكل شيء، شابهوهم في أعيادهم، في لباسهم، في كل ما هو من دينهم، فكِلا الأمرين ذميم.
هذه الآية ما علاقتها بالباب؟ ما علاقة هذه الآية بالباب؟
مناسبتها: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- متصف بهذه الصفات -عليه الصلاة والسلام- بلسان عربي مبين، فهو من أنفسكم -عليه الصلاة والسلام-، وهو رءوف ورحيم بالمؤمنين، ألم يبين التوحيد؟ ألم يبين الشرك؟ ألم يُبيّن التوحيد ويأمر به، ويحمي جنابه، وينهى عن الشرك ويسد كل طريقة توصل إليه؟ بلى والله، قد بلغنا وبيَّن -عليه الصلاة والسلام- البيان العظيم، واستشهد في يوم عرفة، قال: «اللهم هل بلغت، فقالوا: نعم» استشهد الله عليهم ثلاثًا -عليه الصلاة والسلام- فلذلك لا عُذرَ لأحدٍ، بيَّن النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، نهانا عن الغلوِّ، ونهى عن الشرك، ونهى عن عبادةِ القبورِ، نهى عن كلِّ هذه القضايا غاية البيان، فليس لأحد عُذرٌ -عليه الصلاة والسلام- فهو الشفيقُ الرحيمُ بأمته، فبيَّن غايةَ البيانِ -صلى الله عليه وسلم-.
للأسف الشديدِ يُوجد اليوم من بعض المسلمين أنَّه إذا قلت له نُبيِّن التوحيد للناس قال: هذا يُفرق الناس! وهل يجمع الناس إلا التوحيدُ؟ لا يجمع الناس إلا التوحيد، أما الباطلُ فهو الذي يُفرقهم، وهو الَّذي يَجعلهم فرق وأحزاب، وكل اجتماعٍ ليس على أساس صحيح مآله إلى باطلٍ، وإلى ذهاب، فالواجب أنْ يُبيَّن التوحيد، ويُدعَى الناس إليه، ولذلك أهل السنة ولله الحمد مجتمعون، اعتقادهم واحد، أنتَ اليومَ في ألف وأربعمائة وثلاث وثلاثين بإمكانك تُدَرِّس العقائدَ التي كتبها، العقيدة التي كَتَبَها الإمام أحمد، أو التي كتبها الإمام مالك، أو التي كتبها الإمام الشافعي، أو التي كتبها الإمام أبو حنيفة، كل هذه العقائد أنا أستطيع أنْ أدرسها اليوم، وأدرِّس التي كتبها علماؤنا اليوم، الذي كتبه علماؤنا اليوم نُدرِّسه؛ لأنَّ اعتقاد أهل السنة واحد، لم يتفرقوا، ولم يختلفوا، انظر كم بينهم؟ بينهم أكثر من ألف ومائتين سنة، ومع ذلك لا يوجد اختلاف، الاعتقاد واحد، ندرِّس ما قال الله وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- دون اختلاف، ما قاله أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ما قالَه الأئمة العظماء، أئمة السنة، ابن خزيمة -رحمه الله- إمام التوحيد يُدرَّس كتابه، من الشافعية، وكتابه يُدرَّس إلى هذا اليوم، ابن منده، كل علماء الإسلام كتبهم كما أنك تدرِّس تلك الكتبُ التي قبل ألف ومائتين سنة لا يُوجد اختلاف بين كتب أهل السُّنة، أما أهلُ البدع فتجد بينهم من الفروق والاختلافات ما لا يعلمه إلا رب العالمين، ولذلك لا يجمع الناس إلا توحيد الله وإخلاص العبودية.
الحديث في هذا الباب، أول هذه الأحاديث: حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «لا تجعلوا بيوتكم قبورًا»، «لا تجعلوا بيوتكم قبورًا»، «ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلوا عليَّ؛ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم»، رواه أبو داود بإسناد حسن، ورواته ثقات، والحديث صحيح، إسناده صحيح، الحديث إسناده صحيح.
فإذن هذا الحديث فيه عدة جمل:
الأولى: «لا تجعلوا بيوتكم قبورًا»، «لا تجعلوا بيوتكم قبورًا»؛ أيْ لا تُعطلوا البيوت من ذكر الله، لماذا؟ لأنَّ القبور ليس فيها ذِكْر الله، ليس فيها صلاة، القبور أموات، لا يستطيعون، بحاجة لمن يدعو لهم، ليس في القبور صلاة، ولذلك من صلى في المقبرة، نقول: أعدْ هذه الصلاةَ، وإذا كان هذا المسجد بُني على قبرٍ، نقول: أعد هذه الصلاة؛ لأنك صليتَ في المقبرة، ولو بُنيت في مسجدٍ؛ لأن هذا المسجد بُني في مقبرة، فلا يجـوز.
«لا تجعلوا بيوتكم قبورًا»؛ يعني تكون خاليةً من ذِكر الله؛ لأنَّ القبورَ ليس فيها صلاة، انقطع العملُ فيها، خالية، مظلمة، حفر مظلمة، إلا ما نورها الله بالإيمان، فإذن: القبور ليست مكانًا للصلاة ولا مكانَ للعبادة، ولذلك يجبُ أن يكون البيت مليئا بذكر الله، للأسف الشديد كثير من بيوت المسلمين أصبحت أسوأ من القبور، مليئة بالشر، بقنوات الشر، بقنوات الضلال، بقنوات الدعوة إلى كل خنا، أما الدعوة إلى الخير فهذه قليلة، ولذلك إذا كان هذا البيت صالحًا؛ فإنه سيُخرج جيلا صالحًا، وإذا كان هذا البيت سيئا سيُخرج جيلا سيئًا في ذلك، بل أحيانًا البيوت تطرد منها الملائكة بما فيها من الأغاني والموسيقى تكون مأوى للشياطين، خالية من ذكر الله -عز وجل-، وهذا أيضًا البيوت، قال: «لا تَجعلوا بيوتكم قبورًا»؛ أي بيوت الله هي التي فيها ذكر الله -عز وجل- فالقبر لا يُصلى عنده فيها.
الجملة الثانية في هذا الحديث: قوله -صلى الله عليه وسلم- «لا تجعلوا قبري عيدًا»: العيد: اسم لما يتكرر، فعيد الأسبوع الجمعة، نجد بعض أهل الضلال انحرفت مفاهيمهم غاية الانحراف، فقالوا: الرسول يقول: «لا تجعلوا قبري عيدًا»، يعني اعكفوا عند قبري، أقيموا إقامة دائمة عند القبر، سبحان الله! ما هذا الفهم؟! ما هو الجمعة تعود كل أسبوع، ومع ذلك هي عيد، ولذلك العيد هو لما يتعوّد ويتكرر سواء في اليوم أو في الأسبوع أو في الشهر أو في السنة، سُمي عيدًا لما فيه التكرار.
الأعياد: فيه أعياد مكانية، وزمانية، الزمانية المشروعة: عيد الفطر وعيد الأضحى، هذه أعياد الإسلام، أما أعياد الموالد، يعني عباد القبور يجعلون لقبورهم، يعني للمعبود هذا عدة موالد، يلد في السنة، ما شاء الله ثلاث مرات! ما ولد مرة واحدة، مولد بعد الحصاد الشتوي، حتى يكون الناس عندهم شيء من البذور يقدمونه، يعني لم يولد وقت الزراعة، لا .. جاء بعد الحصاد، حتى يكون عند الناس شيء يقدمونه، والمولد الثاني له، هو ولد في السنة ثلاث مرات، والمولد الثاني له: يكون بعد الحصاد الصيفي، يعني زراعة الصيف بعد ما انتهت يكون فيه مولد، وفيه مولد ثانٍ في الوسط، هكذا، تمشية الأمور، لمـاذا؟ لأجل الحصول على النذور، ولذلك أحيانًا يكون المولد النبوي ويقيمونه طول السنة، بعض الأحيان في بعض البلاد لأجل الدعوة إلى مذاهبهم الباطلة، ويدعون فيه إلى الغلو في النبي -صلى الله عليه وسلم- وأحيانًا يصلون إلى الشرك.
أحيانًا من الموالد، عيد الميلاد، عيد ميلاد المسيح، والمسيح -عليه الصلاة والسلام- ولد في الصيف، لم يُولد في الشتاء، ومع ذلك الاحتفال متى يكون؟ دائمًا في الشتاء، ما عمرهم احتفلوا به في الصيف، الآية ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ﴾ [مريم: 25]، النخل عندنا نعرفه، هل فيه نخل يطلع في الشتاء؟ لا يوجد، كل النخل عندنا في الصيف، فإذن.. ومهما كان لا يجوز هذه الموالد في ذلك، وهناك في أعياد أخرى كثيرة.
أما الأماكن الشرعية فالمساجد: هي مكان الاجتماع وأيضًا الاجتماع في المسجد الحرام، والمسجد النبوي ومِنى وعرفة في أوقاتهما، أما الأعياد الباطلة فهي التي تكون عند القبور، ولذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن تأتي إلى الأماكن التي يجتمع فيها المشركون.
هنا من الأسئلة التي طُرحت في هذا الباب، إحدى الأخوات تقول: جزاكم الله خيرًا، عندنا مسجد فيه قبور في مدينة، إذا رجع الحجاج من الحج يزورون هذا القبر في اعتقادهم مباركة حجهم، وكذلك المتزوجون الجدد، فما حكم من فعل ذلك؟ ومنهم من يقول: إرضاءً لوالديه؟
هذا المكان لا يجوز الذهاب إليه، لا لوالد ولا لغيره؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سأله الرجل الذهاب إلى.. ينحر إبلاً ببوانة، فسأله النبي -صلى الله عليه وسلم- هل فيها عيد من أعياد المشركين؟ هل فيها عيد من أعياد المشركين؟
هذا القبر يتبركون به ويطلبون، يذبحون ويقدمون له النذور ويلتمسون منه البركة، والنفع والضر وهذا من الشرك الأكبر المخرج من الملة فلا يجوز لا إرضاءً لوالد ولا لغيره، لا يجوزُ الذهاب إلى مثل هذه، وهذه بعض الأسئلة.
الكلمة الثالثة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «وصلّوا عليَّ؛ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم»، هذا توجيه من نبينا -صلى الله عليه وسلم- «صلّوا عليّ»، تقول: اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، ولذلك أكثِرْ من الصلاةِ على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث أُبيّ، قال: «يا رسول الله، كم يكون لك من صلاتي؟ قال: ما شئتَ» وجاء في الحديث أنه كلما أكثرت فهو خير لك، فأكثِرْ من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن هؤلاء الذين يزعمون أنّا لا نحب رسول الله، ونحن ندعو الناس إلى الإكثار من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، يكثر الإنسان من الصلاة على نبينا -صلى الله عليه وسلم-.
«من صلى على النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى الله عليه عشرًا» متى وأين؟ في الملأ الأعلى، يصلي عليه عشر في الملأ الأعلى، يا له من أمرٍ عظيم! يا له من أمر عظيم في ذلك، ولذلك الصلاة على .. إن الله وملائكته يصلون على النبي -صلى الله عليه وسلم- أي الثناء عليه -صلى الله عليه وسلم- في ذلك.
«فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» في أي مكان الصلاة تبلغ النبي -صلى الله عليه وسلم-، كيف تبلغه؟ هذا عالم البرزخ، لا نعلم، لكن ورد في حديث صححه بعض أهل العلم، وضعفه بعضهم، قوله -صلى الله عليه وسلم- «إن لله ملائكة سيَّاحين، يسيحون في الأرض يبلغون النبي -صلى الله عليه وسلم- سلام أمته عليه» رواه النسائي وصححه ابن القيم.
فهذا الحديث إن صح، فهو الحجة في إبلاغ النبي -صلى الله عليه وسلم-، كيف يبلغونه؟ نحن عالم البرزخ لا نعلمه، الإنسان لا يعلم ما يكون له، حتى يعلم ما يكون لغيره. «فإن صلاتكم» وَكَّل الله بها مَن يبلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- سواء كنت قريب عنده أو بعيدًا عن نبينا -صلى الله عليه وسلم-.
عندك سؤال يا عبد الحكيم. عادة المستجد أنه يصير هادئًا، تفضل أعطنا سؤالك..
{شيخ، أحسن الله إليه، هل يجوز الصلاة على -مثلاً- أحد علماء البلدة، نقول: اللهم صلّ وسلم على فلان؟}
الشيخ:
لا، الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا إذا دخل أحد معه بسبيل التبع، أما الصلاة فعلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أما غيرهم فيُدعى لهم بالرحمة، والصحابة أخبرنا الله تعالى أن الله رضي عنه ورضوا عنه، فالدعاء لهم بالرضوان، رضي الله عنهم أجمعين.
{طيب .. إذا كان معنى الصلاة هي الثناء، فأنا أدعو له أن الله يثني عليه.}
الشيخ:
لا .. هنا خص الله ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ﴾ [الأحزاب: 56]، صلى الله عليه وسلم، فقالوا، قال أبو العالية: الصلاة من الله ثناء، ومن الملائكة استغفار، ومن العباد دعاء، دعاء للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فهذه خاصة بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، لقول الله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، إذا قال لك الله صلّ على فلان! جاءك خبر من الله؟! استسلم.
الحديث الأخير في هذا الباب نحن نحتاج شيء من العجلة؛ لأنَّ الوقت معنا قصير.
الحديث الثالث: حديث علي بن الحسين -رضي الله عنه-، هذا الحديث ... عندك.. هناك أسئلة؟
{أستاذ.. هناك بعض الناس يقولون إذا ذهبتَ إلى المدينة فسلمْ على النبي -عليه الصلاة والسلام- مني؟}
الشيخ:
قل له يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبره بحديث رسول الله الذي رواه أبو هريرة، وحديث علي بن الحسين الذي نقرأه الآن، بلغه حديث الرسول، حديث قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-، سمعت هذا الحديث؟ اسمعه الآن وبلغه به.
عن علي بن الحسين زين العابدين -رضي الله عنه-، يعني الحديث مروي عن آل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ليس لأحد حجة، هذا من هو؟ جدّه الرسول -صلى الله عليه وسلم-، جدته فاطمة أم الحسين. عن علي بن الحسين -رضي الله عنه- أنه رأى رجلاً يأتي إلى فرجة: يعني مكانًا غرفة عائشة، كانت عند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فيدخل فيها فيدعو، فنهاه، وقال: ألا أُحدثكم بحديثٍ سمِعته من أبي عن جدي، أبوه الحسين -رضي الله عنه-، عن جده علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم أجمعين-، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تتخذوا قبري عيدًا»، هذا مرَّ معنا في حديث أبي هريرة الذي سبق، «لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، وصلّوا عليَّ؛ فإن تسليمكم ليبلغني أينما كنتم» رواه المقدسي في المختارة، والحديث سنده حسن.
هذا الحديث جاء عن آل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، عن علي بن الحسين -رضي الله عنه- أنه رأى رجلا يأتي إلى قبرِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيته في غرفة حجرة عائشة، في أحد الجدران توجد فرجة، يعني مكان يقف فيه ويدعو، أي نقر في الجدار، فيه شيء من الفتح في الجدار، رأى هذا الرجلَ يتردد على قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فنهاه علي بن الحسين -رضي الله عنه- وقال: لا تفعل هذا، لا تتردد على قبر رسول الله، ولا تدعُ عنده، فهذا رآه لماذا؟ لأنه مخالف لما جاء عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهذا مستقر عند الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم-؛ لأنه قد يكون من وسائل الشرك، الترددُ على قبرِ الرسول -صلى الله عليه وسلم- والدعاء عنده يكون من وسائل الشرك، ولذلك السنة أنك تُسلم على قبرِ الرسول -صلى الله عليه وسلم-، تُسلم عليه كما كان يفعل عبد الله بن عمر، السلام عليك يا رسول الله، ثم يتقدم: السلام عليك يا أبا بكر، ثم السلام عليك يا أبتِ لعمر بن الخطاب، ثم ينصرف.
إن دعا لهم، أشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة، أما أنه يستقبل القبلة ويدعو بهذا الدعاء الطويل، ويكون عنده من الخشوع الأمر العجيب، هذا لم يردْ ولم يعرف عن سلف هذه الأمة.
علي بن الحسين -رضي الله عنه- نهاه وأنكر عليه، ولم يكتف بذلك، بل أعطاه الدليل، قال: أنا أعطيك الدليل عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: «لا تتخذوا قبري عيدًا»، يعني لا تكثرِ الترددَ على قبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا تكثر التردد على قبر الرسول -صلى الله عليه وسلم-، كما جاء في حديث أبي هريرة الذي مضى معنا.
وقال: «ولا تجعلوا بيوتكم قبورًا»؛ أي لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، القبور ليس فيها صلاة ولا عبادة، ولذلك لا يجوز الصلاة في القبور ولا العبادة عندها في ذلك، «وصلّوا عليّ»، الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- : اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد -صلى الله عليه وسلم-.
رواه المختارة، ومؤلفه عبد الله بن محمد المقدسي الحنبلي -رحمه الله-، ألف هذا الكتاب وجمع فيه الأحاديث الجياد الزائدة على ما في الصحيحين، على ما في الصحيحين في ذلك.
فلذلك الواجب أن الإنسان يُنكر ما يقع فيه الناس من الشرك، ويُنكر ما يخالفون فيه هدي نبينا -صلى الله عليه وسلم- من وسائل الشرك، يُنكر عليهم ويبين لهم بالأسلوب كما فعل علي بن الحسين، فإنه أنكر عليهم، ثم بيّن الحجة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكما قال أهل العلم: لا يفصل النزاع بين الناس إلا كتاب منزّل من السماء، فلا يفصل النزاع اليوم إلا قال الله وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أما قول فلان من الناس، فمهما يكن من ذلك في هذه القضية.
ألفت كتب في الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، منها بعض الكتب الخرافية التي جاءت بأحاديث موضوعة مثل دلائل الخيرات، وصلاة الفاتحة التي زعموا أن صلاة الفاتحة أفضل من القرآن ستة آلاف مرة، كل هذه من كتب الخرافة، وكلها من كتب الضلال، ينبغي للمسلم أن يحذر منها، ويتجنبها بكل سبيل.
وأفضل الكتب: "جلاء الأفهام في الصلاة على خير الأنام" للإمام ابن القيم -رحمه الله-، كتاب جيد وجميل في هذا الموضوع، لكن كتب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- من الكتب الباطلة مثل: "دلائل الخيرات". وغيرها، هذه كتب باطلة لا يجوز للمسلم أنه يطلع فيها، أو يقرأ فيها، أو يرجع إليها، بل عليه الحرص من هذه الكتب الباطلة.
لعلنا نختم في هذا اللقاء وترون أننا نسابق الوقت، يعني الباب الأخير فيما يتعلق بحماية التوحيد في ذلك فقول النبي -صلى الله عليه وسلم-، حماية النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلنا نشير إليه إشارة سريعة بمشيئة الله تعالى.
هذا الباب الأخير في هذا الباب: باب ما جاء في حماية النبي -صلى الله عليه وسلم- حمى التوحيد وسد طرقه، فهذا قريب للباب الذي أخذناه، لكن أيضًا فيه بيان هذا الباب في ذلك، والخلاف بين هذين البابين؛ الباب السابق: باب ما جاء في حماية المصطفى -صلى الله عليه وسلم- جناب التوحيد، وهنـا: حمى التوحيد، ما الفرق بين جناب التوحيد وحمى التوحيد؟ جناب التوحيد: أي بعضه، والشيء منه، بينما حمى التوحيد: ما حوله.
فالنبيُّ -صلى الله عليه وسلم- كما أنه حمى التوحيد وسدّ الطرقَ الموصلةَ إلى الشرك ووسائله؛ فإنه حمى ما حول التوحيد؛ لأن أمر التوحيد أمْرُه عظيم في ذلك، بعد حماية التوحيد النبي -صلى الله عليه وسلم-، دعا إلى حماية التوحيد، بعد حماية التوحيد ما حوله حماية فيه، وسدّ الطرق التي توصل إلى الشرك، وقطع الأسباب، فوسيلة المحرم محرمٌ في ذلك، ولذلك من القواعد المعروفة: سدّ الذرائع، فبيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- التوحيد وحذّر أمته أن يقعوا في الشرك، فهذا الباب مكمل للباب السابق في ذلك.
تقرأ لنا يا حمـد.. نعم.
{قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في حماية المصطفى -صلى الله عليه وسلم- حمى التوحيد وسدّه طرق الشرك.
عن عبد الله بن الشخير -رضي الله عنه- قال: «انطلقتُ في وفد بني عامر إلى رسول الله، فقلنا: أنت سيدنا، فقال: السيد الله تبارك وتعالى، فقلنا: وأفضلنا فضلاً، وأعظمنا طَوْلاً، فقال: قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشيطان» رواه أبو داود بإسناد جيد.
وعن أنس -رضي الله عنه- أن ناسًا قالوا: «يا رسول الله، يا خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، فقال: يا أيها الناس: قولوا بقولكم ولا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشيطان، أنا محمد عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله -عز وجل-» رواه النسائي بسند جيد.}
إذن: هذا الحديث الأول في هذا الباب، باب ما جاء في حماية النبي -صلى الله عليه وسلم- حمى التوحيد.
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن بيّن التوحيد وحماية التوحيد، بيّن -عليه الصلاة والسلام- حمى التوحيد، ألا يقع أحد في حمى التوحيد، ولا يحوم حول الشرك، يكون الإنسان أبعد شيء، ولو كانت هذه الأمة متابعة، الطوائف التي انحرفت في مسائل الشرك، لو كانوا متابعين لرسول الله ومحبين لرسول الله كما يزعم بعضهم، لسَلَّموا من هذا الشرك، لو كانوا يُحبون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويحبون أصحابه، ويحبون آل بيته، ما وقعوا في هذا الشرك، لكنهم يكذبون، فتابعوا الهوى، وتابعوا الشيطان، وخالفوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أما أهل السنة فهم الذين يحبون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولذلك هم الذين يعلمون هذه الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ينقلونها للناس ويبينونها للناس، ويحذرون الناس أن يقعوا في هذه المزالق والأمور العظيمة، فحري بالمسلم أن يحرص وأن يكون له رسالة يُبلغها إخوانه المسلمين سواء جماعة أو أفرادًا في ذلك.
وبحمد الله -عز وجل- أن هذا حاصل من إخواننا المسلمين، فكم من المتابعين معنا في هذه الحلقات، في حلقات الأكاديمية المفتوحة، مَن يدرِّسون هذه الدروس بعد نهايتها لأهلهم في المساجد وفي البيوت، وفي غيرها، وكم منهم من كان يسأل ما مصير من كان يذهب إلى القبور من أهله ومن مات منهم، كيف يُقنع كبار السن الذين عاشوا على مثل هذه الخرافات، فهذا بحمد الله من حرص المسلمين على هذه القضية.
الحديث الأول في هذا الباب:
عن عبد الله بن الشخير -رضي الله عنه-، انطلق في عام الوفود، عام الوفود هو عام تسعة للهجرة، لما فتح الله -عز وجل- على نبيه -صلى الله عليه وسلم- مكة ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ﴾ [سورة النصر: 1-2]، جاءت العرب كلها تبايع الرسول -صلى الله عليه وسلم- على الإسلام، من ضمن هذه الوفود وفد بني عامر، قبيلة من قبائل العرب المشهورة، جاؤوا إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فكانوا على عادتهم أنهم يمدحون ملوكهم وكبراءهم ويجعلون لهم المدائح، يعني على هذه الطريقة، فخاطبوا الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما كانوا يخطبون ملوكهم وغيرهم إذا وفدوا إليهم، فقالوا: أنت سيدنا، فقال: النبي -صلى الله عليه وسلم- «السيد الله، السيد الله تبارك وتعالى»، وقالوا أيضًا: «أنت سيدنا وأنت أفضلنا فضلاً، وأنت أعظمنا طَوْلاً» يعني أغنانا وأكثرنا عظمة وقوة وسلطان في ذلك، فقال: «قولوا بقولكم» ما هو قولكم؟ يا رسول الله، قولكم: يا رسول الله؛ لأنهم كانوا يقولون: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «أو بعض قولكم، لا يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشيطان»؛ أي يَجْذبَنَّكُم الشيطان إليه، يجركم الشيطان إليه، تتابعون الشيطان، وهذا الذي وقع من طوائف من المسلمين، تابعوا الشيطان وأن تقولوا قولاً منكرًا.
ولذلك الذين يُرددون القصيدة البوصِيريِّة، البُردة، عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- يقولون فيها الشرك الأكبر، ويُرددون الشرك الأكبر، ويدعون إليه، ثم يقولون: نحن نحبُّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كيف تخالفون أمره ما صحّ عنه، وهذا الحديث رواه أبو داود بسند جيد، وأيضًا والنسائي وغيره وإسناده صحيح، إسناد هذا الحديث صحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، النبي نهاهم أن يقولون «أنت سيدنا وأفضلنا فضلاً وأعظمنا طولاً» في ذلك، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «السيد هو الله» السيد هو: المالك، وهو المتصرف، فالتصرف المطلق لله -عز وجل- الله -عز وجل- هو السيد، وهو من معاني الصمد: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ [الصمد: 1-2].
فالصمد هو: الذي كمل، كاملٌ في علمه وحلمه وسُؤدده، وهو الذي يصمد للخلائق وحاجتهم، فالسيد هو من معاني الصمد، فالسيد الله -سبحانه وتعالى-.
فهؤلاء قالوا: «أنت سيدنا» أي عظمة وفخرًا في ذلك، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- بيّن أن السيادة المطلقة لله -سبحانه وتعالى- في ذلك، ولذلك قال بعضهم أن «السيد» إذا قيل سيد بني فلان، وسيد بني فلان، سيد الأنصار، سيد شباب الجنة، غير ذلك، إنما تطلق مضافة، أما المطلقة تمامًا فهي لله -عز وجل-.
ولذلك اختلف أهل العلم في إطلاق السيد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، النبي -صلى الله عليه وسلم- هنا قال: «وأنت سيدنا» لم يقرهم الإقرار الكامل، ولم يردهم، وسدَّ عليهم الطريق، الشرك كله، سدّ النبي -صلى الله عليه وسلم- طريق الشرك.
طيب.. ورد حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أنا سيد ولد آدم» وقوله -صلى الله عليه وسلم- «إن ابني هذا سيد»؛ أي الحسن -رضي الله عنه- «ويصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين»، فكان قال ذلك وهو طفل صغير، ثم جعل الله الصلح على يديه بعد خلافة علي -رضي الله عنه-.
أيضًا قوله عن الحسن والحسين: «سيدا شباب أهل الجنة»، كيف نجمع بين هذه وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- «السيد الله» نهاهم عن ذلك؟
اختلف أهل العلم، منهم مَن قال: إن هذا على سبيل الكراهة والأدب، والإباحة على سبيل الجواز، ومنهم مَن قال: التحريم، أنه يحرم أن نطلق على أحد السيد، وهذا مروي عن الإمام مالك -رحمه الله- وقالوا: الأحاديث السابقة قوله «أنا سيد ولد آدم» و «ابني هذا سيد» هذه كلها أحديث منسوخة.
القول الثالث: أن النهي عند خشية المفسدة، الغلو، والإباحة إذا لم يكن فيه محذور في ذلك، وجاء أيضًا قول آخر أن النهي عن الخطاب الغير بأن تقول: أنت سيد، لكنك أن تقول عن فلان: هو سيد بني فلان، أنه لا إشكال في هذا الأمر.
والراجح أنه جائز بشرطين:
الأول: أن يكون أهلاً لذلك؛ لأنَّ المنافق لا يجوز أن تقول له: سيد. لا يجوز للمنافق، ويدخل في المنافقين أهل البدع، وأولاهم بذلك دعاة الشرك، فلا يجوز أن يقال له سيد.
إذا قلتم ذلك، كما قال النبي: لا تقولوا للمنافق سيد.
الثالث: إذا لم يكنْ هناك محذورٌ، عجب وتكبر وغير ذلك.
عند بعض الطوائف، عندهم السادة الذين ينتسبون لآل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأحيانًا يكون فيه اعتقادات أنهم يضرون وأنهم ينفعون وأنهم يُشرك بهم من دون الله، هذا لا يجوز بأي حال، سواء كانوا من آل بيت رسول الله أو من غيرهم، ومَن كان من أهل الشرك ومن دعاة الضلالة ودعاة القبور، ومخالفي قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فهذا بريء منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بل هو ممن تابع أبا لهب، ممن يتابع أبي لهب، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بريء منه؛ بل من تابع الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقال بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
الحديث الثاني، حديث أنس -رضي الله عنه- أن ناسًا -أي: وفدًا- قالوا للرسول -صلى الله عليه وسلم- «يا خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، فقال: يا أيها الناس قولوا بقولكم، »؛ أي: يا رسول الله، ولذلك قال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- «إنما أنا عبد الله ورسوله» وقوله -صلى الله عليه وسلم- «أنا عبد الله ورسوله» ردًّا على الطائفتين:
ردّ على مَن يكذبه ويقول أنَّه شاعر أو مجنون أو كاهن أو ساحر، ومَن يقول... نعم، معنا الآن اتصال، فأهلاً، معنا الأخت رزان من السعودية، فأهلا وسهلاً، تفضلي..
{الأخت رزان: السلام عليكم}
الشيخ:
عليكم السلام ورحمة الله.
{الأخت رزان: بارك الله فيك يا شيخ، عندي سؤال.}
الشيخ: تفضلي
{الأخت رزان: السؤال يا شيخ: شيخ سمعناه يقول: إن السلام على الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يكون إلا من عند قبره، تُردّ إليه روحه، أما إذا كنت في بيتي فإنها لا تُردّ إليه روحه. جزاك الله خير.}
الشيخ: وإياكم، شكر الله لكِ.
شكر الله للأخت رزان، وهذا مرَّ معنا، الأحاديث التي قبل قليل، لكن نُكمِل هذا حديث أنس -رضي الله عنه- ثم نعود للإجابة على سؤالها في ذلك.
حديث أنس -رضي الله عنه- قال النبي -صلى الله عليه وسلم- قولوا: «عبد الله ورسوله» عبد الله: التواضع، العبودية، ولذلك الله -سبحانه وتعالى- وصف الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأعظم الصفات وهي العبودية في أعظم الأماكن: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا ﴾ [الإسراء: 1]، وإنزال الكتاب سمَّاه عبدًا -عليه الصلاة والسلام-، ولذلك أشرف المقامات للإنسان العبودية، عبد لله.
والثانية «ورسوله» -صلى الله عليه وسلم- صادق -عليه الصلاة والسلام-، مَن زعم أنه كاذب وأنه ساحر أو أنه لم يُوحَ إليه؛ فهذا ردّ عليه، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم- : «عبد الله ورسوله» -عليه الصلاة والسلام-، «ما أحب أن ترفعون فوق منزلتي التي أنزلني اللهُ -عز وجل-»، رواه النسائي بسند جيد، والحديث صحيح. فالثابت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
«قولوا بقولكم» لما قالوا: خيرنا، أنت أفضلنا وأعلانا نسبًا ومكانة -عليه الصلاة والسلام-، وسيدنا وابن سيدنا، فنهاهم النبى صلى الله علية وسلم
تعليق