بسم الله الرحمن الرحيم
واجب البشرية الديني و الأخلاقي على أمة الإسلام أن يطرق المسلمون أبواب البشرية وينشروا الخير الذي هم يتنعمون به وهو نعمة الإسلام إلى البشرية جمعاء من منطلق المسؤولية التي تقع على عاتق المسلمين في إيصال نور الإسلام إلى البشرية جمعاء. لكن في البداية يجب أن نتحدث عن أين يكمن الخطأ أو الإنحراف عن المسار الصحيح في عبادة وتوحيد الله عزوجل، فخطأ نسب الولد و الزوجة لله سبحانه و تعالى (والعياذ بالله من هكذا قول) يُعتبر إنحراف عظيم عن توحيد الله الأحد العظيم لأن تشبيه الله عزوجل بالبشر فيه إنتقاص من عظمة الله عزوجل، قال تعالى ( وقالوا إتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون* لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ) فهذه الاية الكريمة تشير إلى ما قاله كفار العرب من أن الملائكة بنات الله (والعياذ بالله من هكذا قول ) فيرد عليهم سبحانه و تعالى و تقدس بل إن الملائكة عباد الله مكرمون عنده، في منازل عالية و مقامات سامية وهم له في غاية الطاعة قولا و فعلا فهم لا يتقدمون أو يسبقونه بين يديه بأمر و لا يخالفونه فيما أمر به بل يبادرون إلى فعل ما يأمرون به. وأيضاً قوله تعالى ( وقالوا إتخذ الله ولدا لقد جئتم شيئا إدا) وكذلك قوله تعالى ( تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا ) فهاتان الآياتان تشيران إلى أنه عندما زعم النصارى أن سيدنا عيسى هو إبن الله (والعياذ بالله من هكذا قول) وتعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علوا كبيرا، كادت السماوات أن تشقق فرقا من عظمة الله عزوجل وتنشق الأرض غضبا لله الملك العظيم وتنهدم الجبال هدما لعظمة الله عزوجل. وكذلك قوله تعالى الذي يُشير إلى عظمة ووحدانية الله الملك العظيم ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي و ربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ) و قوله تعالى ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ومامن إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم ) وقوله تعالى ( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم و لا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله و كلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه ) و أيضا قوله تعالى (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن إستقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ). فهل سمعتم أن عبداً يخضع ويعظم عبدا مثله أم يخضع ويعظم سيده وكذلك كيف يُمكن لعقل سليم يتصورأن الله الملك العظيم يظهر على صورة بشر أو على صورة إبنه في الحياة الدنيا ويبقى الظلم بين البشر بل وبين الخلائق الأخرى بحضور و حضرة الله الملك العظيم فلو كان ذلك في حضرة ملك عظيم من البشر لكان فيه إنتقاص من شأن هذا الملك فكيف يصح ذلك في شأن الله سبحانه وتعالى الملك العظيم، أيضا كيف يمكن لله الملك العظيم الجبار القهار أن يقهره بعض من عباده ولو للحظات، ألا يعلم البشر أن صفات الله عزوجل هي صفات مطلقة أي لا تخضع للمقارنة، لأنها صفات لإله عظيم فرد أحد منقطع النظير ليس كمثله شيء، بينما صفات البشر هي صفات نسبية أي تخضع للمقارنة لأن البشر مُتشابهون ومُشتركون في الصفات. فعندما نقول أن الله عزوجل قوي فهذا يعني أنه سبحانه و تعالى تتمثل فيه القوة المطلقة التي لا يضاهيه فيها أحد من المخلوقات بينما عندما نقول شخص قوي فهذا يعني أن هذا الشخص أقوى من غيره وأن هنالك من هو أقوى منه فتكون صفة القوة عنده نسبية و خاضعة للمقارنة فضلاً أن صفات الله عزوجل هي ثابتة و دائمة فهي متحققة في كل زمان ومكان و لا تنتفي على الإطلاق في أي زمان و أي مكان.
بينما في المقابل، الإسلام هو رسالة الله الملك الهادي الكريم إلى البشرية جمعاء، وهي رسالة بدايتها رسالة طمأنينة وسكينة للبشرية جمعاء بأن الله سبحانه وتعالى يحب الخير والرحمة وليس الشر و العذاب لبني آدم، قال تعالى (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما ) فهذه الآية الكريمة تشير إلى أن الله الملك العظيم الرؤوف الرحيم لم يخلق بني آدم لكي يُعذبهم بنار جهنم لأنهم إذا صدقوا وآمنوا بوجوده ووحدانيته وعظمته وشكروه على نعمة الإسلام العظيمة، قال تعالى ( إن الدين عند الله الإسلام )، فعندئذ لماذا يُعذبهم الله عزوجل؟ بل سبحانه و تعالى يُنعم على عباده بالرحمة و المغفرة ويدخلهم جنات الخلد هم فيها خالدون. فإذا كان الله الملك العظيم الودود الرحيم قد غفر لأبوهم سيدنا آدم عليه السلام بالرغم من أنه نسي فعصى الله الملك العظيم وهو في الجنة الطاهرة النقية حيث لا ذنوب ولا معاصي لقوله تعالى ( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما )، وكذلك قوله تعالى ( وعصى آدم ربه فغوى )، وكذلك قوله تعالى ( ثم اجتباه ربه فتاب عليه و هدى )، فكيف لا يغفر لكم أيها البشر وأنتم تحيون و تعيشون على الأرض التي يوجد فيها الذنوب والمعاصي فأنتم أيها البشر جميعا لستم بحاجة بأن يهبط الله الملك العظيم إليكم في الحياة الدنيا وأن يُصلب ( و العياذ بالله من هكذا قول ) من أجل أن يتحمل عنكم الذنوب والمعاصي في الحياة الدنيا ويطهركم منها فكل من يعتقد بهذا فإنه في ضلال مبين بل إن تبتم وصدقتم وآمنتم بالله الملك العظيم الواحد لقوله تعالى ( إن شكرتم وآمنتم ) فبالتأكيد سوف يغفر الله الملك العظيم لكم ويهديكم إلى صراطه المستقيم والقويم في الحياة الدنيا وهو دين الإسلام ثم يجتبيكم لتكونوا من عباده المكرمون المقربون في جنات الخلد بإذن الله عزوجل.
فلو شبهنا علاقة المسلم مع الله عزوجل في الإسلام بعلاقة الطفل الصغير مع أبويه على سبيل التقريب (ولله عزوجل المثل الأعلى) فالطفل الصغير ضعيف و فقير إلى أبويه أي هو بحاجتهما لأنه قاصر على أن يدبر أمور حياته بدونهما كضعف وفقر وحاجة الإنسان إلى خَالقِه عزوجل كي يُدبر الله المدبر للإنسان شؤون حياته في الدنيا، والطفل الصغير عندما يرغب في شيء فإنه يطلب ذلك الشيء من أبويه فإن لم يستجيبا له فإنه يكثر الطلب و السؤال لذلك الشيء، فإن لم يستجيبا فإنه يبدأ في الإلحاح و البكاء راجيا ومتذللا لأبويه حتى يستجيبا له كتذلل الإنسان في دعائه خَالقَه عزوجل لطلب وسؤال جلب الخير ودفع الشر عنه، والطفل عندما يشعر بأن المصائب و الشدائد تحيط به أو تقترب منه فإنه يلقي بنفسه في أحضان أبويه باحثا عن الأمن والأمان والطمأنينة كما يسأل ويرجو الإنسان الأمن والأمان من خَالقَه عزوجل، والطفل الصغير عندما يطيع أبويه ويحقق النجاح في حياته فإنه يشكر أبويه على رعايتهما له كما يشكر الإنسان خَالقَه على نعمه وتوفيقه سبحانه و تعالى له في الدنيا. فالصورة التشبيهية هذه تبدو واضحة وهي تمثل جل وجوهر عبادتنا نحن المسلمون العباد الفقراء الضعفاء لله الملك العظيم العزيز الغني، قال تعالى ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يُطعمون ) فهذه الآية الكريمة تشير إلى أن الله الملك العظيم الخالق البارئ خلق الجن والإنس ليعبدوا الله عزوجل وحده لا شريك له ويتذللون إلى أمره، ثم أنه سبحانه و تعالى لا يريد من خلقه من رزق وما يريد أن يُطعموه و حاشى لله الملك العظيم الغني الرزاق أن يحتاج أحد من خلقه، لقوله تعالى ( وهو يُطعِم ولا يُطعَم ) فسبحانه وتعالى جميع خلقه فقراء إليه في جميع حوائجهم ومطالبهم بشتى أنواعها. ويلجأون كذلك إليه عزوجل في السراء والضراء، قال تعالى ( ويدعوننا رغبا و رهبا وكانوا لنا خاشعين ) فهذه الآية الكريمة تشير إلى أن المؤمنين يرغبون في الخير والرحمة من عند الله الملك العظيم الكريم ويخافون الشر والسوء أن يقع عليهم بمشيئة وإذن الله عزوجل، فسبحانه و تعالى يأمر بالخير والمعروف وينهى عن الفحشاء و المنكر فلا يرضى سبحانه و تعالى ولا يأمر بأن يقع الظلم و الشرك على أي أحد من خلقه جميعا فلذلك تأدبا لا ُينسب الشر إلى الله عزوجل بينما الخير يُنسب إلى الله عزوجل لأنه سبحانه و تعالى يأمر بالخير و المعروف وإنما الخير و الشر خلقهما الله عزوجل وُيقَدِرهما على عباده إبتلاءً وإمتحاناً وتمحيصاً ليميز الخبيث من الطيب.
فالنهج الصحيح في عبادة الله عزوجل في الإسلام هو الجمع بين الطمع في رحمة الله عزوجل والخوف من عقاب الله عزوجل فلو شبهنا إبتلاء الإنسان في الدار الدنيا للفوز بالدار الآخرة بإمتحان طالب الدراسة كي يفوز بالشهادة الدراسية على سبيل التقريب ( ولله عزوجل المثل الأعلى )، فعندما يكون عند طالب الدراسة إمتحان في مبحث هو في غاية الصعوبة فعندئذ يحاول الطالب أن يستعد لهذا الإمتحان عن طريق الدراسة الجادة والمكثفة حتى يتمكن من إجتياز هذا الإمتحان والنجاح فيه فكلما بذل مجهودا أكبر في الدراسة فإنه يزداد إطمئنانا بأنه سوف يكون قادر على النجاح في هذا الإمتحان الصعب ولكنه مهما بذل من مجهودا عظيما في الدراسة فإنه يبقى خائفا من إمكانية رسوبه في الإمتحان وذلك لرهبة الإمتحان وبالتالي سوف يبقى هذا الطالب يجمع بين مشاعر الخوف أو الرهبة من إمكانية رسوبه في الإمتحان ومشاعر الإطمئنان والثقة بالنفس من إمكانية نجاحه في الإمتحان و سوف يبقى كذلك حتى يقدم الإمتحان وينجح به إن شاء الله تعالى وهكذا إبتلاء الإنسان في عبادة الله عزوجل فأمانة توحيد الله الخالق العظيم وعبادته هي إمتحان وتكليف عظيم، قال تعالى ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا )، وعلى المسلم والمؤمن بذل أقصى طاقته وجهده في تطهير وجهاد نفسه في تحمل أمانة توحيد الله عزوجل وعبادته والإستسلام لإرادته والإنقياد لأوامره ونواهيه عزوجل كي ينجح في إبتلاء وتكليف الدنيا الصعب فيفوز بالجنة وينجو من النار. فهنا تبدو الصورة واضحة جدا في هذا المثال التقريبي فالعقل السليم والفطرة السليمة في الإسلام تحثان المؤمن على الجمع بين الرهبة و الخوف من حساب الله عزوجل وعقابه في الآخرة و بين الطمع في رحمة الله عزوجل و ثوابه في الآخرة، فالسعيد من يطيع الله عزوجل ويخاف عقابه سبحانه وتعالى والشقي من يعصي الله عزوجل ويرجو ثوابه ورحمته سبحانه وتعالى. فالمسلم و المؤمن عندما يؤدي العبادات كالصلاة و الزكاة والصيام وغيرها ويعتقد ويشعر بأنه مهما أدى من عبادات فإنه سوف يبقى مقصراً وعاجزاً عن إستحقاق نيل رضى الله عزوجل ورحمته فهذا سوف يُولد عنده شعور بخشية عقاب الله عزوجل وبالتالي تكون هذه الخشية شعور إيجابي يدفع المسلم والمؤمن ويشحذ همته للإجتهاد في أداء العبادات حتى يتوفاه الله سبحانه وتعالى ويرحمه و يدخله جنات الخلد بمشيئته عزوجل، قال تعالى ( والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة )، وفي المقابل عندما تحل المصاعب والشدائد والمصائب على المسلم و المؤمن يتجلى شعور في داخله بالضعف والفقر والحاجة إلى رحمة الله عزوجل، قال تعالى (وإذا مسه الشر جزوعا )، وبالتالي يكون الشعور بهذا الضعف هو شعور إيجابي يدفع ويجعل المسلم أو المؤمن يجتهد في تسبيح وتقديس وتعظيم الله الملك العظيم والتذلل له والإجتهاد في عبادته و طاعته طمعا في رحمته عزوجل، قال تعالى ( سبحانك ربي إني كنت من الظالمين ).
فماذا يخسر الإنسان عندما يتذلل ويخضع ويخشع ويستسلم ويطيع الله الملك الخالق البارئ العظيم؟!، ماذا يخسر عندما يركع و يسجد ويُقدس ويُسبح ويُعظم الله الملك القدوس المتعالى؟!. بالتأكيد أن ذلك لا ينتقص من قدر الإنسان وشأنه على الإطلاق، بل على العكس فإن الجبين الذي يُذل ويخضع لله عزوجل بصدق ويكره الذل والخضوع إلى ما دون الله عزوجل فإنه سبحانه و تعالى يُعز ذلك الجبين في الحياة الدنيا ويكرمه في الآخرة بالخلود في درجات الجنة العالية بمشيئة الله عزوجل بالإضافة إلى نعمة الطمأنينة والسكينة التي لا يشعر بلذتها إلا المؤمن، قال تعالى (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله) فهذه الآية الكريمة تشير إلى أن القلوب المؤمنة يزول قلقها و إضطرابها وتشعر بلذة الإيمان وفرحة الإطمئنان عند تسبيح و تقديس و تعظيم الله عزوجل فهذه القلوب المؤمنة تزداد طمأنينة و تزداد إيمانا عندما تتعرف على معاني القرآن وأحكامه أكثر وبالتالي تستدل على الحق المبين المُؤيد باليقين و العلم والأدلة و البراهين القاطعة. فالإسلام العظيم لا يوجد فيه أي تعارض في الأدلة أو تضاد في الأحكام كما هو يوجد في التوراة والإنجيل رغم أنها كتب سماوية منزلة من عند الله عزوجل ولكنها للأسف حُرِفَ وبُدِلَ جزء منها.
إذا الخلاصة هو أن الله الملك العظيم الغني ليس بحاجة للبشر بل وحتى للمخلوقات جميعها، لقوله تعالى ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يُطعمون ) فهذه الاية الكريمة تشير إلى أن الله الملك العظيم الخالق البارئ خلق الجن والإنس ليعبدوا الله عزوجل وحده لا شريك له ويتذللون إلى أمره، ثم أنه سبحانه و تعالى لا يريد من خلقه من رزق وما يريد أن يُطعموه و حاشى لله الملك العظيم الغني الرزاق أن يحتاج أحد من خلقه، قال تعالى (وهو يُطعِم ولا يُطعَم) فسبحانه وتعالى جميع خلقه فقراء إليه في جميع حوائجهم ومطالبهم بشتى أنواعها. فإذا ما إستكبر الإنسان الظالم لنفسه والجاهل بحق الله عزوجل عليه عن الخضوع والإستسلام والإنقياد لخَالِقه سبحانه وتعالى وظن أن ذلك سوف يُنقص ولو ذرة من عظمة شأنه و كبريائه عزوجل عندما يتخلى عن واجبه في عبادته وتعظيمه وتقديسه سبحانه وتعالى فهو واهم، لأنه عزوجل هو الله الملك العظيم المتكبر القدوس، فإذا ما تخلى بني آدم عن عبادته و تقديسه فإنه عزوجل قادر على أن يستبدل كافة البشر في أي وقت وفي أي زمان و يستبدلهم بمن هو خير منهم وبمن لا يستكبرون عن الخضوع والخشوع والتذلل له عزوجل، قال تعالى ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) لأنه عزوجل كما خلق أبوهم سيدنا آدم عليه السلام من عدم غير موجود فهو قادر سبحانه وتعالى على أن يخلق غيرهم كذلك من عدم غير موجود، أو سبحانه وتعالى قادرعلى أن يُهلك الكافرين الفاسدين ويُنجي المؤمنين الصالحين ويهديهم إلى طريق الهداية والصلاح كما فعل عزوجل عندما أهلك الكافرين المُكذبين من قوم سيدنا نوح عليه السلام وأنجاه ومن معه عليه السلام من أتباعه المؤمنين. أو إذا ما ظن الإنسان الظالم الجاهل بأن الله عزوجل بحاجة إلى عبادة البشر فهو واهم لأن الله الملك العظيم الخالق البارئ خلق الملائكة الطاهرون الأنقياء وهم العباد المقربون المكرمون عند الله عزوجل، قال تعالى ( وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته و لا يستحسرون* يسبحون الليل و النهار لا يفترون) فهذه الآية الكريمة تشير إلى أن الملائكة وهم عباد الله المقربون الذين لا يستكبرون عن عبادة الله عزوجل ولا يتعبون و لا يملون فهم دائمون في تسبيح وتقديس الله الملك العظيم في الليل و النهار دون إنقطاع. وكذلك قوله تعالى ( وقالوا إتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون* لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ) فهذه الآية الكريمة تشير إلى ما قاله كفار العرب من أن الملائكة بنات الله (و العياذ بالله من هكذا قول) فيقول سبحانه و تعالى وتقدس بل إن الملائكة عباد الله مكرمون عنده، في منازل عالية ومقامات سامية وهم له في غاية الطاعة قولا و فعلا فهم لا يتقدمون أو يسبقونه بين يديه بأمر و لا يُخالفونه فيما أمر به بل يُبادرون إلى فعل ما يُأمرون به.
فالإنسان إما أن يختار أن يكون من عباد الله الصالحين فيحي حياة طيبة في الدار الدنيا بفضل نور الإيمان بالله عزوجل وبثمرة الأعمال الصالحة ، قال تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وفي الآخرة يُبشر بالنعيم العظيم والأجر الكبير والمنازل العالية الرفيعة في جنات الخلود، قال تعالى (فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ). أو أن يختار أن يكون عبداً لغيره من البشر فيقوم السيد بإستهلاكه وكلما إزداد قوةً و عطاءاً إزداد إستهلاك السيد له وإعتماده عليه وهذا منطقي لأن السيد رغم أنه سيد و لكنه في النهاية هو بحاجة إلى عبده تماما كما هو الإنسان بحاجة إلى الأنعام لكي ينتفع بها، قال تعالى (أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون* وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون* ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون) فهذه الآية الكريمة تشير إلى أن الله عزوجل يأمر العباد بالنظر إلى ما سخر لهم من الأنعام و ذللها لهم وجعلهم مالكين لها مطاوعة لهم في كل أمر يريدونها منها وأنه جعل لهم فيها منافع كثيرة من حملهم وحمل أثقالهم ومحاملهم وأمتعتهم من محل إلى محل ومن أكلهم منها وفيها دفء ومن أوبارها وأشعارها وأصوافها أثاثا ومتاعا إلى حين وفيها زينة و جمال وغير ذلك من المنافع المشاهدة منها، فيجب عليهم أن يشكروا الله سبحانه و تعالى الذي أنعم عليهم بهذه النعم ويخلصون له العبادة ولا يتمتعون بها تمتعا خاليا من العبرة و الفكرة. بينما الله الملك العظيم ليس بحاجة أحد من خلقه فسبحانه و تعالى يكرم الإنسان ويرفع من شأنه وهو الملك العظيم العزيز الغني ولكن الإنسان عندما يظلم نفسه ويستبدل عبادته لخَالِقه عزوجل بعبادته لبشر مثله فإنه بذلك يهبط من منزلة البشرية إلى منزلة الحيوانات التي هي مسخرة لخدمة الإنسان فإذا ما إستهلكه سيده وأصبح عديم الفائدة فإنه يُلقى على قارعة الطريق ويتم التخلُص منه، فما أوسع الفارق والإختلاف وما أوضحه بين هذين النقيضين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المؤلف: خالد صالح أبودياك
بينما في المقابل، الإسلام هو رسالة الله الملك الهادي الكريم إلى البشرية جمعاء، وهي رسالة بدايتها رسالة طمأنينة وسكينة للبشرية جمعاء بأن الله سبحانه وتعالى يحب الخير والرحمة وليس الشر و العذاب لبني آدم، قال تعالى (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما ) فهذه الآية الكريمة تشير إلى أن الله الملك العظيم الرؤوف الرحيم لم يخلق بني آدم لكي يُعذبهم بنار جهنم لأنهم إذا صدقوا وآمنوا بوجوده ووحدانيته وعظمته وشكروه على نعمة الإسلام العظيمة، قال تعالى ( إن الدين عند الله الإسلام )، فعندئذ لماذا يُعذبهم الله عزوجل؟ بل سبحانه و تعالى يُنعم على عباده بالرحمة و المغفرة ويدخلهم جنات الخلد هم فيها خالدون. فإذا كان الله الملك العظيم الودود الرحيم قد غفر لأبوهم سيدنا آدم عليه السلام بالرغم من أنه نسي فعصى الله الملك العظيم وهو في الجنة الطاهرة النقية حيث لا ذنوب ولا معاصي لقوله تعالى ( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما )، وكذلك قوله تعالى ( وعصى آدم ربه فغوى )، وكذلك قوله تعالى ( ثم اجتباه ربه فتاب عليه و هدى )، فكيف لا يغفر لكم أيها البشر وأنتم تحيون و تعيشون على الأرض التي يوجد فيها الذنوب والمعاصي فأنتم أيها البشر جميعا لستم بحاجة بأن يهبط الله الملك العظيم إليكم في الحياة الدنيا وأن يُصلب ( و العياذ بالله من هكذا قول ) من أجل أن يتحمل عنكم الذنوب والمعاصي في الحياة الدنيا ويطهركم منها فكل من يعتقد بهذا فإنه في ضلال مبين بل إن تبتم وصدقتم وآمنتم بالله الملك العظيم الواحد لقوله تعالى ( إن شكرتم وآمنتم ) فبالتأكيد سوف يغفر الله الملك العظيم لكم ويهديكم إلى صراطه المستقيم والقويم في الحياة الدنيا وهو دين الإسلام ثم يجتبيكم لتكونوا من عباده المكرمون المقربون في جنات الخلد بإذن الله عزوجل.
فلو شبهنا علاقة المسلم مع الله عزوجل في الإسلام بعلاقة الطفل الصغير مع أبويه على سبيل التقريب (ولله عزوجل المثل الأعلى) فالطفل الصغير ضعيف و فقير إلى أبويه أي هو بحاجتهما لأنه قاصر على أن يدبر أمور حياته بدونهما كضعف وفقر وحاجة الإنسان إلى خَالقِه عزوجل كي يُدبر الله المدبر للإنسان شؤون حياته في الدنيا، والطفل الصغير عندما يرغب في شيء فإنه يطلب ذلك الشيء من أبويه فإن لم يستجيبا له فإنه يكثر الطلب و السؤال لذلك الشيء، فإن لم يستجيبا فإنه يبدأ في الإلحاح و البكاء راجيا ومتذللا لأبويه حتى يستجيبا له كتذلل الإنسان في دعائه خَالقَه عزوجل لطلب وسؤال جلب الخير ودفع الشر عنه، والطفل عندما يشعر بأن المصائب و الشدائد تحيط به أو تقترب منه فإنه يلقي بنفسه في أحضان أبويه باحثا عن الأمن والأمان والطمأنينة كما يسأل ويرجو الإنسان الأمن والأمان من خَالقَه عزوجل، والطفل الصغير عندما يطيع أبويه ويحقق النجاح في حياته فإنه يشكر أبويه على رعايتهما له كما يشكر الإنسان خَالقَه على نعمه وتوفيقه سبحانه و تعالى له في الدنيا. فالصورة التشبيهية هذه تبدو واضحة وهي تمثل جل وجوهر عبادتنا نحن المسلمون العباد الفقراء الضعفاء لله الملك العظيم العزيز الغني، قال تعالى ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يُطعمون ) فهذه الآية الكريمة تشير إلى أن الله الملك العظيم الخالق البارئ خلق الجن والإنس ليعبدوا الله عزوجل وحده لا شريك له ويتذللون إلى أمره، ثم أنه سبحانه و تعالى لا يريد من خلقه من رزق وما يريد أن يُطعموه و حاشى لله الملك العظيم الغني الرزاق أن يحتاج أحد من خلقه، لقوله تعالى ( وهو يُطعِم ولا يُطعَم ) فسبحانه وتعالى جميع خلقه فقراء إليه في جميع حوائجهم ومطالبهم بشتى أنواعها. ويلجأون كذلك إليه عزوجل في السراء والضراء، قال تعالى ( ويدعوننا رغبا و رهبا وكانوا لنا خاشعين ) فهذه الآية الكريمة تشير إلى أن المؤمنين يرغبون في الخير والرحمة من عند الله الملك العظيم الكريم ويخافون الشر والسوء أن يقع عليهم بمشيئة وإذن الله عزوجل، فسبحانه و تعالى يأمر بالخير والمعروف وينهى عن الفحشاء و المنكر فلا يرضى سبحانه و تعالى ولا يأمر بأن يقع الظلم و الشرك على أي أحد من خلقه جميعا فلذلك تأدبا لا ُينسب الشر إلى الله عزوجل بينما الخير يُنسب إلى الله عزوجل لأنه سبحانه و تعالى يأمر بالخير و المعروف وإنما الخير و الشر خلقهما الله عزوجل وُيقَدِرهما على عباده إبتلاءً وإمتحاناً وتمحيصاً ليميز الخبيث من الطيب.
فالنهج الصحيح في عبادة الله عزوجل في الإسلام هو الجمع بين الطمع في رحمة الله عزوجل والخوف من عقاب الله عزوجل فلو شبهنا إبتلاء الإنسان في الدار الدنيا للفوز بالدار الآخرة بإمتحان طالب الدراسة كي يفوز بالشهادة الدراسية على سبيل التقريب ( ولله عزوجل المثل الأعلى )، فعندما يكون عند طالب الدراسة إمتحان في مبحث هو في غاية الصعوبة فعندئذ يحاول الطالب أن يستعد لهذا الإمتحان عن طريق الدراسة الجادة والمكثفة حتى يتمكن من إجتياز هذا الإمتحان والنجاح فيه فكلما بذل مجهودا أكبر في الدراسة فإنه يزداد إطمئنانا بأنه سوف يكون قادر على النجاح في هذا الإمتحان الصعب ولكنه مهما بذل من مجهودا عظيما في الدراسة فإنه يبقى خائفا من إمكانية رسوبه في الإمتحان وذلك لرهبة الإمتحان وبالتالي سوف يبقى هذا الطالب يجمع بين مشاعر الخوف أو الرهبة من إمكانية رسوبه في الإمتحان ومشاعر الإطمئنان والثقة بالنفس من إمكانية نجاحه في الإمتحان و سوف يبقى كذلك حتى يقدم الإمتحان وينجح به إن شاء الله تعالى وهكذا إبتلاء الإنسان في عبادة الله عزوجل فأمانة توحيد الله الخالق العظيم وعبادته هي إمتحان وتكليف عظيم، قال تعالى ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا )، وعلى المسلم والمؤمن بذل أقصى طاقته وجهده في تطهير وجهاد نفسه في تحمل أمانة توحيد الله عزوجل وعبادته والإستسلام لإرادته والإنقياد لأوامره ونواهيه عزوجل كي ينجح في إبتلاء وتكليف الدنيا الصعب فيفوز بالجنة وينجو من النار. فهنا تبدو الصورة واضحة جدا في هذا المثال التقريبي فالعقل السليم والفطرة السليمة في الإسلام تحثان المؤمن على الجمع بين الرهبة و الخوف من حساب الله عزوجل وعقابه في الآخرة و بين الطمع في رحمة الله عزوجل و ثوابه في الآخرة، فالسعيد من يطيع الله عزوجل ويخاف عقابه سبحانه وتعالى والشقي من يعصي الله عزوجل ويرجو ثوابه ورحمته سبحانه وتعالى. فالمسلم و المؤمن عندما يؤدي العبادات كالصلاة و الزكاة والصيام وغيرها ويعتقد ويشعر بأنه مهما أدى من عبادات فإنه سوف يبقى مقصراً وعاجزاً عن إستحقاق نيل رضى الله عزوجل ورحمته فهذا سوف يُولد عنده شعور بخشية عقاب الله عزوجل وبالتالي تكون هذه الخشية شعور إيجابي يدفع المسلم والمؤمن ويشحذ همته للإجتهاد في أداء العبادات حتى يتوفاه الله سبحانه وتعالى ويرحمه و يدخله جنات الخلد بمشيئته عزوجل، قال تعالى ( والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة )، وفي المقابل عندما تحل المصاعب والشدائد والمصائب على المسلم و المؤمن يتجلى شعور في داخله بالضعف والفقر والحاجة إلى رحمة الله عزوجل، قال تعالى (وإذا مسه الشر جزوعا )، وبالتالي يكون الشعور بهذا الضعف هو شعور إيجابي يدفع ويجعل المسلم أو المؤمن يجتهد في تسبيح وتقديس وتعظيم الله الملك العظيم والتذلل له والإجتهاد في عبادته و طاعته طمعا في رحمته عزوجل، قال تعالى ( سبحانك ربي إني كنت من الظالمين ).
فماذا يخسر الإنسان عندما يتذلل ويخضع ويخشع ويستسلم ويطيع الله الملك الخالق البارئ العظيم؟!، ماذا يخسر عندما يركع و يسجد ويُقدس ويُسبح ويُعظم الله الملك القدوس المتعالى؟!. بالتأكيد أن ذلك لا ينتقص من قدر الإنسان وشأنه على الإطلاق، بل على العكس فإن الجبين الذي يُذل ويخضع لله عزوجل بصدق ويكره الذل والخضوع إلى ما دون الله عزوجل فإنه سبحانه و تعالى يُعز ذلك الجبين في الحياة الدنيا ويكرمه في الآخرة بالخلود في درجات الجنة العالية بمشيئة الله عزوجل بالإضافة إلى نعمة الطمأنينة والسكينة التي لا يشعر بلذتها إلا المؤمن، قال تعالى (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله) فهذه الآية الكريمة تشير إلى أن القلوب المؤمنة يزول قلقها و إضطرابها وتشعر بلذة الإيمان وفرحة الإطمئنان عند تسبيح و تقديس و تعظيم الله عزوجل فهذه القلوب المؤمنة تزداد طمأنينة و تزداد إيمانا عندما تتعرف على معاني القرآن وأحكامه أكثر وبالتالي تستدل على الحق المبين المُؤيد باليقين و العلم والأدلة و البراهين القاطعة. فالإسلام العظيم لا يوجد فيه أي تعارض في الأدلة أو تضاد في الأحكام كما هو يوجد في التوراة والإنجيل رغم أنها كتب سماوية منزلة من عند الله عزوجل ولكنها للأسف حُرِفَ وبُدِلَ جزء منها.
إذا الخلاصة هو أن الله الملك العظيم الغني ليس بحاجة للبشر بل وحتى للمخلوقات جميعها، لقوله تعالى ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يُطعمون ) فهذه الاية الكريمة تشير إلى أن الله الملك العظيم الخالق البارئ خلق الجن والإنس ليعبدوا الله عزوجل وحده لا شريك له ويتذللون إلى أمره، ثم أنه سبحانه و تعالى لا يريد من خلقه من رزق وما يريد أن يُطعموه و حاشى لله الملك العظيم الغني الرزاق أن يحتاج أحد من خلقه، قال تعالى (وهو يُطعِم ولا يُطعَم) فسبحانه وتعالى جميع خلقه فقراء إليه في جميع حوائجهم ومطالبهم بشتى أنواعها. فإذا ما إستكبر الإنسان الظالم لنفسه والجاهل بحق الله عزوجل عليه عن الخضوع والإستسلام والإنقياد لخَالِقه سبحانه وتعالى وظن أن ذلك سوف يُنقص ولو ذرة من عظمة شأنه و كبريائه عزوجل عندما يتخلى عن واجبه في عبادته وتعظيمه وتقديسه سبحانه وتعالى فهو واهم، لأنه عزوجل هو الله الملك العظيم المتكبر القدوس، فإذا ما تخلى بني آدم عن عبادته و تقديسه فإنه عزوجل قادر على أن يستبدل كافة البشر في أي وقت وفي أي زمان و يستبدلهم بمن هو خير منهم وبمن لا يستكبرون عن الخضوع والخشوع والتذلل له عزوجل، قال تعالى ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) لأنه عزوجل كما خلق أبوهم سيدنا آدم عليه السلام من عدم غير موجود فهو قادر سبحانه وتعالى على أن يخلق غيرهم كذلك من عدم غير موجود، أو سبحانه وتعالى قادرعلى أن يُهلك الكافرين الفاسدين ويُنجي المؤمنين الصالحين ويهديهم إلى طريق الهداية والصلاح كما فعل عزوجل عندما أهلك الكافرين المُكذبين من قوم سيدنا نوح عليه السلام وأنجاه ومن معه عليه السلام من أتباعه المؤمنين. أو إذا ما ظن الإنسان الظالم الجاهل بأن الله عزوجل بحاجة إلى عبادة البشر فهو واهم لأن الله الملك العظيم الخالق البارئ خلق الملائكة الطاهرون الأنقياء وهم العباد المقربون المكرمون عند الله عزوجل، قال تعالى ( وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته و لا يستحسرون* يسبحون الليل و النهار لا يفترون) فهذه الآية الكريمة تشير إلى أن الملائكة وهم عباد الله المقربون الذين لا يستكبرون عن عبادة الله عزوجل ولا يتعبون و لا يملون فهم دائمون في تسبيح وتقديس الله الملك العظيم في الليل و النهار دون إنقطاع. وكذلك قوله تعالى ( وقالوا إتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون* لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ) فهذه الآية الكريمة تشير إلى ما قاله كفار العرب من أن الملائكة بنات الله (و العياذ بالله من هكذا قول) فيقول سبحانه و تعالى وتقدس بل إن الملائكة عباد الله مكرمون عنده، في منازل عالية ومقامات سامية وهم له في غاية الطاعة قولا و فعلا فهم لا يتقدمون أو يسبقونه بين يديه بأمر و لا يُخالفونه فيما أمر به بل يُبادرون إلى فعل ما يُأمرون به.
فالإنسان إما أن يختار أن يكون من عباد الله الصالحين فيحي حياة طيبة في الدار الدنيا بفضل نور الإيمان بالله عزوجل وبثمرة الأعمال الصالحة ، قال تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وفي الآخرة يُبشر بالنعيم العظيم والأجر الكبير والمنازل العالية الرفيعة في جنات الخلود، قال تعالى (فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ). أو أن يختار أن يكون عبداً لغيره من البشر فيقوم السيد بإستهلاكه وكلما إزداد قوةً و عطاءاً إزداد إستهلاك السيد له وإعتماده عليه وهذا منطقي لأن السيد رغم أنه سيد و لكنه في النهاية هو بحاجة إلى عبده تماما كما هو الإنسان بحاجة إلى الأنعام لكي ينتفع بها، قال تعالى (أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون* وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون* ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون) فهذه الآية الكريمة تشير إلى أن الله عزوجل يأمر العباد بالنظر إلى ما سخر لهم من الأنعام و ذللها لهم وجعلهم مالكين لها مطاوعة لهم في كل أمر يريدونها منها وأنه جعل لهم فيها منافع كثيرة من حملهم وحمل أثقالهم ومحاملهم وأمتعتهم من محل إلى محل ومن أكلهم منها وفيها دفء ومن أوبارها وأشعارها وأصوافها أثاثا ومتاعا إلى حين وفيها زينة و جمال وغير ذلك من المنافع المشاهدة منها، فيجب عليهم أن يشكروا الله سبحانه و تعالى الذي أنعم عليهم بهذه النعم ويخلصون له العبادة ولا يتمتعون بها تمتعا خاليا من العبرة و الفكرة. بينما الله الملك العظيم ليس بحاجة أحد من خلقه فسبحانه و تعالى يكرم الإنسان ويرفع من شأنه وهو الملك العظيم العزيز الغني ولكن الإنسان عندما يظلم نفسه ويستبدل عبادته لخَالِقه عزوجل بعبادته لبشر مثله فإنه بذلك يهبط من منزلة البشرية إلى منزلة الحيوانات التي هي مسخرة لخدمة الإنسان فإذا ما إستهلكه سيده وأصبح عديم الفائدة فإنه يُلقى على قارعة الطريق ويتم التخلُص منه، فما أوسع الفارق والإختلاف وما أوضحه بين هذين النقيضين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المؤلف: خالد صالح أبودياك
تعليق