إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الدرس السابع عشر(باب ماجاء فى الكهان)+(التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الدرس السابع عشر(باب ماجاء فى الكهان)+(التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل)

    رابط المحاضرة:
    http://www.youtube.com/watch?v=rMYHp_Qq6-o
    الشيخ:

    بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الرسل والنبيين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا، اللهم إنا نسألك العلم النافعَ، والعلم الصالح.
    هذه اللقاءات المتجددة في الأكاديمية الإسلامية المفتوحة في مقرر العقيدة (1) نرحب بكم، فأهلا وسهلا بالإخوة والأخوات المتابعين لهذه الحلقات، وأيضًا بالإخوة الحضور معنا، فحياكم الله.
    توقفْنا في اللقاء الماضي في الكلام على أبواب السحر، ثم انتهينا إلى باب ما جاء في الكُهَّان، وهذه الأبواب التي تكلمنا فيها في اللقاء الماضي قد تكون من أسباب انتشار الشركِ، أو بسبب من أسباب نشر الشرك ولذلك جاء في الإسلام النهيُ عن هذه القضايا.
    لا شكَّ أن هناك أبوابًا أخرى، لكنَّ الوقتَ لا يُسعفنا للإكمال، وإنما نذكر من كل مجموعة من هذه الأبواب الخلاصةَ، والقارئ إن شاء الله يتوسع -إذا أراد التوسع- فشرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين موجود على البوابة، بإمكانه التوسع بمشيئة الله تعالى.
    توقفنا في اللقاء الماضي، ماذا مضى معنا ما يتعلق بأبواب السحر، والساحر فيه صلة كبيرة بين الساحر والكاهن، ولذلك ألحقه المؤلفُ -رحمه الله- بباب ما جاء في الكهان ونحوهم، باب الكهان ونحوهم، فهناك تشابه بين السحرة والكهان، وكثيرا من السحرة عادة أنه يكون كاهنا، وكلامهما مرتبط بالشيطان، السحر والكهانة كلاهما مرتبطة بالشيطانِ، وهذا -كما ذكرنا- فيما مَضى يجعلُ الإنسان يتأمل هذه القصة التي ذكرها الله -عز وجل- في عداء الشيطان لبني آدم، وتحذيرنا من إبليس وعداوته، فلذلك تظهر إذا تأملَ الإنسان أبواب السحر وأبواب الكهانة، فإن الشيطان يقدم خدمات لكن المقابلَ لها هو الكفرُ بالله، والشرك بالله -سبحانه وتعالى-.
    نقرأ النصوص الواردة في هذا الباب.
    تقرأ لنا اليوم يا حمد.
    {بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعدُ..
    قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب ما جاء في الكهان ونحوهم
    روى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أتى عرافا، فسأله عن شيء، فصدقه بما يقول؛ لم تُقبل منه صلاة أربعين يوما» ..}.
    الرجل يميل إلى المرأةِ والمرأة تميل إلى الرجل، كل ذكر يميل إلى الأنثى، والأنثى تميل إلى الذكر، فهذه فطرة الله -عز وجل- ولذلك كل ما يذكرون بهذه الأبواب هو من قضايا الكذب والدجل، ولذلك يعطون عباراتٍ عامةً تصلح لمثل هذا وغيره؛ حتى يصدقهم الناس.
    وكانت الكهانة دائما تأتي مع الجهلِ، وُجد الجهل وُجدت الكهانة، جاءَ العلمُ ذهبت الكهانةُ، يعني هذه قضية مرتبطة ببعضها، ولما كانت العرب في جاهليتها قبل بعثة الرسول -صلى الله عليه وسلم- كانت الكهانة منتشرةً عندهم، ففي كل حيٍّ هناك كاهن، يتحاكمون إليه، يرجعون إليه، ولما بعث الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذهب ذلك كلُّه، ولما وُجد الجهل في الأمة بعد ذلك، وجد الكهنة، إما أن يدعي أحيانًا الطب الشعبي، المهم أنه يدعي بكل دعوة، المهم ألا يُظهر دعواه أمام الناس في ذلك، الأمم الوثنية موجود فيها الكهانة بشكل واضح وبيِّن في هذه الأمور.
    الدليل الأول في هذا الباب هو حديث الإمام مسلم حديث حفصة قال: روى مسلم في صحيحه، الإمام مسلم صاحب الصحيح، روى عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، في رواية حفصة -رضي الله عنها-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أتى عرافا» العراف هو الكاهن، والكاهن هو العراف، وهو الرَّمَّال، كل هؤلاء، لكن إذا اجتمعتْ يمكن أن يُفَرَّقَ بينها، أما إذا وجد لفظُ العراف؛ فهو يشمل كل دعوى للغيب، «فسأله عن شيء، فصدقه بما يقول؛ لم تُقبل له صلاة أربعين يوما».
    الذي في صحيح الإمام مسلم : «من أتى عرافا فسأله عن شيء؛ لم تقبل له صلاة أربعين يومًا» مجرد السؤال، لكن رواية «فصدقه» في مسند الإمام أحمد بسند صحيح، وسندها صحيح.
    فإذن هذا الحديث هنا «من أتى عرافا فسأله» هذا حُكم السائلِ فقط، هذا حكم السائل، لماذا؟ لماذا هذا الحكم الشديد؟ «لم تقبل له صلاة»، يُصلِّي، لا نقول له: اترك الصلاة، لا، يُصلي، لكنها لا تقبل بسببِ هذا الذنب العظيم، لماذا؟ لأنَّ الله يقول: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ِ﴾ [الأنعام: 73]، وهذا صدَّق أنَّ فلانا يعلم الغيب، أن هناك مَن يعلم الغيب غير الله -سبحانه وتعالى-، فهذا مجرد المجيء، مجرد المجيء، ولذلك هذه جريمة كبيرة، هذا حُكم الذي سَأَلَ، لكن ما حُكم المسؤول، العراف ذاته؟ لا شك أنَّ جُرمه أشنع، وذنبه أعظم، نعوذ بالله من الخذلان.
    ولذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- سأله معاوية بن الحكم، قال: عندنا كهنة نذهب إليهم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «لا تأته»، نهاه أن يأتي إليهم، وهذا أيضًا في صحيح مسلم، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن مجرد الإتيان، يعني أن الإنسان يذهب إليه، سياحة، يُوسع صدره، كل هذا لا يجوز.
    نعم.. تفضل.
    {هناك بعضُ الناس يَذهبون، وعندما يُقال لهم: لا تَذهبوا، يقولون: نريد أن نختبر الكاهن، هكذا يقولون. مع أنه لا يعتقد بأنه يعلم الغيب، يُريد اختباره.}
    الشيخ:
    إذا كان سيمنع الناس من شروره ويفضحه ويردُّ عليه، أو أنه مثل ما في بلادنا المملكة ولله الحمد هناك من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ومحاكم شرعية يُحال إليها، فهذا طيب. أما مجرد الضحك والذهاب إليه؛ فهذا مما يَزيد الحركة الرائجة إليه، فالأصلُ عدم الذهاب إليه إلا لغرضٍ شرعيٍّ، إذا وُجد غرضٌ شرعيٌّ؛ فيمكن الذهاب هناك، أما إذا لم يوجد؛ فلا يجوز بأي حال من الأحوال.
    ولذلك هنا، انظر: «لم تُقبل له صلاة»، والصلة بين الرجل والكفر ترْك الصلاة، يعني الصلاة هي عمادُ الدين، ومع ذلك لا تُقبل له هذه العبادة العظيمة بسببِ ماذا؟ بسبب أنه أتى، أو كذب القرآن الكريم، ولذلك رفعه، مجرد السؤال فيه رِفعة لشأنه، وإظهار لهم أمام الناس، وإبراز لهم، فلذلك لا يُسألون، ولا يذهب إليهم بأي حال من الأحوال.
    الحديث الثاني في هذا الباب: حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد» -صلى الله عليه وسلم-.
    إذن: الحديث الأول لم يكن فيه التصديق كما في رواية مسلم، مجرد السؤال، مجرد السؤال فقط، مجرد أنه سأله، لكن لم يصدقه، هذا الحديث الآن صدَّقَه، هذا الحديث صَدَّقَه، وهذا الحديث إسناده صحيح، رواه أبو داود وإسناده صحيح، له زيادة لم يذكرها المؤلف، لا تصح، لكنَّ هذا اللفظ الذي ذكره المؤلف صحيح. قال: «من أتى كاهنًا فصدَّقه بما يقول؛ فقد كفر بما أُنزل على محمد» -صلى الله عليه وسلم-
    ما الذي أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-؟
    أنزل عليه: ﴿ قُل لّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [النمل: 65]، وقوله: ﴿وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ﴾ [الأعراف: 188]، ﴿عَالِمُ الغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدا﴾ [الجن: 26].
    هذا الذي أنزل على محمد، فالذي أتى إلى الكاهن كأنه يقول: لا، هناك من يعلم الغيب، هناك مَن يعلم الغيب غير الله -سبحانه وتعالى-، ولذلك هنا الخطورة الكبيرة جدًّا في هذا الأمرِ. ولذلك يكون كافرًا بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه لا يُمكن أن يجتمعَ تصديقُ الرسولِ -صلى الله عليه وسلم- وتصديق الكاهن، لا يُمكن أنْ يَجتمعَ هذا وذاك، إما أن يصدق الرسل -صلى الله عليه وسلم- وما أُنزل إليه، أو يصدق الكاهن، فأيهما يصدق هذا الإنسان؟! هو ذَهَبَ إلى الكاهن وَصَدَّقَه، ذهب إلى الكاهن وصدقه.
    ومنها من يسألون عبر القنوات الفضائية وغيرها، ولله الحمد أنها مُنعت، ولذلك هما ضدان لا يجتمعان، وظاهر هذا اللفظ أنه يُخرجُ من الملة، أنه يُخرج من الملة، وهذا ما رَجَّحه بعض العلماء وهو الراجح في هذه المسألة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-.
    الدليل الثالث في هذا الباب: قال: وللأربعة؛ يعني أصحاب السنن: أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه، رووا هذا الحديث، والحاكم، واللفظ هنا للحاكم، وقال: "صحيح على شرطهما"، الذي قال هو الحاكم، قال: هذا الحديث صحيح على شرطه، عن أبي هريرة: «من أتى عرافًا أو كاهنًا»، فهنا الآن جمع بينهما، و"الكاهن" أو "العراف" إذا اجتمعا يُفرق بينهما، وإذا اختلفا، يعني صار اللفظ فيه "كاهن" أو "عراف" فقط؛ فأحدهما يكون مكانَ الآخر، «فصدَّقه بما يقول؛ فقد كفَر بما أُنزل على محمدٍ» -صلى الله عليه وسلم- ولذلك جَمَعَ بينهما، فالكاهنُ هو الذي يُخبر عن الْمُغَيَّبَات بسببِ ما تُلقيه عليه الشَّياطين..أما العرَّافُ؛ فهو الذي يُخبر عن الْمُغَيَّبَات بسبب الحدْس، والتخمين، والخط في الأرض، وما أشبه ذلك، يعني كلاهما جمعهما شيءٌ واحدٌ، وهو: دَعوى معرفة الغيبِ الذي اختُّص الله به.
    ومِن الشِّرك الذي وقع فيه بعضُ الغُلاة، دَعواهم أنَّ شيوخهم يَعلمون الغيب، وأنهم يعلمون ما في اللوح المحفوظ، حتى إن أحدهم قال: إن شيخه يعلم ما في اللوح المحفوظ، وأنه يرى ما في اللوح المحفوظ وغير ذلك، فقال: نحن نريد شيئًا أقل من هذه القضية، يعني ما نريد اللوح المحفوظ، نحن نريد أن يرى هذه الأرض فيها ماء، أم فيها ذهب، المهم.. خيرات الأرض هذه يُخبرنا ما في الأرض، شيء قريب عندنا في ذلك، فهذه من الدعاوى العريضة الباطلة، نعوذ بالله من الخذلان.
    قال: ولأبي يعلى بسند جيد عن ابن مسعود مثله موقوفًا، يعني «من أتى عرافًا» مثل هذا الحديث عن ابن مسعود موقوفًا، يعني من كلام ابن مسعود -رضي الله عنه-، من كلام ابن مسعود -رضي الله عنه، وجاءت هذه الأحاديث في الكاهن عن حفصة وعن أبي هريرة وعن ابن مسعود -رضي الله عنهم أجمعين- من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
    أيضًا في هذه الأحاديث وجود تكذيب الكهان، وأنهم يكذبون، ولذلك غالب عباراتهم يحاولون العبارات العامة التي تصلح لأي حدث، أو أي قضية، أو أي موضوع، فهم يحاولون أي موضوع يَصلح لهذه القضية، ولذلك تحريم الإتيانِ إليهم وتصديقهم وما يتعلق بذلك.
    أيضًا وُجوب معاقبة الكهانِ، يجب أن يُعاقبوا، ويجب على وُلاة الأمور أن يَمنعوا هؤلاء من الكذب ومن الدجل ومن أخذ أموال الناس بالباطل.
    بعض الناس يأتي إلينا الآن ويقول: أنه ذهب إلى هذا الكاهن وانتفع به،ما حُكم هذا القول؟
    هذا يكون فتنة أحيانًا لبعض الناسِ، تكون فتنة له، واختبارا من الله-سبحانه وتعالى-، انتفعت بهم، هذا إذا كان صادقًا فقد يكون بابَ الفتنةِ، ومن باب الاستدراجِ لهذا العبد، هل هو صادق في إيمانه أم لا؟ ولذلك يجبُ على المسلمِ أن يكون عنده يقين بالقرآن الكريمِ، وبما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
    الحديث الرابع في هذا الباب، أو قد يكون الخامس إذا جعلنا حديث ابن مسعود هو الرابع، عن عمران بن حصين مرفوعًا؛ يعني مرفوعًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- «ليس منا من تَطَيَّرَ أو تُطُيِّرَ له».
    الطيرة: من الطير، يعني محاولة معرفة..، وكل هذه القضايا يجمعها محاولة معرفة الغيب، ولذلك التطيُّر هو أنه يرى الطير إذا ذهب يمينًا فمعنا: أن المستقبل جيد، أو أن الأمر جيد، إذا كان رآه يسارًا فإنَّ الأمر غير ذلك، فإذن هنا قال: «ليس منا» النبي -صلى الله عليه وسلم- تبرأ، وهذا دليل على أنها من كبائر الذنوب.
    «من تَطير أو تطير له، أو تَكَهَّنَ أو تُكُهِّنَ له» ليس من المسلمينَ، رواه عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- «ليس منا» تكهن أو أنه ذهب إلى كاهن، «أو سَحَرَ أو سُحِرَ له»، وقال: «ومن أتى كاهنًا فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد» -صلى الله عليه وسلم- رواه البزار بإسناد جيد، وإسناده حسن، كما قال المؤلف.
    فهذا الحديث أيضًا دلَّ على هذا الباب، عدم الذهاب إلى الكهان والعرافين، أن الذهاب إليهم وتصديقهم أنه كُفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-، أما مجرد الذهاب فقط والسؤال دون تصديق، مجرد السؤال فهذا لا تُقبل له صلاة أربعين يومًا، فهذه القضية المهمة التي على المسلم أنْ يَحرص عليها في ذلك، يحرص عليهم في هذا الأمر، وأن يكون على حذرٍ من هذه الطوائف الخطيرة وهي منتشرةٌ للأسف الشديد في بعض بلاد المسلمين.
    قال المؤلف: ورواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن، أيضًا من حديث ابن عباس، أيضًا عن صحابي آخر -رضي الله عنه- وهو حديث ابن عباس.
    هنا يأتي التعريف، قال البغوي: البغوي -رحمه الله- إمام السنة، البغوي الإمام المعروف.. هو من المشرق الإسلامي، ومن العلماء الكبار، له مؤلفات في السنة، وله تأليف في التفسير وغيره، -رحمه الله تعالى رحمة واسعة-، له "شرح السنة" من عدة مجلدات، من الكتب النافعة التي يَحرص الإنسان عليها.
    قال البغوي: العرَّاف الذي يَدعي معرفة الأمور، يدعي معرفة الأمور، يدعي معرفة الأمور بِمقدمات يُستدل بها على المسروقِ ومكان الضالَّة ونحو ذلك.
    وهذا بعضُ الناس إذا فقد شيئًا ذَهَبَ إلى مثل هؤلاء، وقال: أين هي؟ ثم يبدأ يدخله، وهذا حصل، يحصل عند بعض المرضى، وبعض مَن يفقدون أشياءهم، تأتي الشياطين، والشيطان لما يئس، رأى الصحابة وإقبال العرب على دين الإسلام؛ يئس منهم، لكن رَضِيَ بالتحريش بينهم. فيأتي إلى صاحب الضالة ويقول: سرقها منك فلان -من أصحابه- فتبدأ المشكلاتُ بينهم والعداوات، والإحن، ويأتي إلى المريض، ويقول: أصابك بالعين قريبك، أو سَحَرَكَ قريبُك، وهذا من أساليبهم في إشعال الفتنة بين الناس.
    أحيانًا يستخدم الشياطين في هذا البحث، والشياطين كما أخبرنا عندهم سرعة، وأحيانًا عندهم يعني يَصلون إلى الأشياء بطريق الشمِّ، مثل الكلاب الآن تراها تصلُ إلى المخدراتِ وأشياء معينة عن طريق الشمِّ، فهو بمقدمات معينة.
    وقيل: هو الكاهن، يعني العراف هو الكاهن، وهو إذا جاء في حديثِ مثل لفظ قال: «من أتى كاهنًا»، فالمراد به الكاهن، والعراف، والرمال، وقارئ الفنجال، وضارب الودع، وكل هؤلاء يدخلون في هذا الباب.
    والكاهن هو الذي يخبر عن الْمُغَيَّبات في المستقبل، وقيل هو الذي يخبر عما في الضمير. كيف يخبر عما في الضمير؟ هل يمكن لأحد أن يخبر عنه؟
    {لا يمكن لأحد أن يخبر بما في الضمير إلا الله.}
    الشيخ:
    لكن ألا يوجد مع الإنسان قرين؟
    {الشيطان}.
    الشيخ: طيب. . معك قرين، ممكن عن طريق هذا القرين يُخبرك ويقول: أنت أتيت من هذا المكان، يقول: عبد الله بن مسعود جاء من بلاد كذا، ومن بلده كذا وغرضه لكذا، أو أحيانًا أنت تفكر في بعض الأمور في خلواتك أو يُوسوس لك بها الشيطانُ فهو يُخبر عن هذه الأشياء، الإخبار عما في الضمير ليس إخبارا مطلقا، ليس إخبارًا مطلقًا، ولذلك إذا كان الإنسانُ يفعلُ بعض الأشياء ويمكن.. معه قرين، هذا القرينُ يَطلع على كل ما تفعله، كل ما تفعله أنت يطلع عليه القرينُ؛ لأن الشيطان يعرف هواجس الإنسان، وأشياء، أحيانًا تَعُد مالا، أو تعد أيَّ شيء في يدك فهو معك قرين ينظر فيك وأنت تعدّ وأنت تطالع في ذلك.
    وقال أبو العباس ابن تيمية شيخ الإسلام -رحمه الله-: العراف: اسم للكاهن والمنجم والرمال، ونحوهم ممن يتكلم في معرفة هذه الأمور بهذه الطرقِ.
    فذكر أنهم جميعًا، الكاهن هو الذي يتصل بالشياطينِ، وكثير منهم، ومنه قال: والمنجم، المنجم: هو الذي يستدل بحركة النجوم، افتراقها واجتماعها، هذا تراه كذبهم كثير من الأشياء، كما في قصة عمورية وفي قصة علي، وقصص كثيرة جدًّا، ليس صحيحًا ما ذكروه في هذا الأمر.
    فإذن كلمة العراف يعني عامة، اسم للكاهن والرمال، وغيره، الرَّمَّال: هو الذي يخط على الرمل، ويقول: سيحدث كذا وسيحدث كذا، كيف عرفت هذا؟ ولهذا كل هذا مما يتعلقون بالكهان.
    قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: في قوم يكتبون أباجاد، أباجاد هي الجمل المعروفة، التي هي: أبجد هوز حطي كلمن .. إلى آخره.
    قال ابن عباس -رحمه الله- هذه الكلمات حروف مقطعة يكتبونها لتمييز..، يعني المشعوذ إذا كتب هذه الحروف، يعني يدعي دعاوى معينة، يقول: يحدث كذا، يحدث كذا، وهذه كلها طلاسم، وأحيانًا دعاوى باطلة، وأحيانًا دعاوى باطلة، وأحيانًا يُمكن أن تُضاف، تُدعى لهم، مثل بعض شيوخ الضلال من فلاسفة الصوفيةِ أو غيرهم، وادعى لهم بعض هذه الدعاوى؛ هل هذه تصحُّ أم لا تصح في كتبهم؟ أدخلت بعد ذلك مثل هذه الدعاوى يزعمون أنها من باب الكرامة، وليست كذلك، بل هي من باب الضلالات، ومن باب التكهُّن والاتصال بالشياطين.
    قال ابن عباس في قوم يكتبون أباجاد، وينظرون في النجوم، ينظرون في النجوم؛ فهم يدخل في المنجم، يعني الذي يستدل بحركة النجوم، الذي يَستدل بحركة النجوم، قال: "ما أرى من فعل ذلك له عند الله مِن خَلاق"، يعني ما له نصيب، وهذا الإسناد من ابن عباس صحيح، هذا الإسناد إلى ابن عباس، أي ليس له نصيب في الآخرة، والذي ليس له نصيب في الآخرة هو الكافر، ومقصوده هنا بالمنجِّم، لكن هنا قضية يجب أن نبينها، تختلف عن هذه القضية.
    نكتب المسألة ثم نقول القضية الأولى، الفقرة الأولى "أ" "ب" "ج" "د"، هذه ما لها علاقة بهذا الموضوع.
    أيضًا، بعض العلماء يعبرون عن التواريخ بحروف، يعبرون عن التواريخ بحروف، وهذا أيضًا معروف عند أهل العلم، فهذا أيضًا لا علاقة له بهذا الباب، بعضهم يكتب، يختم القصيدة بكلمتين أو كذا، وهذه الكلمات تدل على تاريخ معين في هذا الباب، ليست من قضية أباجاد، وإنما أراد ابن عباس هنا قضية أباجاد، التي أراد ابن عباس هي أن هذه الحروف يُستدل بها، يعني على ما يحدثُ في المستقبل كذا، وأنه يحدث كذا، وهذا كله من علم الغيب في ذلك.
    إذن: كل ما تعلق بهذه المسألة من الكهانة هو. . هذه الأحاديث تدل على وجوب الحذر منها، وأن يكون المسلم على بينة من أمره، وأنَّ علم الغيب اختُصَّ الله به تعالى، وأن ما تُخبر به أو الغيب الذي جاءت به الرسل -عليهم الصلاة والسلام-، لا يقدره أحد ومن معجزاتهم، وليس في قُدرة الجن والإنس أن يأتوا بمثله، بل هو من الله -سبحانه وتعالى- كما أخبر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أن أمته سيبلغُ مُلكها مشارق الأرض ومغاربها، وأن هذه الأمة تَفترق، وأنها تفترق على ثلاث وسبعين فرقة، وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن هذه الطائفة، طائفة أهل السنة باقية، فهذه من الأخبار العظيمة الباقية الكبيرة التي لا أحد يستطيع أن يأتي بها في ذلك.
    الأخبار التي يَدَّعيها الكهانُ إنما هي أخبار متعلقة بقضايا عُموميات، يعني ويُعطون عبارات عامة لأجل أنْ تَصْدُقَ في هذه القضايا.
    لا شَكَّ أن هذه الأبوابَ، ما يتعلق بالسحر والكهانة، وغيرها، جعل الإمامُ بعدها باب النُّشْرَةَ بعدها، باب النُّشْرَة هو باب عِلاج السحر وحلِّ السحر، كيف يكون في ذلك، لكن وقتنا لا يسمح بذلك، ويجب أن نبين هنا أنه كما قال بعض الأئمة -رحمهم الله تعالى-: لا يحل، يعني أنه السحر يعالج بالأدوية الشرعية، بالقراءة، بالمحافظة على الأذكار، بمحافظة الإنسان على أذْكار الصباح والمساء والدخول وغيرها، دخول المنزل وغيرها، فيُحافظ على الأذكار بشكل كاملٍ، أيضًا القراءة على المسحور، أن يُقرأ عليه القرآن، العلاجات التي ذكرها بعض أهل العلم، بعض الأدوية النافعة بإذن الله تعالى.
    أما مسألةُ حلِّ السحْر بالسحْر، فلا يجوزُ بأيِّ حال من الأحوال؛ لأنه لا يمكن حلُّ السحْر بالسحْر إلا كما بينا لكم إلا أنه يأتي ويتقرب إلى الشياطين، لا يمكن أنه تحل الشياطين هذا السحر إلا بتقرب أعظم من التقرب الأول، ثم يزيدونه رَهَقًا، كل مرة لا بدَّ أن يتقربَ وإلا زادوه ضلالة، فلا يجوز حل السحْر بالسحْر في ذلك، فيكون هذا بيانًا لهذه الأبوابِ.
    اليوم نَنتقل إلى قضية جِدية، الأصل أننا بدأنا بها الدرس اليوم، لكن لأنَّ باب الكهانة، يعني باب ما جاء في الكُهان قضية مهمة أردنا أننا نقفُ معها.
    ننتقلُ الآن إلى الباب الآخر، وهي الأبواب المتعلقة بما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حماية حِمَى التوحيدِ، فالنبيُّ -صلى الله عليه وسلم- جاءتْ منه الأحاديثُ الصحيحةُ الثابتةُ عنه -صلى الله عليه وسلم- في حماية التوحيد وبيانه، وتحذير الأمة من الشرك.
    فبينها نبينا -صلى الله عليه وسلم- سواء كان تحذيرا أو قولا أو فعلا منه -صلى الله عليه وسلم- أو تطبيقا من أصحابه -عليه الصلاة والسلام-. فننتقل اليومَ إلى هذه الأبواب.
    ولذلك أول هذه الأبواب التي تكونُ معنا في هذا اللقاء -إن شاء الله تعالى- وأيضًا اللقاء القادم: باب ما جاء من التغليظ فيمن عَبَدَ اللهَ عند قبرِ رجلٍ صالح، فكيف إذا عَبَدَه؟!
    وهذه باب عظيم علينا أن نتدارس هذا الباب في هذا اليوم إن شاء الله تعالى.
    وهو كما ترون أمامكم، لعلك تقرأ لنا يا حمد..
    { قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح، فكيف إذا عبده؟!
    في الصحيح عن عائشة -رضي الله عنها- أنَّ أمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتْ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- كنيسةً رأتْها بأرض الحبشةِ، وما فيها من الصور، فقال: «أولئك إذا ماتَ فيهمُ الرجلُ الصالحُ أو العبد الصالح؛ بنوا على قبره مسجدا، وَصَوَّرُوا فيه تلك الصور، أولئك شِرَارُ الخلْق عند الله»، فهؤلاء جمعوا بين فِتنتين: فتنة القبور، وفتنة التماثيل.
    ولهما عنها قالتْ: لما نُزل برسول الله -صلى الله عليه وسلم- طفق يطرح خميصةً له على وجهه، فإذا اغتمَّ بها كَشَفَهَا، فقالَ وهو كذلك: «لعنةُ الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبورَ أنبيائهم مساجدَ» يُحذر ما صنعوا، ولولا ذلك؛ أُبْرز قبره، غير أنه خُشيَ أنْ يْتخذَ مسجدًا، أخرجاه.
    ولمسلم عن جُندب بن عبد الله قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموت بخمس وهو يقول: «إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل؛ فإن الله قد اتخذني خليلا، كما تخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا؛ لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجدَ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجدَ؛ فإني أنهاكم عن ذلك»، فقد نهى عنه وهو في آخر حياته، ثم إنه لَعَنَ وهو في السياق مَنْ فعله، والصلاة عندها من ذلك وإن لم يُبْنَ مسجد، وهو معنى قولها: خُشي أن يتخذ مسجدًا، فإن الصحابةَ لم يكونوا ليبنوا حولَ قبره مسجدًا، وكل موضع يُصلى فيه يُسمى مسجدًا، كما قال -صلى الله عليه وسلم- «جُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا».
    ولأحمدَ بسندٍ جيدٍ عن ابن مسعود -رضي الله عنه- مرفوعًا «إنَّ من شِرار الناس مَن تُدركهم الساعةَ وهُم أحياء، والذين يَتخذون القبورَ مساجدَ»، ورواه أبو حاتم في صحيحه.}
    الشيخ: نعم، شَكَرَ الله لك.
    هذه الأحاديث كما يتضح أمامنا الآن أحاديث كلها جاءت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، جاء هذا العنوان: باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح. تشديد في هذا الباب، عند قبر رجلٍ صالح، هذا عبد الله عنده، طيب، كيف إذا عبده من دون الله؟! وهذا هو الذي يحدث عند قبور كثيرٍ من المشركين، بل يخطبون ويقولون: إذا كنتَ في حاجة فقل: يا فلان مَدَدًا، وهذا يخطبون به الآن، ويُصرحون به، فهذا من الشرك الأكبر، كيف عبده؟! إذا عبده من دون الله -عز وجل-.
    هذا التشديد في العبادة عنده، التشديد الآن جاء في ماذا؟ في مسألة العبادة، أما عبادة الصالحين فقد بَيَّنَها اللهُ تعالى في كتابه بيانا عظيما، كافيا شافيا، وبينتها الرسلُ -عليهم الصلاة والسلام- من أولهم نوح إلى نبيِّنا -صلى الله عليه وسلم- بينوها غاية البيان.
    فإذن هنا العبادة وإن كانت خالصةً لله، فهذا سبب من أسباب الشركِ، ولذلك حمى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- حِمى التوحيد، حتى لا يُخدش التوحيد، ولا يقرب الإنسان من هذه القضايا.
    ولذلك زيارةُ القبور في الإسلام فيه زيارة مشروعة؛ وهي زيارة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أنهم يزورون المقبرةَ فيدعون للأموات كما دعى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، يستغفرون لهم، يدعون لهم، أيضًا تكون لهم عِبرة وعِظة أن هذا هو مصيره، وهذا مكانُه الذي يجبُ أن يستعدَّ له.
    أما الزيارةُ الممنوعةُ؛ فمنها مُحرم ومنها شركية، زيارة شركية، الزيارة الشركية الذي يزور القبور فيدعوهم من دون الله، ويستغيث بهم ويُناديهم، ويَذبح لهم ويَطوف بها، هذه زيارةٌ شركية، لا تجوز بأي حال من الأحوال.
    أما المحرمةُ، فهي التي يذهب إليهم أحد ويتوسل بهم، أو يظن أنَّ هذا المكان يُجاب فيه الدعاءُ، أو يسرجها، أو غير ذلك من المعتقدات الباطلة.
    فإذن هناك زيارة محرمة، إذا كانت وسيلة إلى الشرك، وزيارة شركية إذا كانت شركية، دعوة عبادة غير الله -سبحانه وتعالى-، يجب أن نُفرق بين هذا وذاك، لكن الغالبَ اليومَ على زُوار القبور من القُبُورِيَّة، أنهم يُشركون عندها فيدعونها من دونِ الله صُراحا؛ بل يدعون الناس إلى دعوة غير الله، ويخطبون هذا بالملأ، ويُعلن على وسائل الإعلام، يدعون الناس إلى الشرك بالله -سبحانه وتعالى-.
    في الحديثِ الصحيح، أخرجه البخاري ومسلم، الحديث الصحيح عن عائشة -رضي الله عنها- أم المؤمنين، أن أم سلمة -رضي الله عنها- ذكرت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- كنيسة رأتها بأرض الحبشة، لماذا؟ لأن أم سلمة هاجرت إلى الحبشة، في الهجرة الأولى هي وزوجها أبو سلمة، فذكرت لرسولِ الله..، ثم تُوفي زوجها، فتزوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك.
    أنها ذكرت لرسول الله كنيسةً، الكنيسة هي التي يعبدُ فيها النصارى، أما الصومعة: فهي الفرد الواحدُ الذي يُفارق الناسَ ويتعبد فيها، والإسلام ليس فيه لا صومعة ولا غيره، وإنما فيه المساجد.
    ذَكرتْ لرسول الله كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور، والعجيب الغريب أن الذي يُكثرون الصور، سواء من المنتسبين، ممن ينتسب إلى الإسلام أو ممن ينتسب للنصارى، أنهم يُصورن مثلا صورَ عيسى -عليه الصلاة والسلام -التي يذكرها النصارى اليوم، يصورون عيسى كيف؟ أوروبي، ألم ترونها؟ بينما عيسى ليس من الأوربيين أصلا. ويجعلونَ مولده في الشتاء وهو وُلد في الصيفِ، بل انظر الذين يصورون علي بن أبي طالب وأبناءه، يصورون صورا ليست صورنا، فعادة العرب ليسوا بهذه الصورة، إما صور أوربيين أو صور غيرهم، ليست صور عرب، ولذلك هذه التصاويرُ باطلة لا في حقيقتها، ولا يجوز بأيِّ حالٍ من الأحوالِ.
    فيها صور، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أولئك» هؤلاء النصارى أي أهل الكتاب، «إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدًا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شِرار الخلق عند الله» الذين يفعلون هذا الفعل، الذين يبنون على القبورِ المساجدَ، ويصورن فيها هذه الصور هم شرار الخلق، سواء سموا أنفسهم مسلمين، أو نصارى أو يهود أو غير ذلك، هؤلاء شرار الخلق.
    وإن ادعى بعض الطوائف المنتسبة للإسلام، يدعي أنه من خيار الناس، وأنهم أهل صلاح واستقامة، وليسوا كذلك، بل هؤلاء هُم شرارُ الخلْق؛ لقولِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أولئك شرار الخلق» الذين بنوا، وهم كذلك؛ لأنهم صَدُّوا الناسَ عن سبيلِ الله، صَدُّوهم عن الحق، صدوهم عما جاء به الرسولُ -صلى الله عليه وسلم-.
    «وصوروا فيه تلك الصور» ينصبون هذه الصور ويضعونها، كما نراه واضحًا الآن، عند كثيرٍ من عباد القبورِ، بل بعضُ عباد القبور لا يُمكن أن يصلي حتى يضع صورةَ شيخه أمامه، وماذا فيها؟ يقول: أستمد منها، يعني غاية الشرك، نعوذ بالله من الخذلان.
    «فهؤلاء شرار الخلق» هؤلاء شِرار الخلْق، كما أخبر الرسولُ -صلى الله عليه وسلم-، فهؤلاء جمعوا بين فتنتينِ، هذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، جمعوا بين فتنتينِ، فتنة القبورِ، وفتنة التماثيل، لماذا سماها فتنةً؛ لأنَّ الفتنةَ هي الصدُّ عن سبيل الله؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ [البروج: 10]؛ أي صَدُّوهم، أو فعلوا ما يَصدونهم به عن دين الله، فالصد عن دين الله فتنة.
    فإذن هذه من القضايا الخطيرة في ذلك، وهذا من دعاوى كثيرٍ من أهل الباطل.
    ولهما: أي للإمام البخاري ومسلم. عنها أيضًا، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما نزل برسول الله، نزل برسول الله -صلى الله عليه وسلم- نزل به ماذا؟ نزل به الموت -عليه الصلاة والسلام-، إذا كان الإنسان في حال الموت، في حال النزع، هل سيتذكر هذه القضايا؟ سيكون همُّه نفْسَه، ومع ذلك؛ رسولنا -صلى الله عليه وسلم- في هذه اللحظات الحرجة، يَضيق صدره، يضيق التنفُّس، يحذر من هذه القضية، وهو -عليه الصلاة والسلام- الذي حارب المشركين، وَهَدَمَ أصنامهم، وَكَسَرَهَا، وألزمهم بالإسلام -عليه الصلاة والسلام- فكيف به -عليه الصلاة والسلام- في آخر لحظات عمره-عليه الصلاة والسلام- يحذر من ذلك؟!
    لما نزل برسول الله طفق: أي جعل، الرسول -صلى الله عليه وسلم- يضع خميصةً.
    الخميصة: هو يعني مثل الكساء، يعني من الأقمشة، يعني مثل البطانية، مثل غير ذلك، فيها خطوط، يخطط، هذا يسمونه خميصة.
    له على وجهه: يضعها الرسول -صلى الله عليه وسلم- على وجهه -عليه الصلاة والسلام-، وهو كذلك: يعني في ماذا؟ في الموت -عليه الصلاة والسلام-، فيقول: «لعنةُ الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، «لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، في هذا..، في آخر اللحظات -عليه الصلاة والسلام- يحذر الأمة، وفعلا كان تحذيره -عليه الصلاة والسلام- وشفقته على الأمة، وقع ما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وُجد هذا في هذه الأُمة في هذه الحالة الحرجةِ، حَذَّرَنا -عليه الصلاة والسلام- غاية التحذيرِ.
    أين الذين يحبُّون رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الرسول يُحذرك في هذه اللحظاتِ الشديدة، في هذه اللحظات، في أشدِّ فترة على حياة الإنسان، ومع ذلك يَعصون الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويزعمون أنهم يُحبون الرسول، وأنهم يُحبون الأولياء، وغير ذلك من الدعاوى الباطلة التي ما أنزل الله بها من سلطان.
    ولذلك إذا فسدتْ عقيدة الإنسان لم ينفعه صلاةٌ ولا صومٌ ولا عبادةٌ، بل لم تَرَ بعْضَ الذين يَتعبدون ودينهم باطل، ومعتقداتهم باطلة يعبدون القبورَ ويطوفون بها، ويصرفون كلَّ أنواع العبادة لها، ثم تجد الواحدَ قائما منهم يجتهدُ في عبادته ويجتهد في كذا، هذا كما قال الله تعالى، يقرأها الإمام كل جمعة: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ﴾ [الغاشية: 1-3]، يعملون وينصبون، سواء في الدنيا أو في الآخرة، نعوذ بالله من الخذلان.
    ولذلك مَنْ أنعم الله عليه بالتوحيد وبالسنة وبمتابعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- عليه أن يكون فَرِحًا بهذا، وسعيدًا به، لأن الشياطين لم تجْتلْه، بل هو على هَدْي محمد -صلى الله عليه وسلم-، بل هو المتابع لرسول الله -عليه الصلاة والسلام-.
    لماذا قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ذلك؟ لماذا قال -عليه الصلاة والسلام- هذا الأمر؟ قال: يُحذر ما صنعوا. يحذر الأمة مما صنع أولئك. وهذا كله كلام عائشة "يحذر ما صنعوا"، ولولا ذلك؛ أُبرِزَ قبرُه -صلى الله عليه وسلم-، غير أنه خَشِيَ أن يُتخذ مسجدا". أخرجاه. في رواية أخرى «خُشِيَ أن يتخذ مسجدًا» فإذا قلنا "خَشيَ" خَشيَ الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وإذا قلنا "خُشِيَ"؛ أي خَشِيَ الصحابةُ -رضي الله عنهم- من ذلك.
    ولذلك قبر النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- دُفن -عليه الصلاة والسلام- في مكانه الذي مات فيه، كما قال -صلى الله عليه وسلم- : «ما قُبض نبيٌّ؛ إلا دفن حيث قُبض» كما رواه الإمامُ أحمد والترمذيُّ، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- دُفن في غرفة عائشةَ -رضي الله عنها-، دُفن في غرفة عائشة -رضي الله عنها-.
    ولذلك دعاوى كثير من أهل الباطل اليوم الذين يقولون: أنتم كيف تقولون لنا: لا يجوز البناء على القبور وهذا قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد؟
    معاذ الله أن يكون في المسجد! بل قبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- في غُرفة عائشة -رضي الله عنها-، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- دُفن في غرفة عائشة، وإلى اليوم هو في غرفة عائشة، وكانت غرفة عائشة خارج المسجد، فدُفن النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في غُرفته، فالمسجدُ لم يُدفن فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى يقال إنه يجوزُ، بل كانت غرفة عائشة خارجَ المسجد، ثم أُدخلت في عام أربع وتسعين بعد انقضاء أكثر الصحابة -رضي الله عنهم- لم يبق من الصحابة أحد، أو لم يبق منهم إلا القليل -رضي الله عنهم أجمعين-، فأُدخل في ذلك، لماذا؟ لأنه كان بعض المخالفين أيام الوليد بن عبد الملك، كانوا يأتون إلى غُرفة عائشة وقد يدخلون عندها أو يَختفون، فأرادوا أن يُدخلوها في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واعترض بعض العلماء مثل سعيد بن المسيب، وجماعة من أهل العلم، اعترضوا على هذا الإدخال، ولا زال بعض العلماء يعترض على مثل هذا الإدخال في ذلك.
    فلذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- أولا: هو دُفن في غرفة عائشة -رضي الله عنها-.
    ثانيًا: أنَّ المسجدَ لم يُبن على قبرِه؛ بل المسجد بُني في مكانِه الذي بناهُ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم-، فالمسجد في مكانه، وغرفة عائشة مكانها، فإذن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يُدفن في المسجد؛ بل دُفن في غرفة عائشةَ، والقبر إلى هذه الساعة إنما هو في غرفة عائشة، فليس لأحد حجة أن يزعم أن هذا حجة له ويبني على القبور، فهذه من الدعاوى الباطلة التي ما أنزل الله بها من سلطان.
    والقبة الموجودة، إنما أنشئت في أزمنة متأخرة جدا، يعني في قرون متأخرة، يعني يبدو في السابع أو ما يقارب في زمن المماليك، فوضعوها؛ لأنه كان يدخل المطر أحيانًا، أو شيء منذ ذلك، فوضعوا مثل هذه القبة في ذلك.
    ولذلك دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- اللهَ -عز وجل- ألا يَجعل قبره وثنًا يُعبد، فاستجاب الله له، ولذلك نبينا -صلى الله عليه وسلم- قبْرُه محفوظٌ -عليه الصلاة والسلام- لا يصلُ إليه أحدٌ -عليه الصلاة والسلام-، ولذلك أهل السنة هم الذي يُحافظون على قبره، وعلى ما دعا به النبي -صلى الله عليه وسلم-، بينما كثيرٌ من أهل البدع يُؤذون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا ينشرون الرسائل إليه وكانوا يضعون أشياء على قبره -عليه الصلاة والسلام- فهذا ما يُبين هذه القضية العظيمة المهمة.
    وإلى هذا القدر نقف، ولم يكن لدينا وقت لنقف مع أسئلة الإخوة، وإن شاء الله اللقاء القادم نتوقف معها، نقف إلى هذا القدر، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وشكر الله لكم متابعتكم وحضوركم، وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى.

  • #2
    رد: الدرس السابع عشر(باب ماجاء فى الكهان)+(التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل)

    تلخيص
    باب ما جاء في الكهان ونحوهم

    روى مسلم في صحيحه، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى عرَّافاً فسأله عن شيء فصدقه، لم تقبل له صلاة أربعين يوماً".
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى كاهناً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم" رواه أبو داود.

    وللأربعة، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما، عن أبي هريرة من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم". ولأبي يعلى بسند جيد عن ابن مسعود موقوفاً.

    وعن عمران بن حصين رضي الله عنه مرفوعاً: "ليس منا من تَطير أو تُطير له أو تَكهن أو تُكهن له أو سَحر أو سُحر له، ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) رواه البزار بإسناد جيد، ورواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن من حديث ابن عباس دون قوله: "ومن أتى.."الي اخره.

    قال البغوي: العراف: الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك وقيل: هو الكاهن والكاهن هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل وقيل: الذي يخبر عما في الضمير.
    وقال أبو العباس ابن تيمية: العراف: اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق.
    وقال ابن عباس –في قوم يكتبون (أبا جاد) وينظرون في النجوم -: ما أرى من فعل ذلك له عند الله من خلاق.

    فيه مسائل:

    الأولى: لا يجتمع تصديق الكاهن مع الإيمان بالقرآن.
    الثانية: التصريح بأنه كفر.
    الثالثة: ذكر من تُكهن له.
    الرابعة: ذكر من تُطير له.
    الخامسة: ذكر من سحر له.
    السادسة: ذكر من تعلم أبا جاد.


    باب
    ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند
    قبر رجل صالح فكيف إذا عبده


    في (الصحيح) عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها في أرض الحبشة وما فيها من الصور. فقال: (أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله) فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين، فتنة القبور، وفتنة التماثيل.

    ولهما عنها قالت: (لما نُزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها، فقال ـ وهو كذلك ـ : ((لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً، [أخرجاه].

    ولمسلم عن جندب بن عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلاً، كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً، لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك).
    قال ابن تيمية رحمه الله:
    فقد نهى عنه في آخر حياته، ثم إنه لعن ـ وهو في السياق ـ من فعله، والصلاة عندها من ذلك، وإن لم يُبْنَ مسجد، وهو معنى قولها: خشي أن يتخذ مسجداً، فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجداً، وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجداً، بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجداً، كما قال صلى الله عليه وسلم: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً).

    ولأحمد بسند جيد عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً: (إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد) [رواه أبو حاتم في صحيحه].

    فيه مسائل:

    الأولى: ما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم فيمن بنى مسجداً يعبد الله فيه عند قبر رجل صالح، ولو صحت نية الفاعل.
    الثانية: النهي عن التماثيل، وغلظ الأمر في ذلك.
    الثالثة: العبرة في مبالغته صلى الله عليه وسلم في ذلك. كيف بيّن لهم هذا أولاً، ثم قبل موته بخمس قال ما قال، ثم لما كان في السياق لم يكتف بما تقدم.
    الرابعة: نهيه عن فعله عند قبره قبل أن يوجد القبر.
    الخامسة: أنه من سنن اليهود والنصارى في قبور أنبيائهم.
    السادسة: لعنه إياهم على ذلك.
    السابعة: أن مراده صلى الله عليه وسلم تحذيره إيانا عن قبره.
    الثامنة: العلة في عدم إبراز قبره.
    التاسعة: في معنى اتخاذها مسجداً.
    العاشرة: أنه قرن بين من اتخذها مسجداً وبين من تقوم عليهم الساعة، فذكر الذريعة إلى الشرك قبل وقوعه مع خاتمته.
    الحادية عشرة: ذكره في خطبته قبل موته بخمس: الرد على الطائفتين اللتين هما شر أهل البدع، بل أخرجهم بعض السلف من الثنتين والسبعين فرقة، وهم الرافضة والجهمية. وبسبب الرافضة حدث الشرك وعبادة القبور، وهم أول من بنى عليها المساجد.
    الثانية عشرة: ما بلي به صلى الله عليه وسلم من شدة النزع.
    الثالثة عشرة: ما أكرم به من الخلّة.
    الرابعة عشرة: التصريح بأنها أعلى من المحبة.
    الخامسة عشرة: التصريح بأن الصديق أفضل الصحابة.
    السادسة عشرة: الإشارة إلى خلافته.

    تعليق


    • #3
      رد: الدرس السابع عشر(باب ماجاء فى الكهان)+(التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل)

      تعليق

      يعمل...
      X