بسم الله الرحمن الرحيم
إن الفقهاء أجمعوا على أنه يجوز الإستعانة بالكافرين على قتال الكافرين، بشرط أن يكون ذلك عند الحاجة والضرورة، وأن يُحقق ذلك مصلحةً للمسلمين خاصةً إذا ما عجز المسلمون عن تحقيق هذه المصلحة بمفردهم. ولكن ذلك بشروط مهمة وأساسية وهي أن يُرجع ويُنسَب الفضل لله الملك العظيم الهادي في كل معروف وخير من تحرير أرض إسلامية مسلوبة أو من إزالة حكم جائر و حاكم ظالم وكذلك أن يُنسب ويُرجع الفضل لله الملك العظيم الهادي في منع وقوع أي منكر أو شر من إرتكاب مجازر في حق المدنيين الأبرياء العزل أو من سلب أموالهم وأملاكهم لأن الله عزوجل يأمر بالمعروف والخير وينهى عن المنكر والشر وبناءا على ذلك تصبح كلمة الله عزوجل هي العليا فلا يُنسب الفضل إلى بشر سواء مسلم أو كافر أُستعين به، لقوله تعالى (( إنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )) وكذلك قوله تعالى (( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله )). لإن الله الملك العظيم الحكيم القدير قادر على أن يُيسر المؤمن لخدمة أو لمنفعة أخيه المؤمن كما هو قادر على أن يُسخر الكافر لمنفعة المؤمن، فالخير والشر بيده سبحانه و تعالى وهو الملك العظيم النافع الضار بينما عباده من البشر هم مقهورون ضعفاء لا يقدرون على شيء إلا بإذنه ومشيئته عزوجل. وأيضا أن لا يلزم تقديم هذا العون أو هذه المساعدة بأي شكل من أشكال موالاة الكفار أو حتى جمع موالاة الكفار مع موالاة المؤمنين لقوله تعالى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )) فهذه الآية الكريمة تشير إلى تحريم الله عزوجل على المسلمين موالاة النصارى واليهود وبما أن النصارى واليهود هم أقرب الكفار إلى المسلمين لأنهم أهل كتاب فهذا يعني أن تحريم الموالاة يشمل باقي الكفار الذين هم يعتبرون أبعد من النصارى واليهود إلى المسلمين وبناءا على ذلك فإن هذه الآية الكريمة تفيد تحريم موالاة الكفار بالمطلق دون أي تقييد بأي إستثناء وبالتالي إذا ما جمع المؤمن موالاة أخيه المؤمن مع موالاة الكافر فإن هذا لا يشفع له ولا يغير أي شيء في تحريم موالاة الكافرلأنه كما أشرت بأن حكم تحريم موالاة الكافر هو حكم مطلق وإن أي تخصيص كجمع موالاة المؤمن مع موالاة الكافر هو ليس له أي دليل شرعي. و أن لا يلزم ذلك أيضا مجاوزة موالاة المؤمنين إلى موالاة الكفار أي موالاة الكفار دون المؤمنين لقوله تعالى ((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا )) وكذلك قوله تعالى ((لاّ يَتّخِذِ المؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ المؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ )). و أن لا يلزم ذلك أيضا موالاة الكفار ضد المؤمنين لأنه إذا كان التحريم حاصل في موالاة الكافر دون المؤمن فهو بالتأكيد حاصل في شأن موالاة الكافر ضد المؤمن لأنه إذا كان التحريم حاصل في أمر مُحرم فإنه بالتأكيد التحريم حاصل في ما هو أشد حرمة. وكذلك لا يلزم بأي شكل من الأشكال موالاة العدو الكافر لقوله تعالى ((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق )).
فالإسلام يأمر المسلمين بكراهية مُعتقد الكفر لأن الكفر يُغضب الله عزوجل وهو والإيمان متناقضان فمحبة المسلم للإيمان تُوجب عليه كراهية الكفر، ولكن ليس بالضرورة أن الإسلام يأمر المسلم بكراهية الكافر. فالكافر العدو نكرهه لقوله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وإبتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل ))، فالآية الكريمة تُشير إلى أن الكفار الذين يُخرجون الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين من ديارهم يتصفون بالعداوة لله عزوجل وللمسلمين، وبما أن الله عزوجل يأمر المسلمين بقتال الكفار الذين يُخرجونهم من ديارهم، لقوله تعالى (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ* الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ). فهذا يعني أن الله عزوجل يوجب على المسلمين قتال أعدائهم لأنه سبحانه وتعالى يأمر المسلمين بقتال كل من يُخرج المسلمين من ديارهم وكل من يُخرج المسلمين من ديارهم هو عدو لهم، وبما أن القتال والقتل يقتضي الكراهية فهذا يفيد وجوب كراهية العدو المُحارب لوجوب قتاله بنية قتله، وهذا ينطبق أيضاً على العدو المتربص لإشتراكه مع العدو المُحارب في إرادة ونية قتل المسلمين عندما يجد الفرصة المناسبة لذلك، أي أن كراهية العدو المتربص هي واجبة أيضاً. أما الكافر المسالم الذي لا يحمل عداوة تجاه المسلمين ولا يتربص بالمسلمين فإننا نتعايش والتعايش يعنى البر والإحسان دون الحب معه لأنه لا يعتدي علينا ولا يهاجمنا وبالتالي هذا لا يمنعنا من البر والإحسان إليه لقوله تعالى (( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلونكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ))، فالله عزوجل لا ينهانا أي لا يمنعنا من البر والإحسان إليهم , وينطبق على سبايا الأعداء الكافرين المُحاربين من النساء والأطفال لأنهم لم يقاتلوا المسلمين في دينهم، وكذلك ينطبق على ذرية الكافر المُحارب الأسير الرقيق الذين يُنجبهم في دار الإسلام بعد أسره. لكن العدل يُمكن أن يجتمع مع الكراهية للكافر في قلب الرجل المسلم مع الإشارة إلى أن العدل هو واجب مع الكافر العدو كما هو واجب مع الكافر المُسالم لقوله تعالى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)).
ولكن بنفس الوقت إننا لا نحب الكافر سواء العدو أو المُسالم لأننا نكره ولا نرضى بالكفر الذي يعتقده والذي يُغضب الله عزوجل ، لقوله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين )) ولأن محبة الكافر قد تصبح وسيلة أو ذريعة توصل إلى محبة بعض المعتقدات الشركية أو إلى محبة معتقد الكفر وهذا يناقض الإيمان. مع الإشارة إلى أن أقرب الكفار مودة للمسلمين هم النصارى بينما أشد الكفار عداوة وحقدا على المسلمين هم اليهود والوثنيون لقوله تعالى (( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ)) ،مع التنبيه إلى أن ليس جميع النصارى هم أقرب الكفار لينا وألفة وإنسجاما مع المسلمين فالصليبيون الحاقدون هم إستثناء من هذا الوصف لأن الحقد ينشأ عنه العدوان والأذى والكراهية وذلك يتوافق مع معنى العبارة ( لتجدن أشد الناس عداوة ) لأن هذه العبارة تفيد المفاضلة فكلمة (أشد) هي إسم تفضيل على وزن أفعل مما يعني أن صفة العداوة ليست منفية بالكلية عن النصارى وهي التي نجدها عند الصليبين، الذين يتخذون الصليب شعاراً في محاربة وقتال المسلمين، وإن كانت أقل درجة من عداوة اليهود والمشركين للمسلمين، بينما الإنسجام والألفة ولين الجانب ينشأ عنه الموادعة والمسالمة فالنصارى المسالمون هم من تنطبق عليهم وصف هذه الآية مع الإشارة إلى أن المحبة هي من أوجه المودة كما أن الإنسجام ولين الجانب والألفة هي جميعها من أوجه المودة ولكن مشاعر المحبة هي مستثناة من مودة النصارى المسالمون للمسلمين والدليل على ذلك هو قوله تعالى (( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير )) فإن المحبة بالضرورة ينشأ عنها مشاعر الرضى بينما الرضى ليس بالضرورة أن ينشأ عنها مشاعر المحبة وبالتالي إنتفاء الرضى يفيد بالتأكيد إنتفاء المحبة لأن الرضى هي نتيجة حتمية عن سبب أو علة المحبة وإنتفاء النتيجة أو المعلول يفيد إنتفاء العلة التي نشأت عنها تلك النتيجة، بينما إثبات الرضى ليس بالضرورة يفيد إثبات المحبة. وبناءاً على ذلك يمكننا القول بأن الإنسان يستطيع أن يرضى عن الناس دون أن يحبهم ولكن الإنسان عندما لا يرضى عن الناس فإنه بالتأكيد لا يحبهم. ومن جانب آخر، إن دين الإسلام العظيم يجمع ما بين العدل أو القسط الكامل والرحمة الفائضة فلا يمكن أن يأمرنا الله الملك العظيم العدل الرحيم بأن لا نكره ولا نحب الكافرين المسالمين وفي نفس الوقت يخبرنا الله الملك العظيم العليم الخبير بأن الكافرين المسالمين يحبوننا ولا يكرهوننا لأنه إذا صح ذلك فهذا يعني أن الكافرين أكثر عدلا وأكثر رحمة منا نحن المسلمون وهذا يستحيل وجوده لأن الله الملك العظيم جبل المسلمين برحمة وفضل عظيم منه سبحانه وتعالى على العدل الكامل والرحمة الفائضة، لقوله تعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) فهذه الآية الكريمة تشير إلى أن المسلمين هم خيرة البشر في تقوى الله عزوجل وعبادته، وكذلك قوله تعالى ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) فهذه الآية الكريمة تشير إلى أن المسلمين بإتباع الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بتبليغ رسالة الإسلام هم يحملون الرحمة الفائضة للبشرية جمعاء، وكذلك قوله تعالى ( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) فهذه الآية الكريمة تشير إلى أن المسلمين هم أهل العدل الكامل بين البشر جميعهم سواء كانوا مسلمين أو كفار أعداء أو كفار مسالمين. وفي المقابل يجب التنبيه أيضا إلى أن صفة الإنسجام والألفة ولين الجانب هي ليست منفية بالكلية عن اليهود والمشركين لأن عبارة ( أقربهم مودة ) هي تفيد المفاضلة أي أن صفة المودة ليست منفية بالكلية عن اليهود والمشركين وإن كانت بأقل درجة ولكنها تبقى إستثناء خاصة عند اليهود بسبب إتصافهم بصفات الغدر والخيانة واللؤم والخسة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المؤلف: خالد صالح أبودياك
فالإسلام يأمر المسلمين بكراهية مُعتقد الكفر لأن الكفر يُغضب الله عزوجل وهو والإيمان متناقضان فمحبة المسلم للإيمان تُوجب عليه كراهية الكفر، ولكن ليس بالضرورة أن الإسلام يأمر المسلم بكراهية الكافر. فالكافر العدو نكرهه لقوله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وإبتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل ))، فالآية الكريمة تُشير إلى أن الكفار الذين يُخرجون الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين من ديارهم يتصفون بالعداوة لله عزوجل وللمسلمين، وبما أن الله عزوجل يأمر المسلمين بقتال الكفار الذين يُخرجونهم من ديارهم، لقوله تعالى (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ* الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ). فهذا يعني أن الله عزوجل يوجب على المسلمين قتال أعدائهم لأنه سبحانه وتعالى يأمر المسلمين بقتال كل من يُخرج المسلمين من ديارهم وكل من يُخرج المسلمين من ديارهم هو عدو لهم، وبما أن القتال والقتل يقتضي الكراهية فهذا يفيد وجوب كراهية العدو المُحارب لوجوب قتاله بنية قتله، وهذا ينطبق أيضاً على العدو المتربص لإشتراكه مع العدو المُحارب في إرادة ونية قتل المسلمين عندما يجد الفرصة المناسبة لذلك، أي أن كراهية العدو المتربص هي واجبة أيضاً. أما الكافر المسالم الذي لا يحمل عداوة تجاه المسلمين ولا يتربص بالمسلمين فإننا نتعايش والتعايش يعنى البر والإحسان دون الحب معه لأنه لا يعتدي علينا ولا يهاجمنا وبالتالي هذا لا يمنعنا من البر والإحسان إليه لقوله تعالى (( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلونكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ))، فالله عزوجل لا ينهانا أي لا يمنعنا من البر والإحسان إليهم , وينطبق على سبايا الأعداء الكافرين المُحاربين من النساء والأطفال لأنهم لم يقاتلوا المسلمين في دينهم، وكذلك ينطبق على ذرية الكافر المُحارب الأسير الرقيق الذين يُنجبهم في دار الإسلام بعد أسره. لكن العدل يُمكن أن يجتمع مع الكراهية للكافر في قلب الرجل المسلم مع الإشارة إلى أن العدل هو واجب مع الكافر العدو كما هو واجب مع الكافر المُسالم لقوله تعالى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)).
ولكن بنفس الوقت إننا لا نحب الكافر سواء العدو أو المُسالم لأننا نكره ولا نرضى بالكفر الذي يعتقده والذي يُغضب الله عزوجل ، لقوله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين )) ولأن محبة الكافر قد تصبح وسيلة أو ذريعة توصل إلى محبة بعض المعتقدات الشركية أو إلى محبة معتقد الكفر وهذا يناقض الإيمان. مع الإشارة إلى أن أقرب الكفار مودة للمسلمين هم النصارى بينما أشد الكفار عداوة وحقدا على المسلمين هم اليهود والوثنيون لقوله تعالى (( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ)) ،مع التنبيه إلى أن ليس جميع النصارى هم أقرب الكفار لينا وألفة وإنسجاما مع المسلمين فالصليبيون الحاقدون هم إستثناء من هذا الوصف لأن الحقد ينشأ عنه العدوان والأذى والكراهية وذلك يتوافق مع معنى العبارة ( لتجدن أشد الناس عداوة ) لأن هذه العبارة تفيد المفاضلة فكلمة (أشد) هي إسم تفضيل على وزن أفعل مما يعني أن صفة العداوة ليست منفية بالكلية عن النصارى وهي التي نجدها عند الصليبين، الذين يتخذون الصليب شعاراً في محاربة وقتال المسلمين، وإن كانت أقل درجة من عداوة اليهود والمشركين للمسلمين، بينما الإنسجام والألفة ولين الجانب ينشأ عنه الموادعة والمسالمة فالنصارى المسالمون هم من تنطبق عليهم وصف هذه الآية مع الإشارة إلى أن المحبة هي من أوجه المودة كما أن الإنسجام ولين الجانب والألفة هي جميعها من أوجه المودة ولكن مشاعر المحبة هي مستثناة من مودة النصارى المسالمون للمسلمين والدليل على ذلك هو قوله تعالى (( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير )) فإن المحبة بالضرورة ينشأ عنها مشاعر الرضى بينما الرضى ليس بالضرورة أن ينشأ عنها مشاعر المحبة وبالتالي إنتفاء الرضى يفيد بالتأكيد إنتفاء المحبة لأن الرضى هي نتيجة حتمية عن سبب أو علة المحبة وإنتفاء النتيجة أو المعلول يفيد إنتفاء العلة التي نشأت عنها تلك النتيجة، بينما إثبات الرضى ليس بالضرورة يفيد إثبات المحبة. وبناءاً على ذلك يمكننا القول بأن الإنسان يستطيع أن يرضى عن الناس دون أن يحبهم ولكن الإنسان عندما لا يرضى عن الناس فإنه بالتأكيد لا يحبهم. ومن جانب آخر، إن دين الإسلام العظيم يجمع ما بين العدل أو القسط الكامل والرحمة الفائضة فلا يمكن أن يأمرنا الله الملك العظيم العدل الرحيم بأن لا نكره ولا نحب الكافرين المسالمين وفي نفس الوقت يخبرنا الله الملك العظيم العليم الخبير بأن الكافرين المسالمين يحبوننا ولا يكرهوننا لأنه إذا صح ذلك فهذا يعني أن الكافرين أكثر عدلا وأكثر رحمة منا نحن المسلمون وهذا يستحيل وجوده لأن الله الملك العظيم جبل المسلمين برحمة وفضل عظيم منه سبحانه وتعالى على العدل الكامل والرحمة الفائضة، لقوله تعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) فهذه الآية الكريمة تشير إلى أن المسلمين هم خيرة البشر في تقوى الله عزوجل وعبادته، وكذلك قوله تعالى ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) فهذه الآية الكريمة تشير إلى أن المسلمين بإتباع الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بتبليغ رسالة الإسلام هم يحملون الرحمة الفائضة للبشرية جمعاء، وكذلك قوله تعالى ( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) فهذه الآية الكريمة تشير إلى أن المسلمين هم أهل العدل الكامل بين البشر جميعهم سواء كانوا مسلمين أو كفار أعداء أو كفار مسالمين. وفي المقابل يجب التنبيه أيضا إلى أن صفة الإنسجام والألفة ولين الجانب هي ليست منفية بالكلية عن اليهود والمشركين لأن عبارة ( أقربهم مودة ) هي تفيد المفاضلة أي أن صفة المودة ليست منفية بالكلية عن اليهود والمشركين وإن كانت بأقل درجة ولكنها تبقى إستثناء خاصة عند اليهود بسبب إتصافهم بصفات الغدر والخيانة واللؤم والخسة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المؤلف: خالد صالح أبودياك
تعليق