إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الدرس الثالث عشر(الخوف من الله)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الدرس الثالث عشر(الخوف من الله)

    رابط المحاضرة:
    http://www.youtube.com/watch?v=Y0f5CZPnwjI

    الشيخ:
    بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الرسل والنبيين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
    أهلًا وسهلا بالإخوة والأخوات المتابعين في هذا البرنامج في مقرر العقيدة في الأكاديمية الإسلامية المفتوحة، فحياكم الله في لقاءات هذا المقرر المتكررة، فأهلا وسهلا بالجميع، وأهلا وسهلا بالحضور معنا في الاستوديو، ونبدأ هذا اللقاء المبارك في هذه الأبواب من كتاب التوحيد.
    عندنا اليوم -إن شاء الله تعالى- باب الخوف من الله -سبحانه وتعالى-، وباب الأمن من مكر الله -عز وجل-، وباب التوكل على الله -سبحانه وتعالى-.
    فهذه الأبواب جماعها وأيضًا الدروس القادمة هي مما يناقض التوحيد أو يُنقصِه، فعلى المسلم أن يحذر منها، فنأخذ هذه الأبواب بمشيئة الله -تبارك وتعالى-.
    نبدأ بباب قول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175].
    فهذا الباب هو في الخوفُ من الله -تبارك وتعالى-، وفيه جانب الخوف من غير الله -سبحانه وتعالى-، فالخوف عبادة عظيمة من العبادات فينبغي أن تصرف لله -تبارك وتعالى-.
    اقرأ لنا يا ناصر، نعم تفضل..
    {بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله.
    باب قول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175].
    وقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175]
    قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ﴾ [التوبة: 18].
    وقوله: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ﴾ [العنكبوت: 10].
    عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- مرفوعًا: «إنَّ من ضعْف اليقين أنْ تُرضيَ الناس بسَخَطِ الله، وأن تحملهم على رِزق الله، وأن تظنَّهم على ما لم يُؤتك الله، إن رزق الله لا يجرُّه حرصُ حريصٍ، ولا يرده كراهيةُ كارهٍ».
    وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من التمس رضى الله بسخط الناس، رضي الله عنه وأرضى عنه الناسَ، ومن التمس رضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناسَ» رواه ابن ماجة في صحيحه.}
    إذن الباب الذي لدينا اليوم هو باب ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾، واستدل المؤلف بهذه الآيات التي ترونها أمامكم.
    إذن نحن الآن في باب الخوف، تقدم على هذا باب المحبة، والمحبة هي المحركة، لماذا يصلي الإنسان؟ لماذا يدعو الإنسان الله -سبحانه وتعالى-؟ يتضرع إلى ربه -سبحانه وتعالى-، يرجو ربه، إنما المحبة هي المحركةُ، فحري أن يكون بعد هذا الباب الخوف من الله -سبحانه وتعالى-، باب الخوف من الله -تبارك وتعالى-.
    فالخوف زاجر وناهٍ، وأركان العبادة كما قال أهل العلم ثلاثة: المحبة والخوف والرجاء.
    ثلاثة أركان: المحبة والخوف والرجاء.
    لا بد أن يكون الخوف والرجاء متساوية، كما قال الإمام أحمد وكما شبهها أهل العلم، بأن الإنسان يكون كجناحي الطير، فيجب أن تكون متساويةً حتى يستمرَّ الإنسان في سيره إلى ربه -سبحانه وتعالى-.
    فإذن هذا باب الخوفِ، والخوف عبادة من العبادات العظيمة.
    فالله -عز وجل- أخبرنا عن قومِ إبراهيم، قوم إبراهيم خوفوا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- بآلهتهم، خوفوه من آلهتهم أن تصيبه، وهودًا، ونبينا -صلى الله عليه وسلم-.
    ولذلك قال إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- لما خوفوه بآلهتهم قال: ﴿ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا ﴾ [الأنعام: 80]، وقال: ﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ ﴾ وأنتم لا تخافون الله -سبحانه وتعالى-، ولذلك قال قوم هود له -عليه الصلاة والسلام-: ﴿ إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ﴾ [هود: 54]، ولذلك أجابهم قال: ﴿ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ [هود: 54]، فهم خوَّفوا الناس من آلهتهم؛ أنك إذا لم تُقدم القرابين لهؤلاء الآلهة فسيُصيبونك بأذى في مالك، يصيبك أذى في ولدك، يصيبك أذى في نفسك، وحصلت حوادث قديمًا وحديثًا عند من يَعبد القبور.
    أذكر قصة ذكرها لي بعض الإخوة أنَّ إمامًا في أحد البلاد لا نعرفه، لكن ندعو له: أسأل الله -عز وجل- أن يوفقه لكل خير، أرادوا أن يأتوا ببعض الخرافيين ويدفنوه في ذلك المسجد، فوقف أمام المسجد، وقال: لا يمكن أن يدفن هذا في المسجد وأنا حي، ووقف وقفة أثنى عليه أهل البلد، وأصابه بعد ذلك مرض، قالوا: هذا بسبب أنه لا يحب الأولياء، أصابه هذا المرض من الأولياء وفرحوا أولياء الطاغوت، وأولياء الشيطان، فرحوا بمرضه وما أصابه، ثم عافاه الله -عز وجل-، وخطب في الناس خطبةً عظيمة أبكى الناس منها، وفرح الناس بها، فالمقصود أن هذا شيء معاصر في ذلك.
    يذكر أحد الأستاذة كان يدرسنا في الجامعة، يذكر أنه هو يدعو الناس إلى توحيد الله وإخلاص العبودية لله، أصابه حادث كانت الإصابة في رِجله مما أدى إلى قطْع الرجل، فكانوا يقولون هذا بسببِ الأولياء الذين تقولُ فيهم ما تقول.
    هذا موجود عند المشركينَ، بل ذَكَرَ بعضهم في أحد قصصِه، أنهم كانوا في سفينة فلما خشوا من الغرقِ أخذوا يدعونَ بعض المقبورينَ، يا فلان، يا فلان، ثم ذهبوا إلى أحد الموحدين الذي يدعوهم إلى توحيد الله، وقالوا: أنت سبب غرق السفينة، أنك توحد الله -سبحانه وتعالى-، إن هذا سبب الأولياء، فلذلك هذا موجود قديما كما قالوا لإبراهيم، وكما قالوا لهود، كما قالوا لأنبياء الله -عز وجل-، قالوا لأتباع الأنبياءِ إلى هذه الساعة، فهذه القصص موجودة في تاريخهم، فهم يخافون لذلك.
    وهنا نحن نتكلم عن أقسام الخوف. الخوف منه خوف العبادة، خوف التأله، الإنسان يتعبد الله، يخاف الله -سبحانه وتعالى-، وهذا مما يقعُ فيه كثير من بعض المشركين أنهم يخافون المقبورين، يخاف فلانا المقبورَ في هذا المكان، أو يخاف الجن، بعضهم يخاف الجن، فيذبح للجن ويتقرب إليهم، ويبذل لهم، ويصرف العبادة لهم؛ لأجل أنهم يُطيعونه كما مر معنا في باب سابق، ﴿أَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن: 6]، والأصل أنَّ الإنسان لا يخافُ إلا الله -تبارك وتعالى-.
    إذن: خوفُ العبادة، كما يُسميه بعضُ العلماء: خوف السر، يعني تخاف لك من مقبور مدفون في أرض قد أَرِمَ، عظام ميتة، إنسان ميت تخافه! تخاف من ماذا؟ هذا لا يجوز بأي حال من الأحوال، ولذلك صرف هذا الخوف لغير الله شرك.
    وهذا الخوف خوفُ التألُّه والعبادة، الناس فيه أصناف، منهم: من يغلو في ذلك، حتى إنه تتوقف الحياة لديه، كما حصل لبعض العباد، ويأتي في أخبارهم أشياء غريبة جدًّا من الخوف والبكاء المستمر والانقطاع عن الحياة، كل هذا، هذا غلو في الخوف، وذكروا بعض أهل السير مثل عطاء السليمي، ومثل رياح القيسي وغيرهم، ذكروا أمثلة من ذلك، غلب عليهم الخوف، قد يقال منهم عبد الواحد بن زيد، وغيره، هذا غلب عليهم الخوف، لكن عبد الواحد بن زيد عنده بدع أخرى.
    ومن الناس من يفرط، لا يخاف الله -سبحانه وتعالى-، يرتكب المعاصي، يسرف بالله، لا يخاف الله، وهذا فرَّط، والصواب الاعتدال؛ أن يخاف الله ويرجوه، ويحبه -سبحانه وتعالى-، هذه الآية.. الخوف النوع الثاني.
    النوع الأول خوف العبادة، وهذا صرْفه لغير الله شرك، ولهذا سبب إدخال المؤلف لهذا الباب في التوحيد، صرف الخوف، الخوف العبادة، فصرْفها لغيرِ الله شرك.
    طيب هناك خوف طبيعي، كالخوف من السبُعِ، الخوف من الأماكن المظلمة، بعض الناس يخاف من الأماكن المرتفعة، ما حُكم هذا الخوف؟
    هذا خوف طبيعي لا يضر الإنسان في ذلك، لكن لو كان الوهم، زاد الإنسان عنده الوهم، فإنه يُطارد هذا الوهمَ، ويستعيذ بالله -عز وجل-.
    هناك نوع آخر من الخوف، وهو الخوف المحرم، يعني أرى أناسا عصوا الله، تركوا، تخلفوا عن صلاة الجماعة، فلا آمرهم بمعروف، ولا أنهاهم عن المنكر؛ خوفًا من الناس، هذا لا يجوز، هذا خوف محرم، خوف محرم، لكن إذا كان هذا الخوف، إذ فعل الإنسان أو أمر أو غير ذلك، أنه سيصل إليه ضرر أكبر، لا يتحمله أو لا يستطيعه، فهنا له في الأمر مندوحة، لكن، إذا لم يكن هناك خوف، مجرد أنك تأمر الناس بالأسلوب الطيب والأسلوب الحسن، فهذا الواجب على الإنسان أنه يبين ذلك ويوضحه للناس، فهذا خوف محرم.
    إذن عندنا ثلاثة أنواع من الخوف:
    1- خوف التأله والعبادة، هذا صرفه لغير الله شرك.
    2- الخوف الطبيعي لا يضر الإنسان، بل خوف الناس من النار مثلا وهروبهم منها، وإنقاذ إخوانهم هذا من الأمر الطيب الذي يُشكر عليه، وهو خوف جِبليٌّ.
    3- الخوف المحرم، وهو أن الإنسان يترك ما أمر الله به أو يترك ما نهى الله عنه خوفًا من الناس في ذلك.
    استدل المؤلف بهذه الآية: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175]، فهنا جعل ﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ جعل الخوفَ شرطًا في الإيمان، هنا اشترط ﴿ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾.
    هذه الآية لها قصة، وقصتها: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أصيب هو وأصحابه في يوم أُحد، وأصابتهم الجراح، وأصابهم الشدة، واستشهد من استشهد من أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- بسبب مخالفة أمره -عليه الصلاة والسلام-، أنهم تركوا الجبل ونزلوا من الجبل، مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرهم أن يبقوا في ذلك، فاستشهد من الصحابة من استشهد، وأصيب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم جاء الخبر للنبي -صلى الله عليه وسلم- من قريش أنهم يريدون الرجوع إليهم للقضاء على المسلمين، القضاء التام، كما قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173]؛ أي: كافينا الله -سبحانه وتعالى-، ﴿ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 174]، لم يصبهم أذى، وانقلبوا إلى المدينة، ورجعوا إلى بلادهم، ﴿ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾، -سبحانه وتعالى- هو الذي جعل الخوف في قلوب المشركين، ولذلك هربوا سراعا إلى مكة.
    ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ ﴾ [آل عمران: 175]
    "لا" هنا الناهية، ينهى المؤمنين ألا تخافوا أولياءَ الشيطان، بل يجب على الإنسان أن يكون قويًّا في دينه ﴿ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ ولذلك من خاف الله كفاه، ونصره، وأيده، ومن خاف الناس، خاف من كل شيء، من لم يخش الله ولم يخف الله، خاف من كل شيء، ومن خاف الله خاف منه كل شيء.
    ولذلك يجبُ أن يكون في قلب الإنسان خشية الله والخوف منه -سبحانه وتعالى-.
    الخوف من الكفارِ، إنَّ المسلمين أُمروا باتخاذ الأسبابِ، أنهم يخافون من عدوهم فيتخذون الأسباب، فأمر الله عباده، فهذه قصة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا سبب نزول هذه الآية، وهي تسمى "حمراء الأسد"، خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- في أثر المشركين في حمراء الأسد، وأقام فيها ثلاثة أيام نبينا -صلى الله عليه وسلم-، ثم رجعوا سالمين غانمين قد أدخلوا الرعبَ في هؤلاء المشركين.
    إذن هذه القضية قضية الخوف وهذا ما يتعلق بهذه المسألة، وهذا سبب هذه الآية.
    الآية الثانية: قوله -تبارك وتعالى-: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [التوبة: 18].
    قبل هذه الآية قال الله -تبارك وتعالى-: ﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِم بالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾، هؤلاء المشركون زعموا أنهم هم عُمار المسجد الحرام، ومنعوا منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فردَّ الله عليهم.
    ﴿إنما﴾ أداة حصرٍ، الحصر لمن؟ الذين يعمرون مساجد الله، هم الذين لهم هذه الصفات، وهؤلاء هم المهتدون.
    أول صفاتهم: يؤمنون بالله واليوم الآخر ﴿ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾، إذن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والإيمان بألوهيته وأسمائه وربوبيته وأسمائه وصفاته، وبقية أركان الإسلام والإيمان.
    قال ﴿ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ ودائمًا يقرن الله -عز وجل- الإيمان بالله باليوم الآخر؛ لأن الإيمان باليوم الآخر حاثٌّ على العمل، إذا علم الإنسان أنَّ أمامه حسابٌ، وأمامه جزاء استعدَّ لهذا العمل.
    ﴿ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ ﴾ وإقامتها إقامتها واجبة، أن يأتي بالأركان والواجبات، فهذه إقامة واجبة، وإذا أتى بالأركان والواجبات والمستحبات تكون إقامته أيضًا أتى بالواجب والمستحبِّ.
    ﴿ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ﴾ حصر الخشية في الله -سبحانه وتعالى-، وهذا محل الشاهدِ من الآية، كما صح عن ابن عباس: "عسى" من الله واجبة.
    عسى؛ أي: هؤلاء أن يكونوا من المهتدين، فهؤلاء هم المهتدون إلى الحق.
    فإذن من شرْط الإيمان: الإخلاصُ والخوف من الله -سبحانه وتعالى-، والخشية لله -سبحانه وتعالى-، والخشية من الخوف لكنها أخص منه، لماذا؟ فالخشية معها علم، ولذلك قال: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]، إذن الخشية فيها عِلم، يعلم الله -سبحانه وتعالى-، لكن قد يخاف الجاهلُ، الخوف يكون للعالم والجاهل، لكن الخشية تكونُ معها علم.
    وأيضًا الخشيةُ معها معرفة بعظمةِ المخشيِّ -سبحانه وتعالى-، يعلم عَظَمَةَ الرب وقدرته، وجبروته، وسلطانه -سبحانه وتعالى-.
    إذن: هذه الصفات، وحصر الله -عز وجل- هذه الصفات في المهتدين؛ أنهم لا يخشون إلا الله -سبحانه وتعالى-، كما جاء في حديث ابن عباس -رضي الله عنه-: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء؛ لم ينفعوك بشيء إلا بشيء كتبه الله لك، وأن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء؛ لم يضروك بشيء إلا بشيء قد كتبه الله عليك»؛ يعني ما قدره الله هو الذي سيكون في ذلك.
    الآية الثالثةُ في هذا البابِ: قول الله -تبارك وتعالى-: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ﴾ [العنكبوت: 10].
    ﴿ وَمِنَ النَّاسِ ﴾ هذا بعض الناس، فهؤلاء هم أهل النفاقِ، يقولون: آمنا بالله، دعوى ليست حقيقيةً، ليسوا بمؤمنين، ليس حقيقتهم أنهم مؤمنون بالله -سبحانه وتعالى-، وإنما حقيقتهم أنهم يدَّعون ذلك.
    ﴿ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ ﴾ أوذي بسبب الدين؛ ﴿ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ﴾ عذاب الله، تفرُّ من عذاب الله إلى ماذا؟ إلى طاعة الله، إلى تنفيذ أوامره، فهم هنا ساوَوْا بين عذاب الله وبين الناس، فماذا فعلوا؟ سارعوا إلى طاعة الناس، الأصل أنهم يلتجؤون إلى الله، لكنْ هؤلاء سارعوا إلى طاعةِ الناس خوفًا من أذاهم، مع أن عذاب الله -عز وجل- مستمرٌّ، لم يَقدروا الله -سبحانه وتعالى- قدره.
    فهذه الآية في المنافقين أعاذنا الله وإياكم منهم.
    وهذا أخبر الله -عز وجل- عنه كثيرا: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ [الحج: 11]، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «أشد الناس بلاء الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام - ثم الأمثل والأمثل، يُبتلى المسلم حَسَبَ إيمانِه» رواه الإمام الترمذيُّ.
    ولذلك المنافقون كما قال الله تعالى عنهم: ﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [الأحزاب: 12]، وأما أهل الإيمان: ﴿ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 22].
    إذن هذه القضية الأذى الذي يحصل، هو يحصل لكن هذا ابتلاء وتمحيص من الله -سبحانه وتعالى-، والابتلاء منه ما يكون ما يقدره الله على الإنسان، ما يقدره الله -عز وجل- على الإنسان من مصائبَ أو مرضٍ، أو نقصٍ في ماله، أو ولده، أو شيء من ذلك، هذا من قدَر الله -عز وجل-، ولذلك قال الله: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 155، 156].
    وبعض الناس إذا أصابتْه مصائبُ فإنه لا يصبرُ، بل يضعفُ إيمانه، بعضهم يرتدُّ، وبعضهم يكفر.
    فمن المصائبِ ما يُقدره الله، ومنه ما يكون أذًى كما في هذه الآية، ومنه ما يكون أذى على أيدي الخلق بسببِ إيمانه؛ امتحانا من الله -عز وجل-، وكثير من الناس ينقص إيمانه بسببِ المصائب نقصًا عظيمًا، فليكنِ المسلمُ على حذرٍ، ويسأل الله -عز وجل- دائما العافية.
    ومما يتعلق بهذه الآية، هذا الحديث حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- مرفوعا، هذا الحديث وإن كان في سنده مقال، وفيه ضعف، لكن هذا الحديث دليله الآية السابقة، يعني ليس العمدة هذا الحديث، وإنما هو للاعتضاد، لا للاعتماد، يعني الآية كافية في هذا المعنى.
    ولذلك أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال مرفوعا؛ أي مرفوعا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن من ضعف اليقين» هو أعلى درجات العلم، «إن من ضعف اليقين أن تُرضي الناس بسخط الله» الأصل أن تُرضي الله في سخط الناس، حتى ولو سخط الناس، رضي الناس أم سخطوا عليك أن تُرضي الربَّ -سبحانه وتعالى-، أن تقوم بأمرِ الله -سبحانه وتعالى-، فأخذ رضى الناس واستبدله بسخط الله -سبحانه وتعالى-.
    «وأن تَحمدَهم على رزق اللهِ»، هل في هذا معنى، أنهم ليسوا سببا؟ لا، قد يكونون سببًا، لكنَّ كثيرًا من الناس تعلُّقهم بالأسباب الظاهرة، أما الرزقُ فهو من الله -سبحانه وتعالى-.
    «وأن تحمدهم على رزق الله، وأن تذمَّهم على ما لم يُؤتك الله» لم يعطك الله -سبحانه وتعالى-، فتذم الناس وتسبهم بسبب هذا، هذا لا يجوز، وهذا من ضعف الإيمان.
    فالواجب على المسلم أن يسأل الله -عز وجل-، أن يسأل الله رزقه، ويسأل الله -عز وجل- ما يُغنيه، لكن لا يمنع هذا أن يطالبَ بحقِّه، يقول: أعطني حقي، أعطني ما يجب لي، يبذل الأسباب، يجتهدُ في ذلك، لا يمنعُ ذلك أن يطلبوا عنه، ولذلك البحث عن الرزق، إنما هي أسباب، بينما الرزق من الله، فالناس يبحثون عن الرزق، لكن منهم من يرزق، ومنهم من لا يرزق، بل بعضهم يكون اجتهاده ضعيفا، وليس عنده، ويُرزق، وبعضهم يكون اجتهاده شديدا وعنده ذكاء في حفظِ المال وكذا ومع ذلك لا يُرزق شيئا.
    فكلها بيدِ الله -سبحانه وتعالى-، وإنما هذه هي أسباب، ولذلك حقيقة المؤمن التوكُّل على الله، والناس مجرد أسباب في ذلك، فهؤلاء كلهم يَكونون مجرد أسبابٍ، والله -سبحانه وتعالى- هو الرازق -سبحانه وتعالى-.
    «وأن تذمَّهم على ما لم يُؤتك الله» هذا الرزق ما كتبه الله، فلماذا تذم فلانًا؟! ما كتبه الله لك، الأمة لو اجتمعوا أن يمنعوا الرزق الذي لك لا يُمكن أن يمنعوك، سيأتيك رزقك، لكنْ أن تذمَّهم على شيءٍ لم يكتبه الله لك، ليس كذلك.
    «إن رزق الله لا يجرُّه حرص حريصٍ» رأينا أناسا فيهم من الحرص الشديد، وأناسا فيهم الفراسة، فرزق الله ذا، ولم يرزقْ هذا، شيء كتبه الله لهذا، وشيء لم يكتبه لهذا، والله -سبحانه وتعالى- يعطي جنة عرضها السماوات والأرض، فما بالك في عَرَضٍ من الدنيا؟! قد يكون ابتلاءً، وقد يكون امتحانًا، يُعطَى هذا، يُبتلى بماله، فلذلك على الإنسان أن يحرص على هذا البابِ.
    «لا يجره حرصُ حريصٍ، ولا يرده كراهية كارهٍ» كم من الناس يكرهون أن فلانًا عنده من المال، ومع ذلك رزقه كتبه الله -عز وجل-، لكن هل معنى هذا أننا لو أنَّ إنسانا سعى لنا بخيرٍ، أو سعى لإخوانه المسلمين، المهم أنه سعى في خيرٍ، هل نشكره أو لا؟ بل نشكره، والدليل.. من يحفظ الحديث؟ هناك دليل عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
    مسعود، نعم يا مسعود.
    {قال -عليه الصلاة والسلام-: «من لم يشكرِ الناسَ؛ لم يشكرِ الله»}.
    نعم، قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يشكرُ الله من لا يشكر الناس»، والحديث حسن.
    فإذن تشكر الناس إذا فعلوا لك معروفا، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من فعل إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا إلا أن تدعوا له، فادعوا له»، فلذلك تُكافئ من فعل إليك، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «احرص» ليس معنى ذلك أن الإنسان ينام، ويتواكل، كما يفعل أهل الجهالة، لا، قال: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله» -سبحانه وتعالى-.
    ولذلك هذا من ضعف اليقين؛ أن يجعل عِوض إرضاء الله -سبحانه وتعالى-، يسخط الله برضاء الناس، بل الإنسان يتبع رضى الله في كل الأحوال والأمور بيد الله -سبحانه وتعالى-.
    الحديث الخامس في هذا البابِ، أو الأخير في هذا الباب، حديث عائشة -رضي الله عنها-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من التمس رضى الناس بسخط الله، رضي الله عنه وأرضى الناس، ومن التمس رضى الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس»، رواه ابن حبان في صحيحه، والحديث صحيح.
    ولهذا الحديث قصة فإن معاوية -رضي الله عنه- لما تولى الخلافة -رضي الله عنه-، أرسل إلى أم المؤمنين عائشةَ -رضي الله عنها-؛ لأن عائشةَ -رضي الله عنها- روت كثيرا من حديث النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وهي من عُلماء الصحابة، فأرسل إليها يطلبُ منها النصيحةَ.
    فأرسلت إليه هذا الحديث العظيم، فكتبتْ إليه، «من التمس رضى الناس بسخط الله»، من التمس؛ يعني طلب رضى الناس بسخط الله، يُسخط الله بهذا حتى يرضى عنه الناسُ؛ فإن الله -عز وجل- يُعاجله ويُعاقبه بقصد مطلوبه، ما هو؟ أن يَسخط اللهُ -عز وجل- عليه، «من التمس رضى الله بسخط الناس، رضي الله عنه وأرضى الناس» إذا طلب رضى الله حتى ولو سخط الناسُ، فإن اللهَ -عز وجل- يُرضي عنه الناسَ.
    انظر خلفاء الأمة، انظروا عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- أسخط أناسا في زمنه، وأخذ أموالهم، وقام بأعمالٍ جليلة -رضي الله عنه-، ورد مظالمَ وقامَ بأعمال سخط عليه أناس، حتى جاء في بعض السيرِ أنهم وضعوا له سُما، ومع ذلك انظروا الأمة إلى هذه اللحظةِ كم يترحمون على عمر بن عبد العزيز، وهو من التابعين -رضي الله عنه-، انظر «من التمس رضى الله بسخط الناس؛ رضي الله عنه وأرضى الناس عنه».
    انظر قصة الإمام أحمد -رحمه الله- يأتي به خليفة أكبر دولة في العالم، يأتي به ويُطالبه بأن يقولَ: القرآن مخلوق، ويقف دون ذلك، ويُعذب ومع ذلك، انظر ترضِّي الأمة عنه، بل يرضى نفسُ الخليفة بعده، الخليفة الذي بعده الخليفة المتوكل يرجع إلى رأيِ الإمام أحمد، ولا يُعيِّن قاضيا ولا متوليا ولا واليا إلا من يُشير به الإمامُ أحمد -رحمه الله-، ويُعظمه غايةَ التعظيم، والأمة إلى هذه الساعة تُعظمه بذلك.
    انظر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وإن كان كثير من أهل البدع يُشنع عليه، انظر ماذا كان؟ أرضى الله عنه الناس، ورضي عنه، مع أنه مات وهو في السجن، ومع ذلك التمس رضى الله بسخط الناس، فرضي الله عنه وأرضى الله عنه، انظر إلى اليوم أي كتاب لابن تيمية يُنشر ومع ذلك لا مالَ عند ابن تيمية ولا ذُرية ولا غير ذلك، لكن فضل الله يُؤتيه من يشاءُ.
    ومن العكسِ منِ التمسَ رِضى الناس بسخطِ الله، يسخط الله ويُغضب الله، ويقول غيرَ الحق، ماذا يكون؟ سخط الله عليه وأسخطَ عليه الناسَ، هذا كبعض المعاصرين الآن يفتون بالفتاوى الباطلة، لأجل أن يرضوا بعض الناس إما حاكما أو غير ذلك، أو لبعض المصالح، أو لهذا الغرض، فيسخط الله عليه الناس، كل الناس ساخطون قوله، رادُّون لما يقول، نعوذ بالله من الخذلان.
    ولذلك الواجبُ على المسلم أن يقولَ ما أمر الله به، ويقول ما شرع الله، ويذكر الدليل من كتاب الله ومن سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأعظم ذلك من يُوافق الناسَ لأجل الشركِ، وفي قضايا الشرك الكبار، القضايا الكبيرة، في قضايا الشرك، يعرف الأدلةَ من الكتاب والسنة، لكن لأنَّ لوالده قبرا أو لقومه أصحاب القبور، فيُريد أن يوافقَهم ويسكت عن الحقِّ ولا يُبينه، نعوذ بالله، فإن هذا يُسخط الله عليه، ويسخط الناس عليه، نسأل الله حُسن الخاتمة في ذلك.
    فالواجبُ على المسلم أنه يطلب رضى الله -سبحانه وتعالى-؛ لأن الله بيده كل شيء -سبحانه وتعالى-.
    أيضًا نُثبت الرضى والسخط لله -سبحانه وتعالى-، فهذا مذهب أهل السنة والجماعة، وليست كما يقول أهل البدع أنهم يُنكرون على أهل السنة، يقولون إنكم تُثبتون الرضى والسخط مثل رضى الناس وسخط الناس، نعوذ بالله، هذا تشبيه، فإن أهل السنة لا يقولون بذلك، بل يُثبتون كما جاء في كتاب الله، وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
    نأخذ الباب الذي بعده في هذا الباب، وهو الأمن من مكر الله -سبحانه وتعالى-.
    أيضًا قارئنا ناصر.. طيب، تفضل يا ناصر.
    {باب قول الله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف: 99].
    وقوله تعالى: ﴿ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾.
    وقوله تعالى: ﴿ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ [الحجر: 56].
    عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الكبائر، فقال: «الشرك بالله واليأس من رَوح الله، والأمْن من مكر الله».
    وعن ابن مسعود قال: «أكبر الكبائرِ الإشراكُ بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من رَوح الله»، رواه عبد الرزاق.}
    إذن عندنا هذا الباب الآن، وهو باب قول الله -تبارك وتعالى-: ﴿ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾.
    هذه الآيات التي قبلها، قوله -تبارك وتعالى-: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [الأعراف: 94، 95]، هذا هو الأمن من مكر الله، هذا مكر الله، أخذناهم بغتة وهم لا يشعرون، ثم هذا ذكره الله -عز وجل- بعد أن ذكر قصص الأمم السابقة، الأمم السابقة في هذه السورة سورة الأعراف، ذكر الله -عز وجل- قوم الأقوام السابقة، قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم شعيب، وقوم لوط، كل هؤلاء الأقوام الذين كذبوا الله، أهلكهم الله -عز وجل-، ولذلك حذر -سبحانه وتعالى-: ﴿ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾.
    الأمن من مكْر الله -عز وجل- والقنوطُ من رحمة الله يُناقضان التوحيد، وينافيان كماله، ولذلك أدخلهما في هذا الباب، فهنا مر معنا الباب السابق هو باب الخوف، والآن عندنا باب الرجاء أيضًا فيه الخوف والرجاء في هذا البابِ.
    فإذن هنا الكلام عن الأمْن من مكر الله -عز وجل-، مكر الله هو إيصال العقوبة إلى من يستحقُّها من حيث لا يشعر، وهو عدلٌ منه -سبحانه وتعالى-.
    هو إيصال العقوبة إلى من يستحقها من حيث لا يشعر وهو عدل منه -سبحانه وتعالى-.
    فالمكر في حق الله تعالى عدلٌ وجزاء يُحمد عليه -سبحانه وتعالى-، يُنسب من باب المقابلة والجزاء، ولذلك ليس من أسماءِ الله -عز وجل- الماكر، ولا تُطلق صفةُ الماكر على الرب -سبحانه وتعالى-، المكر لمن يَستحقه، ولذلك الأمن من مكر الله يَستلزم عدم الخوف، الذي يأمنُ مكْر الله فإنه لا يخاف الله -سبحانه وتعالى-، لو كان يخافُ الله لم يأمنْ من مكْر الله -عز وجل-، ولذلك إذا جاءتِ النعمُ مع المعاصي فهو استدراجٌ، وإذا جاءتْ مع الطاعة فهي نِعمة من الله تعالى.
    إذا جاءتِ النعم والخيرات والأمن والأرزاق دارةً مع طاعة الله، مع الطاعة فهي نعمة، أما إذا جاءت مع المعاصي فهي استدراج من الله -سبحانه وتعالى-، وانظر هؤلاء الأقوام، كما قال الله تعالى: ﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف: 97- 99].
    انظر هؤلاء الأقوام في غاية الرَّغَد، ﴿ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾، الخائف في الليل ما يكون، والجائع ينام؟ الخائف أو الجائع هل ينام؟
    {الخائف والجائع لا ينام}.
    لكن هؤلاء نائمون؛ لأنهم في عيشٍ في رغد في أمانٍ في طُمأنينة، أو ﴿ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾ الفقيرُ منذ أن يصبحَ ماذا يفعلُ؟ ينطلقُ إلى عملِه، لكن هؤلاء لا يحتاجونَ، هؤلاء أغنياء، ضُحى، في رابعة النهار، عند ارتفاع الشمس وهم مقيمون يلعبون.
    يلعبون ومع ذلك أتاهم عذاب الله -سبحانه وتعالى- ﴿ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾.
    هؤلاء مقيمون على المعاصي وعلى اللهو في ذلك، وهم في ترف ونعم من الله -سبحانه وتعالى-، فإذن هذا هو الأمن من مكر الله -سبحانه وتعالى-.
    وكما قلنا لكم المكر في محله يدل على قوة الماكر، وأنه غالب على خصمه، ولذلك لا يوصف الله -سبحانه وتعالى- به على الإطلاق، فلا نقول: إن الله ماكر، وإنما هذه الصفة تكون في مقام المدح، كما قال الله تعالى: ﴿ وَيمْكُرُونَ وَيمْكُرُ اللَّهُ ﴾ [الأنفال: 30]، ويقول سبحانه: ﴿ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [النمل: 50]، ومثل قوله: ﴿ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ﴾، في مقابلة هنا تطلق، أما بعض من ألفوا سمى الله -سبحانه وتعالى- الماكر، فلذلك لا يقال: إن من أسماء الله الماكر.
    أما الخيانة فإنها لا توصف بها مطلقا، لأن ذم بكل حال، كما قال الله تعالى: ﴿ وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ﴾ [الأنفال: 71]، ولم يقل: خانهم في ذلك.
    إذن على الإنسان أن يحذر من النعم، يحذر النعم التي يجلبها الله تعالى للعبد، لئلا تكون استدراجا، وأن يشكر الله وأن يقوم بأمره -سبحانه وتعالى-.
    وقول الله -تبارك وتعالى-: ﴿ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ الآية التي قبلها الذي يأمن مكْر الله خاسر، هالك، وهنا الذي يقنطُ من رحمة الله ضالٌّ، غير مُهتدٍ، تائه عن الحق، فإذن في هذه الآية والتي قبلها جمْعٌ بين الخوف والرجاء.
    ولذلك الله -عز وجل- كما قال عن أنبيائه ورسله: ﴿يدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء: 90].
    فهذا إبراهيم لما بشَّرَه الملائكة بالولد بعد العُقم الطويل، وجاءه الملائكة لإهلاك قوم لوطٍ، وقدم إليهم عجلا سمينا، ولم لم يأكلوه، لما خاف منهم بشروه بهذه البشرى، ثم سأل، يعني كيف يكون الولد بعد هذا العقم، وزوجته امرأة كبيرة؟ آية من آيات الله، فبشروه بذلك، قال: ﴿ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾، فالذي يقنط من رحمة الله -عز وجل- ضالٌّ. فالقنوط من رحمة الله لا يجوز، وهو من كبائر الذنوب، كما سيأتي في حديث ابن عباس؛ لأنه سُوء ظنٍّ في قدرة الله -سبحانه وتعالى-، فالله بيده كل شيءٍ، بيده مقاليدُ الأمور -سبحانه وتعالى-، ومنها أنه طعْن في رحمةِ الله.
    انظر العبد لما يقفُ بين يدي ربه، ماذا يقول؟ يقولُ بكل صلاةٍ: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: 1- 3]، انظر صفة ربك -سبحانه وتعالى- التي تبدأ بها.
    ولذلك إذا وقع الإنسان في كُربة، أو في مُصيبة، فلا يستبعد فرج الله، فإن فرج الله قريب، وأنَّ الله -سبحانه وتعالى- يكشفُ كربَه، كما أخبرنا عن يونسَ -عليه الصلاة والسلام-، ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الصافات: 143، 144].
    الحديث الثاني عن هذا الباب: حديث ابن عباس -رضي الله عنه-، عن ابن عباس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الكبائر -عليه الصلاة والسلام-، فقال: «الشرك بالله، واليأس من رَوح الله» اليأس من رَوح الله، قريب من اليأس من رحمة الله، وهو الفرج والتنفيس، رَوح الله هو الفرج والتنفيث. روح الله رحمته -سبحانه وتعالى-، قريب من الرحمة.
    «والأمن من مكر الله» جَمَعَ بين الخوف والرجاء كما قال الله تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف: 87].
    ولذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- في أعظمِ المواقف -عليه الصلاة والسلام- من أشدِّ الناس تفاؤلا برحمة الله وفضله، انظر، يقف مشركون على رأسِه، هو وأبو بكر الصديق -رضي الله عنه- في الغارِ، فيقول: يا رسولَ الله، لو نظر أحد المشركين إلى شِراك نعله، يَعني بمجرد أنْ ينظرَ إلى نعله سيرانا، قال: «يا أبا بكرٍ، ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما؟».
    هل أعظم من ذلك؟ إنه اليقين برحمة الله وفضل الله -سبحانه وتعالى-.
    أيضًا هذا الحديث، والحديث الذي بعده دالاَّنِ على أنَّ الأعمال منها كبائر، ومنها صغائرُ، فلذلك الكبائر لا بدَّ من التوبة منها.
    فهذا الدليل دل عليه والحديث حسن، الحديث عن ابن عباس سنده حسن في ذلك.
    الحديث الأخير في هذا الباب حديث ابن مسعود قال: «أكبر الكبائر» قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «أكبر الكبائر الإشراك بالله» هذه أكبر الكبائر، وانظر حديث ابن عباس، بدأ بماذا؟ بالشركِ فالشركُ من أعظمِ الذنوبِ، أن تجعلَ لله ندًّا وهو خلقك، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48]، فالشرك أمْره عظيم، والشرك في الألوهيةِ، وليس كما يقولُ من ضل من طوائفِ هذه الأمة من يقول الشرك في الربوبية، لا، إنما الشركُ في صرفِ العبادة لله رب العالمين.
    قال: «الإشراك بالله، والأمن من مكْر الله، والقنوطُ من رحمة الله واليأس من روح اللهِ» كلاهما: القنوطُ من رحمة اللهِ، واليأس من روح الله متقاربان، وهذا الحديث صحيح، هذا الحديث سنده ثابت في ذلك.
    إذن: هذا الحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- هنا سُئل في حديث ابن عباس عن الكبائر، وهنا قال: «أكبر الكبائر»، وكأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أجاب كلَّ سائل بما يناسبه، لكن لو جمعنا هذه الأحاديث، تكون واضحة لنا في هذه القضايا.
    ولذلك هذا الباب يُبين لنا تحريمَ الأمنِ من مكر الله، والقنوطِ من رحمة الله -عز وجل-، ومنها أنه يَجب الجمع بين الخوف والرجاء، يجبُ على الإنسان أن يَجمعَ بين الخوف والرجاء، يخشى الله ويخافه، ويرجو رحمته ونصْره في ذلك.
    أيضًا أن الإنسان قاعدة له: يبدأ دائما بالأهم فالأهم، النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سئل عن الكبائر بدأ بماذا؟ بدأ بالشرك، بدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بالشرك، فدائما نبدأ بالأهم فالأهم؛ حتى نقومَ بكلِّ ما أمر الله -سبحانه وتعالى- في ذلك. فيراعي الإنسان هذه القضايا.
    وأيضًا مما يتعلق بهذا البابِ: ما يظنه بعض الناس أن الله لن ينصر دينه، ولن يُعلي كلمته، وأن هذا الدين لن ينتصرَ وأن النصرةَ تكون للكفارِ، هذا كله مما يجبُ على الإنسان أن يحذر منه، يجب عليه اليقين أنَّ هذا الدين منصور، وأن اللهَ ناصرٌ دينَه ومُعلي كلمته، وأنه لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا بلغه هذا الدين بعزِّ عزيز، أو بذل ذليل، فهل الدين منتصر، لكن من يقوم بذلك؟!
    قبل أن ننتقل إلى باب التوكل على الله -سبحانه وتعالى-، ننظر إذا كان فيه بعض الأسئلة لإخواننا فإن لهم حقًّا علينا.
    إذن عندنا الباب الثالث سيكون التوكل على الله -سبحانه وتعالى-.
    عندنا التوكل على الله -سبحانه وتعالى-، هو الباب: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [المائدة: 11].
    إذن عندنا الباب الثالث: هو التوكل على الله، والتوكل على الله جماع الإيمان، التوكل على الله -سبحانه وتعالى- هو جِماع الإيمان.
    تقرأ لنا يا ناصر.
    نعم.
    {باب قول الله تعالى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 23]،
    وقال تعالى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾}.
    تتكررُ الآية في هذا الباب والذي قبله؛ لأنَّ المؤلفَ جعل عنوانَ الباب هو الآية، نعم.
    {وقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [الأنفال: 2].
    وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 64].
    وقوله تعالى: ﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3].
    وعن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم -عليه السلام- حين أُلقي في النار، وقالها محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- حين قالوا له: ﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا ﴾ [آل عمران: 173].}
    هذا هو بابُ التوكل، باب التوكل على الله -تبارك وتعالى-، وقد جعل الله -عز وجل- كما في عنوان الباب جعل التوكل شرط في الإيمان، ﴿ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾، ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾.
    والتوكل كما فسَّره ابن عباس وغيرُه: جماعُ الإيمانِ، التوكل جماع الإيمان، بل قال بعضهم: التوكلُ نصف الدينِ، كما قال الله تعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، نستعين بالله ونتوكل عليه، وقد أمر الله عباده المؤمنين: ﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾ [هود: 23].
    هذه الآيةُ هي في قصة موسى وقومه، كما قال الله تعالى عن موسى: ﴿ يَا قَوْم ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾ [المائدة: 21]، حول قوم موسى -عليه الصلاة والسلام- أمرهم موسى -عليه الصلاة والسلام- أن يدخلوا إلى الأرض المقدسة، أرض فلسطين ليأخذوها من الوثنيين، فالأرض لله -عز وجل- يُورثها من شاء من عباده، ﴿ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾، لكنهم رفضوا ذلك، فقال رجلان ممن يخافون أنعم الله -عز وجل- عليهم: ﴿ قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ ﴾؛ أي: اعزموا، مجرد أنكم تعزمون ﴿ ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 23]، هل يكفي مجرد العزم والإصرار والإيمان والجهاد؟ لا، لا يكفي، ولذلك قال: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ لا بدَّ من التوكلِ على اللهِ -سبحانه وتعالى-.
    ولذلك الإنسان إذا أفردَ الله بالخوفِ والرجاء والمحبة، فإنه في حُصول مطلوبه، فإنه يعتمدُ على الله ويتوكل على الربِّ -سبحانه وتعالى-، ولذلك التوكل على الله توحيدٌ، والمتوكل على غيره مشركٌ، الذي يتوكل على غير الله، ولذلك لا يجوز لإنسانٍ أن يقول: توكلت على الله، ثم عليك، هل يجوز؟ لا يجوز؛ فالتوكل على الله وحده -سبحانه وتعالى-، أما الوكيل، أني أقمتك يا فلان وكيلا عني تقوم بعملي أو تقوم بكذا، فلا إشكالَ، هذه قضية أخرى في ذلك.
    هل ينافي التوكل الأسبابَ؟
    نبينا -صلى الله عليه وسلم- هو سيد المتوكلين -عليه الصلاة والسلام-، ومع ذلك هو -عليه الصلاة والسلام- اتخذ الأسبابَ وفعل الأسباب، فأمر بإطفاء السراجِ، السراج للإنارة، أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُطفأ في النومِ خشية أنه يصيبهم، وأمر بإغلاق الأبوابِ -عليه الصلاة والسلام-، وأمر -عليه الصلاة والسلام- بنفضِ الفراش؛ أي: تُحرك فراشك؛ لئلا يكونَ شيء من الدواب، ومنها أمْره -عليه الصلاة والسلام- بحفظ الصبيان في أول الليل؛ لأن الشياطين تنتشر، ومنها الزاد في السفر، النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر الزاد في السفر، ومنها أنه لبس درعين في الحرب -عليه الصلاة والسلام-، فإذن التوكل لا ينافي اتخاذ الأسباب، الإنسان يتخذ الأسباب، ويتوكل على الله -سبحانه وتعالى-، فهذه الأسباب قد تنفع، وقد لا تنفع في ذلك.
    فإذن: يكون الاعتماد على الله اعتمادا صادقا حقيقيا وفعل الأسباب المأذون فيها، لأنَّ بعض الأسباب غيرُ المأذون فيها -كما مر معنا- مثل الحلقة، والخيط، وغيرها، لا تنفع هذه الأسباب، فالإنسان يتخذ الأسبابَ التي أذِن الله فيها، ولذلك فإنَّ كثيرًا من الناس عندهم ضعف في قضية التوكل والتوكل على الله، ولذلك بعض الناس يعتمد على رزقه ومعاشه على الراتب الذي يأتيه أو الشيء الذي يأتيه لا يتوكل على الله -سبحانه وتعالى-، وهذا قال بعضهم: هذا قد يكون من الشرك الخفيِّ.
    والدليلُ الثاني في هذا البابِ قوله -تبارك وتعالى-: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ ﴾ إنما هنا أداة حصر، ﴿ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ ﴾، هذه الصفة الأولى: ﴿ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾، والصفة الثانية ﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ﴾، هذه صفة ثانية، ﴿ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [المائدة: 2] هذا محل الشاهد، وهذه الصفة الثالثة لهؤلاء أهل الإيمان.
    الصفة الرابعة: ﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ﴾ الخامسة: ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ [المائدة: 3].
    إذن: جاءت معنا قبلَ قليلٍ صفاتُ المهتدين، والآن صفاتُ أهل الإيمانِ، إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر اللهُ وجِلت قلوبهم، خافوا ولانت قلوبهم لذكر الله، ﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ هذه صفتهم الرابعة، الخامسة: ﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [المائدة: 3، 4].
    هذه صفاتُ أهل الإيمان، ومن صفاتهم: التوكلُ على الله -سبحانه وتعالى-، التوكل على الله -سبحانه وتعالى-.
    ونظرا لأن وقتنا انتهى الآن فنضطر للتوقف في نصف الباب، لم نكمل باب التوكل، لكن نتوكل على الله -سبحانه وتعالى-، ونستعين في إكماله بمشيئة الله تعالى في اللقاء القادم، بإذن الله تعالى، وإلى لقاء آخر متجدد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

  • #2
    رد: الدرس الثالث عشر(الخوف من الله)

    تلخيص
    باب الخوف من الله –سبحانه وتعالى

    باب قول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175].

    قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ﴾ [التوبة: 18]
    .
    وقوله: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ﴾ [العنكبوت: 10].

    عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- مرفوعًا: «إنَّ من ضعْف اليقين أنْ تُرضيَ الناس بسَخَطِ الله، وأن تحملهم على رِزق الله، وأن تظنَّهم على ما لم يُؤتك الله، إن رزق الله لا يجرُّه حرصُ حريصٍ، ولا يرده كراهيةُ كارهٍ».

    وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من التمس رضى الله بسخط الناس، رضي الله عنه وأرضى عنه الناسَ، ومن التمس رضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناسَ» رواه ابن ماجة في صحيحه.}

    ثلاثة أنواع من الخوف:
    1- خوف التأله والعبادة، هذا صرفه لغير الله شرك.
    2- الخوف الطبيعي لا يضر الإنسان، بل خوف الناس من النار مثلا وهروبهم منها، وإنقاذ إخوانهم هذا من الأمر الطيب الذي يُشكر عليه، وهو خوف جِبليٌّ.
    3- الخوف المحرم، وهو أن الإنسان يترك ما أمر الله به أو يترك ما نهى الله عنه خوفًا من الناس في ذلك.





    الأمن من مكر الله -سبحانه وتعالى-.
    {باب قول الله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف: 99].

    وقوله تعالى: ﴿ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ [الحجر: 56].

    عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الكبائر، فقال: «الشرك بالله واليأس من رَوح الله، والأمْن من مكر الله».

    وعن ابن مسعود قال: «أكبر الكبائرِ الإشراكُ بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من رَوح الله»، رواه عبد الرزاق.}

    مكر الله هو إيصال العقوبة إلى من يستحقُّها من حيث لا يشعر، وهو عدلٌ منه -سبحانه وتعالى-.




    الباب الثالث
    التوكل على الله -سبحانه وتعالى-
    .

    {باب قول الله تعالى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 23]،
    وقال تعالى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾}.


    {وقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [الأنفال: 2].

    وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 64].

    وقوله تعالى: ﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3].


    وعن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم -عليه السلام- حين أُلقي في النار، وقالها محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- حين قالوا له: ﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا ﴾ [آل عمران: 173].}







    تعليق


    • #3
      رد: الدرس الثالث عشر(الخوف من الله)

      تعليق


      • #4
        رد: الدرس الثالث عشر(الخوف من الله)

        جزاكم الله خيراً ونفع بكم
        فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً


        تعليق


        • #5
          رد: الدرس الثالث عشر(الخوف من الله)

          ولكما مثله وأكثر

          تعليق

          يعمل...
          X