إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الإيمان بالله في الإسلام والنصرانية واليهودية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإيمان بالله في الإسلام والنصرانية واليهودية

    بسم الله الرحمن الرحيم

    إن الشرائع السماوية كلها تدعو إلى توحيد الله عزوجل وتعظيمه وهذا ما يتوافق مع العقل والمنطق السليم مما يعني بطلان دعوى النصرانية في الثالوث القدوس وكذلك بطلان دعوى اليهودية بقومية الله عزوجل وبأنهم الشعب المختار وثبوت صحة دين الإسلام الناسخ لما سبقه من الشرائع السماوية والذي يدعو إلى تعظيم وتوحيد الله الواحد الأحد الذي لا نظير له ولا شريك له، فسبحانه وتعالى هو واحد في ذاته لا يتجزأ ولا يتناهى، وواحد في صفاته لا يُشبه شيئاً ولا يُشبهه شيء، وواحد في أفعاله لا شريك له ولا ند له، وفيما يلي توضيح وشرح ذلك:

    أولاً: إثبات وحدانية الله بالمنطق: لو إفترضنا أن هنالك إله عظيم خلقَ الله عزوجل من عدم غير موجود، ونستغفر الله ونعوذ به من هكذا قول، مما يعني بأن الله عزوجل هو بمثابة وسيط لأن الإله العظيم الذي إستطاع أن يخلُق الله عزوجل، هو قادر على خلق جميع الأشياء التي خلقها الله عزوجل لأن خلق الفرع أهون من خلق الأصل وذلك لأن الفرع يُخلق من أساس موجود وهو الأصل بينما الأصل يُخلق من عدم غير موجود، فالخلق من عدم هو أكثر إعجازاً من الخلق من موجود. وهذا ينطبق أو ينسحب على إفتراض تعدد الآلهة المخلوقة فلو إفترضنا أن عدد الآلهة على سبيل المثال سبعة أو أكثر فإن جميعهم يُعتبرون بمثابة وسطاء بإستثناء الإله الأعظم الأول الذي خلق أول إله وسيط والذي بدوره خلق الإله الوسيط الذي يليه وصولاً حتى خلق الله عزوجل. وهذا الإفتراض غير منطقي لأنه لماذا يحتاج الإله الأعظم إلى خلق وسطاء أو وسيط بينما هو قادر على خلق جميع الأشياء التي يخلقها الإله الوسيط أو الألهة الوسطاء، مما يعني بكل وضوح بأن إفتراض أن الله عزوجل مخلوق أوأنه هنالك من سبقه في الألوهية أو أن هنالك من هو أعظم من الله عزوجل هو إفتراض باطل. فلا وجود في الوجود كله إلا لإله واحد هو الأول والآخر الذي خلق كل شيء والذي يرث كل شيء عند فناء الكون.

    ثانياً: إثبات وحدانية الله بالقرآن الكريم: قال تعالى ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) (الأنبياء:22)، قال القرطبي في تفسير الآية: أنه لو كان في السماوات والأرضين آلهة غير الله معبدون لفسدتا، أي أنه لو أُفترض تعدد الآلهة فإن هذا سوف يؤدي إلى خراب السماوات والأرض وهلاك من فيهما إذا كانت هذه الآلهة أنداد أي نظراء متساويين لأنه عندما يريد إله واحد شيئاً ويريد إله آخر شيئاً ضده فإن حال هذا الشيء سوف يتوقف ولن ينفذ لأن إرادتهما متضادة ومتساوية مما يعني أن هذا الشيء المراد سوف يهلك دون أن يغلب أحدهما الآخر. أما إذا كانت العلاقة بين هذه الألهة ليست علاقة ندية فعندئذ إرادة الإله الغالب هي التي سوف تنفذ ضد إرادة الإله المقهور مما يعني أن خلق الإله الغالب سوف يعلو على خلق الإله المقهور ولذلك قال تعالى (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (المؤمنون:91)، فالآية الكريمة تُشير إلى أن الله عزوجل ليس له ولد لأنه سبحانه وتعالى ليس له صاحبة أو زوجة وذلك لأنه عزوجل قائم بذاته غني عن جميع خلقه لا يحتاج أحداً، وكذلك لأنه سبحانه وتعالى لا يضعف ولا يعجز ولذلك لا يحتاج إلى ولد. فلو قُدر تعدد الآلهة لما إنتظم الوجود، فلوجدت السماء التي تُغلف الأرض لونها غير مُتسق وغير مُنتظم ومخنلف من مكان إلى آخر ولوجدت جزء منها يحمي الأرض التي تحته من الأشعة فوق البنفسجية التي تصدر من الشمس بينما جزء آخر لا يحمي ما تحته من هذه الأشعة الضارة، قال تعالى (وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون ) (الأنبياء:32 )، ولوجدت أرض مستقرة ثابتة وأرض أخرى غير مُستقرة ومتحركة، قال تعالى (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (النحل:15)، ولوجدت بعض الطيور تبيض والبعض الآخر لا تبيض ولكن المُشاهد أن جميع الطيور تبيض. ولوجدت بعض الثدييات تتغذى صغارها على حليب الأم والبعض الآخر لا تتغذى صغارها على حليب الأم ولكن المُشاهد أن جميع الثدييات تتغذى صغارها على حليب الأم، ولوجدت خلق الإنسان غير مُتسق وغير مُنتظم ولكن المُشاهد غير ذلك فالبشر هم أنواع مختلفون في الشكل واللون واللسان، قال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ) (الروم:22)، وقال تعالى (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) (التغابن:3)، ولكنهم جميعا مشتركون في آدميتهم وإنسانيتهم فتجد جميعهم يأكلون ويشربون ويتناسلون ويدركون ويعقلون ويمرضون ويموتون وغير ذلك، فتجد كل هذه الآيات الكونية تدل على وحدانية الله الملك العظيم الواحد الأحد وكما قال الشاعر، وفي كُلِّ شيءٍ له آيةٌ تدلّ على أنَّه واحِدُ.

    فبناءاً على ذلك كله، المنطقي هو أنه يوجد إله واحد لا شريك له وهو الأول وهو الله الملك العظيم الأول الآخر وهذا ما يعتقد ويؤمن به المسلمون، فمن أسماء الله الحسنى (الأول) الذي معناه أن الله سبحانه وتعالى لم يسبقه في الوجود شيء فأولية الله هي أولية زمانية لتقدمه على كل من سواه في الزمان، قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء)، وكذلك من الأولية أنه سبحانه وتعالى علا بذاته وشأنه فوق كل شيء، وهو الذي لا يحتاج إلى غيره في شيء وهو المستغني بنفسه عن كل شيء، قال تعالى ( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ) (فاطر:15)، وذلك لتقدمه عزوجل على غيره تقدماً مُطلقاً في كل وصف كمال فالكمال المُطلق هو مختص بذاته سبحانه وتعالى ولا أحد سواه. ولذلك فإن الله عزوجل لا يحتاج إلى وسيط أو وسطاء في خلق جميع المخلوقات فسبحانه وتعالى منفرد في العظمة والمشيئة والقدرة المُطلقة في مقابل العجز والقصور لغيره من المخلوقات فلا يُدانيه ولا يساويه أحد من خلقه في ذاته ووصفه وفعله، فالأولية هي وصف لله عزوجل وليست لأحد سواه. وبنفس الوقت الله عزوجل هو الآخر لأنه هو الباقي سبحانه و تعالى بعد فناء خلقه، الدائم بلا نهاية، الحي الذي لا يموت، قال تعالى ( وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون) (الحجر:23). وسبحانه وتعالى هو نور ليس كمثله نور فجميع أنوار الكون والسموات والأرض ليس لها من نور الله عزوجل إلا الإسم، فالله عزوجل فوق السماء السابعة فوق عرشه لا يُعلَم كيفية إستوائه على عرشه لأن العرش هو مكان الإستواء وعدم معرفة كيفية العرش أي عدم معرفة كيفية مكان الإستواء يفيد عدم معرفة كيفية الإستواء. فهو العلي الأعلى ، فوق جميع مخلوقاته سبحانه وتعالى وتقدس مستو على عرشه ، وعرشه فوق سماواته وهذا ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة ، وإجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل القرون المفضلة. قال الله تعالى ( سبح اسم ربك الأعلى ) (الأعلى:1)، وقال الله تعالى ( يخافون ربهم من فوقهم ((النحل:50 )، وقال الله تعالى ( ثم استوى على العرش ) في سبعة مواضع من القرآن، وقال الله تعالى ( إليه يصعد الكلم الطيب) (فاطر: 10)، وقال الله تعالى ( بل رفعه الله إليه( (النساء:158)، وقال الله تعالى ( أأمنتم من في السماء) (الملك:16) . والسماء بمعنى العلو ، أو هي السموات المعروفة و ( في ) بمعني (على ) أي: على السماء ، إذ ليس الله تعالى محصوراً ولا داخلا في شيء من خلقه ، وهذا نحو قوله تعالى ( قل سيروا في الأرض ) (العنكبوت:20) أي على الأرض، وكقوله تعالى ( ولأ صلبنكم في جذوع النخل ) (طه:71) أي على جذوع النحل.

    فالله سبحانه و تعالى منزه عن الإتحاد والإنحلال فلا يحتويه شيء ولا يدخل في شيء، ولكن علمه في كل مكان لأنه هو السميع البصير المدبر الذي يسمع ويُبصر ويُدبر كل شيء. فمن قال : إن الله في كل مكان ، يريد نفي علوه على عرشه ، وأنه بذاته في الأمكنة فقوله باطل بل هو كفر بالله تعالى ، لما فيه من إثبات الحلول والامتزاج بالمخلوقات. ولهذا قال الإمام ابن خزيمة ( من لم يقل إن الله فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه وجب أن يستتاب ، فإن تاب و إلا ضربت عنقه ، ثم ألقي على مزبلة لئلا يتأذى به أهل القبلة ولا أهل الذمة ). ومن قال إن الله في كل مكان يريد بذلك علمه تعالى وأنه لا يعزب مكان عن علمه ، فهذا حق ، وينبغي له أن يصرح مع ذلك بأن الله بائن عن خلقه مستو على عرشه لئلا يوهم كلامه حلول الله في خلقه ، تعالى الله عن ذلك .وهذا هو معنى قوله تعالى ( وهو معهم أينما كانوا ) وقوله (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم …) الآية. وقد صح عن الإمام مالك بن أنس رحمه الله أنه قال : ( الله في السماء ، وعلمه في كل مكان لا يخلو منه شيء ) وقد نقل الإمام أبو عمرو الطلمنكي الإجماع على أن المراد بهذه الآية : العلم. وقال القاضي أبو بكر الباقلاني في كتابه الإبانة: (فإن قال: فهل تقولون إنه في كل مكان؟ قيل له: معاذ الله ، بل هو مستو على عرشه كما أخبر في كتابه فقال (الرحمن على العرش استوى ) وقال الله (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) وقال( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور) . ولو كان في كل مكان لكان في بطن الإنسان وفمه ، والحشوش ، والمواضع التي يرغب عن ذكرها ، ولوجب أن يزيد بزيادة الأمكنة إذا خلق منها ما لم يكن ، وينقص بنقصانها إذا بطل منها ما كان ، ولصح أن يُرْغب إليه إلى نحو الأرض ، وإلى خلفنا وإلى يميننا وإلى شمالنا ، وهذا قد أجمع المسلمون على خلافه وتخطئة قائله ).

    ثالثاً: بطلان دعوى الثالوث القدوس عند النصارى: فمبدأ الثالوث القدوس عند جماعة النصارى الذين يؤمنون به هو قائم على أن الله هوثلاثة (الأب، الإبن، روح القدس) وجميعهم مشتركون في الجوهر الإلهي أو الذات الإلهية ولكنهم بنفس الوقت متمايزون أي مختلفون لأن الأب هو أب والإبن هو إبن والروح القدس هو روح القدس فجميعهم آلهة منسجمة مع بعضها البعض ولا تعارض بينهم وأصلهم واحد وهو الأب. أما بالنسبة لصفات الآلهة الثلاث المتمثلة في الثالوث القدوس هي أن الأب هو الجوهر الإلهي أو الكينونة أي الأصل، والإبن هو العقل، والروح القدس هو الحياة ولكن هذا لا ينفي أن جميعهم يتصفون بالجوهر الإلهي لأن الجوهر الإلهي هي صفة الأب وأصل الإبن وروح القدس هو من الأب وبالتالي حملوا صفة الأب ألا وهي الجوهر الإلهي، وكذلك جميعهم يتصفون بصفة العقل لأن العقل صفة الإبن ومصدر الإبن هو الأب وبالتالي العقل من صفة الأب وروح القدس حمل صفة العقل من الأب، وأيضاً جميعهم يتصفون بصفة الحياة لأن الحياة هي صفة روح القدس ومصدر روح القدس هو الأب وبالتالي الحياة من صفة الأب والإبن حمل صفة الحياة من الأب (والعياذ بالله من هكذا قول). فيبدو واضحاً و جلياً أن فكرة أو مبدأ الإله الوسيط هي متحققة في مبدأ أو فكرة الثالوث القدوس، فالإبن هو إله يتصف بصفة العقل مصدره الأصل وهو الله وبالتالي الإبن هو إله وسيط لأنه إله خلقه الله، وكذلك الروح القدس هو إله يتصف بالحياة مصدره الأصل وهو الله وبالتالي هو إله وسيط لأنه إله خلقه الله. وطبعاً هذا المبدأ باطل لما تم توضيحه أعلاه لأنه سبحانه وتعالى غني عن الوسطاء وعن خلقه جميعاً فلماذا الله عزوجل يعطي صفة الألوهية وصفة العقل وصفة الحياة لألهة أخرى هو خلقها ومن أجل ماذا ؟ّ!!!. وقد يقول قائل، أن الله عزوجل خلق الإبن وهو العقل وخلق روح القدس وهو الحياة من أجل أن يعرفه الناس جميعاً، والجواب هنا أنه سبحانه وتعالى خلق العقل والروح أي الحياة في كل إنسان من أجل أن يتبعوا أنبيائه عزوجل المرسلين كي يستطيعوا أن يتبعوا الطريق المستقيم وهو طريق عبادة الله عزوجل وحده لا شريك له، فلماذا الحاجة كي يخلق الله عزوجل إله يتصف بالعقل وإله يتصف بالحياة وهوقادر على أن يخلقهما في كل إنسان دون الحاجة إلى الإبن وروح القدس. من جانب آخر، إذا ما علمنا أن من مقتضيات الألوهية المُلك لأن الإله يملك كل الخير وكل الشر ولذلك يعبده عباده من أجل أن يُنعم عليهم بالخير ويمنع ويدفع عنهم الشر ومن أجل ذلك فإن دعوى ألوهية البشر هي باطلة لأن الإنسان مهما بلغ سلطانه فهو يبقى ضعيف لا يملك دفع الموت أو المرض عن نفسه أو جلب الخير لنفسه إذا ما مُنع عنه، فكيف له أن يضر أو ينفع عبيده، قال تعالى (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (المائدة:76). ومن مُقتضيات المُلك الحُكم لأن من يَملُك يحكُم بينما ليس بالضرورة من يحكم يَملك لأن الحاكم لا يملك إلا فيما خوله أو ملكه رعيته إياه. وبالتالي يبدو واضحاً وجلياً أن الألوهية أعظم من المُلك والمُلك أعظم من الحكم وبناءاً على ذلك يظهر تساؤل مهم جداً وهو كيف يُمكن للفطرة الإنسانية أن ترفض الإنسجام مع فكرة أو مبدأ الندية في الحكم وتقبل فقط المشاركة في الحكم من خلال الشورى، وفي المقابل من يؤمن بالثالوث القدوس يفترض قبول الله عزوجل الندية في الألوهية من خلال إنسجامه سبحانه وتعالى مع الإبن الإله ومع روح القدس الإله مما يعني أن ذات الله عزوجل الخالق تقبل الندية في الألوهية التي هي أعظم بكثير من الحكم الذي ترفض الفطرة الإنسانية المخلوقة الندية فيه ؟!!!. فتجد عند البشر هنالك حاكم واحد يحكم البلاد مع شركائه، وهنالك قائد واحد يقود الجيش مع شركائه، وهنالك شخص واحد فقط يرأس مجلس الإدارة في الشركات التجارية بمختلف أنواعها مع شركائه، وكذلك تجد أن الرجل من يتولى مسؤولية البيت مع زوجته. وحتى عندما لا يحكم الرجل تأخذ المرأة مكانه مع أن الإسلام يُعارض حكم المرأة لقوله عليه الصلاة والسلام (لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً) (الراوي: نفيع بن الحارث الثقفي أبو بكرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7099 خلاصة حكم المحدث: صحيح) وذلك ليس لأن الإسلام لا يحترم المرأة كما يدعي بعض المُغرضين فالإسلام يحترم المرأة ويُكرمها ويعتبرها شريكاً للرجل ولكنه في نفس الوقت يجد الرجل مؤهلاً للقيادة أكثر من المراة لأسباب عديدة منها: البنية الجسدية الصلبة للرجل، مقدرة الرجل على قيادة الجيوش، مقدرته على تحمل الجهد والمشقة وكذلك رجاحة عقله لمقدرته على ترجيح العقل على العاطفة أكثر من المرأة، فالعلاقة بين العقل والعاطفة هي علاقة توازن ثابت يختلف بإختلاف الجنس والأفراد لأن أي زيادة في الإعتماد على تحكيم العقل تكون على حساب نقصان في الإعتماد على الميل إلى العاطفة والعكس صحيح. وبناءاً على ذلك كله يبدو واضحاً وجلياً أن دعوى الثالوث القدوس هي باطلة وضالة وعلى الأغلب أن سبب ضلال النصارى هو خطؤهم في تأويل لفظ (كلمته) ولفظ ( روح القدس ) أي في إتباعم لمعنى خفي مرجوح بدلاً من المعنى الظاهر الراجح لهذه الألفاظ من غير دليل مقنع يُبرر نَسبُهم الألوهية لكلمة الله وهو سيدنا عيسى عليه السلام وكذلك نَسبُهم الألوهية لروح القدس وهو سيدنا جبريل عليه السلام فلا وجود لقرينة تدُل على معاني الألوهية لهذه الألفاظ، فهم لم يتعمدوا الضلال كاليهود المُضللين ولذلك هم ضالون وليسوا مُضللين (والله أعلم).

    أما في الإسلام المراد بلفظ (روح القدس) هو الروح الطاهرة المقدسة أي سيدنا جبريل عليه السلام الذي نفخ في درع مريم رضي الله عنها، أي في قميصها، فحملت بسيدنا عيسى عليه السلام بأمر وإذن الله عزوجل، لقوله تعالى ( إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ ) (المائدة:110 ). أما المراد في لفظ (كلمته) هو خلق سيدنا عيسى عليه السلام بأمر الله عزوجل وكلمة ( كن فيكون ) ومن دون واسطة نطفة أب مما يعني أن سيدنا عيسى عليه السلام خُلق من أنثى بلا ذكر كما خُلق سيدنا آدم عليه السلام بلا ذكر ولا أنثى وكما خُلقت حواء رضي الله عنها من ذكر بلا أنثى. بينما المراد في لفظ ( روح منه) في قوله تعالى ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاّ الْحَقّ إِنّمَا المسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلمتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لّكُمْ إِنّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لّهُ مَا فِي السّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً ) (النساء:171) هو عدة أوجه كما قال المفسرون، فقيل: وروح منه، هو روح كسائر الأرواح إلا أن الله تعالى أضافه إلى نفسه تشريفاً وتفضيلاً كقوله تعالى في سيدنا آدم عليه السلام (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) فهنا أضاف الله عزوجل روح سيدنا آدم عليه السلام لذاته سبحانه وتعالى تشريفاً وتكريماً له والدليل على ذلك أنه عزوجل أمر الملائكة أن يسجدوا لسيدنا آدم عليه السلام سجود تعظيم وتكريم وليس سجود عبادة. وقيل: الروح هو النفخ الذي نفخه جبريل عليه السلام في درع مريم فحملت بإذن الله تعالى، سمي النفخ روحاً لأن النفخ هو ريح يخرج من روح النافخ وأضاف سبحانه وتعالى النفخ أي الروح إلى نفسه بالرغم من أن سيدنا جبريل عليه السلام هومن قام بالنفخ وذلك لأنه عزوجل هو من أمر بالنفخ. وقيل: جرت العادة بأنهم إذا أرادوا وصف شيء بغاية الطهارة والنظافة قالوا: إنه روح فلما كان خلق سيدنا عيسى عليه السلام بنفخ من سيدنا جبريل عليه السلام لا من نطفة وصف عليه السلام بالروح. وبناءاً على ذلك كله فإن النصارى قد ضلوا طريقهم بالإعتقاد بالثالوث القدوس ولكنهم بالرغم من ذلك يبقوا أهل كتاب وأصحاب شريعة سماوية والإسلام العظيم والمسلمون يعتبرون دخول النصارى في الإسلام، خاصة الغربيون منهم، مكسباً وإنجازاً عظيماً وذلك ليس بسبب أموالهم وحضارتهم المتطورة التي بنوها، لقوله عليه الصلاة والسلام (إنَّ اللّهَ لا ينظرُ إلى صورِكُم وأموالِكُم، ولَكِن ينظرُ إلى قلوبِكُم وأعمالِكُم ) (الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 4651 خلاصة حكم المحدث: صحيح)، مع الإشارة إلى أن حضارتهم لا تخلو من بعض السلبيات. فهذه القلوب الغربية تنفست شهيق حرية الفكر والعقل وطردت زفير التعصب الأعمى وذلك بسبب نجاحها في نشر قيم المساواة الإنسانية وقيم العدالة وقيم إحترام الإنسان وقيم الإجتهاد والعمل والبناء في سائر أنحاء الجسد الغربي.

    رابعاً: بطلان دعوى قومية الله عزوجل: إن وحدانية الله عزوجل تنفي علو الناس بعضهم على بعض لقوله تعالى (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (المؤمنون:91)، وهذا ظاهر في طبيعة خلق البشر فالناس متساوون في إنسانيتهم وآدميتهم لكونهم بدايتهم واحدة ونهايتهم واحدة ويحملون كلا الخير والشر معاً وجميعهم عبارة عن أرواح تسكن أجساد. مما يعني أن إنتفاء علو الناس بعضهم على بعض يدحض أي يبطل دعوى اليهود بأنهم شعب الله المختار وبأن الله عزوجل هو إله قومي لا يُحاسبهم بقانون الأخلاق إلا في سلوك بعضهم مع بعض، أما غير اليهود فهو لا يُحاسبهم على سلوك معيب بهم. وكذلك نسبهم صفات بشرية إلى الله عزوجل هو باطل كقولهم إن الله عزوجل يتصف بالمشي والجهل والحزن والندم والقراءة والتعلم والهزل واللعب وغير ذلك (والعياذ بالله ونستغفره من هكذا قول). لأن صفات الله عزوجل هي صفات مطلقة لا تخضع إلى المقارنة، كقولنا الله يتصف بُمطلق القوة، وهي أيضاً غير مُقيدة لأنها غير محدودة، كقولنا الله عزوجل هو السميع أي أن سمعه سبحانه وتعالى محيط بكل المسموعات في أي مكان وفي أي زمان وفي أي حال دون أن يكون هنالك أي حصر لسمعه عزوجل، بينما الصفات البشرية تتصف بالعجز وبالقصور وبالنسبية وبالمحدودية التي تخضع للمقارنة. وبناءاً على هذا يجب توجيه دعوى لليهود من البشرية جمعاء وليس فقط من المسلمين إلى أن يطهر اليهود أنفسهم من النزعة الشيطانية الإستعلائية والإستكبارية التي زرعها وما زال يزرعها أحبارهم في قلوب وعقول اليهود وذلك من أجل أن يعودوا إلى رشدهم ومن بعد ذلك يستطيع المسلمون أن يدعوهم إلى الإسلام كي يصبحوا إخوة كرام للمسلمين. أما إذا ما أصروا على إستكبارهم وإحتقارهم لغيرهم من البشر فهذا يعود إلى عيب النقص فيهم فهم لا يملكون إلا الأذى للبشرية الجمعاء ولا يحملون أي قيم نافعة إلى بقية الشعوب فهم كانوا وما زالوا يحلمون بوهم إستعباد غيرهم من البشر، بينما الله عزوجل لا يستعبد البشر بالرغم من أنه الملك الخالق العظيم فسبحانه وتعالى خلق البشر ودعاهم وأمرهم بعبادته عبادة معنوية ولم يطلب منهم عبادة حسية ملموسة، فسبحانه وتعالى ليس صنم أو تمثال يأمر عباده أن يعطوه الأموال وأن يطعموه ويسقوه، وكذلك سبحانه وتعالى ليس بشر يحمل العصا كي يضرب من يعصيه ومن لا يعطيه الضرائب ومن لا يقدم له القرابين أو من لا يسجد عند قدميه أو من لا يقبل يديه وتنزه وتعالى سبحانه عن هكذا كفر وهكذا ضلال. بل الله سبحانه وتعالى هو ملك عظيم نعبده ونقدسه ونعظمه ونركع ونسجد له ونحن لا نراه لأنه سبحانه وتعالى منزه عن التجسيد والتجسيم فهو موجود فوق السماء السابعة فوق عرشه لقوله تعالى (الرحمن على العرش استوى) وعلمه في كل مكان يسمع ويبصر جميع خلقه ولا تخفى عليه خافية في ملكوت السموات والأرضين، وبالتالي عبادتنا لله عزوجل هي عبادة معنوية تطمئن بها الأرواح ولكن لا تلمسها أو تحسها الأبدان. وبناءا على ذلك فيجب على اليهود أن يبصروا حقيقة أنهم بشر مثلهم كمثل غيرهم وأنهم ليسوا فوق غيرهم من الأمم لمجرد أنهم يهود وأنهم شعب الله المختار كما يدعون كذباً ولأنهم يملكون الأموال فالمعيار الذي يُفاضل بين الناس هو معيار فضيلة التقوى التي تنبثق عن الإيمان وعن طهارة ونقاء الروح وليس المال أو أي متاع آخر من متاع وزينة الحياة الدنيا لأن كل هذه هي عبارة عن وسائل يستعين بها الإنسان على العيش في الحياة الدنيا لأنها مُسخرة لمنفعة الإنسان، فهي ليست أسباب خُلقت من أجل أن يكون حصول الإنسان عليها هدف وغاية فالهدف والغاية من خلق الإنسان هو عبادة وتوحيد الله الملك الخالق العظيم لقوله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (الذاريات:56).

    خامساً: صفات الله عزوجل في الإسلام: لله سبحانه وتعالى ذات متصفة بصفات الكمال ومنزهة عن صفات النقص، ولله صفات وصف الله بها نفسه عزوجل في كتابه، أو وصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الصحيحة كإثبات الوجه، اليد، الأصابع، القدم، الساق، الضحك، النزول، الكلام، المحبة، الكراهية والبغض، العلم، السمع، البصر، والحياة والقيومية، يجب على المسلم أن يُثبت هذه الصفات ويؤمن بها لفظاً ومعنى بلا تأويل، ولا تشبيه ولا تمثيل، ولا تعطيل ولا تكييف، كما قال تعالى ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:11). فالتمثيل: هو اعتقاد مماثلة أي شيء من صفات الله تعالى لصفات المخلوقات. وأما التكييف: فهو اعتقاد أن صفات الله تعالى على كيفية أي شيء مما يتخيله الإنسان أو تدركه العقول أو تحده، وليس المقصود نفي وجود كيفية لصفات الله، وإنما المقصود نفي علم الخلق بهذه الكيفية كما بين ذلك الإمام مالك رحمه الله وغيره من السلف عندما سُئلوا عن قوله تعالى( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)(طـه:5)، فقالوا: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وكذلك قال ربيعة شيخ مالك قبله: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، ومن الله البيان، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا الإيمان. وأما معنى تنزيهاً: ففي اللغة يقال: نزه نفسه عن القبيح تنزيهاً أي: نحَّاها، و المقصود الشرعي: نفي كل ما لا يليق بالله سبحانه كتنزيهه عن الصاحبة والولد والسِّـنة والنوم وما شابه ذلك. وأما التعطيل: فهو نفي صفات الله تعالى أو أسمائه وإنكار قيام صفات الله تعالى به، ومن أعظمه جحود الرب تعالى، بأن ينكر وجوده. وأما التأويل: فهو لفظ يستعمل في ثلاثة معانٍ: الأول: التأويل بمعنى التفسير، وهذا هو الغالب على اصطلاح المفسرين للقرآن. والثاني: التأويل هو الحقيقة التي يؤول إليها الكلام كما قال تعالى( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقّ ) (الأعراف:53) ، أي هل ينظرون إلا وقوع ما أخبر به، كما قال تعالى عن يوسف عليه السلام حين تحققت رؤياه) هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ) (يوسف:100). والمعنى الثالث: فهو صرف اللفظ عن الاحتمال الظاهرالراجح إلى الاحتمال الخفي المرجوح لدليل يقترن به. فإن صرف إلى الاحتمال المرجوح بغير دليل فهو التحريف والمذموم. فإن المسلم يتعين عليه تصديق الله فيما أخبر به عن نفسه، وإيمانه بما سمى به ووصف به نفسه من الأسماء والصفات، فالله أعلم منا بنفسه وهو أصدق فيما يصف نفسه به، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بالله وهو الصادق المصدوق، فقد قال الله تعالى ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا )(النساء:87)، وقال الله تعالى في وصف حال نبيه صلى الله عليه وسلم( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى )(النجم:3-4).
    فالسلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن سار على طريقتهم يعلمون معاني النصوص ويؤمنون بها في حال دل عليها ظاهر النص، ويفوضون علم الكيفية بذات الله تعالى وكيفية صفاته سبحانه إلى الله عزوجل. قال الإمام مالك: الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب. فلم يؤثر عن المفسرين من الصحب والتابعين صرف ألفاظ الوحي عن حقيقتها إلى مجازها إلا بدليل يفيد ذلك، فالأصل في كلام العرب حمل اللفظ على حقيقته، وعدم صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه إلى لفظ مرجوح إلا بدليل وقرينة تدل على المراد، فالأصل إذاً هو عدم التأويل مطلقاً إلا إذا ثبت دليل يرجح المعنى المرجوح على الظاهر، فما أوهم حدوثاً أو نقصاً في ألفاظ الوحي بيَّن الشارع المراد منه ولم يترك لبسا يضطرنا لتأويل وتحريف معاني الكلم، ومن ذلك ما ثبت في الحديث القدسي في صحيح مسلم: (إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا بن آدم مرضت فلم تعدني، وقوله: يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني.) فقد وضح الله المعنى المراد فيه بقوله: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده، وقال في الإطعام: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه. ومثل ما قيل في هذا يقال في آية: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) (الحديد: 11) فالمراد المطلوب من العباد هو إنفاقهم فيما يرضي الله من إطعام المحتاجين وإعانة الغزاة وما أشبه ذلك، ولا يفهم منه أن الله محتاج للقرض من الناس.

    فالإيمان بما ثبت عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم واجب شرعي، وقول المحدثين فيه أولى من قول العقلانيين، لأن المحدثين أدرى بنصوص الوحي ممن حكموا عقولهم في الوحي المنزل من عند الله زعما منهم أنهم ينزهون الله عن الشبه بالمخلوق، فأنكر بعضهم الأسماء والصفات كما عمل الجهمية، وأنكر بعضهم الصفات كما عمل المعتزلة، وأوَّل بعضهم بعض الصفات كما عمل بعض الأشاعرة. أما كون ما أخبرنا الله به عن نفسه مجهولاً لنا من جهة الكيفية فهو ثابت بدلالة السمع أي الدليل الأثري وبدلالة العقل أي الدليل النظري. فأما الدليل الأثري السمعي: فكما في قوله تعالى ( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) (طه:110) وقوله تعالى( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأعراف:180). وقوله تعالى ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:11). وقوله تعالى ( فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(النحل:74) فإن نفي الإحاطة علماً شامل للإحاطة بذاته وصفاته، فلا يعلم حقيقة ذاته وكنهها إلا هو سبحانه وتعالى، وكذلك صفاته. وأما الدليل النظري العقلي: فلأن الشيء لا تدرك كيفيته إلا بمشاهدته، أو بمشاهدة نظيره المساوي له، أو الخبر الصادق عنه، وكل هذه الطرق لا يمكن وجودها في التعرف على كيفية ذات الله تعالى وصفاته، فبالتالي تكون كيفية ذات الله وصفاته مجهولة لنا. مما يعني أنه يجب الوقوف في القول في أسماء الله وصفاته على ما جاء به السمع. وأيضاً فإن أي كيفية يقدرها الإنسان لذات الله تعالى وصفاته في ذهنه، أو ينطق بها بلسانه فالله أعظم وأجل من ذلك، وإن أي كيفية يقدرها في ذهنه، أو ينطق بها بلسانه فسيكون كاذباً فيها؛ لأنه ليس له دليل عليها.

    والقول الفصل المطرد السالم من التناقض ما كان عليه سلف الأمة وأئمتها من إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه من الأسماء والصفات، إثباتاً بلا تمثيل، لقوله تعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) ( الشورى: 11)، وتنزيهاً بلا تعطيل، لقوله تعالى (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا) (الإسراء:43 )، وقوله تعالى (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الحشر:23 )، وإجراء النصوص على ظاهرها على الوجه اللائق بالله عز وجل، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل. ويتبين هذا بأصلين:أحدهما: أن يقال لمن يثبت بعض الصفات دون بعض: القول في بعض الصفات كالقول في بعض. أي أن من أثبت شيئاً مما أثبته الله لنفسه من الصفات ألزم بإثبات الباقي، ومن نفى شيئاً منه ألزم بنفي ما أثبته وإلا كان متناقضاً. الأصل الثاني: أن يقال لمن يقر بذات الله تعالى ويمثل في صفاته أو ينفيها:القول في الصفات كالقول في الذات. يعني أن من أثبت لله تعالى ذاتاً لا تماثل ذوات المخلوقين لزمه أن يثبت له صفات لا تماثل صفات المخلوقين، لأن القول في الصفات كالقول في الذات، وهذا الأصل يخاطب به أهل التمثيل، وأهل التعطيل من المعتزلة ونحوهم. فيقال لأهل التمثيل: ألستم لا تمثلون ذات الله بذوات المخلوقين؟! فلماذا تمثلون صفاته بصفات خلقه؟ أليس الكلام في الصفات فرعاً عن الكلام في الذات؟! ويقال لأهل التعطيل من المعتزلة ونحوهم: ألستم تقولون بوجود ذات لا تشبه الذوات؟ فكذلك قولوا بصفات لا تشبه الصفات!!.
    وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن نصوص الصفات تجرى على ظاهرها اللائق بالله عز وجل من غير تحريف، وأن ظاهرها لا يقتضي تمثيل الخالق بالمخلوق، فاتفقوا على أن لله تعالى حياة، لقوله تعالى( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) (الفرقان: 58)، وعلماً، لقوله تعالى ( وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة: 29)، وقدرة، لقوله تعالى (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (المائدة: 120)، وسمعاً وبصراً، لقوله تعالى (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى: 11)، وحقيقة وأنه مستوٍ على عرشه حقيقة، لقوله تعالى (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طه: 5)، وأنه يحب، لقوله تعالى (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) (المائدة: 54)، ويرضى، لقوله تعالى (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه) (المائدة: 119)، ويكره، لقوله تعالى (وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ) (التوبة: 46) ويغضب حقيقة، لقوله تعالى (وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ) (النساء: 93)، وأن له وجهاً ويدين حقيقة، لقوله تعالى( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ) (الرحمن: 27) وقوله تعالى ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان) (المائدة: 64). فأجروا هذه النصوص وغيرها من نصوص الصفات على ظاهرها وقالوا: إنه مراد على الوجه اللائق بالله تعالى فلا تحريف ولا تمثيل.

    وأما القول بأن صفة اليدين في قوله تعالى( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاء)(المائدة: 64) يستلزم إثبات جارحة. فنقول فيه: إن ثبوت اليدين الحقيقيتين لله عز وجل لا يستلزم معنى فاسداً، فإن لله تعالى يدين حقيقيتين تليقان بجلاله وعظمته، وبهما يأخذ ويقبض، ولا تماثلان أيدي المخلوقين، وهذا من كماله وكمال صفاته، قال الله تعالى( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) (الزمر: 67) وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل). فأي معنى فاسد يلزم من ظاهر النص حتى يقال إنه غير مراد؟! والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    المراجع:
    1) موقع إسلام ويب الإلكتروني (www.islamweb.net/mainpage/index.php ).
    2) العقيدة في الله، تأليف أ.د. عمر الأشقر.
    3) موقع قاموس المعاني الإلكتروني
    http://www.almaany.com) )

    المؤلف: خالد صالح أبودياك

  • #2
    رد: الإيمان بالله في الإسلام والنصرانية واليهودية

    تعليق


    • #3
      رد: الإيمان بالله في الإسلام والنصرانية واليهودية

      جزاك الله تعالى الفردوس الأعلى

      تعليق


      • #4
        رد: الإيمان بالله في الإسلام والنصرانية واليهودية

        شكرا جزيلا أختي الفاضلة أم هالة30 على مرورك الطيب وردك الكريم

        تعليق


        • #5
          رد: الإيمان بالله في الإسلام والنصرانية واليهودية

          شكرا جزيلا أخي الفاضل أحمد عبد الغفور على مرورك الطيب وردك الكريم

          تعليق

          يعمل...
          X