إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الدرس الثانى عشر (مَن أطاع العلماءَ والأمراءَ في تحريم ما أحل الله)+(الشفاعة)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الدرس الثانى عشر (مَن أطاع العلماءَ والأمراءَ في تحريم ما أحل الله)+(الشفاعة)

    رابط المحاضرة:
    http://www.youtube.com/watch?v=ZJ5yiFc2INI
    تفريغ المحاضرة:
    بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الرسل والنبيين، اللَّهُمَّ صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
    نُرحِّب بكم في هذه اللقاءات المُتجدِّدة في مقرر العقيدة واحد في الأكاديمية الإسلامية المفتوحة، فحيَّاكم الله جميعًا، فأهلًا وسهلًا بالجميع.
    نبدأ من حيث توقفنا في اللقاء الماضي في أبواب الشرك، فنحن نتكلم في هذه اللقاءات أو في هذه الدروس عن مظاهر الشرك، وبيانها من كتاب الله تعالى ومن سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم.
    توقَّفنا في اللقاء الماضي عند بعض الأسئلة، وكان الوقت يُعاجلنا، فلم نستطع إكمال بقية الأسئلة، وحقيقة -كما ذكرتُ للجميع- نُريد أن نحرص على إجابة جميع تساؤلات الإخوة، وهذا من حقِّهم علينا.
    فمن الأسئلة التي ذكرها أحدُ الإخوة، وهي مما يتعلق بالمحاضرة الماضية، قال أن بعض الأشخاص مثلًا يقولون: إن الشيعة يقولون: نحن لا ندعوا القبور، بل نطلب منهم الحوائج. فكيف نُجيب؟
    ما دعاء الحوائج؟
    طلب الحوائج هو دُعاء المسألة، وإذا أراد الإنسانُ أن تتضح له الأمور، فعليه أن يقرأ كتب السيرة التي بَيَّنت أعمالَ المشركين الذين كانوا يعبدون القبور، فإذا رآها لم يجد فيها فرقًا، ولذلك نحن نقول لكلِّ شخصٍ يدَّعي أنَّ هذا الذي يقع عند القبور أو الذي يقع من طوائف من المسلمين ليس بشركٍ، نقول له: اقرأ التاريخ، اقرأ السيرة، ماذا كان يفعل المشركون؟ وماذا كانوا يقولون؟ كانوا يصرفون هذه الأعمال: يطلبون قضاء الحوائج، يطلبون النصر، يطلبون العافية، يطلبون الولد، يطلبون كل هذه الأشياء وغيرها من القبور، ومن المَعْبُدِينَ، ومن الأحجار، ومن الأشجار، ومن غيرها، مع اعتقادهم أنَّ الله هو الخالقُ الرَّازقُ كما بيَّنَّا في أول المحاضرات.
    فمجرد قراءة الإنسان في هذا الباب توضح له المجال كما يتضح في هذه القضية، فإذا قرأ الإنسانُ هذا التاريخ كما أخبرنا الله تعالى حيث قال: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ﴾ [الزخرف: 87] فهم يعترفون أنَّ الله تعالى هو خالقهم، وهو رازقهم، وهو الذي بيده الأمر، لكنَّهم يرون هذه القضايا فيها.
    ومن شُبهاتهم ما سيأتينا في هذا الدرس بمشيئة الله، وهو طلب الشفاعة في ذلك، فينظر الإنسانُ في حال هؤلاء، وحال المشركين.
    سواء سَمَّوا ذلك نِداءً، فبعضهم قال: إن الذي يُصرَف للقبور إنَّما هو النداء. والنداء هو الدعاء، وبعضهم قال: طلب حوائج، أو غير ذلك، كل ذلك هو دعاءٌ، وصرف هذه العبادة لغير الله لا يجوز، كما مرَّ معنا أنَّ الدُّعاء هو العبادة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- وصح عنه: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ». فلا يجوز صرف هذه العبادة لغير الله -سبحانه وتعالى- في هذا الأمر.
    وهناك كتابٌ جميلٌ جدًّا بإمكان الإنسان أن ينظر في جميع شبهات هؤلاء الأقوام من خلاله، وهو كتاب اسمه "دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله" للشيخ عبد العزيز آل عبد اللطيف، وهذا الكتاب ذكر جميعَ هذه الشبهات وردَّ عليها، وذكر أقوالَهم، ولذلك فكل ما يقوله كثيرٌ من هؤلاء هو تكرار لدعوات الشُّبهات السَّابقة، فلا يغتر بها الإنسانُ في هذا الأمر.
    وسائلٌ آخر يسأل فيقول: أذبح عند القبر لله من باب الصدقة على الولي الصالح بزعمهم، فهل هو شركٌ أكبرُ مُخرجٌ من المِلَّة؟
    مرَّ معنا فيما مضى أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ». واللَّعن هو الطَّرد والإبعاد من رحمة الله، والقائل هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فالذي يذبح لغير الله -عز وجل- هو المقصود بهذا الحديث، أمَّا مَن ذبح لله -عز وجل- عند هذه الأماكن، فقد ورد في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سأله الرجلُ وقال: "إنِّي نذرتُ أن أذبح إبلًا بِبَوَانَة". أي بهذا المكان، فقال: «هَلْ فِيهِ وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْمُشْرِكِينَ؟ هَلْ فِيهِ عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِ الْمُشْرِكِينَ؟» فسؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- يدل على عدم جواز الذبح عند هذه القبور، فلا يجوز للإنسان أن يذهب إليها ليذبح عندها.
    من الأشياء التي ذكروها أيضًا حكم المِسْبَحَة: أنَّ الإنسان يذكر الله -عز وجل- بالسَّبْحَة، وقد ألَّف الشيخُ بكر أبو زيد -رحمه الله تعالى- كتابًا أسماه "السَّبْحَة"، ولم يثبت عن أحدٍ من الصَّحابة مسألة السَّبْحَة في ذلك، لكن عمومًا في فتاوى سماحة الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى- أن استعمالها في المسجد أقل أحواله الكراهة، لماذا؟ لأنَّ الناس يأخذون ذلك ويُقلِّدونه، وبعض أهل الضلال يشتهر عنهم مسألة المَسَابِح الطويلة التي تصل أحيانًا لمترين، أو لا يستطيع الإنسانُ حملها، وكل هذه من شعارات أهل البدع التي ينبغي على الإنسان أن يحذر منها غاية الحذر.
    أيضًا خاتم التَّسبيح نفس القضية، له حكم التَّسبيح، فقال الشيخ ابن باز في مسألة البيت أو غيره: ورد شيءٌ من ذلك عن بعض السلف، لكن استعمالها في المسجد الأصل أن أقل أحواله الكراهة، لماذا؟ لأنَّه يكون بين الناس ويترك التَّسبيح كما كان يفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وذهب بعضُ أهل العلم إلى تبديع مَن فعل ذلك؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَن عَمِلَ عَمَلًا لَيسَ عَلَيهِ أَمْرُنا فَهُو رَدٌّ».
    نبدأ اليوم في هذه الأبواب الجديدة معنا -كما ترون- هذا الباب: (باب مَن أطاع العلماءَ والأمراءَ في تحريم ما أحلَّ اللهُ، أو تحليلِ ما حرَّم الله؛ فقد اتَّخذهم أربابًا من دون الله -عز وجل) وهذا الباب حقيقة في غاية الأهمية، كيف عبدت القبور في الأمة الإسلامية؟ أليس بتحليل بعض علماء السوء؟ لم تعبد القبور في هذه الأمة إلا بتحليل علماء السوء لها، فأحلها علماء السُّوء، فدعوا إليها، ونشروها بين المسلمين، والنذور، والبناء على القبور، وعبادتها، وصرف الاستغاثة والدعاء لغير الله، فكل هذه الأعمال الشركية إنَّما جاءت بفتاوى أئمة السُّوء.
    كما مرَّ معنا أيضًا في أول هذه الدروس قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «أَخَافُ على أُمَّتِي الأئِمَّة المُضِلِّينَ». ولذلك قال بعضُ أهل العلم وكان في مسجدٍ كبيرٍ: لو رأيت شخصًا عمامته كبر صحن هذا المسجد، فلا تقبل منه إلا إذا قال: قال الله وقال الرسول.
    والأصل في العلماء أنَّهم مُبَلِّغون عن الله وعن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فهم إنَّما يُعلِّموننا ما جاء في كتاب الله وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فهذا هو دورهم.
    ولذلك يقول بعض المستغربين في بلاد المسلمين: العلماء يحجرون علينا، العلماء يحجرون على العقول.
    لا، العلماء إنَّما يبلغونك قول الله وقول الرسول، ولذلك فنحن منذ بدأنا هذا المقرر إلى هذه اللحظة كل كلامنا هو: قال الله، وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ونأخذ أقوال العلماء في شرح قول الله وقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- ونجدهم يشرحون قول الله وقول الرسول بما في كتاب الله، وبما في سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويقولون بما جاء عن الله وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم.
    ولذلك فهذا بابٌ عظيمٌ ومهمٌّ، والأمة اليوم في أمس الحاجة إلى مثل هذا الدرس، ومثل هذه النصوص؛ لتتعلمها.
    (بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللَّهُمَّ اغفر لنا، واغفر لشيخنا، واغفر للمُستمعين.
    باب مَن أطاع العلماءَ والأمراءَ في تحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرَّم الله، فقد اتَّخذهم أربابًا من دون الله، وقال ابن عباس: "يُوشِك أن تنزل عليكم حجارةٌ من السماء؛ أقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم. وتقولون: قال أبو بكر وعمر".
    وقال الإمام أحمد: "عجبتُ لقومٍ عرفوا الإسنادَ وصحَّته، يذهبون إلى رأي سفيان، الله تعالى يقول: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63] أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رَدَّ بعضَ قوله أن يقع في قلبه شيءٌ من الزَّيغ فيهلك.
    وعن عدي بن حاتم أنَّه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ هذه الآية: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ﴾ [التوبة: 31] فقلت له: إنَّا لسنا نعبدهم! قال: «أَلَيسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللهُ فَتُحَرِّمُونَهُ؟ وَيُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَتُحِلُّونَهُ؟» فقلت: بلى. قال: «فَتِلْكَ عِبَادَتُهُم». رواه أحمد والترمذي وحسناه).
    هذا الباب العظيم: (باب مَن أطاع العلماءَ والأمراءَ في تحريم ما أحلَّ الله، أو تحليل ما حرَّم الله؛ فقد اتَّخذهم من دون الله أربابًا) هذا الباب مرَّ معنا في بعض النصوص، لكن اليوم جاء التأكيد على هذا الباب العظيم، وله صور: انظر قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل موته بأربع ليالٍ، وكان يضع غطاءً على وجهه: «لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ». وفي روايةٍ: «وَصَالِحِيهِم». قالت عائشةُ: "يُحذِّر ما فعلوا". أي يُحذِّر الأُمَّةَ مما فعله اليهود والنصارى.
    هذا قول مَن؟ قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذن البناء على القبور مُحرَّمٌ، انظر ماذا قال أئمة الضلال؟ قالوا: بل يجوز ذلك. ودعوا إليه، وبنوا القباب والقبور على الأموات، بل أفسدوا على المسلمين مساجدهم، وضيَّقوا عليهم مساجدهم، ووضعوا فيها القبور، فيسرقون مساجد المسلمين ويُؤذُونهم ويبنون فيها القبور، أليس هذا مُحَادَّةٌ لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم؟
    فهذه من القضايا الكبيرة، ولذلك فإن فتنة الأُمَّة بهذا الباب عظيمةٌ، فطاعة الله -عز وجل- من أنواع العبادة، ولذلك لما أمر الله -عز وجل- بطاعة أولي الأمر -وأولو الأمر هم العلماء والأمراء كما بيَّنَّا- فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾ [النساء: 59] حددها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ والطَّاعَةُ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ». فالأمر بالمعصية هنا يُتوقَّف فيه، فلا سمع ولا طاعة. «مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ».
    وقول الله -تبارك وتعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: 83]، مَن الذي يستنبط هنا؟ العلماء، ولذلك فأولي الأمر هم الأمراء والعلماء، فلهم طاعةٌ، لكنَّها في طاعة الله، فإذا أمروا بما فيه معصية الله -عز وجل- فلا سمعَ ولا طاعةَ في ذلك. وهذا بابٌ عظيمٌ، حَرِيٌّ بالإنسان أن يعرفه.
    ثم ذكر المؤلفُ قول ابن عباس -رضي الله عنه: "يُوشِك أن تنزل عليكم حجارةٌ من السماء" عقوبة من الله -سبحانه وتعالى- لماذا؟ لأنَّهم ردُّوا قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فالفتنة أن ترد قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فالإنسان قد يُفتن بسبب ردِّه لما جاء في الكتاب والسنة، ولم يظهر في الأمة رد النصوص إلا في نهاية القرن الثاني، أو في النصف الثاني من القرن الثاني، فقبل ذلك لم يتعرض أحدٌ للنصوص حتى ظهرت الجَهْمِيَّة، فهم حينما ظهروا بدؤوا في ردِّ النُّصوص، وقبلها وُجِدَت بدعٌ، ووُجِدَ افتراءٌ، بينما جاء الأمرُ عند بعض المتأخرين أنَّهم قالوا: نصوص الكتاب والسُّنة لا تُفيد اليقينَ. وخصُّوا بعضها بنُصوص الصِّفات.
    وهذا من أعظم الرَّدِّ؛ فإذا كان كتابُ الله وسُنَّةُ الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يُفيدان اليقينَ، فما الذي يُفيد اليقينَ؟!
    بل جاء بعضُ المتأخرين فقال: من أصول الكفر عندنا الأخذ بظواهر نصوص الكتاب والسُّنة في الأسماء والصِّفات. الأخذ بظواهر نصوص الكتاب والسُّنة كفرٌ! نعوذ بالله من الخِذلان.
    ولذلك تأصَّل هذا البلاء الذي هو رَدُّ نصوص الكتاب والسُّنة وطاعة بعض العلماء ممن تَسَمَّوا بالعلماء، وليسوا أهلَ علمٍ؛ لأنَّ مَن ردَّ نصوص الكتاب والسُّنة فليس بعالِمٍ، وتأصَّل هذا الأمر -نسأل الله العافية.
    قال ابن عباس: "يُوشِك أن تنزل عليكم حجارةٌ من السماء، أقول لكم: قال رسول الله. وتقولون: قال أبو بكر وعمر". أبو بكر وعمر ما منزلتهما؟ قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي». قال: إن يُطيعوا أبا بكرٍ وعمر يهتدوا. فجاءت فيهم فضائلُ عظيمةٌ بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومع ذلك تقديم قولهم على قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يجوز، فكيف بغيرهم ممن تَلَبَّس بالبدع؟!
    هذه من القضايا المهمة العظيمة في ذلك، ونجد تطبيق السلف -رحمه الله- لذلك، فابن عباس كان يستشيره عمر، ولعمر مكانة عنده، ولأبي بكر مكانة عنده، ومع ذلك يرى أن قول رسول الله لا يُقدَّم عليه أحدٌ، وهنا يذكرون هذه القصة التي جاءت في أبواب الحجة في مسألةٍ فقهيَّةٍ، فإن أبا بكر وعمر وعثمان وعبد الله بن الزبير وغيرهم كانوا يأمرون الناسَ بإفراد الحجِّ، أي الإتيان بالحج فقط، والعمرة تكون في بقية أوقات السَّنة، حتى يكثر الناسُ، وكان هذا اجتهادٌ منهم؛ حتى يكثر زُوَّار الحرم طوال العام، لكن ابن عباس كان يُفتي بفتوى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو التَّمتع بالعمرة إلى الحجِّ، فكان الأكثرُ في هذه الرِّواية عن ابن عباس -رضي الله عنه- يقول: كيف نترك فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقوله لاجتهاد أحدٍ من بعده؟ وإنَّما أرادوا خيرًا.
    أيضًا هناك قصةٌ عجيبةٌ وهي جميلةٌ جدًّا، ذكرها ابنُ حجر في شرح كتاب الحج: أنَّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان لا يرى أنَّ المُحْرِمَ يُبقي شيئًا من الطِّيب على جسده، وكذلك عبد الله بن عمر، فلا يريان أنَّ المُحْرِمَ يُبقي شيئًا من طيبٍ على جسده، بينما كان سالم بن عبد الله بن عمر يُفتي بحديث عائشة -رضي الله عنها- حيث قالت: "طَيَّبتُ رَسُولَ الله لإِحْرَامِه، حتَّى إنِّي أَرَى وَبِيصَ الطَّيبِ فِي مِفْرَقِه". أي في رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا لسالم: "أتترك قول أبوك وجدك؟" مَن هو أبوه وجده؟ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمر بن الخطاب، مَن عمر بن الخطاب؟ أحد المُبَشَّرِين بالجنة، الفاروق -رضي الله عنه- تترك قول أبوك؟ لأنَّهم لم يروا ذلك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم. قال: "ما كنتُ لأدع قولَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأحدٍ كائنٍ مَن كان". وهذا هو الواجب على المسلم أن يستسلم لله، وهناك أمثلةٌ جميلةٌ وعظيمةٌ من تطبيقات السَّلف في هذا الباب ينبغي للإنسان أن يحرص عليها.
    وهذا الخبر عن ابن عباس صحيحٌ، وابن عباس هنا يقول للناس: "لا تتركوا قول رسول الله لقول أحدٍ من الناس". لا يُترك قول رسول الله، فكيف يترك الناسُ الآن الكتابَ والسُّنة، ويدعون غير الله، ويقعون في الشرك الأكبر؟! نعوذ بالله من الخِذلان.
    بل إنَّ من أئمَّة السُّوء والضَّلال مَن يُدافع دون هذا الضَّلال، ويُدافع دون الشِّرك، ويدعو الناسَ إلى الشرك، وإلى النذور، ويأكل أموال الناس بالباطل.
    وقال الإمامُ أحمد: "عجبتُ" أي تعجب إنكارٍ. قال الإمامُ أحمد: "عجبتُ لقومٍ عرفوا الإسنادَ". الإسناد هو من خصائص هذه الأمة، وهو مثل: سالم عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا هو الإسناد.
    "عجبتُ لقومٍ عرفوا الإسنادَ وصحَّته" أي عرفوا الأسانيد، ولا تُعرف هذه الأسانيد إلا عند أُمَّة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- ولا تُعرف عند الطَّوائف إلا عند أهل السُّنة والجماعة، ولذلك فإنَّ أئمة السُّنة والجماعة ينشرون هذه الأسانيد للناس كلهم، ويقولون: هذا سندنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ائتي بطعنٍ في ذلك. فلا يستطيع أحدٌ أن يطعن في ذلك.
    "عرفوا الإسنادَ وصحَّته" أي رجال الإسناد، وهو دليل هذا القول إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "يذهبون إلى رأي سفيان" مَن هو سفيان؟ سفيان الثوري، كان له مَن يُقلِّده في فقهه -رحمه الله تعالى- لكن مذهبه اندثر، فقال: "يذهبون إلى رأي سفيان" ذهبوا إلى مَن؟ سفيان صاحب ورعٍ وزُهدٍ وصلاحٍ واستقامةٍ، قلَّدوا مَن؟ انظروا كلامَ الأئمَّة، وكيف اختارها المؤلف -رحمه الله تعالى؟ الأول: قول ابن عباس، والناس ذهبوا إلى رأي مَن؟ إلى رأي أفضل الأُمَّة: أبي بكر وعمر، والإمام أحمد يُنكر على الناس تمسُّكهم برأي سفيان، فهؤلاء من أفضل الأُمَّة، ومن خيار علماء الأمة، ومن أئمَّة الدين، ومع ذلك لا ينبغي للإنسان أن يتمسَّك بقول أحدٍ غير قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
    قال: "والله تعالى يقول: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63] أتدري ما الفتنة؟ قال: الفتنة الشرك". ولذلك يحرم التَّقليدُ بعد بلوغ الحُجَّة، ونحن إنَّما نقرأ كتبَ أهل العلم؛ لنستعين بها على فهم كلام الله وفهم كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم.
    "لعله إذا رَدَّ بعضَ قوله أن يقع في قلبه شيءٌ من الزَّيغِ فيهلِكَ" فيكون سبب الهلاك أن يرُدَّ شيئًا ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيحذر الإنسانُ غاية الحذر من ذلك.
    الحديث الثالث أو الدليل الثالث في هذا الباب، والأدلة كثيرة، قال: (عن عدي بن حاتم -رضي الله عنه). عدي بن حاتم كان رجلًا نصرانيًّا، فسمع الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- يقرأ هذه الآية من التوبة: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ﴾ [التوبة: 31]، وكأنَّ الآية تذكر لك السببَ فيما قبلها: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ﴾ [التوبة: 30] فماذا قال الله في الآية التي بعدها؟ قال: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ﴾ [التوبة: 31] سبب وقوعهم في هذا القول الشَّنيع وهو اتِّخاذ الأرباب في دعوى الرُّبُوبيَّة في عُزير والرُّبوبيَّة في المسيح -عليه الصلاة والسلام- هو اتِّخاذ الأحبار والرُّهبان أربابًا من دون الله، لماذا؟ لأنَّهم أطاعوهم في قولهم، فلم ينظروا إلى ما ثبت في كتبهم، ولذلك فأين كتب المسيح؟ أين إسنادها؟ الإنجيل أين هو؟
    ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ﴾ [التوبة: 31] الأحبار: هم العلماء، والرُّهبان: هم العُبَّاد، فعدي بن حاتم -رضي الله عنه- قال: "يا رسول الله، ما عبدناهم!" ما مفهوم العبادة عنده؟ أي لم نركع لهم، ولم نسجد، فما سجدنا لهم ولا ركعنا. (فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «أَلَيسُوا يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللهُ فَتُحَرِّمُونَهُ؟» قال: بلى. قال: «فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ». رواه الإمامُ أحمد والتِّرمذيُّ)، وحسَّنه الترمذيُّ، والحديث حسنٌ.
    فعبادة الأرباب هي طاعة أئمَّة السُّوء في تحليل ما حرَّم الله -عز وجل- أو تحريم ما أحلَّ الله -عز وجل- فهذا من اتِّخاذهم أربابًا، فمنهم مَن أباح الاختلاط! ومنهم مَن أباح الربا! ومنهم مَن أباح الغناءَ! وكل هذا نهى عنه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فبعضهم قال: هذا الحديث عن رسول الله أضعه تحت قدمي. نعوذ بالله من الخذلان.
    فليحذر الإنسانُ غاية الحذر من ذلك، وليكن مُراده تابعًا لما جاء عن الله، وعن الرسول -صلى الله عليه وسلم.
    اتِّباع المشايخ: إذا علم الإنسانُ أنَّهم قد بَدَّلُوا، وغيَّروا، وعلم أنَّ العالِم الفلاني قد غيَّر وبدَّل في الدين واتَّبعه -أي قدَّم قوله على قول الله ورسوله- فهو بهذا يكفر.
    الثاني: أنَّه أطاعه في معصية لله، فيعرف أنَّ التَّحليل والتَّحريم ثابتٌ لله -عز وجل- ولا يجوز لأحدٍ أن يُحرِّم إلا الله، لكن هذا العالم أفتى بفتوى؛ فأخذ بها، فتكون هذه معصية فاسِقٍ، فهذا يقع في الفِسْقِ.
    الثالث: شخصٌ جاهِلٌ، لكن كان من الممكن أن يعرف الحقَّ بنفسه، لكنَّه فَرَّط في البحث والعلم، فإنه يكون آثمًا، أمَّا إذا كان لا يُمكنه إلا تقليدهم، ولا يستطيع أن يصل إلى الحقِّ بنفسه، ويظن أنَّ تقليدهم هو الحق؛ فهذا لا شيءَ عليه.
    واليوم قامت الحُجَّةُ -ولله الحمد- على الناس، فالآن جميع وسائل العلم ميسورة للخلق بحيث يستطيع الإنسانُ أن يتعلم، فانتشرت السُّنة في كلِّ مكانٍ، فلا تخلو بلدٌ من بلاد المسلمين من أئمَّة السُّنة وعلماء السُّنة الذين ينشرون السنة في الناس.
    فهذا كلُّه مما يتعلَّق بهذه القضية، فليحذر الإنسانُ، والقرآن الكريم والسُّنة واضحان لمَن يقرأهما في ذلك.
    قد يدخل في ذلك مسألةُ القوانين الوَضْعِيَّة، وقد فصَّلها الشيخُ محمد إبراهيم -رحمه الله- في رسالته عن القوانين الوضعية، فمَن وضع شرعًا وقانونًا للناس دون شرع الله وأبعد وقال: شرع الله لا يصلُح للناس. أو غير ذلك؛ فهذا يكون كفرًا مُخرجًا من المِلَّة، أمَّا إذا وضع مثلًا نظامًا للدراسة، كما عندنا في هذه الأكاديمية فقد وضعنا نظامًا للدراسة، فهذا النظام يجب عليك التزامه، ولا يمكن أن نقول: هذا حكمٌ بغير ما أنزل الله. لا، هذه أنظمةٌ، كوضع نظامٍ للمرور، ونظامٍ لتعاملات الناس المالية كالحِوَالات وغيرها، وكالبيع والشراء، وتنظيم المعارض، فكلُّ هذه القضايا لا إشكالَ فيها.
    {طالب: أحسن الله إليك، هذه المصالح المرسلة}.
    هذه من المصالح التي للناس أن ينظمونها بطريقتهم كما يريدون.
    إذن ننتهي من هذا الباب العظيم، وهو باب: (مَن أطاع العلماءَ والأمراءَ في تحليل ما حرَّم اللهُ، أو تحريم ما أحلَّ اللهُ -عز وجل- فقد اتَّخذهم أربابًا من دون الله) وهذا بابٌ عظيمٌ، ينبغي للإنسان العنايةُ به، والتأليفُ فيه، والكتابةُ فيه؛ لأن البدع إنَّما انتشرت ووضعت في بلاد المسلمين بسبب هذه الدعاوى الباطلة.
    عندنا الباب الثاني من حُجج المشركين: لما انقطعت جميعُ الحُجج قالوا: هؤلاء يشفعون لنا عند الله -عز وجل- فيكون معنا هذا الباب وهو باب: الشفاعة.
    (يقول المؤلف -رحمه الله: فيما جاء في باب الشفاعة قول الله تعالى: ﴿وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ﴾ [الأنعام: 51]، وقوله: ﴿قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾ [الزمر: 44]، وقوله: ﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة: 255]، وقوله تعالى: ﴿وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيرْضَى﴾ [النجم: 26]، وقوله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ ولَا فِي الْأَرْضِ﴾ [سبأ: 22].
    وقال أبو العباس: "نفى اللهُ عمَّا سواه كلَّ ما يتعلَّق به المشركون، فنفى أن يكون لغيره مُلكٌ أو قِسط منه، أو يكون عونًا لله، ولم يبقَ إلا الشفاعةُ، فبيَّن أنَّها لا تنفع إلا لمَن أذن له الرب سبحانه، كما قال تعالى: ﴿ولَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [الأنبياء: 28]، فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي مُنتفيةٌ يوم القيامة كما نفاها القرآن، وأخبر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه يأتي فيسجد لربه ويحمده، لا يبدأ بالشافعة أولًا، ثم يُقال له: «ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَع، وسَلْ تُعْطَ، واشْفَعْ تُشَفَّع».
    وقال له أبو هريرة -رضي الله عنه: "مَن أسعدُ الناسِ بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: «مَن قَالَ: لا إِلَهَ إلا اللهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ». فتلك الشفاعةُ لأهل الإخلاص بإذن الله، ولا تكون لمَن أشرك بالله -والعياذ بالله- وحقيقته أنَّ الله سبحانه هو الذي يتفضَّل على أهل الإخلاص، فيغفر لهم بواسطة دعاء مَن أذن له أن يشفع، ليُكرمه، وينال المقامَ المحمودَ، فالشَّفاعة التي نفاها القرآنُ ما كان فيها شركٌ، ولهذا أثبت الشفاعةَ بإذنه في مواضعَ، وقد بيَّن النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّها لا تكون إلا لأهل التَّوحيد والإخلاص. انتهى كلامه -رحمه الله}.
    إذن نحن عندنا "باب الشَّفاعة"، والشفاعة -كما تعلمون- حدث فيها نزاعٌ قديمٌ، فأنكرها المعتزلةُ والخوارجُ وغيرهم، ثم جاء بعضُ دُعاة الشِّرك في الأزمنة المتأخِّرة فادَّعوا ما ادَّعاه سلفُهم، فقالوا كما قال سلفهم: ﴿وَيعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ ولَا يَنفَعُهُمْ وَيقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ﴾ [يونس: 18]، هذا قول المشركين السَّابقين الأوائل، وهذا قول المتأخرين أيضًا: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3]، والعجيب أنَّ بعضهم يضع هذا على القبر، أي يأتي على القبر ويضع الآية: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3]، فعجيبٌ هذا الاستدلال بالقرآن الكريم، فكيف تُردِّد ما يقوله المشركون الأوائل؟ وتقول بقولهم وتدَّعي دعواهم؟ نعوذ بالله من الخِذلان العظيم.
    إذن فالشَّفاعة -يا إخوان- بابٌ عظيمٌ، فحينما انتهت دعوات المشركين من صرف العبادة وصرف الدعاء لغير الله تعالى والاستغاثة بغير الله -عز وجل- بقيت مسألةُ الشَّفاعة، فلابُدَّ من بيانها؛ لأنَّ كثيرًا من هؤلاء الذين يقولون: نحن نذهب إلى هذا القبر لأجل أنَّه يشفع لنا؛ لأنَّ لهم وجاهةً عند الله.
    {طالب: يقولون أنَّها واسِطَةٌ بينهم وبين الله}.
    نعم، هم يقولون: واسِطَةٌ بيننا وبين الله؛ لأنَّهم مُذْنِبون، فيقولون: نحن قومٌ مُذنبون وهؤلاء قومٌ صالحون. وغير ذلك، فالله -عز وجل- نفى هذا الباب، وهي نفس دعوى المشركين.
    الشفاعة -كما تعلمون- فيها شفاعةٌ مَنْفيَّةٌ، وشفاعةٌ مُثبتةٌ، والمُثبتة: هي الثابتة في كتاب الله وسُنَّة الرسول -صلى الله عليه وسلم- والشَّفاعة المثبتة لابُدَّ أن تُطلب من الله كما سيأتي معنا في الآيات، وأيضًا أن الله -سبحانه وتعالى- يرضى عن المشفوع، فلابُدَّ أن يكون من الموحدين، أمَّا إذا كان من غير الموحدين فلا يكون من أهل الشفاعة أبدًا.
    وهناك الشفاعة الخاصَّة بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وهي الشفاعة العُظْمَى، وهي أن يُفصل بين الناس يوم القيامة، وهذه جاء فيها حديثٌ طويلٌ في الصَّحيح: أنَّ الناس يذهبون إلى آدم، وإلى غيره من الأنبياء، حتى يأتوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى يسجد النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- كما جاء في آخر الباب.
    الثانية: شفاعته -صلى الله عليه وسلم- في أهل الجنة أن يدخلوا الجنةَ، وهذه خاصَّةٌ بالنبي -صلى الله عليه وسلم.
    الثالثة: شفاعته في عمِّه أبي طالب، فعمه أبو طالب كان يحميه -صلى الله عليه وسلم- فشفاعته له أن يكون في ضَحْضَاحٍ من النَّار، كما جاء في الحديث الصَّحيح، والعجب من أناسٍ يقولون: أبو طالب مسلم. كيف ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخبرنا أنَّه في ضَحْضَاحٍ من النار، وهذه الشفاعة خاصَّة بالنبي -صلى الله عليه وسلم.
    هناك شفاعةٌ للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولغيره من المؤمنين فيمَن استحق دخول النار من الموحدين، فيُشفع فيه ألا يدخلها، فيشفع النبي -صلى الله عليه وسلم- ويشفع المؤمنون، وكذلك فيمَن دخل النار من المُوحِّدين، فيُشفع فيه حتى يُخرج من النار. أيضًا رفع الدَّرجات في الجنة.
    فإذن هذه من أنواع الشفاعة الثابتة في كتاب الله وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم.
    هنا سنتكلم عمَّا يُنافي التَّوحيد، فنحن لا نتكلم عن الشفاعة الثابتة، وإنَّما النصوص التي قرأناها الآن كلها في الشفاعة المنفية، وهي الشفاعة التي تُضاد التَّوحيد، المنافية للتَّوحيد، فهذه هي الشفاعة التي نتكلم عنها.
    فأول هذه الآيات: قوله تعالى: ﴿وَأَنذِرْ بِهِ﴾ أي أنذر بالقرآن ﴿الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ﴾ [الأنعام: 51]، ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع، أي: واسطة، فالشَّفيع هو الواسطة، والشَّفع: هو الاثنين، أي أنَّ الإنسان يأتي في حاجته فتشفع معه، فتكون أنت في طلب حاجة أخوك في ذلك.
    ﴿وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: 51]، أيضًا لا يوجد هناك واسطةٌ إلا كما سيأتي بيانها أنَّها من الله -سبحانه وتعالى- ليس لهم ناصرٌ، وليس لهم شفيعٌ من دون الله -عز وجل- ولذلك قال الله تعالى في الآية التي بعدها: ﴿قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾ [الزمر: 44]، فلفظ الجلالة هو الخبر لكن قُدِّمَ الخبر لماذا؟ للحصر، أي أنَّ الشفاعة هي مِلْكٌ لله تعالى، إذن تُطلب ممن؟ إذا كانت مِلْكًا لله تطلب مِمَّن؟ تُطلب من الله أم تطلب من غيره؟ تُطلب من الله -سبحانه وتعالى- ولذلك قال: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا ولَا يَعْقِلُونَ * قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [الزمر: 43، 44]، فهذا من باب الإنكار عليهم، ﴿أَمِ اتَّخَذُوا﴾ هؤلاء المشركون ﴿لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا﴾ أي لا يملكون الشفاعة، فهي ليست مِلْكًا لهم، فالشفاعة لله، إذن تُسأل من الله -سبحانه وتعالى.
    وقوله تبارك وتعالى: ﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة: 255] هذا أحد شروط الشفاعة، نحن حينما قلنا أن الشفاعة ملك لله، فهذا هو الشرط الأول، إذن نطلبها من الله، والشرط الثاني: أنَّها لا تكون إلا بإذنه، فلابُدَّ من إذن الله، والله -عز وجل- لا يأذن ولا يرضى إلا للمُوحِّدين، أمَّا غيرهم فقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾ [النساء: 48] ﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ﴾ [البقرة: 255] أي لا أحد يشفع عند الله -سبحانه وتعالى- إلا بإذنه، فهذا هو محل الشَّاهد، فلابُدَّ من الإذن.
    ولذلك فإن هؤلاء الذين يذهبون إلى الأموات ويقولون: هم يشفعون لنا عند الله. إنَّما يقيسون الله بخلقه -سبحانه وتعالى- فملوك الأرض يُشفع عندهم بغير إذنهم، لكن الله ملكه تامٌّ، وعظمته تامَّةٌ، وقدرته تامَّةٌ، فلا يحتاج إلى أحدٍ، فهؤلاء الملوك يقبلون الشفاعة، لماذا؟ لأنَّهم يحتاجون إلى مساعديهم، ويحتاجون لمَن عندهم أن يُعينهم، ويقوم معهم، وينصرهم، أمَّا الله -سبحانه وتعالى- فهو القادر القَيُّوم -سبحانه وتعالى- فلا يشفع عنده أحدٌ إلا بإذنه -سبحانه وتعالى.
    وقوله -سبحانه وتعالى- في الآية التي بعدها: ﴿وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيرْضَى﴾ [النجم: 26]، كم هنا خبرية، أي كثير من الملائكة لا تنفع شفاعتهم، فملائكة السماء لا تنفع شفاعتهم عند الله إلا من بعد أن يأذن الله، فهذا هو شرط الشفاعة: من بعد أن يأذن الله ويرضى، وهنا عندنا زيادة: مَن الذين يرضى الله عنهم؟ هم أهل التَّوحيد، هم أهل الإيمان، ولذلك سيأتي حديثُ أبي هريرة -رضي الله عنه- الذي قال فيه للنبي -صلى الله عليه وسلم: "مَن أسعدُ الناسِ بشفاعتك يوم القيامة. قال: «مَن قَالَ: لا إِلَهَ إلا اللهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ». أمَّا إذا كانت غيرَ خالصةٍ فإنَّها لا تنفعه ولا يدخل في ذلك.
    هذه الآيات جاءت في سورة النجم، وقد ذكر الله تعالى بعدها أصنام المشركين: اللات، والعزى، ومَنَاة الثالثة الأخرى، فذكرها الله في هذا السياق، فإذا لم يكن للملائكة شفاعةٌ إلا من بعد أن يأذن الله ويرضى، فهل هذه الآلهة المزعومة تشفع؟! سبحان الله! أين عقول هؤلاء الأقوام في ذلك؟! فإذن لابُدَّ من الإذن؛ لقوله -سبحانه وتعالى: ﴿يَأْذَنَ﴾، والثانية: ﴿وَيرْضَى﴾، والله -سبحانه وتعالى- لا يرضى إلا عن المُوحِّدين المؤمنين المُخْلَصِين -سبحانه وتعالى.
    انظر هذه الآية التي بعدها: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ ولَا فِي الْأَرْضِ﴾ [سبأ: 22] الآيتين. أي الآيات التي قبلها والتي بعدها، ﴿وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ﴾ [سبأ: 22]، و﴿وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ﴾ [سبأ: 22]، و﴿وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ [سبأ: 23]. انظر هذه القضية ماذا كان فيها؟
    ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم﴾ هذا أمرٌ أم توبيخٌ وتعجيزٌ؟
    {طالب: توبيخ}.
    هذا للتَّوبيخ والتَّعجيز، ادعوا هؤلاء الأصنام التي تدعونها من دون الله، ادعوهم من دون الله، فهذا توبيخٌ.
    ولذلك قال العلماءُ: هذه الآية قطعت عروقَ الشِّرك من أصله.
    ﴿لَا يَمْلِكُونَ﴾ من شروط المدعو أن يملك الشيءَ الذي تطلبه منه، فإذا لم يكن له مِلْكًا فيكون شريكًا فيه، وإذا لم يكن شريكًا يكون مُعاوِنًا، إذا لم يكن مُعاوِنًا يكون شفيعًا، والله نفى ذلك كله، قال تعالى: ﴿لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾، والذَّرة هي صغار النمل، فالنملة تراها صغيرة جدًّا، ما يملكونها، فإذا كانوا لا يملكون هذا هل يملكون شيئًا من مغفرة الذنوب ورفع الدرجات؟ لا، لا يملكون شيئًا من ذلك.
    ﴿مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ ولَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ﴾ إذن الملك انتفى.
    ننتقل للمرحلة التي بعدها، وهي: هل لهم شراكةٌ في ذلك؟ هل هم شركاء؟ لا ليسوا شركاء.
    ننتقل للمرحلة التي بعدها: ﴿وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ﴾ هل هم مُعاوِنُون؟ لا، ﴿وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾، إذن هذه قطعت هذا الأمر كلَّه، فلا تكون الشفاعةُ إلا لله رب العالمين.
    ولذلك شرحها أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى.
    وهذا عجيبٌ، فمنذ أن بدأنا في الكتاب إلى هذه اللحظة لم ينقل المؤلفُ قولَ عالِمٍ إطلاقًا، فقط نقل أقوال بعض الصحابة في تفسير النص، لكنه هنا نقل قول أبي العباس شيخ الإسلام ابن تيمية، وهذا القول في تفسير القرآني، فإذن جاء هنا في الشرح أنَّه أراد أن يشرح هذه الآية كما ذكرنا لكم.
    قال أبو العباس: "نفى اللهُ عمَّا سواه كلَّ ما يتعلَّق به المشركون، فنفى أن يكون لغيره ملكٌ" كم مرَّ معنا في الآية؟ ﴿لَا يَمْلِكُونَ﴾، ثم قال: "أو قِسط منه: ﴿وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ﴾"، ثم أو يكون عونًا: ﴿وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ﴾، إذن فكل هذا بيَّنه الله -عز وجل- في القرآن الكريم.
    قال: "ولم يبقَ إلا الشَّفاعةُ، فبيَّن أنَّها لا تنفع إلا لمَن أذن له الرب كما قال: ﴿ولَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾" فلابُدَّ من رضا الرب -سبحانه وتعالى- كما بيَّنا في شروط الشفاعة أن الإذن من الله -سبحانه وتعالى- والثانية: رضا الله -عز وجل.
    فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون المعاصرون كما ظنَّها المشركون الأوائل أيضًا مُنتفيةٌ، ولذلك كل هؤلاء يقولون: هؤلاء واسطة عند الله، ما معنى الواسطة؟ هي الشفاعة، يكررون ما يقولون في ذلك.
    "كما نفاها القرآنُ، وأخبر الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه يأتي فيسجد لربه" هذا حديثٌ طويلٌ أخرجه البخاري وغيره، وفيه أن الناس يبلغ بهم البلاء ويشتد عليهم الكرب، فيذهبون إلى آدم، ويقولون: أنت أبو البشر، نريد أن تشفع عند ربنا ليفصل بين الناس، ليُريح الناس. فيذكر ذنبه، ثم إلى نوحٍ، فيذكر ذنبه، ثم إلى إبراهيم وموسى وعيسى، ثم إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- وهذا هو المقام المحمود الذي بيَّنه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وأخبرنا أنَّ مَن سمع النداء فقال مثلما يقول، ثم قال: «اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، والصَّلاةِ القَائِمَةِ...». إلى آخر الدُّعاء؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يشفع فيه.
    يأتي -صلى الله عليه وسلم- فيسجد لربه ويحمده، ويبدأ بالشفاعة أولًا، ثم يُقال: «يَا مُحَمَّد، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَع، وسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّع».
    فإذن الشفاعة مِلْكٌ لله، ليست لأحدٍ حتى نضعه نحن واسطةً أو لا نضعه، أو غير ذلك، كل هذا لا يصح.
    قال أبو هريرة -رضي الله عنه- في الحديث في الصَّحيح: "مَن أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ ظَنَنْتُ أَلا يَسْأَلَنِي عَن هَذَا الحَدِيثِ غَيرُكَ يَا أَبَا هُرَيرَة؛ لِمَا أَرَى مِن حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ». فأبو هريرة -رضي الله عنه- صحب النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- سنوات معدودة، لكن حفظ من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكثير، قال -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ».
    إذن الذي لم يقل: لا إله إلا الله، أو وقع في الشرك، يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾ [النساء: 48]، فإذن الشفاعة إنما هي لأهل الإخلاص بإذن الله تعالى، ولا تكون لمَن أشرك بالله تعالى.
    ثم يُبيِّن المُؤلِّفُ ما هي حقيقة الشفاعة فيقول: (حقيقته أنَّ الله -سبحانه وتعالى- يتفضَّل على أهل الإخلاص) سبحانه وتعالى بفضله وإحسانه يتفضَّل على أهل الإخلاص، فيغفر لهم، أي للمؤمنين المُوحِّدين، فيغفر لهم بواسطة دعاء مَن أَذِنَ له أن يشفع، وينال المقام المحمود نبينا -صلى الله عليه وسلم.
    فإذن الغرض من ذلك هو فضل الله -سبحانه وتعالى- وإحسانه للمشفوع له، وتكريم الشافع، فهو يكرم الشَّافعَ في ذلك الموقف العظيم لما يشفع بين الناس، فالشفاعة التي نفاها القرآنُ ما كان فيها شركٌ، ولذلك أثبت الشفاعةَ بإذنه في مواضع، وقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّها لا تكون إلا لأهل الإخلاص.
    وهذا الباب حَرِيٌّ بالإنسان أن يحرص عليه ويعرفه.
    فإذن هذا هو الباب الذي احتجَّ به المشركون، وهو إنَّما يكون للمُوحِّدين المُخْلَصِين بإذن الله، نسأل الله تعالى أن يرزقنا شفاعة محمد -صلى الله عليه وسلم- وأن يُشَفِّعه فينا -عليه الصلاة والسلام.
    نقف مع بعض الأسئلة:
    {يقول: هل هذا القول مُخالِفٌ: اللَّهُمَّ أغثنا بوجه أتقى وأصلح واحد فيها؟ لأنني سمعت من مجموعةٍ من أمهاتنا الكبار هذا الكلام؟}.
    هذا لا يكون، وإنَّما يمكن أن يطلب من الرجل الصالح أن يدعو، كما فعل عمر -رضي الله عنه- قال: "يا عباس، قم فادع". وكذلك فعله معاويةُ -رضي الله عنه- وأما هذا القول الذي ذكرته فلا يصح بأيِّ حالٍ من الأحوال، وهذا من التَّوسُّل أو شيء في ذلك، فلا ينبغي هذا الدعاء في ذلك، أمَّا أن يُطلب من الرجل الصالح الدعاء والناس يُؤمِّنون فهذا لا بأسَ به، وفعله أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
    {يقول: بالنسبة لمجالس الذكر الجماعية التي تُقام في جميع البلدان الإسلامية، وتُسمَّى أحيانًا مجالس الصَّفاء، وفيها أناشيد وأدعية ومُناجاة، هل هي بدعة؟ أم كما يُسمِّيها بعضُ العلماء: من باب فضائل الأعمال؟}.
    الواجب أن يكون الذكر كما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمَّا الأناشيد فأكثر من يهتم بها هم الصُّوفية، ووقعوا في ذلك، وذكرها جمعٌ من أهل العلم وبيَّنوا حكمَها في ذلك، فإذا كان مقصودهم بالذكر الجماعي الذي يقول: الله الله. فهذا ليس ذكرًا، فتكرار كلمة "الله الله" لا يعد ذكرًا، فماذا يعني بكلمة الله؟ هل يريد مدحه -سبحانه وتعالى؟ هل قلت: لا إله إلا الله. وحَّدت؟ أو قلت: سبحان الله؟ أو قلت: الحمد لله؟ أو قلت: الله أكبر؟ فهذه فيها الثناء، أمَّا مجرد ذكر لفظ الجلالة فليس فيه ثناءٌ، والواجب على الإنسان أن يذكر كما كان يذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد جاء عبدُ الله بن مسعود -رضي الله عنه- وجلس مع مجموعةٍ كانوا يذكرون ذكرًا جماعيًّا وغطى وجهه بالمِغْفَر، وهو مثل سترة حَربِيَّة تُتَّخذ، فلمَّا جلسوا يذكرون الله ذكرًا جماعيًا أخذهم بالحصى، وقال: "لقد ضللتم ضلالًا بعيدًا، أو هُدِيتُم إلى ما لم يَهْتَدِ إليه محمد -صلى الله عليه وسلم". فأنكر الصحابةُ مثلَ هذا الذكر، وهذا غير صحيحٍ، فينبغي للإنسان أن يلتزم بأدعية النبي -صلى الله عليه وسلم- وما ثبت عنه، وكثير من أدعية أهل الضلال للأسف الشديد يكون فيها دعاءُ شركٍ، مثلما ذكرنا لكم، فهم أحيانًا يذكرون غير الله -سبحانه وتعالى.
    {يقول: ما حكم الصلاة بالمساجد التي فيها قبور؟ وإن كانت عقيدتي سليمة، وأعلم أنَّهم لا ينفعون ولا يضرون، ولكن لو اضطر الشخص للصلاة فيها}.
    عمومًا لا تجوز الصلاةُ فيها؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ والنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِم ...» إلخ. فلا تجوز الصلاةُ فيها، فإذا كان هذا المسجد بُنِيَ على قبرٍ أصلًا؛ فلا تجوز الصلاةُ فيه قولًا واحدًا، وإذا كان القبر وُضِع في المسجد؛ فإنَّه يجب إبعاد القبر عن المسجد.
    {يقول: نود أن توضح بعضَ الفِرَق التي تبُثُّ الشُّبه من حيث أن قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسجد النبوي، فكيف يكون في المسجد قبر، لعلك توضح هذا يا شيخ أحسن الله إليك}.
    قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى هذه اللحظة -وذكرنا ذلك في لقاءات ماضية- أين هو؟ في غرفته -عليه الصلاة والسلام- فمَن الذي أخذ من النبي -صلى الله عليه وسلم- إذنًا في إدخالها في المسجد؟ أدخلها الوليدُ بن عبد الملك بمُخالفة علماء المسلمين ورفضهم لذلك، فلا زال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في غرفته، وليس في المسجد، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- في غرفته التي هي غرفة عائشة -رضي الله عنها- والمنطقة المحيطة بالغرفة هذه كلها غرف زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- ولذلك لا يمكن أن نقول أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دُفن في المسجد، بل دُفن في غرفة عائشة كما صحَّ في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم: «الأَنْبِيَاءُ يُدْفَنُونَ حَيثُ مَاتُوا». والكلام فيها أطول من ذلك.
    بالنسبة لبقية الأسئلة: لكم -إن شاء الله- علينا أن نُلقيها في لقاءاتٍ قادمةٍ، ونحفظها لكم بمشيئة الله -تبارك وتعالى- ولدينا في الأسبوع القادم إجازةٌ، ثم نُعاود الدراسةَ بعده -إن شاء الله- فلقاؤنا سيكون يوم السبت بعد القادم وليس السبت القادم، وبقي في دراستنا شهرٌ كاملٌ بمشيئة الله.
    نسأل الله -عز وجل- أن يرزقنا وإيَّاكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يُوفِّقنا جميعًا لما يُحبُّ ويرضى، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم.


  • #2
    رد: الدرس الثانى عشر (مَن أطاع العلماءَ والأمراءَ في تحريم ما أحل الله)

    الملخص
    باب مَن أطاع العلماءَ والأمراءَ في تحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرَّم الله،
    فقد اتَّخذهم أربابًا من دون الله،
    وقال ابن عباس: "يُوشِك أن تنزل عليكم حجارةٌ من السماء؛ أقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم. وتقولون: قال أبو بكر وعمر".
    أبا بكر وعمر وعثمان وعبد الله بن الزبير وغيرهم كانوا يأمرون الناسَ بإفراد الحجِّ، أي الإتيان بالحج فقط، والعمرة تكون في بقية أوقات السَّنة، حتى يكثر الناسُ، وكان هذا اجتهادٌ منهم؛ حتى يكثر زُوَّار الحرم طوال العام، لكن ابن عباس كان يُفتي بفتوى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو التَّمتع بالعمرة إلى الحجِّ، فكان الأكثرُ في هذه الرِّواية عن ابن عباس -رضي الله عنه- يقول: كيف نترك فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقوله لاجتهاد أحدٍ من بعده؟ وإنَّما أرادوا خيرًا.

    وقال الإمام أحمد: "عجبتُ لقومٍ عرفوا الإسنادَ وصحَّته، يذهبون إلى رأي سفيان، الله تعالى يقول: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63] أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رَدَّ بعضَ قوله أن يقع في قلبه شيءٌ من الزَّيغ فيهلك.
    هناك قصةٌ عجيبةٌ وهي جميلةٌ جدًّا، ذكرها ابنُ حجر في شرح كتاب الحج: أنَّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان لا يرى أنَّ المُحْرِمَ يُبقي شيئًا من الطِّيب على جسده، وكذلك عبد الله بن عمر، فلا يريان أنَّ المُحْرِمَ يُبقي شيئًا من طيبٍ على جسده، بينما كان سالم بن عبد الله بن عمر يُفتي بحديث عائشة -رضي الله عنها- حيث قالت: "طَيَّبتُ رَسُولَ الله لإِحْرَامِه، حتَّى إنِّي أَرَى وَبِيصَ الطَّيبِ فِي مِفْرَقِه". أي في رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا لسالم: "أتترك قول أبوك وجدك؟" مَن هو أبوه وجده؟ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمر بن الخطاب، مَن عمر بن الخطاب؟ أحد المُبَشَّرِين بالجنة، الفاروق -رضي الله عنه- تترك قول أبوك؟ لأنَّهم لم يروا ذلك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم. قال: "ما كنتُ لأدع قولَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأحدٍ كائنٍ مَن كان". وهذا هو الواجب على المسلم أن يستسلم لله، وهناك أمثلةٌ جميلةٌ وعظيمةٌ من تطبيقات السَّلف في هذا الباب ينبغي للإنسان أن يحرص عليها.


    وعن عدي بن حاتم أنَّه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ هذه الآية: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ﴾ [التوبة: 31] فقلت له: إنَّا لسنا نعبدهم! قال: «أَلَيسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللهُ فَتُحَرِّمُونَهُ؟ وَيُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَتُحِلُّونَهُ؟» فقلت: بلى. قال: «فَتِلْكَ عِبَادَتُهُم». رواه أحمد والترمذي وحسناه).

    سبب وقوعهم في هذا القول الشَّنيع وهو اتِّخاذ الأرباب في دعوى الرُّبُوبيَّة في عُزير والرُّبوبيَّة في المسيح -عليه الصلاة والسلام- هو اتِّخاذ الأحبار والرُّهبان أربابًا من دون الله، لماذا؟ لأنَّهم أطاعوهم في قولهم، فلم ينظروا إلى ما ثبت في كتبهم، ولذلك فأين كتب المسيح؟ أين إسنادها؟ الإنجيل أين هو؟
    الأحبار: هم العلماء، والرُّهبان: هم العُبَّاد، فعدي بن حاتم -رضي الله عنه- قال: "يا رسول الله، ما عبدناهم!" ما مفهوم العبادة عنده؟ أي لم نركع لهم، ولم نسجد، فما سجدنا لهم ولا ركعنا
    فعبادة الأرباب هي طاعة أئمَّة السُّوء في تحليل ما حرَّم الله -عز وجل- أو تحريم ما أحلَّ الله -عز وجل- فهذا من اتِّخاذهم أربابًا، فمنهم مَن أباح الاختلاط! ومنهم مَن أباح الربا! ومنهم مَن أباح الغناءَ! وكل هذا نهى عنه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فبعضهم قال: هذا الحديث عن رسول الله أضعه تحت قدمي. نعوذ بالله من الخذلان.



    اتِّباع المشايخ: إذا علم الإنسانُ أنَّهم قد بَدَّلُوا، وغيَّروا، وعلم أنَّ العالِم الفلاني قد غيَّر وبدَّل في الدين واتَّبعه -أي قدَّم قوله على قول الله ورسوله- فهو بهذا يكفر.
    الثاني: أنَّه أطاعه في معصية لله، فيعرف أنَّ التَّحليل والتَّحريم ثابتٌ لله -عز وجل- ولا يجوز لأحدٍ أن يُحرِّم إلا الله، لكن هذا العالم أفتى بفتوى؛ فأخذ بها، فتكون هذه معصية فاسِقٍ، فهذا يقع في الفِسْقِ.
    الثالث: شخصٌ جاهِلٌ، لكن كان من الممكن أن يعرف الحقَّ بنفسه، لكنَّه فَرَّط في البحث والعلم، فإنه يكون آثمًا، أمَّا إذا كان لا يُمكنه إلا تقليدهم، ولا يستطيع أن يصل إلى الحقِّ بنفسه، ويظن أنَّ تقليدهم هو الحق؛ فهذا لا شيءَ عليه.


    القوانين الوَضْعِيَّة

    فمَن وضع شرعًا وقانونًا للناس دون شرع الله وأبعد وقال: شرع الله لا يصلُح للناس. أو غير ذلك؛ فهذا يكون كفرًا مُخرجًا من المِلَّة، أمَّا إذا وضع مثلًا نظامًا للدراسة، كما عندنا في هذه الأكاديمية فقد وضعنا نظامًا للدراسة، فهذا النظام يجب عليك التزامه، ولا يمكن أن نقول: هذا حكمٌ بغير ما أنزل الله. لا، هذه أنظمةٌ، كوضع نظامٍ للمرور، ونظامٍ لتعاملات الناس المالية كالحِوَالات وغيرها، وكالبيع والشراء، وتنظيم المعارض، فكلُّ هذه القضايا لا إشكالَ فيها.
    هذه من المصالح المرسلة التي للناس أن ينظمونها بطريقتهم كما يريدون




    باب: الشفاعة.
    (يقول المؤلف -رحمه الله: فيما جاء في باب الشفاعة قول الله تعالى: ﴿وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ﴾ [الأنعام: 51]
    ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع، أي: واسطة، فالشَّفيع هو الواسطة، والشَّفع: هو الاثنين، أي أنَّ الإنسان يأتي في حاجته فتشفع معه، فتكون أنت في طلب حاجة أخوك في ذلك.

    ، وقوله: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا ولَا يَعْقِلُونَ * قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [الزمر: 43، 44]

    وقوله:﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة: 255]، وقوله تعالى: ﴿وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيرْضَى﴾ [النجم: 26]،


    وقوله تعالى:﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ ولَا فِي الْأَرْضِ﴾ [سبأ: 22].
    قال العلماءُ: هذه الآية قطعت عروقَ الشِّرك من أصله.
    ﴿لَا يَمْلِكُونَ﴾ من شروط المدعو أن يملك الشيءَ الذي تطلبه منه، فإذا لم يكن له مِلْكًا فيكون شريكًا فيه، وإذا لم يكن شريكًا يكون مُعاوِنًا، إذا لم يكن مُعاوِنًا يكون شفيعًا، والله نفى ذلك كله، قال تعالى: ﴿لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾، والذَّرة هي صغار النمل، فالنملة تراها صغيرة جدًّا، ما يملكونها، فإذا كانوا لا يملكون هذا هل يملكون شيئًا من مغفرة الذنوب ورفع الدرجات؟ لا، لا يملكون شيئًا من ذلك.




    ﴿مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ ولَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ﴾ إذن الملك انتفى.
    ننتقل للمرحلة التي بعدها، وهي: هل لهم شراكةٌ في ذلك؟ هل هم شركاء؟ لا ليسوا شركاء.
    ننتقل للمرحلة التي بعدها: ﴿وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ﴾ هل هم مُعاوِنُون؟ لا، ﴿وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾، إذن هذه قطعت هذا الأمر كلَّه، فلا تكون الشفاعةُ إلا لله رب العالمين.
    ولذلك شرحها أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى.

    وقال أبو العباس: "نفى اللهُ عمَّا سواه كلَّ ما يتعلَّق به المشركون، فنفى أن يكون لغيره مُلكٌ أو قِسط منه، أو يكون عونًا لله، ولم يبقَ إلا الشفاعةُ، فبيَّن أنَّها لا تنفع إلا لمَن أذن له الرب سبحانه، كما قال تعالى: ﴿ولَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [الأنبياء: 28]، فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي مُنتفيةٌ يوم القيامة كما نفاها القرآن، وأخبر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه يأتي فيسجد لربه ويحمده، لا يبدأ بالشفاعة أولًا، ثم يُقال له: «ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَع، وسَلْ تُعْطَ، واشْفَعْ تُشَفَّع».
    وقال له أبو هريرة -رضي الله عنه: "مَن أسعدُ الناسِ بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: «مَن قَالَ: لا إِلَهَ إلا اللهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ». فتلك الشفاعةُ لأهل الإخلاص بإذن الله، ولا تكون لمَن أشرك بالله -والعياذ بالله- وحقيقته أنَّ الله سبحانه هو الذي يتفضَّل على أهل الإخلاص، فيغفر لهم بواسطة دعاء مَن أذن له أن يشفع، ليُكرمه، وينال المقامَ المحمودَ، فالشَّفاعة التي نفاها القرآنُ ما كان فيها شركٌ، ولهذا أثبت الشفاعةَ بإذنه في مواضعَ، وقد بيَّن النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّها لا تكون إلا لأهل التَّوحيد والإخلاص. انتهى كلامه -رحمه الله}.

    الشفاعة التي تُضاد التَّوحيد
    هذا أحد شروط الشفاعة، نحن حينما قلنا أن الشفاعة ملك لله، فهذا هو الشرط الأول، إذن نطلبها من الله، والشرط الثاني: أنَّها لا تكون إلا بإذنه، فلابُدَّ من إذن الله، والله -عز وجل- لا يأذن ولا يرضى إلا للمُوحِّدين
    أمَّا غيرهم فقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾ [النساء: 48]

    ﴿وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيرْضَى﴾ [النجم: 26]، كم هنا خبرية، أي كثير من الملائكة لا تنفع شفاعتهم، فملائكة السماء لا تنفع شفاعتهم عند الله إلا من بعد أن يأذن الله، فهذا هو شرط الشفاعة: من بعد أن يأذن الله ويرضى، وهنا عندنا زيادة: مَن الذين يرضى الله عنهم؟ هم أهل التَّوحيد، هم أهل الإيمان



    ثم يُبيِّن المُؤلِّفُ ما هي حقيقة الشفاعة فيقول: (حقيقته أنَّ الله -سبحانه وتعالى- يتفضَّل على أهل الإخلاص) سبحانه وتعالى بفضله وإحسانه يتفضَّل على أهل الإخلاص، فيغفر لهم، أي للمؤمنين المُوحِّدين، فيغفر لهم بواسطة دعاء مَن أَذِنَ له أن يشفع، وينال المقام المحمود نبينا -صلى الله عليه وسلم.

    تعليق


    • #3
      رد: الدرس الثانى عشر (مَن أطاع العلماءَ والأمراءَ في تحريم ما أحل الله)+(الشفاعة)

      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

      تعليق


      • #4
        رد: الدرس الثانى عشر (مَن أطاع العلماءَ والأمراءَ في تحريم ما أحل الله)+(الشفاعة)

        تعليق

        يعمل...
        X