رابط المحاضرة:
http://www.youtube.com/watch?v=86L6RfkrBfE
تفريغ المحاضرة:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الرسل والنبيين، اللَّهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
اللهم إنَّا نسألك علمًا نافعًا، وعملًا صالحًا.
نرحب بكم في بداية هذا اللقاء المُتجدِّد من دروس العقيدة في الأكاديمية الإسلامية المفتوحة في مقرر العقيدة واحد، فأهلًا وسهلًا بالإخوة والأخوات المشاهدين، وأهلًا وسهلًا بالإخوة الحضور معنا، فحيَّاكم الله.
مرَّ معنا بيان التَّوحيد وفضله، ووجوب الدَّعوة إليه، ثم تقدمت بعض المسائل المتعلقة بهذا الشأن، وبيان تفسير لا إله إلا الله، واليوم نبدأ في بعض القضايا المضادة للتوحيد، القضايا التي تُضاد التَّوحيد؛ حتى يعرف الإنسان أنَّه في هذه الجوانب لم يُحقِّق التَّوحيد الذي جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم.
فسيُبيِّن المؤلفُ في هذه الأبواب التي معنا في هذا اليوم بعض مسائل الشرك الأصغر التي جاءت تسميتها في كتاب الله وفي سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- شركًا.
لماذا بدأ المؤلف بهذه القضايا مع أنَّ هناك أكبر منها؟
فمثلًا نبدأ هذا اليوم بهذا الباب: باب من الشرك لبس الحلقة والخيط.
فهل الكلام عن لبس الحَلَقَة والخيط وغيرهما أهم أم عبادة غير الله؟ مَن يدعو بغير الله ويستغيث بغير الله -عز وجل- أيُّهما أولى؟
لا شك أن بيان حكم مَن يستغيث بغير الله، ويدعو غيرَ الله أهم، لكن المؤلف بدأ لك بهذه القضايا حتى يتبين الإنسانُ خطرَ الشِّرك، فإذا كانت مثل هذه القضايا التي يراها كثيرٌ من الناس سهلةً وميسورةً، أو أنَّ الكثير من الطوائف المسلمين قد وقعت فيها، فما بالك بالقضايا الكبرى؟ انظر الوعيد فيها في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
نقرأ هذا الباب اليوم معنا، فنبدأ به.
{بابٌ من الشِّرك لبس الحَلَقَة والخيط ونحوهما؛ لرفع البلاء أو دفعه، وقول الله تعالى: ﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ﴾ [الزمر: 38]، عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلًا في يده حَلَقَة من صُفْرٍ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَا هَذِه؟» قال: من الوَاهِنَة. فقال: «انْزِعْهَا؛ فَإِنَّهَا لا تَزِيدُكَ إِلا وَهَنًا، فَإِنَّكَ لَو متَّ وَهِي عَلَيكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا». رواه أحمد بإسنادٍ لا بأسَ به)}.
هذه الآية وهذا الحديث، إذن عندنا هذا اليوم (باب من الشرك) من الشرك الأصغر أم الأكبر؟
{من الشرك الأصغر}.
ألا تكون من الشرك الأكبر؟ فلو اعتقد أنَّها تنفع وتضر من دون الله -عز وجل- فإنها تكون من الشرك الأكبر، أمَّا إن اعتقد أنَّها سببٌ فإنَّها تكون من الشرك الأصغر، ولذلك أطلق المؤلف هنا فقال: (باب من الشرك).
(لبس الحَلَقَة) الحلقة هي التي تُوضع في اليد، سواء (من صُفْرٍ) من نحاس أو من غيره من أيِّ شيءٍ آخر.
قال: (من الحَلَقَة والخَيطِ) الخيط هو أوتار يضعونها من العصب أو غيره، يضعونها عليهم. (ونحوها).
ما الغرض منها؟
قال: (لرفع البلاء) يعني دفع المرض، دفع المصيبة، دفع العين، دفع أي شيء من هذه الأمور.
(أو دفعه) أنَّها ترفع البلاء قبل أن ينزل، أو أنَّها تدفعه.
فإذن هذه القضايا تكون من الشرك الأصغر أو الشرك الأكبر حسب اعتقاده، ولذلك كانت هذه من الأشياء المضادة للتوحيد.
هذه القضية متعلقة بقضية الأسباب، والناس في هذه القضية على ثلاثة مذاهب: منهم مَن يُنكر الأسبابَ تمامًا، ولذلك يُنكر أنَّ الأكل سببٌ في الشِّبَع، وأنَّ شرب الماء سببٌ في الري، وغير ذلك.
ومنهم مَن يغلو في الأسباب، وهؤلاء أكثرهم الخُرافِيُّون الذين يجعلون ما ليس بسببٍ سببًا، مثال ذلك: هم يرون أن هذا الميت المقبور الهالك سببٌ في رفع البلاء عن هذا البلد، أو أنَّه ينفع أو يضر، أو أنَّه يعمل كذا، فكل ذلك من القضايا الباطلة.
والرأي الثالث وهو الصواب: مَن يُؤمنُ بالأسباب وتأثيراتها، لكن لا يُثبتون إلا ما أثبته الله -عز وجل.
فالله -عز وجل- لم يُثبت لنا أنَّ الإنسانَ إذا لبس حلقةً أو خيطًا أو وضع شيئًا كنَعْلٍ –فبعض الناس يضع نعلًا، وقد يكون باليًا، وبعضهم يضع خِرْقَةً مُعيَّنةً- أو وضع أيَّ شيءٍ آخر؛ أن هذا من الأسباب، فهذا ليس بسببٍ.
ولذلك يجب ألا نُثبت من الأسباب إلا ما ثبت شرعًا في كتاب الله، أو ثبت قدرًا، يعني بالتَّجريب، فمثلًا ثبت أن هذا العلاجَ الذي يأخذه الناس مفيدٌ في علاج هذه القضايا، فهذا سببٌ مُجرَّبٌ ومعروفٌ، الثانية: ألا يُعتمد عليها، فلا نعتمد عليها، فمثلًا العلاج الآن يأخذه كثيرٌ من الناس، فمنهم مَن يُشفى، ومنهم مَن يموت ولا ينفع معه هذا العلاج، مع أنَّ العلاج واحدٌ، والطبيب الذي صرفه واحدٌ، والأشخاص الذين أخذوه في منطقةٍ واحدةٍ، لكن انتفع هذا به، ولم ينتفع الآخر، فلا نعتمد على الأسباب، لكنَّها سببٌ بإذن الله -عز وجل.
الثانية: أن هذه الأسباب مهما عظمت وقويت فإنَّها مُرتبطةٌ بقضاء الله -سبحانه وتعالى- وتقديره.
فإذن الكلام عندنا هنا في قضية الأسباب، ولذلك لما نتأمل الآية نجد: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [إبراهيم: 12] فالتوكل على الله -سبحانه وتعالى- هو الاعتماد عليه -سبحانه وتعالى- والاعتقاد أنَّ بيده الأمور إن شاء منعها، وإن شاء جعلها مُقتضية، فالأمر بيده -سبحانه وتعالى- ومع ذلك فالإنسان يفعل الأسباب.
هنا من الشرك أنَّه اعتقد أن هذه الحلقة التي يضعها في يده، أو يضعها على العضد هنا، أو يضعها على غيره، مُؤثِّرةٌ بنفسها من دون الله؛ فهذا يكون شركًا أكبر، أمَّا إن اعتقد أنَّها سببٌ وليست فعلًا؛ فهذا يكون من الشرك الأصغر.
والحلقة عادةً تكون من حديدٍ أو من نحاسٍ أو ذهبٍ أو فضَّةٍ أو غير ذلك، فتكون من هذه الأشياء جميعًا.
قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه الآية: ﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُم﴾ أخبروني أيُّها المشركون يا مَن تدعون من دون الله -عز وجل- ﴿أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ﴾ الذين تعبدونهم وتذبحون لهم، وتسجدون لهم، وتصرفون العبادةَ لهم من دون الله تعالى: ﴿إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ﴾ هل يكشفن ضُرًّا من دون الله -عز وجل؟ لا والله؟ لا يكشفون: ﴿إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ﴾ هل يُمسكن رحمة الله -عز وجل؟ ﴿قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [الزمر: 38]، ولذلك فإن المتوكل الحقيقي هو الذي فعل السَّبب واعتمد على الله وتوكل على الرب -سبحانه وتعالى.
﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُم﴾ أخبروني عن هؤلاء الذين تدعون من دون الله تعالى ﴿إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّ﴾ لا يمكن أن يكشف الضر إلا رب العالمين.
هذه الآية نزلت في الشرك الأكبر، لكن قاسها المؤلفُ على الشرك الأصغر، فقاس الحلقةَ على الأصنام، فكلاهما هل ينفع من دون الله -عز وجل؟ هل هذه الحلقة تنفع من دون الله؟ وهل هذا الصنم الذي يُعبد، وهذا القبر الذي يُعبد، وهذا الوثن الذي يُعبد، ينفع من دون الله؟ هل يرد الضُرَّ؟ هل يُمسك الرحمةَ؟ لا والله، فكلها بيد الله -عز وجل- ولذلك ﴿قُلْ حَسْبِيَ اللهُ﴾ أي: الله -سبحانه وتعالى- هو الذي يكفيني، وهو -سبحانه وتعالى- عليه يتوكل المتوكلون المؤمنون، ولذلك فالمتوكل حقيقة هو المتوكل على الله -سبحانه وتعالى.
الحديث الثاني: عن عمران بن حصين صاحب الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلًا، هذا الرجل مع أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (في يده حلقة من صُفرٍ) الصُّفر مَعْدِنٌ أصفر، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَا هَذِه؟» وهذا حقيقةً يُبيِّن منهجًا تربويًّا عظيمًا من النبي -صلى الله عليه وسلم- فيجب على الإنسان أن يسأل عن الشيء قبل أن ينكر على صاحبه فيقول: لماذا فعلت هذا؟ لماذا كتبت هذا؟ ما هذا؟ ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَا هَذِهِ؟».
(قال: من الواهنة) الواهنة مرضٌ يُصيب الجسد، ويُصيب العضد، وقيل يُصيب الجسد كله، فهي أحد الأمراض المعروفة في زمانهم، قال: (من الواهنة). فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «انْزَعْهَا» يعني بقوَّةٍ «انْزَعْهَا؛ فَإِنَّها لا تَزِيدُكَ إلا وَهَنًا» فإنَّها لا تزيد إلا مرضًا، لماذا؟ لأنَّها ليست سببًا، ولا تنفع، فاعتقد أنَّها سببٌ نافعٌ.
«فَإنَّك لَو مُتَّ وَهِيَ عَلَيكَ لَم تُفْلِحْ» لو مات هذا الصحابي وهي عليه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «لَو مُتَّ وَهِيَ عَلَيكَ لَم تُفْلِحْ» هذا صحابي فكيف بغيره؟ -نعوذ بالله بالخذلان- رواه الإمام أحمد بسندٍ لا بأسَ به.
هذا الحديث رواه الحسن عن عمران بن حصين، فاختلف بعضهم في أن الحسن لم يرو عن عمران بن حصين، ولا شك أن كلاهما الحسن البصري وعمران بن حصين سكن البصرة، وقد كان الحسن البصري في البصرة من عام 37 للهجرة، وعمران بن حصين توفي سنة 52 للهجرة، فبقوا فترة طويلة، ولا شك أنَّه سمع منه، ولذلك قال الإمام -رحمه الله: (رواه الإمام أحمد في المسند بسندٍ لا بأسَ به)، ورواه غيره، ولذلك قال الهيثمي في مجمع الزوائد: إسناده حسن.
هنا في هذا الحديث نجد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سأل هذا الرجل، وهذه مسألة عظيمة جدًّا في قضية إنكار المنكر، وأيضًا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أنه لو مات وهي عليه لم يفلح أبدًا، وأن يتركه الله ويكله.
ولذلك فكثير من الناس الذين يضعون هذه الأشياء تجد الواحد منهم لا يُحافظ على الأذكار الشَّرعية، لا يعرف الأذكار الشرعية، يتَّكل ويعتمد ويكون اعتماده على ما وضعه في جسده من هذه الأشياء، إمَّا تمائم علَّقها، أو غيرها من الأشياء، فتكون مثل هذه الأشياء الباطلة فيها، ولذلك تضعف نفسه، فيخاف من هذا، ويخاف من كذا، وتجد بعضَ الناس عنده خوف عجيب في ذلك، لماذا؟ لأنهم تركوا الأسباب الشرعية التي شرعها ربنا -سبحانه وتعالى- والتي منها أن يقرأ الإنسان المعوذات "قل هو الله أحد" و"قل أعوذ برب الفلق" و"قل أعوذ برب الناس" فيقرأها الإنسان في الصباح والمساء، وأيضًا آية الكرسي إذا قرأها الإنسان عند موته لا يزال عليه من الله حافظ حتى يصبح، ولا يقربه شيطانٌ، وغير ذلك.
فجاءت الأسباب الشرعية لحفظ الإنسان، فإذا أغلق الإنسان الباب وقال: بسم الله، فإنَّه لا تأتيه الشياطين ولا تدخل معه هذا الباب إطلاقًا.
فلما ترك الناس الأسباب الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة وأخذوا أسباب غير مشروعة وليس لها قيمة تعبوا، وأحيانًا تصل إلى أن بعضهم يضع ثياب بالية، أي ثياب قديمة، وثياب مُتَّسِخَة، وبعضهم يضع نعلًا قديمًا، وبعضهم يضع مثل هذه الأشياء.
ولذلك فإن العامل النفسي مهمٌّ جدًّا في هذا الجانب، فبعضهم يرى أنَّه إذا وضع هذه التَّميمة يبقى بعافيةٍ، وأنَّه لو أزالها مات في اليوم الثاني، فعنده عاملٌ نفسيٌّ عجيبٌ في هذا الأمر.
فالشيخ في هذه القضية له أمرٌ كبيرٌ جدًّا، فيحرص الإنسان على قوة النفس.
وقضية التَّوحيد تجمع إلى توحيد الله وإخلاص العبودية وقوة النفس: أن النفس تكون قويةً بالله -سبحانه وتعالى- مُعتمدةً على الله -سبحانه وتعالى.
الحديث الذي بعده: (عن الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- عن عقبة بن عامر الصحابي مرفوعًا أي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلا أَتَمَّ اللهُ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلا وَدَعَ اللهُ لَهُ». رواه الإمامُ أحمدُ وسنده حسنٌ).
قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَن تَعَلَّقَ تَمِيمَةً» التَّمائم سنذكرها بعد قليل -إن شاء الله- بعد هذا الباب والذي بعده، ونعرض بعض الأمثلة والصور عليها.
قال: «مَن تَعَلَّقَ تَمِيمَةً» ما الفائدة من تعليق التميمة؟
{يعتقدون أنَّ هذه التمائم تَقِي من العين ونحوها}.
فهو قد علَّق التميمة لأجل أن أمره يتم، ماذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث هنا: «فَلا أَتَمَّ اللهُ لَهُ» هذه جملة خبرية أو دعاء؟
{جملة خبرية}.
سواءً قلنا جملة خبرية بمعنى أن الله لا يتم له أمره أبدًا، أي إذا وضعت هذه التميمة ليتم أمرك فإن الله لا يتم أمرك، أو دعاء من النبي -صلى الله عليه وسلم- ودعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- مُجابٌ، فسواءً قلنا هذا أو ذاك، فهذا العمل لا يتم، «مَن تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فلا أَتَمَّ اللهُ لَهُ» فلا يتم أمر مَن يضع مثل هذه الأشياء، لا يتم الله -عز وجل- له أمره.
وغالب من يضعون التمائم تجدهم يضعون أشياء معينة، فأحيانًا يضعون كتابة، وأحيانًا استغاثة بجنٍّ، وأحيانًا يضعون القرآن، ولذلك سيتكلم عليها المؤلف بعد قليل.
«ومَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً» الوَدَعَة هي الأصداف التي تكون في البحر، وسنتكلم عليها، وتكون في خرزٍ، وتوضع في مثل المِسْبَحَة، فهذا الخرز أو هذه الأشياء التي يُعلِّقونها يظنون أنَّها ترد العين، وهذا الاعتقاد باطل.
وقد أراد بالودعة أن يكون في الأمر دِعَةٌ وسُكونٌ وراحةٌ، فيأتي الأمر على ضد ذلك، قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «فَلا وَدَعَ اللهُ لَهُ» يعني لا يكون هناك راحةً، بل هو في قلقٍ تامٍّ ودائمٍ.
فإذن مَن عمل هذه الأشياء فإنَّه لا يكون في راحةٍ، ولا في طمأنينة، لماذا؟ لأنَّه اعتمد على غير الله، وجعل ما ليس بسببٍ سببًا.
{هناك عندنا بعض الناس يضعون الأصداف على الأولاد الصغار للزينة}.
قضية الزينة قضية أخرى لا نتكلم عليها، الزينة لا تضر، وسيأتينا بعد قليل في حديث في الباب الذي بعده، فإذا كانت القضية قضية زينة فلا إشكالَ فيها، أمَّا إذا كانت للعِيِّ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد دعا في ذلك.
الحديث الثاني: (وفي روايةٍ لعُقبة بن عامر أيضًا قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «ومَن تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ») وهذه الرواية سندها حسن أيضًا.
قصة هذه الرواية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقبل إليه مجموعةٌ من الناس (رهط)، فبايع تسعةً منهم إلا واحدًا، توقف النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يُبايعه، فقالوا: يا رسول الله ما لك لا تبايعه؟ قال: «إِنَّ عَلَيهِ تَمِيمَةً»، فقطعها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «ومَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ»، فلم يُبايعه النبي -صلى الله عليه وسلم- ولذلك جاء هذا التَّحريمُ الشَّديدُ في هذه القضية، فلمَّا قطعها بايعه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال -عليه الصلاة والسلام: «ومَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ».
الذي يُعلِّق تميمةً يعتمد على هذه التميمة، ولذلك يكون حريصًا عليها، ويدفع فيها أموالًا طائلةً، ويكون جُلُّ اهتمامه على هذه القضية، وهذا مُعتَقَدٌ خطيرٌ باطلٌ عند المسلمين.
روى ابن أبي حاتم أن حذيفة بن اليمان صاحب الرسول -صلى الله عليه وسلم- رأى على يد رجلٍ سِيرًا مثل الذي رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقطعه حذيفة -رضي الله عنه- ثم تلا هذه الآية: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم باللهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ﴾ [يوسف: 106] وهذه الآية في الشرك الأكبر، ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم باللهِ﴾، أي يؤمنون بالربوبية، لكنَّهم يشركون في الألوهيَّة.
وهذا من قوة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنهم يُغيِّرون المنكر، فإذا كان لدى الإنسان قدرة فإنَّه يُغيِّر المُنكرَ، أمَّا إذا لم يكن لديه قدرة أو استطاعة فماذا يفعل؟ هل يجوز لهذا الإنسان أن يُغيِّر بيده؟ لا ما يُغيِّر بيده، إمَّا أن يكون له سلطةٌ أو والدٌ أو كذا، أمَّا إذا لم يكن له سلطةٌ فلا يُغيِّر بيده؛ لأنَّه سيكون هناك إشكالات في قضايا أخرى، ولذلك قطعه حذيفةُ بن اليمان صاحب الرسول -صلى الله عليه وسلم.
يأتي الباب الذي معنا الآن: (باب ما جاء في الرُّقَى والتَّمائم)، وهو كالتكملة للباب الذي سبق.
انظروا ما قاله المؤلف هنا: (باب ما جاء في الرُّقى والتَّمائم)، وقال فيما مضى: (بابٌ في الشرك)، فلماذا لم يذكره المؤلف مثل الباب السابق؟ لأنَّ من الرُّقى ما ليس بشركٍ، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لما رقى الصحابيُّ -رضي الله عنه- رجلًا وقرأ عليه الفاتحة ماذا قال؟ «وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّها رُقْيَةٌ؟». ولذلك فالرُّقية منها ما هو مشروعٌ، ومنها ما ليس بمشروعٍ، ولذلك قال المؤلف -رحمه الله- هنا: (باب ما جاء في الرُّقى والتَّمائم).
فالتميمة لها أحوالٌ كثيرةٌ أيضًا، فمن الناس مَن يُعلِّق القرآن الكريم، أو آيات من القرآن الكريم، وهذه فيها خلافٌ سيأتي، وأمَّا الأحاديث الأخرى ستأتي -إن شاء الله تعالى- في ذلك.
فإذن (باب ما جاء في الرُّقى والتَّمائم) ما الآيات والنصوص والأحكام التي جاءت فيها، وجعلك المؤلف تنظر في الحكم؟
الحديث الأول فيما جاء عن الرُّقْى والتَّمائم: عن أبي بشير الأنصاري: كان النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- في بعض أسفاره، فأرسل رسولًا: «أَنْ لا يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلادَةٌ مِنْ وَتَرٍ، أَو قِلادَةٌ إلا قُطِعَتْ». هذا الحديث صحيح رواه الإمامان البخاري ومسلم، ولذلك قال المؤلف -رحمه الله: (في الصحيح) أي في الحديث الصحيح، وهو في رواية البخاري ومسلم.
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان في أحد الأسفار، فأرسل رجلًا من أصحابه: ألا تبقى قلادةٌ من وترٍ في رقبة بَعِيرٍ، لماذا يضعون قلادة من وترٍ؟
{اتقاء العين}.
لاتقاء العين، فهم يضعون هذا الوتر الذي هو مثل العصب، أو أقرب شيءٍ يكون من عصب الشاه أو غيره، فيضعونه على رقبة البعير لأجل أنَّه يرد العينَ عنه، فالبعير عندهم غالٍ، فلذلك كانوا يضعونها منه، فجاء النهي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذه من الأسباب غير المشروعة، ولذلك أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تقطع، فأي قلادةٍ من وترٍ في رقبة البعير فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عنها.
جاء في بعض الآثار أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ارْبُطُوا الخَيْلَ وَقَلِّدُوهَا، ولا تُقَلِّدُوهَا الأَوتَارَ». وهذا إسناده جيدٌ، ويريد الزينة، إذا كانت للزينة أو لغير ذلك فلا إشكالَ، أمَّا إذا كانت لأجل العين، بحيث أن الإنسان يضعها كسببٍ؛ فإنَّها لا تجوز لأنَّه يعتقدها أو يعتمد عليها في دفع العين، ولذلك لا يجوز أن تُعلَّق هذه الأشياء.
الحديث الثاني حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: سمعتُ الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ». رواه الإمام أحمد وأبو داود بإسنادٍ صحيحٍ.
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- هنا قال: «الرُّقَى» هل كل الرقى باطلة؟
{لا، بل هناك من الرقى ما هو مشروع}.
ولذلك هنا الكلام عن الرقى الغير مشروعة، الرقى غير المشروعة بيَّنها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فالرُّقَى والتَّمائم والتِّولةَ كلُّ هذه قال فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-: «شِرْكٌ».
التمائم هي أشياء يُعلِّقونها على الأولاد، وأحيانًا تُعلَّق على الكبار، وسنعرض بعضَ الأمثلة وبعضَ الأشياء من هذه القضايا، ويرون أنَّها تدفع العينَ، وتدفع الضُّرَّ عنهم، أو تدفع الجنَّ، أو غير ذلك.
أيضًا التِّولة شيءٌ يُعلِّقونه على الزوج، ويزعمون أنَّه يُحبِّب الزوجَ إلى زوجته، أو يُعلِّقونه على الزوجة، ويزعمون أنَّه يُحبِّب الزوجة إلى زوجها، فهو يُحبِّب هذا إلى هذا، فهذه التولة قال عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها: «شِرْكٌ».
هل يدخل فيها ما هو موجود اليوم مثل الدبلة؟ فقد انتشر عند بعض المسلمين ما أخذوه عن الغربيين من وضع المتزوج دبلة في يده، وكذلك الزوجة، لماذا يضعون هذه الأشياء؟
{ما الدبلة؟}.
الدبلة التي يضعونها في اليد مثل الخاتم، خاتم يضعونه في اليد للمتزوج.
{أنا شاهدتها كثيرًا في مصر، فإذا أراد الإنسانُ أن يتقدَّم لخطبة فتاةٍ فإنَّه يضع خاتم على يدها، حتى الزوجة أيضًا تضع الخاتم، فهذا معروفٌ ومشهورٌ أنَّها تُقدَّم للخطبة فقط}.
هل لها آثرٌ مُعيَّنٌ؟ أو يعتقدون لها اعتقادات معينة؟ فلو هذا الزوج مثلًا فسخ الدبلة ماذا يكون؟
{لا، ما هي إلا إشهار أنَّه تقدم للخطبة}.
هذا في بلادكم؟ أم في بلادٍ أخرى؟
{في بلادنا قليلٌ جدًّا}.
ما تضعونه؟
{نعم}.
الحمد لله.
{عندنا أيضًا عند الخطبة يقدم الزوج خاتمًا للزوجة}.
اشتهر الآن أو وُجِدَ في بعض البلاد الإسلامية ما يسمونه دبلة الزواج، بحيث أن الزوج يضعها في يده، والزوجة تضعها، ولو أن الزوج أزال هذا يعتقدون أن الزواج يفشل، وهذا إذا كان بهذا الاعتقاد فهو اعتقادٌ فاشلٌ، أمَّا إذا كان مثلما ذكر الأخ أنَّه إعلامٌ فهو تشبُّهٌ بالنصارى، وأيضًا لا يجوز، فمثل هذا لا يجوز عند المسلمين، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُو مِنْهُمْ».
فإذن التِّولة كما وردت في الحديث قديمًا جاءت بشكلٍ جديدٍ، لكنَّها جاءت بدبلة الزواج، أو دبلة الخطوبة في ذلك، فهي لا تجوز في ذلك.
أيضًا قال: «والتِّوَلَةُ شِرْكٌ» سيأتي لنا تفصيل لها بإذن الله -عز وجل.
الحديث الثالث: حديث عبد الله بن عقيل مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: «مَن تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيهِ». رواه الإمام أحمد والترمذي، وهو حديثٌ حسنٌ.
فمَن تعلَّق شيئًا وكله الله إليه، الجزاء من جنس العمل، أنت اعتقدت في هذه القضية أنَّها نافعة لك، وأنَّها مُفيدة لك، وأنَّها تُقدمك، وأنَّها تنفع وتضر من دون الله -عز وجل- فوكله الله -عز وجل- إليه، ولذلك يكون اعتماده على ذلك، وتكون نفسه ضعيفةً، فتكون نفسه للأسف الشديد نفس ضعيفة لا يستطيع العمل والإنجاز في ذلك.
وهنا قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَن تَعَلَّقَ شَيْئًا». «شَيْئًا» نكرة، أي شيء تتعلق به من دون الله -عز وجل- يكلك الله -عز وجل- إليه، ولذلك علق أمرك كله بالله رب العالمين، فيكون أمرك وارتباطك وقضاء حوائجك ورجاءك كله لله رب العالمين في ذلك.
فالتعلق بغير الله -عز وجل- قد يكون مُنافِيًا للتَّوحيد تمامًا، فيعتقد أن هذا الشيء، أو هذا الصنم الذي يعبده، أو هذا الحلقة التي وضعها في يده، أو هذه التميمة التي علَّقها في يده تنفع وتضر من دون الله -عز وجل- فهو يعتقد أنَّها نافعة ضارة بنفسها، فهذا يكون خارجًا ومنافيًا تمامًا للتوحيد، ويكون شركًا أكبر.
الثاني: أنَّه يُنافيه، أن يعتمد على سببٍ، يقول النافع الضار هو الله، لكن هذه التميمة سبب، ونقول هذا سببٌ غير مشروعٍ، لا في كتاب الله، ولا في سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا هو بالتَّجريب في ذلك.
الثالث: أن يكون الإنسانُ قد فَعَلَ السَّبب لكن تعلقه بالله رب العالمين، فالإنسان يستشفي فيأخذ العلاج ويقرأ على نفسه ويرقي نفسه، لكن تعلقه بالله، واعتماده على الله، وتفويضه إلى الله -سبحانه وتعالى.
قال: (التَّمائم شيءٌ يُعلِّقونه على الأولاد) شيءٌ يُعلِّقونه يتقون به العين، شيء يعلق به على العين.
وهذا من عدل المؤلف -رحمه الله- قال: (لكن إذا كان المُعلَّقُ من القرآن فرَخَّص فيه بعضُ السَّلف) رُوِيَ أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يُعلِّق على أبنائه ألواحًا، هذه الألواح يضع فيها شيئًا من القرآن الكريم، لكن هذا الإسناد المروي فيه محمد بن إسحاق وقد عنعن، ومحمد بن إسحاق إذا عنعن فإن روايته لا تُقبل، ولذلك هذا لا يثبت عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه.
انظر كم عدد الصحابة -رضي الله عنهم- الذين حجوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومع ذلك لم يُرو إلا عن واحدٍ، ولا يثبت، ومع ذلك أخذه المؤلف في الاعتبار، فقد رخَّص فيه بعضُ السَّلف وغيرهم لم يُرخِّص في ذلك، وسيأتينا كلام عبد الله ويجعله من المنهي، فعبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- كان ينهى عن ذلك، وسيأتينا الأثر في هذه القضية.
من الاستهانة بالقرآن الكريم أن بعض الناس يُعلِّق القرآن، ثم لا يفعل الأسباب الشرعية، فبعضهم يعلقه في سيارته أو في بيته، أو على صدره، أو غير ذلك، وإن رخَّص به بعضُ السلف، لكن هذا الفعل منهم غير مُناسبٍ، لماذا؟ لأنَّه لم يقرأ آية الكرسي، ولم يتفهم ما فيها من المعاني.
{فمن الممكن أن لا يلتزم حتى أداء العبادات كالصلاة وغير ذلك، ورأيت كثيرًا مثلًا عندنا في البلد كان يعلق آيات من القرآن، ولكن لا يلتزم بأداء الصلاة}.
ولذلك فالأصل النهي عن هذا الأمر؛ لأنَّ الناس وقعوا في هذا، ثم إنَّه قد يكون فيه استهانة بالمصحف، فيُعلِّق شيئًا من القرآن على طفلٍ، ثم يأتيه شيءٌ من البلل والقاذورات، ويدخل به دورة المياه، فأين صيانة القرآن الكريم؟ فالقرآن إنَّما أُنزل ليُتدبر وليُقرأ وليُطَبَّق عمليًّا، أمَّا أن يكون للزينة وغير ذلك فلا يُشرع، ولا ينبغي للمسلم أن يفعل ذلك.
قال: (الرُّقَى التي تُسمَّى العزائم) كانت قديمًا الرقى تسمى العزائم، وهي ورقة يُكتب فيها شيءٌ من القرآن الكريم، وخُصَّ منها ما خلا من الشرك، ومر معنا حديث بُريدة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخَّص في الرُّقية في العين والحُمَّى، وبيَّن أنَّها تكون أنفعَ شيءٍ في ذلك، وأيضًا يجوز في غيرها في ذلك.
هناك بعض أهل العلم من خَصَّ الرُّقية من العين أو من السُّمِّ، فتكون من العين أو السم فقط، لكن منهم مَن أجاز في غيرها من الأمراض.
التِّوَلَة كما مر معنا تعريفها قبل قليل: شيءٌ يُحبِّب كلًّا من الزوجين إلى غيره، وهذا فعلٌ غير مشروعٍ، ولذلك غير صحيح، والاعتماد عليه يكون شركًا أصغر.
الحديث الأخير: روى الإمام أحمد في مسنده عن رُوَيفع قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «يَا رُوَيْفِعُ، لَعَلَّ الحَيَاةَ سَتَطُولُ بِكَ، فَأَخْبِرِ النَّاسَ أَنَّ مَن عَقَدَ لِحْيَتَهُ أَو تَقَلَّدَ وَتَرًا أَوِ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ أَو عَظْمٍ فَإِنَّ مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- بَرِيءٌ مِنْهُ». هذا الحديث صحيح الإسناد.
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يَا رُوَيفِعُ، لَعَلَّ الحَيَاةَ سَتَطُولُ بِكَ، فَأَخْبِرِ النَّاسَ» أخبر الناس بهذه القضايا، أولها: «أنَّ مَن عَقَدَ لِحْيَتَهُ» كان المعروف عند العرب وفي الناس عمومًا أنَّهم لا يحلقون لحاهم، إلا في هذه الأزمنة المتأخرة حيث أصبح حلق اللحية هو الأساس، ولذلك فإن من تأمل التاريخ وجد أن العرب كانوا يتركون لحاهم، أو لا يحلقون لحاهم، لكن كانوا يعقدونها، لماذا يعقدونها؟ ذكر أهل العلم أنهم يعقدونها من باب التَّكبُّر، أو من باب دفع العين، أو أنَّها لا تكون جميلةً، ويكون شكلها مُشَوَّهًا، فيكون شكلُ صاحبها قبيحًا؛ فتندفع عنه العين، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الوعيد الشديد، أي أنَّه من كبائر الذُّنوب.
قال: «أَو تَقَلَّدَ وَتَرًا» كما تقلَّد في رقبة البعير أنَّه لدفع العين، فأيضًا هذا بريء منه النبي -صلى الله عليه وسلم.
الثالثة قال: «أو اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ» هذا يمر دائمًا في مسائل الطَّهارة، لماذا رجيع الدابة؟ لأنَّه طعام بهائم الجن، فإنَّ رجيع الدواب يكون طعام بهائم الجن.
«أو عظمٍ» العظم أيضًا هو طعام الجن، فنهى عن الاستنجاء به، أي إزالة النجاسة الخارجة من السَّبيلين، فنهى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: «فَإِنَّ مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- بَرِيءٌ مِنْهُ».
سيأتي الكلام على قضية ما يتعلَّق بشروط الرُّقية، لكن نبدأ بعرض القضايا التي مرَّت معنا.
مر معنا قبل قليل التمائم، وهذه التمائم هي المشتهرة في بلاد المسلمين، فعدد التمائم هائلٌ، وتباع في بعض البلاد بأثمانٍ غاليةٍ.
{أي نعم منتشرة}.
كم تباع؟
{تباع بثمن خروف، فيه مليون رقية، أو نصف مليون}.
هذه كم تصلح؟ مدتها سنة أو سنتين أو دائمة؟
{دائمة، وبعضها لسنتين أو لسنة}.
هل تباع في بلادكم؟
{نعم تباع، وتختلف من منطقةٍ إلى أخرى}.
لماذا؟
{بحسب الناس، ففي منطقتنا بدجاجةٍ}.
فلو فتحناها نجد فيها بعض طلاسم، هل هذه من القرآن؟ فيها شيء من القرآن، انظر عندك "أ ب ج" ماذا فيها؟ ماذا تعني هذه الحروف التي فوق الأصبع الآن؟ رموز للشَّياطين.
ولذلك جاء حديث سعيد بن جبير -رحمه الله تعالى- وهو من التابعين، قال -رحمه الله تعالى: "مَن قَطَعَ تَمِيمَةً مِن إِنْسَانٍ كَانَ كَعَدْلِ رَقَبَةٍ". لأنَّه أنجاه من هذا الشرك، فكما أنك تعتق من الشرك فكذلك تعتقه من هذه الضلالة -نعوذ بالله منها- فتعتق الإنسان من هذه الضلالة.
ولذلك قال إبراهيم النَّخعي: "كانوا يكرهون التَّمائم كلها". يتكلم عن ابن مسعود وأصحابه، وسبق كلام عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه.
انظر هذه بعض الأمثلة الآن تكون أوضح، انظر هنا "ح" معناه أنه يستغيث بالجن فلان، ولذلك هو لو قال أن فلانًا يستغيث بفلانٍ من الجن، هل سيقبل الناس؟ لا يقبل الناس منه أبدًا، وبالتالي ينفضوا عنه، ولذلك يضع مثل هذه الرموز.
هذه حقيقة الأمثلة وهذه الأشياء التي نعرضها أمامكم أخذناها من الإخوان في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه من جهودهم المباركة، خاصة من معرض مركز هيئة الديرة، بمنطقة الرياض، نشكرهم على ذلك، ونسأل الله -عز وجل- أن يجزيهم خير الجزاء، وهذا من جهودهم في إعتاق الناس من هذه الخرافات.
ولذلك فالحمد لله نحن في هذه البلاد -المملكة العربية السعودية- لا تظهر عندنا هذه الخرافات إلا شيئًا نادرًا، أو مع بعض مَن يَفِدُ إليها ظنًّا منهم في اعتقاداتهم، فهي تُباع الآن بمبالغ كبيرة جدًّا، وأيضًا تباع في بلادهم.
هذه بعض الأمثلة، وهي الاستغاثة بالجن، هذا أيضًا مثالٌ آخر، انظروا فهي كلها حروف مُقطَّعات، انظر هذه أيضًا قضية أكبر، وهذه هي موجودة معنا الآن، انظر هذه الورقة الكبيرة التي تراها أمامك الآن، انظر هذه الورقة الكبيرة كيف نصغرها الآن، وتطلع صغيرة بشكل صغير جدًّا، توضع هنا بهذا الشكل، فهذه بعض الخرافات التي وجدت عند المسلمين، فأحيانًا تكون صغيرةً وتُوضع على اليد، ويعتقدونها، وتباع بأموالٍ طائلةٍ.
انظروا هذه أيضًا خرافة أخرى، هذه موجودة معنا الآن، وحقيقة من الجهود المباركة لإخواننا، انظر هذا الشكل أمامك الآن ماذا فيه؟ كلها خرافات، أحيانًا يكون في بعضها في الخلف بعض الآيات، لكنها غيرُ واضحةٍ، فهم أحيانًا يذكرون آيةً لأجل أن يقبل الناسُ هذا الشيء منهم، لكنَّه يضع فيها هذه العبارات الباطلة في ذلك.
هذه أيضًا انظروا الدائرة النورانية الشاذلية هي أيضًا للطرق الصُّوفية، فإذن انظر ماذا فيها، لا تجد فيها إلا عبارات مثل: عزرائيل، جبريل. فهي عبارات فيها جهل.
هذه الأشياء تباع لأجل أنهم يرون أنها تدفع العين، فهذه بعض الأشياء التي يعتقدونها، وهذا من الشرك الأصغر الذي انتشر بين المسلمين.
ذكرت لكم الودعة، وهذا من الودع الذي بيناه لكم قبل قليل.
الأسئلة:
{يقول: ماذا تنصح في رقية الرضيع؛ لأنَّه يُوجد مَن يعتقد أن المصحف بجانب الطفل سيحميه، أو يضعون مثلًا سكينًا، وإذا سألتهم يقولون: لإبعاد الشياطين}.
الأصل أن الإنسان يقرأ أذكار الصباح والمساء، ويحافظ على هذه الأذكار، ويَرْقِي ابنَه وصغيره الذي لديه، وإذا دخل ذكر الله، وإذا خرج ذكر الله -سبحانه وتعالى- فالأذكار النبوية حصنٌ للمسلم، وكما في صحيح الإمامين البخاري ومسلم وغيرهما، فيقرأ هذه الأذكار، وبحمد الله هذه حماية كاملة للإنسان.
{يقول: يكثر في بلادنا تساقط المطر أو الغيث فيقول الناس: سقط النوء، أو النوء يسقط. ونحن نعلم أن هناك حديث: «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مَنْ هُو كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بالكَوْكَبِ...» إلى آخر الحديث، فهل لفظ سقط النوء شرعي أم يُخالف الشرع؟}.
الحديث سيأتينا -إن شاء الله- مع الأبواب القادمة، لكن مؤمن بالكوكب، أي اعتقد أن نزول المطر بسبب الكوكب، وأن الكوكب سببٌ فيه، والمطر من الله، من مسألة التسميات بغيرها.
{يقول: إذا دخل الرياءُ في عمل أحدٍ وأراد أن يُصحح عمله، ويُخلصه لله تعالى وهو في أثناء العمل، هل يقطعه ويستأنف؟ أم يكفيه أن يُصحح النية؟}.
يُصحِّح النية ويستمر في ذلك، كما مر معنا في الأبواب السابقة.
{يقول: هل يدخل في لبس الحَلَقَة ما يُباع في محلات الذَّهب وغيره من خيوط وغير ذلك تُلبس تقليدًا لعقيدةٍ يعتقدها المشاهير في الغرب؟ وما حكم مثل هذه الأشياء؟}.
لا شكَّ أنَّه تَشَبُّهٌ بغير المسلمين، وقد نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن التشبه بغيرنا، وأن الإنسان المسلم لابد أن يكون له اعتزازه، وله قوته في ذلك، فلا يتشبَّه بهم، إذا كان التَّشبُّه لمعتقدٍ فهو مُحرَّمٌ، أمَّا إذا كان باعتقاد أنَّها تنفع وتضر من دون الله -عز وجل- فإنَّها تكون شركًا أصغر إذا اعتقد أنَّها سببٌ، أمَّا إذا كان تقليدًا لغير المسلمين فهي تشبُّهٌ بغيرهم في ذلك.
فهذه بعض الأسئلة التي مرت معنا في ذلك.
نأتي إلى قضية مهمة جدًّا يجب أن نُشير إليها، وهي قضية الرقية، فما الرقية؟ وما شروط الرقية حتى نقول هذه الرقية صحيحة؟ نقصد الرقية بالقرآن الكريم، أو بغيرها من الأدعية الثابتة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم.
هناك شروط يجب أن يلتزم بها القارئُ حتى نقول أن هذه الرقية صحيحة:
أولًا: ألا يعتقد الإنسانُ أنَّها تنفع بذاتها دون الله -عز وجل- بل يعتقد الإنسان النفع والضر بيد الله -سبحانه وتعالى- وإذا اعتقد أنَّها تنفع بذاتها من دون الله فهو شركٌ؛ لأنَّه يعتقد أنَّها سببٌ، فهي لا تنفع إلا بإذن الله -عز وجل.
الثاني: ألا تكون مما يُخالف الشَّرعَ، فإذا كانت مُتضمِّنةً أدعية، أو استغاثة بغير الله -عز وجل- فهذه مُحرَّمة، وللأسف الشديد كثيرٌ من الأدعية الخاصة ببعض الطرق الصوفية وغيرهم بها استغاثة بغير الله، فمثلًا يقولون: يا طهلفوش انقطع الرجاء إلا منك. وطهلفوش هذا من الجن، ثم يقولون هذه أسماء الأرواح أو غير ذلك، فيُسمُّونها بغير اسمها، وقد ذكرت بعض مسمياتهم في كتابي "الطرق الصوفية"، فكل طريقة صوفية عندهم لا تخلو من مسميات باطلة، فهم يُسمُّون أسماء الجنِّ في أورادهم، ويستغيثون بغير الله -عز وجل.
ولذلك يجب أن تكون مما لا يُخالف الشرع، فإذا كان فيها استغاثةٌ بجنٍّ أو غير ذلك، فإنَّها مُحرَّمةٌ وشِركيَّةٌ لا تجوز.
الثالث: أن تكون مفهومةً، أمَّا إذا كانت غيرَ مفهومةٍ فلا يجوز ذلك، فبعض الذين يُدخلون في رقيتهم شيئًا باطلًا يقرؤون مثلًا قول الله تعالى: ﴿الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالمِينَ﴾ [الفاتحة: 2]، ثم يُخفت صوتَه فلا تدري ماذا يقول، ثم يرفع صوته مرة أخرى. فماذا قال في هذه السكتة؟!
فيجب أن تكون الرقية بكلامٍ مفهومٍ واضحٍ، فهذه ثلاثة شروط في ذلك ينتبه لها الإنسان في رقيته.
لعلنا نتوقف عند هذا القدر، والأسئلة -إن شاء الله- ستنزل بعد قليلٍ، فنسأل الله -عز وجل- أن يُوفِّقنا لما يُحبُّ ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وشكر الله لكم.
http://www.youtube.com/watch?v=86L6RfkrBfE
تفريغ المحاضرة:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الرسل والنبيين، اللَّهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
اللهم إنَّا نسألك علمًا نافعًا، وعملًا صالحًا.
نرحب بكم في بداية هذا اللقاء المُتجدِّد من دروس العقيدة في الأكاديمية الإسلامية المفتوحة في مقرر العقيدة واحد، فأهلًا وسهلًا بالإخوة والأخوات المشاهدين، وأهلًا وسهلًا بالإخوة الحضور معنا، فحيَّاكم الله.
مرَّ معنا بيان التَّوحيد وفضله، ووجوب الدَّعوة إليه، ثم تقدمت بعض المسائل المتعلقة بهذا الشأن، وبيان تفسير لا إله إلا الله، واليوم نبدأ في بعض القضايا المضادة للتوحيد، القضايا التي تُضاد التَّوحيد؛ حتى يعرف الإنسان أنَّه في هذه الجوانب لم يُحقِّق التَّوحيد الذي جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم.
فسيُبيِّن المؤلفُ في هذه الأبواب التي معنا في هذا اليوم بعض مسائل الشرك الأصغر التي جاءت تسميتها في كتاب الله وفي سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- شركًا.
لماذا بدأ المؤلف بهذه القضايا مع أنَّ هناك أكبر منها؟
فمثلًا نبدأ هذا اليوم بهذا الباب: باب من الشرك لبس الحلقة والخيط.
فهل الكلام عن لبس الحَلَقَة والخيط وغيرهما أهم أم عبادة غير الله؟ مَن يدعو بغير الله ويستغيث بغير الله -عز وجل- أيُّهما أولى؟
لا شك أن بيان حكم مَن يستغيث بغير الله، ويدعو غيرَ الله أهم، لكن المؤلف بدأ لك بهذه القضايا حتى يتبين الإنسانُ خطرَ الشِّرك، فإذا كانت مثل هذه القضايا التي يراها كثيرٌ من الناس سهلةً وميسورةً، أو أنَّ الكثير من الطوائف المسلمين قد وقعت فيها، فما بالك بالقضايا الكبرى؟ انظر الوعيد فيها في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
نقرأ هذا الباب اليوم معنا، فنبدأ به.
{بابٌ من الشِّرك لبس الحَلَقَة والخيط ونحوهما؛ لرفع البلاء أو دفعه، وقول الله تعالى: ﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ﴾ [الزمر: 38]، عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلًا في يده حَلَقَة من صُفْرٍ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَا هَذِه؟» قال: من الوَاهِنَة. فقال: «انْزِعْهَا؛ فَإِنَّهَا لا تَزِيدُكَ إِلا وَهَنًا، فَإِنَّكَ لَو متَّ وَهِي عَلَيكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا». رواه أحمد بإسنادٍ لا بأسَ به)}.
هذه الآية وهذا الحديث، إذن عندنا هذا اليوم (باب من الشرك) من الشرك الأصغر أم الأكبر؟
{من الشرك الأصغر}.
ألا تكون من الشرك الأكبر؟ فلو اعتقد أنَّها تنفع وتضر من دون الله -عز وجل- فإنها تكون من الشرك الأكبر، أمَّا إن اعتقد أنَّها سببٌ فإنَّها تكون من الشرك الأصغر، ولذلك أطلق المؤلف هنا فقال: (باب من الشرك).
(لبس الحَلَقَة) الحلقة هي التي تُوضع في اليد، سواء (من صُفْرٍ) من نحاس أو من غيره من أيِّ شيءٍ آخر.
قال: (من الحَلَقَة والخَيطِ) الخيط هو أوتار يضعونها من العصب أو غيره، يضعونها عليهم. (ونحوها).
ما الغرض منها؟
قال: (لرفع البلاء) يعني دفع المرض، دفع المصيبة، دفع العين، دفع أي شيء من هذه الأمور.
(أو دفعه) أنَّها ترفع البلاء قبل أن ينزل، أو أنَّها تدفعه.
فإذن هذه القضايا تكون من الشرك الأصغر أو الشرك الأكبر حسب اعتقاده، ولذلك كانت هذه من الأشياء المضادة للتوحيد.
هذه القضية متعلقة بقضية الأسباب، والناس في هذه القضية على ثلاثة مذاهب: منهم مَن يُنكر الأسبابَ تمامًا، ولذلك يُنكر أنَّ الأكل سببٌ في الشِّبَع، وأنَّ شرب الماء سببٌ في الري، وغير ذلك.
ومنهم مَن يغلو في الأسباب، وهؤلاء أكثرهم الخُرافِيُّون الذين يجعلون ما ليس بسببٍ سببًا، مثال ذلك: هم يرون أن هذا الميت المقبور الهالك سببٌ في رفع البلاء عن هذا البلد، أو أنَّه ينفع أو يضر، أو أنَّه يعمل كذا، فكل ذلك من القضايا الباطلة.
والرأي الثالث وهو الصواب: مَن يُؤمنُ بالأسباب وتأثيراتها، لكن لا يُثبتون إلا ما أثبته الله -عز وجل.
فالله -عز وجل- لم يُثبت لنا أنَّ الإنسانَ إذا لبس حلقةً أو خيطًا أو وضع شيئًا كنَعْلٍ –فبعض الناس يضع نعلًا، وقد يكون باليًا، وبعضهم يضع خِرْقَةً مُعيَّنةً- أو وضع أيَّ شيءٍ آخر؛ أن هذا من الأسباب، فهذا ليس بسببٍ.
ولذلك يجب ألا نُثبت من الأسباب إلا ما ثبت شرعًا في كتاب الله، أو ثبت قدرًا، يعني بالتَّجريب، فمثلًا ثبت أن هذا العلاجَ الذي يأخذه الناس مفيدٌ في علاج هذه القضايا، فهذا سببٌ مُجرَّبٌ ومعروفٌ، الثانية: ألا يُعتمد عليها، فلا نعتمد عليها، فمثلًا العلاج الآن يأخذه كثيرٌ من الناس، فمنهم مَن يُشفى، ومنهم مَن يموت ولا ينفع معه هذا العلاج، مع أنَّ العلاج واحدٌ، والطبيب الذي صرفه واحدٌ، والأشخاص الذين أخذوه في منطقةٍ واحدةٍ، لكن انتفع هذا به، ولم ينتفع الآخر، فلا نعتمد على الأسباب، لكنَّها سببٌ بإذن الله -عز وجل.
الثانية: أن هذه الأسباب مهما عظمت وقويت فإنَّها مُرتبطةٌ بقضاء الله -سبحانه وتعالى- وتقديره.
فإذن الكلام عندنا هنا في قضية الأسباب، ولذلك لما نتأمل الآية نجد: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [إبراهيم: 12] فالتوكل على الله -سبحانه وتعالى- هو الاعتماد عليه -سبحانه وتعالى- والاعتقاد أنَّ بيده الأمور إن شاء منعها، وإن شاء جعلها مُقتضية، فالأمر بيده -سبحانه وتعالى- ومع ذلك فالإنسان يفعل الأسباب.
هنا من الشرك أنَّه اعتقد أن هذه الحلقة التي يضعها في يده، أو يضعها على العضد هنا، أو يضعها على غيره، مُؤثِّرةٌ بنفسها من دون الله؛ فهذا يكون شركًا أكبر، أمَّا إن اعتقد أنَّها سببٌ وليست فعلًا؛ فهذا يكون من الشرك الأصغر.
والحلقة عادةً تكون من حديدٍ أو من نحاسٍ أو ذهبٍ أو فضَّةٍ أو غير ذلك، فتكون من هذه الأشياء جميعًا.
قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه الآية: ﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُم﴾ أخبروني أيُّها المشركون يا مَن تدعون من دون الله -عز وجل- ﴿أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ﴾ الذين تعبدونهم وتذبحون لهم، وتسجدون لهم، وتصرفون العبادةَ لهم من دون الله تعالى: ﴿إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ﴾ هل يكشفن ضُرًّا من دون الله -عز وجل؟ لا والله؟ لا يكشفون: ﴿إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ﴾ هل يُمسكن رحمة الله -عز وجل؟ ﴿قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [الزمر: 38]، ولذلك فإن المتوكل الحقيقي هو الذي فعل السَّبب واعتمد على الله وتوكل على الرب -سبحانه وتعالى.
﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُم﴾ أخبروني عن هؤلاء الذين تدعون من دون الله تعالى ﴿إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّ﴾ لا يمكن أن يكشف الضر إلا رب العالمين.
هذه الآية نزلت في الشرك الأكبر، لكن قاسها المؤلفُ على الشرك الأصغر، فقاس الحلقةَ على الأصنام، فكلاهما هل ينفع من دون الله -عز وجل؟ هل هذه الحلقة تنفع من دون الله؟ وهل هذا الصنم الذي يُعبد، وهذا القبر الذي يُعبد، وهذا الوثن الذي يُعبد، ينفع من دون الله؟ هل يرد الضُرَّ؟ هل يُمسك الرحمةَ؟ لا والله، فكلها بيد الله -عز وجل- ولذلك ﴿قُلْ حَسْبِيَ اللهُ﴾ أي: الله -سبحانه وتعالى- هو الذي يكفيني، وهو -سبحانه وتعالى- عليه يتوكل المتوكلون المؤمنون، ولذلك فالمتوكل حقيقة هو المتوكل على الله -سبحانه وتعالى.
الحديث الثاني: عن عمران بن حصين صاحب الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلًا، هذا الرجل مع أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (في يده حلقة من صُفرٍ) الصُّفر مَعْدِنٌ أصفر، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَا هَذِه؟» وهذا حقيقةً يُبيِّن منهجًا تربويًّا عظيمًا من النبي -صلى الله عليه وسلم- فيجب على الإنسان أن يسأل عن الشيء قبل أن ينكر على صاحبه فيقول: لماذا فعلت هذا؟ لماذا كتبت هذا؟ ما هذا؟ ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَا هَذِهِ؟».
(قال: من الواهنة) الواهنة مرضٌ يُصيب الجسد، ويُصيب العضد، وقيل يُصيب الجسد كله، فهي أحد الأمراض المعروفة في زمانهم، قال: (من الواهنة). فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «انْزَعْهَا» يعني بقوَّةٍ «انْزَعْهَا؛ فَإِنَّها لا تَزِيدُكَ إلا وَهَنًا» فإنَّها لا تزيد إلا مرضًا، لماذا؟ لأنَّها ليست سببًا، ولا تنفع، فاعتقد أنَّها سببٌ نافعٌ.
«فَإنَّك لَو مُتَّ وَهِيَ عَلَيكَ لَم تُفْلِحْ» لو مات هذا الصحابي وهي عليه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «لَو مُتَّ وَهِيَ عَلَيكَ لَم تُفْلِحْ» هذا صحابي فكيف بغيره؟ -نعوذ بالله بالخذلان- رواه الإمام أحمد بسندٍ لا بأسَ به.
هذا الحديث رواه الحسن عن عمران بن حصين، فاختلف بعضهم في أن الحسن لم يرو عن عمران بن حصين، ولا شك أن كلاهما الحسن البصري وعمران بن حصين سكن البصرة، وقد كان الحسن البصري في البصرة من عام 37 للهجرة، وعمران بن حصين توفي سنة 52 للهجرة، فبقوا فترة طويلة، ولا شك أنَّه سمع منه، ولذلك قال الإمام -رحمه الله: (رواه الإمام أحمد في المسند بسندٍ لا بأسَ به)، ورواه غيره، ولذلك قال الهيثمي في مجمع الزوائد: إسناده حسن.
هنا في هذا الحديث نجد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سأل هذا الرجل، وهذه مسألة عظيمة جدًّا في قضية إنكار المنكر، وأيضًا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أنه لو مات وهي عليه لم يفلح أبدًا، وأن يتركه الله ويكله.
ولذلك فكثير من الناس الذين يضعون هذه الأشياء تجد الواحد منهم لا يُحافظ على الأذكار الشَّرعية، لا يعرف الأذكار الشرعية، يتَّكل ويعتمد ويكون اعتماده على ما وضعه في جسده من هذه الأشياء، إمَّا تمائم علَّقها، أو غيرها من الأشياء، فتكون مثل هذه الأشياء الباطلة فيها، ولذلك تضعف نفسه، فيخاف من هذا، ويخاف من كذا، وتجد بعضَ الناس عنده خوف عجيب في ذلك، لماذا؟ لأنهم تركوا الأسباب الشرعية التي شرعها ربنا -سبحانه وتعالى- والتي منها أن يقرأ الإنسان المعوذات "قل هو الله أحد" و"قل أعوذ برب الفلق" و"قل أعوذ برب الناس" فيقرأها الإنسان في الصباح والمساء، وأيضًا آية الكرسي إذا قرأها الإنسان عند موته لا يزال عليه من الله حافظ حتى يصبح، ولا يقربه شيطانٌ، وغير ذلك.
فجاءت الأسباب الشرعية لحفظ الإنسان، فإذا أغلق الإنسان الباب وقال: بسم الله، فإنَّه لا تأتيه الشياطين ولا تدخل معه هذا الباب إطلاقًا.
فلما ترك الناس الأسباب الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة وأخذوا أسباب غير مشروعة وليس لها قيمة تعبوا، وأحيانًا تصل إلى أن بعضهم يضع ثياب بالية، أي ثياب قديمة، وثياب مُتَّسِخَة، وبعضهم يضع نعلًا قديمًا، وبعضهم يضع مثل هذه الأشياء.
ولذلك فإن العامل النفسي مهمٌّ جدًّا في هذا الجانب، فبعضهم يرى أنَّه إذا وضع هذه التَّميمة يبقى بعافيةٍ، وأنَّه لو أزالها مات في اليوم الثاني، فعنده عاملٌ نفسيٌّ عجيبٌ في هذا الأمر.
فالشيخ في هذه القضية له أمرٌ كبيرٌ جدًّا، فيحرص الإنسان على قوة النفس.
وقضية التَّوحيد تجمع إلى توحيد الله وإخلاص العبودية وقوة النفس: أن النفس تكون قويةً بالله -سبحانه وتعالى- مُعتمدةً على الله -سبحانه وتعالى.
الحديث الذي بعده: (عن الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- عن عقبة بن عامر الصحابي مرفوعًا أي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلا أَتَمَّ اللهُ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلا وَدَعَ اللهُ لَهُ». رواه الإمامُ أحمدُ وسنده حسنٌ).
قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَن تَعَلَّقَ تَمِيمَةً» التَّمائم سنذكرها بعد قليل -إن شاء الله- بعد هذا الباب والذي بعده، ونعرض بعض الأمثلة والصور عليها.
قال: «مَن تَعَلَّقَ تَمِيمَةً» ما الفائدة من تعليق التميمة؟
{يعتقدون أنَّ هذه التمائم تَقِي من العين ونحوها}.
فهو قد علَّق التميمة لأجل أن أمره يتم، ماذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث هنا: «فَلا أَتَمَّ اللهُ لَهُ» هذه جملة خبرية أو دعاء؟
{جملة خبرية}.
سواءً قلنا جملة خبرية بمعنى أن الله لا يتم له أمره أبدًا، أي إذا وضعت هذه التميمة ليتم أمرك فإن الله لا يتم أمرك، أو دعاء من النبي -صلى الله عليه وسلم- ودعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- مُجابٌ، فسواءً قلنا هذا أو ذاك، فهذا العمل لا يتم، «مَن تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فلا أَتَمَّ اللهُ لَهُ» فلا يتم أمر مَن يضع مثل هذه الأشياء، لا يتم الله -عز وجل- له أمره.
وغالب من يضعون التمائم تجدهم يضعون أشياء معينة، فأحيانًا يضعون كتابة، وأحيانًا استغاثة بجنٍّ، وأحيانًا يضعون القرآن، ولذلك سيتكلم عليها المؤلف بعد قليل.
«ومَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً» الوَدَعَة هي الأصداف التي تكون في البحر، وسنتكلم عليها، وتكون في خرزٍ، وتوضع في مثل المِسْبَحَة، فهذا الخرز أو هذه الأشياء التي يُعلِّقونها يظنون أنَّها ترد العين، وهذا الاعتقاد باطل.
وقد أراد بالودعة أن يكون في الأمر دِعَةٌ وسُكونٌ وراحةٌ، فيأتي الأمر على ضد ذلك، قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «فَلا وَدَعَ اللهُ لَهُ» يعني لا يكون هناك راحةً، بل هو في قلقٍ تامٍّ ودائمٍ.
فإذن مَن عمل هذه الأشياء فإنَّه لا يكون في راحةٍ، ولا في طمأنينة، لماذا؟ لأنَّه اعتمد على غير الله، وجعل ما ليس بسببٍ سببًا.
{هناك عندنا بعض الناس يضعون الأصداف على الأولاد الصغار للزينة}.
قضية الزينة قضية أخرى لا نتكلم عليها، الزينة لا تضر، وسيأتينا بعد قليل في حديث في الباب الذي بعده، فإذا كانت القضية قضية زينة فلا إشكالَ فيها، أمَّا إذا كانت للعِيِّ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد دعا في ذلك.
الحديث الثاني: (وفي روايةٍ لعُقبة بن عامر أيضًا قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «ومَن تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ») وهذه الرواية سندها حسن أيضًا.
قصة هذه الرواية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقبل إليه مجموعةٌ من الناس (رهط)، فبايع تسعةً منهم إلا واحدًا، توقف النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يُبايعه، فقالوا: يا رسول الله ما لك لا تبايعه؟ قال: «إِنَّ عَلَيهِ تَمِيمَةً»، فقطعها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «ومَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ»، فلم يُبايعه النبي -صلى الله عليه وسلم- ولذلك جاء هذا التَّحريمُ الشَّديدُ في هذه القضية، فلمَّا قطعها بايعه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال -عليه الصلاة والسلام: «ومَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ».
الذي يُعلِّق تميمةً يعتمد على هذه التميمة، ولذلك يكون حريصًا عليها، ويدفع فيها أموالًا طائلةً، ويكون جُلُّ اهتمامه على هذه القضية، وهذا مُعتَقَدٌ خطيرٌ باطلٌ عند المسلمين.
روى ابن أبي حاتم أن حذيفة بن اليمان صاحب الرسول -صلى الله عليه وسلم- رأى على يد رجلٍ سِيرًا مثل الذي رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقطعه حذيفة -رضي الله عنه- ثم تلا هذه الآية: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم باللهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ﴾ [يوسف: 106] وهذه الآية في الشرك الأكبر، ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم باللهِ﴾، أي يؤمنون بالربوبية، لكنَّهم يشركون في الألوهيَّة.
وهذا من قوة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنهم يُغيِّرون المنكر، فإذا كان لدى الإنسان قدرة فإنَّه يُغيِّر المُنكرَ، أمَّا إذا لم يكن لديه قدرة أو استطاعة فماذا يفعل؟ هل يجوز لهذا الإنسان أن يُغيِّر بيده؟ لا ما يُغيِّر بيده، إمَّا أن يكون له سلطةٌ أو والدٌ أو كذا، أمَّا إذا لم يكن له سلطةٌ فلا يُغيِّر بيده؛ لأنَّه سيكون هناك إشكالات في قضايا أخرى، ولذلك قطعه حذيفةُ بن اليمان صاحب الرسول -صلى الله عليه وسلم.
يأتي الباب الذي معنا الآن: (باب ما جاء في الرُّقَى والتَّمائم)، وهو كالتكملة للباب الذي سبق.
انظروا ما قاله المؤلف هنا: (باب ما جاء في الرُّقى والتَّمائم)، وقال فيما مضى: (بابٌ في الشرك)، فلماذا لم يذكره المؤلف مثل الباب السابق؟ لأنَّ من الرُّقى ما ليس بشركٍ، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لما رقى الصحابيُّ -رضي الله عنه- رجلًا وقرأ عليه الفاتحة ماذا قال؟ «وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّها رُقْيَةٌ؟». ولذلك فالرُّقية منها ما هو مشروعٌ، ومنها ما ليس بمشروعٍ، ولذلك قال المؤلف -رحمه الله- هنا: (باب ما جاء في الرُّقى والتَّمائم).
فالتميمة لها أحوالٌ كثيرةٌ أيضًا، فمن الناس مَن يُعلِّق القرآن الكريم، أو آيات من القرآن الكريم، وهذه فيها خلافٌ سيأتي، وأمَّا الأحاديث الأخرى ستأتي -إن شاء الله تعالى- في ذلك.
فإذن (باب ما جاء في الرُّقى والتَّمائم) ما الآيات والنصوص والأحكام التي جاءت فيها، وجعلك المؤلف تنظر في الحكم؟
الحديث الأول فيما جاء عن الرُّقْى والتَّمائم: عن أبي بشير الأنصاري: كان النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- في بعض أسفاره، فأرسل رسولًا: «أَنْ لا يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلادَةٌ مِنْ وَتَرٍ، أَو قِلادَةٌ إلا قُطِعَتْ». هذا الحديث صحيح رواه الإمامان البخاري ومسلم، ولذلك قال المؤلف -رحمه الله: (في الصحيح) أي في الحديث الصحيح، وهو في رواية البخاري ومسلم.
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان في أحد الأسفار، فأرسل رجلًا من أصحابه: ألا تبقى قلادةٌ من وترٍ في رقبة بَعِيرٍ، لماذا يضعون قلادة من وترٍ؟
{اتقاء العين}.
لاتقاء العين، فهم يضعون هذا الوتر الذي هو مثل العصب، أو أقرب شيءٍ يكون من عصب الشاه أو غيره، فيضعونه على رقبة البعير لأجل أنَّه يرد العينَ عنه، فالبعير عندهم غالٍ، فلذلك كانوا يضعونها منه، فجاء النهي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذه من الأسباب غير المشروعة، ولذلك أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تقطع، فأي قلادةٍ من وترٍ في رقبة البعير فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عنها.
جاء في بعض الآثار أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ارْبُطُوا الخَيْلَ وَقَلِّدُوهَا، ولا تُقَلِّدُوهَا الأَوتَارَ». وهذا إسناده جيدٌ، ويريد الزينة، إذا كانت للزينة أو لغير ذلك فلا إشكالَ، أمَّا إذا كانت لأجل العين، بحيث أن الإنسان يضعها كسببٍ؛ فإنَّها لا تجوز لأنَّه يعتقدها أو يعتمد عليها في دفع العين، ولذلك لا يجوز أن تُعلَّق هذه الأشياء.
الحديث الثاني حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: سمعتُ الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ». رواه الإمام أحمد وأبو داود بإسنادٍ صحيحٍ.
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- هنا قال: «الرُّقَى» هل كل الرقى باطلة؟
{لا، بل هناك من الرقى ما هو مشروع}.
ولذلك هنا الكلام عن الرقى الغير مشروعة، الرقى غير المشروعة بيَّنها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فالرُّقَى والتَّمائم والتِّولةَ كلُّ هذه قال فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-: «شِرْكٌ».
التمائم هي أشياء يُعلِّقونها على الأولاد، وأحيانًا تُعلَّق على الكبار، وسنعرض بعضَ الأمثلة وبعضَ الأشياء من هذه القضايا، ويرون أنَّها تدفع العينَ، وتدفع الضُّرَّ عنهم، أو تدفع الجنَّ، أو غير ذلك.
أيضًا التِّولة شيءٌ يُعلِّقونه على الزوج، ويزعمون أنَّه يُحبِّب الزوجَ إلى زوجته، أو يُعلِّقونه على الزوجة، ويزعمون أنَّه يُحبِّب الزوجة إلى زوجها، فهو يُحبِّب هذا إلى هذا، فهذه التولة قال عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها: «شِرْكٌ».
هل يدخل فيها ما هو موجود اليوم مثل الدبلة؟ فقد انتشر عند بعض المسلمين ما أخذوه عن الغربيين من وضع المتزوج دبلة في يده، وكذلك الزوجة، لماذا يضعون هذه الأشياء؟
{ما الدبلة؟}.
الدبلة التي يضعونها في اليد مثل الخاتم، خاتم يضعونه في اليد للمتزوج.
{أنا شاهدتها كثيرًا في مصر، فإذا أراد الإنسانُ أن يتقدَّم لخطبة فتاةٍ فإنَّه يضع خاتم على يدها، حتى الزوجة أيضًا تضع الخاتم، فهذا معروفٌ ومشهورٌ أنَّها تُقدَّم للخطبة فقط}.
هل لها آثرٌ مُعيَّنٌ؟ أو يعتقدون لها اعتقادات معينة؟ فلو هذا الزوج مثلًا فسخ الدبلة ماذا يكون؟
{لا، ما هي إلا إشهار أنَّه تقدم للخطبة}.
هذا في بلادكم؟ أم في بلادٍ أخرى؟
{في بلادنا قليلٌ جدًّا}.
ما تضعونه؟
{نعم}.
الحمد لله.
{عندنا أيضًا عند الخطبة يقدم الزوج خاتمًا للزوجة}.
اشتهر الآن أو وُجِدَ في بعض البلاد الإسلامية ما يسمونه دبلة الزواج، بحيث أن الزوج يضعها في يده، والزوجة تضعها، ولو أن الزوج أزال هذا يعتقدون أن الزواج يفشل، وهذا إذا كان بهذا الاعتقاد فهو اعتقادٌ فاشلٌ، أمَّا إذا كان مثلما ذكر الأخ أنَّه إعلامٌ فهو تشبُّهٌ بالنصارى، وأيضًا لا يجوز، فمثل هذا لا يجوز عند المسلمين، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُو مِنْهُمْ».
فإذن التِّولة كما وردت في الحديث قديمًا جاءت بشكلٍ جديدٍ، لكنَّها جاءت بدبلة الزواج، أو دبلة الخطوبة في ذلك، فهي لا تجوز في ذلك.
أيضًا قال: «والتِّوَلَةُ شِرْكٌ» سيأتي لنا تفصيل لها بإذن الله -عز وجل.
الحديث الثالث: حديث عبد الله بن عقيل مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: «مَن تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيهِ». رواه الإمام أحمد والترمذي، وهو حديثٌ حسنٌ.
فمَن تعلَّق شيئًا وكله الله إليه، الجزاء من جنس العمل، أنت اعتقدت في هذه القضية أنَّها نافعة لك، وأنَّها مُفيدة لك، وأنَّها تُقدمك، وأنَّها تنفع وتضر من دون الله -عز وجل- فوكله الله -عز وجل- إليه، ولذلك يكون اعتماده على ذلك، وتكون نفسه ضعيفةً، فتكون نفسه للأسف الشديد نفس ضعيفة لا يستطيع العمل والإنجاز في ذلك.
وهنا قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَن تَعَلَّقَ شَيْئًا». «شَيْئًا» نكرة، أي شيء تتعلق به من دون الله -عز وجل- يكلك الله -عز وجل- إليه، ولذلك علق أمرك كله بالله رب العالمين، فيكون أمرك وارتباطك وقضاء حوائجك ورجاءك كله لله رب العالمين في ذلك.
فالتعلق بغير الله -عز وجل- قد يكون مُنافِيًا للتَّوحيد تمامًا، فيعتقد أن هذا الشيء، أو هذا الصنم الذي يعبده، أو هذا الحلقة التي وضعها في يده، أو هذه التميمة التي علَّقها في يده تنفع وتضر من دون الله -عز وجل- فهو يعتقد أنَّها نافعة ضارة بنفسها، فهذا يكون خارجًا ومنافيًا تمامًا للتوحيد، ويكون شركًا أكبر.
الثاني: أنَّه يُنافيه، أن يعتمد على سببٍ، يقول النافع الضار هو الله، لكن هذه التميمة سبب، ونقول هذا سببٌ غير مشروعٍ، لا في كتاب الله، ولا في سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا هو بالتَّجريب في ذلك.
الثالث: أن يكون الإنسانُ قد فَعَلَ السَّبب لكن تعلقه بالله رب العالمين، فالإنسان يستشفي فيأخذ العلاج ويقرأ على نفسه ويرقي نفسه، لكن تعلقه بالله، واعتماده على الله، وتفويضه إلى الله -سبحانه وتعالى.
قال: (التَّمائم شيءٌ يُعلِّقونه على الأولاد) شيءٌ يُعلِّقونه يتقون به العين، شيء يعلق به على العين.
وهذا من عدل المؤلف -رحمه الله- قال: (لكن إذا كان المُعلَّقُ من القرآن فرَخَّص فيه بعضُ السَّلف) رُوِيَ أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يُعلِّق على أبنائه ألواحًا، هذه الألواح يضع فيها شيئًا من القرآن الكريم، لكن هذا الإسناد المروي فيه محمد بن إسحاق وقد عنعن، ومحمد بن إسحاق إذا عنعن فإن روايته لا تُقبل، ولذلك هذا لا يثبت عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه.
انظر كم عدد الصحابة -رضي الله عنهم- الذين حجوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومع ذلك لم يُرو إلا عن واحدٍ، ولا يثبت، ومع ذلك أخذه المؤلف في الاعتبار، فقد رخَّص فيه بعضُ السَّلف وغيرهم لم يُرخِّص في ذلك، وسيأتينا كلام عبد الله ويجعله من المنهي، فعبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- كان ينهى عن ذلك، وسيأتينا الأثر في هذه القضية.
من الاستهانة بالقرآن الكريم أن بعض الناس يُعلِّق القرآن، ثم لا يفعل الأسباب الشرعية، فبعضهم يعلقه في سيارته أو في بيته، أو على صدره، أو غير ذلك، وإن رخَّص به بعضُ السلف، لكن هذا الفعل منهم غير مُناسبٍ، لماذا؟ لأنَّه لم يقرأ آية الكرسي، ولم يتفهم ما فيها من المعاني.
{فمن الممكن أن لا يلتزم حتى أداء العبادات كالصلاة وغير ذلك، ورأيت كثيرًا مثلًا عندنا في البلد كان يعلق آيات من القرآن، ولكن لا يلتزم بأداء الصلاة}.
ولذلك فالأصل النهي عن هذا الأمر؛ لأنَّ الناس وقعوا في هذا، ثم إنَّه قد يكون فيه استهانة بالمصحف، فيُعلِّق شيئًا من القرآن على طفلٍ، ثم يأتيه شيءٌ من البلل والقاذورات، ويدخل به دورة المياه، فأين صيانة القرآن الكريم؟ فالقرآن إنَّما أُنزل ليُتدبر وليُقرأ وليُطَبَّق عمليًّا، أمَّا أن يكون للزينة وغير ذلك فلا يُشرع، ولا ينبغي للمسلم أن يفعل ذلك.
قال: (الرُّقَى التي تُسمَّى العزائم) كانت قديمًا الرقى تسمى العزائم، وهي ورقة يُكتب فيها شيءٌ من القرآن الكريم، وخُصَّ منها ما خلا من الشرك، ومر معنا حديث بُريدة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخَّص في الرُّقية في العين والحُمَّى، وبيَّن أنَّها تكون أنفعَ شيءٍ في ذلك، وأيضًا يجوز في غيرها في ذلك.
هناك بعض أهل العلم من خَصَّ الرُّقية من العين أو من السُّمِّ، فتكون من العين أو السم فقط، لكن منهم مَن أجاز في غيرها من الأمراض.
التِّوَلَة كما مر معنا تعريفها قبل قليل: شيءٌ يُحبِّب كلًّا من الزوجين إلى غيره، وهذا فعلٌ غير مشروعٍ، ولذلك غير صحيح، والاعتماد عليه يكون شركًا أصغر.
الحديث الأخير: روى الإمام أحمد في مسنده عن رُوَيفع قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «يَا رُوَيْفِعُ، لَعَلَّ الحَيَاةَ سَتَطُولُ بِكَ، فَأَخْبِرِ النَّاسَ أَنَّ مَن عَقَدَ لِحْيَتَهُ أَو تَقَلَّدَ وَتَرًا أَوِ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ أَو عَظْمٍ فَإِنَّ مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- بَرِيءٌ مِنْهُ». هذا الحديث صحيح الإسناد.
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يَا رُوَيفِعُ، لَعَلَّ الحَيَاةَ سَتَطُولُ بِكَ، فَأَخْبِرِ النَّاسَ» أخبر الناس بهذه القضايا، أولها: «أنَّ مَن عَقَدَ لِحْيَتَهُ» كان المعروف عند العرب وفي الناس عمومًا أنَّهم لا يحلقون لحاهم، إلا في هذه الأزمنة المتأخرة حيث أصبح حلق اللحية هو الأساس، ولذلك فإن من تأمل التاريخ وجد أن العرب كانوا يتركون لحاهم، أو لا يحلقون لحاهم، لكن كانوا يعقدونها، لماذا يعقدونها؟ ذكر أهل العلم أنهم يعقدونها من باب التَّكبُّر، أو من باب دفع العين، أو أنَّها لا تكون جميلةً، ويكون شكلها مُشَوَّهًا، فيكون شكلُ صاحبها قبيحًا؛ فتندفع عنه العين، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الوعيد الشديد، أي أنَّه من كبائر الذُّنوب.
قال: «أَو تَقَلَّدَ وَتَرًا» كما تقلَّد في رقبة البعير أنَّه لدفع العين، فأيضًا هذا بريء منه النبي -صلى الله عليه وسلم.
الثالثة قال: «أو اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ» هذا يمر دائمًا في مسائل الطَّهارة، لماذا رجيع الدابة؟ لأنَّه طعام بهائم الجن، فإنَّ رجيع الدواب يكون طعام بهائم الجن.
«أو عظمٍ» العظم أيضًا هو طعام الجن، فنهى عن الاستنجاء به، أي إزالة النجاسة الخارجة من السَّبيلين، فنهى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: «فَإِنَّ مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- بَرِيءٌ مِنْهُ».
سيأتي الكلام على قضية ما يتعلَّق بشروط الرُّقية، لكن نبدأ بعرض القضايا التي مرَّت معنا.
مر معنا قبل قليل التمائم، وهذه التمائم هي المشتهرة في بلاد المسلمين، فعدد التمائم هائلٌ، وتباع في بعض البلاد بأثمانٍ غاليةٍ.
{أي نعم منتشرة}.
كم تباع؟
{تباع بثمن خروف، فيه مليون رقية، أو نصف مليون}.
هذه كم تصلح؟ مدتها سنة أو سنتين أو دائمة؟
{دائمة، وبعضها لسنتين أو لسنة}.
هل تباع في بلادكم؟
{نعم تباع، وتختلف من منطقةٍ إلى أخرى}.
لماذا؟
{بحسب الناس، ففي منطقتنا بدجاجةٍ}.
فلو فتحناها نجد فيها بعض طلاسم، هل هذه من القرآن؟ فيها شيء من القرآن، انظر عندك "أ ب ج" ماذا فيها؟ ماذا تعني هذه الحروف التي فوق الأصبع الآن؟ رموز للشَّياطين.
ولذلك جاء حديث سعيد بن جبير -رحمه الله تعالى- وهو من التابعين، قال -رحمه الله تعالى: "مَن قَطَعَ تَمِيمَةً مِن إِنْسَانٍ كَانَ كَعَدْلِ رَقَبَةٍ". لأنَّه أنجاه من هذا الشرك، فكما أنك تعتق من الشرك فكذلك تعتقه من هذه الضلالة -نعوذ بالله منها- فتعتق الإنسان من هذه الضلالة.
ولذلك قال إبراهيم النَّخعي: "كانوا يكرهون التَّمائم كلها". يتكلم عن ابن مسعود وأصحابه، وسبق كلام عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه.
انظر هذه بعض الأمثلة الآن تكون أوضح، انظر هنا "ح" معناه أنه يستغيث بالجن فلان، ولذلك هو لو قال أن فلانًا يستغيث بفلانٍ من الجن، هل سيقبل الناس؟ لا يقبل الناس منه أبدًا، وبالتالي ينفضوا عنه، ولذلك يضع مثل هذه الرموز.
هذه حقيقة الأمثلة وهذه الأشياء التي نعرضها أمامكم أخذناها من الإخوان في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه من جهودهم المباركة، خاصة من معرض مركز هيئة الديرة، بمنطقة الرياض، نشكرهم على ذلك، ونسأل الله -عز وجل- أن يجزيهم خير الجزاء، وهذا من جهودهم في إعتاق الناس من هذه الخرافات.
ولذلك فالحمد لله نحن في هذه البلاد -المملكة العربية السعودية- لا تظهر عندنا هذه الخرافات إلا شيئًا نادرًا، أو مع بعض مَن يَفِدُ إليها ظنًّا منهم في اعتقاداتهم، فهي تُباع الآن بمبالغ كبيرة جدًّا، وأيضًا تباع في بلادهم.
هذه بعض الأمثلة، وهي الاستغاثة بالجن، هذا أيضًا مثالٌ آخر، انظروا فهي كلها حروف مُقطَّعات، انظر هذه أيضًا قضية أكبر، وهذه هي موجودة معنا الآن، انظر هذه الورقة الكبيرة التي تراها أمامك الآن، انظر هذه الورقة الكبيرة كيف نصغرها الآن، وتطلع صغيرة بشكل صغير جدًّا، توضع هنا بهذا الشكل، فهذه بعض الخرافات التي وجدت عند المسلمين، فأحيانًا تكون صغيرةً وتُوضع على اليد، ويعتقدونها، وتباع بأموالٍ طائلةٍ.
انظروا هذه أيضًا خرافة أخرى، هذه موجودة معنا الآن، وحقيقة من الجهود المباركة لإخواننا، انظر هذا الشكل أمامك الآن ماذا فيه؟ كلها خرافات، أحيانًا يكون في بعضها في الخلف بعض الآيات، لكنها غيرُ واضحةٍ، فهم أحيانًا يذكرون آيةً لأجل أن يقبل الناسُ هذا الشيء منهم، لكنَّه يضع فيها هذه العبارات الباطلة في ذلك.
هذه أيضًا انظروا الدائرة النورانية الشاذلية هي أيضًا للطرق الصُّوفية، فإذن انظر ماذا فيها، لا تجد فيها إلا عبارات مثل: عزرائيل، جبريل. فهي عبارات فيها جهل.
هذه الأشياء تباع لأجل أنهم يرون أنها تدفع العين، فهذه بعض الأشياء التي يعتقدونها، وهذا من الشرك الأصغر الذي انتشر بين المسلمين.
ذكرت لكم الودعة، وهذا من الودع الذي بيناه لكم قبل قليل.
الأسئلة:
{يقول: ماذا تنصح في رقية الرضيع؛ لأنَّه يُوجد مَن يعتقد أن المصحف بجانب الطفل سيحميه، أو يضعون مثلًا سكينًا، وإذا سألتهم يقولون: لإبعاد الشياطين}.
الأصل أن الإنسان يقرأ أذكار الصباح والمساء، ويحافظ على هذه الأذكار، ويَرْقِي ابنَه وصغيره الذي لديه، وإذا دخل ذكر الله، وإذا خرج ذكر الله -سبحانه وتعالى- فالأذكار النبوية حصنٌ للمسلم، وكما في صحيح الإمامين البخاري ومسلم وغيرهما، فيقرأ هذه الأذكار، وبحمد الله هذه حماية كاملة للإنسان.
{يقول: يكثر في بلادنا تساقط المطر أو الغيث فيقول الناس: سقط النوء، أو النوء يسقط. ونحن نعلم أن هناك حديث: «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مَنْ هُو كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بالكَوْكَبِ...» إلى آخر الحديث، فهل لفظ سقط النوء شرعي أم يُخالف الشرع؟}.
الحديث سيأتينا -إن شاء الله- مع الأبواب القادمة، لكن مؤمن بالكوكب، أي اعتقد أن نزول المطر بسبب الكوكب، وأن الكوكب سببٌ فيه، والمطر من الله، من مسألة التسميات بغيرها.
{يقول: إذا دخل الرياءُ في عمل أحدٍ وأراد أن يُصحح عمله، ويُخلصه لله تعالى وهو في أثناء العمل، هل يقطعه ويستأنف؟ أم يكفيه أن يُصحح النية؟}.
يُصحِّح النية ويستمر في ذلك، كما مر معنا في الأبواب السابقة.
{يقول: هل يدخل في لبس الحَلَقَة ما يُباع في محلات الذَّهب وغيره من خيوط وغير ذلك تُلبس تقليدًا لعقيدةٍ يعتقدها المشاهير في الغرب؟ وما حكم مثل هذه الأشياء؟}.
لا شكَّ أنَّه تَشَبُّهٌ بغير المسلمين، وقد نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن التشبه بغيرنا، وأن الإنسان المسلم لابد أن يكون له اعتزازه، وله قوته في ذلك، فلا يتشبَّه بهم، إذا كان التَّشبُّه لمعتقدٍ فهو مُحرَّمٌ، أمَّا إذا كان باعتقاد أنَّها تنفع وتضر من دون الله -عز وجل- فإنَّها تكون شركًا أصغر إذا اعتقد أنَّها سببٌ، أمَّا إذا كان تقليدًا لغير المسلمين فهي تشبُّهٌ بغيرهم في ذلك.
فهذه بعض الأسئلة التي مرت معنا في ذلك.
نأتي إلى قضية مهمة جدًّا يجب أن نُشير إليها، وهي قضية الرقية، فما الرقية؟ وما شروط الرقية حتى نقول هذه الرقية صحيحة؟ نقصد الرقية بالقرآن الكريم، أو بغيرها من الأدعية الثابتة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم.
هناك شروط يجب أن يلتزم بها القارئُ حتى نقول أن هذه الرقية صحيحة:
أولًا: ألا يعتقد الإنسانُ أنَّها تنفع بذاتها دون الله -عز وجل- بل يعتقد الإنسان النفع والضر بيد الله -سبحانه وتعالى- وإذا اعتقد أنَّها تنفع بذاتها من دون الله فهو شركٌ؛ لأنَّه يعتقد أنَّها سببٌ، فهي لا تنفع إلا بإذن الله -عز وجل.
الثاني: ألا تكون مما يُخالف الشَّرعَ، فإذا كانت مُتضمِّنةً أدعية، أو استغاثة بغير الله -عز وجل- فهذه مُحرَّمة، وللأسف الشديد كثيرٌ من الأدعية الخاصة ببعض الطرق الصوفية وغيرهم بها استغاثة بغير الله، فمثلًا يقولون: يا طهلفوش انقطع الرجاء إلا منك. وطهلفوش هذا من الجن، ثم يقولون هذه أسماء الأرواح أو غير ذلك، فيُسمُّونها بغير اسمها، وقد ذكرت بعض مسمياتهم في كتابي "الطرق الصوفية"، فكل طريقة صوفية عندهم لا تخلو من مسميات باطلة، فهم يُسمُّون أسماء الجنِّ في أورادهم، ويستغيثون بغير الله -عز وجل.
ولذلك يجب أن تكون مما لا يُخالف الشرع، فإذا كان فيها استغاثةٌ بجنٍّ أو غير ذلك، فإنَّها مُحرَّمةٌ وشِركيَّةٌ لا تجوز.
الثالث: أن تكون مفهومةً، أمَّا إذا كانت غيرَ مفهومةٍ فلا يجوز ذلك، فبعض الذين يُدخلون في رقيتهم شيئًا باطلًا يقرؤون مثلًا قول الله تعالى: ﴿الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالمِينَ﴾ [الفاتحة: 2]، ثم يُخفت صوتَه فلا تدري ماذا يقول، ثم يرفع صوته مرة أخرى. فماذا قال في هذه السكتة؟!
فيجب أن تكون الرقية بكلامٍ مفهومٍ واضحٍ، فهذه ثلاثة شروط في ذلك ينتبه لها الإنسان في رقيته.
لعلنا نتوقف عند هذا القدر، والأسئلة -إن شاء الله- ستنزل بعد قليلٍ، فنسأل الله -عز وجل- أن يُوفِّقنا لما يُحبُّ ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وشكر الله لكم.
تعليق