إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الدرس السابع(باب الخوف من الشرك)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الدرس السابع(باب الخوف من الشرك)

    رابط المحاضرة:
    http://www.youtube.com/watch?v=H6ue-lbz9zc
    تفريغ المحاضرة:
    الشيخ:
    بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الرسل والنبيين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
    أرحب بكم في هذا اللقاء المتجدد من لقاءات الأكاديمية الإسلامية المفتوحة في مقرر العقيدة (1) فحياكم الله أهلا وسهلا، وحيى الله الإخوة الحضور معنا في هذا اللقاء المتجدد، وأسأل الله تعالى أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح.
    نواصل الدراسة في مقررات هذا المقرر، فتكلمْنا فيما مضى عما يتعلق بقضية العبادة وإخلاص العبودية لله، وتحقيق التوحيد، ثم تكلمنا عن الدعوة إلى هذا الاعتقاد الثابت بالكتابِ والسنة، واليوم نتكلم عن قضية جديدة ترونها أمامكم وهي "باب الخوف من الشرك".
    لماذا مثل هذا الباب؟ وهل يعقل أن مسلمًا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشرك بالله -عز وجل-؟!
    إن المسلم الذي يشهد هذه الشهادة ويحب الله ورسوله لا يمكن أن يقعَ في الشرك وهو يعلم، لا بد أن يتحاشاه، لكن قد يقعُ الإنسان من حيثُ لا يدري، ولذلك جاء هذا الباب العظيم من كتاب التوحيد، باب عظيم؛ لأنَّ الإنسان قد يظن أنه حقق التوحيد وهو لم يحققه، ويظن أنه موحد، وأنه استكمل جوانبَ الإيمان والتوحيد والإخلاص، لكنه لم يعرف هذه الجوانب وهذه القضايا، قضايا الشرك.
    وقضايا الشرك وردت في كتاب الله وفي سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأغلب قضايا الشرك الأكبر وردتْ في القرآن الكريم ونقاشها في القرآن الكريم وبيانها في القرآن الكريم، فلفظة النهي عن الشرك، وردت معنا كثيرًا فيما مضى.. منها:
    {طالب: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ [النساء: 36]}.
    الشيخ:
    ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ [النساء: 36]، الأدلة كثيرة، لو أن الإنسان جمع هذه اللفظة في القرآن الكريم؛ لوجد قضايا كثيرة جدًّا، وهذا جانب جميل جدًّا يجب أن يدرس من جانب عقدي، وهناك مؤلفات في هذا الجانب، لكن نأخذ هذه اللفظة في القرآن الكريم ماذا تعني؟ الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة يجب على الإنسان أن يتعلمها كما مر معنا، وعرَفنا لفظ العبادة ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 36].
    مر معنا هذا اللفظ وتكرر في عدة نصوص، فإذن لا بد أن نعرف ما معنى ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 36]، إذن الآن جاء النفي ﴿ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ [النساء: 36]، إذن يجب نعرف ما هو الشرك الذي ذكره الله تعالى في كتابه، وذكره الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أيضًا، النصوص كثيرة جدًّا ومرت معنا بشكل كبير، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ﴾ [النساء: 48]، وهو آية الباب، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48]، ولذلك هذا الباب العظيم يجب على أن الإنسان يعرفه، وأنْ يتأمله ويُطبقه في حياتِه؛ حتى يكون على بينة عظيمة.
    قال: "باب الخوف من الشرك".
    وهذا الإنسان يجب أن يخاف على نفسه، انظروا الآية الثانية في هذا الباب دعاء، دعاء من؟
    {طالب: دعاء سيدنا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-}.
    الشيخ: من هو إبراهيم؟
    {طالب: هو خليل الله تعالى الذي قال: ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]}.
    الشيخ: إبراهيم إمام الحنفاء، ومع ذلك خاف على نفسه الشرك، فقال: ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]، ﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ ﴾ [إبراهيم: 36]، ولذلك ذكر السبب، ولما تتأمل في واقع الناس فيمن حولنا، ستجد فعلا أن هناك ضلالا كبيرا من كثير من الناس، تجد بعض الناس يضعون أصناما على صورة تمثالٍ من حَجر أو من طِين، أو من غير ذلك، ثم بعد ذلك يقذفونه في البحر ويسجدون لها ويتعبدون لها وتجد أصنام وأشياء كثيرة جدًّا، أعاذنا الله وإياكم منها.
    فإذن خافه إبراهيم أبو الأنبياء -عليه الصلاة والسلام-، إمام الحنفاء -عليه الصلاة والسلام-، إذن أنا حري أني أخاف على نفسي من الشرك وأنت والآخر، ونخشاه على أبنائنا، نعلمهم التوحيد، ونعلمهم تجنب الشرك؛ لأن هذا الذي خافه إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-، ولذلك هذه اللفظة يجب أن نتأملها في كتاب الله وفي سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
    ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ﴾ [النساء: 48] الله -عز وجل- أخبرنا -سبحانه وتعالى- هذا الخبر الجازم، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48] أخبر -سبحانه وتعالى- في هذه الآية أن الشرك لا يغفره أبدًا، لماذا؟ لأنَّ الشرك تَعَدٍّ على حق الله تعالى الخاص، العبودية لله، ولذلك لما تأتي الإنسان في الشهوات وليس هذا تهوينا منها، تجد أن الشهوات للنفس فيها حظ، أما الشرك فليس فيه حظ، لا يوجد للنفس فيها حظ، بل إن الفطرة تدل على توحيد الله وإخلاص العبودية لله تعالى، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48]، سيأتينا في هذا المقرر بمشيئة الله تعالى لما نتأمل النصوص الواردة في الشرك سنجد أن النصوص تختلفُ، فمن النصوص ما يدخل فيها الشرك الأكبر المخرج من الملة، وفيها ما هو يتعلق بالشرك الأصغر الذي لا يُخرج من الملة كما سماه النبي -صلى الله عليه وسلم- الشرك الخفي، وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- في أحاديثَ ستأتينا قول الإنسان: ما شاء الله وشئت، فهذا شِرك الألفاظ، أو شرك الشرك الخفي الرياء، كلُّ هذا يكون في الشرك الأصغر.
    أما الشرك الأكبر فهو الأعمال، صرْف شيء من العبادة، مثلا أن يصرف الإنسان الدعاء لغير الله -سبحانه وتعالى-، يدعو غير الله -سبحانه وتعالى-، يصرف المحبة لغير الله، يصرف الخوف لغير الله تعالى، من الناس من يخشى المقبورين يخافه، يخشى هذا المقبور، أن يكون له سيطرة عليه، أو أنه يؤذيه، أو أنه يفعل به إذا لم يقدم هذه الأشياء، فنعوذ بالله من الخذلان، الخوف والرجاء والمحبة كلها تُصرف لله، الدعاء، العبادة كلها لله تعالى، النذر، الذبح، كل هذه عبادات تُصرف لله تعالى، والواقع في هذا يقع في الشرك الأكبر.
    أما الجوانب الأخرى التي وردتْ فيها النصوص؛ مثل قول الإنسان: ما شاء الله وشئت، شرك الألفاظ هذا من الشرك الأصغر، وأيضًا يدخل فيه الشركُ الخفي، وسيُفرد له بابٌ كامل -بمشيئة لله-، ولذلك عرَّفوا الشرك الأصغر: كل ما نهى عنه الشارع -سبحانه وتعالى- وهو ذريعة إلى الشرك الأكبر ووسيلة للوقوع فيه، وجاء في تسميته في النصوصِ "شركا"، إذن هنا لا بد أن يكون في هذه الشروط التي يجب أن تتوفر فيه.
    الأولى: أنه ما سماه الشارع -سبحانه وتعالى-، ما نهى عنه الله -سبحانه وتعالى-، وأيضًا هو ذريعة إلى الشرك الأكبر، وأيضًا جاء تسميته في نصوص الكتاب والسنة أنه شرك، وهذه الأشياء الثلاثة لا بد أن تتوفر فيه.
    أحيانا قد تأتي بعد الأشياء تجعلَ القضية تنتقل من الشرك مثلا: إنسان وضع تميمة وسيأتينا الأحاديث عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، التميمة، هذه التمائم أحيانا إذا اعتقدَ أنها تنفعُ وتضرُّ من دون اللهِ، وصلت إلى أن تكون من الشرك الأكبر، المخرج من الملة أعاذنا الله وإياكم منها، ولذلك الإنسان يجب أنه يتعلم ما جاء عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
    فإذن هذه الآية ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48]، هل هنا الشرك كله يقع، لا يُغفر، هل هناك فرق بين الصغير والكبير؟ اختلف أهل العلم في هذه القضية، فمنهم من ذهب إلى أن الشرك لا يُغفر، صغيره وكبيره، وأن الأكبر محبط للعمل، الشرك الأكبر يحبط جميع الأعمال، كل أعمال الإنسان الذي يقع في الشرك الأكبر أعماله باطلة؛ صلاته وصيامه وصدقته وحجه، كل أعماله بطلت؛ لأنه وقع في الشرك الأكبر المخرج من الملة، أما الشرك الأصغر، فلا يخرج من الملة، فهل يُغفر؟
    اختلفَ أهل العلم فيه، فمنهم من قال: يغفر، ومنهم من ذهب إلى أنه لا يغفر، ويكون في الموازنة بين الحسنات والسيئات، فإذن الشرك الأكبر؛ لأن الشرك الأكبر سبب لبطول العمل بالكامل، أما الشرك الأصغر فيحاسب عليه الإنسان يوم القيامة، أما الكبائر فهي تحت مشيئة الرب كما قال الله تعالى: ﴿ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48] ما دون الشرك يغفره إن شاء الله -سبحانه وتعالى- وإن شاء أخذ به -سبحانه وتعالى-، فنسأل الله العفو والعافية.
    وقال الخليل -عليه الصلاة والسلام- في هذه الآية في سورة إبراهيم قال: ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]، أبناء إبراهيم هم من؟ أبناء إبراهيم: إسماعيل وإسحاق، وذريتهما، سأل الله -عز وجل- أن يجنبه وبنيه أن يعبدوا الأصنام، وذكر السبب ﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ ﴾ [إبراهيم: 36]، فسأل الله تعالى أن يُجَنبه ذلك، انظر ما قال أي لفظة أخرى، وإنما جاءت اللفظة هنا ﴿ وَاجْنُبْنِي ﴾ [إبراهيم: 35]؛ أي: ضعني في جانب والأصنام في جانب آخر بعيد تمامًا، إذن أنا في جانب والأصنام في جانب آخر بعيد، وهذا على غاية الحذر وشدة الحذر فيها، وكما قلنا إن هذا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- ومكانته العظيمة إمام الحنفاء، وأبو الأنبياء، خاف على نفسه وعلى ذُريته الشرك فحري بالإنسان أنه دائمًا يجنب نفسه في ذلك، ولذلك قال ﴿ وَاجْنُبْنِي ﴾ [إبراهيم: 35] يعني اجنبني في جانب والأصنام في جانب آخر.
    والأصلُ أن الإنسان يخشى على نفسه، كما روى ابن أبي مُليكة قال: أدركتُ ثلاثين من أصحابِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلهم يَخشى النفاقَ على نفسه، المؤمن يَخشى النفاق على نفسه، أما المنافق؛ فيقول: أنا إيماني كامل، أنتم غير مؤمنين، أنا المؤمن إيماني كامل وتام، ويجحد لإخوانه المسلمين، ولذلك خشي الصحابة -رضي الله عنهم- على أنفسهم مع بُشرى النبي -صلى الله عليه وسلم- وما جاء في كتاب الله -عز وجل- من البشرى العظيمة.
    أيضًا من الأدلة على باب الخوف من الشرك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر»، نبينا -صلى الله عليه وسلم- رؤوف رحيم، وهذا الحديث حسن كما رواه الإمام أحمد، وسيأتينا في باب الرياء بمشيئة الله تعالى بعد باب من الآن، فلذلك لا نريد أن نطيل فيه.
    قال النبي -صلى الله عليه وسلم- الشفيق الرحيم الرؤوف بأمته -عليه الصلاة والسلام- قال: «أخوف ما أخاف عليكم» يخاف على الكفار أم على المسلمين؟
    {طالب: على المسلمين}.
    الشيخ: لماذا؟
    {طالب: لأن الكفار هم يكفرون أصلا ولا يؤمنون}.
    الخطاب لمنْ؟ الخطاب للمسلمين، ولذلك قال: «أخوف ما أخاف عليكم» فالنبي -صلى الله عليه وسلم- خافَه على أفضل الأجيال، وهم أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذين قال الله تعالى عنهم: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [المجادلة: 22]، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر»، قالوا: ما هو يا رسول الله؟ قال: «الرياء»، فإذن النبي -صلى الله عليه وسلم- خاف على أصحابه الشرك الأصغر، وهم أفضل الأمة، وهم الذين عرفوا واقع الشرك في الجاهلية، ومع ذلك خشِيه عليهم، فنحن من بابٍ أولى.
    ولا يجوزُ أن نتأولَ هذا الحديثَ بأي تأوُّل آخر، بل كما جاء عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أن نخشى على أنفسنا في ذلك، ولذا جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما رواه الإمام أحمد وهو حديث حسن، أن الإنسان يقول: «اللهمَّ إني أعوذ بك أن نشرك بك ونحن نعلم، ونستغفرك مما لا نعلم»؛ لأن الإنسان قد يقع في بعض العبارات فيستغفر الله تعالى في ذلك.
    والرياء -كما تعلمون- مبطل للعمل، إذا كان الإنسان مثلا حضر للصلاة أو صلى مع الناس ليروه، فهذا يكون عمله باطلا، أو الإنسان تصدق لأجل أنه يطلع في وسائل الإعلام أو أنه يخرج ويقول: أنا تصدقت بكذا، فهذا يكون العمل باطلا، إذا لم يُرد الله -عز وجل-، أما إذا كان الإنسان أراد الله -عز وجل- أراد بهذا العمل الله رب العالمين ومخلصا لله رب العالمين، لكن جاءه شيء من مدافعة الشيطان، يعني أدخل الشيطان عليه، قال مثلا: حسِّنْ صلاتك؛ لأن الناس يرونك، فهذا إذا دافع هذا الوسواس من الشيطان فإنه لا يضرُّه بإذن الله -عز وجل-، وسيأتي الكلام عليه بمشيئة الله بالمزيد، أما إذا استرسلَ معه وتواصل معه؛ فإنه يبطل العمل إذا كان العمل متواصلا، إذا كان الصلاة، فلا يمكنُ أن نقول الركعة الأولى صحيحة والثانية باطلة، فإذن تكون الصلاة باطلةً، لكن لو أن إنسانا تصدق بمئة ريال، تصدق بخمسين ريالا وهو مخلص لله، ثم داخله الرياء في الخمسين الأخرى تبطل الصدقة الأخيرة في ذلك.
    أيضًا ذكر ابن القيم أو غيره من أهل العلم أن إذا استرسل الإنسان مع الرياء وصارت كل أعماله رياء، لا يريد بها الله ولا الدار الآخرة، فإنه على خطر كبير، أن يكون من الشرك الأكبر، ولذلك يحرص الإنسان ويراعي في نفسه ولذا جاء عن بعض السلف أن أشد شيء على النفس الإخلاص، لأنه ليس للنفس فيه شيء، أنك تخلص العمل لله -عز وجل- لا تريد فيه شيئا وعبارات السلف -رحمهم الله تعالى- واضحة في هذا الباب، وهي عبارات عظيمة جدا، يجب على الإنسان أن تكون أعماله لله -عز وجل-، يفرح الإنسان أن الناس قبلوا ما يقول؛ لأنه قول الله وقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا لذاته أو أنه ينسب إليه، ومنها العبارة المشهورة عن الإمام الشافعي قال: تمنيتُ أن هذا العلم ينتشرُ وينتفع به الناس، ولا يُذكر اسمي فيه إطلاقا، هذه قضية كبيرة جدا في قضايا الإخلاص.
    فيحرص الإنسان على الإخلاص لله رب العالمين، وُجد عن بعض السلف -رحمهم الله- أنه لما توفي وجد على ظهره حبال وأثر شيء يحمله دائما مع أنه من علية الناس، فلما تُوفي فقد كثير من الناس ما يأتيهم من طعام فقراء، فقدوا ما يأتيهم من الطعام، وإذا هو يأتيه بهم، لا يعلمه أحد من الناس، فيخلص الإنسان العمل لله رب العالمين، ويكون عمله خالصا لله رب العالمين، فيُراعي الإنسان نفْسَه ويجدد النية في كل عملٍ، يجدد النية بين حين وآخر، ويراجعها في ذلك، «إنما الأعمال بالنيات».
    الدليل الرابع في هذا الباب: حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «من مات وهو يدعو من دون الله نِدًّا؛ دخل النار» رواه الإمام البخاري، أعاذنا الله وإياكم منه.
    «من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار»، كيف يكون ندًّا، يكون شبيها ومثيلا لله -عز وجل-، كثير من جهال المسلمين الذي يقع في هذه القضايا الشركية ستجد أن هذا الإنسان في غاية الجهل، في فهم ند ومثيل، انظر إذا مرض يدعو من؟ يدعو الله أم يدعو المقبور؟ لكن هذا واقع بعض جهال المسلمين، تجده يجعل فعلا لا يفهم.. انظر الآن قضية الند، إذا مرض أحدهم توجه إلى المقبور، ولم يدع الله -سبحانه وتعالى-، أليس هذا ندا لله؟! من الذي يرفع الضرَّ، من الذي يكشف الضر إلا الله -سبحانه وتعالى-.
    إذا احتاج بعضهم إلى الولد؛ توجه للمقبور ولم يتوجه لله -سبحانه وتعالى-، أليس هذا المقبور جعله ندا لله، شبيها لله، مثيلا لله -سبحانه وتعالى-؟! بلى والله، ولهذا جاء هذا الحديث عن ابن مسعود -رضي الله عنه-: «من مات ..» وهذا يعني تعميم «من مات وهو يدعو من دون الله ندًّا ..» يعني يدعو ويسأل ويستغيث من دون الله ندا، مهما كان هذا الند؛ نبيًّا، أو ملكا، أو صالحا، أو غيره، ندا دخل النار، هذا الدخول خُلود؛ لقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء: 48]، بدليل أول الباب، ولهذه "مَن" شرطية تفيد العموم، كل من جعل لله ندا، ولذلك إذا دعا هذا المقبور واستغاث به وطلب منه كشف الضر، وطلب منه الولد، ما لا يقدر عليه إلا الله رب العالمين فإنه جعله ندًّا لله رب العالمين.
    ولهذا هنا الدعاء يقسمونه إلى دعاء المسألة ودعاء العبادة، دعاء العبادة أن الإنسان يدعو في صلاته، وفي عبادته، وفي ذكْره، وفي كل ذلك يدعو الله ربَّ العالمين.
    أما دعاء المسألةِ أن يسأل الإنسان ربه -سبحانه وتعالى- الرزق والعافية والنصر، هذا لا يجوز أن يُصرف لغيرِ الله تعالى، أما إذا سأل فلانًا من الناسِ؛ مثلا نقول: يا فلان، يا عبد الوهاب، اقرأ لنا، هذا فيما يقدر عليه الإنسان، ولذلك البعض يُشدد في هذا الجانب، سؤال الناس والاستعانة بفلان من الناس أنه يحمل معنا أو يحضر معنا الدرس، أو أنه يقرأ لنا، أو يحمل هذه الكتب معنا، كل هذا مما يقدر عليه الإنسان، فهو جائز في ذلك، أما أنه يدعو الإنسان ليكشف الضر أو ينزل الغيث أو غير ذلك؛ فهذا نعوذ بالله هو يكون من الشرك الأكبر المخرج من الملة في ذلك، أن تدعو غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله -سبحانه وتعالى-.
    الحديث الأخير في هذا الباب، حديث جابر -رضي الله عنه-، وقد رواه الإمام مسلم، وأيضًا هو في البخاري، حديث جابر -رضي الله عنه- قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من لقي الله لا يشرك به شيئا؛ دخل الجنة».
    وهذا تقدَّم معنا في حديث معاذ -رضي الله عنه-، ما هو نص حديث معاذ، حق الله على العباد..
    {«حق الله على العباد أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا»}.
    انظروا ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [النساء: 36] لماذا تكررتْ هذه الكلمة؟ هي نكرة في سياق النفي؛ يعني لا تشرك بالله لا صغيرا ولا كبيرا، ولذلك أنوار التوحيد أنوار عظيمة، تُكفر الخطايا، وتكفر الذنوب، وتكفر السيئات، فعلى الإنسان أن يحرصَ على هذا الجانبِ في هذا الأمرِ، قال: «من لقِي الله»، واللقاء يعني أنه يكون في حال وفاة الإنسان في ذلك، إذا توفاه الله -عز وجل-، ومنه لقاء المؤمنين خاص أنه يكون لقاء رضى ورحمة من رب العالمين.
    «من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئا؛ دخل النار»، فمن يشرك بالله -سبحانه وتعالى- جاء هذا عليه الوعيد الشرك الأكبر أعاذنا الله وإياكم منه، ولذلك الإنسان يحرص أنه يخلص العبودية لله، وهذا الباب وإن كانت أحاديثه قد اختصرها المؤلف -رحمه الله-، لكنها عظيمة في بابها في ذلك.
    ولذلك يحرص الإنسان في هذا الباب فإذا تبين لنا أن الإنسان ينبغي أن يخاف الشرك، وأنه خافه من هو أفضل منا وخير منا، فخافه إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- وأيضًا خافه نبينا -صلى الله عليه وسلم- على خير الأجيال وأفضل الأجيال أصحابه -صلى الله عليه وسلم-، وأنه ينقسم إلى شرك أكبر وشرك أصغر، فالشرك الأكبر مخرج من الملة، والشرك الأصغر لا يخرج من الملة.
    والشرك الأكبر يوجب الخلود في النار، والشرك الأصغر لا يوجب الخلود في النار، وبينهما فروق يجب الإنسان أن يفرق بينهما ويعرف ما ورد هذا وما ورد في هذا، ولا يجعل القضية ملتبسة فليتبين الأدلة الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
    سيأتي لنا أقوام ويطرحون لنا قضايا خطيرة مثل قول بعضهم إنه كيف تقولون فيه شرك، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يئِس الشيطان أن يعبده المصلون في جزيرة العرب»، رواه الإمام البخاري، ألم يقل النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك؟ كيف نجمع بين هذا وبين هذا الحديث؟ كيف نجمع هذه الأدلة الواردة في هذا الباب، قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يئس الشيطان أن يعبده المصلون في جزيرة العرب»، كيف نجمع به مع هذا الباب؟
    {طالب: أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قاله من باب الخبر}.
    الخبر عن الشيطان، نعم، هذا الخبر عن الشيطان، ولذلك المؤلف، انظروا أتى بهذا الباب، باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان، هذا بابٌ عجيب وعظيم في هذا الأمر، باب عجيب في ذلك، الواجب في مثل هذا الحديث حديث «يئِس الشيطان أن يعبدَه المصلون في جزيرة العرب» يجبُ حقيقة أننا نجمعُ نصوص الكتاب والسنة، ولذلك الله -عز وجل- ذكر في سورة آل عمران أن الكتاب ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ [آل عمران: 7]، فما الذي يجب علينا، أن نؤمن بما جاء عن الله -عز وجل- وعن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، نقول: كل من عند ربنا، فنجمع النصوص، أما أن نضرب النصوص بعضها ببعض، فلا يجوز، فنجمع الأحاديث الواردة في الشرك، وفيها الخبر أنه سيقعُ في هذه الأمة طوائف يقعون في الشرك، هذا خبر المعصوم -صلى الله عليه وسلم-، فكيف نقبل خبرًا ونترك الآخر.
    ولذلك قال: «يئِس الشيطان» هو خبر عن الشيطان أنه يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، يئس لما رأى إقبالَ الناس ودخولهم في دينِ الله أفواجا، كما وصف الله تعالى، أنهم لا يعودون مرة أخرى إلى عبادة الشيطان، كان الشيطانُ يتلاعب بعهم، يدعوهم عبادة الأصنام، ويدعوهم إلى عبادة الأحجار، ويدعوهم إلى عبادة كل هذه الأشياء، ثم جاء هذا النور وهذه الرسالة، ولذلك كانت الشياطين تتلاعب بالعرب غاية التلاعب.
    وكما هو حادث الآن في كثير من الأمم الجاهلة المشركة يعني لما ترى بعض أخبارهم أو بعض أعمالهم تجد فعلا أن الشياطين تتلاعب بهم غاية التلاعب في ذلك، تلعب بهم الشياطين، ولذلك الشيطان لا يمكن أن يعيش في نور التوحيد وبيان التوحيد بين الناس، ويريد غايته الكبرى أن يدعو الناس إلى الشرك، يدعوهم إلى النار، كما أقسم على نفسه وأخبرنا الله تعالى خبره في كتابه العزيز.
    "باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان".
    نقرأ الدليل الأول هل فيه شيء من ذلك.
    {طالب: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ [النساء: 51]، ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾ [المائدة: 60]}.
    أين وجه الدلالة في هذه الآيات؟
    الأولى: الآية الأولى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ﴾ [النساء: 51].
    {طالب: يعني قول الله تعالى: ﴿ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ [النساء: 51]}.
    هذا فيه: "أوتوا نصيبا من الكتاب" من أهل الكتاب، وأين وجه الدلالة أن طائفةً من هذه الأمة تتبع الأمم السابقة؟ أين الدليل على ذلك؟ الآية الآن عن الأمم السابقة، كذلك الآية الثانية عن الأمم من غضب الله عليه ولعنه وجعل منهم القردة والخنازير هم اليهود، أين الدليل على أنهم هذه الأمة؟
    {طالب: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر في حديث آخر أن هذه الأمة سيقومون بتقليد اليهود والنصارى}.
    نعم، الدليل هذه الآيات لو قرأتها مباشرة، متى تفهم الدلالة منها؟ في الحديث الذي سيأتي بعدها، قول النبي -صلى الله عليه وسلم-.
    {قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لتتبعن سنن من كان قبلكم»}.
    سنن من كان قبلكم، يعني طرق الأمم السابقة..
    {طالب: «شبرا بشر وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضَبٍّ؛ لدخلتموه، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: اليهود والنصارى»}.
    إذن: هذا الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وجه بيان الدلالة في ذلك، النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا وهو الصادق المصدوق -عليه الصلاة والسلام- أن طوائف من هذه الأمة ستتبع طرق الأمم السابقة، سيتبعون طرق الأمم السابقة، فإذن علينا أن نبحث في كتاب ربنا ما هي مناهج الأمم السابقة؟ ما هي الطرق التي سلكتها الأمم السابقة حتى نحذر منها؟ ما هي السبل التي سلكتها الأمم السابقة حتى نحذر منها؟ فإذن علينا أن نتتبع هذه الأشياء، نتتبع ما جاء في كتاب الله حتى نحذر أن نقع فيه.
    أما أن نقرأ أخبار اليهود والنصارى في كتاب الله والأمم السابقة في كتاب الله بدون فائدة، لا يجب أن نتأمل كتاب الله تعالى، ولذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أنَّ: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين، والنصارى على ثنتين وسبعين، وهذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين فرقة»، فهي ستنهج، سيكون فيها من ينهج على نهج الأمم السابقة، وعلى طريقة الأمم السابقة، فالطائفة الأولى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ ﴾ [النساء: 51]، من هم الذين أوتوا نصيبا من الكتاب؟ هم اليهود والنصارى، هل أوتوا الكتاب كاملا أم نصيبا منه جزءًا من الكتاب؟ أوتوا نصيبا من الكتاب أو جزءا من الكتاب وليس كاملا لماذا؟ بسبب معصيتهم ومخالفتهم، ولذلك المعصية سبب في كل بلاء.
    ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ [النساء: 51]، الجبت قالوا: هو السحر والصنم، والكاهن، وكل ذلك فيه، الأمم السابقة كان عندهم السحر ووقعوا في عبادة الأصنام، ووقعوا أيضًا في الكهانة، فكل هذا وقع عند الأمم السابقة، والطاغوت هو ما مر معنا ما تجاوز الحد، الطاغوت من الطغيان؛ أي: ما تجاوز الحد من متبوع أو معبود أو مطاع، كل ذلك مما وقعت فيه الأمم السابقة، إذن هذه الأمة هل سيكونُ من يفعل ذلك؟ نعم، سيكونُ فيهم من يَفعل ذلك.
    ولذلك فإن بعض شيوخِ الضلال حتى يُبين لأتباعِه أن عنده شيئا من الكرامات، وعنده شيئا من الأفعال، ماذا يفعل؟ يستخدم السحرَ في ذلك، وتجده يستخدم مثل هذه الأشياء فيها، ويتقرب إلى الجن حتى يطيعوه، وحتى في عباراتهم شيخ مثلا بعض الطرق تجد أنه يصرح في تراجمه: أنه بعد ما انتهى من التعلُّم على شيخه أعطاه ألفين من الجنِّ يخدمونه، كما جاء في تراجم بعض الطرق السمانية وغيرهم، تجد أنه يقول هذه العبارات ويحددها، الطريقة السمانية، هذه لما انتهى أحد الطلاب قال: إنه أعطاه ألفين من الجن، وهو هو يملك الجن، إنما إذا تقرب إليهم بمعصية الله تعالى.
    فإذن وجه الدلالة في هذا الحديث أن هذه الأمم السابقة وجد فيهم من آمن وصدق بالجبت والطاغوت فكذلك سيكون في هذه الأمة من يؤمن ويصدق ويتابع بالجبت والطاغوت، وهذا وقع، ولو تأملنا أخبار كثير ممن خالف كتاب الله وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- سنجده في هذه القضايا واضحة.
    فهذا وُجد في الأمم السابقة وهو موجود أيضًا سيكون في هذه الأمة كما أخبرَ الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
    الآية الثانية: قوله -تبارك وتعالى-: ﴿ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ ﴾ [المائدة: 60] أصلها أبشر من ذلك ﴿ بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ ﴾ [المائدة: 60] لعنه الله -عز وجل-، اللعن ما هو؟ الطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى، ﴿ وَغَضِبَ عَلَيْهِ ﴾: حَلَّ عليه غضبُ الله وعقوبة الله -سبحانه وتعالى-، ﴿ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ﴾ [المائدة: 60]، فهذه أيضًا من اليهود، أخبر الله -عز وجل- أن من اليهود أن منهم من عبد الطاغوت، والطاغوت كما مر معنا هم..
    الآيات لو تأملنا سياق الآيات أنهم كانوا يستهزئون بالمؤمنين، ﴿وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا﴾ [المائدة: 58]، فهم يستهزئون بالمؤمنين، في هذه الآية في سورة المائدة، فأنزل الله هذه الآية ﴿ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ﴾ [المائدة: 60] أولئك الموصوفون بهذه الخصال، هؤلاء الذين هم موصوفون بهذه الخصال شرٌّ مكانا وعقوبة من المؤمنين الذين رحمهم الله -عز وجل- ورضي عنهم.
    والله -عز وجل- هنا احتج عليهم بما يعرفون، فاليهود يعرفون أن هناك منهم قوما غضب الله عليهم، ومنهم قومًا لعنهم الله، ومنهم قومًا جعلهم الله -عز وجل- قردة وخنازير، مسخهم الله -عز وجل- قردة، القردة الحيوان المعروف، مسخهم الله -عز وجل- قردة وخنازير، لماذا؟ لأنهم استحلوا حرمات الله -عز وجل-، فمسخهم الله -عز وجل-، فالخنازير الحيوان الخنزير المعروف وهؤلاء لا يكون لهم عقِب أصلا، كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لا يكون لهم عقب أبدا.
    فلذلك جاءت هذه الآية، هؤلاء هم شر مكانا ممن تستهزئون بهم من المؤمنين الموحدين الذين يعبدون الله تعالى، فهؤلاء الأقوام، إذن اليهود كان مِنهم مَن عبد الطاغوت، هل سيكون من هذه الأمة أم لا يكون؟ سيكون كما أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ليس بخبرنا ولا بقولنا ولا بهوانا، إنما أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولو تأملنا الواقع نجد هذا كثيرًا في هذه الأمة.
    الدليل الثالث في هذا الباب: قوله -تبارك وتعالى- في آية الكهف: ﴿ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ﴾ [الكهف: 21]، هذه الآية جاءت في سياق أصحاب الكهف، أصحاب الكهف بقوا في كهفهم آية معجزة من الله -سبحانه وتعالى- ثلاث مئة وتسع سنين، ﴿ وَازْدَادُوا تِسْعًا ﴾ [الكهف: 25] يعني ثلاث مئة وتسع سنوات بقوا في هذا الكهف نياما، معجزة وآية من الآيات العظيمة، فقصها الله -عز وجل- وهم في الأمم السابقة من النصارى.
    فـ ﴿ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ ﴾ [الكهف: 21] يعني حكامهم والقادرين فيهم، حكامهم ماذا قالوا؟ قالوا: ﴿ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ﴾ [الكهف: 21]، سيَبنون عليهم مسجدًا ومكانًا للعبادة، سيبنون عليهم. إذن سيكون في هذه الأمة من يفعل ذلك، أم لا يكون؟ وُجد أم لا؟ أخبرنا أين رأيتَ.
    {طالب: والله كثير جدا، الذين يتخذون ... مثلا يبنون المساجد كثيرا أول كان في جامعة الأزهر في قبر..}.
    عموما سنجد إن هذا وجد في كثير من بلاد المسلمين للأسف الشديد، فهذا من سبيل الأمم السابقة الذين أخبرنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه سيوجد، ولذا قال -صلى الله عليه وسلم-: «لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم -وفي رواية: وصالحيهم- مساجدَ»، هذا وقع في الأمم السابقة، هل سيكون عند هذه الأمة؟ سيكون كما أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ﴿ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ﴾ [الكهف: 21] واتخذوا عليهم مسجدا في ذلك.
    وجه الدلالة في الآيات الثلاث السابقة هو هذا الحديث، اقرأ لنا الحديث.
    {طالب: عن أبي سعيد -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لَتتبعُنَّ سَنَنَ من كان قبلكم حَذْوَ القُذَّةِ بالقُذَّةِ، حتى لو دخلوا جُحر ضب؛ لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟»، أخرجاه}.
    هذا الحديث العظيم الذي أخبرنا فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم-، تعرف الضب يا مسعود، في بلادكم ضبٌّ؟
    {طالب: عندنا}.
    الضب عندنا هو حيوان دابة صغيرة، تضع لها جُحرا صغيرا جدا لا يمكن الدخول فيه، فبين النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا المثل العظيم.
    عن أبي سعيد الخدري قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «لتتبعن» فهذا مؤكد بمؤكدين، اللام الموطئة للقسم، ونون التوكيد، مؤكَّد، من الذي أكَّده؟ الرسول -صلى الله عليه وسلم-، لم يؤكده أحد غيره، فلذلك الذي يقول: إنه لا يقع في هذه الأمة ما وقع في الأمم السابقة، ولا يقع فيها الشرك، لا يرد عليَّ ولا يرد عليك، وإنما يرد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فليحذر الإنسان أن يردَّ على رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، الذي قال هذا من؟ قاله رسول الله: «لتتبعن» اتباع أنه سيكون فيها «سَنن من كان قبلكم» لها رواية أخرى: «سُنن» لكن «سنن من كان قبلكم»؛ أي: طرق الأمم السابقة، طرق الأمم السابقة التي سلكوها، عملوا السحر تعملون مثلهم، بنوا المساجد على القبور تعملون مثلهم، عبدوا الطاغوت، تكونون مثلهم، شرعوا ما لم يأذن به الله تكونون مثلهم كذلك، سنن كل الطرق التي اتخذتها الأمم السابقة، استحلال ما حرم الله، كل ذلك يكون في ذلك، «من كان قبلكم من الأمم، حذو القذة بالقذة»، القذة هي ريش السهم، السهام تكون هكذا بمقاس واحد وبشكل واحد، فتكون السهام بنفس الشكل تماما نحو القذة بالقذة، حتى إن هذه الأمم لو دخلوا جحر ضب، تركوا مساكنهم ودخلوا هذا الجحر الصغير الضيق الذي لا يستفاد منه، لهذه الأمة فعلت مثل ذلك، وهذا كما أخبره نبينا -صلى الله عليه وسلم-.
    الأمم السابقة -كما تعلمون- المؤلف ذكر لنا -رحمه الله- النصوص الدالة على القضايا المخرجة من الملة، الدالة على الكفر، لكن هل هناك قضايا أخرى؟ نعم، استحلال الربا، الكذب، الخيانة، هذا وجد في الأمم السابقة، فإذن سنن الأمم السابقة فيها ما هو مخرج من الملة، لكن كل ذلك وقع فيها، فمن هذه السنن عبادة قبور الصالحين، هذه موجودة في الأمم السابقة ووقع في طوائفَ من هذه الأمة، بناء المساجد على القبور أيضًا وُجد في الأمم السابقة، وأيضًا وُجد في هذه الأمة في ذلك، نفي صفات وصف الله -عز وجل- بالنقصِ، فوصفوا الله -عز وجل- نفوا صفة السمع، والبصر، والقدرة، ونفوا صفات الرب -سبحانه وتعالى- نفوا الاستواء، نفوا العلو، كل ذلك نفوه، واليهود قالت ﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ﴾ [المائدة: 64]، وقالوا: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ [آل عمران: 181].
    وكذلك أكل السُّحت وُجد في الأمم السابقة ووجد في هذه الأمة كما يتكلم الناس عن المال العام وغيره هذا من السحت في ذلك، اليهود قال الله -عز وجل-: ﴿وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ [البقرة: 58] فماذا قالوا؟ حنطة.
    وكما تعلمون أن اليهود قالوا حنطة بدلا حطة التي أمرهم الله -عز وجل-، كذلك طوائف من هذه الأمة، قال الله تعالى ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الأعراف: 54]، قالوا: استولى، ولهذا قال ابن القيم في نونيته العظيمة:
    نون اليهوديِّ ولامُ الجهمي هما *** في وحي رَبِّ العرش زائدتانِ
    هذه زائدة وهذه زائدة كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإذن هذا وقع وأشياء كثيرة ممكن تتبعها الإنسان، وهذه من القضايا المهمة التي تُجمع من كتاب الله تعالى ومن سُنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
    أيضًا من القضايا المهمة في هذا الباب هذا الحديثُ العظيم وهو حديث طويل، نتمنى -إن شاء الله- أن يدركنا الوقت لنشرح هذا الحديث، هذا حديث ثوبان -رضي الله عنه- وهو في صحيح الإمام مسلم -رحمه الله تعالى-، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله زَوَى ليَ الأرضَ، فرأيت مشارقها ومغاربها».
    زوى لي الأرض؛ أي: إن الله -سبحانه وتعالى- ضم هذه الأرض ليراها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذه آية ومعجزة من معجزات الرسول -صلى الله عليه وسلم-، هل رأى الشمال والجنوب؟ ماذا رأى؟
    {طالب: مشارق الأرض ومغاربها}.
    انظروا انتشار الأمة الإسلامية، شرق وغرب، أم شمال وجنوب، شرق وغرب، ولذلك تنتشر هذه الأمة إلى إندونيسيا في الأقصى من هناك إلى المغرب، كل هذه المناطق انتشرتْ فيها وعَمَّ فيها الإسلام كاملة، أما انتشاره في الشمال والجنوب فله انتشار ولله الحمد، كما جاء في الحديث أنه «لا يكون بيت مدرٍ ولا وبرٍ؛ إلا دخله هذا الإسلام»، لا بد أن يدخله هذا الدين، ولذلك انتشار الإسلام في كل أصقاع الأرض ولله الحمد، لكن انتشاره في الشرق والغرب كما أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
    «وأن أمتي سيبلغ مُلْكها ما زُوِيَ لي» أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيملكونها وهذا وقع.
    قال: «وأعطيت الكنزين» أعطي الكنزين «الأحمر» الذي هو الذهب، «والأبيض» هو الفضة، كنز كسرى وقيصر أعطيت هذه الأمة من الذي أَعطى؟ الله -سبحانه وتعالى-، «وأعطيت الكنزين».
    وسأل النبي -صلى الله عليه وسلم-، هذا الأمر العظيم والملك العظيم والمال الذي ينتشر في هذه الأمة.. لأن المال إذا انتشر وكثر يكون عند الناس شيء من البطر، وشيء من المخالفة لأمر الله -عز وجل-، فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه؛ قال: «وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها بِسَنَةٍ عامة»/ سنة هي القحط والجدب، أن يكون عندهم جدب كلهم يهلكهم، ولذلك استجاب الله -عز وجل-، قال: «وألا يسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم فيستبيح بَيْضَتهم»؛ أي يأخذ ديارهم وبلادهم ويهلكهم، البيضة هي الحمى التي تحميه، الأمة في ذلك.
    فسأل الرسول -صلى الله عليه وسلم- سأل ؟؟؟؟ لما كان هذا الملك العظيم وهذا التوسع العظيم سأله ألا يُهلكها بسنة عامة، وألا يسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم، فماذا قال الله تعالى: «يا محمد، إني إذا قضيت قضاءً؛ فإنه لا يُرد» هذا القضاء كوني ولا شرعي؟
    {طالب: قضاء كوني}.
    القضاء كوني، هنا القضاء كوني، ولذلك يجب الإنسان أنه يَعرف ألفاظ القرآن الكريم، ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: 23] هذا قضاء شرعي، فالقضاء الذي إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يُرد، قضى، كونه قدر الله -سبحانه وتعالى- أزلا أنه لا بد أن يكون.
    «وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة»؛ يعني هذه الأمة لا يمكن أن يأتيها قحطٌ وجدْبٌ في كلِّ مناطقها، لا يمكن أن يأتيها، وإنما قد يكونُ في مكان عن مكان، قد يكون في بلاد قد ما يكون، وكما نرى إخواننا في الصومال، أسأل الله تعالى أن يرحمَهم ويلطفَ بهم، لما نرى مثل هذه الأحوال فيهم، كيف عمل بهم القحطُ، وكيف ضاقت عليهم الأرضُ، وكيف كان فيه هلاك الولد والماشية والمال والحال، يعني وصلتْ بهم لذلك سأل الله النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا السؤال العظيم ألا يهلك أمته بسَنة عامة، يعني بقحط عام، وإنما يكون في مكان دون مكان.
    «وألا أسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم» أيضًا أن الله تعالى أعطى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، استجاب لرسولِه ألا يسلطَ على هذه الأمةَ من سوى أنفسهم، لن يكون فيه عدو خارجي يأخذهم ويستحل بلادهم، ويأخذ بيضتهم وحماهم، ولو اجتمعَ عليهم من بأقطارها، لو اجتمعَ أهل الأرض كلهم على المسلمينَ لا يمكن أنه يكون ذلك، متى؟ لكن هذا فيه شرط، هذا لا يكون لكن بشرط؛ حتى يكون بعضهم يُهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا.
    إذا وقع بينهم أن بعْضَهم يقاتلُ بعضًا، وبعضهم يهلك بعضا، وبعضهم يُسبي بعضًا، وقع بيْنهم ما أخبر أن الله يُسلط عليهم عدوهم، إذا وقع بينهم الاقتتالُ، ولذلك عثمان -رضي الله عنه- الخليفة الراشد -رضي الله عنه- لما أحاط به المنافقون، وأحاط بداره، كما سماهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح المنافقون، فلذلك لما أحاطوا بداره نهى أن يقاتلوا وأن يكون بسببه قتال، لأن يكون بين المسلمين بسببه قتال، فأمر بالكفِّ عنهم -رضي الله عنه- وأن يُقدم نفسه فداء للأمة ولا يُقتل منها أحدٌ -رضي الله عنه-، وحذَّرهم، يعني جاء في التاريخ، قال: والله لو قتلتموني لا تقاتلون بعدي عدوا جميعا، يقول: لا يُمكن لو وقع السيف بينكم لا يمكن يرتفع إلى يوم القيامة وفعلا، وبعد عثمان -رضي الله عنه- حصل الاختلاف بين هذه الأمة، حصل الاختلاف بينهم، فوقع.
    إذن سألَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- السؤال الأول ألا يُهلكهم بسنة عامة، فاستجاب الله، وسأل ألا يسلط عليهم عدوا خارجيا يتسلط عليهم، فأعطاه الله لكن بشرط ألا يُسلط بعضهم على بعض، ولا يهلك بعضها بعضا.
    وجه الدلالة في هذا الحديث، لن نأتي إليه بعد، أين وجه الدلالة؟ وجه الدلالة فيما رواه البرقاني في صحيحه وهو أيضًا صحيح على شرطِ الإمام مسلم، وفيها قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إني أخاف على أُمتي الأئمة المضلين»، قال -صلى الله عليه وسلم-، وهنا وجهُ الدلالة وجهٌ عظيم جدًّا، قال: «وإنما أخافُ على أُمتي الأئمة المضلين»، الأئمة المضلين الإمام الذي يدعوهم إما إلى ضلالة أو يدعوهم إلى مخالفة أمر الله -عز وجل-، فجاء من هو عند بعض الطوائف إمام فقال: نصوص الكتاب والسنة لا تُفيد اليقين، يَعني نصوص الكتاب والسنة هذا إمام قال هذا، الذي يَرى أن نصوصَ الكتاب والسنة لا تُفيد اليقين، وأن قول فلان وقول فلان من الناس، هذا إمام ضلالة نعوذ بالله.
    ومن أئمة الضلالة من جاء وقال: إن أحاديث الآحاد لا نأخذ بها، يعني ما ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بطريق آحاد، ولذلك تقسيمُ الأحاديث إلى متواتر وآحاد، إنما جاء به كثير من أهل الكلام ليردوا ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، لما أعيتهم الحيلة في ردِّه، وأنه لا قُدرة لديهم على رد ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولذلك قال: «إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين» مثل رؤوس الجهمية، الجهم بن صفوان من أئمة الضلالة، التي نرى البناء على الشرك مثلا بناء القبور الموجودة التي بُنيت في كثير منها في أيام الدولة البويهية، وأيام الدولة العبيدية، وكلها من أئمة الضلالة ومن الأئمة المضلين، فقد يكون أئمة الضلالة إما يسمي نفسه بالعلم ويطرح نفسه أنه عالم، أو أنه يكون حاكما أو سلطانا ظالما في ذلك.
    قال: «وإذا وقع عليهم السيف؛ لم يرفع إلى يوم القيامة» كما مر معنا في الحديث السابق في نفس الحديث: «وإذا وقع بينهم السيف»؛ يعني إذا وقع السيف بين هذه الأمة لا يُمكن أنه يرفع إلى يوم القيامة، وهذا ما وقع في هذه الأمة بعد مقتل عثمان -رضي الله عنه- حصل الاختلاف فيها.
    وجه الدلالة هنا: قال: «ولا تقومُ الساعة حتى يلحقَ حيٌّ من أُمتي بالمشركين» قبيلة أو مجموعة من أمتِه لا تقوم الساعة حتى إنهم يلحقون بالمشركينَ، هنا وجه الدلالة في هذا النص والنص الذي بعده، لكن نقف مع أسئلة إخواننا؛ لأن لهم حقًّا حقيقة، فنرى أسئلة حتى لا يضيع الوقت عليهم.
    السؤال الأول: في الدرس الماضي في مجال الدعوة ذكرت أنها فرض كفاية، فما هو ... المسلم الذي ينكر الكثير مما يُشاهد اليوم، هل ينكره كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث «من رأى منكم منكرا؛ فليغيره بيده، فإن لم يستطيع؛ فبلسانه، وإن لم يستطعْ بقلبه وذلك أضعف الإيمان» فأين نحن كمبتدئين في ذلك؟
    الواجب على الإنسان أنه يُبين للناس ويتعلم العلم حتى يكونوا على بينةٍ من أمره، ولذلك الذي يُنكر وليس عنده علم قد يكون ضرره أكثر من نفعه، فيجبُ الإنسان أنه يتعلمُ ما جاء عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، تعرض هذه النصوص التي سمعناها على الناس، وتشرح لهم من كتبِ أهل العلم، ولا يُوجد لا أتمنى حقيقة أي طالب أو أي إنسان يأتي من بلده، ثم يأتي بأقوال.
    ولذلك أنا ذكرت لكم في البداية من الذي قال بهذا الاعتقاد من أهل السنة في مذهبك، إذا كنت من المالكية فالحمد لله أئمة المالكية ذكروا من ذلك أكثر مما ذكره الشيخ محمد بن عبد الوهاب وموجودة كتبهم وفيه مقررات دراسية فيها، مثل الشرك ومظاهره لمبارك الميلي، وغيرها، إذا كان من الشافعية فأقوال الشافعية في التوحيد كثيرة، إذا كان من الحنفية، إذا كان من أي مذهب كان ستجد من أقوال أئمة أهل السنة في بلدك ما يوضح التوحيد، ولذلك أنا أنصح كل إنسان أن يشرح للناس نصوصَ الكتاب والسنة، ولذلك نحن في درسنا كما مر معنا من بدايتنا إلى الآن، هل شرحنا أو أتينا بقولِ أحد من الناس، أقوال الناس إنما هي لشرحٍ نصوص الكتاب والسنة فقط، ولذلك العُمدة هي نصوص الكتاب والسنة في ذلك، فأنصحُك أن ترجع إلى أقوال أهل السنة في بلدك وتغير الإنسان ما استطاع لكن يتبع الأسلوب المناسب في ذلك ويراجع في ذلك.
    السؤال الثاني: يقول: معنا في العمل نصارى يهنئوننا بأعيادنا فكيف نتعاملُ معهم إذا حلت أعيادهم؟
    المسلم دائما الدين الصحيح الباقي في هذه الأرض هو دين الإسلام، ولذلك لا يجوز التهنئة بأعيادهم، وليس معنى عدم التهنئة أننا نَظلمهم أو نقتلهم أو نأخذ حقوقهم، لا يجوزُ لا أخذ حقوقهم ولا ظلمهم، وأنا استغرب ما يُثار بين حين وآخر أنَّ المسلمين، عليهم خطر بين المسلمين، هم عاشوا ألفا وأربع مئة سنة بين المسلمين، هل وقع عليهم خطر، هل وقع عليهم ظلم.
    ورأينا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يأتي بعمرو بن العاص وهو ممن؟! من رؤوس قريش، وهو داهية العرب، يأتي به عمر بن الخطاب، ويقول للقبطي: اضرب من ضربك، خُذ حقك، الذي اعتدى هو ابنه، وإنما يُؤتى بعمرو بن العاص -رضي الله عنهم- أجمعين، هذا هو العدل الذي جاء به الإسلام، أما تهنئتهم فكأنها إقرار على هذا الباطل، فلا يجوز.
    ولذلك فسر ابن عباس -رضي الله عنه- وغيره قال: ﴿لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾ [الفرقان: 72] هو أعيادهم، لماذا؟ لأن عيسى هل وُلد في هذا الوقت عيسى؟ قال: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مريم: 25] النخل هل يكون في الشتاء أم في الصيف؟ النخل عندنا لا يكون إلا في الصيفِ، ونحن الآن في الشتاء، هل ولد عيسى في الشتاء أم في الصيف؟ ولذلك خبر عيسى -عليه الصلاة والسلام- عند المسلمين أكثر من خبره عند النصارى في ذلك.
    ما هو تعريف التوحيد والعقيدة؟
    مر معنا في ذلك.
    أحسن الله إليكم وبارك فيكم، حديث المرء بين الكفر والشرك ترك الصلاة فأين يتجلى صورة الشرك في ترك الصلاة؟
    الصلاة كما تعلمون -يا إخواني- أنها كلها ذكر كلها عبادة، ولو تأملنا أذكارَ الصلاة وأذكار، فيها نأخذُ هذا الدعاء: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك» وتعالى جدك ولا إله غيرك»، تضمن التوحيد، أنواع التوحيد الثلاثة، توحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات فيها، فعلى الإنسان أن يحرص في ذلك، في هذه القضية.
    بقية الأسئلة إن شاء الله، أنظر فيها ولنا لقاؤنا الأسبوعي -إن شاء الله- يوم الثلاثاء من الرابعة إلى الخامسة، فأهلا بالجميع وسهلا، وإن شاء الله نلتقي بكم، وإلى لقاء قادم غدا بمشيئة الله، إلى لقاء متجدد، شكر الله لكم.. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

  • #2
    رد: الدرس السابع(باب الخوف من الشرك)

    الدرس السابع
    الباب الخامس
    "باب الخوف من الشرك"
    ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ [النساء: 36]}
    .


    ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48]،

    خليل الله تعالى الذي قال: ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35 ﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ ﴾ [إبراهيم: 36]، ولذلك ذكر السبب،

    الشرك لا يغفره أبدًا، لماذا؟
    لأنَّ الشرك تَعَدٍّ على حق الله تعالى الخاص، العبودية لله، ولذلك لما تأتي الإنسان في الشهوات وليس هذا تهوينا منها، تجد أن الشهوات للنفس فيها حظ، أما الشرك فليس فيه حظ، لا يوجد للنفس فيها حظ، بل إن الفطرة تدل على توحيد الله وإخلاص العبودية لله تعالى،
    الشرك الأكبر فهو الأعمال، صرْف شيء من العبادة، مثلا أن يصرف
    الإنسان الدعاء لغير الله -سبحانه وتعالى-، يدعو غير الله -سبحانه وتعالى-،
    يصرف المحبة لغير الله، يصرف الخوف لغير الله تعالى، من الناس من
    يخشى المقبورين يخافه، يخشى هذا المقبور، أن يكون له سيطرة عليه، أو
    أنه يؤذيه، أو أنه يفعل به إذا لم يقدم هذه الأشياء، فنعوذ بالله من الخذلان،
    الشرك الأكبر.النذر، الذبح، كل هذه عبادات تُصرف لله تعالى، والواقع في هذا يقع في الخوف والرجاء والمحبة كلها تُصرف لله، الدعاء، العبادة كلها لله تعالى.
    النذر، الذبح، كل هذه عبادات تُصرف لله تعالى، والواقع في هذا يقع في
    الشرك الأكبر.
    أما الجوانب الأخرى التي وردتْ فيها النصوص؛ مثل قول الإنسان: ما شاء
    الله وشئت، شرك الألفاظ هذا من الشرك الأصغر، وأيضًا يدخل فيه الشركُ
    الخفي، وسيُفرد له بابٌ كامل -بمشيئة لله-، ولذلك عرَّفوا الشرك الأصغر:
    كل ما نهى عنه الشارع -سبحانه وتعالى- وهو ذريعة إلى الشرك الأكبر
    ووسيلة للوقوع فيه،
    أيضًا من الأدلة على باب الخوف من الشرك قول النبي -صلى الله عليه
    وسلم-: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر»، نبينا -صلى الله عليه
    وسلم- رؤوف رحيم، وهذا الحديث حسن كما رواه الإمام أحمد.
    قالوا: ما هو يا رسول الله؟ قال: «الرياء»،
    الدليل الرابع في هذا الباب: حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-، قال النبي
    -صلى الله عليه وسلم- «من مات وهو يدعو من دون الله نِدًّا؛ دخل النار»
    رواه الإمام البخاري، أعاذنا الله وإياكم منه.
    َ
    المقبور إذا استغاث به الإنسان وطلب منه كشف الضر، وطلب منه الولد، ما لا يقدر عليه إلا
    الله رب العالمين فإنه جعله ندًّا لله رب العالمين.
    الحديث الأخير في هذا الباب، حديث جابر -رضي الله عنه-، وقد رواه
    قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من لقي الله لا يشرك به شيئا؛ دخل
    الجنة».
    ************************
    الشرك الأكبر مخرج من الملة، والشرك الأصغر لا يخرج
    من الملة.
    والشرك الأكبر يوجب الخلود في النار، والشرك الأصغر لا يوجب الخلود
    في النار.


    الباب السادس
    "باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان"
    الدليل الأول
    {طالب: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ
    وَالطَّاغُوتِ﴾ [النساء: 51]، ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن
    لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾
    [المائدة: 60]}.
    ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾
    [النساء: 51]، الجبت قالوا: هو السحر والصنم، والكاهن، وكل ذلك فيه،
    الأمم السابقة كان عندهم السحر ووقعوا في عبادة الأصنام، ووقعوا أيضًا
    في الكهانة، فكل هذا وقع عند الأمم السابقة، والطاغوت هو ما مر معنا ما
    تجاوز الحد، الطاغوت من الطغيان؛ أي: ما تجاوز الحد من متبوع أو
    معبود أو مطاع، كل ذلك مما وقعت فيه الأمم السابقة
    الدليل الثالث في هذا الباب: قوله -تبارك وتعالى- في آية الكهف: ﴿ قَالَ
    الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ﴾ [الكهف: 21]،

    الدليل الثانى عن أبي سعيد -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه
    وسلم- قال: «لَتتبعُنَّ سَنَنَ من كان قبلكم حَذْوَ القُذَّةِ بالقُذَّةِ، حتى لو دخلوا
    جُحر ضب؛ لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟»،
    أخرجاه}.
    القذة هي ريش السهم، السهام تكون
    هكذا بمقاس واحد وبشكل واحد، فتكون السهام بنفس الشكل تماما نحو القذة
    بالقذة، حتى إن هذه الأمم لو دخلوا جحر ضب، تركوا مساكنهم ودخلوا هذا
    الجحر الصغير الضيق الذي لا يستفاد منه، لهذه الأمة فعلت مثل ذلك، وهذا
    كما أخبره نبينا -صلى الله عليه وسلم-.
    فمن هذه السنن عبادة قبور الصالحين، هذه موجودة في الأمم السابقة ووقع
    في طوائفَ من هذه الأمة، بناء المساجد على القبور أيضًا وُجد في الأمم
    السابقة، وأيضًا وُجد في هذه الأمة في ذلك، نفي صفات وصف الله -عز وجل- بالنقصِ، فوصفوا الله -عز وجل- نفوا صفة السمع، والبصر، والقدرة، ونفوا صفات الرب -سبحانه وتعالى- نفوا الاستواء، نفوا العلو، كل ذلك نفوه، واليهود قالت ﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ﴾ [المائدة: 64]، وقالوا: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ [آل عمران: 181].
    وكذلك أكل السُّحت وُجد في الأمم السابقة ووجد في هذه الأمة كما يتكلم الناس عن المال العام وغيره هذا من السحت في ذلك، اليهود قال الله -عز وجل-: ﴿وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ [البقرة: 58] فماذا قالوا؟ حنطة.
    وكما تعلمون أن اليهود قالوا حنطة بدلا حطة التي أمرهم الله -عز وجل-، كذلك طوائف من هذه الأمة، قال الله تعالى ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الأعراف: 54]، قالوا: استولى، ولهذا قال ابن القيم في نونيته العظيمة:
    نون اليهوديِّ ولامُ الجهمي هما *** في وحي رَبِّ العرش زائدتانِ
    *******************


    قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إني أخاف على أُمتي الأئمة المضلين»،


    قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «وإذا وقع عليهم السيف؛ لم يرفع إلى يوم القيامة»

    وجه الدلالة هنا: قال: «ولا تقومُ الساعة حتى يلحقَ حيٌّ من أُمتي بالمشركين» قبيلة أو مجموعة من أمتِه لا تقوم الساعة حتى إنهم يلحقون بالمشركين




    تعليق


    • #3
      رد: الدرس السابع(باب الخوف من الشرك)

      تعليق

      يعمل...
      X