رابط المحاضرة:
http://www.youtube.com/watch?v=zVf8HZxte1w
تفريغ المحاضرة
بسم الله الرحمن الرحيم،
والحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أفضل الرسل والنبيين، اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وأصحابه وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
اللهمَّ إنَّا نسألك العلمَ النافعَ والعملَ الصالحَ.
نرحب بكم جميعًا في هذا اللقاء المُتَجَدِّد في الأكاديميَّة الإسلاميَّة المفتوحة، ونرحب بالإخوة الحضور معنا، وهذا هو اللقاء السادس في مادة العقيدة.
توقفنا في المحاضرة الماضية في باب تفسير التَّوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله، هذه الكلمة العظيمة، فهنا قضيتان مترادفتان: التَّوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله، وهما شيءٌ واحدٌ، كما في حديث النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- الذي يكون معنا -إن شاء الله- في هذا اللقاء، وهو حديث معاذ: قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ». وفي روايةٍ أخرى: قال -صلى الله عليه وسلم: «فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيهِ: أَنْ يُوَحِّدُوا اللهَ». فمعناهما واحدٌ كما في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم.
وقبل أن نبدأ نُذَكِّر ببعض الأشياء: فهناك أسئلةٌ كثيرةٌ، وأنا حريصٌ جدًّا ألا يفوت شيءٌ من الأسئلة، وستكون الإجابةُ عن جميع الأسئلة -إن شاء الله- في لقاء يوم الثلاثاء القادم، وسنُنَبِّه على موعد محاضرة يوم الثلاثاء في نهاية هذا اللِّقاء بمشيئة الله -عز وجل.
ومعنا هنا بعض الأسئلة التي هي عبارة عن مراجعة لما مرَّ في اللقاء الماضي، من هذه الأسئلة:
ما الطريقة المُثلى لدعوة مَن يعتقدون في المقبورين؟
هذا هو درسنا اليوم بإذن الله -عز وجل- وقد بوَّب الإمامُ البخاريُّ لحديث معاذ السابق في كتاب التَّوحيد بـ"باب دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- أُمَّته"، وبوَّب الإمامُ المجدِّدُ شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب على نفس الحديث ونفس النص بـ"باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله"، فهذا موضوعنا -إن شاء الله- ونتكلم عليه بوضوح بمشيئة الله -عز وجل.
معنا بعض الأسئلة التي سألها بعضُ الإخوة، منها:
{يقول السائلُ: هل إذا طلبتُ الدُّعاءَ والشِّفاءَ من الغير أُعتبر من الذين يسترقون؟}.
مرَّ معنا في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر صفات السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بلا حسابٍ ولا عذابٍ، فما صفاتهم؟
{«لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيَّرون، وعلى ربهم يتوكَّلون»}.
«لا يسترقون» أي لا يطلبون الرُّقيةَ من أحدٍ، لكن يمكنهم أن يرقوا الناسَ وينفعوهم، لذلك فإن الرواية التي جاءت في مسلم بلفظ: «لا يرقون» شاذَّةٌ كما بيَّنها أهلُ العلم.
فلو جاء إليك أحدُ الناس وقد ابتلي ببلاءٍ فقال لك: أرجو أن تدعو لي. وطلب منك أن تدعو له، وهذا يحصل كثيرًا، فما حكم ذلك؟
الحديث الذي ورد أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه: «لا تَنْسَانَا يَا أَخِي مِنْ دُعَائِكَ» حديثٌ ضعيفٌ، وإن كان قد صحَّحه بعضُ أهل العلم، كما قال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- في شرح رياض الصالحين، حيث قال: هذا الحديث وإن صحَّحه المؤلفُ لكنَّه ضعيفٌ. لأنَّ بعضَ أهل العلم يتساهل في تصحيح الأحاديث في فضائل الأعمال، والإنسان ليس بحاجةٍ إلى الضَّعيف، لا في فضائل الأعمال، ولا في غيرها، فهذا الحديث غير صحيح.
وبالتالي فإنَّه لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحدٍ من كبار أصحابه كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم- أنَّهم طلبوا الدُّعاءَ من أحدٍ، ولقد بايع النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عددًا من أصحابه -رضي الله عنهم- على ألا يسألوا الناس شيئًا، حتى إنَّ بعضَ هؤلاء الصحابة الذين بايعهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يسقط سوطُه -أي عصاته- في يوم عرفة، فلا يسأل أحدًا أن يرفعها إليه، رغم أنَّ الناس كُثُر، وبإمكان أي واحدٍ من المسلمين أن يرفعها له، ومع ذلك ينزل ويأخذ عصاه ثم يركب بعيرَه مرَّةً أخرى، ولا يسأل الناسَ شيئًا.
وقد ورد أنَّ بعضَ الصَّحابة طلبوا من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يدعو لهم، كأمِّ أنسٍ خادم الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقد سألت النبيَّ أن يدعو لابنها أنس، فدعا له فاستجاب الله دعاءه.
وكذلك فعل أبو هريرة -رضي الله عنه- حيث طلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يدعو الله تعالى أن يُحَبِّبه وأُمَّه إلى الناس.
وغير هؤلاء من الصحابة الذين طلبوا من الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يدعو لهم، لكن لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه طلب من أحدٍ الدعاء له.
ولذلك فالأولى أن لا يفعل الإنسان هذا الأمر، وأن يدعو الله بنفسه، قال تعالى: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾ [النمل: 62]، فالذي يُجيب المضطرَ إذا دعاه هو الله -سبحانه وتعالى- فادعُ أنت لنفسك، فلن يكون أحد أحرص على نفسك منك، أو أرفق بنفسك منك، أو أحب إلى نفسك منك.
{يقول السائلُ: هل تدخل عمليات الليزر في طلب الدعاء وقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «لا يكتوون»؟}
عمليات الليزر -كما تعلمون- بها شيءٌ من الاكتواء، وفيها جانبٌ آخر غير الاكتواء، كالليزر للعين أو غيرها، ففيه جوانب أخرى، فالحكم في هذه القضية يعود إلى طبيعة عملية الليزر ما هي؟ فإذا كان فيها اكتواءٌ فتدخل في هذا الباب، وإذا لم يكن فيها اكتواءٌ من جانبٍ، وفيها اكتواءٌ من جانب آخر، فعلى الغالب فيها.
فبعض أهل العلم غلب أنَّه ليس فيها اكتواءٌ، وبعضهم قال: فيها ذلك. لكن أكثرهم على أنَّه ليس فيها كوي، والأمر يعود إلى ذلك.
وحكم الاكتواء -كما تعلمون- أنَّه ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعله، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كوى سعد بن معاذ -رضي الله عنه- لما أُصيب في غزوة الخندق، وأيضًا اكتوى عمران بن حصين كما في صحيح مسلمٍ، واكتوى غيرُهم من أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- ففعله جائزٌ، ونهي النبي -صلى الله عليه وسلم- للكراهة، وفي هذا الفضل العظيم لمَن لم يدخل في الاكتواء.
{يقول السائلُ: هل أخذ الدواء يدخل في باب الاكتواء والرُّقية؟}
لا، باب الرقية وباب الاكتواء هي ألا تسأل الناس شيئًا، ولذلك لما تكلم الشيخ محمد بن عثيمين عن الشخص الذي يكوي الناسَ في المستشفى هل يدخل في ذلك؟ فأوضح أن ذلك داخل في قضية اتخاذ الأسباب، وفيها عدم سؤال الناس شيئًا، وأن الإنسان يطرح كلَّ حاجته بالله رب العالمين، ولذلك فأخذ الدواء هو من باب اتخاذ الأسباب.
نُكمل درسنا اليوم، والذي سيتضمن إجابة سؤال الأخ الذي سأل عن دعوة الناس الذين يعتقدون في أصحاب القبور، وقد كنا نتكلم عن: باب تفسير التَّوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله، والمؤلف -كما مرَّ معنا في اللِّقاء الماضي- قد فسَّرها بما يُضادها، يعني بيَّن أنَّ الذي يقع فيه بعضُ الناس مُخالفٌ لهذه الشَّهادة التي يشهدها.
وشروط شهادة لا إله إلا الله -كما تعلمون- سبعة شروط، وقد ذكرها متسلسلةً الإمامُ مسلم في أول صحيحه، وذكر بعضها الإمامُ البخاري -رحمه الله- وهي:
العلمُ، واليقينُ، والقَبولُ
والانقيادُ، فَادْرِي ما أقولُ
والصِّدْقُ، والإخلاصُ، والمحبَّة
وَفَّقَك اللهُ لما أحبَّه
وثامنها الكفر بما يُعبد من دون الله. كما سيأتينا في هذا الباب.
إذن من الآيات التي مرَّت آية الإسراء، وهي قول الله -تبارك وتعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيخَافُونَ عَذَابَهُ﴾ [الإسراء: 57]، فهؤلاء جمعوا بين المحبة والخوف والرجاء، والتي هي أركان الإيمان الثلاثة.
أيضًا تعرضنا للآية الثانية والتي هي قول إبراهيم لأبيه وقومه: ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ [الزخرف: 26، 27] فإبراهيم تبرأ من ذلك.
نأخذ اليوم في هذا الباب آيةً أخرى وهي قول الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ﴾ [البقرة: 165]، هذه الآية من سورة البقرة: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ يتخذون أندادًا أي يتخذون شبيهًا ومثيلًا لله رب العالمين، في ماذا؟ في الخلق والرزق أم في العبادة؟
{اتَّخذوهم في العبادة}.
ما الدَّليل على أنَّهم لم يتَّخذوهم في الخلق والرزق؟
{إذا سُئِلُوا عن ذلك أجابوا بأنَّ الله هو الذي يرزقهم}.
كما في القرآن العظيم: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف: 87] فهم يُقِرُّون بأنَّ الله تعالى هو خالقهم ورازقهم، وإنَّما اتَّخذوهم أندادًا في العبادة، قالوا: ﴿لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3].
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ هل هؤلاء الذين اتَّخذوا الأصنامَ والمعبودات يُحبون الله أم لا يحبون الله؟
{يحبون الله}.
كان هؤلاء الذين يتَّخذون الأندادَ يُحبُّون الله، لكنهم كانوا يُحبُّون مع ذلك أصنامَهم ومعبوداتهم، فهم يحبون الله ويحبون معه غيرَه من الآلهة والمعبودات الأخرى.
قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ﴾ الذين آمنوا يُخلصون محبتهم لله رب العالمين، فلا يُحِبُّون إلا الله -سبحانه وتعالى- فمحبتهم خالصة لله، ولذلك فإن العبادة قائمةٌ على مسألة المحبَّة، فمَن عبد الله أحبَّ الله -سبحانه وتعالى- ولذلك يقولون: المحبة هي مُحَرِّكة القلب، ولابُدَّ من أركان العبادة الثلاثة: المحبَّة، والخوف، والرَّجاء، هذه ثلاث قضايا مهمة.
وكما تعلمون فإنَّ المحبَّةَ تنقسم إلى ثلاثة أقسام: محبة لله -عز وجل- ومحبة ما يُحب الله -سبحانه وتعالى- ومحبة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ومحبة دينه، ومحبة شرعه، ومحبة مسجده وبيته، ومحبة ما أمر الله تعالى به، ومحبة كل هذه القضايا، ومحبة المؤمنين.
لماذا نُحب المؤمنين؟
لأنَّهم عباد الله، ولذلك نُحب هؤلاء الإخوة الذين معنا يُتابعوننا في هذه الدروس؛ لأنَّهم عباد الله، يتعلمون دين الله، فنُحبُّهم لله -عز وجل- وهذه محبة نافعة، فهي محبَّةٌ تُقَرِّب إلى الله -سبحانه وتعالى.
أمَّا المحبَّة الطبيعيَّة الموجودة في الإنسان كحبه الطَّعام، والشَّراب، والنَّوم، والملابس، ومثل هذه الأشياء؛ فهذه محبَّةٌ طبيعيَّةٌ لا تضُرُّ، لكن إذا تعدَّت حدودَها فإنَّها لا تجوز وتَضُرُّ.
الثانية: محبَّةٌ مع الله: أن يُحبَّ اللهَ ويُحِبَّ الآلهةَ، فيُحِبُّ الله ويُحِبُّ المعبودات التي من دونه -سبحانه وتعالى- وهذا من الشِّرك -نعوذ بالله من الضلالة- الذي بيَّنه الله -عز وجل.
وسنأتي -إن شاء الله- ببعض التَّقارير عن بعض الذين يعبدون المقبورين والذين وقعوا في الشِّرك، حيث تجد الواحد منهم إذا حلف بالله لا يَفِي، وإذا حلف بالمقبور يلتزم بذلك، لماذا؟ لأنَّ المقبورَ عنده أعظم.
كان أحد عوام المسلمين إذا قام وإذا جلس ذكر رجلًا من الناس من المقبورين فيقول: يا فلان. فإذا جاء ذلك اليوم قال: يا الله. قلت: ما شاء الله، تذكر الله، يعني ما ذكرت غيره؟! قال: هذا فلان تركناه للأمور العظيمة، والله للأمور السهلة. نعوذ بالله من الخذلان، ولذلك فهم يُحبُّونهم أعظم من محبة الله -عز وجل.
الدليل الثاني: في صحيح الإمام مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: «مَن قَالَ لا إِلَهَ إلا الله» تكفي؟
{لا}.
أكمل.
{«وَكَفَرَ بما يُعْبَدُ مِنْ دُونِ الله»}.
إذن لم يكفي قول: «لا إله إلا الله»، وإنَّما قال: «وَكَفَرَ بما يُعْبَدُ مِن دُونِ الله؛ حَرُمَ مَالُه ودَمُهُ وحِسَابُه على الله -عز وجل»، المهم أنَّ يكفر بما يُعبد من دون الله -عز وجل- من المعبودات.
يقول بعضُ الناس: لا إله إلا الله، محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والذي يعبد غير الله -سبحانه وتعالى- يقول: أنا لا أقول أنَّهم كفار.
أين كتاب الله -سبحانه وتعالى؟! لابُدَّ أن يكفر بما يُعبد من دون الله -عز وجل- ولذلك مَن قال: لا إله إلا الله، ولم ير أنَّ هذه المعبودات باطلةٌ؛ فإنَّه لم يقل لا إله إلا الله، ولم يعرف معنى لا إله إلا الله.
وكما مرَّ معنا أنَّ من شروط لا إله إلا الله العلم بمعناها كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لا إِلَهَ إلا الله»، وقال تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [محمد: 19]، فلابد من العلم بمعناها، فلا يقول: لا إله إلا الله، ثم يأتي بما يُناقضها.
وهكذا نكون قد انتهينا من هذا الباب، الذي هو باب تفسير لا إله إلا الله، وفسَّرها المؤلفُ هنا بما يُضادها.
فنأخذ باب الدُّعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله:
فالدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المسائل العظيمة التي ينبغي على الإنسان أن يحرص عليها.
فالواجب عليك إذا كنت تعلم معنى لا إله إلا الله أن تدعو إلى هذه الكلمة دعوةً صادقةً واضحةً، فإخوانك المسلمين بأشدِّ الحاجة إلى الدَّعوة إلى هذه الكلمة، ولذلك قال المؤلف: (باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وقول الله تعالى).
وسنعرض لكم في نهاية الحلقة بعضَ الصور التي تُبَيِّن لكم أنَّ الإسلامَ في أقطار الأرض بحاجةٍ إلى الدَّعوة إلى هذه الكلمة وبيانها، فكثيرون لم يفهموا هذه الكلمة بوضوحها.
مَن يقرأ لنا الآية؟
{﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: 108]}.
فالمؤلف اكتفى بالجزء الأول من الآية ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي﴾.
يقول الله تعالى لنبيه: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي﴾ هذه طريقي التي أدعو إليها، هل في القرآن أدلةٌ أخرى دالة على وجوب عبادة لله -عز وجل؟
{قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [النساء: 36]}.
هذا أمرٌ بالعبادة وليس أمرًا بالدَّعوة، ونحن نريد أدلةً دالَّةً على الدَّعوة إلى الله.
{﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125]}.
أيضًا هناك أدلة أخرى.
{﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104]}.
ضمن الله -سبحانه وتعالى- لهم الفلاحَ والسَّلامَة والنَّجاة في ذلك.
إذن فالأدلة على وجوب الدَّعوة إلى دين الإسلام، والدَّعوة إلى توحيد الله وإخلاص العبودية لله -عز وجل- كثيرة، لكن المؤلف اكتفى بهذه الأدلة، ونحن نكتفي بهذا الدَّليل، وإنَّما نُبين لكم أنَّ الأدلةَ في كتاب الله وفي سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- كثيرة، لا نُطيلها عليكم، وذلك يكون أسهلَ على الإنسان.
﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي﴾ قل يا محمد: هذه سبيلي، سبيل النبي -صلى الله عليه وسلم- وطريقه هو الإسلام، ﴿أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ﴾ البصيرة بماذا تكون؟
{بالعلم والإخلاص}.
بالعلم والإخلاص، والعلم يتضمَّن العلمَ والإخلاصَ، ﴿عَلَى بَصِيرَةٍ﴾ فالذي يدعو وليس عنده علمٌ هل يدعو على بصيرة أم على غير بصيرةٍ؟
{على غير بصيرة}.
يدعو على غير بصيرة، فالذي يدعو إلى الله من غير علمٍ يدعو على غير بصيرةٍ، ولذلك قد يكون ضررُ بعضهم أكثرَ من نفعه، فيجب أن تكون الدَّعوة إلى الله على بصيرةٍ، وعلى علمٍ، والبصيرة تتضمَّن العلمَ، وتتضمَّن الإخلاص.
﴿أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ يعني أنا أدعو على بصيرةٍ، وكذلك مَن اتبعني يدعو على بصيرةٍ، لذلك فإنَّ أتباعَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- من زمن الرسول إلى هذا اليوم كلهم يدعوا إلى الله على بصيرةٍ، وعلى هُدًى، وعلى بَيِّنةٍ، وعلى معرفةٍ، فهم يدعون إلى الله على بصيرةٍ، ﴿أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ أمَّا الذي لم يُتابع الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- فهو يدعو على غير بصيرةٍ، ويكون ضررُه أكثرَ من نفعه.
﴿أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ براءة من المشركين، ولذلك فإنَّ مَن دعا إلى عبادة القبور، أو دعا إلى الشرك بالله -عز وجل- كالشرك الأصغر أو الأكبر أو غيره؛ فليس داعيًا إلى الله، وإنَّما هو داعٍ إلى الشَّيطان.
وكما تعلمون هناك مَن يدعو إلى الله، وهناك مَن يدعو إلى نفسه، أو لرئيسه، أو لبيئته، أو لمذهبه، أو لغير ذلك، وكل هذا لا يجوز، إنَّما تكون الدَّعوة إلى الله -سبحانه وتعالى.
ولذلك إذا دعوتَ إلى الله يجب عليك ألا تغضب إذا لم يُطع أمرُك، وإنَّما تغضب لأنَّه لم يُطع أمرُ الله -عز وجل.
قال الإمامُ الشَّافعيُّ -رحمه الله: "أتمنى أن يُنقل عني هذا العلم وليس لي فيه شيءٌ". يعني لا يُذكر اسمي مطلقًا، فأهم شيءٍ أن ينتشر هذا العلمُ.
ونشر العلم من الدَّعوة إلى الله -سبحانه وتعالى- والله -عز وجل- يسَّر لعباه اليوم الكثيرَ من وسائل العلم، فهذه الأكاديمية الإسلامية المفتوحة وسيلة عظمى من وسائل الدعوة إلى الله -عز وجل- يُتابعها عددٌ كبيرٌ جدًّا، ويسجل فيها أعدادٌ هائلةٌ من الطلاب، فهذه وسيلةٌ من وسائل تعليم المسلمين، ونشر العلم بين المسلمين، فهذه من أعظم النِّعم التي أنعم الله بها علينا.
فهذه القنوات وهذه الوسائل التي وُجدت كلها من أسباب الخير، ومن أسباب الهدى، ومن سبل الدعوة إلى الله وإلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- ولذلك جاء الأمرُ بقضية الدَّعوة.
وقضية الدَّعوة -كما تعلمون- فرضُ كفايةٍ، إذا قام بها البعضُ سقطت عن الباقين، أمَّا إذا لم يُوجد في مكانٍ أحدٌ يدعو إلى الله -عز وجل- سوى شخص واحد، أو كان هذا الشخص في مكانٍ فيه غيبة عن الحقِّ وجهل كثير بما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما في كثيرٍ من بلاد المسلمين؛ فإنَّه يتعيَّن على هذا الإنسانِ أن يقوم بالدَّعوة ويحرص عليها.
ولذلك جاء في الحديث عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لما بعث رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- مُعاذَ بنَ جبل إلى اليمن قال: «إِنَّكَ تَأتِي قَومًا أَهل كِتَابٍ فَلْيَكُنْ أوَّلَ ما تدعُوهُم إلَيهِ شَهَادَةُ أن لا إِلَهَ إلا اللهُ». فهذا أول ما يدعوهم إليه.
وفي روايةٍ: «أن يُوَحِّدُوا اللهَ، فإن هُم أَطَاعُوكَ لذلِكَ؛ فَأَعْلِمْهُم أنَّ الله افْتَرَضَ عَلَيهِم خَمْسَ صَلَواتٍ فِي كُلِّ يومٍ ولَيْلَةٍ، فَإِنْ هُم أَطَاعُوكَ لذَلِكَ؛ فَأَعْلِمْهُمْ أنَّ الله افْتَرَضَ عَلَيهِم صَدَقَةً تُؤخَذُ من أَغْنِيائِهِم وَتُرَدُّ إلى فُقَرَائِهم، فإِنْ هُم أَطَاعُوكَ لذَلِكَ؛ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهم، وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فإنَّه لَيسَ بَينَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ». أخرجاه في الصَّحيحين -البخاري ومسلم.
فهذا الحديث دَلَّ على قضايا مُهمة جدًّا، انظر بماذا ختمه الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- حيث أرسل معاذًا إلى قومٍ فيهم مشركين، فقد كان في اليمن في زمن البعثة أهلُ شركٍ، وفيها من اليهود، فأرسل إليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذًا وأمره بهذه الأوامر العظيمة، ثم ختمها بقوله: «وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فإنَّه لَيسَ بَينَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ» حتى ولو كان كافرًا، فلا يجوز أن يُظلم كافرٌ.
ولذلك فإنَّ ما نشهده اليوم من صيحات بأنَّ الإسلامَ قد يظلم غير المسلمين، أو أهل الكتاب؛ هو قولٌ باطلٌ، معاذ الله، فالإسلام دين رحمة وعدل، وما نشهده في بعض الأخبار هذه الأيام من بعض الجماعات التي تتسمَّى بالإسلام فتقتل وتفجر في كنائس النصارى وتقتلهم، نقول لهم: بأيِّ حقٍّ هذا؟ فهذا ليس من الدَّعوة إلى الله، بل هو من الباطل، بل هو من البعد عن دين الله، بل هو من الجهل بدين الله -عز وجل- وهؤلاء ضررهم أشد على الإسلام من غيرهم.
فلذلك جاءت الأحاديث الشديدة في مثل هذه الأعمال، فلا يجوز للمسلم أن يفعل مثل هذه الأمور بهؤلاء وإن كانوا كفَّارًا، وإن كانوا يعبدون غير الله -عز وجل- فإن الإسلام لم يأت بمثل هذه الأعمال المُحَرَّمة، أعاذنا الله وإياكم منها.
قال: «إنَّكَ تَأتِي قَومًا أَهْل كِتَابٍ»، انظر: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ﴾ أين العلم هنا؟
{«أنَّك تأتِي قَومًا أهل كتابٍ»}.
فالنبي –صلى الله عليه وسلم- علم بحال المدعوين، ثم أخبره بكيفية الدعوة، فيجب أن تعرف حال المدعوين الذين أمامك حتى تعرف الشُّبهات التي لديهم، وتعرف ما هي طبائعهم، وأعرافهم الاجتماعية، فكل ذلك عليك أن تعرفه حتى تكون على بيِّنةٍ، وتعرف أيضًا ما هي الأديان التي هم عليها.
قال: «إنَّك تَأتِي قَومًا أَهْل كتابٍ، فَلْيَكُنْ أوَّلَ ما تَدْعُوهُم إلَيهِ: تَوحِيدُ الله»، شهادة أن لا إله إلا الله، ويدخل فيها شهادة أن محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن توابعها إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، كل هذا داخل في هذه الشهادة.
وفي رواية: «أن يُوَحِّدُوا اللهَ»، والدليل أن هذه الشهادة هي التَّوحيد ما جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: «أن يُوَحِّدُوا اللهَ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ». ولذلك يجب أن يكون المسلمُ إذا دعا إلى الله على بيِّنةٍ من أمره.
ولذلك لما ذكر الشيخ محمد بن عثيمين مثل هذه القضية ذكر الأقوال، فمنهم مَن قال: لابُدَّ أن يُبين له الأمر كما جاء في هذا الحديث: «فَأَعْلِمْهُم»، وكما سيأتي في الحديث الثاني بإذن الله -عز وجل- أنَّه يُبين لهم الأمرَ حتى يكونوا على بيِّنةٍ من أمرهم في قضية الوضوح.
ثم قال: «فَأَعْلِمْهُم أنَّ الله كتبَ عَلَيهِم خَمْسَ صَلَواتٍ فِي كُلِّ يَومٍ وَلَيْلَةٍ» وهذا الركن الثاني من أركان الإسلام، فمن أركان الإسلام: الشهادتين، ثم الصلاة.
وهذه الصلاة صِلَةٌ بين العبد وربه، فلابد أن يحافظ الإنسان عليها، كما جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: «العَهْدُ الذِي بَينَنا وَبَينَهُم الصَّلاةُ، فمَن تَرَكَها فَقَد كَفَرَ».
«فَإِنْ هُم أَطَاعُوكَ لِذَلكَ فَأَعْلِمْهُم أنَّ الله افْتَرَضَ عَلَيهِم صَدَقَةً تُؤخَذُ مِن أَغْنِيائِهم وَتُرَدُّ إِلَى فُقَرائِهم» هؤلاء أحد الأصناف في ذلك.
ثم قال: «فإِيَّاك وَكَرَائِمَ أموالِهم» أي أنَّ الصدقةَ تُؤخذ من أوسط الأموال، ولا تُؤخذ من أفضلها، ولا من أردئها، وإنَّما تُؤخذ من أوسطها، فقال: «فإيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهم، وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُوم» وهذا من جمال هذا الدين، ومن جمال الدَّعوة إليه، ومن رحمة الله -عز وجل.
أيضًا الدليل الثاني في هذا الباب: حديث علي بن أبي طالبٍ -رضي الله عنه- فقد روى الإمام البخاري ومسلم -ولذلك قال المؤلف: (لهما)- عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال يوم خيبر -ويوم خيبر كان في السنة السابعة للهجرة: «لأُعْطِيَنَّ الرَّايةَ غَدًا»، الراية هي العلم المرفوع، قال: «لأُعْطِيَنَّ الرَّايةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ ورسُولَه، ويُحِبُّه اللهُ ورسُولُه، يفتحُ اللهُ عَلَى يَدَيهِ».
هذه فيها بُشرى من الرسول -صلى الله عليه وسلم- لهذا الرجل بهذه المنزلة العظيمة، وهي أنَّه يُحِبُّ الله ورسولَه، ويُحبُّه اللهُ ورسولُه، فالمحبَّة من صفات الله -عز وجل- الفعليَّة.
فالله -عز وجل- أخبر الرسولَ أنَّه يُحبُّ هذا الرجلَ، «يُحبُّه اللهُ ورسُولُه، ويُحِبُّ اللهَ ورسُولَه، يفتَحُ اللهُ على يَدَيهِ» يعني أنَّ الفتح سيكون على يديه.
والآن خيبر مُحَصَّنة أشدَّ التَّحصين، وفيها الجنود، ومع ذلك بَشَّرَ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- بهذه البشرى وهي أنَّ الله سيفتح على يدي هذا الرجل غدًا.
«لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ» الكلام هنا مُؤَكَّدٌ باللام والقسم المُقَدَّر، والنون المُؤَكِّدة، يعني لأعطين مؤكدة للقضية وأن رجلًا يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه، فهذه منزلة عظيمة.
فيا ترى مَن الذي يشهد له الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن الله يحبه؟ يا لها من منزلةٍ عظيمةٍ أن يُحِبَّ العبدُ اللهَ ورسُولَه لهذه الآيات العظيمة والدلائل التي قامت في قلبه، ونِعم الله المتوالية عليه، لكن الشأنَ أن الله يُحبُّه، فهذه القضية العُظمى، نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا وإيَّاكم من المُتحَابِّين في الله، ويجعلنا ممن يحبهم -سبحانه وتعالى.
(فبات الناس) نام الناس تلك الليلة، (يَدُوكُونَ) يخوضون، أي بات الناس يتكلمون ويقولون: مَن يكون هذا الرجل؟ مَن هذا الرجل السعيد الذي شهد له الرسولُ -صلى الله عليه وسلم؟ (فلمَّا أصبحوا غدوا إلى الرسول) بَكَّروا كلُّهم إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فماذا كانوا يريدون من هذا التبكير؟ هل يريدون الإمارة؟
{بَكَّروا يُريدون معرفة مَن هو هذا المُبَشَّر}.
كلٌّ يتمنَّى أن يكون هو هذا الرجل، فبَكَّروا إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- كلٌّ يرجو أن يُعطى هذه المنزلة العظيمة.
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «أَينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالبٍ؟» قالوا: (علي يشتكي عينيه) مصاب بالرَّمد، فكيف أتى من المدينة إلى خيبر؟ فهذه مسافةٌ طويلةٌ على رجلٍ مُصابٍ في عينيه!
انظروا إلى أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- ماذا قدَّموا لهذا الدِّين؟ فهذه المسافة الطويلة قطعها عليٌّ وهو مُصابٌ في عينيه، ومع ذلك أُتِيَ به يُقاد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فَبَصَقَ النبي -صلى الله عليه وسلم- في عينه، ودعا له؛ فبرأ في حينه مباشرةً، كأن لم يكن به أثرٌ، وهذه من معجزات الرسول -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، (كأن لم يكن به وجعٌ)، فأعطاه النبي -صلى الله عليه وسلم-الراية.
إذن الرجل الذي يُحبُّه اللهُ ورسُولُه، ويُحبُّ اللهَ ورسُولَه، هو علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وهذه منزلةٌ عظيمةٌ.
والله بشَّر أصحابَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- جميعًا بالبشائر العظيمة، فبشَّر أهلَ بدرٍ، وأهل بيعة الرضوان كلهم فقال: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ [التوبة: 100]، فرضي الله عن هؤلاء جميعًا، لكن جاء هذا الفضل لعليٍّ -رضي الله عنه- في هذه المنزلة العظيمة.
وفضائل عليٍّ -رضي الله عنه- كثيرةٌ، والمكذوب في فضائله كثيرٌ أيضًا، ولذلك فأهل السنة يَرْوُنَ عن علي بن أبي طالبٍ أكثرَ مما رووا عن بقيَّة الخلفاء الرَّاشدين.
فمثلًا: كم عدد أحاديث مسند علي بن أبي طالب في مسند الإمام أحمد؟ أكثر من ثمانمئة حديثٍ، فأحاديث عليٍّ -رضي الله عنه- بالمكرر في مسند الإمام أحمد ثمانمئة، ومسند الخلفاء الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان خمسمئة وستين في مسند الإمام أحمد، لماذا؟ لأنَّ عليًّا -رضي الله عنه- تأخَّر واحتاج الناسُ لما عنده من العلم، ولذلك روى أهل السنة عن عليٍّ -رضي الله عنه- الكثيرَ، وفضائله ثابتةٌ في كتبهم ومَسَانِيدهم، والمكذوب في حقه كثيرٌ -للأسف الشديد- وليس به حاجةٌ إلى مثل هذا الكذب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
فأعطاه الراية، فقال: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ»، ما معنى (رسلك)؟
{دون عجلٍ، على مهلك}.
يعني لا تُسرع؛ لأنَّ الحروبَ لا تحتاج إلى عجلةٍ، ولذلك يُنهى الإنسانُ دائمًا عن العجلة، قال: على مهلك لماذا؟ لأنَّها حربٌ، وقد تكون هناك كمائن ونحوها، «انْفُذْ على رِسْلِكَ» يعني سِرْ على رسلك.
«حتَّى تَنْزِلَ بسَاحَتِهم» يعني في المكان المُحيط بهم، فانزل به هناك، فإذا نزلت بساحتهم فماذا يكون؟ هنا الشاهد من الحديث: «ادْعُهُم إلى الإِسْلامِ»، وهذا هو الشاهد من الحديث، أنَّك تدعوهم إلى الإسلام، فهذه هي القضية الأولى، والقضية الكبرى أن لا تبدأ بقتالهم، بل تبدأ بدعوتهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقِّ الله تعالى.
فالإسلام ما جاء للقتال، ولا لسفك الدِّماء، ولذلك نجد أن الإسلامَ انتشر في الكثير من الأقطار الإسلاميَّة اليوم دون أن يذهب إليها جيشٌ، وإنَّما هذا الدين العظيم مُوافِقٌ للفطرة، مُوافِقٌ للنفس.
«ثم ادْعُهُم إلى الإِسْلامِ، وأَخْبِرهُم بما يَجِبُ عَلَيهِم مِن حَقِّ الله تعالى» إذن قضيتك ليست أن تُقاتلهم مباشرةً، بل تدعوهم إلى الإسلام، وتخبرهم بما يجب عليهم حتى يكونوا على بيِّنةٍ من أمرهم، وتوضِّح لهم الأمرَ.
ويُقسم النبي -صلى الله عليه وسلم- فيقول: «لَئِنْ يَهْدِي اللهُ بكَ رَجلًا واحدًا خَيرٌ لك مِن حُمْرِ النَّعَمِ»، ما هي حُمْرُ النَّعَم؟
{الإبل}.
فحُمْر النَّعَم هي الإبل الحُمْر، وقد كان العربُ يُحبُّونها في جاهليتهم، فكانت عندهم هي أفضل الأموال التي يتملَّكونها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: لئن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من هذه الأموال، وخيرٌ لك من أفضل ما يملكون. فهذا أفضل شيء لك أن الله يهدي بك رجلًا واحدًا.
ولذلك فلابد أن يحرص الإنسانُ على أن يهدي الله به إخوانه المسلمين، وأن يُبين لهم الحقَّ، سواءً كان الجاهل من المسلمين يعلمه أو لا، وأيضًا البشرية بحاجةٍ إلى هذا الدين العظيم، وهذه الرسالة العظيمة.
وقد جاء في بعض الإحصائيَّات أن عدد الذين يحاولون الانتحار في كلِّ عامٍ يبلغ عشرة ملايين شخص، فهم يحاولون الانتحار لأنَّهم لا يجدون لهذه الحياة قيمة، ولا رسالة، ولا يعرفون لماذا وُجِدُوا، ولماذا يموتون، وأين يذهبون، لا يعلمون شيئًا من ذلك، فعشرة ملايين شخص يدخلون هذا الامتحان وهو الانتحار، فيحاولون الانتحار، والذي ينجح في هذا الانتحار مليون شخص هم الذين يموتون والبقية يُكَرِّرون المحاولة مرَّةً أخرى.
فالبشرية إذن بحاجةٍ إلى هذا الدين، وهذه الرسالة، والحمد لله الإسلام أكثر الأديان انتشارًا، لكن المسلمين اليوم بحاجةٍ إلى معرفة هذا الدين العظيم الذي جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم.
أذكر لكم بعضَ الأشياء وبعضَ الصور التي فيها بيانٌ ذلك، خذوا بعض الأمثلة:
هذه صورة قبر ابن العربي، صاحب كتاب "الخصوص"، وهو غير أبو بكر ابن العربي المالكي، فهذا إمامٌ من أئمة المسلمين، وعالمٌ من علماء المالكية -رحمه الله- وله مواقف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن الذي نتكلم عنه هو شيخ من فلاسفة الصوفية، فقد أظهر الفلسفة والتَّصوُّفَ.
وقد حكم عليه كثيرٌ من علماء الأمة بأنَّه كافرٌ، لماذا؟ لأنَّه في كتابه "فصوص الحكم" سبَّ جميعَ الأنبياء، فيقول مثلًا: نوح هو الذي أخطأ، لماذا؟ قال: لأنَّه دعا قومَه إلى عبادة الله وحده، والله موجودٌ في كلِّ شيءٍ في ذلك. فهو يرى أنَّ الله في كلِّ شيءٍ، حتى إنَّ أحد أتباعه وهو التِّلْمِسَاني سألوه عن ماذا؟
{وما الكلب والخنزير إلا إلهنا}.
هذا التِّلمسانيُّ كان يُقرر أنَّ الله في كلِّ شيءٍ، فلما قيل له: الله في هذا الكلب الميت؟ قال: نعم، الله في هذا الكلب الميت.
والعجيب يا إخواني أن قبر ابن العربي هذا يُعبد من دون الله، وتُبذل فيه أموال المسلمين ونفقاتهم حتى يُعبد من دون الله -عز وجل- فهل تجوز عبادته أصلًا هذا أو غيره؟ لا تجوز، ولا يجوز أن يُبنى فيه قبرٌ؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ والنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهم وصَالِحِيهِم مَسَاجِد»، وللأسف الشديد القبور في كثيرٍ من بلاد المسلمين كثيرةٌ، ومنها القبور الوهمية، ومنها القبور الغير معروفة.
قلنا أن أكثر علماء المسلمين على تكفيره.
{أين يقع هذا القبر؟}.
في شمال سوريا، وبجواره أماكن يتبرَّعون بها للطَّعام للفقراء، ويعملون أشياء كثيرةً جدًّا، وأوقاف تُجرى عليها، وهي من أموال المسلمين، فهذا من القبور التي تُعبد من دون الله، فهذا الذي حدث لما جهل المسلمون بهذا الحال!
انظروا لذلك: هذه صورة أخرى لقبر أبي حنيفة -رحمه الله- إمام الحنفية، وهو بريء من ذلك، وهذه القُبَّةُ لم تُبْنَ في قبره على زمنه، ولا بعد زمنه بقرونٍ، إنَّما بُنيت بعد ذلك بأزمنةٍ مُتطاولةٍ، وهذا القبر موجود في بغداد.
وهو -رحمه الله تعالى- رفض أن يتولَّى القضاءَ للولاة، فكيف يُبنى على قبره؟ وكيف يدخل في هذه القضايا كلها وهو ممن ذكر توحيدَ الرُّبوبيَّة وتوحيد الأُلُوهيَّة؟!
هذا القبر -للأسف الشديد- يزوروه بعض المسلمين القادمين من أواسط آسيا للحج، حيث يمرون على بغداد ويقفون عند هذا القبر.
فهل أبو حنيفة رضي بهذا؟ لا، نبرأ إلى الله أن يكون رضي عن ذلك.
بل إن الإمام الشافعي -رحمه الله- يقول: "أدركتُ الأمراءَ يهدمون القِبَابَ على القبور" يعني يُسَوُّون القبورَ كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عليًّا -رضي الله عنه- «ألا تَدَعَ قَبرًا مُشْرِفًا إلا سَوَّيتَهُ»، والقبر المُشرف هو المرتفع فيُسَوَّى بالأرض.
هذه وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- لعليٍّ -رضي الله عنه- حيث أمره بألا يترك قبرًا مرتفعًا، وهي وصية لعلي وللأمة من بعده.
وقد انتشرت هذه القبور انتشارًا كبيرًا، فالناس بحاجةٍ إلى الدَّعوة إلى التَّوحيد.
هل الخضر موجود؟ هل رآه أحد؟
{لا، كان قبل الرسول -صلى الله عليه وسلم}.
نجد بعض الناس يقول: أنا قابلت الخضر، وجدت الخضر، وقال لي الخضر. وكل هذه الروايات ليس لها أسانيدُ، فليست صحيحةً، لكن نجد أنَّ قبر الخضر موجود في أكثر من قطر من أقطار المسلمين، والرجل غير موجود أصلًا، ومع ذلك هناك أشخاصٌ آخرون يقولون أن الخضر حيٌّ إلى الآن، فالأمر فيه عجب، وهو غير موجود، ومع ذلك تلقى الناس هذا القول، ثم قالوا أنَّه مات في أكثر من مكانٍ فبنوا عدة قبور.
وهناك قبور أخرى بها أعجب من ذلك، تجد في هذه القبور شيئًا يُسمونه الروضةَ الشَّريفةَ، بمثل الروضة في المسجد النبوي، معاذ الله، فقبر النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجرته -عليه الصلاة والسلام- وإنَّما مسجد الرسول فيه الروضة.
فالمقصود أن المسلمين ابتلوا بهذا البلاء العظيم، فهم بحاجةٍ إلى الدَّعوة إلى الله -سبحانه وتعالى.
نأخذ بعض الأسئلة:
{يقول السائلُ: كيف تفهم قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يَكْتَوُونَ» واليوم هناك جراحات وغيرها من أنواع العلاج يستخدمون فيها الكي في كثير من الحالات الجراحية؟ وهل هناك استثناءات؟}.
أخذ العلاج هو من الأسباب، لكن الإنسان لا يعتمد على العلاج، فالعلاج يأخذه فلان ويشفيه الله ويعافيه الله، وفلان يأخذ العلاج لكنه لا ينفعه، فالعلاج سبب من الأسباب، وأمَّا الكي فقد ورد في هذا الأمر جوازه، وورد فيه نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك.
{يقول السائل: هل المشركون الذين يصلون صلاة الجماعة لا يزالون مسلمين؟}.
يجب على الإنسان ألا يتعجل في مسألة التَّكفير، وعليه أن يبين وينصح إخوانه المسلمين، أمَّا قضية الكفر وغيره فهذا يُرجع فيه إلى علماء المسلمين، وأيضًا أهل السنة إذا أطلقوا وقالوا: إنَّ هذا الحكم كفرٌ. لا يقصدون أنَّ هذا الشخصَ بعينه قد كفر، فتكفير المُعَيَّن لابُدَّ له من تحقق الشُّروط وانتفاء المَوَانع.
{يقول السائلُ: مَن طلب الرقيةَ أو اكتوى قبل أن يعلم بهذا الحديث، هل يكون قد خرج من السَّبعين ألفًا؟}.
أمره إلى الله -سبحانه وتعالى- لكن هذا الذي ورد عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- وربُّك الذي تدعوه صفته لما تقوم بين يديه تقول: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: 2، 3].
{يقول السائلُ: هل كلمة "لا إله إلا الله" كافية وحدها لأن يدخل الإنسان الجنة بدون عقاب؟}.
كلمة "لا إله إلا الله" وردت فيها الأحاديث الصَّحيحة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بشروطها التي جمعها العلماء، وهي في صحيح مسلم، وقد ذكرتها لكم في الدرس، فلابُدَّ من علمٍ بهذه الكلمة، ولابُدَّ من العلم بمعناها، واليقين، والقبول، فيقبل جميعَ ما دلَّت عليه، فبعض الناس الآن يستحيل أن يترك عبادة هذه القبور من دون الله -عز وجل.
{يقول السائلُ: اتِّخاذ أنداد لله -عز وجل- هي شركٌ بالله، لكن غالب كتب الفلسفة تعتمد على ذلك، فكيف يمكن مواجهة مَن يسيرون على تلك المذاهب التي تؤدِّي إلى الإلحاد؟ ومثال عليها الفلسفة اليونانية والهندية؟}.
نحن قومٌ أنعم الله علينا بهذا الإسلام، وبهذه الرسالة العظيمة، وهذه المنة العظيمة، واليونان هم قوم وثنيُّون، بُعِثَ فيهم رسول ﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ [فاطر: 24] لكنَّهم ضيَّعوا ما جاء به رسولُهم، وأضاعوا دينَه، ولذلك هم يعبدون الكواكبَ، ويتقرَّبون إليها، ولذلك تجدون بعضَ الأفكار التي وجدت في الفلسفة التي تُسَمَّى بالفلسفة الإسلامية مثل العقول العشرة، هي أصلها الكواكب العشرة التي يعبدها فلاسفة اليونان وغيرهم.
فهؤلاء قومٌ الأصل فيهم أنَّهم وثنيُّون، ونحن قومٌ أنعم الله -عز وجل- علينا بالإسلام، فيجب علينا أن نبين هذا الأمر.
وللأسف الشديد من المسلمين اليوم من هو مُغْتَرٌّ بالثقافة الغربية، ومُعجبٌ بها غاية الإعجاب، ويرى أنَّها من الأشياء العظيمة التي فيها نفعٌ، وهذا غيرُ صحيحٍ، بل يجب علينا أن نعرف ما جاء به الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- ونعتزُّ به، ونعرف فضل الله -عز وجل- ونعمته علينا، وهذه أممٌ قد ضلت في ذلك، فنحذر من ذلك.
ومن آرائهم أيضًا قولهم: إن الكون يتكوَّن من أربعة عناصر: الماء، والهواء، والتُّراب، والنار. هذه نظريات قديمة لا قيمةَ لها في ذلك، فهم قومٌ وثنيُّون يجب أن نُعاملهم على هذا الأساس، ونعرف ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- ونتعلمه.
وسوف نتكلم عن بقية الأسئلة -إن شاء الله تعالى- في لقاءٍ قادمٍ.
تكلمنا فيما مضى عن كلمة العبادة: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [النساء: 36]، والعبادة لها موضوعات كثيرةٌ جدًّا: المحبة والخوف والرجاء، وأشياء كثيرةٌ جدًّا، لكن نأخذ في اللقاء القادم -إن شاء الله- مختصرنا على الأساس كما في كتاب الإمام المجدد، ثم ننتقل إلى الجانب الآخر، وهو قضية: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾، فسنبدأ بكلمة الشرك -إن شاء الله- في المحاضرة القادمة، فنتكلم عن الشرك الأصغر والأكبر جميعًا، وما يُضاد التَّوحيد وما يُنافيه.
كل هذا -إن شاء الله- نبدأ به في المحاضرة القادمة.
وسنحاول أن نأتي ببعض الأشياء التي جاءت في أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- من الرقية، وسنقف على بعض الصور -إن شاء الله- إن تيسر ذلك بمشيئة الله -عز وجل.
لدينا تنبيهٌ:
سيكون لي معكم لقاءٌ بمشيئة الله -عز وجل- على الهواء مباشرة عبر الفصول الافتراضيَّة في موقع الجمعيَّة الإسلامية المفتوحة يوم الثلاثاء من الساعة الرابعة إلى الساعة الخامسة، سأجيب فيه عن جميع الأسئلة المطروحة، والاستفسارات التي قمتم بإرسالها بإذن الله -عز وجل- كل هذا سنستقبله، وجميع ما لديكم من أسئلة قديمة أو حديثة هي محفوظة لدينا، ولذلك سنحرص على استعراضها جميعًا بمشيئة الله -عز وجل- فحقٌّ لكلِّ سائلٍ أن نُجيب على سؤاله بمشيئة الله -عز وجل.
ونكتفي بهذا القدر، ونسأل الله -عز وجل- أن يُوفِّقنا لما يُحبُّ ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وشكر الله لكم متابعتكم، وشكر الله لكم حضوركم، وإلى لقاءٍ قادمٍ بإذن الله تعالى.
http://www.youtube.com/watch?v=zVf8HZxte1w
تفريغ المحاضرة
بسم الله الرحمن الرحيم،
والحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أفضل الرسل والنبيين، اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وأصحابه وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
اللهمَّ إنَّا نسألك العلمَ النافعَ والعملَ الصالحَ.
نرحب بكم جميعًا في هذا اللقاء المُتَجَدِّد في الأكاديميَّة الإسلاميَّة المفتوحة، ونرحب بالإخوة الحضور معنا، وهذا هو اللقاء السادس في مادة العقيدة.
توقفنا في المحاضرة الماضية في باب تفسير التَّوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله، هذه الكلمة العظيمة، فهنا قضيتان مترادفتان: التَّوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله، وهما شيءٌ واحدٌ، كما في حديث النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- الذي يكون معنا -إن شاء الله- في هذا اللقاء، وهو حديث معاذ: قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ». وفي روايةٍ أخرى: قال -صلى الله عليه وسلم: «فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيهِ: أَنْ يُوَحِّدُوا اللهَ». فمعناهما واحدٌ كما في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم.
وقبل أن نبدأ نُذَكِّر ببعض الأشياء: فهناك أسئلةٌ كثيرةٌ، وأنا حريصٌ جدًّا ألا يفوت شيءٌ من الأسئلة، وستكون الإجابةُ عن جميع الأسئلة -إن شاء الله- في لقاء يوم الثلاثاء القادم، وسنُنَبِّه على موعد محاضرة يوم الثلاثاء في نهاية هذا اللِّقاء بمشيئة الله -عز وجل.
ومعنا هنا بعض الأسئلة التي هي عبارة عن مراجعة لما مرَّ في اللقاء الماضي، من هذه الأسئلة:
ما الطريقة المُثلى لدعوة مَن يعتقدون في المقبورين؟
هذا هو درسنا اليوم بإذن الله -عز وجل- وقد بوَّب الإمامُ البخاريُّ لحديث معاذ السابق في كتاب التَّوحيد بـ"باب دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- أُمَّته"، وبوَّب الإمامُ المجدِّدُ شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب على نفس الحديث ونفس النص بـ"باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله"، فهذا موضوعنا -إن شاء الله- ونتكلم عليه بوضوح بمشيئة الله -عز وجل.
معنا بعض الأسئلة التي سألها بعضُ الإخوة، منها:
{يقول السائلُ: هل إذا طلبتُ الدُّعاءَ والشِّفاءَ من الغير أُعتبر من الذين يسترقون؟}.
مرَّ معنا في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر صفات السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بلا حسابٍ ولا عذابٍ، فما صفاتهم؟
{«لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيَّرون، وعلى ربهم يتوكَّلون»}.
«لا يسترقون» أي لا يطلبون الرُّقيةَ من أحدٍ، لكن يمكنهم أن يرقوا الناسَ وينفعوهم، لذلك فإن الرواية التي جاءت في مسلم بلفظ: «لا يرقون» شاذَّةٌ كما بيَّنها أهلُ العلم.
فلو جاء إليك أحدُ الناس وقد ابتلي ببلاءٍ فقال لك: أرجو أن تدعو لي. وطلب منك أن تدعو له، وهذا يحصل كثيرًا، فما حكم ذلك؟
الحديث الذي ورد أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه: «لا تَنْسَانَا يَا أَخِي مِنْ دُعَائِكَ» حديثٌ ضعيفٌ، وإن كان قد صحَّحه بعضُ أهل العلم، كما قال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- في شرح رياض الصالحين، حيث قال: هذا الحديث وإن صحَّحه المؤلفُ لكنَّه ضعيفٌ. لأنَّ بعضَ أهل العلم يتساهل في تصحيح الأحاديث في فضائل الأعمال، والإنسان ليس بحاجةٍ إلى الضَّعيف، لا في فضائل الأعمال، ولا في غيرها، فهذا الحديث غير صحيح.
وبالتالي فإنَّه لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحدٍ من كبار أصحابه كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم- أنَّهم طلبوا الدُّعاءَ من أحدٍ، ولقد بايع النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عددًا من أصحابه -رضي الله عنهم- على ألا يسألوا الناس شيئًا، حتى إنَّ بعضَ هؤلاء الصحابة الذين بايعهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يسقط سوطُه -أي عصاته- في يوم عرفة، فلا يسأل أحدًا أن يرفعها إليه، رغم أنَّ الناس كُثُر، وبإمكان أي واحدٍ من المسلمين أن يرفعها له، ومع ذلك ينزل ويأخذ عصاه ثم يركب بعيرَه مرَّةً أخرى، ولا يسأل الناسَ شيئًا.
وقد ورد أنَّ بعضَ الصَّحابة طلبوا من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يدعو لهم، كأمِّ أنسٍ خادم الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقد سألت النبيَّ أن يدعو لابنها أنس، فدعا له فاستجاب الله دعاءه.
وكذلك فعل أبو هريرة -رضي الله عنه- حيث طلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يدعو الله تعالى أن يُحَبِّبه وأُمَّه إلى الناس.
وغير هؤلاء من الصحابة الذين طلبوا من الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يدعو لهم، لكن لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه طلب من أحدٍ الدعاء له.
ولذلك فالأولى أن لا يفعل الإنسان هذا الأمر، وأن يدعو الله بنفسه، قال تعالى: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾ [النمل: 62]، فالذي يُجيب المضطرَ إذا دعاه هو الله -سبحانه وتعالى- فادعُ أنت لنفسك، فلن يكون أحد أحرص على نفسك منك، أو أرفق بنفسك منك، أو أحب إلى نفسك منك.
{يقول السائلُ: هل تدخل عمليات الليزر في طلب الدعاء وقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «لا يكتوون»؟}
عمليات الليزر -كما تعلمون- بها شيءٌ من الاكتواء، وفيها جانبٌ آخر غير الاكتواء، كالليزر للعين أو غيرها، ففيه جوانب أخرى، فالحكم في هذه القضية يعود إلى طبيعة عملية الليزر ما هي؟ فإذا كان فيها اكتواءٌ فتدخل في هذا الباب، وإذا لم يكن فيها اكتواءٌ من جانبٍ، وفيها اكتواءٌ من جانب آخر، فعلى الغالب فيها.
فبعض أهل العلم غلب أنَّه ليس فيها اكتواءٌ، وبعضهم قال: فيها ذلك. لكن أكثرهم على أنَّه ليس فيها كوي، والأمر يعود إلى ذلك.
وحكم الاكتواء -كما تعلمون- أنَّه ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعله، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كوى سعد بن معاذ -رضي الله عنه- لما أُصيب في غزوة الخندق، وأيضًا اكتوى عمران بن حصين كما في صحيح مسلمٍ، واكتوى غيرُهم من أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- ففعله جائزٌ، ونهي النبي -صلى الله عليه وسلم- للكراهة، وفي هذا الفضل العظيم لمَن لم يدخل في الاكتواء.
{يقول السائلُ: هل أخذ الدواء يدخل في باب الاكتواء والرُّقية؟}
لا، باب الرقية وباب الاكتواء هي ألا تسأل الناس شيئًا، ولذلك لما تكلم الشيخ محمد بن عثيمين عن الشخص الذي يكوي الناسَ في المستشفى هل يدخل في ذلك؟ فأوضح أن ذلك داخل في قضية اتخاذ الأسباب، وفيها عدم سؤال الناس شيئًا، وأن الإنسان يطرح كلَّ حاجته بالله رب العالمين، ولذلك فأخذ الدواء هو من باب اتخاذ الأسباب.
نُكمل درسنا اليوم، والذي سيتضمن إجابة سؤال الأخ الذي سأل عن دعوة الناس الذين يعتقدون في أصحاب القبور، وقد كنا نتكلم عن: باب تفسير التَّوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله، والمؤلف -كما مرَّ معنا في اللِّقاء الماضي- قد فسَّرها بما يُضادها، يعني بيَّن أنَّ الذي يقع فيه بعضُ الناس مُخالفٌ لهذه الشَّهادة التي يشهدها.
وشروط شهادة لا إله إلا الله -كما تعلمون- سبعة شروط، وقد ذكرها متسلسلةً الإمامُ مسلم في أول صحيحه، وذكر بعضها الإمامُ البخاري -رحمه الله- وهي:
العلمُ، واليقينُ، والقَبولُ
والانقيادُ، فَادْرِي ما أقولُ
والصِّدْقُ، والإخلاصُ، والمحبَّة
وَفَّقَك اللهُ لما أحبَّه
وثامنها الكفر بما يُعبد من دون الله. كما سيأتينا في هذا الباب.
إذن من الآيات التي مرَّت آية الإسراء، وهي قول الله -تبارك وتعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيخَافُونَ عَذَابَهُ﴾ [الإسراء: 57]، فهؤلاء جمعوا بين المحبة والخوف والرجاء، والتي هي أركان الإيمان الثلاثة.
أيضًا تعرضنا للآية الثانية والتي هي قول إبراهيم لأبيه وقومه: ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ [الزخرف: 26، 27] فإبراهيم تبرأ من ذلك.
نأخذ اليوم في هذا الباب آيةً أخرى وهي قول الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ﴾ [البقرة: 165]، هذه الآية من سورة البقرة: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ يتخذون أندادًا أي يتخذون شبيهًا ومثيلًا لله رب العالمين، في ماذا؟ في الخلق والرزق أم في العبادة؟
{اتَّخذوهم في العبادة}.
ما الدَّليل على أنَّهم لم يتَّخذوهم في الخلق والرزق؟
{إذا سُئِلُوا عن ذلك أجابوا بأنَّ الله هو الذي يرزقهم}.
كما في القرآن العظيم: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف: 87] فهم يُقِرُّون بأنَّ الله تعالى هو خالقهم ورازقهم، وإنَّما اتَّخذوهم أندادًا في العبادة، قالوا: ﴿لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3].
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ هل هؤلاء الذين اتَّخذوا الأصنامَ والمعبودات يُحبون الله أم لا يحبون الله؟
{يحبون الله}.
كان هؤلاء الذين يتَّخذون الأندادَ يُحبُّون الله، لكنهم كانوا يُحبُّون مع ذلك أصنامَهم ومعبوداتهم، فهم يحبون الله ويحبون معه غيرَه من الآلهة والمعبودات الأخرى.
قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ﴾ الذين آمنوا يُخلصون محبتهم لله رب العالمين، فلا يُحِبُّون إلا الله -سبحانه وتعالى- فمحبتهم خالصة لله، ولذلك فإن العبادة قائمةٌ على مسألة المحبَّة، فمَن عبد الله أحبَّ الله -سبحانه وتعالى- ولذلك يقولون: المحبة هي مُحَرِّكة القلب، ولابُدَّ من أركان العبادة الثلاثة: المحبَّة، والخوف، والرَّجاء، هذه ثلاث قضايا مهمة.
وكما تعلمون فإنَّ المحبَّةَ تنقسم إلى ثلاثة أقسام: محبة لله -عز وجل- ومحبة ما يُحب الله -سبحانه وتعالى- ومحبة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ومحبة دينه، ومحبة شرعه، ومحبة مسجده وبيته، ومحبة ما أمر الله تعالى به، ومحبة كل هذه القضايا، ومحبة المؤمنين.
لماذا نُحب المؤمنين؟
لأنَّهم عباد الله، ولذلك نُحب هؤلاء الإخوة الذين معنا يُتابعوننا في هذه الدروس؛ لأنَّهم عباد الله، يتعلمون دين الله، فنُحبُّهم لله -عز وجل- وهذه محبة نافعة، فهي محبَّةٌ تُقَرِّب إلى الله -سبحانه وتعالى.
أمَّا المحبَّة الطبيعيَّة الموجودة في الإنسان كحبه الطَّعام، والشَّراب، والنَّوم، والملابس، ومثل هذه الأشياء؛ فهذه محبَّةٌ طبيعيَّةٌ لا تضُرُّ، لكن إذا تعدَّت حدودَها فإنَّها لا تجوز وتَضُرُّ.
الثانية: محبَّةٌ مع الله: أن يُحبَّ اللهَ ويُحِبَّ الآلهةَ، فيُحِبُّ الله ويُحِبُّ المعبودات التي من دونه -سبحانه وتعالى- وهذا من الشِّرك -نعوذ بالله من الضلالة- الذي بيَّنه الله -عز وجل.
وسنأتي -إن شاء الله- ببعض التَّقارير عن بعض الذين يعبدون المقبورين والذين وقعوا في الشِّرك، حيث تجد الواحد منهم إذا حلف بالله لا يَفِي، وإذا حلف بالمقبور يلتزم بذلك، لماذا؟ لأنَّ المقبورَ عنده أعظم.
كان أحد عوام المسلمين إذا قام وإذا جلس ذكر رجلًا من الناس من المقبورين فيقول: يا فلان. فإذا جاء ذلك اليوم قال: يا الله. قلت: ما شاء الله، تذكر الله، يعني ما ذكرت غيره؟! قال: هذا فلان تركناه للأمور العظيمة، والله للأمور السهلة. نعوذ بالله من الخذلان، ولذلك فهم يُحبُّونهم أعظم من محبة الله -عز وجل.
الدليل الثاني: في صحيح الإمام مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: «مَن قَالَ لا إِلَهَ إلا الله» تكفي؟
{لا}.
أكمل.
{«وَكَفَرَ بما يُعْبَدُ مِنْ دُونِ الله»}.
إذن لم يكفي قول: «لا إله إلا الله»، وإنَّما قال: «وَكَفَرَ بما يُعْبَدُ مِن دُونِ الله؛ حَرُمَ مَالُه ودَمُهُ وحِسَابُه على الله -عز وجل»، المهم أنَّ يكفر بما يُعبد من دون الله -عز وجل- من المعبودات.
يقول بعضُ الناس: لا إله إلا الله، محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والذي يعبد غير الله -سبحانه وتعالى- يقول: أنا لا أقول أنَّهم كفار.
أين كتاب الله -سبحانه وتعالى؟! لابُدَّ أن يكفر بما يُعبد من دون الله -عز وجل- ولذلك مَن قال: لا إله إلا الله، ولم ير أنَّ هذه المعبودات باطلةٌ؛ فإنَّه لم يقل لا إله إلا الله، ولم يعرف معنى لا إله إلا الله.
وكما مرَّ معنا أنَّ من شروط لا إله إلا الله العلم بمعناها كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لا إِلَهَ إلا الله»، وقال تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [محمد: 19]، فلابد من العلم بمعناها، فلا يقول: لا إله إلا الله، ثم يأتي بما يُناقضها.
وهكذا نكون قد انتهينا من هذا الباب، الذي هو باب تفسير لا إله إلا الله، وفسَّرها المؤلفُ هنا بما يُضادها.
فنأخذ باب الدُّعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله:
فالدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المسائل العظيمة التي ينبغي على الإنسان أن يحرص عليها.
فالواجب عليك إذا كنت تعلم معنى لا إله إلا الله أن تدعو إلى هذه الكلمة دعوةً صادقةً واضحةً، فإخوانك المسلمين بأشدِّ الحاجة إلى الدَّعوة إلى هذه الكلمة، ولذلك قال المؤلف: (باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وقول الله تعالى).
وسنعرض لكم في نهاية الحلقة بعضَ الصور التي تُبَيِّن لكم أنَّ الإسلامَ في أقطار الأرض بحاجةٍ إلى الدَّعوة إلى هذه الكلمة وبيانها، فكثيرون لم يفهموا هذه الكلمة بوضوحها.
مَن يقرأ لنا الآية؟
{﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: 108]}.
فالمؤلف اكتفى بالجزء الأول من الآية ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي﴾.
يقول الله تعالى لنبيه: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي﴾ هذه طريقي التي أدعو إليها، هل في القرآن أدلةٌ أخرى دالة على وجوب عبادة لله -عز وجل؟
{قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [النساء: 36]}.
هذا أمرٌ بالعبادة وليس أمرًا بالدَّعوة، ونحن نريد أدلةً دالَّةً على الدَّعوة إلى الله.
{﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125]}.
أيضًا هناك أدلة أخرى.
{﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104]}.
ضمن الله -سبحانه وتعالى- لهم الفلاحَ والسَّلامَة والنَّجاة في ذلك.
إذن فالأدلة على وجوب الدَّعوة إلى دين الإسلام، والدَّعوة إلى توحيد الله وإخلاص العبودية لله -عز وجل- كثيرة، لكن المؤلف اكتفى بهذه الأدلة، ونحن نكتفي بهذا الدَّليل، وإنَّما نُبين لكم أنَّ الأدلةَ في كتاب الله وفي سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- كثيرة، لا نُطيلها عليكم، وذلك يكون أسهلَ على الإنسان.
﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي﴾ قل يا محمد: هذه سبيلي، سبيل النبي -صلى الله عليه وسلم- وطريقه هو الإسلام، ﴿أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ﴾ البصيرة بماذا تكون؟
{بالعلم والإخلاص}.
بالعلم والإخلاص، والعلم يتضمَّن العلمَ والإخلاصَ، ﴿عَلَى بَصِيرَةٍ﴾ فالذي يدعو وليس عنده علمٌ هل يدعو على بصيرة أم على غير بصيرةٍ؟
{على غير بصيرة}.
يدعو على غير بصيرة، فالذي يدعو إلى الله من غير علمٍ يدعو على غير بصيرةٍ، ولذلك قد يكون ضررُ بعضهم أكثرَ من نفعه، فيجب أن تكون الدَّعوة إلى الله على بصيرةٍ، وعلى علمٍ، والبصيرة تتضمَّن العلمَ، وتتضمَّن الإخلاص.
﴿أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ يعني أنا أدعو على بصيرةٍ، وكذلك مَن اتبعني يدعو على بصيرةٍ، لذلك فإنَّ أتباعَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- من زمن الرسول إلى هذا اليوم كلهم يدعوا إلى الله على بصيرةٍ، وعلى هُدًى، وعلى بَيِّنةٍ، وعلى معرفةٍ، فهم يدعون إلى الله على بصيرةٍ، ﴿أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ أمَّا الذي لم يُتابع الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- فهو يدعو على غير بصيرةٍ، ويكون ضررُه أكثرَ من نفعه.
﴿أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ براءة من المشركين، ولذلك فإنَّ مَن دعا إلى عبادة القبور، أو دعا إلى الشرك بالله -عز وجل- كالشرك الأصغر أو الأكبر أو غيره؛ فليس داعيًا إلى الله، وإنَّما هو داعٍ إلى الشَّيطان.
وكما تعلمون هناك مَن يدعو إلى الله، وهناك مَن يدعو إلى نفسه، أو لرئيسه، أو لبيئته، أو لمذهبه، أو لغير ذلك، وكل هذا لا يجوز، إنَّما تكون الدَّعوة إلى الله -سبحانه وتعالى.
ولذلك إذا دعوتَ إلى الله يجب عليك ألا تغضب إذا لم يُطع أمرُك، وإنَّما تغضب لأنَّه لم يُطع أمرُ الله -عز وجل.
قال الإمامُ الشَّافعيُّ -رحمه الله: "أتمنى أن يُنقل عني هذا العلم وليس لي فيه شيءٌ". يعني لا يُذكر اسمي مطلقًا، فأهم شيءٍ أن ينتشر هذا العلمُ.
ونشر العلم من الدَّعوة إلى الله -سبحانه وتعالى- والله -عز وجل- يسَّر لعباه اليوم الكثيرَ من وسائل العلم، فهذه الأكاديمية الإسلامية المفتوحة وسيلة عظمى من وسائل الدعوة إلى الله -عز وجل- يُتابعها عددٌ كبيرٌ جدًّا، ويسجل فيها أعدادٌ هائلةٌ من الطلاب، فهذه وسيلةٌ من وسائل تعليم المسلمين، ونشر العلم بين المسلمين، فهذه من أعظم النِّعم التي أنعم الله بها علينا.
فهذه القنوات وهذه الوسائل التي وُجدت كلها من أسباب الخير، ومن أسباب الهدى، ومن سبل الدعوة إلى الله وإلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- ولذلك جاء الأمرُ بقضية الدَّعوة.
وقضية الدَّعوة -كما تعلمون- فرضُ كفايةٍ، إذا قام بها البعضُ سقطت عن الباقين، أمَّا إذا لم يُوجد في مكانٍ أحدٌ يدعو إلى الله -عز وجل- سوى شخص واحد، أو كان هذا الشخص في مكانٍ فيه غيبة عن الحقِّ وجهل كثير بما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما في كثيرٍ من بلاد المسلمين؛ فإنَّه يتعيَّن على هذا الإنسانِ أن يقوم بالدَّعوة ويحرص عليها.
ولذلك جاء في الحديث عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لما بعث رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- مُعاذَ بنَ جبل إلى اليمن قال: «إِنَّكَ تَأتِي قَومًا أَهل كِتَابٍ فَلْيَكُنْ أوَّلَ ما تدعُوهُم إلَيهِ شَهَادَةُ أن لا إِلَهَ إلا اللهُ». فهذا أول ما يدعوهم إليه.
وفي روايةٍ: «أن يُوَحِّدُوا اللهَ، فإن هُم أَطَاعُوكَ لذلِكَ؛ فَأَعْلِمْهُم أنَّ الله افْتَرَضَ عَلَيهِم خَمْسَ صَلَواتٍ فِي كُلِّ يومٍ ولَيْلَةٍ، فَإِنْ هُم أَطَاعُوكَ لذَلِكَ؛ فَأَعْلِمْهُمْ أنَّ الله افْتَرَضَ عَلَيهِم صَدَقَةً تُؤخَذُ من أَغْنِيائِهِم وَتُرَدُّ إلى فُقَرَائِهم، فإِنْ هُم أَطَاعُوكَ لذَلِكَ؛ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهم، وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فإنَّه لَيسَ بَينَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ». أخرجاه في الصَّحيحين -البخاري ومسلم.
فهذا الحديث دَلَّ على قضايا مُهمة جدًّا، انظر بماذا ختمه الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- حيث أرسل معاذًا إلى قومٍ فيهم مشركين، فقد كان في اليمن في زمن البعثة أهلُ شركٍ، وفيها من اليهود، فأرسل إليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذًا وأمره بهذه الأوامر العظيمة، ثم ختمها بقوله: «وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فإنَّه لَيسَ بَينَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ» حتى ولو كان كافرًا، فلا يجوز أن يُظلم كافرٌ.
ولذلك فإنَّ ما نشهده اليوم من صيحات بأنَّ الإسلامَ قد يظلم غير المسلمين، أو أهل الكتاب؛ هو قولٌ باطلٌ، معاذ الله، فالإسلام دين رحمة وعدل، وما نشهده في بعض الأخبار هذه الأيام من بعض الجماعات التي تتسمَّى بالإسلام فتقتل وتفجر في كنائس النصارى وتقتلهم، نقول لهم: بأيِّ حقٍّ هذا؟ فهذا ليس من الدَّعوة إلى الله، بل هو من الباطل، بل هو من البعد عن دين الله، بل هو من الجهل بدين الله -عز وجل- وهؤلاء ضررهم أشد على الإسلام من غيرهم.
فلذلك جاءت الأحاديث الشديدة في مثل هذه الأعمال، فلا يجوز للمسلم أن يفعل مثل هذه الأمور بهؤلاء وإن كانوا كفَّارًا، وإن كانوا يعبدون غير الله -عز وجل- فإن الإسلام لم يأت بمثل هذه الأعمال المُحَرَّمة، أعاذنا الله وإياكم منها.
قال: «إنَّكَ تَأتِي قَومًا أَهْل كِتَابٍ»، انظر: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ﴾ أين العلم هنا؟
{«أنَّك تأتِي قَومًا أهل كتابٍ»}.
فالنبي –صلى الله عليه وسلم- علم بحال المدعوين، ثم أخبره بكيفية الدعوة، فيجب أن تعرف حال المدعوين الذين أمامك حتى تعرف الشُّبهات التي لديهم، وتعرف ما هي طبائعهم، وأعرافهم الاجتماعية، فكل ذلك عليك أن تعرفه حتى تكون على بيِّنةٍ، وتعرف أيضًا ما هي الأديان التي هم عليها.
قال: «إنَّك تَأتِي قَومًا أَهْل كتابٍ، فَلْيَكُنْ أوَّلَ ما تَدْعُوهُم إلَيهِ: تَوحِيدُ الله»، شهادة أن لا إله إلا الله، ويدخل فيها شهادة أن محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن توابعها إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، كل هذا داخل في هذه الشهادة.
وفي رواية: «أن يُوَحِّدُوا اللهَ»، والدليل أن هذه الشهادة هي التَّوحيد ما جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: «أن يُوَحِّدُوا اللهَ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ». ولذلك يجب أن يكون المسلمُ إذا دعا إلى الله على بيِّنةٍ من أمره.
ولذلك لما ذكر الشيخ محمد بن عثيمين مثل هذه القضية ذكر الأقوال، فمنهم مَن قال: لابُدَّ أن يُبين له الأمر كما جاء في هذا الحديث: «فَأَعْلِمْهُم»، وكما سيأتي في الحديث الثاني بإذن الله -عز وجل- أنَّه يُبين لهم الأمرَ حتى يكونوا على بيِّنةٍ من أمرهم في قضية الوضوح.
ثم قال: «فَأَعْلِمْهُم أنَّ الله كتبَ عَلَيهِم خَمْسَ صَلَواتٍ فِي كُلِّ يَومٍ وَلَيْلَةٍ» وهذا الركن الثاني من أركان الإسلام، فمن أركان الإسلام: الشهادتين، ثم الصلاة.
وهذه الصلاة صِلَةٌ بين العبد وربه، فلابد أن يحافظ الإنسان عليها، كما جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: «العَهْدُ الذِي بَينَنا وَبَينَهُم الصَّلاةُ، فمَن تَرَكَها فَقَد كَفَرَ».
«فَإِنْ هُم أَطَاعُوكَ لِذَلكَ فَأَعْلِمْهُم أنَّ الله افْتَرَضَ عَلَيهِم صَدَقَةً تُؤخَذُ مِن أَغْنِيائِهم وَتُرَدُّ إِلَى فُقَرائِهم» هؤلاء أحد الأصناف في ذلك.
ثم قال: «فإِيَّاك وَكَرَائِمَ أموالِهم» أي أنَّ الصدقةَ تُؤخذ من أوسط الأموال، ولا تُؤخذ من أفضلها، ولا من أردئها، وإنَّما تُؤخذ من أوسطها، فقال: «فإيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهم، وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُوم» وهذا من جمال هذا الدين، ومن جمال الدَّعوة إليه، ومن رحمة الله -عز وجل.
أيضًا الدليل الثاني في هذا الباب: حديث علي بن أبي طالبٍ -رضي الله عنه- فقد روى الإمام البخاري ومسلم -ولذلك قال المؤلف: (لهما)- عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال يوم خيبر -ويوم خيبر كان في السنة السابعة للهجرة: «لأُعْطِيَنَّ الرَّايةَ غَدًا»، الراية هي العلم المرفوع، قال: «لأُعْطِيَنَّ الرَّايةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ ورسُولَه، ويُحِبُّه اللهُ ورسُولُه، يفتحُ اللهُ عَلَى يَدَيهِ».
هذه فيها بُشرى من الرسول -صلى الله عليه وسلم- لهذا الرجل بهذه المنزلة العظيمة، وهي أنَّه يُحِبُّ الله ورسولَه، ويُحبُّه اللهُ ورسولُه، فالمحبَّة من صفات الله -عز وجل- الفعليَّة.
فالله -عز وجل- أخبر الرسولَ أنَّه يُحبُّ هذا الرجلَ، «يُحبُّه اللهُ ورسُولُه، ويُحِبُّ اللهَ ورسُولَه، يفتَحُ اللهُ على يَدَيهِ» يعني أنَّ الفتح سيكون على يديه.
والآن خيبر مُحَصَّنة أشدَّ التَّحصين، وفيها الجنود، ومع ذلك بَشَّرَ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- بهذه البشرى وهي أنَّ الله سيفتح على يدي هذا الرجل غدًا.
«لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ» الكلام هنا مُؤَكَّدٌ باللام والقسم المُقَدَّر، والنون المُؤَكِّدة، يعني لأعطين مؤكدة للقضية وأن رجلًا يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه، فهذه منزلة عظيمة.
فيا ترى مَن الذي يشهد له الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن الله يحبه؟ يا لها من منزلةٍ عظيمةٍ أن يُحِبَّ العبدُ اللهَ ورسُولَه لهذه الآيات العظيمة والدلائل التي قامت في قلبه، ونِعم الله المتوالية عليه، لكن الشأنَ أن الله يُحبُّه، فهذه القضية العُظمى، نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا وإيَّاكم من المُتحَابِّين في الله، ويجعلنا ممن يحبهم -سبحانه وتعالى.
(فبات الناس) نام الناس تلك الليلة، (يَدُوكُونَ) يخوضون، أي بات الناس يتكلمون ويقولون: مَن يكون هذا الرجل؟ مَن هذا الرجل السعيد الذي شهد له الرسولُ -صلى الله عليه وسلم؟ (فلمَّا أصبحوا غدوا إلى الرسول) بَكَّروا كلُّهم إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فماذا كانوا يريدون من هذا التبكير؟ هل يريدون الإمارة؟
{بَكَّروا يُريدون معرفة مَن هو هذا المُبَشَّر}.
كلٌّ يتمنَّى أن يكون هو هذا الرجل، فبَكَّروا إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- كلٌّ يرجو أن يُعطى هذه المنزلة العظيمة.
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «أَينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالبٍ؟» قالوا: (علي يشتكي عينيه) مصاب بالرَّمد، فكيف أتى من المدينة إلى خيبر؟ فهذه مسافةٌ طويلةٌ على رجلٍ مُصابٍ في عينيه!
انظروا إلى أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- ماذا قدَّموا لهذا الدِّين؟ فهذه المسافة الطويلة قطعها عليٌّ وهو مُصابٌ في عينيه، ومع ذلك أُتِيَ به يُقاد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فَبَصَقَ النبي -صلى الله عليه وسلم- في عينه، ودعا له؛ فبرأ في حينه مباشرةً، كأن لم يكن به أثرٌ، وهذه من معجزات الرسول -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، (كأن لم يكن به وجعٌ)، فأعطاه النبي -صلى الله عليه وسلم-الراية.
إذن الرجل الذي يُحبُّه اللهُ ورسُولُه، ويُحبُّ اللهَ ورسُولَه، هو علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وهذه منزلةٌ عظيمةٌ.
والله بشَّر أصحابَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- جميعًا بالبشائر العظيمة، فبشَّر أهلَ بدرٍ، وأهل بيعة الرضوان كلهم فقال: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ [التوبة: 100]، فرضي الله عن هؤلاء جميعًا، لكن جاء هذا الفضل لعليٍّ -رضي الله عنه- في هذه المنزلة العظيمة.
وفضائل عليٍّ -رضي الله عنه- كثيرةٌ، والمكذوب في فضائله كثيرٌ أيضًا، ولذلك فأهل السنة يَرْوُنَ عن علي بن أبي طالبٍ أكثرَ مما رووا عن بقيَّة الخلفاء الرَّاشدين.
فمثلًا: كم عدد أحاديث مسند علي بن أبي طالب في مسند الإمام أحمد؟ أكثر من ثمانمئة حديثٍ، فأحاديث عليٍّ -رضي الله عنه- بالمكرر في مسند الإمام أحمد ثمانمئة، ومسند الخلفاء الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان خمسمئة وستين في مسند الإمام أحمد، لماذا؟ لأنَّ عليًّا -رضي الله عنه- تأخَّر واحتاج الناسُ لما عنده من العلم، ولذلك روى أهل السنة عن عليٍّ -رضي الله عنه- الكثيرَ، وفضائله ثابتةٌ في كتبهم ومَسَانِيدهم، والمكذوب في حقه كثيرٌ -للأسف الشديد- وليس به حاجةٌ إلى مثل هذا الكذب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
فأعطاه الراية، فقال: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ»، ما معنى (رسلك)؟
{دون عجلٍ، على مهلك}.
يعني لا تُسرع؛ لأنَّ الحروبَ لا تحتاج إلى عجلةٍ، ولذلك يُنهى الإنسانُ دائمًا عن العجلة، قال: على مهلك لماذا؟ لأنَّها حربٌ، وقد تكون هناك كمائن ونحوها، «انْفُذْ على رِسْلِكَ» يعني سِرْ على رسلك.
«حتَّى تَنْزِلَ بسَاحَتِهم» يعني في المكان المُحيط بهم، فانزل به هناك، فإذا نزلت بساحتهم فماذا يكون؟ هنا الشاهد من الحديث: «ادْعُهُم إلى الإِسْلامِ»، وهذا هو الشاهد من الحديث، أنَّك تدعوهم إلى الإسلام، فهذه هي القضية الأولى، والقضية الكبرى أن لا تبدأ بقتالهم، بل تبدأ بدعوتهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقِّ الله تعالى.
فالإسلام ما جاء للقتال، ولا لسفك الدِّماء، ولذلك نجد أن الإسلامَ انتشر في الكثير من الأقطار الإسلاميَّة اليوم دون أن يذهب إليها جيشٌ، وإنَّما هذا الدين العظيم مُوافِقٌ للفطرة، مُوافِقٌ للنفس.
«ثم ادْعُهُم إلى الإِسْلامِ، وأَخْبِرهُم بما يَجِبُ عَلَيهِم مِن حَقِّ الله تعالى» إذن قضيتك ليست أن تُقاتلهم مباشرةً، بل تدعوهم إلى الإسلام، وتخبرهم بما يجب عليهم حتى يكونوا على بيِّنةٍ من أمرهم، وتوضِّح لهم الأمرَ.
ويُقسم النبي -صلى الله عليه وسلم- فيقول: «لَئِنْ يَهْدِي اللهُ بكَ رَجلًا واحدًا خَيرٌ لك مِن حُمْرِ النَّعَمِ»، ما هي حُمْرُ النَّعَم؟
{الإبل}.
فحُمْر النَّعَم هي الإبل الحُمْر، وقد كان العربُ يُحبُّونها في جاهليتهم، فكانت عندهم هي أفضل الأموال التي يتملَّكونها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: لئن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من هذه الأموال، وخيرٌ لك من أفضل ما يملكون. فهذا أفضل شيء لك أن الله يهدي بك رجلًا واحدًا.
ولذلك فلابد أن يحرص الإنسانُ على أن يهدي الله به إخوانه المسلمين، وأن يُبين لهم الحقَّ، سواءً كان الجاهل من المسلمين يعلمه أو لا، وأيضًا البشرية بحاجةٍ إلى هذا الدين العظيم، وهذه الرسالة العظيمة.
وقد جاء في بعض الإحصائيَّات أن عدد الذين يحاولون الانتحار في كلِّ عامٍ يبلغ عشرة ملايين شخص، فهم يحاولون الانتحار لأنَّهم لا يجدون لهذه الحياة قيمة، ولا رسالة، ولا يعرفون لماذا وُجِدُوا، ولماذا يموتون، وأين يذهبون، لا يعلمون شيئًا من ذلك، فعشرة ملايين شخص يدخلون هذا الامتحان وهو الانتحار، فيحاولون الانتحار، والذي ينجح في هذا الانتحار مليون شخص هم الذين يموتون والبقية يُكَرِّرون المحاولة مرَّةً أخرى.
فالبشرية إذن بحاجةٍ إلى هذا الدين، وهذه الرسالة، والحمد لله الإسلام أكثر الأديان انتشارًا، لكن المسلمين اليوم بحاجةٍ إلى معرفة هذا الدين العظيم الذي جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم.
أذكر لكم بعضَ الأشياء وبعضَ الصور التي فيها بيانٌ ذلك، خذوا بعض الأمثلة:
هذه صورة قبر ابن العربي، صاحب كتاب "الخصوص"، وهو غير أبو بكر ابن العربي المالكي، فهذا إمامٌ من أئمة المسلمين، وعالمٌ من علماء المالكية -رحمه الله- وله مواقف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن الذي نتكلم عنه هو شيخ من فلاسفة الصوفية، فقد أظهر الفلسفة والتَّصوُّفَ.
وقد حكم عليه كثيرٌ من علماء الأمة بأنَّه كافرٌ، لماذا؟ لأنَّه في كتابه "فصوص الحكم" سبَّ جميعَ الأنبياء، فيقول مثلًا: نوح هو الذي أخطأ، لماذا؟ قال: لأنَّه دعا قومَه إلى عبادة الله وحده، والله موجودٌ في كلِّ شيءٍ في ذلك. فهو يرى أنَّ الله في كلِّ شيءٍ، حتى إنَّ أحد أتباعه وهو التِّلْمِسَاني سألوه عن ماذا؟
{وما الكلب والخنزير إلا إلهنا}.
هذا التِّلمسانيُّ كان يُقرر أنَّ الله في كلِّ شيءٍ، فلما قيل له: الله في هذا الكلب الميت؟ قال: نعم، الله في هذا الكلب الميت.
والعجيب يا إخواني أن قبر ابن العربي هذا يُعبد من دون الله، وتُبذل فيه أموال المسلمين ونفقاتهم حتى يُعبد من دون الله -عز وجل- فهل تجوز عبادته أصلًا هذا أو غيره؟ لا تجوز، ولا يجوز أن يُبنى فيه قبرٌ؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ والنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهم وصَالِحِيهِم مَسَاجِد»، وللأسف الشديد القبور في كثيرٍ من بلاد المسلمين كثيرةٌ، ومنها القبور الوهمية، ومنها القبور الغير معروفة.
قلنا أن أكثر علماء المسلمين على تكفيره.
{أين يقع هذا القبر؟}.
في شمال سوريا، وبجواره أماكن يتبرَّعون بها للطَّعام للفقراء، ويعملون أشياء كثيرةً جدًّا، وأوقاف تُجرى عليها، وهي من أموال المسلمين، فهذا من القبور التي تُعبد من دون الله، فهذا الذي حدث لما جهل المسلمون بهذا الحال!
انظروا لذلك: هذه صورة أخرى لقبر أبي حنيفة -رحمه الله- إمام الحنفية، وهو بريء من ذلك، وهذه القُبَّةُ لم تُبْنَ في قبره على زمنه، ولا بعد زمنه بقرونٍ، إنَّما بُنيت بعد ذلك بأزمنةٍ مُتطاولةٍ، وهذا القبر موجود في بغداد.
وهو -رحمه الله تعالى- رفض أن يتولَّى القضاءَ للولاة، فكيف يُبنى على قبره؟ وكيف يدخل في هذه القضايا كلها وهو ممن ذكر توحيدَ الرُّبوبيَّة وتوحيد الأُلُوهيَّة؟!
هذا القبر -للأسف الشديد- يزوروه بعض المسلمين القادمين من أواسط آسيا للحج، حيث يمرون على بغداد ويقفون عند هذا القبر.
فهل أبو حنيفة رضي بهذا؟ لا، نبرأ إلى الله أن يكون رضي عن ذلك.
بل إن الإمام الشافعي -رحمه الله- يقول: "أدركتُ الأمراءَ يهدمون القِبَابَ على القبور" يعني يُسَوُّون القبورَ كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عليًّا -رضي الله عنه- «ألا تَدَعَ قَبرًا مُشْرِفًا إلا سَوَّيتَهُ»، والقبر المُشرف هو المرتفع فيُسَوَّى بالأرض.
هذه وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- لعليٍّ -رضي الله عنه- حيث أمره بألا يترك قبرًا مرتفعًا، وهي وصية لعلي وللأمة من بعده.
وقد انتشرت هذه القبور انتشارًا كبيرًا، فالناس بحاجةٍ إلى الدَّعوة إلى التَّوحيد.
هل الخضر موجود؟ هل رآه أحد؟
{لا، كان قبل الرسول -صلى الله عليه وسلم}.
نجد بعض الناس يقول: أنا قابلت الخضر، وجدت الخضر، وقال لي الخضر. وكل هذه الروايات ليس لها أسانيدُ، فليست صحيحةً، لكن نجد أنَّ قبر الخضر موجود في أكثر من قطر من أقطار المسلمين، والرجل غير موجود أصلًا، ومع ذلك هناك أشخاصٌ آخرون يقولون أن الخضر حيٌّ إلى الآن، فالأمر فيه عجب، وهو غير موجود، ومع ذلك تلقى الناس هذا القول، ثم قالوا أنَّه مات في أكثر من مكانٍ فبنوا عدة قبور.
وهناك قبور أخرى بها أعجب من ذلك، تجد في هذه القبور شيئًا يُسمونه الروضةَ الشَّريفةَ، بمثل الروضة في المسجد النبوي، معاذ الله، فقبر النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجرته -عليه الصلاة والسلام- وإنَّما مسجد الرسول فيه الروضة.
فالمقصود أن المسلمين ابتلوا بهذا البلاء العظيم، فهم بحاجةٍ إلى الدَّعوة إلى الله -سبحانه وتعالى.
نأخذ بعض الأسئلة:
{يقول السائلُ: كيف تفهم قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يَكْتَوُونَ» واليوم هناك جراحات وغيرها من أنواع العلاج يستخدمون فيها الكي في كثير من الحالات الجراحية؟ وهل هناك استثناءات؟}.
أخذ العلاج هو من الأسباب، لكن الإنسان لا يعتمد على العلاج، فالعلاج يأخذه فلان ويشفيه الله ويعافيه الله، وفلان يأخذ العلاج لكنه لا ينفعه، فالعلاج سبب من الأسباب، وأمَّا الكي فقد ورد في هذا الأمر جوازه، وورد فيه نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك.
{يقول السائل: هل المشركون الذين يصلون صلاة الجماعة لا يزالون مسلمين؟}.
يجب على الإنسان ألا يتعجل في مسألة التَّكفير، وعليه أن يبين وينصح إخوانه المسلمين، أمَّا قضية الكفر وغيره فهذا يُرجع فيه إلى علماء المسلمين، وأيضًا أهل السنة إذا أطلقوا وقالوا: إنَّ هذا الحكم كفرٌ. لا يقصدون أنَّ هذا الشخصَ بعينه قد كفر، فتكفير المُعَيَّن لابُدَّ له من تحقق الشُّروط وانتفاء المَوَانع.
{يقول السائلُ: مَن طلب الرقيةَ أو اكتوى قبل أن يعلم بهذا الحديث، هل يكون قد خرج من السَّبعين ألفًا؟}.
أمره إلى الله -سبحانه وتعالى- لكن هذا الذي ورد عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- وربُّك الذي تدعوه صفته لما تقوم بين يديه تقول: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: 2، 3].
{يقول السائلُ: هل كلمة "لا إله إلا الله" كافية وحدها لأن يدخل الإنسان الجنة بدون عقاب؟}.
كلمة "لا إله إلا الله" وردت فيها الأحاديث الصَّحيحة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بشروطها التي جمعها العلماء، وهي في صحيح مسلم، وقد ذكرتها لكم في الدرس، فلابُدَّ من علمٍ بهذه الكلمة، ولابُدَّ من العلم بمعناها، واليقين، والقبول، فيقبل جميعَ ما دلَّت عليه، فبعض الناس الآن يستحيل أن يترك عبادة هذه القبور من دون الله -عز وجل.
{يقول السائلُ: اتِّخاذ أنداد لله -عز وجل- هي شركٌ بالله، لكن غالب كتب الفلسفة تعتمد على ذلك، فكيف يمكن مواجهة مَن يسيرون على تلك المذاهب التي تؤدِّي إلى الإلحاد؟ ومثال عليها الفلسفة اليونانية والهندية؟}.
نحن قومٌ أنعم الله علينا بهذا الإسلام، وبهذه الرسالة العظيمة، وهذه المنة العظيمة، واليونان هم قوم وثنيُّون، بُعِثَ فيهم رسول ﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ [فاطر: 24] لكنَّهم ضيَّعوا ما جاء به رسولُهم، وأضاعوا دينَه، ولذلك هم يعبدون الكواكبَ، ويتقرَّبون إليها، ولذلك تجدون بعضَ الأفكار التي وجدت في الفلسفة التي تُسَمَّى بالفلسفة الإسلامية مثل العقول العشرة، هي أصلها الكواكب العشرة التي يعبدها فلاسفة اليونان وغيرهم.
فهؤلاء قومٌ الأصل فيهم أنَّهم وثنيُّون، ونحن قومٌ أنعم الله -عز وجل- علينا بالإسلام، فيجب علينا أن نبين هذا الأمر.
وللأسف الشديد من المسلمين اليوم من هو مُغْتَرٌّ بالثقافة الغربية، ومُعجبٌ بها غاية الإعجاب، ويرى أنَّها من الأشياء العظيمة التي فيها نفعٌ، وهذا غيرُ صحيحٍ، بل يجب علينا أن نعرف ما جاء به الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- ونعتزُّ به، ونعرف فضل الله -عز وجل- ونعمته علينا، وهذه أممٌ قد ضلت في ذلك، فنحذر من ذلك.
ومن آرائهم أيضًا قولهم: إن الكون يتكوَّن من أربعة عناصر: الماء، والهواء، والتُّراب، والنار. هذه نظريات قديمة لا قيمةَ لها في ذلك، فهم قومٌ وثنيُّون يجب أن نُعاملهم على هذا الأساس، ونعرف ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- ونتعلمه.
وسوف نتكلم عن بقية الأسئلة -إن شاء الله تعالى- في لقاءٍ قادمٍ.
تكلمنا فيما مضى عن كلمة العبادة: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [النساء: 36]، والعبادة لها موضوعات كثيرةٌ جدًّا: المحبة والخوف والرجاء، وأشياء كثيرةٌ جدًّا، لكن نأخذ في اللقاء القادم -إن شاء الله- مختصرنا على الأساس كما في كتاب الإمام المجدد، ثم ننتقل إلى الجانب الآخر، وهو قضية: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾، فسنبدأ بكلمة الشرك -إن شاء الله- في المحاضرة القادمة، فنتكلم عن الشرك الأصغر والأكبر جميعًا، وما يُضاد التَّوحيد وما يُنافيه.
كل هذا -إن شاء الله- نبدأ به في المحاضرة القادمة.
وسنحاول أن نأتي ببعض الأشياء التي جاءت في أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- من الرقية، وسنقف على بعض الصور -إن شاء الله- إن تيسر ذلك بمشيئة الله -عز وجل.
لدينا تنبيهٌ:
سيكون لي معكم لقاءٌ بمشيئة الله -عز وجل- على الهواء مباشرة عبر الفصول الافتراضيَّة في موقع الجمعيَّة الإسلامية المفتوحة يوم الثلاثاء من الساعة الرابعة إلى الساعة الخامسة، سأجيب فيه عن جميع الأسئلة المطروحة، والاستفسارات التي قمتم بإرسالها بإذن الله -عز وجل- كل هذا سنستقبله، وجميع ما لديكم من أسئلة قديمة أو حديثة هي محفوظة لدينا، ولذلك سنحرص على استعراضها جميعًا بمشيئة الله -عز وجل- فحقٌّ لكلِّ سائلٍ أن نُجيب على سؤاله بمشيئة الله -عز وجل.
ونكتفي بهذا القدر، ونسأل الله -عز وجل- أن يُوفِّقنا لما يُحبُّ ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وشكر الله لكم متابعتكم، وشكر الله لكم حضوركم، وإلى لقاءٍ قادمٍ بإذن الله تعالى.
تعليق