بسم الله الرحمن الرحيم
يجب على المسلم أن يثبت لله الصفات التي وصف بها نفسه عزوجل في كتابه، أو وصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الصحيحة يؤمن المسلم بها لفظاً ومعنى بلا تأويل، ولا تشبيه ولا تمثيل، ولا تعطيل ولا تكييف، كما قال تعالى ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:11). فالتمثيل: هو اعتقاد مماثلة أي شيء من صفات الله تعالى لصفات المخلوقات. وأما التكييف: فهو اعتقاد أن صفات الله تعالى على كيفية أي شيء مما يتخيله الإنسان أو تدركه العقول أو تحده، وليس المقصود نفي وجود كيفية لصفات الله، وإنما المقصود نفي علم الخلق بهذه الكيفية كما بين ذلك الإمام مالك رحمه الله وغيره من السلف عندما سُئلوا عن قوله تعالى( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)(طـه:5)، فقالوا: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وكذلك قال ربيعة شيخ مالك قبله: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، ومن الله البيان، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا الإيمان. وأما معنى تنزيهاً: ففي اللغة يقال: نزه نفسه عن القبيح تنزيهاً أي: نحَّاها، و المقصود الشرعي: نفي كل ما لا يليق بالله سبحانه كتنزيهه عن الصاحبة والولد والسِّـنة والنوم وما شابه ذلك. وأما التعطيل: فهو نفي صفات الله تعالى أو أسمائه وإنكار قيام صفات الله تعالى به، ومن أعظمه جحود الرب تعالى، بأن ينكر وجوده. وأما التأويل: فهو لفظ يستعمل في ثلاثة معانٍ: الأول: التأويل بمعنى التفسير، وهذا هو الغالب على اصطلاح المفسرين للقرآن. والثاني: التأويل هو الحقيقة التي يؤول إليها الكلام كما قال تعالى( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقّ ) (الأعراف:53) ، أي هل ينظرون إلا وقوع ما أخبر به، كما قال تعالى عن يوسف عليه السلام حين تحققت رؤياه) هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ) (يوسف:100). والمعنى الثالث: فهو صرف اللفظ عن الاحتمال الظاهرالراجح إلى الاحتمال الخفي المرجوح لدليل يقترن به. فإن صرف إلى الاحتمال المرجوح بغير دليل فهو التحريف والمذموم. فإن المسلم يتعين عليه تصديق الله فيما أخبر به عن نفسه، وإيمانه بما سمى به ووصف به نفسه من الأسماء والصفات، فالله أعلم منا بنفسه وهو أصدق فيما يصف نفسه به، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بالله وهو الصادق المصدوق، فقد قال الله تعالى ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا )(النساء:87)، وقال الله تعالى في وصف حال نبيه صلى الله عليه وسلم( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى )(النجم:3-4).
فالسلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن سار على طريقتهم يعلمون معاني النصوص ويؤمنون بها في حال دل عليها ظاهر النص، ويفوضون علم الكيفية بذات الله تعالى وكيفية صفاته سبحانه إلى الله عزوجل. قال الإمام مالك: الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب. فلم يؤثر عن المفسرين من الصحب والتابعين صرف ألفاظ الوحي عن حقيقتها إلى مجازها إلا بدليل يفيد ذلك، فالأصل في كلام العرب حمل اللفظ على حقيقته، وعدم صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه إلى لفظ مرجوح إلا بدليل وقرينة تدل على المراد، فالأصل إذاً هو عدم التأويل مطلقاً إلا إذا ثبت دليل يرجح المعنى المرجوح على الظاهر، فما أوهم حدوثاً أو نقصاً في ألفاظ الوحي بيَّن الشارع المراد منه ولم يترك لبسا يضطرنا لتأويل وتحريف معاني الكلم، ومن ذلك ما ثبت في الحديث القدسي في صحيح مسلم: (إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا بن آدم مرضت فلم تعدني، وقوله: يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني.) فقد وضح الله المعنى المراد فيه بقوله: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده، وقال في الإطعام: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه. ومثل ما قيل في هذا يقال في آية: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) (الحديد: 11) فالمراد المطلوب من العباد هو إنفاقهم فيما يرضي الله من إطعام المحتاجين وإعانة الغزاة وما أشبه ذلك، ولا يفهم منه أن الله محتاج للقرض من الناس.
فالإيمان بما ثبت عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم واجب شرعي، وقول المحدثين فيه أولى من قول العقلانيين، لأن المحدثين أدرى بنصوص الوحي ممن حكموا عقولهم في الوحي المنزل من عند الله زعما منهم أنهم ينزهون الله عن الشبه بالمخلوق، فأنكر بعضهم الأسماء والصفات كما عمل الجهمية، وأنكر بعضهم الصفات كما عمل المعتزلة، وأوَّل بعضهم بعض الصفات كما عمل بعض الأشاعرة. أما كون ما أخبرنا الله به عن نفسه مجهولاً لنا من جهة الكيفية فهو ثابت بدلالة السمع أي الدليل الأثري وبدلالة العقل أي الدليل النظري. فأما الدليل الأثري السمعي: فكما في قوله تعالى ( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) (طه:110) وقوله تعالى( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأعراف:180). وقوله تعالى ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:11). وقوله تعالى ( فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(النحل:74) فإن نفي الإحاطة علماً شامل للإحاطة بذاته وصفاته، فلا يعلم حقيقة ذاته وكنهها إلا هو سبحانه وتعالى، وكذلك صفاته. وأما الدليل النظري العقلي: فلأن الشيء لا تدرك كيفيته إلا بمشاهدته، أو بمشاهدة نظيره المساوي له، أو الخبر الصادق عنه، وكل هذه الطرق لا يمكن وجودها في التعرف على كيفية ذات الله تعالى وصفاته، فبالتالي تكون كيفية ذات الله وصفاته مجهولة لنا. مما يعني أنه يجب الوقوف في القول في أسماء الله وصفاته على ما جاء به السمع. وأيضاً فإن أي كيفية يقدرها الإنسان لذات الله تعالى وصفاته في ذهنه، أو ينطق بها بلسانه فالله أعظم وأجل من ذلك، وإن أي كيفية يقدرها في ذهنه، أو ينطق بها بلسانه فسيكون كاذباً فيها؛ لأنه ليس له دليل عليها.
والقول الفصل المطرد السالم من التناقض ما كان عليه سلف الأمة وأئمتها من إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه من الأسماء والصفات، إثباتاً بلا تمثيل، لقوله تعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) ( الشورى: 11)، وتنزيهاً بلا تعطيل، لقوله تعالى (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا) (الإسراء:43 )، وقوله تعالى (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الحشر:23 )، وإجراء النصوص على ظاهرها على الوجه اللائق بالله عز وجل، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل. ويتبين هذا بأصلين:أحدهما: أن يقال لمن يثبت بعض الصفات دون بعض: القول في بعض الصفات كالقول في بعض. أي أن من أثبت شيئاً مما أثبته الله لنفسه من الصفات ألزم بإثبات الباقي، ومن نفى شيئاً منه ألزم بنفي ما أثبته وإلا كان متناقضاً. الأصل الثاني: أن يقال لمن يقر بذات الله تعالى ويمثل في صفاته أو ينفيها:القول في الصفات كالقول في الذات. يعني أن من أثبت لله تعالى ذاتاً لا تماثل ذوات المخلوقين لزمه أن يثبت له صفات لا تماثل صفات المخلوقين، لأن القول في الصفات كالقول في الذات، وهذا الأصل يخاطب به أهل التمثيل، وأهل التعطيل من المعتزلة ونحوهم. فيقال لأهل التمثيل: ألستم لا تمثلون ذات الله بذوات المخلوقين؟! فلماذا تمثلون صفاته بصفات خلقه؟ أليس الكلام في الصفات فرعاً عن الكلام في الذات؟! ويقال لأهل التعطيل من المعتزلة ونحوهم: ألستم تقولون بوجود ذات لا تشبه الذوات؟ فكذلك قولوا بصفات لا تشبه الصفات!!.
وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن نصوص الصفات تجرى على ظاهرها اللائق بالله عز وجل من غير تحريف، وأن ظاهرها لا يقتضي تمثيل الخالق بالمخلوق، فاتفقوا على أن لله تعالى حياة، لقوله تعالى( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) (الفرقان: 58)، وعلماً، لقوله تعالى ( وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة: 29)، وقدرة، لقوله تعالى (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (المائدة: 120)، وسمعاً وبصراً، لقوله تعالى (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى: 11)، وحقيقة وأنه مستوٍ على عرشه حقيقة، لقوله تعالى (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طه: 5)، وأنه يحب، لقوله تعالى (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) (المائدة: 54)، ويرضى، لقوله تعالى (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه) (المائدة: 119)، ويكره، لقوله تعالى (وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ) (التوبة: 46) ويغضب حقيقة، لقوله تعالى (وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ) (النساء: 93)، وأن له وجهاً ويدين حقيقة، لقوله تعالى( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ) (الرحمن: 27) وقوله تعالى ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان) (المائدة: 64). فأجروا هذه النصوص وغيرها من نصوص الصفات على ظاهرها وقالوا: إنه مراد على الوجه اللائق بالله تعالى فلا تحريف ولا تمثيل.
وأما القول بأن صفة اليدين في قوله تعالى( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاء)(المائدة: 64) يستلزم إثبات جارحة. فنقول فيه: إن ثبوت اليدين الحقيقيتين لله عز وجل لا يستلزم معنى فاسداً، فإن لله تعالى يدين حقيقيتين تليقان بجلاله وعظمته، وبهما يأخذ ويقبض، ولا تماثلان أيدي المخلوقين، وهذا من كماله وكمال صفاته، قال الله تعالى( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) (الزمر: 67) وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل). فأي معنى فاسد يلزم من ظاهر النص حتى يقال إنه غير مراد؟! والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المراجع:
1) موقع إسلام ويب الإلكتروني (www.islamweb.net/mainpage/index.php ).
فالسلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن سار على طريقتهم يعلمون معاني النصوص ويؤمنون بها في حال دل عليها ظاهر النص، ويفوضون علم الكيفية بذات الله تعالى وكيفية صفاته سبحانه إلى الله عزوجل. قال الإمام مالك: الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب. فلم يؤثر عن المفسرين من الصحب والتابعين صرف ألفاظ الوحي عن حقيقتها إلى مجازها إلا بدليل يفيد ذلك، فالأصل في كلام العرب حمل اللفظ على حقيقته، وعدم صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه إلى لفظ مرجوح إلا بدليل وقرينة تدل على المراد، فالأصل إذاً هو عدم التأويل مطلقاً إلا إذا ثبت دليل يرجح المعنى المرجوح على الظاهر، فما أوهم حدوثاً أو نقصاً في ألفاظ الوحي بيَّن الشارع المراد منه ولم يترك لبسا يضطرنا لتأويل وتحريف معاني الكلم، ومن ذلك ما ثبت في الحديث القدسي في صحيح مسلم: (إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا بن آدم مرضت فلم تعدني، وقوله: يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني.) فقد وضح الله المعنى المراد فيه بقوله: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده، وقال في الإطعام: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه. ومثل ما قيل في هذا يقال في آية: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) (الحديد: 11) فالمراد المطلوب من العباد هو إنفاقهم فيما يرضي الله من إطعام المحتاجين وإعانة الغزاة وما أشبه ذلك، ولا يفهم منه أن الله محتاج للقرض من الناس.
فالإيمان بما ثبت عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم واجب شرعي، وقول المحدثين فيه أولى من قول العقلانيين، لأن المحدثين أدرى بنصوص الوحي ممن حكموا عقولهم في الوحي المنزل من عند الله زعما منهم أنهم ينزهون الله عن الشبه بالمخلوق، فأنكر بعضهم الأسماء والصفات كما عمل الجهمية، وأنكر بعضهم الصفات كما عمل المعتزلة، وأوَّل بعضهم بعض الصفات كما عمل بعض الأشاعرة. أما كون ما أخبرنا الله به عن نفسه مجهولاً لنا من جهة الكيفية فهو ثابت بدلالة السمع أي الدليل الأثري وبدلالة العقل أي الدليل النظري. فأما الدليل الأثري السمعي: فكما في قوله تعالى ( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) (طه:110) وقوله تعالى( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأعراف:180). وقوله تعالى ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:11). وقوله تعالى ( فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(النحل:74) فإن نفي الإحاطة علماً شامل للإحاطة بذاته وصفاته، فلا يعلم حقيقة ذاته وكنهها إلا هو سبحانه وتعالى، وكذلك صفاته. وأما الدليل النظري العقلي: فلأن الشيء لا تدرك كيفيته إلا بمشاهدته، أو بمشاهدة نظيره المساوي له، أو الخبر الصادق عنه، وكل هذه الطرق لا يمكن وجودها في التعرف على كيفية ذات الله تعالى وصفاته، فبالتالي تكون كيفية ذات الله وصفاته مجهولة لنا. مما يعني أنه يجب الوقوف في القول في أسماء الله وصفاته على ما جاء به السمع. وأيضاً فإن أي كيفية يقدرها الإنسان لذات الله تعالى وصفاته في ذهنه، أو ينطق بها بلسانه فالله أعظم وأجل من ذلك، وإن أي كيفية يقدرها في ذهنه، أو ينطق بها بلسانه فسيكون كاذباً فيها؛ لأنه ليس له دليل عليها.
والقول الفصل المطرد السالم من التناقض ما كان عليه سلف الأمة وأئمتها من إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه من الأسماء والصفات، إثباتاً بلا تمثيل، لقوله تعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) ( الشورى: 11)، وتنزيهاً بلا تعطيل، لقوله تعالى (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا) (الإسراء:43 )، وقوله تعالى (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الحشر:23 )، وإجراء النصوص على ظاهرها على الوجه اللائق بالله عز وجل، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل. ويتبين هذا بأصلين:أحدهما: أن يقال لمن يثبت بعض الصفات دون بعض: القول في بعض الصفات كالقول في بعض. أي أن من أثبت شيئاً مما أثبته الله لنفسه من الصفات ألزم بإثبات الباقي، ومن نفى شيئاً منه ألزم بنفي ما أثبته وإلا كان متناقضاً. الأصل الثاني: أن يقال لمن يقر بذات الله تعالى ويمثل في صفاته أو ينفيها:القول في الصفات كالقول في الذات. يعني أن من أثبت لله تعالى ذاتاً لا تماثل ذوات المخلوقين لزمه أن يثبت له صفات لا تماثل صفات المخلوقين، لأن القول في الصفات كالقول في الذات، وهذا الأصل يخاطب به أهل التمثيل، وأهل التعطيل من المعتزلة ونحوهم. فيقال لأهل التمثيل: ألستم لا تمثلون ذات الله بذوات المخلوقين؟! فلماذا تمثلون صفاته بصفات خلقه؟ أليس الكلام في الصفات فرعاً عن الكلام في الذات؟! ويقال لأهل التعطيل من المعتزلة ونحوهم: ألستم تقولون بوجود ذات لا تشبه الذوات؟ فكذلك قولوا بصفات لا تشبه الصفات!!.
وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن نصوص الصفات تجرى على ظاهرها اللائق بالله عز وجل من غير تحريف، وأن ظاهرها لا يقتضي تمثيل الخالق بالمخلوق، فاتفقوا على أن لله تعالى حياة، لقوله تعالى( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) (الفرقان: 58)، وعلماً، لقوله تعالى ( وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة: 29)، وقدرة، لقوله تعالى (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (المائدة: 120)، وسمعاً وبصراً، لقوله تعالى (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى: 11)، وحقيقة وأنه مستوٍ على عرشه حقيقة، لقوله تعالى (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طه: 5)، وأنه يحب، لقوله تعالى (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) (المائدة: 54)، ويرضى، لقوله تعالى (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه) (المائدة: 119)، ويكره، لقوله تعالى (وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ) (التوبة: 46) ويغضب حقيقة، لقوله تعالى (وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ) (النساء: 93)، وأن له وجهاً ويدين حقيقة، لقوله تعالى( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ) (الرحمن: 27) وقوله تعالى ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان) (المائدة: 64). فأجروا هذه النصوص وغيرها من نصوص الصفات على ظاهرها وقالوا: إنه مراد على الوجه اللائق بالله تعالى فلا تحريف ولا تمثيل.
وأما القول بأن صفة اليدين في قوله تعالى( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاء)(المائدة: 64) يستلزم إثبات جارحة. فنقول فيه: إن ثبوت اليدين الحقيقيتين لله عز وجل لا يستلزم معنى فاسداً، فإن لله تعالى يدين حقيقيتين تليقان بجلاله وعظمته، وبهما يأخذ ويقبض، ولا تماثلان أيدي المخلوقين، وهذا من كماله وكمال صفاته، قال الله تعالى( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) (الزمر: 67) وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل). فأي معنى فاسد يلزم من ظاهر النص حتى يقال إنه غير مراد؟! والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المراجع:
1) موقع إسلام ويب الإلكتروني (www.islamweb.net/mainpage/index.php ).
تعليق