رابط المحاضرة:
http://www.youtube.com/watch?v=gWgXT-tfTz8
تفريغ الحاضرة:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، الصلاة والسلام على أفضل الرسل والنبيين، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد على آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
نرحب بكم في هذا اللقاء الرابع، نرحب بالإخوة والأخوات المشاهدين على قناة المجد العلمية الفضائية، وعلى قناة الحكمة الفضائية، وعلى المواقع الإلكترونية، ونرحب أيضًا بالإخوة معنا في الأستوديو.
نبدأ اليوم بمشيئة الله -تبارك وتعالى- فيما توقفنا فيه في المحاضرة الماضية، فإننا بدأنا الكلام عن أدلة وبراهين التوحيد، وقلنا لكم إنا سنقدم هذا الدرس. لماذا؟
نقدم هذا الدرس؛ حتى يأتي بعده الوحدة الأولى، وهي الدعوة إلى التوحيدِ، نَعرف التوحيدَ قبل أن نبدأ الدعوةَ إليه إن شاء الله -تبارك وتعالى-.
تكلمنا في اللقاء الماضي عن بعض الآيات وتفسير بعض الآيات الدالَّة على التوحيد، وقرأنا الباب الأول من كتاب التوحيد، إن شاء الله يُحفظ هذا الباب، طيب.. لعلَّ بعضكم حفِظ، لا نريد أن نأخذ الوقت في الحلقة، لكن نبدأ بهذا الباب، الأول كما هو مُشَاهَد معكم أدلة وبراهين التوحيد، وهو من كتاب الله تعالى، وسُنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فهذه أدلة وبراهينُ التوحيد، هي أكثر من ذلك، لكن المؤلف الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- ذكر جملة من هذه الأدلة الدالة على توحيد الله، وإخلاص العبودية لله رب العالمين.
ذكرنا في المحاضرة الماضية أنه جاء في القضية، قضيتان:
القضية الأولى: هي العبادةُ. لفظ العبادة، ﴿اعْبُدُوا﴾، ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا﴾؛ يعني هذا اللفظ نجد أنه تكرر فيها.
أيضًا القضية الثانية: اجتنبوا الطاغوت.
القضايا الأخرى، سنجد فيها ﴿أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ فجاء عندنا هنا لفظانِ، لفظ التوحيد، والنهي عن ضدِّه، وهو الشرك.
فالآن نتكلمُ عن وجوب التوحيد، توحيد الله -عز وجل-.
شرحنا الآية الأولى، وأن الله -عز وجل- خلق الخلْق لعبادته -سبحانه وتعالى- ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ﴾، كما في آيةِ سورة الذاريات ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ فلا نعيدها..
الآية الثانية قوله -تبارك وتعالى-: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: 36].
الطاغوت عرَّفناه، الطاغوت من يُعرّفه لنا؟
{طالب: الطاغوت لغةً هي: تجاوز الحد}.
الشيخ: نعم؛ من الطغيان.
{طالب: كل ما تجاوز الحد من معبودٍ أو متبوعٍ أو مُطاعٍ}.
الشيخ: كل ما تجاوز الحد من معبود أو متبوع أو مطاع، فلا نعيد شرحها مرة أخرى.
اليوم نأخذ الدليلَ الثالث، قوله -تبارك وتعالى-: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ ولَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [سورة الإسراء: 23، 24].
سنجد أنها نفس قوله -تبارك وتعالى- في آية النساء: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ﴾ [النساء: 36]، نفس القضية ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الأنعام: 151].
فجاءت هذه الآيات نجد نفس القضية، أو نفس الموضوع هو قضية واحدة في ذلك.
نرجع إلى هذه الآيات التي معنا، قوله -تبارك وتعالى- ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾.
الآيات الثلاث، آية الإسراء، آية النساء، آية الأنعام.
ثلاث آيات، قرَن الله تعالى توحيده ببـرِّ الوالدين، ولذلك قال أهل العلم: قرَن الله -عز وجل- التوحيد ببر الوالدين، التوحيد مقرون ببر الوالدين، وذكر الله -عز وجل- حقوق العباد، كما مرَّ في هذه الآيات.
وآية الإسراء ذكر الله -عز وجل- فيها حقوقًا كثيرة جدًّا عندما نتأمل الآيات فيها، لكن ستأتينا في الآيات بعدها، بالتالي نحن لا نأخذ تفصيلاً، الآيات طويلة جدًّا في هذه السورة.
والمؤلف أراد هذه الآية ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾.
ما معنى وقضى ربك؟
{طالب: بمعنى شَرَعَ ووصّى}.
الشيخ: شَرَعَ وَحَكَمَ.
طيب.. ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: 4].
ما معنى قضى هنا؟
{طالب: معناها حكم}.
الشيخ: معناه حكم الله، طيب.. ما الفرق بين "قضى" هنا و"قضى" هنا، قوله -تبارك وتعالى- ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، وقوله -تبارك وتعالى- ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾.
القضاء هنا هذا هو القضاءُ الشرعي، والأمر الشرعيُّ الذي أمَر الله به عباده المؤمنين، أما ﴿ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ ﴾ فهو القضاءُ الكونيُّ، أنَّ الله -عز وجل- قدَّر كونًا وأزلاً أن هذا سيكون، أما هذا فهو بمعنى الأمر من الربِّ -سبحانه وتعالى-.
﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ حكم ربك -سبحانه وتعالى- ألا تعبدوا إلا الربَّ -سبحانه وتعالى- يعني قضى وحكم وشرع -سبحانه وتعالى- أنكم تعبدون الله -سبحانه وتعالى- ثم قال ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾.
أين حق الرسول -صلى الله عليه وسلم- في ذلك؟
{طالب: مقتضاه أنه فيما شَرَعَهُ الله -سبحانه وتعالى- أنها تكون بما شرَعه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-}.
الشيخ: أين حق الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيه، الله -عز وجل- قال ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ هذا الربّ -سبحانه وتعالى-.
قال: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾.. أين حق الرسول؟
{طالب: من مقتضى عبودية الله -عز وجل- }.
الشيخ: عبودية الله -عز وجل-، وهذا رسوله -صلى الله عليه وسلم- الذي عليك طاعته -عليه الصلاة والسلام-، ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾، لا يُعبَد غير الله -سبحانه وتعالى- وهو معنى أشهد ألا إله إلا الله هذه ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾، ثم قال: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ﴾؛ أي: أدنى الكلام وأدنى الأذى أن تقول لهما هذه الكلمة: التَّأفُّف، ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء: 23]؛ أي قل لهما كلامًا جميلاً لطيفًا، لا تُزعجهم بهذه الكلمات، لماذا؟
بَيَّن الله ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 24]، أنت محتاج وصغير وضعيف، ومع ذلك هم الذين اعتنوا بك، وهم الذين ربَّوك، وهم الذين قاموا بالعنايةِ بك، حتى بلغت ذلك، ثم هم ضعُفوا وكبروا في السنِّ، ثم احتاجوا إليك مرةً أخرى، فيجبُ عليك أن: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾، أن تتواضع لهم، وتخضع لهم بالقول، وتقول لهم الكلام الطيبَ، وتقول لهما الكلام الجميل.
ثم ذكَر الله -عز وجل- الحقوق الأخرى، قال: ﴿وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ﴾ فذكر الله -عز وجل- هذه الحقوق التي تأتينا في الآية بعدها.
أيضًا قال الله -عز وجل- في الآية: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾.. من يقرأ لنا الآية، وكم فيها من الحقوق؟
{طالب:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ [النساء: 36]}.
إذن: في هذه الآية الحقوق التي ذكرها الله -عز وجل- قال: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ﴾ هذا أمر، اعبدوا الله أيها المؤمنون، وأيها المسلمون، وأيها الناس اعبدوا الله، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾، و: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ﴾، ثم قال: ﴿ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾، انظروا هنا ﴿شَيْئًا﴾ جاءتْ هنا، ثم جاءت هنا "شيئا"، ثم جاءت أيضًا في الأحاديث التي بعده، ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾.
و﴿شَيْئًا﴾ نكرة في سياق النهي، فتعمُّ كل شيء، لا تشركوا بالله -عز وجل-، لا قليلا ولا كثيرا، ويتعلق قلبك بالله رب العالمين.
﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ هنا يدخل حق الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الآية، كما دخل معنا فيما مضى، ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ عبادة الله طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
ثم قال: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، هذا هو الحق الأولُ. إذن الحق الأول قال: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ﴾ نعدّ هذه الحقوق في الآية؛ حتى نطبقَها، لا يكون قولنا.
﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾، الحق الأول قال: عبادة الله -سبحانه وتعالى- وهذه أعظم الحقوق، فإن الله هو الذي خلَقك ورزقك، وهو الحي القيوم، كلُّ أمرك بأمر الله -سبحانه- ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾، لا قليلا ولا كثيرا، لا شركا أصغرَ ولا شركا أكبر، فيجبُ معرفة ذلك.
ثم قال: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، هذا أولُ الحقِّ إليك، وحق الرسول -صلى الله عليه وسلم- داخل في عبادةِ الله؛ لأنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
الحق الثاني: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى﴾، أقاربك سواء من جهة الأب أو من جهة الأم، كلهم لهم عليك حق.
﴿وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى﴾، وهو الذي فقد والده صغيرًا، ﴿وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى﴾ جارك قريبُك، إذا كان جارك قريبك، فله حق الجوار، وحق القرابة، وحق الإسلام. له ثلاثة حقوق. تُحسن إليه أكثرَ مما تُحسن إلى غيره.
﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ﴾ الجار الجنب ما هو؟
{طالب: الجار غير القريب}.
يعني غير القريب، حتى ولو كان كافرًا فإن له حقا، إذا كان مسلمًا؛ فله حق الإسلام وحق الجوار، وإذا كان كافرًا؛ فله حق الجوار. حتى لو كان كافرا، فإنك تحسن إليه.
﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ﴾ الصاحب بالجنب: كل الذي يُصاحبك في سفرٍ، الذي يُصاحبك في طريق، الذي يُصاحبك في سكنٍ له حق، الزوجة لها حق.
والصاحب بالجنب يشمل كل ذلك في هذه الآيات.
الحق الأخير ما هو؟
﴿وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ ما تملك حتى من البهائم، فإنك يجب أن تُطعمها وتقوم برعايتها.
إذن هذه الحقوق نعيدها مرة أخرى.
﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ﴾ عبادة الله، الوالدين، وذي القربى، واليتامى، والمساكين، والجار ذي القربى، والجار الجنب، والصاحب بالجنب، وابن السبيل المسافر له حق، وما ملكت أيمانكم.
عشرة حقوق ذكرها الله -عز وجل- في هذه الحقوق، أعظمها من الحقوق، وأول هذه الحقوق هو حقُّ الرب -سبحانه وتعالى- ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾.
الدليل الثاني هو هذه الآية، آية الأنعام وهي ثلاث آيات، والله -عز وجل- ختم كل آية قال: ﴿ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ﴾، ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾، ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، وهي عشْر وصايا عظيمة، أفْرَدَها بعض المؤلفين، سماها الوصايا العشر.
نسمعها.
{طالب:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الأنعام: 151]}.
الشيخ: قال ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ من يأخذ هذه الوصايا ويُطبّقها فهو عاقل.
{طالب:
﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: 152-153] }.
الشيخ:
نعم.. جزاك الله خيرًا، شكر الله لك.
قال ابن مسعود -رضي الله عنه- صاحب الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "من أراد أن ينظر إلى وصية محمد -صلى الله عليه وسلم- التي عليها خاتمه، فليقرأ قوله تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ﴾ الأنعام، هذه الآيات".
هذا تفسير ابن مسعود -رضي الله عنه- وهو تفسير يُستأنس به، أما أنه ثابت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو ثابت عن عبد الله بن مسعود، فنظنه لا يصحُّ سنده، أو لم يوجد له سند، لكنَّ تفسيره مشهور في كتب التفاسير.
الحجة عندنا في قول الله -تبارك وتعالى-، ومن لم ينتفع بقولِ الله، فلن ينتفع بقول أحد من البشر أبدًا.
هل فعلاً الرسول -صلى الله عليه وسلم- كتب وصية، وقال: هذه وصيتي، أم أن ابن مسعود -رضي الله عنه- رأى أن هذه الآيات اشتملت كل أمور الدين؟
{طالب: لم يكتب النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن استنبط ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- من هذه الآيات}.
الشيخ:
وما الدليل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكتب وصية؟
{طالب: لأنه لم يوجد نص}.
الشيخ: بل وُجد في البخاري، سُئل عليٌّ -رضي الله عنه- قال: هل أسرَّ لكم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بشيء؟ قال -رضي الله عنه-: والذي برأ النَّسَمَةَ لم يُوصِ لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشيء، إلا بما في هذه الصحيفة، قال: وما في هذه الصحيفة؟ أحكام الدية، وألا يُقتَل مسلمٌ بكافر، وفهْم يُؤتيه الله -عز وجل- رجلا من المؤمنين.
إذن: لم يُوصِ النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكنَّ عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- لَمَّا تأمل الآياتِ؛ وجدها اشتملت على كل القضايا التي جاءت فيها الشريعةُ الإسلامية، والقضايا المهمة، ماذا قال؟ قال: "هذه وصية الرسول -صلى الله عليه وسلم-"؛ أي إنها شَمَلَتْ كل القضايا في ذلك.
﴿قُلْ تَعَالَوْا﴾: قل يا محمد: تعالوا، هلموا، أقبلوا، يا أيها الناس، أقبلوا كلكم أقبلوا، تعالوا أُبيِّن لكم ما حرَّم الله -عز وجل- عليكم.
الآن نجد في الأرض كثيرًا من الناس يُحرِّم أشياء ويُحلل أشياء، ويمنع أشياء، ويحرم ناسًا من أموالهم، ويحرمهم من أمور كثيرة، أو يُوجب عليهم أشياء ما أوجبها الله -عز وجل- عليهم، لكنَّ الله -عز وجل- أمَر رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يخاطبَ الناس كلهم ﴿قُلْ تَعَالَوْا﴾ أقبلوا إلينا حتى نُبيِّن لكمْ ما حرَّم الله -عز وجل- عليكم، تعالوا أتلُ عليكم، أقرأ عليكم ما حرَّم ربكم عليكم.
أول المحرماتِ هو الشرْك بالله، وأول الواجباتِ -ما دام الشرك محرما-؛ فيكون أول الواجبات هو توحيد الله، وإخلاص العبودية لله -عز وجل-، ولفظ الشرك، هذا اللفظ سيأتينا ونُفسره إن شاء الله، ليس الشرك كما ذهب بعض المؤلفين الذين لم يعرفوا نصوصَ الكتاب والسنة، ولذلك ذهبوا إلى أن الشرك هو جُحود الرب أو غير ذلك، لا؛ فالشرك هو «أن تجعل لله ندًّا وهو خَلَقَكَ».
﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾، "شيئا" نكرة في سياق النفي، وهي لا يجوزُ أن تشرك بالله، لا قليلا ولا كثيرا، ولا شيئا أصغر، ولا أكير.
﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾، ثم الحق الثاني ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ فلما وصى بالوالدين، ويدخل فيه الجدُّ وما ارتفع؛ وصَّى بالأولاد قال: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ﴾، ولذلك قال: ﴿ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾.
لَمَّا كانت في الآية الأخرى قال: ﴿خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ﴾، أما هنا ﴿مِنْ إِمْلَاقٍ﴾؛ أي من فقرٍ، لا تقتلوا أولادَكم من الفقرِ، فإن هذا أمرٌ عظيمٌ مُحرمٌ، لا يجوزُ لإنسان.
قال: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾، هذه الوصايا والأوامر جاءت أيضًا في سُورة الإسراء، لكنَّها أطول، في تفسير أطول في ذلك.
قال: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ ما كان مُستفحشًا عند الناس، وما كان خفيًّا يُسِرُّه الناس؛ كل ذلك ابتعدوا عن هذه الفواحش، وعن هذه المحرمات.
ثم قال: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾، ما هي النفس التي حرَّمها الله؟
{طالب: النفس المؤمنة، والنفس المعصومة}.
الشيخ: ما هي النفس المعصومة؟
{طالب: الكافر}.
الشيخ: كل كافر؟
{طالب: المعصوم من المعاهَد}.
الشيخ: المعاهَد والذِّمِّي والمستأمَن.
إذن: الأنفس المعصومة هي نفْس المؤمن، لا يجوز قتلها، وأيضًا الكافر، وهذا من رحمة الله -عز وجل-.
يخرج بين حين وآخر بعضُ الناس وبعض من يدَّعي أنه على السُّنةِ، أو أنه على التوحيد، أو يسمي نفسه، ثم يقتلون الناس ويُفجِّرون الناس، هذه ليست وصيةَ الله، انظروا وصية الله -عز وجل- التي وصَّى بها العباد: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾، ثم ختم هذه الوصية بقوله: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾، المسلم ما جاء لسفك الدماء، ولا لقتل ولا لترويعٍ، كل ذلك الإسلام بريء من هذا الباطل، نعوذ بالله من الخذلان.
ثم قال: ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ﴾ هذه وصية من الله، ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾، لو تمسكتَ بهذه الوصايا؛ فأنت عاقل، من يتمسك بهذه الوصايا يكون عاقلاً.
قال: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾، أي مال اليتيم لا تقربْه إلا بأحسنِ الأمور، التي يكون فيها نفع له، ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ﴾ القسط يعني العدل.
﴿لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾، لماذا قال هنا ﴿لَا نُكَلِّفُ﴾، ثم قال: في الآية التي بعدها ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾؟ لماذا لم يقل بعدها: ﴿لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾؟
لأنَّ العدل بالقول سهل، بينما إيفاء الكيل والموازين قد يقع الإنسان في سهو، قد يقع منه تقصير، فرحم الله العباد ولطف بهم، وقال: ﴿لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ﴾ عهْد الله ما هو؟
توحيدُه وإخلاص العبودية لله -عز وجل-، العهود التي يقدمها الإنسان يجب أن يوفي بها، ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
ثم ختم بهذه الوصية ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا﴾، صراط الله مستقيم. دين الله مستقيم، قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- «افترقت هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة».
«افترقت اليهود على إحدى وسبعين، والنصارى على ثِنتين وسبعين، وهذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة»، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: «من كان على ما أنا عليه وأصحابي».
فنجد أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بيَّن أنَّ افتراق هذه الأمة، قال: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي﴾، الصراط هو صراطُ الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -صلى الله عليه وسلم-.
ونحن ذكرنا لكم في الدرس الأول أئمة أهل السنة من جميع المذاهب من مذاهب أهل السنة من الشافعية ومن المالكية ومن الحنفية، وغيرهم، كل هؤلاء يقولون بالسنة ويُبيِّنونها ويَدْعون إليها، وينشرونها بين الناس -رحمهم الله تعالى-.
من الأشياء الجميلة حقيقة، أنا تابعت منتدى المقرر، فوجدت فيه حقيقة مشاركات جيدة، وفيه بعض التعليقات الجيدة، مثلاً حول تأمل آية الكرسي، وكيف أن الإنسان يَتعبد الله بهذا التأمل، ويعبد الله -عز وجل-.
أيضًا هناك سؤال قال: أنه ذكرنا في أول الدروس أن أهل السنة طوائفُ، فكان جواب أحد الإخوة جوابا مُسَدَّدا، وقال إن مرادنا أن أهل السنة كثير، أو بعض الناس للأسف الشديد خصوم السنة أو الذين يُعادون سُنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقولون الذي يقول بالسنة ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وانتهت القضية. لا يوجد.
فنحن سردنا لكم الكثير، أو بعض أئمة أهل السنة فيها، وأهل السنة -ولله الحمد- معتقدهم واحد، لو تأملنا معتقد أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- ابن عباس، عمر بن الخطاب، الخلفاء الراشدين الأوائل أبي بكر، عمر، ثم عثمان، ثم عليّ، ابن عباس، كبار أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، التابعين، الأئمة الأربعة، كلهم اعتقادهم واحد، وهو الذي ندرسه، وهو الذي نقول به، وهو الذي نعتقده بحمد الله -عز وجل-.
﴿وأن هذا صراطي مستقيمًا﴾، صراط الله مستقيم، واضح وبيِّن، فلا يحتاج ..، ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، إن اتبعتم صراط الله -عز وجل- ستكونوا متقين في ذلك.
أيضًا من براهين التوحيد، حديث معاذ -رضي الله عنه-.
من يقرأ لنا الحديث؟
{طالب:
بسم الله الرحمن الرحيم
(عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: كنت رَدِيفَ النبي -صلى الله عليه وسلم- على حمار فقال لي: «يا معاذ، أتدري ما حقُّ الله على العباد، وما حق العباد على الله؟» فقلت: الله ورسوله أعلم. قال: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله ألا يُعذّب مَنْ لا يُشرك به شيئًا»، قلتُ: يا رسول الله، أفلا أُبشِّر الناسَ، قال: «لا تُبشرهم فَيَتَّكِلُوا». أخرجاه في الصحيحين)}.
الشيخ: هذا معاذ -رضي الله عنه- كما تعلمون -رضي الله عنه- كان شابًّا، وعندما أرسله النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن واليًا، كم كان عمره؟ تسع عشرة سنة، أو أقل من ذلك.
هذا معاذ -رضي الله عنه- قال: كنت رديف النبي -صلى الله عليه وسلم-. ما معنى رديف؟
الرديف: هو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان راكبًا حمارًا، الحمار هل هو من المركوبات المرفهة الكبيرة؟
كلا.. يعني من المركوبات المتواضعة، ولذلك سيد البشر -عليه الصلاة والسلام- محمد -صلى الله عليه وسلم- يركب الحمار، وأيضًا يكون معه شخص آخر راكب على نفس الحمار.
رديف معناه: يركب خلفه، يركب خلف النبي -صلى الله عليه وسلم-، رديف النبي -صلى الله عليه وسلم- على حمار، هذا من تواضُع سيد البشر -عليه الصلاة والسلام-، فسأل معاذًا هذا السؤال، هذا مناهج في التعليم للنبي -صلى الله عليه وسلم-.
قال: «يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد؟». ما هو الحق الذي أوجبه الله؟
هل أهل السنة يُوجبون شيئًا على الله -سبحانه وتعالى-، هل نوجب على الله شيئًا؟.
{طالب: معاذ الله}.
وما الدليل؟
أهل السنة لا يوجبون على الله -عز وجل- شيئًا، لكنَّ الله -سبحانه وتعالى- يوجب على نفسه ما يشاء، قال الله تعالى: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾، هو الذي كتب، وهو الذي أوجبه تفضلاً ورحمة وإحسانًا من الربِّ -سبحانه وتعالى-.
أما قول المعتزلة أنه يجبُ على الله فعل كذا؛ فهذا -حقيقةً- من قُبح القول، ومن قبح الأفعال التي لا يجوز لمسلمٍ أن يقولها بأي حال من الأحوال، فلذلك نحن لا نُوجب على الله شيئًا، والله -سبحانه وتعالى- تفضلاً منه، وإحسانًا إلى عباده المؤمنين أوجب، ولذلك قال: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾، وقال -سبحانه- قال تعالى في الحديث القدسي: «يا عبادي، إني حَرَّمْت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا»، فالله الذي أوجب على نفسه، وحرم على نفسه -سبحانه وتعالى-.
«يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟».
ما هو الحق العظيم الواجب على العباد؟ فقلت: الله ورسوله أعلم. هذا من أدب معاذ -رضي الله عنه-.
قال: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا».
انظروا.. القضية تكررت أم لم تتكرر؟
نجدها ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾، ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾.
تكرر نفسُ النص ونفس اللفظ، فلذلك أُطلق على هذا توحيد العبادة؛ «أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا»، ولذلك الإنسان الذي يَعرف ألفاظَ الكتاب والسنة يعرف ما هو الشرك الذي ورد في كتاب الله -عز وجل-، وما هي النصوص الثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قال: «حق الله أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا».
وهذا هنا ماذا؟ قال: «ألا يُعذب مَن لا يشرك به شيئًا».
وهذا سيأتينا في الباب التالي إن شاء الله وهو: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام: 82].
فالأمن التام إذا سَلِمْتَ من الشرك الصغير والكبير كله، فيكون الأمن تام، بِحَسَبِ تمسكك بهذه القضية، السلامة من الشرك كُلِّه، والقيام بواجب العبادة، يكون الأمن يوم القيامة، فبِحَسَبِ تمسُّك الإنسان، يكون أمنه يوم القيامة، فمثلاً أصحاب الكبائر، هو يأمن من شيء، لكنه لا يأمن من شيء آخر، يأمن من الخلود في النار، إذا كان من أهل التوحيد، فأهل الكبائر إذا كان من أهل التوحيد، فإنه يأمن من الخلود في النار، لكنه لا يأمن من العذاب -أعاذنا الله وإياكم-.
«وحق العباد على الله، ألا يُعذب من لا يشرك به شيئا»، يعني من يعبد الله حق عبادته، وسلم من الشرك قليله وكثيره.
فقلت: يا رسول الله: أفلا أبشر الناس؟
الواجب على المسلم أن يُبشّر إخوانه المسلمين، يُعطيهم البشرى، القضية الجميلة، الأمر المحبوب لأنفسهم أن يبشر الناس.
فقال معاذ: هل أبشِّر الناس يا رسول الله؟
فقال الرسول: «لا تُبشرهم فَيَتَّكِلُوا».
أخرجاه في الصحيحين؛ أي في صحيح الإمام البخاري ومسلم، ولذلك قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «لا تبشرهم فَيَتَّكِلُوا».
ما معنى "يَتَّكِلُوا"؟
يتقاعسون عن العمل، فلذلك يكون فيه حثٌّ على العمل. لماذا أخبر إذن معاذٌ -رضي الله عنه- بعد ذلك؟
أخبر هذه البشرى تأثُّمًا؛ حتى لا يكون كَتَمَ شيئًا من العلْم -رضي الله عنه-، ولذلك بلَّغ بهذا الحديث.
ولذلك إذا فُهِمت هذه الأحاديث مع غيرها من الآيات وغيرها، فتكون القضية واضحة.
ولذلك جاء النص فيه: ﴿ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾، وهذا ما وقع فيه بعض المرجئة أنهم قالوا أن الإنسان بمجرد أن يقول: لا إله إلا الله، يكون إيمانك مثل إيمان أبي بكر الصديق.
إذن نعود إلى الباب الأول، ونُكرره، وأنا أنصح بحفظه؛ لأنه -كما ترونها- نصوص من القرآن، ونصوص من سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
أدلة وبراهين التوحيد فقوله -تبارك وتعالى-: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾، ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، وأيضًا قوله: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾، وقوله: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾.
وحديث معاذ -رضي الله عنه-: كنت رديفَ النبي -صلى الله عليه وسلم- على حمار فقال لي: «يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟» فقلت: الله ورسوله أعلم. قال: «حق الله على العباد، أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله ألا يُعذّب من لا يشرك به شيئًا». قلت يا رسول الله: أفلا أبشِّر الناس، قال: «لا تبشرهم فَيَتَّكِلُوا».
إذن هذا هو الباب.
سنأتي للباب الذي يَليه، وهو الباب الثاني: فضل التوحيد وما يُكفِّر من الذنوب.
إذن عندنا في هذا العنوان الآن قضيتان.
القضية الأولى ما هي؟
{طالب:
القضية الأولى: فضل التوحيد. والقضية الثانية: ما يُكفِّر من الذنوب}.
الشيخ: إذن عندنا مسألتان:.
المسألة الأولى فضل التوحيد، وأن القضية الواجبة العظيمة فضلها عظيم، يعني أن الواجب قد يكون واجبًا متحتمًا على الإنسان، وأيضًا فضله عظيم، وأجره عظيم عند الله -سبحانه وتعالى-.
القضية الثانية: تكفير التوحيد للذنوب.
(باب فضل التوحيد وما يُكفِّر من الذنوب، وقول الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾، وحديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- ..).
من يقرأ لنا؟
{طالب:
عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق؛ أدخله الله الجنةَ على ما كان من العمل»، أخرجه البخاري ومسلم.
ولهما في حديث عتبانَ: «فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجهَ الله».
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «قال موسى: يا ربّ، علمني شيئًا أذكرك وأدعوك به، قال: يا موسى، قل: لا إله إلا الله، قال: يا رب: كل عبادك يقولون هذا. قال: يا موسى: لو أن السماوات السبع وعامِرَهُنَّ غيري، والأراضين السبع في كِفَّة، ولا إله إلا الله في كِفة، مالت بهن لا إله إلا الله»، رواه ابن حِبان والحاكم وصححه.
وللترمذي وحسنه، عن أنس -رضي الله عنه- سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «قال الله تعالى: يا ابن آدم، لو أتيتني بِقُرَابِ الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تُشرك بي شيئًا؛ لأتيتك بقرابها مغقرة»)}.
(الشيخ:
نعم.. هذا هو الباب الثاني، وهو فضل التوحيد، وما يُكفِّر الله به من الذنوب. فالتوحيد يُكفّر الله به من الذنوب، والخطايا الأمرُ العظيم، ولذلك التوحيد -كما قال أهل العلم- له نور، التوحيد له نور، ولذلك تجد في وجوه الموحدين النور واضحًا عليهم، ولذلك الإنسان حرصه على توحيد الله وإخلاص العبودية لله، ومعرفة ذلك بنصوص الكتاب والسنة، وألا يستسلم الإنسان لأقوالِ أحدٍ من البشر. بل يعرفُ ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾، إذن عندنا قضيتان في هذه الآية، الأمن والاهتداء.
أيهما يسبق الآخر؟
{طالب: الأمن يسبق الاهتداء}.
الشيخ: أم الاهتداء هو الذي سبق الاهتداء؟
الاهتداء في الدنيا، والأمن في الدنيا والآخرة، فإذن ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾، لما نزلت الآية، قال الصحابة، يلبسوا ما معناها؟
{طالب: بسم الله الرحمن الرحيم. يلبس بمعنى: يخلطه.}
(الشيخ:
﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾، الصحابة لما نزل عليهم ذلك، قالوا يا رسول الله وأينا لم يظلم نفسه؟!
فبماذا فسرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟
{طالب: فسرها بأن الظلم بالشرك}.
الشيخ: والدليل؟
{طالب: الدليل قول لقمان عليه السلام}.
الشيخ:
قال: «ألم تسمعوا قول الرجل الصالح: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13]».
كما تعلمون، ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾، الظلم كما تعلمون يا إخواني ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
أعظم الظلم وهو الشرك، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾.
الثاني: أن يظلم الإنسان نفسه بالمعاصِي، أن يعصيَ الله -عز وجل- يتعرض لما نهى الله -عز وجل- عنه، فهذه معصية، ومعصية الإنسان لربه هذا أمر عظيم يجب عليه أن يَحْذَرَ من ذلك.
القضية الثالثة: ظُلم العباد، حقوق العباد، فلو تأخذ من أحد من الناس مثل هذا العود من الأراك، يعني هذا السواك، لو تأخذه من أحدٍ من الناس ستأتي به، مسلم أو معاهد أو ذمي حتى ولو كان كافرًا معاهدًا أو ذميًّا، فإنه لا يجوز أن تأخذ من أحد من المسلمين، أو ممن يعيش معهم من غيرهم من أهل الكتاب، أو غيرهم من الكفار الذين أعطاهم المسلمون العهود؛ فإنه لا يجوز. أرأيتم هذا شيئًا يسيرًا، ومع ذلك، لو أخذته ستأتي به يومَ القيامة، فكيف الذي يأتي، وقد تكلم في عِرض هذا من الناس، وتكلم في فلان الطويل، وفلان العريض، وفلان الكذاب، وفلان..؟! هذا لا يريده الإنسان.
ولذلك حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي بعد ذلك، أو في الباب الذي سيليه فيه تربية نبوية.
قال: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ﴾ لهم ماذا؟ الأمن، ﴿وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾، هم اهتدوا في الدنيا إلى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ﴾، فالذي يتبع ويهتدي إلى الصراط، ولذلك الإنسان كل يوم يقوم بين يدي ربه يقول ماذا؟ ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: 6]، يطلب الهدايةَ من الله إلى هذا الصراطِ.
﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ﴾ لم يخلطوا إيمانهم بشيءٍ من الظلم، لهم الأمن.
إذا كان إيمان الإنسان تامًّا؛ فله الأمن التام، وإذا كان إيمانه ناقصًا؛ فالأمن ناقص، وإذا كان الإيمان معدوما فالأمنُ معدوم، ولذلك يكون الإنسان يوم القيامة على هذه الأحوال، من كان إيمانه تامًّا، يكون أمنه تامًّا يوم القيامة، ومن كان إيمانه ناقصًا يكون أمنُه ناقص، ولذلك الذي يأتي بالكبائر والمعاصي، فإنه مُتَوعَّد بعذابِ الربّ -سبحانه وتعالى- أعاذنا الله وإياكم.
ولذلك جاء الوعيدُ بكثير من الأعمال التي يراها كثير من الناس أنها يسيرة، وأن الأمر فيها يسير جدًّا، فجاء التحذير في هذا الأمر. ولذلك جاء الأمر في هذه القضية: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ﴾، فيحذر الإنسان في ذلك. وأعظم الإيمان إخلاص العبودية، فإذا وحَّد الإنسان فإنه يكون له الأمن.
عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري ومسلم، أخرجاه يعني: البخاري ومسلم، قال: «من شهد أن لا إله إلا الله، وحْدَه لا شريك له».
يشهد: هذه شهادة التوحيد، سيأتينا إن شاء الله باب بعنوان "باب تفسير شهادة التوحيد"؛ شهادة أن لا إله إلا إله:، وقلنا: إن لا إله إلا الله معناها لا معبودَ بحقٍّ إلا الله، كما قال الله تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ﴾.
«وأن محمدًا عبده ورسوله» ولذلك جاء وصف الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أعظم المواضع بالعبوديَّة، ولذلك الذي يرفعُ الرسول -صلى الله عليه وسلم- فوق مكان عبوديته لله -عز وجل- فهو مخالف، ولذلك قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- «لا تُطْروني كما أطرتِ النصارى عيسى بنَ مريمَ».
ما هي المواضع التي وصف الله رسوله بها بالعبودية في القرآن الكريم؟
من يذكر لنا؟
{طالب: في سورة الإسراء قال تعالى ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ [الإسراء: 1]، سماه بالعبودية، كذلك: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾ [سورة الكهف: 1]}.
نعم.. نكتفي بهذه الأمثلة، في كتاب الله -عز وجل- كثير، لكن الإسراء وهو المكان الذي لم يصل إليه أحد من البشر، ووصف الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- بماذا؟ بالعبودية، إنزال الكتاب أيضًا وَصَفَ رسوله -صلى الله عليه وسلم- بالعبودية.
«وأن عيسى عبد الله ورسوله عليه الصلاة والسلام»، عيسى -كما تعلمون- صار فيه الخلاف، اليهود قالوا فيه ما قالوا من أقوالهم الشنيعة، ما قالوا فيه أنه ابن زنى، وقالوا أقولاً شنيعة. والنصارى ماذا قالت؟ قالت هو الله. فالمسلمون يشهدون أنه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، ما هي الكلمة؟ ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: 59]، فالكلمة ﴿قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾، ألقاها إلى مريم، وروح منه: روح صادرة من الله -سبحانه وتعالى-.
«والجنة حق، والنار حق؛ أدخله الله الجنة على ما كان من العمل».
لماذا قال: «وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له»، وأيضًا قال: أخرجاه -يعني في الصحيح البخاري ومسلم-.
وحديث عتبان -رضي الله عنه- «فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله».
هذا أحد شروط لا إله إلا الله. ما هذا الشرط؟
{طالب: الإخلاص}.
الشيخ:
الإخلاص لله ربِّ العالمين. هذا الشرطُ من شروط لا إله إلا الله، ولذلك شُروط لا إله إلا الله ثمانية شروط. ما هي؟
شروطها ذكرها الراجز في سبعة شروط، وزيد الثامن الكفر بما يُعبد من دون الله.
شروطها سبعة شروط:
العلمُ واليقينُ والقبولُ *** والانقيادُ، فادرِ ما أقولُ
والصدقُ والإخلاصُ والمحبهْ *** وفَّقك الله لِما أحبهْ
وثامنها: الكفر بما يُعبد من دون الله -عز وجل-.
حتى نختم هذا الباب، أيضًا عن أبي سعيد -رضي الله عنه-، وهذا الحديث كما ترون رواه ابن حبان والحاكم وصححه الحاكم، لكنَّ في سنده مقالا، وهو من المُتَابعات والشواهد، لكن ليس من الأسس أو من الأصول، الأصول كم ترون أحاديث صحيح البخاري، وصحيح الإمام مسلم، وآيات كتاب الله -عز وجل-.
«قال موسى: يا ربّ، علمني شيئا أذكرك وأدعوك به، قال: يا موسى، قل: لا إله إلا الله،
قال: يا رب، كل عبادك يقولون هذا، قال: يا موسى، لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري»؛ يعني خالقهن، «والأراضين السبع في كِفة، ولا إله إلا الله»؛ يعني «في كفة؛ مالت بهن لا إله إلا الله» يعني مِن عِظَم هذه الكلمة.
هذه الكلمة كلمة عظيمة جليلة، ولذلك انظر.. قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي، لا إله إلا الله».
فهذه الكلمة العظيمة معناها لا إله إلا الله، لكن من الناس من يقولها، ولا تكون له شيئًا، ولا يُقيم لها وزنًا، لماذا؟ لأنه لم يعرف معناها، وإنما قول، ولذلك الله -عز وجل- أخبرنا عن المنافقين ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾، يعني مؤكد إنَّ، ولرسول الله اللام، ﴿إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾، ما يُقبل منهم هذا الكلام أو هذا الفعل.
وللترمذي وحسَّنه، يعني الحديث هذا حسنه الترمذي وصححه أهل العلم هذا السياق الذي أمامنا.
قال الله تعالى «قال الله تعالى يا ابن آدم، لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا» يعني أتيت بما يوازي قُراب الأرض، ملء الأض يوازي قدر ملء الأرض من الخطايا
«بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغقرة».
إن الله -عز وجل- ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: 48].
نحن نريد الآن أن نقف مع بعض الأسئلة للإخوة، أسئلة الاستفسارات التي يبدو بحمد الله -عز وجل- أن راجعنا من هذه الاستفسارات شيئًا؛ حتى نكمل في هذه القضية، نكمل هذا الباب الذي بدأنا به بإذن الله -عز وجل-.
الأسئلة إن لم تصلنا الآن، إن شاء الله نعرضها في اللقاء القادم بإذن الله -عز وجل-.
أيضًا سيكون هناك ما يُقارب جلسة لجميع الملتحقين بالأكاديمية، كفصول افتراضية بإمكانهم أن يتواصلوا معنا -إن شاء الله- مباشرة. سيُعلن عنها وعن موعدها بإذن الله -عز وجل- خلال الأوقات القادمة إن شاء الله تعالى.
لعله يكون موعدها إن شاء الله خلال هذا الأسبوع، أو الأسبوع القادم يُعلَن للجميع بإذن الله -عز وجل- وبإمكان الجميع أن يتواصل معنا إن شاء الله تعالى.
إذن: نعود لهذا الباب الذي كنا فيه قبل قليل، وهو فضل التوحيد وما يُكفِّر من الذنوب.
فالدليل الأول مرَّ معنا، وهو قول الله -تبارك وتعالى- ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾.
الحديث الثاني، حديث عبادة بن الصامت، وفيه هذه الشهادة العظيمة، شهادة أن لا إله إلا الله وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
الحديث الثالث، حديث عتبان -رضي الله عنه- قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله» يعني مخلص لله -عز وجل-
الحديث الثالث حديث أبي سعدي الخدري -رضي الله عنه- فإنه جاء في فضل هذه الكلمة.
الحديث الرابع والأخير الذي فيها، حديث الترمذي وكما قلنا لكم هذا النص من هذا الحديث، الحديث أطول من هذا السياق، وهو حديث قدسي، إذا قال «قال الله -عز وجل-» معناه أن الحديث أنه قال الله -عز وجل- حديث قدسي، «قال الله تعالى: يا ابن آدم، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا».
انظروا، دائمًا التأكيد على هذه اللفظة، وقال ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾
«حق الله على العباد أن يعبدوه، ولا يُشركوا به شيئًا».
هنا «لقيتني لا تشرك بي شيئًا»؛ يعني سَلِمَ من الشرك الأكبر والأصغر، ولذلك تكون هذه الذنوب تحت مشيئة الربِّ تعالى، إن شاء عفا عنها، وإن شاء؛ أخذ بها -سبحانه تعالى- في ذلك. «لأتيتك بقراها مغفرة».
سيكون عندنا إن شاء الله الباب القادم بمشيئة الله باب تحقيق التوحيد.
وهذه الآيات لمن شاء منكم أن يحفظها يا إخواني، فأنا أنصح بحفظ هذه الآيات والأحاديث، وهذا الحديث أخرجه في الصحيحين.
ثم بعد ذلك سيكون عندنا "باب الخوف من الشرك" نتكلم عليه، سيكون قبل هذا الباب، باب الدعاء إلى التوحيد، أو الدعوة إلى توحيد الله -عز وجل- وهو في صحيح الإمام البخاري، هذا الحديث في الدعوة إلى التوحيد في صحيح الإمام البخاري في كتاب التوحيد، وهو أول باب من أبواب التوحيد في صحيح الإمام البخاري بإمكان الإنسان أن يحفظه من ذلك، سيكون قبل الكلام عن الشرك بمشيئة الله -عز وجل-.
سيكون بمشيئة الله تعالى نكون في هذا قد انتهينا من هذا الدرس بإذن، ويكون بعد هذا اللقاء المبارك درس صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله السلمي، مدرس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وهو ما شاء الله في علمه وجلالة قدره، وحفظه لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فأسأل الله جميعًا أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، إلى لقاء قادم بإذن الله تعالى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
نشكر حضوركم معنا، وأحيانًا نُثقل عليكم ببعض الأسئلة فتحملونا، القادم إن شاء الله أكثر، وأيضًا نشكر الإخوة والأخوات المشاهدين والمتابعين معنا على قناة المجد العلمية الفضائية، وقناة الحكمة الفضائية، ونشكر الإخوة القائمين معنا على هذا الجهد المبارك، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
تفريغ الحاضرة:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، الصلاة والسلام على أفضل الرسل والنبيين، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد على آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
نرحب بكم في هذا اللقاء الرابع، نرحب بالإخوة والأخوات المشاهدين على قناة المجد العلمية الفضائية، وعلى قناة الحكمة الفضائية، وعلى المواقع الإلكترونية، ونرحب أيضًا بالإخوة معنا في الأستوديو.
نبدأ اليوم بمشيئة الله -تبارك وتعالى- فيما توقفنا فيه في المحاضرة الماضية، فإننا بدأنا الكلام عن أدلة وبراهين التوحيد، وقلنا لكم إنا سنقدم هذا الدرس. لماذا؟
نقدم هذا الدرس؛ حتى يأتي بعده الوحدة الأولى، وهي الدعوة إلى التوحيدِ، نَعرف التوحيدَ قبل أن نبدأ الدعوةَ إليه إن شاء الله -تبارك وتعالى-.
تكلمنا في اللقاء الماضي عن بعض الآيات وتفسير بعض الآيات الدالَّة على التوحيد، وقرأنا الباب الأول من كتاب التوحيد، إن شاء الله يُحفظ هذا الباب، طيب.. لعلَّ بعضكم حفِظ، لا نريد أن نأخذ الوقت في الحلقة، لكن نبدأ بهذا الباب، الأول كما هو مُشَاهَد معكم أدلة وبراهين التوحيد، وهو من كتاب الله تعالى، وسُنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فهذه أدلة وبراهينُ التوحيد، هي أكثر من ذلك، لكن المؤلف الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- ذكر جملة من هذه الأدلة الدالة على توحيد الله، وإخلاص العبودية لله رب العالمين.
ذكرنا في المحاضرة الماضية أنه جاء في القضية، قضيتان:
القضية الأولى: هي العبادةُ. لفظ العبادة، ﴿اعْبُدُوا﴾، ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا﴾؛ يعني هذا اللفظ نجد أنه تكرر فيها.
أيضًا القضية الثانية: اجتنبوا الطاغوت.
القضايا الأخرى، سنجد فيها ﴿أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ فجاء عندنا هنا لفظانِ، لفظ التوحيد، والنهي عن ضدِّه، وهو الشرك.
فالآن نتكلمُ عن وجوب التوحيد، توحيد الله -عز وجل-.
شرحنا الآية الأولى، وأن الله -عز وجل- خلق الخلْق لعبادته -سبحانه وتعالى- ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ﴾، كما في آيةِ سورة الذاريات ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ فلا نعيدها..
الآية الثانية قوله -تبارك وتعالى-: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: 36].
الطاغوت عرَّفناه، الطاغوت من يُعرّفه لنا؟
{طالب: الطاغوت لغةً هي: تجاوز الحد}.
الشيخ: نعم؛ من الطغيان.
{طالب: كل ما تجاوز الحد من معبودٍ أو متبوعٍ أو مُطاعٍ}.
الشيخ: كل ما تجاوز الحد من معبود أو متبوع أو مطاع، فلا نعيد شرحها مرة أخرى.
اليوم نأخذ الدليلَ الثالث، قوله -تبارك وتعالى-: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ ولَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [سورة الإسراء: 23، 24].
سنجد أنها نفس قوله -تبارك وتعالى- في آية النساء: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ﴾ [النساء: 36]، نفس القضية ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الأنعام: 151].
فجاءت هذه الآيات نجد نفس القضية، أو نفس الموضوع هو قضية واحدة في ذلك.
نرجع إلى هذه الآيات التي معنا، قوله -تبارك وتعالى- ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾.
الآيات الثلاث، آية الإسراء، آية النساء، آية الأنعام.
ثلاث آيات، قرَن الله تعالى توحيده ببـرِّ الوالدين، ولذلك قال أهل العلم: قرَن الله -عز وجل- التوحيد ببر الوالدين، التوحيد مقرون ببر الوالدين، وذكر الله -عز وجل- حقوق العباد، كما مرَّ في هذه الآيات.
وآية الإسراء ذكر الله -عز وجل- فيها حقوقًا كثيرة جدًّا عندما نتأمل الآيات فيها، لكن ستأتينا في الآيات بعدها، بالتالي نحن لا نأخذ تفصيلاً، الآيات طويلة جدًّا في هذه السورة.
والمؤلف أراد هذه الآية ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾.
ما معنى وقضى ربك؟
{طالب: بمعنى شَرَعَ ووصّى}.
الشيخ: شَرَعَ وَحَكَمَ.
طيب.. ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: 4].
ما معنى قضى هنا؟
{طالب: معناها حكم}.
الشيخ: معناه حكم الله، طيب.. ما الفرق بين "قضى" هنا و"قضى" هنا، قوله -تبارك وتعالى- ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، وقوله -تبارك وتعالى- ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾.
القضاء هنا هذا هو القضاءُ الشرعي، والأمر الشرعيُّ الذي أمَر الله به عباده المؤمنين، أما ﴿ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ ﴾ فهو القضاءُ الكونيُّ، أنَّ الله -عز وجل- قدَّر كونًا وأزلاً أن هذا سيكون، أما هذا فهو بمعنى الأمر من الربِّ -سبحانه وتعالى-.
﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ حكم ربك -سبحانه وتعالى- ألا تعبدوا إلا الربَّ -سبحانه وتعالى- يعني قضى وحكم وشرع -سبحانه وتعالى- أنكم تعبدون الله -سبحانه وتعالى- ثم قال ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾.
أين حق الرسول -صلى الله عليه وسلم- في ذلك؟
{طالب: مقتضاه أنه فيما شَرَعَهُ الله -سبحانه وتعالى- أنها تكون بما شرَعه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-}.
الشيخ: أين حق الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيه، الله -عز وجل- قال ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ هذا الربّ -سبحانه وتعالى-.
قال: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾.. أين حق الرسول؟
{طالب: من مقتضى عبودية الله -عز وجل- }.
الشيخ: عبودية الله -عز وجل-، وهذا رسوله -صلى الله عليه وسلم- الذي عليك طاعته -عليه الصلاة والسلام-، ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾، لا يُعبَد غير الله -سبحانه وتعالى- وهو معنى أشهد ألا إله إلا الله هذه ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾، ثم قال: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ﴾؛ أي: أدنى الكلام وأدنى الأذى أن تقول لهما هذه الكلمة: التَّأفُّف، ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء: 23]؛ أي قل لهما كلامًا جميلاً لطيفًا، لا تُزعجهم بهذه الكلمات، لماذا؟
بَيَّن الله ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 24]، أنت محتاج وصغير وضعيف، ومع ذلك هم الذين اعتنوا بك، وهم الذين ربَّوك، وهم الذين قاموا بالعنايةِ بك، حتى بلغت ذلك، ثم هم ضعُفوا وكبروا في السنِّ، ثم احتاجوا إليك مرةً أخرى، فيجبُ عليك أن: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾، أن تتواضع لهم، وتخضع لهم بالقول، وتقول لهم الكلام الطيبَ، وتقول لهما الكلام الجميل.
ثم ذكَر الله -عز وجل- الحقوق الأخرى، قال: ﴿وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ﴾ فذكر الله -عز وجل- هذه الحقوق التي تأتينا في الآية بعدها.
أيضًا قال الله -عز وجل- في الآية: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾.. من يقرأ لنا الآية، وكم فيها من الحقوق؟
{طالب:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ [النساء: 36]}.
إذن: في هذه الآية الحقوق التي ذكرها الله -عز وجل- قال: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ﴾ هذا أمر، اعبدوا الله أيها المؤمنون، وأيها المسلمون، وأيها الناس اعبدوا الله، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾، و: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ﴾، ثم قال: ﴿ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾، انظروا هنا ﴿شَيْئًا﴾ جاءتْ هنا، ثم جاءت هنا "شيئا"، ثم جاءت أيضًا في الأحاديث التي بعده، ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾.
و﴿شَيْئًا﴾ نكرة في سياق النهي، فتعمُّ كل شيء، لا تشركوا بالله -عز وجل-، لا قليلا ولا كثيرا، ويتعلق قلبك بالله رب العالمين.
﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ هنا يدخل حق الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الآية، كما دخل معنا فيما مضى، ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ عبادة الله طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
ثم قال: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، هذا هو الحق الأولُ. إذن الحق الأول قال: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ﴾ نعدّ هذه الحقوق في الآية؛ حتى نطبقَها، لا يكون قولنا.
﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾، الحق الأول قال: عبادة الله -سبحانه وتعالى- وهذه أعظم الحقوق، فإن الله هو الذي خلَقك ورزقك، وهو الحي القيوم، كلُّ أمرك بأمر الله -سبحانه- ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾، لا قليلا ولا كثيرا، لا شركا أصغرَ ولا شركا أكبر، فيجبُ معرفة ذلك.
ثم قال: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، هذا أولُ الحقِّ إليك، وحق الرسول -صلى الله عليه وسلم- داخل في عبادةِ الله؛ لأنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
الحق الثاني: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى﴾، أقاربك سواء من جهة الأب أو من جهة الأم، كلهم لهم عليك حق.
﴿وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى﴾، وهو الذي فقد والده صغيرًا، ﴿وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى﴾ جارك قريبُك، إذا كان جارك قريبك، فله حق الجوار، وحق القرابة، وحق الإسلام. له ثلاثة حقوق. تُحسن إليه أكثرَ مما تُحسن إلى غيره.
﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ﴾ الجار الجنب ما هو؟
{طالب: الجار غير القريب}.
يعني غير القريب، حتى ولو كان كافرًا فإن له حقا، إذا كان مسلمًا؛ فله حق الإسلام وحق الجوار، وإذا كان كافرًا؛ فله حق الجوار. حتى لو كان كافرا، فإنك تحسن إليه.
﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ﴾ الصاحب بالجنب: كل الذي يُصاحبك في سفرٍ، الذي يُصاحبك في طريق، الذي يُصاحبك في سكنٍ له حق، الزوجة لها حق.
والصاحب بالجنب يشمل كل ذلك في هذه الآيات.
الحق الأخير ما هو؟
﴿وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ ما تملك حتى من البهائم، فإنك يجب أن تُطعمها وتقوم برعايتها.
إذن هذه الحقوق نعيدها مرة أخرى.
﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ﴾ عبادة الله، الوالدين، وذي القربى، واليتامى، والمساكين، والجار ذي القربى، والجار الجنب، والصاحب بالجنب، وابن السبيل المسافر له حق، وما ملكت أيمانكم.
عشرة حقوق ذكرها الله -عز وجل- في هذه الحقوق، أعظمها من الحقوق، وأول هذه الحقوق هو حقُّ الرب -سبحانه وتعالى- ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾.
الدليل الثاني هو هذه الآية، آية الأنعام وهي ثلاث آيات، والله -عز وجل- ختم كل آية قال: ﴿ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ﴾، ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾، ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، وهي عشْر وصايا عظيمة، أفْرَدَها بعض المؤلفين، سماها الوصايا العشر.
نسمعها.
{طالب:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الأنعام: 151]}.
الشيخ: قال ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ من يأخذ هذه الوصايا ويُطبّقها فهو عاقل.
{طالب:
﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: 152-153] }.
الشيخ:
نعم.. جزاك الله خيرًا، شكر الله لك.
قال ابن مسعود -رضي الله عنه- صاحب الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "من أراد أن ينظر إلى وصية محمد -صلى الله عليه وسلم- التي عليها خاتمه، فليقرأ قوله تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ﴾ الأنعام، هذه الآيات".
هذا تفسير ابن مسعود -رضي الله عنه- وهو تفسير يُستأنس به، أما أنه ثابت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو ثابت عن عبد الله بن مسعود، فنظنه لا يصحُّ سنده، أو لم يوجد له سند، لكنَّ تفسيره مشهور في كتب التفاسير.
الحجة عندنا في قول الله -تبارك وتعالى-، ومن لم ينتفع بقولِ الله، فلن ينتفع بقول أحد من البشر أبدًا.
هل فعلاً الرسول -صلى الله عليه وسلم- كتب وصية، وقال: هذه وصيتي، أم أن ابن مسعود -رضي الله عنه- رأى أن هذه الآيات اشتملت كل أمور الدين؟
{طالب: لم يكتب النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن استنبط ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- من هذه الآيات}.
الشيخ:
وما الدليل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكتب وصية؟
{طالب: لأنه لم يوجد نص}.
الشيخ: بل وُجد في البخاري، سُئل عليٌّ -رضي الله عنه- قال: هل أسرَّ لكم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بشيء؟ قال -رضي الله عنه-: والذي برأ النَّسَمَةَ لم يُوصِ لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشيء، إلا بما في هذه الصحيفة، قال: وما في هذه الصحيفة؟ أحكام الدية، وألا يُقتَل مسلمٌ بكافر، وفهْم يُؤتيه الله -عز وجل- رجلا من المؤمنين.
إذن: لم يُوصِ النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكنَّ عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- لَمَّا تأمل الآياتِ؛ وجدها اشتملت على كل القضايا التي جاءت فيها الشريعةُ الإسلامية، والقضايا المهمة، ماذا قال؟ قال: "هذه وصية الرسول -صلى الله عليه وسلم-"؛ أي إنها شَمَلَتْ كل القضايا في ذلك.
﴿قُلْ تَعَالَوْا﴾: قل يا محمد: تعالوا، هلموا، أقبلوا، يا أيها الناس، أقبلوا كلكم أقبلوا، تعالوا أُبيِّن لكم ما حرَّم الله -عز وجل- عليكم.
الآن نجد في الأرض كثيرًا من الناس يُحرِّم أشياء ويُحلل أشياء، ويمنع أشياء، ويحرم ناسًا من أموالهم، ويحرمهم من أمور كثيرة، أو يُوجب عليهم أشياء ما أوجبها الله -عز وجل- عليهم، لكنَّ الله -عز وجل- أمَر رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يخاطبَ الناس كلهم ﴿قُلْ تَعَالَوْا﴾ أقبلوا إلينا حتى نُبيِّن لكمْ ما حرَّم الله -عز وجل- عليكم، تعالوا أتلُ عليكم، أقرأ عليكم ما حرَّم ربكم عليكم.
أول المحرماتِ هو الشرْك بالله، وأول الواجباتِ -ما دام الشرك محرما-؛ فيكون أول الواجبات هو توحيد الله، وإخلاص العبودية لله -عز وجل-، ولفظ الشرك، هذا اللفظ سيأتينا ونُفسره إن شاء الله، ليس الشرك كما ذهب بعض المؤلفين الذين لم يعرفوا نصوصَ الكتاب والسنة، ولذلك ذهبوا إلى أن الشرك هو جُحود الرب أو غير ذلك، لا؛ فالشرك هو «أن تجعل لله ندًّا وهو خَلَقَكَ».
﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾، "شيئا" نكرة في سياق النفي، وهي لا يجوزُ أن تشرك بالله، لا قليلا ولا كثيرا، ولا شيئا أصغر، ولا أكير.
﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾، ثم الحق الثاني ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ فلما وصى بالوالدين، ويدخل فيه الجدُّ وما ارتفع؛ وصَّى بالأولاد قال: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ﴾، ولذلك قال: ﴿ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾.
لَمَّا كانت في الآية الأخرى قال: ﴿خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ﴾، أما هنا ﴿مِنْ إِمْلَاقٍ﴾؛ أي من فقرٍ، لا تقتلوا أولادَكم من الفقرِ، فإن هذا أمرٌ عظيمٌ مُحرمٌ، لا يجوزُ لإنسان.
قال: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾، هذه الوصايا والأوامر جاءت أيضًا في سُورة الإسراء، لكنَّها أطول، في تفسير أطول في ذلك.
قال: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ ما كان مُستفحشًا عند الناس، وما كان خفيًّا يُسِرُّه الناس؛ كل ذلك ابتعدوا عن هذه الفواحش، وعن هذه المحرمات.
ثم قال: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾، ما هي النفس التي حرَّمها الله؟
{طالب: النفس المؤمنة، والنفس المعصومة}.
الشيخ: ما هي النفس المعصومة؟
{طالب: الكافر}.
الشيخ: كل كافر؟
{طالب: المعصوم من المعاهَد}.
الشيخ: المعاهَد والذِّمِّي والمستأمَن.
إذن: الأنفس المعصومة هي نفْس المؤمن، لا يجوز قتلها، وأيضًا الكافر، وهذا من رحمة الله -عز وجل-.
يخرج بين حين وآخر بعضُ الناس وبعض من يدَّعي أنه على السُّنةِ، أو أنه على التوحيد، أو يسمي نفسه، ثم يقتلون الناس ويُفجِّرون الناس، هذه ليست وصيةَ الله، انظروا وصية الله -عز وجل- التي وصَّى بها العباد: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾، ثم ختم هذه الوصية بقوله: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾، المسلم ما جاء لسفك الدماء، ولا لقتل ولا لترويعٍ، كل ذلك الإسلام بريء من هذا الباطل، نعوذ بالله من الخذلان.
ثم قال: ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ﴾ هذه وصية من الله، ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾، لو تمسكتَ بهذه الوصايا؛ فأنت عاقل، من يتمسك بهذه الوصايا يكون عاقلاً.
قال: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾، أي مال اليتيم لا تقربْه إلا بأحسنِ الأمور، التي يكون فيها نفع له، ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ﴾ القسط يعني العدل.
﴿لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾، لماذا قال هنا ﴿لَا نُكَلِّفُ﴾، ثم قال: في الآية التي بعدها ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾؟ لماذا لم يقل بعدها: ﴿لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾؟
لأنَّ العدل بالقول سهل، بينما إيفاء الكيل والموازين قد يقع الإنسان في سهو، قد يقع منه تقصير، فرحم الله العباد ولطف بهم، وقال: ﴿لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ﴾ عهْد الله ما هو؟
توحيدُه وإخلاص العبودية لله -عز وجل-، العهود التي يقدمها الإنسان يجب أن يوفي بها، ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
ثم ختم بهذه الوصية ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا﴾، صراط الله مستقيم. دين الله مستقيم، قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- «افترقت هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة».
«افترقت اليهود على إحدى وسبعين، والنصارى على ثِنتين وسبعين، وهذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة»، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: «من كان على ما أنا عليه وأصحابي».
فنجد أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بيَّن أنَّ افتراق هذه الأمة، قال: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي﴾، الصراط هو صراطُ الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -صلى الله عليه وسلم-.
ونحن ذكرنا لكم في الدرس الأول أئمة أهل السنة من جميع المذاهب من مذاهب أهل السنة من الشافعية ومن المالكية ومن الحنفية، وغيرهم، كل هؤلاء يقولون بالسنة ويُبيِّنونها ويَدْعون إليها، وينشرونها بين الناس -رحمهم الله تعالى-.
من الأشياء الجميلة حقيقة، أنا تابعت منتدى المقرر، فوجدت فيه حقيقة مشاركات جيدة، وفيه بعض التعليقات الجيدة، مثلاً حول تأمل آية الكرسي، وكيف أن الإنسان يَتعبد الله بهذا التأمل، ويعبد الله -عز وجل-.
أيضًا هناك سؤال قال: أنه ذكرنا في أول الدروس أن أهل السنة طوائفُ، فكان جواب أحد الإخوة جوابا مُسَدَّدا، وقال إن مرادنا أن أهل السنة كثير، أو بعض الناس للأسف الشديد خصوم السنة أو الذين يُعادون سُنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقولون الذي يقول بالسنة ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وانتهت القضية. لا يوجد.
فنحن سردنا لكم الكثير، أو بعض أئمة أهل السنة فيها، وأهل السنة -ولله الحمد- معتقدهم واحد، لو تأملنا معتقد أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- ابن عباس، عمر بن الخطاب، الخلفاء الراشدين الأوائل أبي بكر، عمر، ثم عثمان، ثم عليّ، ابن عباس، كبار أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، التابعين، الأئمة الأربعة، كلهم اعتقادهم واحد، وهو الذي ندرسه، وهو الذي نقول به، وهو الذي نعتقده بحمد الله -عز وجل-.
﴿وأن هذا صراطي مستقيمًا﴾، صراط الله مستقيم، واضح وبيِّن، فلا يحتاج ..، ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، إن اتبعتم صراط الله -عز وجل- ستكونوا متقين في ذلك.
أيضًا من براهين التوحيد، حديث معاذ -رضي الله عنه-.
من يقرأ لنا الحديث؟
{طالب:
بسم الله الرحمن الرحيم
(عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: كنت رَدِيفَ النبي -صلى الله عليه وسلم- على حمار فقال لي: «يا معاذ، أتدري ما حقُّ الله على العباد، وما حق العباد على الله؟» فقلت: الله ورسوله أعلم. قال: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله ألا يُعذّب مَنْ لا يُشرك به شيئًا»، قلتُ: يا رسول الله، أفلا أُبشِّر الناسَ، قال: «لا تُبشرهم فَيَتَّكِلُوا». أخرجاه في الصحيحين)}.
الشيخ: هذا معاذ -رضي الله عنه- كما تعلمون -رضي الله عنه- كان شابًّا، وعندما أرسله النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن واليًا، كم كان عمره؟ تسع عشرة سنة، أو أقل من ذلك.
هذا معاذ -رضي الله عنه- قال: كنت رديف النبي -صلى الله عليه وسلم-. ما معنى رديف؟
الرديف: هو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان راكبًا حمارًا، الحمار هل هو من المركوبات المرفهة الكبيرة؟
كلا.. يعني من المركوبات المتواضعة، ولذلك سيد البشر -عليه الصلاة والسلام- محمد -صلى الله عليه وسلم- يركب الحمار، وأيضًا يكون معه شخص آخر راكب على نفس الحمار.
رديف معناه: يركب خلفه، يركب خلف النبي -صلى الله عليه وسلم-، رديف النبي -صلى الله عليه وسلم- على حمار، هذا من تواضُع سيد البشر -عليه الصلاة والسلام-، فسأل معاذًا هذا السؤال، هذا مناهج في التعليم للنبي -صلى الله عليه وسلم-.
قال: «يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد؟». ما هو الحق الذي أوجبه الله؟
هل أهل السنة يُوجبون شيئًا على الله -سبحانه وتعالى-، هل نوجب على الله شيئًا؟.
{طالب: معاذ الله}.
وما الدليل؟
أهل السنة لا يوجبون على الله -عز وجل- شيئًا، لكنَّ الله -سبحانه وتعالى- يوجب على نفسه ما يشاء، قال الله تعالى: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾، هو الذي كتب، وهو الذي أوجبه تفضلاً ورحمة وإحسانًا من الربِّ -سبحانه وتعالى-.
أما قول المعتزلة أنه يجبُ على الله فعل كذا؛ فهذا -حقيقةً- من قُبح القول، ومن قبح الأفعال التي لا يجوز لمسلمٍ أن يقولها بأي حال من الأحوال، فلذلك نحن لا نُوجب على الله شيئًا، والله -سبحانه وتعالى- تفضلاً منه، وإحسانًا إلى عباده المؤمنين أوجب، ولذلك قال: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾، وقال -سبحانه- قال تعالى في الحديث القدسي: «يا عبادي، إني حَرَّمْت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا»، فالله الذي أوجب على نفسه، وحرم على نفسه -سبحانه وتعالى-.
«يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟».
ما هو الحق العظيم الواجب على العباد؟ فقلت: الله ورسوله أعلم. هذا من أدب معاذ -رضي الله عنه-.
قال: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا».
انظروا.. القضية تكررت أم لم تتكرر؟
نجدها ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾، ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾.
تكرر نفسُ النص ونفس اللفظ، فلذلك أُطلق على هذا توحيد العبادة؛ «أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا»، ولذلك الإنسان الذي يَعرف ألفاظَ الكتاب والسنة يعرف ما هو الشرك الذي ورد في كتاب الله -عز وجل-، وما هي النصوص الثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قال: «حق الله أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا».
وهذا هنا ماذا؟ قال: «ألا يُعذب مَن لا يشرك به شيئًا».
وهذا سيأتينا في الباب التالي إن شاء الله وهو: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام: 82].
فالأمن التام إذا سَلِمْتَ من الشرك الصغير والكبير كله، فيكون الأمن تام، بِحَسَبِ تمسكك بهذه القضية، السلامة من الشرك كُلِّه، والقيام بواجب العبادة، يكون الأمن يوم القيامة، فبِحَسَبِ تمسُّك الإنسان، يكون أمنه يوم القيامة، فمثلاً أصحاب الكبائر، هو يأمن من شيء، لكنه لا يأمن من شيء آخر، يأمن من الخلود في النار، إذا كان من أهل التوحيد، فأهل الكبائر إذا كان من أهل التوحيد، فإنه يأمن من الخلود في النار، لكنه لا يأمن من العذاب -أعاذنا الله وإياكم-.
«وحق العباد على الله، ألا يُعذب من لا يشرك به شيئا»، يعني من يعبد الله حق عبادته، وسلم من الشرك قليله وكثيره.
فقلت: يا رسول الله: أفلا أبشر الناس؟
الواجب على المسلم أن يُبشّر إخوانه المسلمين، يُعطيهم البشرى، القضية الجميلة، الأمر المحبوب لأنفسهم أن يبشر الناس.
فقال معاذ: هل أبشِّر الناس يا رسول الله؟
فقال الرسول: «لا تُبشرهم فَيَتَّكِلُوا».
أخرجاه في الصحيحين؛ أي في صحيح الإمام البخاري ومسلم، ولذلك قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «لا تبشرهم فَيَتَّكِلُوا».
ما معنى "يَتَّكِلُوا"؟
يتقاعسون عن العمل، فلذلك يكون فيه حثٌّ على العمل. لماذا أخبر إذن معاذٌ -رضي الله عنه- بعد ذلك؟
أخبر هذه البشرى تأثُّمًا؛ حتى لا يكون كَتَمَ شيئًا من العلْم -رضي الله عنه-، ولذلك بلَّغ بهذا الحديث.
ولذلك إذا فُهِمت هذه الأحاديث مع غيرها من الآيات وغيرها، فتكون القضية واضحة.
ولذلك جاء النص فيه: ﴿ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾، وهذا ما وقع فيه بعض المرجئة أنهم قالوا أن الإنسان بمجرد أن يقول: لا إله إلا الله، يكون إيمانك مثل إيمان أبي بكر الصديق.
إذن نعود إلى الباب الأول، ونُكرره، وأنا أنصح بحفظه؛ لأنه -كما ترونها- نصوص من القرآن، ونصوص من سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
أدلة وبراهين التوحيد فقوله -تبارك وتعالى-: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾، ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، وأيضًا قوله: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾، وقوله: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾.
وحديث معاذ -رضي الله عنه-: كنت رديفَ النبي -صلى الله عليه وسلم- على حمار فقال لي: «يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟» فقلت: الله ورسوله أعلم. قال: «حق الله على العباد، أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله ألا يُعذّب من لا يشرك به شيئًا». قلت يا رسول الله: أفلا أبشِّر الناس، قال: «لا تبشرهم فَيَتَّكِلُوا».
إذن هذا هو الباب.
سنأتي للباب الذي يَليه، وهو الباب الثاني: فضل التوحيد وما يُكفِّر من الذنوب.
إذن عندنا في هذا العنوان الآن قضيتان.
القضية الأولى ما هي؟
{طالب:
القضية الأولى: فضل التوحيد. والقضية الثانية: ما يُكفِّر من الذنوب}.
الشيخ: إذن عندنا مسألتان:.
المسألة الأولى فضل التوحيد، وأن القضية الواجبة العظيمة فضلها عظيم، يعني أن الواجب قد يكون واجبًا متحتمًا على الإنسان، وأيضًا فضله عظيم، وأجره عظيم عند الله -سبحانه وتعالى-.
القضية الثانية: تكفير التوحيد للذنوب.
(باب فضل التوحيد وما يُكفِّر من الذنوب، وقول الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾، وحديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- ..).
من يقرأ لنا؟
{طالب:
عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق؛ أدخله الله الجنةَ على ما كان من العمل»، أخرجه البخاري ومسلم.
ولهما في حديث عتبانَ: «فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجهَ الله».
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «قال موسى: يا ربّ، علمني شيئًا أذكرك وأدعوك به، قال: يا موسى، قل: لا إله إلا الله، قال: يا رب: كل عبادك يقولون هذا. قال: يا موسى: لو أن السماوات السبع وعامِرَهُنَّ غيري، والأراضين السبع في كِفَّة، ولا إله إلا الله في كِفة، مالت بهن لا إله إلا الله»، رواه ابن حِبان والحاكم وصححه.
وللترمذي وحسنه، عن أنس -رضي الله عنه- سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «قال الله تعالى: يا ابن آدم، لو أتيتني بِقُرَابِ الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تُشرك بي شيئًا؛ لأتيتك بقرابها مغقرة»)}.
(الشيخ:
نعم.. هذا هو الباب الثاني، وهو فضل التوحيد، وما يُكفِّر الله به من الذنوب. فالتوحيد يُكفّر الله به من الذنوب، والخطايا الأمرُ العظيم، ولذلك التوحيد -كما قال أهل العلم- له نور، التوحيد له نور، ولذلك تجد في وجوه الموحدين النور واضحًا عليهم، ولذلك الإنسان حرصه على توحيد الله وإخلاص العبودية لله، ومعرفة ذلك بنصوص الكتاب والسنة، وألا يستسلم الإنسان لأقوالِ أحدٍ من البشر. بل يعرفُ ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾، إذن عندنا قضيتان في هذه الآية، الأمن والاهتداء.
أيهما يسبق الآخر؟
{طالب: الأمن يسبق الاهتداء}.
الشيخ: أم الاهتداء هو الذي سبق الاهتداء؟
الاهتداء في الدنيا، والأمن في الدنيا والآخرة، فإذن ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾، لما نزلت الآية، قال الصحابة، يلبسوا ما معناها؟
{طالب: بسم الله الرحمن الرحيم. يلبس بمعنى: يخلطه.}
(الشيخ:
﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾، الصحابة لما نزل عليهم ذلك، قالوا يا رسول الله وأينا لم يظلم نفسه؟!
فبماذا فسرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟
{طالب: فسرها بأن الظلم بالشرك}.
الشيخ: والدليل؟
{طالب: الدليل قول لقمان عليه السلام}.
الشيخ:
قال: «ألم تسمعوا قول الرجل الصالح: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13]».
كما تعلمون، ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾، الظلم كما تعلمون يا إخواني ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
أعظم الظلم وهو الشرك، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾.
الثاني: أن يظلم الإنسان نفسه بالمعاصِي، أن يعصيَ الله -عز وجل- يتعرض لما نهى الله -عز وجل- عنه، فهذه معصية، ومعصية الإنسان لربه هذا أمر عظيم يجب عليه أن يَحْذَرَ من ذلك.
القضية الثالثة: ظُلم العباد، حقوق العباد، فلو تأخذ من أحد من الناس مثل هذا العود من الأراك، يعني هذا السواك، لو تأخذه من أحدٍ من الناس ستأتي به، مسلم أو معاهد أو ذمي حتى ولو كان كافرًا معاهدًا أو ذميًّا، فإنه لا يجوز أن تأخذ من أحد من المسلمين، أو ممن يعيش معهم من غيرهم من أهل الكتاب، أو غيرهم من الكفار الذين أعطاهم المسلمون العهود؛ فإنه لا يجوز. أرأيتم هذا شيئًا يسيرًا، ومع ذلك، لو أخذته ستأتي به يومَ القيامة، فكيف الذي يأتي، وقد تكلم في عِرض هذا من الناس، وتكلم في فلان الطويل، وفلان العريض، وفلان الكذاب، وفلان..؟! هذا لا يريده الإنسان.
ولذلك حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي بعد ذلك، أو في الباب الذي سيليه فيه تربية نبوية.
قال: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ﴾ لهم ماذا؟ الأمن، ﴿وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾، هم اهتدوا في الدنيا إلى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ﴾، فالذي يتبع ويهتدي إلى الصراط، ولذلك الإنسان كل يوم يقوم بين يدي ربه يقول ماذا؟ ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: 6]، يطلب الهدايةَ من الله إلى هذا الصراطِ.
﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ﴾ لم يخلطوا إيمانهم بشيءٍ من الظلم، لهم الأمن.
إذا كان إيمان الإنسان تامًّا؛ فله الأمن التام، وإذا كان إيمانه ناقصًا؛ فالأمن ناقص، وإذا كان الإيمان معدوما فالأمنُ معدوم، ولذلك يكون الإنسان يوم القيامة على هذه الأحوال، من كان إيمانه تامًّا، يكون أمنه تامًّا يوم القيامة، ومن كان إيمانه ناقصًا يكون أمنُه ناقص، ولذلك الذي يأتي بالكبائر والمعاصي، فإنه مُتَوعَّد بعذابِ الربّ -سبحانه وتعالى- أعاذنا الله وإياكم.
ولذلك جاء الوعيدُ بكثير من الأعمال التي يراها كثير من الناس أنها يسيرة، وأن الأمر فيها يسير جدًّا، فجاء التحذير في هذا الأمر. ولذلك جاء الأمر في هذه القضية: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ﴾، فيحذر الإنسان في ذلك. وأعظم الإيمان إخلاص العبودية، فإذا وحَّد الإنسان فإنه يكون له الأمن.
عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري ومسلم، أخرجاه يعني: البخاري ومسلم، قال: «من شهد أن لا إله إلا الله، وحْدَه لا شريك له».
يشهد: هذه شهادة التوحيد، سيأتينا إن شاء الله باب بعنوان "باب تفسير شهادة التوحيد"؛ شهادة أن لا إله إلا إله:، وقلنا: إن لا إله إلا الله معناها لا معبودَ بحقٍّ إلا الله، كما قال الله تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ﴾.
«وأن محمدًا عبده ورسوله» ولذلك جاء وصف الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أعظم المواضع بالعبوديَّة، ولذلك الذي يرفعُ الرسول -صلى الله عليه وسلم- فوق مكان عبوديته لله -عز وجل- فهو مخالف، ولذلك قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- «لا تُطْروني كما أطرتِ النصارى عيسى بنَ مريمَ».
ما هي المواضع التي وصف الله رسوله بها بالعبودية في القرآن الكريم؟
من يذكر لنا؟
{طالب: في سورة الإسراء قال تعالى ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ [الإسراء: 1]، سماه بالعبودية، كذلك: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾ [سورة الكهف: 1]}.
نعم.. نكتفي بهذه الأمثلة، في كتاب الله -عز وجل- كثير، لكن الإسراء وهو المكان الذي لم يصل إليه أحد من البشر، ووصف الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- بماذا؟ بالعبودية، إنزال الكتاب أيضًا وَصَفَ رسوله -صلى الله عليه وسلم- بالعبودية.
«وأن عيسى عبد الله ورسوله عليه الصلاة والسلام»، عيسى -كما تعلمون- صار فيه الخلاف، اليهود قالوا فيه ما قالوا من أقوالهم الشنيعة، ما قالوا فيه أنه ابن زنى، وقالوا أقولاً شنيعة. والنصارى ماذا قالت؟ قالت هو الله. فالمسلمون يشهدون أنه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، ما هي الكلمة؟ ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: 59]، فالكلمة ﴿قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾، ألقاها إلى مريم، وروح منه: روح صادرة من الله -سبحانه وتعالى-.
«والجنة حق، والنار حق؛ أدخله الله الجنة على ما كان من العمل».
لماذا قال: «وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له»، وأيضًا قال: أخرجاه -يعني في الصحيح البخاري ومسلم-.
وحديث عتبان -رضي الله عنه- «فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله».
هذا أحد شروط لا إله إلا الله. ما هذا الشرط؟
{طالب: الإخلاص}.
الشيخ:
الإخلاص لله ربِّ العالمين. هذا الشرطُ من شروط لا إله إلا الله، ولذلك شُروط لا إله إلا الله ثمانية شروط. ما هي؟
شروطها ذكرها الراجز في سبعة شروط، وزيد الثامن الكفر بما يُعبد من دون الله.
شروطها سبعة شروط:
العلمُ واليقينُ والقبولُ *** والانقيادُ، فادرِ ما أقولُ
والصدقُ والإخلاصُ والمحبهْ *** وفَّقك الله لِما أحبهْ
وثامنها: الكفر بما يُعبد من دون الله -عز وجل-.
حتى نختم هذا الباب، أيضًا عن أبي سعيد -رضي الله عنه-، وهذا الحديث كما ترون رواه ابن حبان والحاكم وصححه الحاكم، لكنَّ في سنده مقالا، وهو من المُتَابعات والشواهد، لكن ليس من الأسس أو من الأصول، الأصول كم ترون أحاديث صحيح البخاري، وصحيح الإمام مسلم، وآيات كتاب الله -عز وجل-.
«قال موسى: يا ربّ، علمني شيئا أذكرك وأدعوك به، قال: يا موسى، قل: لا إله إلا الله،
قال: يا رب، كل عبادك يقولون هذا، قال: يا موسى، لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري»؛ يعني خالقهن، «والأراضين السبع في كِفة، ولا إله إلا الله»؛ يعني «في كفة؛ مالت بهن لا إله إلا الله» يعني مِن عِظَم هذه الكلمة.
هذه الكلمة كلمة عظيمة جليلة، ولذلك انظر.. قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي، لا إله إلا الله».
فهذه الكلمة العظيمة معناها لا إله إلا الله، لكن من الناس من يقولها، ولا تكون له شيئًا، ولا يُقيم لها وزنًا، لماذا؟ لأنه لم يعرف معناها، وإنما قول، ولذلك الله -عز وجل- أخبرنا عن المنافقين ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾، يعني مؤكد إنَّ، ولرسول الله اللام، ﴿إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾، ما يُقبل منهم هذا الكلام أو هذا الفعل.
وللترمذي وحسَّنه، يعني الحديث هذا حسنه الترمذي وصححه أهل العلم هذا السياق الذي أمامنا.
قال الله تعالى «قال الله تعالى يا ابن آدم، لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا» يعني أتيت بما يوازي قُراب الأرض، ملء الأض يوازي قدر ملء الأرض من الخطايا
«بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغقرة».
إن الله -عز وجل- ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: 48].
نحن نريد الآن أن نقف مع بعض الأسئلة للإخوة، أسئلة الاستفسارات التي يبدو بحمد الله -عز وجل- أن راجعنا من هذه الاستفسارات شيئًا؛ حتى نكمل في هذه القضية، نكمل هذا الباب الذي بدأنا به بإذن الله -عز وجل-.
الأسئلة إن لم تصلنا الآن، إن شاء الله نعرضها في اللقاء القادم بإذن الله -عز وجل-.
أيضًا سيكون هناك ما يُقارب جلسة لجميع الملتحقين بالأكاديمية، كفصول افتراضية بإمكانهم أن يتواصلوا معنا -إن شاء الله- مباشرة. سيُعلن عنها وعن موعدها بإذن الله -عز وجل- خلال الأوقات القادمة إن شاء الله تعالى.
لعله يكون موعدها إن شاء الله خلال هذا الأسبوع، أو الأسبوع القادم يُعلَن للجميع بإذن الله -عز وجل- وبإمكان الجميع أن يتواصل معنا إن شاء الله تعالى.
إذن: نعود لهذا الباب الذي كنا فيه قبل قليل، وهو فضل التوحيد وما يُكفِّر من الذنوب.
فالدليل الأول مرَّ معنا، وهو قول الله -تبارك وتعالى- ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾.
الحديث الثاني، حديث عبادة بن الصامت، وفيه هذه الشهادة العظيمة، شهادة أن لا إله إلا الله وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
الحديث الثالث، حديث عتبان -رضي الله عنه- قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله» يعني مخلص لله -عز وجل-
الحديث الثالث حديث أبي سعدي الخدري -رضي الله عنه- فإنه جاء في فضل هذه الكلمة.
الحديث الرابع والأخير الذي فيها، حديث الترمذي وكما قلنا لكم هذا النص من هذا الحديث، الحديث أطول من هذا السياق، وهو حديث قدسي، إذا قال «قال الله -عز وجل-» معناه أن الحديث أنه قال الله -عز وجل- حديث قدسي، «قال الله تعالى: يا ابن آدم، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا».
انظروا، دائمًا التأكيد على هذه اللفظة، وقال ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾
«حق الله على العباد أن يعبدوه، ولا يُشركوا به شيئًا».
هنا «لقيتني لا تشرك بي شيئًا»؛ يعني سَلِمَ من الشرك الأكبر والأصغر، ولذلك تكون هذه الذنوب تحت مشيئة الربِّ تعالى، إن شاء عفا عنها، وإن شاء؛ أخذ بها -سبحانه تعالى- في ذلك. «لأتيتك بقراها مغفرة».
سيكون عندنا إن شاء الله الباب القادم بمشيئة الله باب تحقيق التوحيد.
وهذه الآيات لمن شاء منكم أن يحفظها يا إخواني، فأنا أنصح بحفظ هذه الآيات والأحاديث، وهذا الحديث أخرجه في الصحيحين.
ثم بعد ذلك سيكون عندنا "باب الخوف من الشرك" نتكلم عليه، سيكون قبل هذا الباب، باب الدعاء إلى التوحيد، أو الدعوة إلى توحيد الله -عز وجل- وهو في صحيح الإمام البخاري، هذا الحديث في الدعوة إلى التوحيد في صحيح الإمام البخاري في كتاب التوحيد، وهو أول باب من أبواب التوحيد في صحيح الإمام البخاري بإمكان الإنسان أن يحفظه من ذلك، سيكون قبل الكلام عن الشرك بمشيئة الله -عز وجل-.
سيكون بمشيئة الله تعالى نكون في هذا قد انتهينا من هذا الدرس بإذن، ويكون بعد هذا اللقاء المبارك درس صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله السلمي، مدرس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وهو ما شاء الله في علمه وجلالة قدره، وحفظه لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فأسأل الله جميعًا أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، إلى لقاء قادم بإذن الله تعالى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
نشكر حضوركم معنا، وأحيانًا نُثقل عليكم ببعض الأسئلة فتحملونا، القادم إن شاء الله أكثر، وأيضًا نشكر الإخوة والأخوات المشاهدين والمتابعين معنا على قناة المجد العلمية الفضائية، وقناة الحكمة الفضائية، ونشكر الإخوة القائمين معنا على هذا الجهد المبارك، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
تعليق