إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الدرس الثالث(براهين التوحيد وأدلته)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الدرس الثالث(براهين التوحيد وأدلته)

    رابط المحاضرة:
    http://www.youtube.com/watch?v=_b6uCJIenX4
    تفريغ المحاضرة:

    بسم الله الرحمن الرحيم،
    والحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أفضل الرسل والنبيين، اللَّهُمَّ صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولِك محمَّدٍ، وعلى آله وأصحابه وسَلِّم تسليمًا كثيرًا.
    نلتقي هذا اليوم في اللِّقاء الثالث، فنرحب بالإخوة والأخوات المشاهدين لقناة المجد العلمية، ولقناة الحكمة الفضائيَّة، وللإخوة في المواقع الإلكترونية، نرحب أيضًا بالإخوة معنا في الاستوديو، فأهلاً وسهلاً إلى روضةٍ من رياض الجنة، وإلى مجلسٍ من مجالس العلم، يُبَيَّن فيها أعظم قواعد الدين.
    اليوم بإذن الله -عز وجل- سيكون معنا موضوعاتنا وهي أسئلة اللقاء الماضي؛ لأننا لم نتمكن في اللِّقاء الماضي من إجابة الأسئلة كلها لأنَّها كانت كثيرةً جدًّا من الإخوة، ثم نتكلم بعد ذلك عن براهين التَّوحيد.
    سنتكلم اليوم -بمشيئة الله- عن أسئلة اللِّقاء الماضي، وإننا نرحب بكل سؤالٍ، وكلُّ مشاركٍ معنا له حقٌّ علينا أن نُجيب سؤالَه، ونُعالج الموضوع الذي طرحه، ولذلك جمعنا الأسئلةَ كما ترون أمامكم الآن، فجمعناها بشكل عامٍّ، ونتمنى أن نُوَفِّيها حقَّها، وإن كان الوقتُ قد لا يُسعفنا في ذلك كثيرًا.
    الأسئلة التي طرحتموها كما يظهر أمامكم على الشاشة هي:
    - هل قراءة كتاب "القول المفيد" تغني عن قراءة "فتح المجيد"؟
    - ما اسم الكتاب الذي ندرسه في العقيدة؟
    - يقول: وجدتُ في الكراسة الخاصَّة بالعقيدة أنَّ الكتابَ المُقَرَّر هو المُلَخَّص في شرح كتاب التَّوحيد، فهل نأخذ بهذا الكتاب أم نكتفي بمضمون هذه المحاضرت؟
    - ما الكتاب الذي تنصح به لكي يُساعد في دراسة التوحيد؟
    - ذكرتَ أن أطول شرحٍ لكتاب التَّوحيد طُبع في ثمانية مجلدات، أودُّ معرفةَ اسم الشرح واسم مؤلفه؟
    - هل يوجد كتابٌ مُعتمَدٌ لمادة العقيدة؛ لكي نتمكَّن من دراسة المادة عن طريقه، فهذا يُعيننا على حفظ المادة وتجاوز الاختبار بنجاحٍ؟
    كما ترون فإنَّ بعض الأسئلة مُكَرَّرةٌ، والإجابة عليها كالتالي:
    - كثير من الإخوة الذين تابعونا في الحلقات الماضية يظهر عندهم ما هو المقرر؟ فالمقرر هو كتاب "القول المفيد شرح كتاب التوحيد" للشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله تعالى- هذا هو الكتاب المقرر معنا.
    - هناك مرجعٌ مُساعدٌ موجود على الموقع يمكنكم أن ترجعوا إليه، أيضًا عندنا مرجعٌ مُساعدٌ ممكن وهو "عقيدة التوحيد" للشيخ صالح الفوزان، وهو أخصر من هذا الكتاب، والناشر دار العاصمة.
    - أكبر كتابٍ لشروح كتاب "التوحيد" هو "مغني المُرِيد الجامع لشروح كتاب التوحيد" تأليف عبد المنعم إبراهيم، والناشر مكتبة نزار الباز في مكة المكرمة، وقد طُبع عام 1420هـ في ثمانية مجلدات، في 3360 صفحة، فهذا ما يتعلق بالمرجع.
    - الحفظ: أنا أنصح أن تحفظ النُّصوصَ من كتاب "التوحيد"، وحفظها سهلٌ ويسيرٌ جدًّا، لكنَّها تحتاج من الإنسان أن يُراجعها.
    لقد أخذت الأسئلة المتعلقة بالمقرر، أمَّا الأسئلة التي لا تتعلق بالمقرر -يعني الأسئلة الفنية- فالإخوة في الجانب الفني يتولونها.
    هنا سؤال: ما معنى توحيد الأسماء الصفات؟
    من يشارك معنا من الإخوة، تفضل:
    {طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، المقصود به إفراد الله -سبحانه وتعالى- بأسمائه وصفاته المُختَصَّة به}
    نعم، هو ما ورد في كتاب الله وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- من أسماء الربِّ تعالى وصفاته، فهو يختَصُّ بتوحيد أسماء الله وصفاته، أي إثبات ما أثبته الله في كتابه، وما أثبته الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الأسماء والصِّفات، فنُثبت ما أثبته الله وما أثبته الرسول -صلى الله عليه وسلم.
    - هنا سؤال يقول: ما معنى التَّكييف؟ لم أفهمه!
    نحن قلنا: إثبات الصِّفات من غير تحريفٍ ولا تعطيلٍ ولا تكييفٍ ولا تشبيهٍ.
    ما معنى التَّكييف؟
    {طالب: التكييف هو معنى (كيف) يعني كيفيَّة الشيء}
    يعني أن يتكلم الإنسان عن كيفيَّة الصِّفة، وهذا غيرُ ممكنٍ، ولذلك حينما جاء رجلٌ إلى الإمام مالك -رحمه الله- وقال: كيف استوى على العرش؟ قال الإمامُ: (الاستواء معلوم)، أي معلوم معناه، فإن الاستواء معناه العُلُوُّ والارتفاع، (والكَيْفُ مجهولٌ)، لا يمكن لأحدٍ أن يتكلم عن ذلك.
    - كيف يظهر التَّوحيدُ في بعض أسماء الله، وتشترك هذه الأسماء في بعض الصِّفات كصفات العباد؟
    مثلاً من صفات الرب -سبحانه وتعالى- أنَّه حليمٌ، وقد وصف بعضَ عباده –وهو إسماعيل- بأنَّه غلامٌ حليمٌ. فهل حلم الله مثل حلم إسماعيل -عليه السلام؟
    تعالى الله -عز وجل- عن ذلك، فهذا بعيدٌ جدًّا، ولذلك نجدها في أشياء كثيرة، فإسحاق وصفه الله بأنَّه غلامٌ عليمٌ، فهل علم الله مثل علم إسحاق؟! لا، لا يمكن أن يكون ذلك.
    فالصفات الموجودة في هذه الأسماء تختلف، مثل: كلمة (العين) فـعين الإنسان كيف تكون؟ وكيف تكون عين النَّملة أو الحشرة؟ مختلفة، هل هي شيء واحد؟! ولذلك السياق يُحدِّدها.
    - هل هناك فرقٌ بين مَن أنكر توحيدَ الألوهيَّة، ومَن أنكر الأسماء والصِّفات؟
    أهل السُّنة دائمًا إذا تكلموا عن هذه القضايا -يعني توحيد الأُلُوهِيَّة- يقولون هناك شركٌ أكبر وشركٌ أصغر، كما دلَّت على ذلك النُّصوص في كتاب الله وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم.
    أمَّا إنكار الأسماء، فقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الرد على البكري" لما تكلم عن هذا: "أنا لو قلت بقولكم كفرتُ، لكنَّكم لا تكفرون".
    ولذلك فإنَّ أهل السُّنة لا يُكَفِّرون الشَّخصَ إلا بعد أن تتحقَّق الشُّروط وتنتفي الموانع، ولا يُطلقون، وإذا أطلقوا فهو حكمٌ عامٌّ وليس على الأشخاص، ولذلك فإنَّ بعضَ مَن يَنْتَسِب لأهل السُّنة قد يفهم هذه القضية فهمًا خاطئًا.
    - هل لكل صفة من صفات الله دلالة على أنَّها من أسماء الله؟ أو هل أسماء الله هي نفس صفات الله؟ وكيف نُفَرِّق بين اسمٍ وصفةٍ من صفات الله -عز وجل؟
    كل اسم مشتقٌّ من صفةٍ، ولذلك فإنَّ أوسعَ الأشياء الصِّفاتُ، ثم الأسماء، وليس كلُّ صفةٍ يُؤخذ منها اسمٌ، فالخبر أوسع شيء، ثم بعد ذلك الصِّفات، ثم بعد ذلك الأسماء.
    - هل بين توحيد الربوبيَّة والأسماء والصِّفات عمومٌ وخصوصٌ؟
    نعم، ولذلك يجمعها بعضُ أهل العلم ويُسَمُّونها توحيد المعرفة والإثبات، ولذلك فمن دلائل الرُّبوبيَّة الأسماء والصِّفات، قال تعالى: ﴿هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ﴾ [الحشر: 23] سبحانه وتعالى، فهذه أسماء الرب -سبحانه وتعالى- في ذلك.
    طيب، عندنا هنا أيضًا أسئلةٌ أخرى تتعلَّق بتوحيد الأُلُوهيَّة، وقد نقلتُها كما كتبها أصحابها؛ وذلك حتى يعرف كُلُّ واحدٍ سؤالَه:
    - قال: هل توحيد الأُلُوهيَّة هو التَّوحيد العملي؟
    نعم، فتوحيد الأُلُوهيَّة هو التَّوحيد العملي وهو التَّوحيد الفعلي؛ لأنَّه عملٌ للإنسان، وهو أيضًا عمليٌّ لأنَّه عمل العبد، كالمحبَّة، والخوف، والرجاء، والاستعانة، وكل هذا عملٌ للإنسان، وهو فعل الإنسان.
    - هل يصحُّ أن نقول: لا معبودَ بحقٍّ إلا الله؟
    نعم هذا هو التَّفسير الصَّحيح؛ وبعضهم ذكروا لها عدَّةَ تفسيراتٍ، فمنهم مَن قال: لا معبودَ بحقٍّ إلا الله ففي سورة الحج: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾ [الحج: 62]، ومنهم مَن قال: لا خالقَ إلا الله. ومنهم مَن قال: لا موجودَ إلا الله. ومنهم مَن قال تفسيرات أخرى، لكن الصَّواب أنَّه: لا معبودَ بحقٍّ إلا الله.
    - يقول: فضيلة الشيخ، كيف تُغيِّر الإنسانَ آيةُ الكرسي والأذكار، وتُثَبِّته على الدين؟ فهناك مَن يقرأها في الصَّباح ثم ينطلق فيغُشُّ في العمل، أو لا يصدق في الكلام، ويفعل ما يحلو له؟
    لا شك أن الإنسانَ إذا قرأ آيةَ الكرسي أو قرأ كتاب الله -عز وجل- ثم لم يُطَبِّق ما فيه؛ فهذا خطأٌ كبيرٌ جدًّا، والواجب على الإنسان أن يمتثل في ذلك، لكن هل معنى ذلك أن نقول لمن يكذب ويغش في المعاملة: لا تقرأ آية الكرسي؟ لا، بل نقول له: اقرأ آية الكرسي وتب إلى الله من ذلك، يعني لا تجمع بين السَّيِّئات، فبعض الناس يعصي الله -عز وجل- في أمرٍ فيترك الأمورَ التي يتقَرَّبُ بها إلى ربِّه -سبحانه وتعالى- في هذه القضية.
    - يقول: توحيد الأُلوهيَّة هو: تَوَجُّه العباد إلى الله بالعبادة بكلِّ أنواعها. والرُّبوبيَّة هو: أنَّ الله تعالى يملك، وهو الرَّبُّ، وهو المُتَصَرِّفُ في كلِّ شيءٍ. فهل هذا الاختصار صحيحٌ؟
    هو صحيح، فتوحيد الأُلُوهيَّة هو تَوَجُّه العبد إلى الله، يعني لما يتوجه بعبادته، بالاستغاثة، بالصلاة، بالدُّعاء، بالمحبة، بالخوف، بالرجاء، بالخشوع، بالخشية، بالمراقبة، فكلها لله.
    - قال: سمعتُ في أحد الدروس أنَّ الربوبيَّةَ تنقسم إلى ثلاثة أقسام: إفراد الله بالخلق، وإفراد الله بالملك، وإفراد الله بالتَّدبير. فهل هذا تقسيمٌ سليمٌ أم أنَّ الرُّبوبيَّةَ أكثر من ذلك؟
    {طالب: كلها يدخل في الربوبيَّة}
    نعم كلُّها تدخل في الرُّبوبيَّة، لا شكَّ في ذلك، لكن الرُّبوبيَّةَ أكثرُ منها، قال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ﴾ [آل عمران: 26]، كل هذه من أفعال الرب -سبحانه تعالى- وأفعال الرب الإحياء والإماتة؛ قال تعالى: ﴿تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾ [آل عمران: 27]، كل هذه ما هي؟ هي أفعال الرب -سبحانه وتعالى.
    لذلك فالقول بأنَّها تنقسم غيرُ صحيحٍ، لكن نقول هذه أفعال الرب -سبحانه وتعالى.
    - مَنْ أول مَنْ قسَّم التوحيد إلى ثلاثة أقسام من العلماء؟ هل الصحابة قسَّموا التوحيد بهذه الطريقة؟ هل تقسيم التوحيد إلى هذه الأقسام توقيفي أم اجتهادي فيجوز أن نَزِيد قسمًا رابعًا؟
    جزاكم الله خيرًا على هذا السؤال.
    - استفساري بخصوص التَّقسيم: لقد قلتَ فضيلتكم أنَّ التَّقسيمَ اصطلاحيٌّ بينما يُبَدِّع بعضُ المُنتسبين للعلم مَن يقول بذلك، مُدَّعِين أنَّ تقسيم التَّوحيد استقرائي، يُفَرِّقون بين المعنيين، فهل لكلامهم وجهةٌ صحيحةٌ؟ نرجو بيان الفرق بين القولين.
    هذه من القضايا التي مرت معنا من قبل.
    ذكرت لكم في المحاضرة الماضية -لمَن تابع- جماعةً من أهل العلم ذكروا أقسام التوحيد، فمَن يذكر؟
    {طالب: ابن خزيمة}
    نعم، وهناك مَن قبله، وهو أبو حنيفة -رحمه الله- وابن منده، والشافعي، وغيرهم من أهل العلم، فلفظ التوحيد تقدَّم ذكرُه في نصوص الكتاب والسنة، وأيضًا تقدَّم في أقوال الصَّحابة، لكن أول مَن ذكر هذا التَّقسيم هو الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- ثم ذكره ابنُ منده، وذكره كثيرٌ من المالكيَّة، وذكره كثيرٌ من الحنفيَّة، فمَن أراد أن يطلع أكثر فليرجع للدرس الماضي سيجد فيه أئمَّة كبار تكلَّموا عن هذه القضية.
    - مَن أول مَن قسَّم التَّوحيدَ إلى هذه الأقسام؟ وهل الصَّحابة قسَّموا؟ هل الصَّحابة أصلاً كتبوا شيئًا؟
    {طالب: والله يبدو لي أنَّهم لم يكتبوا شيئًا، ولكن ما هي إلا استنباطات من الآيات والأحاديث الواردة الصَّحيحة}
    تقصد أنَّهم لم يكتبوا شيئًا؟
    {طالب: لا، هم كتبوا الأحاديث}
    مَن الذي كتب من الصَّحابة؟
    {طالب: أبو هريرة}
    أبو هريرة ما كتب، ولكن دعا له الرسول -صلى الله عليه وسلم- فحفظ.
    {طالب: عبد الله بن عمرو}
    عبد الله بن عمرو بن العاص، وما اسم صحيفته؟
    "الصَّادقة"، فقد استأذن الرسول، وكتب أحاديث كثيرة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم.
    نجد أنَّ الصَّحابةَ والتابعين ساروا على نهجٍ واحدٍ: وهو أنَّ سبيل الهِدَاية هو القرآن والسُّنة، ما عندهم شيءٌ آخر، ولذلك ما كتبوا شيئًا إطلاقًا، والتَّابعين أيضًا ساروا على هذا النَّهج، ولذلك اقرؤوا في سيرة سفيان الثَّوري، وشعبة بن الحجاج، وغيرهم من السلف، حيث تجدونهم عند الوفاة يوصون ويقولون لمَن حولهم: "امسحوا كلَّ كُتبي، يكفي الناسَ كتابُ الله وسُنَّةُ الرسول -صلى الله عليه وسلم".
    فنجد مثلًا الإمام مالك -رحمه الله- هل هو كتب شيئًا؟ لم يكتب شيئًا، وإنَّما كتب "الموطأ": وهو عبارة عن أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالإضافة إلى بعض الآثار. وفقه الإمام أحمد -رحمه الله- كلها روايات عنه، فلذلك فإن الأئمَّة كان عندهم منهجٌ واضحُ -عند الصحابة وعند التابعين وتابعيهم- أنَّ الناسَ يكفيهم كتابُ الله وسُنَّةُ الرسول -صلى الله عليه وسلم.
    فحينما يأتيك رجلٌ مُتَحَذْلِقٌ يظن نفسه فاهمًا ويقول: هذا التَّقسيم لم يقل به الصحابةُ! نعم هم لم يقولوا بذلك، لكن نصوص الكتاب والسُّنة كافيةٌ في بيان هذا الأمر، وإذا لم تنتفع بنصوص الكتاب والسُّنة فلن تنتفع بكلام أحدٍ أبدًا، فمَن لم ينفعه اللهُ بكلام الله وكلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم ينتفع بكلام أحدٍ!
    وإننا حينما نقول أن هذا التقسيم استقرائي فهو اصطلاحي أصلاً، أي أنه شيءٌ اصطلح عليه العلماءُ، وهو استقراء من نصوص الكتاب والسنة.
    - هل يمكن أن نزيد قسمًا رابعًا؟
    هناك فتاوى للشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى- تكلم فيها عن هذه القضية، وبيَّن أنَّه لا تجوز زيادة رابع.
    ومن الأسئلة التي طرحتموها أيضًا:
    - كيف نرد على مَن يقول ببدعة تقسيم التَّوحيد إلى هذه الأنواع؟ فبعض الفِرَق ومنهم الأشاعرةُ يقولون أنَّ تقسيمَ التَّوحيد بدعةٌ، فما الرد على ذلك؟
    - أيُّ التَّقسيمين أولى: تقسيم التوحيد إلى قسمين أم ثلاثة أقسام؟ وهل هناك مَن يقول أنَّ هذا التَّقسيم مُحْدَثٌ؟ وبم نُجيب عليهم؟
    القول بأنَّ التَّقسيمَ مُحْدَثٌ يُراد منه شيءٌ آخر. فما المراد؟
    {طالب: الطعن في أصل التوحيد}
    نعم هو الطعن، ولذلك فإن الذين يقولون أنَّ الكلام في التوحيد مُحْدَثٌ هم الذين لا يقولون بتوحيد الأُلُوهيَّة، فبالتالي هذا مُرادهم من ذلك، ونحن لا نمشي معهم على مُرادهم الذي يريدون، فنأتي ببعض الأقوال ونُطَبِّق بعضَ الأشياء.
    انظروا ماذا يقول سماحة الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى- فهذا كلام الشيخ العلامة ابن باز -رحمه الله- عن تقسيم التوحيد.
    مَن يقرأ لنا يا شباب؟
    {طالب: قال سماحة الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى: "لا شَكَّ أنَّ مَن تدبَّر القرآنَ الكريمَ وجد فيه آيات تأمر بإخلاص العبادة لله وحده، وهذا هو توحيد الأُلُوهِيَّة"}
    يجد الإنسانُ في القرآن آيات كثيرةً تأمره بإخلاص العبودية لله، قال سبحانه: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [النساء: 36]، وغيرها من الآيات الكثيرة، فماذا نُسَمِّيها؟
    {طالب: توحيد الأُلُوهِيَّة}
    يمكن أن نُسَمِّيها شيئًا آخر، فقد سماها بعضُهم الإيمان، وبعضُهم سمَّاها توحيد العبادة، سَمِّها ما شئتَ، المقصود أنَّ عندنا آيات تأمر بإخلاص العبادة لله -عز وجل- وحده، وهذا هو توحيد الأُلُوهِيَّة.
    طيب، ستأتينا فتوى للشيخ الآن: لو إنسانٌ أخلص العبوديَّةَ لله، وطبَّق هذه الآيات في حياته، هل يلزمه أن يعرف أنَّها توحيد الأُلُوهيَّة؟ لا، لا يلزمه ذلك.
    فهذا هو القسم الأول لما نتأمل الآيات.
    الثانية:
    {طالب: "ووجد آيات تدلُّ على أنَّ الله هو الخَلَّاقُ، وأنَّه الرَّازِقُ، وأنَّه مُدَبِّر الأمور، وهذا هو توحيد الرُّبوبيَّة الذي أقرَّ به المشركون ولم يُدخلهم في الإسلام"}
    هذا كما مرَّ وسنأتي بالآيات الآن.
    {طالب: "كما وجد آيات أخرى تدلُّ على أنَّ له الأسماء الحسنى والصِّفات العُلَى، وأنَّه لا شَبِيهَ له، ولا كفؤ له، وهذا هو توحيد الأسماء والصِّفات"}
    إذن نحن وصلنا إلى تقسيم التوحيد عن طريق تَأَمُّل نصوص الكتاب وسُنَّة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولذلك فالشيخ طبَّقها تطبيقًا فعليًّا.
    أيضًا يقول هنا، أكمل:
    {طالب: "وأقسام التوحيد ثلاثة بالاستقراء والنَّظر والتَّأمُّل في الآيات والأحاديث، وما كان عليه أهلُ الشِّرك"}
    يعني نتأمَّل عدَّةَ أشياء:
    الشيء الأول: هو القرآن الكريم.
    الثاني: أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم.
    القضية الثالثة: التاريخ. وهذه مهمة جدًّا. ولذلك قال عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه: "يُهْدَمُ الإسلامُ إذا نشأ فيه مَن لم يعرف الجاهليَّة".
    ولذلك فإنَّ معرفة هذا الأمر مهمة جدًّا، فعلينا أن نعرف كيف كان يتعبَّدون؟ هل كان أهلُ الجاهليَّة يُنكرون وجودَ الرَّبِّ -سبحانه وتعالى- أو لا يعترفون بالرُّبوبيَّة، أم كانوا يُثنون على الله ويعرفون أنَّ الله موجودٌ؟
    انظروا ماذا يقول شاعرهم:
    مَجِّدُوا اللهَ فهو للمَجْدِ أهلٌ ** ربنا أمسى في السَّماء كبيرًا
    فهم يرون أنَّ الله موجودٌ، وأنَّه -سبحانه وتعالى- هو الخالق، وهو الرَّازق، وله صفات العلو، ومع ذلك لا يؤمنون في هذه القضية.
    {طالب: يا شيخ، بعض الفِرَق التي تنتسب للإسلام في العصر الحاضر –وهي كثيرة خاصَّةً عندنا في المغرب الإسلامي- تُمَجِّد اللهَ والرسولَ تمجيدًا كبيرًا عظيمًا، لكنَّها في عبادتها لله -وهذه هي الجاهليَّة- تضع واسطةً بينها وبين الله، مثلما فعلت قريش، فهي تقول أنَّ الله موجودٌ، وهو الرَّبُّ، وهو المحيي المميت، لكنَّها تعبده عن طريق اللات والعُزَّى، وهذا حاصلٌ اليوم، فهناك بعضُ الفِرَق تعبد الله عن طريق واسطةٍ وهو ما يُسَمَّى بالأولياء الصَّالحين أو شيء من هذا}
    ولذلك نحن إذا تأملنا نصوصَ الكتاب والسُّنة تتضح هذه القضية بشكلٍ واضحٍ، ولذلك انظر إلى كلام الشيخ حيث يقول: "وما كان عليه أهلُ الشِّرك".
    أكمل:
    {طالب: يقول -رحمه الله تعالى: "وما كان عليه أهلُ الشِّرك، اتَّضح أنَّها ثلاثة أقسامٍ: اثنان أقرَّ بهما المشركون"}
    وهما توحيد الرُّبوبيَّة، وتوحيد الأسماء والصِّفات.
    {طالب: "والثالث جحده المشركون، وقام النزاعُ بينهم وبين الرسل في ذلك، والقتال، والولاء، والبَرَاءُ، والعَدَاوَةُ، والبغضاء"}
    هذا هو توحيد الألوهيَّة، ولذلك فالرسول -صلى الله عليه وسلم- قاتل هؤلاء الأقوام، وسباهم، واستحلَّ دماءَهم؛ بإنكارهم لهذا النوع وهو إخلاص العبودية لله -عز وجل.
    ولذلك يقول: "ومَن تأمَّل القرآنَ الكريمَ، والسِّيرةَ النَّبويَّةَ، وأحوالَ الرُّسل -عليهم الصَّلاة والسَّلام- وأحوالَ الأُمَم؛ عرف ذلك".
    فالأمم كانت تُقِرُّ بالله -عز وجل- لكن كانوا يعبدون غيره -سبحانه وتعالى.
    طيب، نأتي الآن إلى التطبيق العملي، أمامنا آيات من القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، وقوله: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: 36]، وقوله: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: 23].
    فلفظة: ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا﴾، و﴿اعْبُدُوا﴾، و﴿لِيَعْبُدُونِ﴾ كلها في توحيد العبادة.
    انظرها أيضًا في هذه النصوص: قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [النساء: 36]، وقال أيضًا: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [الأنعام: 151].
    فجاءت القضية ثُنائيَّة: الأمر بالعبادة، والنَّهي عن ضدِّها وهو الشِّرك.
    ولتتأمَّل أيضًا الأحاديث في أدلته: قال الرسول -صلى الله عليه وسلم: «حَقُّ اللهِ على العِبَادِ أن يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِه شَيْئًا».
    فعندنا عدَّةُ نصوصٍ في هذه القضية، وفي القرآن الكريم أكثر منها، فماذا نسمي هذا؟ هل نقول أنَّها رُبوبيَّة؟
    {طالب: هذا توحيد العبادة}
    توحيد العبادة، ولفظ العبادة موجودٌ في كل هذه النصوص، تأمَّل هذه النُّصوص معي مرَّةً أخرى تجد لفظ العبادة في: ﴿لِيَعْبُدُونِ﴾، ﴿اعْبُدُوا الله﴾، ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾، فهذه النُّصوص دلَّت على قضيَّةٍ واحدةٍ.
    طيب، نأخذ قضية أخرى، مثل ما ذكر الشيخُ الآن:
    في سورة المؤمنون آيات كثيرة جدًّا واضحةٌ في الدِّالة على الربوبيَّة، لكن في موضع واحد في القرآن الكريم، اقرأ:
    {طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (78) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (80)﴾ [المؤمنون: 78-80]}
    هذه الآيات في أفعال الرب: هو الذي أنشأكم، وجعل لك السمع، فأنت تسمع وتُبصر، وجعل لك فؤادًا تعقل به، فمَن الذي أنعم عليك بذلك؟ لو كنت أصم وأعمى ما تسمع! قال: ﴿هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ﴾، جعلكم في الأرض، وجعل هذه الأرض لكم تُخرجون من خيراتها، كل هذه الأرض تزرعون فيها، وتأخذون هذه الحجارة منها، فتُخرجون منها شيئًا طيبًا، وتستخرجون الخيرات من بطن هذه الأرض، ثم ﴿وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ عند الموت، أي ستعودون إلى الله -سبحانه وتعالى.
    تأمَّل هذا كله، هل يمكن أن نقول أن هذه الآيات التي سبقت وهذه الآيات التي سمعناها الآن نوعٌ واحدٌ؟
    {طالب: لا يمكن القول أنَّها نوعٌ واحدٌ}
    يعني يستحيل ذلك؛ فهذه جاءت في العبادة، وهذه جاءت في أفعال الرب.
    ولذلك فكثير ممن يُناقشون في أقسام التَّوحيد يريدون نفي هذا النوع الذي جاء به كتاب الله وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويريدون دائمًا أن يكون النقاشُ صوريًّا بعيدًا عن الواقع، ونحن نريد أن نقرأ القرآن ونتدبر آياته حتى نستفيد.
    واصل القراءة:
    {طالب: ﴿بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ (81) قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (83) قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89)﴾ [المؤمنون: 81-89]}
    فإذن الله -عز وجل- قال: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ﴾ [النحل: 36] كل الرسل جاءوا بقضية واحدةٍ وهي: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾، هنا في الآيات التي قرأها زميلنا: ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ﴾ قالوا: لله، ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾، أعظم المخلوقات العرش والسماوات كلها، مَن الذي يُجير ولا يُجار عليه؟
    الله -سبحانه وتعالى- هو الذي يمنع عنك المرض، وهو الذي يمنع عنك كلَّ ما شاء سبحانه، لكن هل أحدٌ يمنع قدرَ الله أن ينزل؟
    مُحالٌ، ولذلك فهذه الآيات جاءت واضحةً في ذلك، فهل يقول عاقلٌ أنَّ هذه الآيات التي قرأناها في أفعال الرب -سبحانه وتعالى- هي الآيات التي أمر الله بها هنا؟
    هذا لا يقوله عاقلٌ إطلاقًا في ذلك، لا يمكن أن يكون عاقلًا، وهذا تطبيقٌ في ذلك، ونحن هنا نكون قد بدأنا في بعض القضايا في توحيد العبادة.
    هنا: أقسام التَّوحيد:
    - من الأسئلة التي مرَّت معنا: بعض الإخوان قال: هل يمكن أن نزيد نوعًا رابعًا؟
    ذكر بعضُهم "توحيد الحاكمِيَّة".
    الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى- قال: ليست أقسام التوحيد أربعة، وإنَّما هي ثلاثة كما قال أهل العلم من خلال الاستقراء؛ لأنَّ الحاكميَّة وهو الحكم بشرع الله –عز وجل- يدخل في توحيد العبادة، فمن توحيد العبادة الحكم بما شرع الله -عز وجل- والصلاة وغيرها.
    انظروا فتوى سماحة الشيخ -رحمه الله- إذا عرفها المؤمن ولو ما عرف الأقسام أبدًا وإنَّما مجرد أنه آمن ووحد الله -عز وجل- وأثبت لله أسماءه الحسنى، هل يلزمه أن يعرف أنواع التوحيد؟ لا يلزم ذلك، ولكن مجرد أن يقرأ فيها.
    مَن يقرأ الفتوى الأخيرة؟
    {طالب: يقول -رحمه الله تعالى: "وإذا عرفها المؤمنُ ولو ما عرف الأقسامَ، إذا كان قد وحَّد اللهَ وآمن بالله ربِّه وإلهه ومعبوده الحق، وأنَّه ذو الأسماء الحسنى والصفات العُلى، لا شبيهَ له، ولا كُفْءَ له؛ كفى، ولم يعرف الأقسام، لكن إذا عرفها يكون من العلم الطيب"}
    هذا يكون جيدٌ إذا عرفها، وهو واجبٌ على طالب العلم مثل: هؤلاء الشباب الذين يتابعونا في القنوات الفضائية والحضور معنا، فلابُدَّ أن يعرفها كل هؤلاء لأنَّه يتأمل نصوصَ الكتاب والسُّنة.
    قرأنا قبل قليل في سورة المؤمنون، لكن نحن الآن نقرأ في آيات أخرى في كتاب الله -عز وجل- كلها في أفعال الرب، وفيها الإقرار بالرُّبوبيَّة، هل يستطيع أحدٌ أن يقول أنَّهم لم يُقِرُّوا بالرُّبوبيَّة؟!
    ولذلك كثير من الذين يتكلمون ينكرون توحيد الألوهية، ماذا يقولون؟ يقولون الشرك هو ماذا؟
    {طالب: كل مَن يُنكر توحيد الأُلُوهيَّة يقولون عن الشرك الموجود في الكتاب والسنة أنَّ هناك خالق مع الله}
    نعم، انظر الآيات أمامك: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ [يونس: 31].
    أفلا يتقون الله -عز وجل! تُقِرُّون أنَّه هو الذي خلقكم، وهو الذي رزقكم، والذي أعطاكم السمعَ، وأعطاكم البصرَ، ويُدَبِّر الأمرَ، ونِعَمه عليكم دارَّةٌ -سبحانه وتعالى- ثم تعبدون غيره؟!
    يا سبحان الله! ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف: 87] يعترفون ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [لقمان: 25].
    انظر هذه الآيات في يونس، في الزخرف، في لقمان، في المؤمنون، كلها آيات كتاب الله، فماذا لو جمعنا هذه الآيات، ماذا نقول عنها؟
    {طالب: هي توحيد الربوبية}
    هي توحيد الربوبية، هي في أفعال الرب -سبحانه وتعالى- ولعلنا في هذا نكون انتهينا.
    - هنا سؤال عن التوكل، وسيأتينا إن شاء الله.
    - هنا سؤالٌ يقول: ما المراد بقوله تعالى ﴿إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا﴾؟
    هذه سورة النساء آية 117. ماذا قبلها؟ ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ﴾، ثم ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾، ثم قال: ﴿إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا﴾، ماذا يدعون؟
    يدعون اللَّات، والعزى، ومناة، هل هذه أسماء مذكر أم مؤنث؟
    مؤنث، هي أسماء مؤنثة، وهذا ما رجَّحه ابنُ جرير.
    وهم أيضًا يعبدون الملائكة الذين ادَّعوا أنَّهم بنات الله -سبحانه وتعالى- تعالى الله -عز وجل.
    - هنا سائلة أيضًا تقول: هل من الممكن أن أتمكن من هذه المواد؟
    البعض أول ما يبدأ مع هذه المواد يشعر أنَّ بها شيئًا من الصُّعوبة أو غير ذلك، وأقول للجميع إن القضية سهلة، وأنا أنصح كلَّ واحدٍ أن يتابع معنا في مشيئة الله -عز وجل.
    هذا ما يتعلق بالأسئلة، ويبدو أننا أخذنا فيها وقتًا أكبر.
    نأخذ اليوم الدرس الأول من كتاب التوحيد:
    كما ترون أمامكم هذا نص كتاب التوحيد وهذا هو الباب الأول منه، هل تجدون فيه قولًا للمؤلف؟
    {طالب: لا}
    طيب، نحن نريد مَن يقرأ لنا.
    {طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، أدلة وبراهين التوحيد}
    هو أصل كتاب التوحيد، وكأن المؤلف -رحمه الله- لم يضع مقدمةً ولم يذكر شيئًا له، وإنَّما كتاب التوحيد الذي هو حقُّ الله على العبيد، فتكلم المؤلف مباشرةً وذكر الآيات.
    نقرأ هذه النصوص أمامنا، تفضل:
    {طالب: "وقول الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [سورة الذاريات: 56]، وقوله: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [سورة النحل: 36]، وقوله: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [سورة الإسراء: 23].
    قال ابنُ مسعود -رضي الله عنه: "مَن أرادَ أن ينظر إلى وصيَّةِ محمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- التي عليها خاتَمه فليقرأ قوله تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا﴾ [الأنعام: 151- 153]".
    وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: "كنتُ رَدِيفَ النبي -صلى الله عليه وسلم- على حمارٍ، فقال لي: «يَا مُعَاذُ، أَتَدْرِي ما حَقُّ اللهِ على العِبَادِ، وَمَا حَقُّ العِبَادِ على اللهِ؟» فقلت: الله ورسوله أعلم. قال: «حَقُّ الله على العِبَادِ أن يَعْبُدُوهُ ولا يُشْرِكُوا به شيئًا، وحَقُّ العِبَادِ على اللهِ ألا يُعَذِّبَ مَن لا يُشْرِك به شَيْئًا». فقلت: يا رسول الله، أفلا أُبَشِّر الناس؟ قال: «لا تُبَشِّرْهُم فَيَتَّكِلُوا»". أخرجاه في الصَّحيحين}
    أخرجاه في الصَّحيحين يعني البخاري ومسلم.
    إذن هذا كتاب التوحيد، والمؤلف -رحمه الله- هنا أحسن الاستدلال بهذه الآيات؛ لأنَّها فعلاً كلها دالة على التَّوحيد.
    الدليل الأول على وجوب التوحيد: (قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]).
    (ما) هنا نافية، يعني الغرض الذي خُلق من أجله الإنسُ والجنُّ هو توحيد الله، وعبادة الله، وإخلاص العبودية لله.
    جاء في تفسيرها (ليعبدون): أي يُوحِّدون.
    نجد لفظة (ليعبدون) الواضحة، قال بعضُهم: اللام هنا للتعليل، أو أن الغرض من اللام التعليل في القرآن الكريم. والله -عز وجل- ردَّ عليهم مباشرةً: ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ﴾ [الذاريات: 57].
    ولذلك فالله -عز وجل- لما خلق الخلق ليعبدوه ما أراد منهم نفعًا -سبحانه وتعالى- هو الغني -سبحانه وتعالى- بيده ملكوت كلِّ شيءٍ، لكنَّه خلقهم -سبحانه وتعالى- ليعبدوه، ولذلك قال –كما جاء في الحديث القدسي: «مَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ».
    الدليل الثاني: قوله -تبارك وتعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: 36]، كلُّ الرسل من أولهم إلى آخرهم هذه هي رسالتهم.
    و﴿ولقد﴾ هنا قسم أو ما في قسم يا شباب؟
    {طالب: قسم}
    أين القسم في هذه الآية؟
    {طالب: الواو}
    قسمٌ ظاهِرٌ أم مُقَدَّرٌ؟
    {طالب: مقدر}
    نعم، قسمٌ مُقَدَّرٌ، وتقديره: (والله لقد)، فالآية مُؤَكَّدةٌ بالقسم المُقدَّر، واللام توطئة للقسم، و(قد) للتَّحقيق.
    فالآية بها ثلاث مُؤَكِّدات، يعني ثلاث مؤكدات أنَّ الرُّسُلَ كلَّهم جاءوا من أجل ذلك، ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا﴾ كل أمة، وكل طائفة، وكل بلد بُعث فيها رسول. ما غرضه؟
    ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾، تعبدوا الله كل أنواع العبادة التي مرَّت معنا: الظاهرة، والباطنة، فكل ما أمر الله به من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة؛ هو العبادة.
    ﴿وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ مَن يُعرِّف لنا الطاغوت؟ نريد شرحًا كاملاً.
    {طالب: كلُّ ما عُبِدَ من دون الله هو الطَّاغوت}
    هناك نقصٌ في إجابتك
    {طالب آخر: إذا قلنا كل ما عُبِدَ من دون الله، فعيسى عُبِدَ من دون الله وهو غير راضٍ، فيكون تعريف الطاغوت هو: كل ما عُبِدَ من دون الله وهو راضٍ، من متبوعٍ أو مُطاعٍ}
    من معبودٍ أو متبوعٍ أو مُطاعٍ.
    ما أصل كلمة الطاغوت؟
    أصلها الطغيان، ولذلك الناس يتكلمون عن طغيانٍ مُعيَّنٍ، لكن الطُّغيان الموجود عند الذي نهى الله -عز وجل- عنه.
    انظر الطغيان قال: (هو ما تجاوز الحدَّ من متبوعٍ أو مُطاعٍ أو معبودٍ)، المعبود هي الأصنام أو غيرها، كل معبودٍ بصنمٍ أو غيره أو حجرٍ أو شجرٍ، كل هذا معبودٌ.
    (أو متبوعٍ) شخص يُطيعونه، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ والنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أنبيَائِهم -وفي روايةٍ: صالحِيهِم- مَسَاجِد».
    وقد قال الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- هذا في آخر حياته في مرض الوفاة، يعني قبل وفاة الرسول بأربع ليالٍ، فكان يضع قطيفةً على وجهه ثم يأخذها ويقول: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ والنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهم مَسَاجِد». وفي روايةٍ: «وَصَالِحِيهِم»، والذي في الصَّحيح: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ والنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهم مَسَاجِد». اتخذوها مساجد، انظر الطغيان! فالرسول يلعن ذلك.
    فيأتي بعضُ المتبوعين، وعلماء السوء، ويقولون: بل اتخذوها مساجد! وابنوا القبور في المساجد، وابنوا المساجدَ على القبور!
    هذا غاية الطغيان.
    {طالب: يستدلون بالحديث الموضوع: «إذا أعيتكم الأمور فالجؤوا إلى أصحاب القبور»}
    وما درجة الحديث هذا؟
    «إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور»: هذا حديث موضوع مكذوب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد قال -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فليَتَبَوَّأ مَقعَدَهُ من النَّارِ».
    ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾: أخلصوا العبادة لله.
    والآية مُؤَكَّدةٌ بثلاث مُؤَكِّدات: القسم المُقدَّر، واللام توطئة للقسم، و(قد)، كلها للتَّحقيق أن الرسل كلهم غايتهم: ﴿وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾، اجتنبوا كل ما تجاوز الحدَّ من متبوع وعالم سوءٍ ومَن يُطاع.
    وأيضًا يدخل في المُطاع الأمراء أو الولاة الذين يقولون: شرع الله لا يصلح، ولا يُحكَّم، وغير نافعٍ للأُمَّة. هؤلاء يدخلون في هذا، فكل هؤلاء يكونون في حكم الطاغوت.
    نمرُّ على بعض الأسئلة بشكلٍ سريعٍ:
    - السؤال الأول: ما المقصود بالتوحيد العلمي الاعتقادي؟
    {طالب: هو توحيد العبادة}
    لا، ليس توحيد الألوهية.
    {طالب: التوحيد العلمي هو توحيد الربوبية}
    توحيد الربوبية والأسماء والصِّفات.
    طيب، هل على العبد استحضار معاني التوحيد طوال الوقت كالنِّيَّة في العبادات، أم هي مفهومٌ يُصَدِّق به ويعمل به من أجله، ويحاول الثَّبات عليه؟
    لا شكَّ أنَّ قضيَّةَ التَّوحيد يُعايشها الإنسانُ في يومه وليله، ويتذكَّرها عندما يقرأ الأذكار، ونحن جعلنا في ضمن مراجع أدلة أقسام التَّوحيد: أحد الكتب التي تشرح لك الأدلة، أو تشرح لك الأذكار وما فيها من دلالات التوحيد في ذلك.
    فلا شكَّ أنَّ استحضار هذه المعاني مع الإنسان مهمٌّ جدًّا، وقد يغفل الإنسانُ في بعض الوقت، لكن عمومًا لابد أن تكون حاضرةً في ذهنه.
    - يقول: ما المقصود بتوحيد الإرادة والطلب؟
    {طالب: الإرادة والطلب يدخل في توحيد الألوهية}
    توحيد الألوهية، فالإرادة إرادة ما عند الله، والطلب من الله -سبحانه تعالى.
    - هل يمكن الاستعانةُ بكتب أخرى أم نكتفي بـ"القول المفيد"، وبعد إذن فضيلتك: هل تخبرنا بمتنٍ يسيرٍ حفظه علينا من باب العقيدة، كـ"سلم الوصول" أو غيره؟
    أنا أقول: احفظ كتاب "التوحيد"، فكتاب "التوحيد" كله نصوصٌ من الكتاب ومن السنة، فأنا أنصحك بحفظ كتاب "التوحيد"، وهو عظيمٌ إذا حفظته في ذلك.
    وقد ذكرتُ لكم بعضَ الكتب المساعدة فلعل السائل يُراجع أول الحلقة في ذلك.
    - يقول: لا يجوز أن نقول أنَّ الله قديمٌ، وهل يجوز أن نقول أنَّ الله قديمٌ بلا ابتداءٍ، ودائمٌ بلا انتهاءٍ؟
    هذا النص في الطحاوية، وقد علَّق عليه سماحة الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى- بأن لفظ القديم لم يرد عن الله -عز وجل- وإنَّما هو من ألفاظ أهل الكلام التي دخلت عليهم، أمَّا الذي ورد في القرآن هو: الأول، والآخر، والظاهر، والباطن.
    - ماذا نقول لمَن يقتصر كلامُه على الشُّبهات ويتساهلون في أمر الشَّهوات؟
    لابُدَّ أن يكون الإنسانُ مُتوازِنًا دائمًا في حياته، فعليه أن يرد الشبهات، كما أن عليه أن يرد الشَّهوات، ومعالجة النفس، ولذلك إذا قام التوحيدُ في قلب العبد لا يمكن أن يُعالج هذه القضايا، والاتزان كما جاء عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلذلك الواجب هو الاتزان في هذه القضية.
    - يقول: لماذا نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا هريرة عن كتابة الحديث، ورخَّص لابن عمر؟
    لا، الترخيص لعبد الله بن عمرو بن العاص، والنبي -صلى الله عليه وسلم- نهى بعضَ الصحابة في أول الأمر عن الكتابة حتى لا تختلط بالقرآن الكريم، ثم بعد ذلك أذن لعبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهم أجمعين.
    أمَّا أبو هريرة فإنَّه لم يكن كاتبًا، ولذلك لم يكتب شيئًا في ذلك.
    - يقول: في حال إذا عارض العقلُ نصًّا منقولاً، ما هي الطريقة المُثلى للفصل في ذلك؟
    لا يمكن أن يُعارض العقلُ نصوصًا صريحةً، ولذلك لا يمكن أن يُعارضها بأيِّ حالٍ من الأحوال إطلاقًا، لا يمكن أن يتعارض العقلُ الصَّحيحُ مع النَّقل الصَّحيح الثابت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فعليك الرجوع لأهل العلم المتخَصِّصين في ذلك.
    - ما يتعلق بمَن يتبَرَّكون بتراب أهل القبور؟
    هذا سيكون -إن شاء الله- في القضايا الأخرى.
    بالنسبة للأسئلة -بمشيئة الله- يا إخوان سنُلقيها -إن شاء الله- في وقتٍ آخر؛ لأننا نخشى حقيقةً من الوقت.
    - بالنسبة للإخوان، حان الآن موعد صلاة المغرب، فهل أذهب للصلاة أم أصليها جمع تأخير؟
    لا، الواجب عليك أن تصلي مع الجماعة، والبرنامج يُعرض في الصَّباح -إن شاء الله- ويُعاد عرضه في القناة العامة، وموجود أيضًا على اليوتيوب، فبإمكانك أن تراجعه بمشيئة الله -عز وجل.
    - ما يتعلق بقضايا العبادة نؤخره.
    - هل يجب على المسلمين الجدد -حديثي الدخول في الإسلام- أن يعلموا أقسامَ التوحيد؟
    الواجب عليهم معرفةُ كتاب الله وسُنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويُراعى أحوالهم والتَّعلم في ذلك.
    - بعض العلماء يُقسِّم التوحيد قسمين. فما هما؟
    هما الذين مرَّا معنا: توحيد الإرادة والطلب، وتوحيد الإثبات والمعرفة والاعتقاد العملي في ذلك. هذا ما يتعلق بهذه القضية.
    طيب، بقية الأسئلة -إن شاء الله- سنجمع المقصود منها ونعرضها بمشيئة الله -عز وجل.
    إذن نعود مرةً أخرى ونأخذ ما أخذناه: نحن سنكمل في الدرس القادم -بمشيئة الله- براهين التوحيد وأدلته، وسيكون عندنا الباب الأول، وهو كتاب التوحيد، وأول الآيات الواردة فيه وهي الدلالة على توحيد الألوهيَّة، وسيكون عندنا أيضًا باب فضل التوحيد وما يُكفِّر به الله من الخطايا، ثم بعد ذلك باب فضل من حقَّق التوحيد.
    هذه ثلاثة أبواب ستكون معنا -بمشيئة الله- وقد قدمنا بعضَ الأشياء، وكان في الخطة الدِّراسيَّة الدَّعوة إلى التوحيد مُقدِّمة، لكن رأينا أن نُقَدِّم أدلة التوحيد وبراهينه على الدَّعوة إليه؛ لأنَّك لابُدَّ أن تعرف عظمةَ هذه القضية لتدعو إليها بمشيئة الله -عز وجل.
    نكون الآن قد أخذنا هاتين الآيتين: الآية الأولى آية الذاريات، والثانية آية النحل، والدرس القادم عندنا آية الإسراء، وآية النساء، وآية الأنعام، فتقرؤونها إن شاء الله، وكذلك حديث معاذ -رضي الله عنه- كل هذا سيكون معنا -إن شاء الله- في اللِّقاء القادم.
    وهذه الأسئلة لن نهملها وسنعود لها مرَّةً أخرى ونعرضها إن شاء الله، أو نتجاوب مع الإخوة في ذلك البريد الذي يعرض فيه الأسئلة.
    سيُعرض -إن شاء الله- أسئلة عن هذا الدرس يُجيب عليها الطلاب، وما يتعلق بالاختبار سيكون مما نعرضه في هذه الدروس بمشيئة الله -عز وجل.
    نكتفي بهذا القدر في هذا اللقاء المبارك، ونشكر الإخوة الحضور على حضورهم، وعلى استجابتهم معنا، وإن كنا بعض الأحيان نفاجئهم بهذه الأسئلة، حتى يتعودوا معنا على ذلك.
    أيضًا نشكر الإخوة والأخوات المشاهدين على قناة المجد العلمية، وقناة الحكمة الفضائية. ونشكر أيضًا المواقع الإلكترونية التي تنقل هذا الدرس المبارك.
    ونتوقف عند هذا القدر، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
    التعديل الأخير تم بواسطة ام هالة30; الساعة 14-09-2013, 08:09 PM.

  • #2
    رد: الدرس الثالث(براهين التوحيد وأدلته)

    ملخص الدرس الثالث

    فهذا كلام الشيخ العلامة ابن باز -رحمه الله- عن تقسيم التوحيد.
    "لا شَكَّ أنَّ مَن تدبَّر القرآنَ الكريمَ وجد فيه آيات تأمر بإخلاص العبادة لله وحده، وهذا هو توحيد الأُلُوهِيَّة"
    يجد الإنسانُ في القرآن آيات كثيرةً تأمره بإخلاص العبودية لله، قال سبحانه: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [النساء: 36]،

    فهذا هو القسم الأول لما نتأمل الآيات.
    الثانية:
    "ووجد آيات تدلُّ على أنَّ الله هو الخَلَّاقُ، وأنَّه الرَّازِقُ، وأنَّه مُدَبِّر الأمور، وهذا هو توحيد الرُّبوبيَّة الذي أقرَّ به المشركون ولم يُدخلهم في الإسلام"}
    "كما وجد آيات أخرى تدلُّ على أنَّ له الأسماء الحسنى والصِّفات العُلَى، وأنَّه لا شَبِيهَ له، ولا كفؤ له، وهذا هو توحيد الأسماء والصِّفات"}

    إذن نحن وصلنا إلى تقسيم التوحيد عن طريق تَأَمُّل نصوص الكتاب وسُنَّة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولذلك فالشيخ طبَّقها تطبيقًا فعليًّا.
    "وأقسام التوحيد ثلاثة بالاستقراء والنَّظر والتَّأمُّل في الآيات والأحاديث، وما كان عليه أهلُ الشِّرك"}
    يعني نتأمَّل عدَّةَ أشياء:
    الشيء الأول: هو القرآن الكريم.
    الثاني: أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم.
    القضية الثالثة: التاريخ. وهذه مهمة جدًّا. ولذلك قال عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه: "يُهْدَمُ الإسلامُ إذا نشأ فيه مَن لم يعرف الجاهليَّة".
    ولذلك فإنَّ معرفة هذا الأمر مهم جدًّا، فعلينا أن نعرف كيف كان
    انظروا ماذا يقول شاعرهم:
    مَجِّدُوا اللهَ فهو للمَجْدِ أهلٌ ** ربنا أمسى في السَّماء كبيرًا
    فهم يرون أنَّ الله موجودٌ، وأنَّه -سبحانه وتعالى- هو الخالق، وهو الرَّازق، وله صفات العلو، ومع ذلك لا يؤمنون في هذه القضية.
    ولذلك نحن إذا تأملنا نصوصَ الكتاب والسُّنة تتضح هذه القضية بشكلٍ واضحٍ، ولذلك انظر إلى كلام الشيخ حيث يقول:

    "وما كان عليه أهلُ الشِّرك، اتَّضح أنَّها ثلاثة أقسامٍ: اثنان أقرَّ بهما المشركون"
    وهما توحيد الرُّبوبيَّة، وتوحيد الأسماء والصِّفات.
    "والثالث جحده المشركون، وقام النزاعُ بينهم وبين الرسل في ذلك، والقتال، والولاء، والبَرَاءُ، والعَدَاوَةُ، والبغضاء"
    هذا هو توحيد الألوهيَّة، ولذلك فالرسول -صلى الله عليه وسلم- قاتل هؤلاء الأقوام، وسباهم، واستحلَّ دماءَهم؛ بإنكارهم لهذا النوع وهو إخلاص العبودية لله -عز وجل.
    ولذلك يقول:"ومَن تأمَّل القرآنَ الكريمَ، والسِّيرةَ النَّبويَّةَ، وأحوالَ الرُّسل -عليهم الصَّلاة والسَّلام- وأحوالَ الأُمَم؛ عرف ذلك".
    فالأمم كانت تُقِرُّ بالله -عز وجل- لكن كانوا يعبدون غيره -سبحانه وتعالى.
    التطبيق العملي:
    أمامنا آيات من القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، وقوله: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: 36]، وقوله: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: 23].
    فلفظة: ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا﴾، و﴿اعْبُدُوا﴾، و﴿لِيَعْبُدُونِ﴾ كلها في توحيد العبادة.
    : قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [النساء: 36]، وقال أيضًا: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [الأنعام: 151].
    فجاءت القضية ثُنائيَّة: الأمر بالعبادة، والنَّهي عن ضدِّها وهو الشِّرك.
    ولتتأمَّل أيضًا الأحاديث في أدلته: قال الرسول -صلى الله عليه وسلم: «حَقُّ اللهِ على العِبَادِ أن يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِه شَيْئًا».
    فماذا نسمي هذا؟
    توحيد العبادة، ولفظ العبادة موجودٌ في كل هذه النصوص، تأمَّل هذه النُّصوص معي مرَّةً أخرى تجد لفظ العبادة في: ﴿لِيَعْبُدُونِ﴾، ﴿اعْبُدُوا الله﴾، ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾، فهذه النُّصوص دلَّت على قضيَّةٍ واحدةٍ.
    في سورة المؤمنون آيات كثيرة جدًّا واضحةٌ في الدِّلالة على الربوبيَّة اقرأ:
    وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (78) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (80)﴾ [المؤمنون: 78-80]}
    هذه الآيات في أفعال الرب: هو الذي أنشأكم، وجعل لك السمع، فأنت تسمع وتُبصر، وجعل لك فؤادًا تعقل به، فمَن الذي أنعم عليك بذلك؟ لو كنت أصم وأعمى ما تسمع! قال:﴿هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ﴾، جعلكم في الأرض، وجعل هذه الأرض لكم تُخرجون من خيراتها، كل هذه الأرض تزرعون فيها، وتأخذون هذه الحجارة منها، فتُخرجون منها شيئًا طيبًا، وتستخرجون الخيرات من بطن هذه الأرض، ثم ﴿وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ عند الموت، أي ستعودون إلى الله -سبحانه وتعالى.
    هل يمكن أن نقول أن هذه الآيات التي سبقت وهذه الآيات التي سمعناها الآن نوعٌ واحدٌ؟
    يستحيل ذلك؛ فهذه جاءت في العبادة، وهذه جاءت في أفعال الرب.
    ولذلك فكثير ممن يُناقشون في أقسام التَّوحيد يريدون نفي هذا النوع الذي جاء به كتاب الله وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويريدون دائمًا أن يكون النقاشُ صوريًّا بعيدًا عن الواقع، ونحن نريد أن نقرأ القرآن ونتدبر آياته حتى نستفيد.
    ﴿بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ (81) قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (83) قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89)﴾ [المؤمنون: 81-89]}
    فإذن الله -عز وجل- قال: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ﴾ [النحل: 36] كل الرسل جاءوا بقضية واحدةٍ وهي: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾، هنا في الآيات التي قرأها زميلنا: ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ﴾ قالوا: لله، ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾،
    أعظم المخلوقات العرش والسماوات كلها، مَن الذي يُجير ولا يُجار عليه؟
    الله -سبحانه وتعالى- هو الذي يمنع عنك المرض، وهو الذي يمنع عنك كلَّ ما شاء سبحانه، لكن هل أحدٌ يمنع قدرَ الله أن ينزل؟
    مُحالٌ، ولذلك فهذه الآيات جاءت واضحةً في ذلك، فهل يقول عاقلٌ أنَّ هذه الآيات التي قرأناها في أفعال الرب -سبحانه وتعالى- هي الآيات التي أمر الله بها هنا؟
    هذا لا يقوله عاقلٌ إطلاقًا في ذلك، لا يمكن أن يكون عاقلًا، وهذا تطبيقٌ في ذلك، ونحن هنا نكون قد بدأنا في بعض القضايا في توحيد العبادة.
    هنا: أقسام التَّوحيد:
    - من الأسئلة التي مرَّت معنا: بعض الإخوان قال: هل يمكن أن نزيد نوعًا رابعًا؟
    ذكر بعضُهم "توحيد الحاكمِيَّة".
    الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى- قال: ليست أقسام التوحيد أربعة، وإنَّما هي ثلاثة كما قال أهل العلم من خلال الاستقراء؛ لأنَّ الحاكميَّة وهو الحكم بشرع الله –عز وجل- يدخل في توحيد العبادة، فمن توحيد العبادة الحكم بما شرع الله -عز وجل- والصلاة وغيرها.
    انظروا فتوى سماحة الشيخ -رحمه الله- إذا عرفها المؤمن ولو ما عرف الأقسام أبدًا وإنَّما مجرد أنه آمن ووحد الله -عز وجل- وأثبت لله أسماءه الحسنى، هل يلزمه أن يعرف أنواع التوحيد؟ لا يلزم ذلك، ولكن مجرد أن يقرأ فيها.

    مَن يقرأ الفتوى الأخيرة؟
    طالب: يقول -رحمه الله تعالى: "وإذا عرفها المؤمنُ ولو ما عرف الأقسامَ، إذا كان قد وحَّد اللهَ وآمن بالله ربِّه وإلهه ومعبوده الحق، وأنَّه ذو الأسماء الحسنى والصفات العُلى، لا شبيهَ له، ولا كُفْءَ له؛ كفى، ولم يعرف الأقسام، لكن إذا عرفها يكون من العلم الطيب"}
    هذا يكون جيدٌ إذا عرفها، وهو واجبٌ على طالب العلم مثل: هؤلاء الشباب الذين يتابعونا في القنوات الفضائية والحضور معنا، فلابُدَّ أن يعرفها كل هؤلاء لأنَّه يتأمل نصوصَ الكتاب والسُّنة.
    قرأنا قبل قليل في سورة المؤمنون، لكن نحن الآن نقرأ في آيات أخرى في كتاب الله -عز وجل- كلها في أفعال الرب، وفيها الإقرار بالرُّبوبيَّة، هل يستطيع أحدٌ أن يقول أنَّهم لم يُقِرُّوا بالرُّبوبيَّة؟!
    ولذلك كثير من الذين يتكلمون ينكرون توحيد الألوهية، ماذا يقولون؟ يقولون الشرك هو ماذا؟
    {طالب: كل مَن يُنكر توحيد الأُلُوهيَّة يقولون عن الشرك الموجود في الكتاب والسنة أنَّ هناك خالق مع الله}
    نعم، انظر الآيات أمامك: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ [يونس: 31].
    أفلا يتقون الله -عز وجل! تُقِرُّون أنَّه هو الذي خلقكم، وهو الذي رزقكم، والذي أعطاكم السمعَ، وأعطاكم البصرَ، ويُدَبِّر الأمرَ، ونِعَمه عليكم دارَّةٌ -سبحانه وتعالى- ثم تعبدون غيره؟!
    يا سبحان الله! ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف: 87] يعترفون ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [لقمان: 25].
    انظر هذه الآيات في يونس، في الزخرف، في لقمان، في المؤمنون، كلها آيات كتاب الله، فماذا لو جمعنا هذه الآيات، ماذا نقول عنها؟
    {طالب: هي توحيد الربوبية}
    هي توحيد الربوبية، هي في أفعال الرب -سبحانه وتعالى- ولعلنا في هذا نكون انتهينا.

    الدرس الأول من كتاب التوحيد:
    : بسم الله الرحمن الرحيم، أدلة وبراهين التوحيد
    تكلم المؤلف مباشرةً وذكر الآيات.
    "وقول الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [سورة الذاريات: 56]،
    وقوله: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [سورة النحل: 36]،

    وقوله: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [سورة الإسراء: 23].
    قال ابنُ مسعود -رضي الله عنه: "مَن أرادَ أن ينظر إلى وصيَّةِ محمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- التي عليها خاتَمه فليقرأ قوله تعالى:﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا﴾ [الأنعام: 151- 153]".
    وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: "كنتُ رَدِيفَ النبي -صلى الله عليه وسلم- على حمارٍ، فقال لي: «يَا مُعَاذُ، أَتَدْرِي ما حَقُّ اللهِ على العِبَادِ، وَمَا حَقُّ العِبَادِ على اللهِ؟» فقلت: الله ورسوله أعلم. قال: «حَقُّ الله على العِبَادِ أن يَعْبُدُوهُ ولا يُشْرِكُوا به شيئًا، وحَقُّ العِبَادِ على اللهِ ألا يُعَذِّبَ مَن لا يُشْرِك به شَيْئًا». فقلت: يا رسول الله، أفلا أُبَشِّر الناس؟ قال: «لا تُبَشِّرْهُم فَيَتَّكِلُوا»". أخرجاه في الصَّحيحين}
    أخرجاه في الصَّحيحين يعني البخاري ومسلم.
    إذن هذا كتاب التوحيد، والمؤلف -رحمه الله- هنا أحسن الاستدلال بهذه الآيات؛ لأنَّها فعلاً كلها دالة على التَّوحيد.
    الدليل الأول على وجوب التوحيد: (قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]).
    (ما) هنا نافية، يعني الغرض الذي خُلق من أجله الإنسُ والجنُّ هو توحيد الله، وعبادة الله، وإخلاص العبودية لله.
    جاء في تفسيرها (ليعبدون): أي يُوحِّدون.
    نجد لفظة (ليعبدون) الواضحة، قال بعضُهم: اللام هنا للتعليل، أو أن الغرض من اللام التعليل في القرآن الكريم. والله -عز وجل- ردَّ عليهم مباشرةً:﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ﴾ [الذاريات: 57].
    ولذلك فالله -عز وجل- لما خلق الخلق ليعبدوه ما أراد منهم نفعًا -سبحانه وتعالى- هو الغني -سبحانه وتعالى- بيده ملكوت كلِّ شيءٍ، لكنَّه خلقهم -سبحانه وتعالى- ليعبدوه، ولذلك قال –كما جاء في الحديث القدسي: «مَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ».
    الدليل الثاني: قوله -تبارك وتعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: 36]، كلُّ الرسل من أولهم إلى آخرهم هذه هي رسالتهم.
    مَن يُعرِّف لنا الطاغوت؟
    أصلها الطغيان، ولذلك الناس يتكلمون عن طغيانٍ مُعيَّنٍ، لكن الطُّغيان الموجود عند الذي نهى الله -عز وجل- عنه.
    انظر الطغيان قال: (هو ما تجاوز الحدَّ من متبوعٍ أو مُطاعٍ أو معبودٍ)، المعبود هي الأصنام أو غيرها، كل معبودٍ بصنمٍ أو غيره أو حجرٍ أو شجرٍ، كل هذا معبودٌ.
    (أو متبوعٍ) شخص يُطيعونه، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ والنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أنبيَائِهم -وفي روايةٍ: صالحِيهِم- مَسَاجِد».
    وقد قال الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ والنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهم مَسَاجِد». اتخذوها مساجد، انظر الطغيان! فالرسول يلعن ذلك.
    فيأتي بعضُ المتبوعين، وعلماء السوء، ويقولون: بل اتخذوها مساجد! وابنوا القبور في المساجد، وابنوا المساجدَ على القبور!
    هذا غاية الطغيان.
    {طالب: يستدلون بالحديث الموضوع: «إذا أعيتكم الأمور فالجؤوا إلى أصحاب القبور»}
    وما درجة الحديث هذا؟
    «إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور»: هذا حديث موضوع مكذوب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد قال -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فليَتَبَوَّأ مَقعَدَهُ من النَّارِ».

    ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾: أخلصوا العبادة لله.
    والآية مُؤَكَّدةٌ بثلاث مُؤَكِّدات: القسم المُقدَّر، واللام توطئة للقسم، و(قد)، كلها للتَّحقيق أن الرسل كلهم غايتهم:﴿وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾، اجتنبوا كل ما تجاوز الحدَّ من متبوع وعالم سوءٍ ومَن يُطاع.
    وأيضًا يدخل في المُطاع الأمراء أو الولاة الذين يقولون: شرع الله لا يصلح، ولا يُحكَّم، وغير نافعٍ للأُمَّة. هؤلاء يدخلون في هذا، فكل هؤلاء يكونون في حكم الطاغوت.

    تعليق


    • #3
      رد: الدرس الثالث(براهين التوحيد وأدلته)

      بارك الله فيكم ونفع بكم

      تعليق


      • #4
        رد: الدرس الثالث(براهين التوحيد وأدلته)

        ***

        وعجلت إليك ربِّ لترضى

        تعليق


        • #5
          رد: الدرس الثالث(براهين التوحيد وأدلته)


          وعجلت إليك ربِّ لترضى

          تعليق

          يعمل...
          X