إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الدرس الثانى(أدلة وبراهين التوحيد)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الدرس الثانى(أدلة وبراهين التوحيد)

    رابط المحاضرة:
    http://www.youtube.com/watch?v=du3CJ...ature=youtu.be
    تفريغ المحاضرة:
    اسم المحاضر/د عبد الله بن دجين السهلى
    بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أفضل الرسل والنبيين، اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وأصحابه وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
    أهلاً وسهلاً بالإخوة والأخوات في اللِّقاء الثاني من دروس الأكاديميَّة الإسلاميَّة المفتوحة، هذا الدرس هو الدرس الثاني من دروس العقيدة.
    نشير إلى ما مرَّ معنا في اللِّقاء الماضي: وهو حديثنا عن مصادر تلقي الدين، حيث أجبنا على سؤالين هما: ما المصادر؟ وما منهج الاستدلال؟
    ونُعَرِّف في هذا الدرس بإذن الله -عز وجل- المرجع الدراسي؛ وسيكون مع الجميع -بمشيئة الله- مرجعٌ دراسيٌّ ينزل -إن شاء الله- قريبًا على موقع الأكاديمية، وسنقوم بالتعريف بهذا المرجع، وبيان سبب اختياره، ثم نتحدث عن أقسام التَّوحيد وأنواعه وثمراته بمشيئة الله -عز وجل.
    تكلمنا في اللِّقاء الماضي عن كتب أئمَّة أهل السُّنة، واستعرضنا معكم مجموعةً من هذه الكتب والتي تكلمت عن موضوعات العقيدة، أو موضوعات التَّوحيد خاصَّةً.
    وهذه الكتب التي تحدثنا عنها هي من شرق العالم الإسلامي، ومن جميع المذاهب الإسلامية، فيمكن -بحمد الله- أن نجعل أيَّ كتابٍ من هذه الكتب مقرَّرًا.
    مع العلم بأنَّ كلَّ كتابٍ من هذه الكتب له ما يُمَيِّزه عن غيره، وبه فوائد عدة للطالب.
    وقد اخترنا كتاب "القول المفيد شرح كتاب التوحيد"، ومؤلفه هو الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- ويشرح فيه كتاب التوحيد للإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله تعالى.
    وقد وقع اختيارنا على هذا الكتاب لعدة أسباب، منها:
    أولاً: أنَّه من أكثر الكتب انتشارًا: فبالإضافة إلى وجوده في نسخة ورقية مطبوعة مكونة من ثلاث مجلدات، فهو أيضًا موجود على موقع الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- مما يجعله مُيَسَّرًا لطلاب العلم، مُتَوَفِّرًا بين أيديهم.
    ثانيًا: أنَّ الشيخَ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله تعالى- تُوُفِّي قريبًا، وهو عالِمٌ ضربت شهرتُه مشارقَ الأرض ومغاربَها، واشتهر بالزُّهد والعلم، وقد ضَمَّنَ كتابَه القضايا المعاصرة في التوحيد؛ فتجد في كتابه تفسيرًا لكثيرٍ من هذه القضايا، بالإضافة إلى سهولة لغته وبساطتها.
    وقد أُلِّفَ في التوحيد العديدُ من الكتب: منها كتاب "التوحيد" لابن خزيمة –رحمه الله- المتوفي في أوائل القرن الرابع الهجري، وكتاب "تجريد التوحيد" للمقريزي الشافعي –رحمه الله- و"التوحيد" لابن منده، و"التوحيد" للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- المتوفي سنة 1206هـ، وغيرها كثير.
    وقد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- لفظَ التَّوحيد في أكثر من حديثٍ، منها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أرسل معاذَ بن جبلٍ إلى اليمن قال له –كما جاء في بعض روايات الحديث في الصحيح: «فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ التَّوحِيدُ»، وقال جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- في حجة النبي -صلى الله عليه وسلم: "أَهَلَّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بالتَّوحيد".
    فلفظ (التوحيد) موجودٌ في كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- وفي كلام الصَّحابة والتابعين ومَن بعدهم إلى هذا اليوم.
    ثالثًا: نجد أنَّ عمدةَ كتاب التوحيد الذي شرحه الشيخُ محمد بن صالح العثيمين آيةٌ من كتاب الله وحديثٌ من سُنَّة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأقوال السَّلف، فليس فيه رأيٌ خاصٌّ للمؤلف، بخلاف الكتب الأخرى التي لم يَكْتَفِ مؤلِّفُوها بالنُّصوص الشَّرعيَّة.
    رابعًا: أنَّ كتابَ التوحيد تُرجم إلى أكثر من واحد وعشرين لغةً، وبالتالي فإن الإخوة الذين يتحدثون بلغاتٍ أخرى غير العربية يستطيعون الرُّجوعَ إلى الكتابِ بلغتهم الأصليَّة.
    خامسًا: كثرة شروح كتاب التوحيد المطبوعة والمسموعة؛ مما يجعل الاستفادةَ منه كبيرة، فلو وجد أحدُ الطلبة مسألةً غيرَ واضحةٍ بالنسبة له فإنَّه يستطيع الرجوعَ إلى أحد الشُّروح سواء كانت مطبوعةً أو مسموعةً لتوضيح ما غَمُضَ عليه، وقد بلغ أكبرُ شروح كتاب "التوحيد" ثمانية مجلدات.
    نتحدث الآن عن قضية مهمة وهي قضية أقسام التوحيد:
    تأملوا معي أيها الإخوة سورة الإخلاص التي نقرأها ونرددها كثيرًا في الليل والنهار، والتي هي من الأذكار الصباحيَّة والمسائيَّة؛ فتُقرأ عقب صلاتي الفجر والمغرب ثلاث مرات، فما هو موضوع السورة؟
    إنه التوحيد.
    أي أنواع التوحيد؟
    نجد السُّورة تتحدث عن توحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، يقول تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ [الإخلاص: 1، 2].
    كما نجد سورًا أخرى تتحدث عن أسماء الله -عز وجل- وصفاته، فنجد قوله تبارك وتعالى في سورة الناس: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ﴾ [الناس: 1- 3] فهل معنى (رب الناس) هو نفس معنى (إله الناس)؟ أم أنَّ لها معنًى آخر؟
    لا شكَّ أنَّ الرُّبوبيَّة غيرُ الألوهيَّة.
    ونحن نريد أن نبين أنَّ العقيدةَ ليست قضيَّةً جافَّةً، بل هي قضيَّةٌ مرتبطةٌ بعضُها ببعضٍ، ولذلك ذكرنا الآن أقسامَ التَّوحيد أو دلالات التَّوحيد في الأذكار التي يذكرها الإنسانُ في الصباح والمساء؛ لتعرف قيمةَ الأذكار التي تدلك على توحيد الله، وعلى إخلاص العبودية لله رب العالمين.
    فشيءٌ طيِّبٌ أن يقرأ الإنسانُ الأذكارَ في الصباح والمساء وهو يعرف دلالاتها على توحيد الله، وإخلاص العبودية لرب العالمين، فمثلاً آية الكرسي التي قال فيها النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ». الحديث رواه النَّسائيُّ وهو في الصَّحيح، وصحَّحه أهلُ العلم.
    وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها أيضًا: «أَعْظَمُ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللهِ آيَةُ الْكُرْسِيِّ». و«مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ عِنْدَ النَّوْمِ لَا يَزَالُ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ حَافِظٌ حَتَّى يُصْبِحَ».
    إذن ففي الآية مزايا عظيمةٌ لابد أن يتأمَّلها المسلمُ ويقف عندها.
    يقول تعالى: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ [البقرة: 255].
    نجد في هذه الآية خمسةَ أسماء من أسماء الله -عز وجل- وهي: (الله - الحي - القيوم - العلي – العظيم).
    وهذه الأسماء الخمسة تضمَّنت خمسَ صفاتٍ أيضًا، بالإضافة إلى وجود صفاتٍ أخرى في الآية، فعدد الصِّفات الموجودة في هذه الآية أكثرُ من عشرين صفةً.
    فهل تأمَّلنا صفات ربنا -عز وجل- الموجودة في هذه الآية ونحن نقرأها بعد الصلاة؟
    ففي الآية عشر جُمَلٍ، هذه الجمل تضمَّنت توحيد الألوهيَّة، وتوحيد الرُّبوبيَّة، وتوحيد الأسماء والصفات.
    وقد بدأت الآية بتوحيد الألوهيَّة فقال سبحانه: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾، ثم ذكرت أسماء الرب -سبحانه وتعالى.
    يقول عز وجل: ﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾: لا أحدَ يشفع عنده إلا بإذنه، وأنت تستطيع أن تشفع عند غيره لأنَّ مُلْكَه ليس تامًّا، فهو محتاجٌ إليك، لكنَّ الربَّ ملكَه تامٌّ، فلا أحدَ يشفع عنده إلا بإذنه -سبحانه وتعالى.
    (القَيُّومُ): قائمٌ على كلِّ شيءٍ، قام برزق العباد، وبحياتهم، وبتدبيرهم -سبحانه وتعالى.
    ولنتأمل أيضًا سيد الاستغفار، الذي سمَّاه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بذلك في حديث شداد بن أوس -رضي الله عنه- وهذا الاسمُ يعني أعظمَ أدعية الاستغفار، وهو: (اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ).
    قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِي فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ». رواه الإمام البخاري.
    فهذا الحديث العظيم سيد الاستغفار.
    (اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي) إذن تضمَّنت الربوبيَّة.
    (خَلَقْتَنِي) تضمَّنت أيضًا الرُّبوبيَّة، فما معنى الرب؟
    الرَّبُّ هو المُدَبِّر، وهو السَّيِّد، وهو المالك، وهو المُتَصَرِّف، وكلُّها لله -سبحانه وتعالى.
    (خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ) تأكيدٌ، فما دام الربُّ هو الذي خلقَك فأنت عبدٌ له.
    (وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ) هل هناك عهدٌ سابقٌ؟ أين كان هذا العهد؟ ومتى كان؟
    نعم هناك عهدٌ سابقٌ أخذه اللهُ تعالى من ذُرِّيَّة آدمَ كلِّها؛ يقول سبحانه: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا﴾ [الأعراف: 172].
    وهناك أيضًا عهدٌ آخر في الصَّلاة التي نُؤَدِّيها كلَّ يوم، حيث نقرأ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ [الفاتحة: 5]، فما معنى هذه الآية؟ ولماذا قُدِّمَ المعمولُ وهو قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ﴾، ولم يقل: "نعبد إياك"؟
    المراد من تقديم المعمول هنا هو نفي عبادة غير الله سبحانه بأيِّ شكلٍ من الأشكال، يعني لا يمكن أن أعبد غير الله.
    فلذلك تأمَّل هذا الحديثَ العظيمَ:
    انظر الربوبيَّة فيه في: (اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ).
    والألوهيَّة في: (خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ)، هذا فيه ذكرٌ للألوهيَّة؛ لأنَّه قَدَّمَ العهدَ وهو عبادة الرَّبِّ -سبحانه وتعالى.
    وانظر إلى رحمة الله تعالى في: (مَا اسْتَطَعْتَ).
    (أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ) يعني أعترف بنعمتك عليَّ، وهذا يدخل في الرُّبوبيَّة.
    (وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي) هذا اعترافٌ، أي أعترف لك بذنبي وتقصيري.
    (فَاغْفِرْ لِي) صفة المغفرة، فالله -سبحانه وتعالى- هو الغفور، (فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ).
    فلو قرأ الإنسانُ هذا الدُّعاءَ في الصَّباح وهو يتأمل هذه المعاني العظيمة، ثمَّ قرأه في المساء وهو يتدَبَّر هذه المعاني العظيمة؛ لكان في ذلك خيرٌ كثيرٌ وفوائدُ عديدةٌ له.
    والأدلة على تقسيم التَّوحيد كثيرةٌ جدًّا، ونحن سنتكلم عليها بمشيئة الله تعالى بعد ذلك، لكن أحببتُ أن نبدأ بهذه القضية لأنَّ هناك أشخاصٌ أو بعضُ طوائف أو بعضُ أناسٍ يزعمون أنَّ هذا تقسيمٌ باطلٌ، ويقولون: "لماذا تُقَسِّمُون التوحيد؟"
    فهذا التَّقسيم كلُّه لأجل التَّعليم والتَّقريب، وذكره العلماءُ كثيرًا، ويكفيك القرآن، فقد جاءتنا فيه آياتٌ في الرُّبوبيَّة، وجاءتنا آياتٌ في الأُلوهيَّة، وجاءتنا آياتٌ في الأسماءِ والصِّفات، من ذلك قوله تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ﴾ [الحشر: 23، 24] هذا في أسماء الله وصفاته.
    وقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ [البقرة: 21]، وقال أيضًا: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: 23]، وقال: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [النساء: 36]: كلُّ هذه الآيات تدلُّ على توحيد الألوهيَّة.
    وتقسيم التوحيد إلى أنواعٍ قال به علماءٌ كُثُر، حيث نجد تقسيم التوحيد عند الإمام أبي حنيفة -رحمه الله تعالى- وقال به أيضًا بعضُ تلاميذه، كما قال به ابنُ منده الشَّافعي -رحمه الله- في كتابه "التوحيد"، وقوام السُّنة الأصفهاني -رحمه الله- في كتابه "الحجة في بيان المَحَجَّة"، وقد توفي سنة خمسمئة وخمسة وثلاثون، وابنُ جريرٍ الطَّبري صاحب التَّفسير -رحمه الله- المتوفى سنة ثلاثمئة وعشرة، وأبو جعفر الطَّحَّاويُّ –رحمه الله- صاحب العقيدة المشهورة والمتوفى سنة ثلاثمئة وواحد وعشرين، وأبو محمد النَّيسابُوري صاحب الجُنَيد، وقد توفي سنة ثلاثمئة وثمانية وعشرين، وأبو حاتم البوستي -رحمه الله- المتوفى سنة ثلاثمئة وأربعة وخمسين، وابنُ أبي زيدٍ القيروانيُّ المالكي -رحمه الله- المتوفى سنة ثلاثمئة وستة وثمانين، وابن بَطَّة العُكبري -رحمه الله- المتوفى سنة ثلاثمئة وسبعة وثمانين، وأبو بكر الطَّرْطُوشي المالكي -رحمه الله- المتوفى سنة خمسمئة وعشرين، وكثيرون غير هؤلاء مما يصعب حصرُهم والكلامُ عليهم جميعًا، أو الإتيان بنقولهم.
    وقد طلبت أن ينزل على موقع الأكاديمية كتاب "القول المفيد في بيان دلائل التوحيد"، حيث تجدون أن أكثر الأمثلة التي ذكرها مؤلفه -حفظه الله- أخذها من أذكار الصباح والمساء، حتى تذكر الأذكار وأنت تستفيد وتستشهد وتتعلم، فيكون علمٌ وعملٌ في آنٍ واحدٍ.
    ونتكلم الآن على أنواع التوحيد:
    (أول قسم: توحيد الرُّبوبيَّة. والثاني: توحيد الألوهيَّة. والثالث: توحيد الأسماء والصفات):
    فإذا قمنا بجمع الآيات والأحاديث الواردة في باب التوحيد فإننا نجد عددًا منها دلَّ على توحيد الرُّبوبيَّة، يعني دلَّ على الرزق، والخلق، وأفعال الرب -سبحانه وتعالى.
    ونجد آيات أخرى دلَّت على توحيد الأُلوهيَّة وإخلاص العبوديَّة لله -عز وجل.
    كما نجد آيات أخرى تدل على أسماء الله -عز وجل- وصفاته.
    فإذن القسم الأول منها هو: توحيد الربوبيَّة، وقلنا أن معنى الربوبيَّة من الرَّبِّ، وهو المالك والمُتَصَرِّف -سبحانه وتعالى.
    النوع الثاني هو: الأُلُوهيَّة، وهو مأخوذٌ من المألوه والمعبود، يعني أنَّ الله -سبحانه وتعالى- هو المألوه وهو المعبود، أي هو الذي نتعبده -سبحانه وتعالى. ولذلك فالعبادة هي التَّذَلُّل، والبعضُ يُسَمِّي هذا النوع "توحيد العبادة"؛ لأنَّ الله -عز وجل- سماه بذلك في كثيرٍ من الآيات، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ [البقرة: 21]، وقال أيضًا: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: 23]، وغيرها من الأدلة الدالة عليه.
    النوع الثالث هو: توحيد الأسماء والصِّفات.
    فهذه هي أقسام التوحيد، وهناك تقسيمات أخرى، لكن نحن يهمنا المضمون، والمضمون داخلٌ في هذه الآيات.
    إذن معنى توحيد الربوبيَّة هو: إفراد الله -عز وجل- بالخلق: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ [الأعراف: 54] فالخلق والتدبير والأمر لله -سبحانه وتعالى.
    ومن الآيات التي دلت على توحيد الربوبية قول الله تعالى: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الحشر: 24]، وقوله في آية الكرسي: ﴿لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [البقرة: 255].
    كما أن قول الله -تبارك وتعالى- في سورة الفاتحة: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ﴾ [الفاتحة: 2] يدخل في توحيد الربوبيَّة، فالله هو رب العالمين، ولذلك يستحق الحمد -سبحانه وتعالى.
    والآيات كثيرة لا يمكن حصرها، لكن نحن أردنا هنا الآيات التي دائمًا يُرَدِّدها المسلم.
    كما يدخل في توحيد الربوبية أيضًا إفراد الله بالملك ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الحشر: 24]، فكل هذه الأرض ملكٌ لله يُدَبِّرها كيف يشاء.
    ومن توحيد الربوبية كذلك إفراد الله -عز وجل- بالتدبير: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ﴾ [السجدة: 5]، فهو سبحانه يدبر الأمرَ كلَّه، فالأمر كلُّه يرجع إلى الله -سبحانه وتعالى- في تدبير الخلق، ولذلك قال الله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ [البقرة: 21].
    ما معنى ﴿اعْبُدُوا﴾؟
    قال ابنُ عباسٍ -رضي الله عنهما: "اعبدوا يعني وحِّدُوا ربَّكم".
    انظروا الدِّلالةَ في قوله تعالى بعد ذلك: ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 22]، فاستدلَّ هنا بتوحيد الرُّبوبيَّة على توحيد الأُلوهيَّة.
    والعجيب أنَّ بعضَ الناس اليومَ يشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ولا يعرف هذا المعنى، ويظنَّ أنَّ هناك أشخاصٌ يتصرَّفون في الأمور، وأنَّ لهم تَصَرُّفًا في الكون -نعوذ بالله من الخِذْلان- حتى إنَّ أحدَهم ذكر في بعض تَرَاجِمه أنَّ فلانًا كان يَجُرُّ الشمسَ مع الملائكةِ أربعين سنةً ومات.
    وكلُّ هذا من الخُرافات التي ما أنزل اللهُ بها من سلطانٍ.
    ومن القصص الجميلة أنَّ مجموعةً من الناس ركبوا سيارةً، وكان بينهم مَن يعتقد في بعض المقبورين، ويعتقد أنَّه يتصرَّف في الكون، فكان كُلَّما قام قال: يا فلان. وإذا جلس قال: يا فلان. فتعطلت السيارةُ، وأرادوا إصلاحَها، فكان هذا الذي يعتقد في المقبورين يقول: يا فلان. فقال له أحدُ المسلمين: يا أخي، قل: يا الله، لماذا تقول يا فلان؟ فقال: احذر فهذا شيخٌ يستطيع أن ينفخك. قال: قل له ينفخ الكفر، نحن نحتاج أن ينفخَ الكفرَ الآن، ودعك من نفخ البشر، أو تطيير البشر.
    وكان أحدُهم أيضًا يزعم أنَّ أحدَ المقبورين يعلم ما في اللَّوح المحفوظ، وأنَّه يطَّلع عليه، فقال له أحدُ المسلمين: أنا أريد شيئًا أسهلَ من هذا الأمر، أريد أن يرى هذه الأرض هل فيها ماء وخيرات؟ لنستفيد من الأرض، هذه أشياء قريبة عندنا، وفيها فائدةٌ مباشرةٌ لنا، ولا نحتاج مثلَ هذه القضايا التي تذكرها.
    ولذلك فإنَّ الإنسانَ إذا خالف في الاعتقاد فإنَّه يقع في الإلحاد -نسأل اللهَ العافيةَ من ذلك.
    أشهر مَن أنكر توحيد الربوبيَّة:
    إنَّ أشهرَ مَن أنكر توحيد الربوبيَّة هو فرعون، يقول الله -عز وجل: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: 14]، فهو قد جحد توحيد الربوبية، ولكن استيقنت نفسُه أنَّ هناك ربٌّ -سبحانه وتعالى.
    كما دعت الشُّيوعيَّةُ أيضًا إلى فكرة عدم وجود إلهٍ، لكن الحمد لله أنَّ الشيوعية هي التي دعت إلى بطلانها -نعوذ بالله من الخِذلان.
    إذا قال الإنسانُ بتوحيد الرُّبوبيَّة لابد أن يُقِرَّ لله -سبحانه وتعالى- بتوحيد الأُلوهيَّة، ولذلك قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة: 21]، فما دام هو الذي خلق فهو المستحِقُّ -سبحانه وتعالى- للعبادة، ولذلك مَن عرف توحيد الرُّبوبيَّة الذي هو تفرُّد الله -عز وجل- بالخلق، والأمر، والتَّدبير، والملك؛ فلابد أن يُخلص العبادةَ لله، فهل يصح أن يخلق اللهُ ويُعبد غيرُه! ويرزق ويُعبد غيره!
    ومن ثمار توحيد الربوبيَّة بيان عظمة الرب -سبحانه وتعالى- انظر مُلْكَه سبحانه، وعظمَتَه، وخلقه، وتدبيره، وتأمَّل الآيات في كتاب الله -عز وجل- واعرف نِعَمَ الله عليك؛ تعرف أن الذي خلقك هو الله، والذي يرزقك هو الله، هو الحي القيوم، قام عليك بكلِّ شيءٍ، رزقك، وأعطاك وأنعمَ عليك، وجعل لك هذه التَّركيبة الجميلة، والخِلْقَة الجميلة.
    إذن النوع الثاني هو ثمار توحيد الرُّبوبيَّة، وهو كما مرَّ معنا قبل قليلٍ، الآن نأخذ النوع الثاني من التَّوحيد وهو توحيد الأسماء والصِّفات:
    مرَّ معنا في منهج تلقي الدين أنَّ مصدرَ تلقي الدين هو كتاب الله وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولذلك فإنَّ دورنا أن نُثبت أسماء الرب وصفاته الواردة في كتاب الله أو في سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ونستسلمَ لها، لا نتعرَّضها بشيءٍ: لا بتحريفٍ، ولا بتمثيلٍ، ولا بتعطيلٍ، ولا غير ذلك، فالله تعالى قال: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة: 255]، نُثبت من أسماء الله (الله)، ومن أسمائه (الحي)، ومن أسمائه (القَيُّوم)، ومن أسمائه (هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس)، هذه أسماء الرب -سبحانه وتعالى- كما جاءت في القرآن.
    ولذلك قال: (إثبات أسماء الله -عز وجل- من غير تحريفٍ)، البعض يُسَمِّيه تأويلاً، والصواب أن نُسَمِّيه تحريفًا؛ لأنَّ الله -عز وجل- ذكر التَّحريف في كتابه، وذكر -عز وجل- أنَّ الأممَ السَّابقةَ يُحَرِّفون الكَلِمَ عن مواضعه: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ﴾ [النساء: 46]، ولذلك قال الله تعالى: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة: 64] فقالوا: لا، المقصود قدرته. الله قال ﴿يَدَاهُ﴾، لماذا لم يقل قدرته؟! أليس القرآنُ في غاية البلاغة والوضوح؟
    (ولا تعطيلَ) فلا نُعطل المعنى، وتعطيل المعنى يعني إبطال المعنى الذي ورد، فالله استوى على العرش فأبطلوا هم هذا المعنى، ثم جاءوا بمعنى آخر، وهم حرَّفوا هذا المعنى.
    (ولا تكييفَ) ما معنى التكيييف؟
    التَّكييف هو كما قال الله -عز وجل: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: 11] فالتَّكييف هو التَّوصيف، وهو أنَّك تقول: صفة الرب هي هكذا. فهذا غير ممكنٍ، فنحن لم نكتشفه فنفسره، فكيف ننتقل إلى تكييف صفة الرب -سبحانه وتعالى؟!
    ولذلك فإن أعظم نعيم أهل الجنة هو رؤية الرب -سبحانه وتعالى- رزقنا الله وإياكم من فضله.
    فأهل السُّنَّة لا يُكَيِّفون، ولا يقولون: صفة ربنا كذا. فنحن لا نُكَيِّف.
    القضية الثالثة: (التَّمثيل)، والأولى أن نذكر بدلاً منها التَّشبيه؛ لأنَّ التَّشبيه ورد في كتاب الله، والتَّمثيل هو نفس المعنى، لكن التَّشبيه ليس كمثله شيء، ولذلك بعضُ مَن ينفر من مذهب أهل السُّنَّة يظنَّ أنَّ إثبات الصِّفات تشبيهٌ، وهذا غيرُ صحيحٍ، بل نُثبت كما أُثبت في كتاب الله وفي سُنَّة الرسول -صلى الله عليه وسلم- من غير تكييفٍ، ولا تشبيهٍ، ولا تمثيلٍ، ولا تحريفٍ، ولا تعطيلٍ، نثبتها كما قِيلت، ولغة العرب واضحةٌ، ومعانيها واضحةٌ في ذلك، فمعنى النفي في أسماء الله -عز وجل- أنَّه ينفي الاسمَ كما ذكرت: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة: 64]، قال: قدرته.
    معنى التعطيل في (استوى) هو نفي العُلُوِّ، وأنَّها لا تدل على عُلُوِّ الله -سبحانه وتعالى- ثم يأتي المُعَطِّل لها بمعنًى آخر.
    التَّحريف هو مثلاً (استوى) قال: لا، معناها استولى. فزاد فيها كما قالت اليهود: حنطة. حينما قال الله -عز وجل- لهم: ﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ [البقرة: 58]، فقالوا: حنطة. فزادوا حرفًا واحدًا؛ فكفروا بهذا الحرف، فكذلك هؤلاء زادوا لامًا في كلمة (استوى).
    ومن معنى التمثيل أيضًا: أنَّهم يُمَثِّلون الله -عز وجل- بخلقه، فيقول: سمع الله كسمعي، أو بصر الله كبصري.
    ولذلك قال أئمَّةُ أهل السُّنَّة: "مَن مَثَّلَ اللهَ أو شَبَّهَ اللهَ بخلقه فقد كفر". فالذي يُمَثِّلُ الله -عز وجل- بخلقه فقد كفر بذلك، وأهل السُّنَّة بريئون من التَّمثيل.
    ثمرات توحيد الأسماء والصفات:
    استقامة الإيمان: فحينما يأتي أحدُ نفاة الصِّفات ويقول: ربي لا يسمع، ولا يبصر. هل يكون مُتَوَكِّلاً على الله؟ لا يمكن أن يتوكل على الله، ولذلك نفاة الأسماء والصفات لا يمكن أن يتوكلوا على الله، لا يمكن أن يستقيم معنا، وأيضًا نفاة القدر.
    وهذه قصَّة مشهورةٌ: أنَّ أحدَهم أضَلَّ بعيرَه، وجاء إلى مجلس المعتزلة فقال لهم: ادعوا الله أن يردَّ لي بعيري. فقالوا: اللَّهُمَّ إنَّك أردتَ ألا يضيع بعيرُ فلانٍ فضاع، اللَّهُمَّ رُدَّ إليه بعيره. فقال الرجل: ما أريد دعاءَكم. دعاؤكم هذا لا ينفع، فالله ما أراد أن يضيع.
    عندنا هنا الإرادة الكونيَّة والإرادة الشَّرعيَّة، فأراد اللهُ كونًا وقدرًا أن يضيع هذا الجمل، لكنَّه يسأل الله -عز وجل- أن يرده إليه، فقال: إذا كان أراده أن يضيع فضاع، فهذا لا يمكن أن يُقبل.
    أيضًا في هذا دليلٌ على استحقاق الله تعالى العبادة؛ فإذا كان الله هو الخالق، وهو الرازق، وهو المحيي، وهو المعطي -سبحانه وتعالى- وهو النافع الضَّارُّ، وهو الذي بيده ملكوت كلِّ شيءٍ، وهو القادر على كلِّ شيءٍ، وهو القوي، وهو العزيز؛ ألا يستحق العبادة؟ ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «أَنْ يَخْلُقَ اللهُ وَتَعْبُدَ غَيْرَهُ». هذا لا يمكن أن يكون، ومن صوره ما مرَّ معنا من إنكار ما دلَّت عليه الأسماءُ والصفاتُ؛ فيُنكر الله.
    ولذلك قال بعضُهم: إنَّ الله نفى أن يكون سميعًا، يسمع أو يُبصر. ولهم اختلافاتٌ عميقةٌ، ولا تدري كيف قالوا بذلك! ومنها: إنكار صفة الكلام، ماذا كان؟ أنكروا أن يكون القرآن كلام الله -سبحانه وتعالى- وأطالوا في هذه القضيَّة.
    ومنها: جعل الصفات دالة على تشبيه الله -عز وجل- وهذا عند كثيرٍ منهم، ولذلك قصَّةٌ جميلةٌ لمحمود سبكتكين -رحمه الله- وهو من ملوك أواسط آسيا -غزنة الآن- فقد ناظره أحدُ نفاة الصفات، فقال: لا يجوز أن نُثبت لله -عز وجل- العُلُوَّ؛ لأننا لو أثبتنا له العُلُوَّ فيلزم أن نقول له السفل؛ أي أن يكون أسفل. قال محمود: يا هذا، ما وصفتُ أنا نفسَه، إنَّما هو الذي وصف نفسه.
    وأمَّا الآخرُ فأنكر أنَّ الله -عز وجل- عالٍ على عرشه، مُسْتَوٍ على عرشه، عالٍ فوق خلقه -سبحانه وتعالى- وأنكر ذلك كله -علو الله، واستواءه على العرش- وكان عند أحد ملوك دمشق، فقال: أما هذا -يقصد نافي الصفات- فقد ضيَّع ربَّه، فابحث لك عن ربٍّ. لأنَّه إذا كان ربك ليس بعالٍ على خلقه -سبحانه- ولا قادر ولا يبصر، فماذا يكون؟
    أيضًا تسمية الله -عز وجل- بما لم يُسَمِّ به نفسَه، وهناك عدَّةُ كتبٍ ظهرت الآن تُوَضِّح لك كلَّ اسمٍ وكلَّ صفةٍ ودليلها ومَن قال بها من أئمَّة المسلمين، منها تسمية الله -عز وجل- بالقديم، الذي ورد في كتاب الله هو: (الأول، والآخر، والظاهر، والباطن). فهو الأول، والأول لم يسبقه شيءٌ، أمَّا القديم فمعناه أن هناك من سبقه.
    أيضًا وصفه -سبحانه وتعالى- بما لا يليق به، وبما يُنَزَّه عنه، فلا يليق أن يوصف الله -عز وجل- بما يُنَزَّهُ عنه، فهذا لا يجوز.
    قال أحدُ الزَّنادقة الذين يقولون بوحدة الوجود: الله في كلِّ شيءٍ. قال: لا. قالوا: الله في كلِّ شيء، هذه القاعدة. قال: نعم. قالوا: حتى في هذا الكلب الميت؟ قال: نعم، الله في هذا الكلب الميت؟! نعوذ بالله من الخِذلان، هذا كان اسمُه عفيفَ الدِّين فسَمُّوه الفاجر.
    حكاية الصفات يعني تشبيه الصفة، أو أن يقول: ينزل ربنا هكذا. أو قولهم: كلُّ ذلك لا يجوز بشيءٍ من ذلك؛ لأنَّ الصِّفةَ إنَّما تكون بمعرفة الموصوف، والله -عز وجل- ﴿لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ [طه: 110]، ما أحد يحيط بربنا -سبحانه وتعالى- ولا يعلم، ولذلك أعظم نعيم الجنة هو رؤية الرب -سبحانه وتعالى.
    آثار الإيمان أنَّها طريقٌ إلى الله: محبَّة الله، وخشيتُه، وخوفه، ورجاؤه، والإخلاص لله -سبحانه وتعالى- أيضًا تزكية النَّفس وإقامتها على منهج العبوديَّة للواحد الأحد.
    إذا عرف الإنسانُ صفاتَ ربِّه -سبحانه وتعالى- وأنَّ بيده الرزقَ، وأنَّ بيده الخيرَ كلَّه -سبحانه وتعالى- وأنَّه الرحمن الرحيم، فالإنسانُ وهو قائمٌ يُصَلِّي يقول: "الله أكبر". ثم يقول: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، يعني ربُّك الذي وقفت تدعوه ما صفته؟ الرحمن الرحيم -سبحانه وتعالى.
    نعود الآن إلى توحيد الأُلوهيَّة:
    توحيد الألوهيَّة، أو توحيد العبادة، الألوهية من: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة: 255]، من اسم الرَّبِّ -سبحانه وتعالى- الإله، والعبوديَّة لأنَّ الله -عز وجل- سمَّاه قال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ [البقرة: 21]، ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: 23]، ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [النساء: 36]، كل هذه الأدلة ستأتي معنا -إن شاء الله.
    فالعبادة معناها التَّذَلُّل، ولذلك عرَّفوا العبادةَ بأنَّها: اسمٌ جامعٌ لما يُحِبُّه اللهُ ويرضاه من الأقوال والأفعال الظَّاهرة والباطنة.
    والأفعال الظاهرة مثل: الصلاة، والصيام، والحج.
    هذه كلُّها من الأعمال والأفعال الظَّاهرة التي فيها -كما تعلمون- عبادات أخرى؛ فالصَّلاةُ فيها ركوعٌ وتَذَلُّلٌ وخضوعٌ لله -عز وجل. وفيها أيضًا أفعالٌ ظاهرةٌ من الأذكار، كأذكار الصباح والمساء، والأذكار بعد الصلوات الخمس وغيرها، والتي لاشك أنَّها منها. هل هناك فعلٌ آخر أو عملٌ آخر؟
    (الباطنة): كالنِّيَّة، وخشية الله -عز وجل.
    وإخلاص النِّيَّة لله -عز وجل- أمرٌ عظيمٌ جدًّا، وعلى الإنسان أن يُراعي هذا الأمر، ولذلك قال السَّلفُ -ابن مهدي أو غيره: "كم مِنْ عَمَلٍ عظيمٍ -عملٍ كبيرٍ- لكن تُصَغِّرُه النِّيَّة -النية ليست صالحةً- وكم من عملٍ قليلٍ لكن تُعَظِّمُه النِّيَّةُ؛ لأنَّ النِّيَّةَ صالِحَةٌ".
    ومنها المحبة: محبَّة الله، ومحبَّة شَرْعِه، ودينه، ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ومحبَّة عباده المؤمنين، نُحِبُّ أهلَ لا إله إلا الله، مَن قال لا إله إلا الله نُحِبُّه، لِمَ؟ لأنَّ هذا من العبادات القَلْبِيَّة التي قام بها.
    أيضًا قوله (القلب) لأنَّ القلبَ يعتقد ويُصَدِّقَ في هذا الأمر كلِّه، ولذلك العبادةُ اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يُحِبُّه اللهُ ويرضاه في ذلك.
    انظر أهميَّة العِبادة، قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، فالقضيَّة الكُبرى في حياة البشر هي العبادة، والقضيَّة الكُبرى التي خلقك الله لها هي العبادة؛ لماذا؟ لأنَّ الرُّبوبيَّةَ مركوزةٌ في النَّفس، أنت تُقِرُّ أنَّ اللهَ هو خالِقُك، وهو رَازِقُك.
    (قريش أقرَّت بالرُّبوبيَّةِ لله -عز وجل- لكنَّها لم تُقِرَّ بالأُلُوهِيَّة).
    هذه وردت في كتاب الله، نعم مثلما قال الأخ، ولذلك انظر أشعار كعب بن زهير، وانظر أشعار حاتم الطائي، وعنترة الذي يقول:
    يا عَبلُ أينَ من المَنِيَّةِ مَهْرَبِي *** إِنْ كَانَ رَبِّي في السَّماءِ قَضَاهَا
    وانظر ماذا يقول أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت:
    مَجِّدُوا اللهَ فَهُو للمَجْدِ أَهْلٌ *** رَبُّنا في السَّماءِ أَمْسَى كَبِيرَا
    وهؤلاء جميعًا قد ماتوا مشركين، وكعب بن زهير يقول:
    وَمَهْمَا يُكْتَمِ اللهُ يَعْلَمِ
    يقول: أيُّ شيءٍ تكتمه عن الله يعلمه.
    وحاتم الطائي يقول: "والذي يحيي العِظامَ البِيضَ وهي رَمِيمُ" يُقسم بالله، لكن ما نفعه ذلك، ولذلك قال الله -عز وجل: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [لقمان: 25]، فهم يُقِرُّون بذلك.
    أيضًا الآية الأخرى التي يقول الله تعالى فيها: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: 36]، ماذا نأخذ من الآية؟
    (الدَّعوة إلى التَّوحيد ونَبْذ الشِّرك).
    والرُّسل كلُّهم -عليهم الصَّلاة والسَّلام- جاءوا بهذه القضيَّة التي هي قضية التَّوحيد، ولذلك دينُ الأنبياء كما قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم: «الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ». يعني إخوةٌ دِينُهم واحدٌ، أمَّا الشَّرائع فهناك اختلافات فيها.
    أيضًا قال صلى الله عليه وسلم: «حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا». جزاء الموحد النَّجاة.
    وكلُّ هذه الأحاديث ستأتينا إن شاء الله، وإذا أردتها ستجدها في بداية صحيح الإمام مسلم في كتاب الإيمان.
    «حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا»: (شيئًا) نكرة في سياق النَّفي، أي يخلص من الشِّرك، ولذلك حَرِيٌّ بالإنسان أن -حتى وإن كان هذا الإنسانُ لا يُوافِقَنِي في مُصطلحاتي- يعرف مصطلحات الكتاب والسُّنة، فالله سَمَّ الشِّركَ في كتابه، وذكره في القرآن الكريم وفي السُّنَّة، فاعرف ما هذا الشِّرك الذي ذكره اللهُ حتَّى تحذرَ وتسلمَ منه.
    عندنا كلمة (التَّوحيد)، ما هي؟
    (لا إله إلا الله).
    ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في الصباح وفي المساء: «أَصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ، وَكَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ، وَدِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ -صلى اللهُ عليه وسلم- وَمِلَّةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ». فهذا معنى كلمة الإخلاص.
    فما معنى كلمة (لا إله إلا الله)؟ هل هي هذه المعاني التي أمامنا؟ أي لا خالق إلا الله؟
    (لو قلنا: لا خَالِقَ إلا الله، وهنا الخلق بمعنى توحيد الرُّبوبيَّة، بذلك يخرج توحيدُ الأُلُوهيَّة).
    إذن هذا جزءٌ من معناها، وليس المعنى كاملاً، والمعنى الثاني قال: (لا حَكَمَ إلا لله)، هل ينفع هذا المعنى؟
    لا ينفع؛ لأنَّ فيه نفي جزء العِبَادَة.
    قول: (لا معبودَ إلا الله) أيضًا لا ينفع؛ لأنَّ معنى لا معبودَ إلا الله أنَّ كلَّ المعبودات هي الله، وهذا لا يمكن، ولذلك الله فسَّرها في كتابه، ما فسرتُها أنا ولا غيري، يقول الله -عز وجل- في سورة الحج: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾ [الحج: 62]، وفي سورة لقمان: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ﴾ [لقمان: 30].
    ولذلك فإن معنى كلمة (التَّوحيد): لا معبودَ بحقٍّ إلا الله.
    إذن (لا خالقَ) هو جزءٌ من المعنى، (لا حَكَمَ) هو جزءٌ من المعنى، ولذلك دائمًا تدخل هذه الكلمات في توحيد الأُلوهيَّة.
    هذه ثمرات كلمة (توحيد الأُلوهيَّة) التي هي السبب الأعظم لنيل رضا الله، والحياة الطَّيبة في الدنيا والآخرة، وقبول الأعمال، ودخول الجنَّة والنَّجاة من النار، واطمئنان القلبِ، والرِّضا بالقضاء والقَدَر، فهذه ثمرات توحيد العبادة.
    رزقنا اللهُ وإيَّاكم وجعلنا من عباده المُخْلَصِين، ووفَّقنا لما يُحِبُّ ويرضى.
    وبهذا نكون -والحمد لله- قد استطعنا أن نُنْجِزَ آخر موضوعات درسنا اليوم، وستنزل أسئلةٌ حول هذه المحاضرة -إن شاء الله- على الموقع، وأيضًا الدروس التي لم يحضرها بعضُ الإخوة، سواء درس أمس أو درس اليوم، ستكون موجودةً على الموقع -إن شاء الله- قريبًا، فبإمكانك أن تُراجع ما يفوتك بمشيئة الله -عز وجل- وبهذا نُنْهِي هذا الدَّرسَ المُبارَكَ.


    التعديل الأخير تم بواسطة لؤلؤة باسلامي; الساعة 14-09-2013, 06:22 AM. سبب آخر: تحويل الى رابط مباشر, بارك الله فيكم

  • #2
    رد: الدرس الثانى(أدلة وبراهين التوحيد)

    ملخص المحاضرة:
    المرجع الدراسى
    كتاب "القول المفيد شرح كتاب التوحيد"، ومؤلفه هو الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- ويشرح فيه كتاب التوحيد للإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله تعالى.
    سبب الاختيار
    أولاً: أنَّه من أكثر الكتب انتشارًا: وهو مُيَسَّرًا لطلاب العلم، مُتَوَفِّرًا بين أيديهم.

    ثانيًا: أنَّ الشيخَ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله تعالى- تُوُفِّي قريبًا، وهو عالِمٌ ضربت شهرتُه مشارقَ الأرض ومغاربَها، واشتهر بالزُّهد والعلم، وقد ضَمَّنَ كتابَه القضايا المعاصرة في التوحيد؛ فتجد في كتابه تفسيرًا لكثيرٍ من هذه القضايا، بالإضافة إلى سهولة لغته وبساطتها.

    ثالثًا: نجد أنَّ عمدةَ كتاب التوحيد الذي شرحه الشيخُ محمد بن صالح العثيمين آيةٌ من كتاب الله وحديثٌ من سُنَّة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأقوال السَّلف، فليس فيه رأيٌ خاصٌّ للمؤلف، بخلاف الكتب الأخرى التي لم يَكْتَفِ مؤلِّفُوها بالنُّصوص الشَّرعيَّة.

    رابعًا: أنَّ كتابَ التوحيد تُرجم إلى أكثر من واحد وعشرين لغةً، وبالتالي فإن الإخوة الذين يتحدثون بلغاتٍ أخرى غير العربية يستطيعون الرُّجوعَ إلى الكتابِ بلغتهم الأصليَّة.
    خامسًا: كثرة شروح كتاب التوحيد المطبوعة والمسموعة؛ مما يجعل الاستفادةَ منه كبيرة، فلو وجد أحدُ الطلبة مسألةً غيرَ واضحةٍ بالنسبة له فإنَّه يستطيع الرجوعَ إلى أحد الشُّروح سواء كانت مطبوعةً أو مسموعةً لتوضيح ما غَمُضَ عليه، وقد بلغ أكبرُ شروح كتاب "التوحيد" ثمانية مجلدات

    أنواع التوحيد:
    أولا: توحيد الربوبية :

    الخلق: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾

    الملك ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾

    التدبير( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ﴾ [السجدة: 5]

    ثانيا:توحيد الألوهية
    أى أن الله هو المألوه والمعبود ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]
    فالعبادة معناها التَّذَلُّل، ولذلك عرَّفوا العبادةَ بأنَّها: اسمٌ جامعٌ لما يُحِبُّه اللهُ ويرضاه من الأقوال والأفعال الظَّاهرة والباطنة.
    والأفعال الظاهرة مثل: الصلاة، والصيام، والحج.

    هذه كلُّها من الأعمال والأفعال الظَّاهرة التي فيها -كما تعلمون- عبادات أخرى؛ فالصَّلاةُ فيها ركوعٌ وتَذَلُّلٌ وخضوعٌ لله -عز وجل. وفيها أيضًا أفعالٌ ظاهرةٌ من الأذكار، كأذكار الصباح والمساء، والأذكار بعد الصلوات الخمس وغيرها، والتي لاشك أنَّها منها. هل هناك فعلٌ آخر أو عملٌ آخر؟
    (الباطنة): كالنِّيَّة، وخشية الله -عز وجل. ومنها المحبة: محبَّة الله، ومحبَّة شَرْعِه، ودينه، ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ومحبَّة عباده المؤمنين، نُحِبُّ أهلَ لا إله إلا الله، مَن قال لا إله إلا الله نُحِبُّه، لِمَ؟ لأنَّ هذا من العبادات القَلْبِيَّة التي قام بها.
    =أهمية النية
    فالقضيَّة الكُبرى في حياة البشر هي العبادة، والقضيَّة الكُبرى التي خلقك الله لها هي العبادة؛ لماذا؟ لأنَّ الرُّبوبيَّةَ مركوزةٌ في النَّفس، أنت تُقِرُّ أنَّ اللهَ هو خالِقُك، وهو رَازِقُك.
    (قريش أقرَّت بالرُّبوبيَّةِ لله -عز وجل- لكنَّها لم تُقِرَّ بالأُلُوهِيَّة).
    =معنى كلمة (التَّوحيد): لا معبودَ بحقٍّ إلا الله.
    إذن (لا خالقَ) هو جزءٌ من المعنى، (لا حَكَمَ) هو جزءٌ من المعنى، ولذلك دائمًا تدخل هذه الكلمات في توحيد الأُلوهيَّة.
    = ثمرات توحيد العبادة:
    نيل رضا الله، والحياة الطَّيبة في الدنيا والآخرة، وقبول الأعمال، ودخول الجنَّة والنَّجاة من النار، واطمئنان القلبِ، والرِّضا بالقضاء والقَدَر، فهذه ثمرات توحيد العبادة.



    ثالثا: توحيد الأسماء والصفات:
    أن نُثبت أسماء الرب وصفاته الواردة في كتاب الله أو في سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ونستسلمَ لها، لا نتعرَّضها بشيءٍ:
    لا بتحريفٍ : البعض يُسَمِّيه تأويلاً، والصواب أن نُسَمِّيه تحريفًا؛ لأنَّ الله -عز وجل- ذكر التَّحريف في كتابه، وذكر -عز وجل- أنَّ الأممَ السَّابقةَ يُحَرِّفون الكَلِمَ عن مواضعه: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ﴾ [النساء: 46]،
    مثلاً (استوى) قال المحرف: لا، معناها استولى. فزاد فيها كما قالت اليهود: حنطة.
    ولا بتمثيلٍ: والأولى أن نذكر بدلاً منها التَّشبيه؛ لأنَّ التَّشبيه ورد في كتاب الله، والتَّمثيل هو نفس المعنى، لكن التَّشبيه ليس كمثله شيء، ولذلك بعضُ مَن ينفر من مذهب أهل السُّنَّة يظنَّ أنَّ إثبات الصِّفات تشبيهٌ، وهذا غيرُ صحيحٍ، بل نُثبت كما أُثبت في كتاب الله وفي سُنَّة الرسول -صلى الله عليه وسلم- من غير تكييفٍ، ولا تشبيهٍ، ولا تمثيلٍ، ولا تحريفٍ، ولا تعطيلٍ، نثبتها كما قِيلت، معنى التمثيل أيضًا: أنَّهم يُمَثِّلون الله -عز وجل- بخلقه، فيقول: سمع الله كسمعي، أو بصر الله كبصري.
    ولابتعطيلٍ فلا نُعطل المعنى، وتعطيل المعنى يعني إبطال المعنى الذي ورد، فالله استوى على العرش فأبطلوا هم هذا المعنى، ثم جاءوا بمعنى آخر، وهم حرَّفوا هذا المعنى. معنى التعطيل في (استوى) هو نفي العُلُوِّ، وأنَّها لا تدل على عُلُوِّ الله -سبحانه وتعالى- ثم يأتي المُعَطِّل لها بمعنًى آخر.
    ولاتكييفَ:التَّكييف هو كما قال الله -عز وجل: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: 11] فالتَّكييف هو التَّوصيف، وهو أنَّك تقول: صفة الرب هي هكذا. فهذا غير ممكنٍ، فنحن لم نكتشفه فنفسره، فكيف ننتقل إلى تكييف صفة الرب -سبحانه وتعالى؟!
    ولذلك فإن أعظم نعيم أهل الجنة هو رؤية الرب -سبحانه وتعالى- رزقنا الله وإياكم من فضله.

    ثمرات توحيد الأسماء والصفات:

    =استقامة الإيمان
    = آثار الإيمان أنَّها طريقٌ إلى الله: محبَّة الله، وخشيتُه، وخوفه، ورجاؤه، والإخلاص لله -سبحانه وتعالى- أيضًا تزكية النَّفس وإقامتها على منهج العبوديَّة للواحد الأحد.
    التعديل الأخير تم بواسطة لؤلؤة باسلامي; الساعة 14-09-2013, 06:23 AM.

    تعليق


    • #3
      رد: الدرس الثانى(أدلة وبراهين التوحيد)

      بارك الله فيكم ونفع بكم

      تعليق


      • #4
        رد: الدرس الثانى(أدلة وبراهين التوحيد)


        وعجلت إليك ربِّ لترضى

        تعليق

        يعمل...
        X