العقيدة القيروانية
قال أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني - الملقب بمالك الصغير - رحمه الله
باب ما تنطق به الألسنة و تعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات
من ذلك الإيمان بالقلب والنطق باللسان بأن الله إله واحد لا إله غيره ، ولا شبيه له ، ولا نظير له ، ولا ولد له ، ولا والد له ، ولا صاحبة له ، ولا شريك له ، ليس لأوليته ابتداء ، ولا لآخريته انقضاء ، ولا يبلغ كنه صفته الواصفون ، ولا يحيط بأمره المتفكرون ، يعتبر المتفكرون بآياته ، ولا يتفكرون في ماهية ذاته ، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ، ولا يؤوده حفظهما ، وهوالعلي العظيم ، العالم الخبير ، المدبر القدير ، السميع البصير ، العلي الكبير
.
وأنه فوق عرشه المجيد بذاته ، وهوبكل مكان بعلمه.
خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه ، وهوأقرب إليه من حبل الوريد ، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين
.
على العرش استوى ، وعلى الملك احتوى، وله الأسماء الحسنى والصفات العلى ، لم يزل بجميع صفاته وأسمائه تعالى من أن تكون صفاته مخلوقة وأسماؤه محدثة ، كلم موسى بكلامه الذي هوصفة ذاته ، لا خلق من خلقه ، وتجلى للجبل فصار دكا من جلاله
.
وأن القرآن كلام الله ، ليس بمخلوق فيبيد ، ولا صفة لمخلوق فينفد
.
والإيمان بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، كل ذلك قد قدره الله ربنا ومقادير الأمور بيده ، ومصدرها عن قضائه ن علم كل شيء قبل كونه ، فجرى على قدره ، لا يكون من عباده قول ولا عمل إلا وقد قضاه وسبق علمه به ألا يعلم من خلق وهواللطيف الخبير ، يضل من يشاء فيخذله بعدله ، ويهدي من يشاء فيوفقه بفضله ، فكل ميسر بتيسيره إلى ما سبق من علمه ، وقدره من شقي أوسعيد ، تعالى أن يكون في ملكه ما لا يريد ، أويكون لأحد عنه غنى ، خالقا لكل شيء ، ألا هورب العباد ، ورب أعمالهم ، والمقدر لحركاتهم وآجالهم.
الباعث الرسلَ إليهم لإقامة الحجة عليهم ، ثم ختم الرسالة والنذارة والنبوة بمحمد نبيه صلى الله عليه وسلم ، فجعله آخر المرسلين ، بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله وسراجا منيرا ، وانزل عليه كتابه الحكيم ، وشرع بدينه المستقيم ، وهدى به الصراط المستقيم.
وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من يموت ، كما بدأهم يعودون.
وأن الله سبحانه ضاعف لعباده المؤمنين الحسنات ، وصفح لهم بالتوبة عن كبائر السيئات ، وغفر لهم الصغائر باجتناب الكبائر ، وجعل من لم يتب من الكبائر صائرا على مشيئته ، إن الله لا يغفر أن يشرك به ولكن يغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، ومن عاقبه الله بناره أخرجه منها بإيمانه ، فأدخله في جنته ، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ويخرج منها بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم من شفع له من أهل الكبائر من أمته .
وأن الله سبحانه قد خلق الجنة وأعدها دار خلود لأوليائه ، وأكرمهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم ، وهي التي هبط منها آدم نبيه وخليفته في أرضه بما سبق في سابق علمه ، خلق النار فأعدها دار خلود لمن كفر به وألحد في آياته ، وكتبه ، ورسله ، وجعلهم محجوبين عن رؤيته
وأن الله تبارك وتعالى يجيء يوم القيامة والملك صفا صَفا لعرض الأمم وحسابهم، ، وتوضع الموازين لوزن أعمال العباد ، فمن ثقلت موازينه فأولائك هم المفلحون ، ويؤتون صحائفهم بأعمالهم ، فمن أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا ، ومن أوتي كتابه وراء ظهره فأولائك يصلون سعيرا .
وأن الصراط حق يجوزه العباد بقدر أعمالهم ، فناجون متفاوتون في سرعة النجاة عليه من نار جهنم ، وقوم أوبقتهم فيها أعمالهم
.
والإيمان بحوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ترده أمته ، لا يظمأ من شرب منه ، ويذاذ عنه من بدل وغير.
وأن الإيمان قول باللسان ، وإخلاص بالقلب ، وعمل بالجوارح ، ويزيد بزيادة الأعمال ، وينقص بنقصانها، فيكون بها النقص وبها الزيادة ، ولا يكمل قول الإيمان إلا بالعمل ، ولا قول ولا عمل إلا بنية ، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا بموافقة السنة ، وأنه لا يكفر أحد بذنب من أهل القبلة
.
وأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون ، وأرواح أهل السعادة باقية ناعمة إلى يوم يبعثون ، وأرواح أهل الشقاوة معذبة إلى يوم الدين
.
وأن المؤمنين يفتنون في قبورهم ويسألون ، يثبت الله الذين ءامنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة .
وأن على العباد حفظة يكتبون أعمالهم ، ولا يسقط شيء من ذلك عن علم ربهم ، وان ملك الموت يقبض الأرواح بإذن ربه.
وأن خير القرون الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به ، ثم الذين يلونهم ، وأفضل الصحابة الخلفاء الراشدون المهديون أبوبكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين ، وأن لا يذكر أحد من صحابة الرسول إلا بأحسن ذكر ، والإمساك عما شجر بينهم ، وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم المخارج ، ويظن بهم أحسن المذاهب.
والطاعة لأئمة المسلمين من ولاة أمورهم وعلمائهم.
واتباع السلف الصالح ، واقتفاء آثارهم ، والاستغفار لهم ،وترك المراء والجدال في الدين ، وترك كل ما أحدثه المحدثون .
وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وعلى آله وأزواجه وذريته وسلم تسليما كثيرا
تعليق