///إحذروا البدع في رمضان///
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وجعلنا من أتباع النبي الأمين، ووفقنا لسلوك الصراط المستبين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وحجة على الخلائق أجمعين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الله أكمل لنا دينه وشرعه، وأتم علينا نعمه وآلاءه، ورضي أن يكون الإسلام لنا منهج حياة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}1.
وإن المسلم ليعجب من حال كثير من الناس حيث يجدهم يبتدعون في دين الله ما لم يأذن به الله، فيشرعون أعمالاً بدعية، ويتركون الأعمال السنية التي جاءت نصوص الكتاب والسنة الصحيحة بالحث عليها، بل ربما تجد البعض عنده تهاون ببعض الواجبات الشرعية، ولا يلقي لها بالاً، وفي المقابل تجد عنده نشاطاً في تطبيق البدعة، والحرص عليها.
وقد كثرت البدع وتفنن أهلها في برمجتها وتزيينها لجهلة الناس، وإظهارها على أنها من الدين، فتجد أن هناك بدعاً على مدار السنة، ففي كل شهر تجد أن الناس ابتدعوا بدعاً وأرشدوا الناس إلى فعلها، وكأن ذلك ديناً يجب تطبيقه، والتمسك به، ومن هذه البدع التي أحدثها الناس ما يخص شهر رمضان.
ذلك الشهر المبارك الذي خصه الله بفضائل عديدة، ومزايا فريدة، وشرع التعبد فيه لله بمزيد من العبادات والقربات، ولكن أهل الأهواء والبدعة لم يقوموا بما شرعه الله في هذا الشهر من العبادات، بل عدلوا عن ذلك إلى إحداث بدع كثيرة، فتعبدوا الله بها، ودعوا الناس إليها، فاستجاب لهم كثير من الرعاع، وقد أرادوا بهذه البدع إشغال الناس عن القرب المشروعة، ولم يسعهم ما وسع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته-رضوان الله عليهم-، ومن تبعهم بإحسان من السلف الصالح -رحمة الله عليهم- الذين كانوا أحرص الناس على الخير. فلا وسع الله على من لم يسعه ما وسع الرسول وصحابته في الدنيا والآخرة- فزادوا في الدين ما ليس منه، وشرعوا ما لم يأذن به الله، ومن هذه البدع التي أحدثها الناس في رمضان:
قراءة سورة الأنعام.
وقبل أن نتكلم عن هذا الأمر نحب أن ننبه إلى ما يفهمه البعض على أن من يقول بأن هذا الأمر بدعة؛ لأنه لم يرد على مشروعيته نص من الكتاب أو من السنة، ولم يفعله أحد من سلف الأمة، بأن من يقول ذلك مخالف للدين، وأنه يمنع الناس من قراءة القرآن كما يروج له بعض أهل الأهواء، فنحن لا نقصد بأن قراءة سورة الأنعام بدعة كونها تقرأ، وإنما نقصد أن قراءتها على صفة معينة، وفي مكان وزمان معين، وأن من فعل ذلك فإن له الأجر المعين، وأن ذلك قد فعله أو قاله الرسول-صلى الله عليه وسلم-، أو أقرّه!!
ولكن المقصود قراءة هذه السورة صلاة القيام، حيث يقرأ سورة الأنعام جميعها في ركعة واحدة، يخصون هذه السورة من بين سور القرآن بقراءتها في آخر ركعة من التراويح، وذلك في ليلة السابع أو قبلها.
ويستدلون على ذلك بأحاديث لا أصل لها، أو أنها لا دلالة فيها على ذلك، وحجتنا أن قراءة سورة الأنعام كلها في ركعة واحدة في صلاة التراويح بدعة ما يلي:
الأول: تخصيص ذلك بسورة الأنعام دون غيرها من السور، فيوهم ذلك أن هذا هو السنة فيها دون غيرها، والأمر بخلاف ذلك.
الثاني: تخصيص ذلك بصلاة التراويح دون غيرها من الصلاة، وبالركعة الأخيرة منها دون ما قبلها من الركعات.
الثالث: ما فيه من التطويل على المأمومين، ولاسيما من يجهل أن ذلك من عادتهم، فيتعب في تلك الركعة، فيقلق ويضجر ويتسخط بالعبادة.
الرابع: ما فيه من مخالفة السنة من تقليل القراءة في الركعة الثانية عن الأولى، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى، ويقصر في الثانية، ويسمع الآية أحياناً ... وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح ويقصر في الثانية.
وقد عكس صاحب هذه البدعة الأمر، فإنه يقرأ في الركعة الأولى نحو آيتين من آخر سورة المائدة، ويقرأ في الثانية سورة الأنعام كلها، بل يقرأ في تسع عشرة ركعة نحو نصف حزب المائدة، ويقرأ في الركعة الموفية عشرين بنحو حزب ونصف حزب، وفي هذا ما فيه من البدعة ومخالفة الشريعة.
وقد أفتى العلماء الكبار ببدعية ذلك، فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمة الله- عما يصنعه أئمة هذا الزمان من قراءة سورة الأنعام في رمضان في ركعة واحدة ليلة الجمعة هل هي بدعة أم لا؟
فأجاب –رحمة الله–: "نعم بدعة، فإنه لم ينقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحد من الصحابة والتابعين، ولا غيرهم من الأئمة أنهم تحروا ذلك، وإنما عمدة من يفعله ما نقل عن مجاهد وغيره من أن سورة الأنعام نزلت جملة مشيعة بسبعين ألف ملك فاقرءوها جملة لأنها نزلت جملة، وهذا استدلال ضعيف، وفي قراءتها جملة من الوجوه المكروهة أمور منها:
أن فاعل ذلك يطول الركعة الثانية من الصلاة على الأولى تطويلاً فاحشاً .
والسنة تطويل الأولى على الثانية كما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. ومنها: تطويل آخر قيام الليل على أوله. وهو بخلاف السنة، فإنه كان يطول أوائل ما كان يصليه من الركعات على أواخرها، والله أعلم"2.
ومما أحدثه الناس في رمضان من البدع: صلاة التراويح بعد المغرب، وهذه البدعة أحدثتها الرافضة؛ لأنهم يكرهون صلاة التراويح، ويزعمون أنها بدعة أحدثها عمر -رضي الله عنه-. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن من يصلي التراويح بعد المغرب: هل هو سنة أم بدعة؟ وذكروا أن الإمام الشافعي -رحمه الله- صلاها بعد المغرب، وتممها بعد العشاء الآخرة؟.
فأجاب -رحمة الله–: "الحمد لله رب العالمين. السنة في التراويح أن تصلى بعد العشاء الآخر، كما اتفق على ذلك السلف والأئمة. والنقل المذكور عن الشافعي-رحمة الله- باطل، فما كان الأئمة يصلونها إلا بعد العشاء على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعهد خلفائه الراشدين، وعلى ذلك أئمة المسلمين، لا يعرف عن أحد أنه تعمد صلاتها قبل العشاء، فإن هذه تسمى قيام رمضان؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله فرض عليكم صيام رمضان، وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه غفر له ما تقدم من ذنبه)3. وقيام الليل في رمضان وغيره إنما يكون بعد العشاء، وقد جاء مصرحاً به في السنن: "أنه لما صلى بهم قيام رمضان صلى بعد العشاء".
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قيامه بالليل هو وتره، يصلي بالليل في رمضان وغير رمضان إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، لكن كان يصليها طوالاً، فلما كان ذلك يشق على الناس قام بهم أُبي بن كعب في زمن عمر بن الخطابعشرين ركعة، يوتر بعدها، ويخفف فيها القيام، فكان تضعيف العدد عوضاً عن طول القيام،
وكان بعض السلف يقوم أربعين ركعة فيكون قيامها أخف، ويوتر بعدها بثلاث، وكان بعضهم يقوم بست وثلاثين ركعة يوتر بعدها، وقيامهم المعروف عنهم بعد العشاء الآخر ... فمن صلاه قبل العشاء فقد سلك سبيل المبتدعة المخالفين للسنة، والله أعلم"4.
تعليق