يقول شيخ الإسلام بن تيمية :
"قال أبو بكر الأثرم: قلت لأبي عبدالله –يعني أحمد بن حنبل-: قبر النبي صلى الله عليه وسلم يمس ويتمسح به؟ قال أبو عبدالله: ما أعرف هذا؟! قلت له: فالمنبر؟ فقال: أما المنبر فنعم ، قد جاء فيه ، قال أبو عبدالله: شيء يروونه عن ابن فديك عن ابن أبي ذئب عن ابن عمر أنه مسح على المنبر ، قال: ويروونه عن سعيد بن المسيب في الرمانة"
أولاً:
شتان بين الثرى والثريا ، أنظر التحريف لكلام الإمام فهل رأيته يجيز التمسح بالقبر؟!!
بل حتى المنبر والرمانة يقول "يروونه" أي أنه لا يفعله ولا يعتقده!
قال شيخ الإسلام بعد هذا في الاقتضاء: " فقد رخص أحمد وغيره في التمسح بالمنبر والرمانة التي هي موضع مقعد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يرخصوا في التمسح بقبره" وقال: " وكره مالك التمسح بالمنبر ، كما كرهوا التمسح بالقبر ، فأما اليوم فقد احترق المنبر ، وما بقيت الرمانة ، وإنما بقي من المنبر خشبة صغيرة ، فقد زال ما رخص فيه ، لأن الأثر المنقول عن ابن عمر وغيره إنما هو التمسح بمقعده"
قلتُ: وهذا واضح جلي ، فلم يبقى اليوم من آثاره شيء ، خاصة بعد حريق المسجد ، والكراهة عند السلف تعني التحريم كما معلوم عند الفقهاء ، وأما بالنسبة لمن يتمسح بشبابيك القبر ؛ فإن جهالته لا حد لها ، فإن الشبابيك لم يلمسها النبي عليه الصلاة والسلام ؛ بل هي من صنع الأتراك ، فالحمد لله على نعمة العقل والرشد ، والهداية للتوحيد.
ثانياً:
ما نقل عن الأثرم واضح جداً ..
وهذه رواية أخرى ذكرها ابن عبدالهادي في الصارم المنكي ص133:
أن أحمد قال لما سأله أبو بكر الأثرم عن التمسح بالقبر: ما أعرف هذا ، قلت: فالمنبر؟ قال:نعم.
وقال الأثرم أيضاً: وقلت لأبي عبدالله: إنهم يلصقون بطونهم بجدار القبر وقلتُ له: ورأيت أهل العلم من المدينة لا يمسونه ويقومون من ناحيته فيسلمون. فقال أبو عبدالله: نعم هكذا كان ابن عمر يفعل.
أقول :
فأحمد –رحمه الله تعالى- وافق على كلام الأثر عن ما يفعله أهل العلم من المدينة يسلمون فينصرفون ، فأثبت هذا وقال هذا ما كان ابن عمر يفعل!
فأنظر كيف هو يكذب لنصرة معتقده الخبيث؟!! فقلب معنى السلام للمشاهد .. وهذا من أخبث التحريف!وخيانة علمية فجة!
فأنظر بضاعة القوم!! وأعلم سبب شدة بعض أهل السنة على هؤلاء الذين ما أجادوا إلا الرقص والكذب!
ثالثاً:
أن ابن عبدالهادي –رحمه الله تعالى- لما نقل كلام الإمام أحمد في هذه المسألة لم ينقل إلا رواية النفي –كما تقدم- عن أبي بكر الأثرم ؛ ولو كان عبدالله روى عن أبيه هذا –كما تذكره هذه الرواية- لسارع لنقله.
رابعاً:
روى القاضي أبو يعلى ما نقلته من كتاب الاقتضاء لشيخ الإسلام ، ثم أردف معلقاً:
" وهذه الرواية تدل على أنه ليس بسنة وضع اليد على القبر ".
وذكر القاضي بأن طريقة التقرب إلى الله تقف على التوقيف ، واحتج بقول عمر للحجر الأسود: "ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك".
كتاب الروايتين والوجهين 1/214-215
خامساً:
ما يؤكد بطلان أكذوبة ما نقله الصوفي ما ذكر فى المناسك: أنه بعد تحية النبي صلى الله عليه وسلم ، وصاحبيه ،ثم ينصرف .. ولم يرد البته أنه تمسح!! كما في كتب الفقه الحنبلية والاقتضاء.
وكما قال مالك في المبسوط: "لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ، لكن يسلم وينصرف" الاقتضاء 2/240 والشفا للقاضي عياض 2/84.
سادساً:
وما يؤكد كذب الأقصوصة ما جاء في [ الحكم الجديرة بالإذاعة ] ص54:
" وجاء رجل إليه [يعني أحمد] فمسح يديه على ثيابه ، ومسح بهما وجهه ، فغضب الإمام أحمد وأنكر ذلك أشد الإنكار وقال: عمن أخذتم هذا الأمر؟ "
وإنكار أحمد –رحمه الله تعالى- على من مسح بيده على ثيابه ومسح بهما وجهه وهذا ما يؤكد كذب الحكايات التي يلتقطها أصحاب الغلو والبدع من الموضوعات ، على أنه لو صح شيء من ذلك عن أحد من علماء المسلمين فإنه لا يحتج به في مقابل إجماع الصحابة والتابعين على ترك التبرك بذوات الصالحين وآثارهم وعدم قياسهم على رسل الله صلوات الله عليهم وسلم ، والعصمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
سابعاً:
نقل تكذيبها واستبعاد حكاية تقبيل القبر عدد من الأئمة:
فهذا الحافظ ابن حجر العسقلاني ذكر أن أصحاب أحمد قد استبعدوا ذلك. فتح الباري 3/475
وشكك ابن حجر الهيتمي في هذه الرواية عن أحمد أيضاً ، وذكر أن بعض أصحاب أحمد استبعدوا ذلك. وقرينة ذلك ما رواه عنه الأثرم من أنه سئل عن جواز لمس قبر النبي صلى الله عليه وسلم والتمسح به، فقال: ما أعرف هذا. حاشية الهيتمي على شرح الإيضاح في المناسك 454.
قال ويؤيد ذلك ما جاء في مغني الحنابلة: من أنه لا يستحب التمسح بحائط القبر ولا تقبيله[وجاء سبب هذا النهي في المغني] لأن فيه إفراطاً في تعظيم القبور أشبه بتعظيم الأصنام ولأن الصلاة عند القبور أشبه بتظيم الأصنام بالسجود ولأن ابتداء عبادة الأصنام كان في تعظيم الأموات باتخاذ صورهم ومسحها والصلاة عندها"
قال ابن حجر الهيتمي: فتعارضت الروايتان عن أحمد.
حاشية الهيتمي على شرح إيضاح المناسك 454 ، وكلام صاحب المغني على كلام الفقهاء الأقدمين عد الاستحباب والكراهة يعني التحريم ، المغني 2/507-508.
قال صاحب كشف القناع 2/140-141: " ويكره تقبيله والطواف به لأن ذلك كله من البدع "
وفي الإنصـاف للمواردي الحنبلي قال: " قال أحمد: أهل العلم كانوا لا يمسونه" قال المواردي: " ولا يستحب التمسح بالقبر على الصحيح من المذهب" الإنصاف 4/53
قلتُ:
ولا ما نع من أن ذكر أقوال لبعض أهل العلم في المسألة ليعلم الصوفي أنه أمر قد أطبق عليه فقهاء وأئمة السنة..
قال ابن جماعة في منسكه: ورأيت حاشيةً على كلام المجد بخط الحافظ جمال الدين بن خياط اليمني: ومما أحدث في دولة الملك الأشرف سُمّرَت أبواب الدرابزين .. قصدوا (أي العلماء) تنزيه المشهد الشريف عن كثرة اللامسين بالأيدي ، فإن كثيراً من جُهّال العرب وغيرهم يلصقون ظهورهم بصندوق القبر الشريف وجداره قاصدين بذلك التبرك: والخير كله في استعمال الأدب. وفاء الوفا 2/616
قال ابن جماعة: وقال السروجي الحنفي: لا يلصق بطنه بالجدار ولا يمسه بيده.
وقال الزعفراني في كتابه: وضع اليد على القبر ومسه وتقبيله من البدع التي تُنكَرُ شرعاً.
وحكى الجزيري في (الفقه على المذاهب الأربعة 1/552) قول عامة أهل الفقه "ولا يطوف بالقبر ولا يقبل حجراً ولا عتبة ولا خشباً ولا يطلب من المزور شيئاً".العقد الثمين18-19.
ثامناً:
ونزيد في إقامة الحجة عليهم بأقوال أئمتهم وحججهم:
ونبدؤهم بحجتهم أبو حامد الغزالي –رحمه الله- حيث قال: "ولا يمس قبراً ولا حجراً فإن ذلك من عادة النصارى" وقال أيضاً: " فإن المس والتقبيل للمشاهد من عادة اليهود والنصارى" إحياء علوم الدين 1/259 ، 4/491.
وهذه المفاجأة الكبرى!! السبكي ينهى عن مس قبر النبي صلى الله عليه وسلم:
قال: " وإنما التمسح بالقبر وتقبيله والسجود عليه ونحو ذلك فإنما يفعله بعض الجهــال ومن فعل ذلك ينكـــر عليه فعلــه ويعلَم آداب الزيارة" شفاء السقام130
وقال: " ولا يمس القبر ولا يقرب منه ولا يطوف به" فتاوى السبكي 1/289
ونقل قول ابن تيمية بأن الصحابة لم يكونوا يأتون قبره صلى الله عليه وسلم للصـلاة عنده ولا لمسح القبر،فقال: " ونحن نقول من آداب الزيارة ذلك . ننهى عن التمسح بالقبر والصلاة عنده" شفاء السقام 152
ونقل السبكي قول الإمام مالك: " ولا يمس القبر بيده"
وهذا معاصركم محمد سعيد رمضان البوطي –هداه الله- يقول: " فإذا دنوت من القبر الشريف فإياك أن تلتصق بالشبابيك أو تتمسح بها كما يفعل كثير من الجهال فتلك بدعة ... ثم استقبل القبلة ولا تتوهم أن في هذا سوء أدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الدعاء ينبغي أن يكون مع استقبال القبر. فإن الدعاء خطاب لله عز وجل لا يجوز أن يشرك فيه غيره .. "وقال: " ولا تلتفت إلى كثرة من قد تراهم من الجهال والمبتدعين" فقه السيرة للبوطي 478
وأقول للبوطي يا أيها الرجل المعلم غيره ، هلا لنفسك كان ذا التعليم ، نعوذ بالله من أصحاب الهوى أهل التناقض!! هذا أنت من يطبع كتبه ليست روايات عنكم!!
قلتُ:
هؤلاء حججكم!! الغزالي والسبكي والبوطي؟! هل نقول لهما كما تقولون عن من يخالفكم ويحذركم بأنهم خوارج؟!! مبغضين للنبي صلى الله عليه وسلم؟!! أم أنكم تريدون-أجيبوا بصراحة- أن تعبدون الهوى {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّـهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّـهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴿٢٣﴾}
سورة الجاثية
ا/صبحى بندق
تعليق