حتى لا يصبح الإلحاد ظاهرة بيننا!!!
وصف الإلحاد في مجتمعنا بأنه ظاهرة وصف غير دقيق في الوقت الراهن...لكنه ظاهرة عالمية بلا شك وحسب الدراسات الحديثة فإن نسبة الإلحاد بين سكان العالم تصل إلى السدس، إذ تفيد بعض الإحصاءات الغربية أن بين كل ستة أشخاص في العالم يوجد ملحد واحد وهذه نسبة كبيرة جدا وقد فرضت نفسها على المستوى العالمي في الوقت الراهن.
والمتأمل في كثير من الأطروحات الفكرية العالمية يجدها تنحو منحى الإلحاد والمتابع للمعارك الفكرية بين الأحزاب المختلفة في الغرب وأمريكا يعرف مدى قوة تلك الأطروحات ومدى كثرة أتباعها على المستوى العالمي ولهذا علاقة كبيرة بالمذهب الرأسمالي وشيوع مذهب الفردانية والإغراق في المادية.
وإذا نقلت نظرك إلى الشرق وجدت الظاهرة أخف وإن جئت إلى مجتمعنا فإنك كما تعلم فإن الإسلام حصن حصين لأبنائه وخطر الإلحاد عليهم أضعف من خطره على المجتمعات غير المسلمة، لكن هذا لا يعني السكوت والغفلة عن إنتشاره ضمن حزمة العولمة وما ينتج عنها..
إذا أضفت لذلك ما حققه التقدم الغربي ماديا وقارنته بتخلف المجتمعات الإسلامية لربما وجدت أن هذا سبب كبير في تأثر شبابنا بالجوانب السلبية للعولمة ومن أشدها خطرا الإنحلال الأخلاقي في جانب السلوك والإنحلال الفكري في جانب المعتقد وفي الغالب أنهما وجهان لعملة واحدة إذ أن الإباحية تصاحب الإلحاد.
لهذا فإن الوضع إن إستمر على ما هو عليه فإن مجتمعنا رغم تدينه إلا أنه مرشح وبقوة لأن يصبح الإلحاد فيه ظاهرة بين الشباب وبخاصة مع عدم وجود الممانعة المناسبة لحجم ضغوط العولمة وإغراءات الحياة المادية وتفشي الرأسمالية وزخمها الإعلامي القاهر أضف إلى ذلك أن مجتمعنا في غالبيته مكون من الشباب الذي ربما تعرض للقلق الوجودي كما سيرد في الأسباب.
هذا على فرض أن الوضع كان طبيعيا دون تخطيط من قبل الغرب..لكننا لا يمكن أن نغفل ما تتعرض له مجتمعات المسلمين اليوم من حملات متتابعة للطعن في ثوابتها ومحاولة شغلها عن بناء مستقبلها وإغراقها في مشاكلات الهوية والصراعات الفكرية والأسئلة الوجودية والصدامات الفلسفية إستمرارا لنظرية هدم الإسلام من الداخل بأيدي أبناءه، يحدث هذا في نفس الوقت التي نشهد ضعفا في الحملات الوقائية الموجهة للشباب لتحصنهم من تلك الأخطار..
أبرز الأسباب لتحول الإلحاد إلى ظاهرة بين الشباب:
حينما نتحدث عن الأسباب فلا يمكن أن نعزوها إلى الأسباب الفكرية وحدها إذ أن شخصية الفرد مكونة من جوانب روحية ونفسية وعقلية وإجتماعية ونفسية وكل جانب من هذه الجوانب له حاجات تنتظر إشباعها.. كما أن لها دورا مهما في تكامل الشخصية..
والملحد هو إنسان تعرض لمؤثرات تسببت في بناء شخصيته وأثرت في تكوينه الفكري مع جانبه العقدي ليظهر على سلوكه ويصبغ تصرفاته وعلاقاته الاجتماعية وطريقة إشباعه لحاجاته حتى أصبحت له مبادىء وإتجاهات وأفكار توجه سلوكه وتصرفاته وتشكل مذهبه في الحياة والعلاقات.
وقد حاولت حصر أهم الأسباب التي رصدها كثير من الباحثين في مسألة الإلحاد وأبرزها في نظري ما يلي:
غياب القدوة الصالحة في الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام..فينشأ الشاب وهو لا يعرف دينه حق المعرفة ولا يحبه كما يجب فيسهل عليه تركه لأي سبب.
تعرض الشاب وخاصة في بدايات تكوينه الفكري وقبل نضجه للفكر الإلحادي من خلال قراءته الكتب الفلسفية واتصاله بمفكرين ملاحدة وإعجابه بأدبهم وأطروحاتهم، وخاصة من كان له أسلوب عرض جميل كأدبائهم.
تغلب الشهوات على بعض الشباب ويرون أن الدين يمنعهم منها ويشكل حاجزا بينهم وبين رغبتهم في الإستمتاع بالحياة.. وعدم معرفتهم لحكمة تحريمها مع غلبة الشهوة تجعلهم يرغبون في الإلحاد.
إنفتاح العالم الفضائي بشقيه -القنوات والإنترنت- وما يُبث فيهما من شهوات وشبهات تأخذ كل واحدة منها بنصيبها من شبابنا مع عدم وجود حملة تحصين مضادة لأثارها السلبية.
أنظمة الحكم وما سببته للناس من فتن في دينهم فبعضها يروج الإلحاد ويقيم المؤسسات التعليمية والأنشطة التي تبثه بين الناشئة، وأخرى تدعي أنها تعتني بالدين، ومؤسساتها -ربما عن قصد أوغير قصد- ممثل سيء للدين مما يتسبب في ردة فعل عكسية من الدين والمتدينين ولسان حال هؤلاء الشباب يقول: إذا كان هذا حال حملة الدين من الظلم والإنكباب على الدنيا فكوننا بلا دين أفضل!.
عدم قيام مؤسسات التربية من تعليم ومعاهد وجامعات بأنشطة تذكر للوقوف في وجه موجة الإلحاد الجديدة، وبطء إستجابتها للمستجدات العالمية والحراك الإجتماعي والشبابي.
دور النشر والمقاهي الثقافية ووسائل الإعلام والمواقع الالكترونية التي تروج الفكر الإلحادي دون وجود بدائل منافسة لها يلجأ إليها الشباب.
وجود فئات من المجتمع التي خلطت بين الدين والعادات وأساءت للدين من خلال حماسها غير المنضبط وجهلها العريض ليتحول الدين عندها إلى مظاهر لا يصاحبها في كثير من الأحيان جواهر نقية فتسببت في حدوث ردّ فعل معاكس عند بعض الشباب، ولا يفوتني هنا ما أثبتته الدراسات النفسية في مجال الإضطرابات السلوكية تحت ما يسمى بالجنوح الكاذب والذي ينزع فيه بعض الشباب لمخالفة القواعد والأنظمة بسبب شعورهم بالإضطهاد وخاصة في البيئات التسلطية.
إشكاليات الحضارة وأزمة الهوية السائدة بين الشباب مع عدم وجود المحاضن التربوية المقنعة التي تحوي الفكر والإيمان إضافة إلى السلوك.
إنتشار الظلم وعدم قدرة الضعفاء على الوصول إلى حقهم حتى مع اللجوء إلى المؤسسات الحكومية في العالم الإسلامي بشكل عام وكان لنا في الربيع العربي موعظة في خطر الظلم وشيوعه بين الناس.
كثرة الحروب والفتن التي تهز قناعات الشباب في عقيدة القضاء والقدر وإختلال فهمهم لقيم الحياة ومعانى الألوهية والربوبية والجزاء والحساب، كما أن الكثير من ضغوط الحياة المعاصرة تسببت في ظهور مرض نفسي يشيع بين المثقفين ويسمى القلق الوجودي وهو مركب من القلق والإكتئاب بسبب ما يرون أنهم عاجزين تفسيره من إنحرافات في الحياة أو تضاد بين الأحداث المختلفة وبين قناعاتهم الفلسفية وقد تدفع ببعضهم للأفكار الإلحادية ما لم يكن لهم بصيرة في مسائل القضاء والقدر والتصور الإسلامي للحياة والكون.
أهم الحلول لتطويق الإلحاد:
حينما نتحدث عن حلول لتطويق الإلحاد فإننا لابد أن نستحضر تجربتين ناجحتين في مجتمعنا الأولى هي تجربة مكافحة الإرهاب والأخرى هي مكافحة المخدرات.
والإلحاد بإعتباره مشكلة فكرية لها آثار سلوكية فلابد من العمل على الجانبين فتقاوم أفكاره ويتم الحدّ من النفوذ الإعلامي لدعاته ومروجيه في جانبه الفكري الفلسفي وفي جانبه الخلقي الإباحي.
وقضية الحبس والإعدام لدعاة الإلحاد ومروجيه يجب ألا نجفل ولا نخاف منها وإذا كنا نرى أن مروج المخدرات يستحق الإعدام فإن داعية الإلحاد أحق بالإعدام منه لاسيما مع إيماننا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه» رواه البخاري.
وإذا كنا جميعا لا نرضى بمن يتطاول على الملك بإعتباره ولي أمرنا فكيف يمكن أن نرضى بمن يتطاول على ملك الملوك عز وجل.
لكن الأمر ينبغي أن يكون بعدل ورحمة وبرفق وإحسان وليس بغلظة فتوبة ملحد يجب أن تكون أحب إلينا من سفك دمه.. ولو طبق حدّ الردة على ملحد واحد معاند ومكابر بعد مناصحته ودعوته للخير والحق لانقطع دابر الإلحاد سنين عددا..
وهنا لا ينبغي بأي حال أن نغفل عن دور التربية المتضامنة بين الأسرة والمدرسة والمسجد ووسائل الإعلام ورعاية الشباب والأندية الثقافية إذ أن الإلحاد ظاهرة منتشرة في الغرب وستنتقل إلينا ضمن ما نستورده من هناك ومالم يكن لدينا حلول وقائية فلن نستطيع أن نقاومه بكفاءة مهما كان لدينا من تدين وأناس صالحين إن تشرب شبابنا لأخلاق الغرب ولباسهم وطريقة عيشهم سوف تصاحبها معتقداتهم وأفكارهم..ونحن بحمد الله نمتلك أعظم دين يمكن أن يجيب على التساؤلات التي أشغلت الإنسانية وحارت فيها طويلا ولا ينقصنا علماء ولادعاة ولا مفكرون وإنما ينقصنا النية الصادقة والتخطيط وتغليب مصلحة الإسلام والمسلمين على المصالح الشخصية.
لذلك كله يجب أن نتحرك لمقاومة الإلحاد على بصيرة وهدى والله الهادي والموفق إلى سواء السبيل ولله الأمر من قبل ومن بعد..
الكاتب: خالد بن محمد الشهري
//مما راق لي اسال الله ان ينفع به//
//مما راق لي اسال الله ان ينفع به//
تعليق