أما قول النبهانى : ( أما الأجتهاد اليوم لا يدعيه إلا مختل العقل والدين إلا من طريق الولاية كما قال الشيخ الأكبر محى الين بن عربى ) .
هذا القول لا معنى له ولا محصل ، وقد أسلفنا القول أنه لا يمكن أن يخلو زمان من مجتهد كما ذكره الأصوليون من مذهب الحنابلة وأهل الحديث ، ولم كان الجامع لشروط الأجتهاد المتأهل لأخذ دينه من الكتاب والسنة مختل العقل والدين ؟ فهل هذا إلا كلام جاهل قد تخبطه الشيطان من المس ؟ . ثم ما معنى قوله : إلا من طريق الولاية كما قال الشيخ الأكبر محى الدين بن عربى ؟ .. هل رأى أحد من علماء الفروع والأصول هذه العبارة فى باب الأجتهاد ؟!
= قال النبهانى :نقل عن بن حجر المكى أنه قال : لما أدعى الجلال السيوطى الأجتهاد قام معاصروه ورموه عن قوس واحدة وكتبوا له سؤالا فيه مسائل أطلق الأصحاب فيها وجهين وطلبوا منه إن كان عنده أدنى مراتب الأجتهاد وهو أجتهاد الفتوى فليتكلم على الراجح من تلك الأوجه وعلى الدليل من قواعد المجتهدين ، فرد السؤال من غير كتابة ، واعتذر أن له أشغالا تمنعه من النظر فى ذلك ... ألخ .
جواب العلامة الآلوسى على هذا الأعتراض : إن صدق بن حجر فى نقله فإنه لا يوثق به ، فقد أفترى على شيخ الإسلام بن تيمية أعظم من ذلك وتبين كذبه عليه كما سيجئ ، كان الجواب عن الإمام السيوطى عليه الرحمة أنه لا يلزم المجتهد أن يكون عالما بما حواه اللوح المحفوظ من العلوم .
وقد نقل أن الإمام مالك سئل عن أربعين مسألة فقال فى جواب ست وثلاثين مسألة منها أدرى ، وهكذا نقل عن الإمام أبو حنيفة وغيره .
وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ
= أما قول بن حجر : قال ابن الصلاح ومن تبعه أن الأجتهاد قد أنقطع من نحو ثلاثمائة سنة، ولابن الصلاح نحو ثلاثمائة سنة ، أى لأنه من أهل القرن السادس ، فتكون اليوم قد أنقطعت من ستمائة سنة ، أى بالنظر إلى عصر ابن حجر ... ألخ
يقول العلامة الآلوسى فى الرد على هذا الأعتراض : هذا كلام ساقط عن درجة الأعتبار لما تقدم من كلام بن القيم سابقا . وابن حجر مضطرب الكلام لا يثبت على قول ، فإنه ذكر هنا أن الأجتهاد قد أنقطع من ستمائة سنة بالنظر إلى عصره ، مع أنه ذكر فى كتابه الجوهر المنظم عند شتمه لشيخ الإسلام بن تيمية ما نصه : ( ولقد تصدى شيخ الإسلام وعالم الأنام المجمع على أمامته وأجتهاده وصلاحه وأمامته التقى السبكى - قدس الله روحه ونور ضريحه - للرد فى تصنيف مستقل ، أفاد فيه وأجاد ، وأصاب وأوضح ، فشكر الله مسعاه وأدام عليه شآبيب رحمته ورضاه ) .
فانظر إلى بن حجر كيف أدعى الأجماع على أجتهاد السبكى لكونه على منهجه وسلكه فى الأبتداع وأتباع الهوى ، ثم أنه لم تسمح نفسه فى الإقرار بإجتهاد من لم يبلغ هو ولا أشياخه إلى كعب علاه ، أعنى أبا العباس تقى الدين بن تيمية رحمه الله تعالى ، فقد قال فى الجوهر المنظم - بعد عبارته السابقة - : هذا ما وقع من ابن تيمية مما ذكر -- وإن كان عثرة لا تقال أبدا ، ومصيبة يستمر عليه شؤمها دواما وسرمدا -- ليس بعجب فقد سولت له نفسه وهواه وشيطانه أن ضرب مع المجتهدين بسهم صائب ، وما درى المحروم أنه أتى بأقبح المعائب ، إلى آخر ما قاله مما تبين منه لدى كل منصف ، أتباع بن حجر لهواه وأختياره سبيل الضلال ، عامله الله بعدله .
والمقصود أن مثل هؤلاء الغلاة لا يجوز أن يحتج به ، فهم يتكلمون على حسب أهوائهم ، لا أنهم يتبعون الدليل ، ويسلكون سواء السبيل ، فسقط كلام الغافل النبهانى ، ولا يجوز الألتفات إليه بوجه من الوجوه .
أستكمالا لما سبق يقول العلامة الآلوسى فى الرد على دعوى النبهانى ومن قال بقوله من غلق باب الأجتهاد من بعد المائتين هجرية :
= من الوجوه الدالة على سقوط مقالة النبهانى أن كل واحد من الأئمة صرح بأنه إذا صح الحديث يجب أتباعه والأخذ به ، ولذلك صرح كثير من الأئمة بوجوب الأخذ بالحديث والإضراب عن كل ما يخالفه من أقوال المجتهدين ، وفى كتاب ( أعلام الموقعين ) وقد نهى الأئمة الأربعة عن تقليدهم وذموا من أخذ أقوالهم بغير حجة ، فقال الشافعى : مثل الذى يطلب العلم بلا حجة كمثل حاطب ليل ، يحمل حزمة حطب وفيه أفعى تلدغه وهو لا يدرى ، ذكره البيهقى وقال : اسماعيل بن يحى المزنى فى أول مختصره : أختصرت هذا من علم الشافعى ومن معنى قوله لأقر به على من أراده ، مع إعلامه نهيه عن تقليده وتقليد غيره ، لينظر فى دينه وحتاط لنفسه . وقال أبو داود قلت لأحمد الأوزاعى هو أتبع أو مالك ؟ ، قال : لا تقلد دينك أحدا من هؤلاء ، ما جاء عن النبى صل الله عليه وسلم وأصحابه فخذ به ، ثم التابعى بعد الرجل مخير فيه -- أى مخير فى أتباع التابعى -- . وقد فرق أحمد بين التقليد والأتباع ، فقال أبو داود : سمعته يقول الأتباع أن يتبع الرجل ما جاء عن النبى وعن أصحابه ، ثم هو من بعد فى التابعين مخير ، وقال أيضا : : لا تقلدنى ، ولا تقلد مالكا ولا الثورى ولا الأوزاعى ، وخذ من حيث أخذوا ، وقال بشر بشر بن الوليد : قال أبو يوسف لا يحل لأحد أن يقول مقالتنا حتى يعلم من أين قلنا . وقد صرح مالك بأن من ترك قول عمر بن الخطاب لقول أبراهيم النخعى أنه يستتاب ، فكيف بمن ترك قول الله ورسوله لقول من هو دون أبراهيم أو مثله . وقال جعفر الفريابى حدثنى أحمد بن أبراهيم الدورقى ، حدثنى الهيثم بن جميل قال : قلت لمالك بن أنس يا أبا عبد الله إن عندنا قوما وضعوا كتبا يقول أحدهم حدثنا فلان عن فلان عن عمر بن الخطاب بكذا وكذا ، وفلان عن أبراهيم بكذا ، ويأخذ بقول أبراهيم ، قال مالك : وصح عندهم قول عمر ؟ قلت إنما هى رواية كما صح عندهم قول أباهيم ، فقال مالك : هؤلاء يستتابون .
هذا القول لا معنى له ولا محصل ، وقد أسلفنا القول أنه لا يمكن أن يخلو زمان من مجتهد كما ذكره الأصوليون من مذهب الحنابلة وأهل الحديث ، ولم كان الجامع لشروط الأجتهاد المتأهل لأخذ دينه من الكتاب والسنة مختل العقل والدين ؟ فهل هذا إلا كلام جاهل قد تخبطه الشيطان من المس ؟ . ثم ما معنى قوله : إلا من طريق الولاية كما قال الشيخ الأكبر محى الدين بن عربى ؟ .. هل رأى أحد من علماء الفروع والأصول هذه العبارة فى باب الأجتهاد ؟!
= قال النبهانى :نقل عن بن حجر المكى أنه قال : لما أدعى الجلال السيوطى الأجتهاد قام معاصروه ورموه عن قوس واحدة وكتبوا له سؤالا فيه مسائل أطلق الأصحاب فيها وجهين وطلبوا منه إن كان عنده أدنى مراتب الأجتهاد وهو أجتهاد الفتوى فليتكلم على الراجح من تلك الأوجه وعلى الدليل من قواعد المجتهدين ، فرد السؤال من غير كتابة ، واعتذر أن له أشغالا تمنعه من النظر فى ذلك ... ألخ .
جواب العلامة الآلوسى على هذا الأعتراض : إن صدق بن حجر فى نقله فإنه لا يوثق به ، فقد أفترى على شيخ الإسلام بن تيمية أعظم من ذلك وتبين كذبه عليه كما سيجئ ، كان الجواب عن الإمام السيوطى عليه الرحمة أنه لا يلزم المجتهد أن يكون عالما بما حواه اللوح المحفوظ من العلوم .
وقد نقل أن الإمام مالك سئل عن أربعين مسألة فقال فى جواب ست وثلاثين مسألة منها أدرى ، وهكذا نقل عن الإمام أبو حنيفة وغيره .
وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ
= أما قول بن حجر : قال ابن الصلاح ومن تبعه أن الأجتهاد قد أنقطع من نحو ثلاثمائة سنة، ولابن الصلاح نحو ثلاثمائة سنة ، أى لأنه من أهل القرن السادس ، فتكون اليوم قد أنقطعت من ستمائة سنة ، أى بالنظر إلى عصر ابن حجر ... ألخ
يقول العلامة الآلوسى فى الرد على هذا الأعتراض : هذا كلام ساقط عن درجة الأعتبار لما تقدم من كلام بن القيم سابقا . وابن حجر مضطرب الكلام لا يثبت على قول ، فإنه ذكر هنا أن الأجتهاد قد أنقطع من ستمائة سنة بالنظر إلى عصره ، مع أنه ذكر فى كتابه الجوهر المنظم عند شتمه لشيخ الإسلام بن تيمية ما نصه : ( ولقد تصدى شيخ الإسلام وعالم الأنام المجمع على أمامته وأجتهاده وصلاحه وأمامته التقى السبكى - قدس الله روحه ونور ضريحه - للرد فى تصنيف مستقل ، أفاد فيه وأجاد ، وأصاب وأوضح ، فشكر الله مسعاه وأدام عليه شآبيب رحمته ورضاه ) .
فانظر إلى بن حجر كيف أدعى الأجماع على أجتهاد السبكى لكونه على منهجه وسلكه فى الأبتداع وأتباع الهوى ، ثم أنه لم تسمح نفسه فى الإقرار بإجتهاد من لم يبلغ هو ولا أشياخه إلى كعب علاه ، أعنى أبا العباس تقى الدين بن تيمية رحمه الله تعالى ، فقد قال فى الجوهر المنظم - بعد عبارته السابقة - : هذا ما وقع من ابن تيمية مما ذكر -- وإن كان عثرة لا تقال أبدا ، ومصيبة يستمر عليه شؤمها دواما وسرمدا -- ليس بعجب فقد سولت له نفسه وهواه وشيطانه أن ضرب مع المجتهدين بسهم صائب ، وما درى المحروم أنه أتى بأقبح المعائب ، إلى آخر ما قاله مما تبين منه لدى كل منصف ، أتباع بن حجر لهواه وأختياره سبيل الضلال ، عامله الله بعدله .
والمقصود أن مثل هؤلاء الغلاة لا يجوز أن يحتج به ، فهم يتكلمون على حسب أهوائهم ، لا أنهم يتبعون الدليل ، ويسلكون سواء السبيل ، فسقط كلام الغافل النبهانى ، ولا يجوز الألتفات إليه بوجه من الوجوه .
أستكمالا لما سبق يقول العلامة الآلوسى فى الرد على دعوى النبهانى ومن قال بقوله من غلق باب الأجتهاد من بعد المائتين هجرية :
= من الوجوه الدالة على سقوط مقالة النبهانى أن كل واحد من الأئمة صرح بأنه إذا صح الحديث يجب أتباعه والأخذ به ، ولذلك صرح كثير من الأئمة بوجوب الأخذ بالحديث والإضراب عن كل ما يخالفه من أقوال المجتهدين ، وفى كتاب ( أعلام الموقعين ) وقد نهى الأئمة الأربعة عن تقليدهم وذموا من أخذ أقوالهم بغير حجة ، فقال الشافعى : مثل الذى يطلب العلم بلا حجة كمثل حاطب ليل ، يحمل حزمة حطب وفيه أفعى تلدغه وهو لا يدرى ، ذكره البيهقى وقال : اسماعيل بن يحى المزنى فى أول مختصره : أختصرت هذا من علم الشافعى ومن معنى قوله لأقر به على من أراده ، مع إعلامه نهيه عن تقليده وتقليد غيره ، لينظر فى دينه وحتاط لنفسه . وقال أبو داود قلت لأحمد الأوزاعى هو أتبع أو مالك ؟ ، قال : لا تقلد دينك أحدا من هؤلاء ، ما جاء عن النبى صل الله عليه وسلم وأصحابه فخذ به ، ثم التابعى بعد الرجل مخير فيه -- أى مخير فى أتباع التابعى -- . وقد فرق أحمد بين التقليد والأتباع ، فقال أبو داود : سمعته يقول الأتباع أن يتبع الرجل ما جاء عن النبى وعن أصحابه ، ثم هو من بعد فى التابعين مخير ، وقال أيضا : : لا تقلدنى ، ولا تقلد مالكا ولا الثورى ولا الأوزاعى ، وخذ من حيث أخذوا ، وقال بشر بشر بن الوليد : قال أبو يوسف لا يحل لأحد أن يقول مقالتنا حتى يعلم من أين قلنا . وقد صرح مالك بأن من ترك قول عمر بن الخطاب لقول أبراهيم النخعى أنه يستتاب ، فكيف بمن ترك قول الله ورسوله لقول من هو دون أبراهيم أو مثله . وقال جعفر الفريابى حدثنى أحمد بن أبراهيم الدورقى ، حدثنى الهيثم بن جميل قال : قلت لمالك بن أنس يا أبا عبد الله إن عندنا قوما وضعوا كتبا يقول أحدهم حدثنا فلان عن فلان عن عمر بن الخطاب بكذا وكذا ، وفلان عن أبراهيم بكذا ، ويأخذ بقول أبراهيم ، قال مالك : وصح عندهم قول عمر ؟ قلت إنما هى رواية كما صح عندهم قول أباهيم ، فقال مالك : هؤلاء يستتابون .
نقله الأستاذ عبد الله المسلم
تعليق