مناظرة الإمام أبن القيم للجهمى المعطل فى آيات الصفات :
قال أبن القيم فى الفصل السادس من كتابه الفذ : ( الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ) :
إن الله سبحانه وتعالى وصف نفسه بصفات ، وسمى نفسه بأسماء ، وأخبر عن نفسه بأفعال ، فسمى نفسه الرحمن الرحيم ،الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، إلى سائر ما ذكر من أسمائه الحسنى ، ووصف نفسه بما ذكره من الصفات ، كسورة الإخلاص ، وأول الحديد ، وأول طه ، وغير ذلك .
ووصف نفسه بأنه يحب ، ويكره ، ويمقت ، ويرضى ، ، ويغضب ، ويأسف ، ويسخط ، ويجئ ، ويأتى ، وينزل إلى سماء الدنيا ، وأنه أستوى على عرشه ، وأن له علما ، وحياة ، وقدرة ، وإرادة ، وسمعا ، وبصرا ، ووجها ، وأن له يدين ، وأنه فوق عباده ، وأن الملائكة تعرج إليه ، وتنزل بالأمر من عنده ، وأنه قريب ، وأنه مع المحسنين ، ومع الصابرين ، ومع المتقين ، وأن السموات مطويات بيمينه .
ووصفه رسوله بأنه يفرح ، ويضحك ، وأن قلوب العباد بين أصابعه ، ، وغير ذلك مما وصف به نفسه ، ووصفه به رسوله .
يقال للجهمى المتأول لهذه الصفات : هل تتأول هذا كله على خلاف ظاهره وتمنع حمله على حقيقته ؟ ، أم تقر الجميع على ظاهره وحقيقته ؟ ، أم تفرق بين بعض ذلك وبعضه ؟ . . فإن تأولت الجميع على خلاف حقيقته ، كان ذلك عنادا ظاهرا ، وكفرا بواحا ، وجحدا للربوبية ، وحينئذ لا تستقر لك قدم على إثبات ذات الرب تعالى ، ولا صفة من صفاته ، ولا فعل من أفعاله ، فإن أعطيت هذا من نفسك ولم تستهجنه ألتحقت بأخوانك الدهرية الملاحدة ، الذين لا يثبتون للعالم خالقا ولا ربا .
قال الجهمى : بل أثبت أن للعالم صانعا وخالقا ، ولكن لا أصفه بصفة تقع على خلقه ، وحيث وصف بما يقع على المخلوق أتأوله .
قال أبن القيم : هذه الأسماء الحسنى ، والصفات التى وصف بها نفسه هل تدل على معان ثابتة هى حق فى نفسها أم لا تدل ؟ ... فإن نفيت دلالتها على معنى ثابت كان ذلك غاية التعطيل ، وإن أثبت دلالتها على معان هى حق ثابت ، قيل لك : فما الذى سوغ لك تأويل بعضها دون بعض ؟ وما الفرق بين ما أثبته ، ونفيته ، وسكت عن إثباته ، ونفيه ، من جهة السمع ، أو العقل .
ودلالة النصوص على أن له سمعا وبصرا ، وعلما ، وقدرة ، وإرادة ، وحياة ، وكلاما ، كدلالتها على أن له رحمة ، ومحبة ، وغضبا ، ورضى ، وفرحا ، وضحكا ، ووجها ، ويدين .
فدلالة النصوص على ذلك سواء ، فلما نفيت حقيقة رحمته ، ومحبته ، ورضاه ، وغضبه ، وفرحه ، وضحكه ، وأولتها بنفس الإرادة .
قال الجهمى :لأن إثبات الإرادة والمشيئة لا يستلزم تشبيها وتجسيما ، وإثبات حقائق هذه الصفات يستلزم التشبيه ، والتجسيم ،فإنها لا تعقل إلا فى الأجسام ، فإن الرحمة رقة تعترى طبيعة الحيوان ، والمحبة ميل النفس لجلب ما ينفعها ، والغضب غليان دم القلب طلبا للانتقام ، والفرح انبساط دم القلب لورود ما يسره .
قال أبن القيم : وكذلك الإرادة هى ميل النفس إلى جلب ما ينفعها ، ودفع ما يضرها ،وكذلك جميع ما أثبته من الصفات ، إنما هى أعراض قائمة بالأجسام فى الشاهد ، فإن العلم انطباع صورة المعلوم فى نفس العالم ، أو صفة عرضية قائمة به ، ، وكذلك السمع ، والبصر ، والحياة ، أعراض قائمة بالموصوف ، فكيف لزم التشبيه والتجسيم من إثبات تلك الصفات ولم يلزم من إثبات هذه ؟ .
قال الجهمى : إنى أثبتها على وجه لا يماثل صفاتنا ولا يشابهها .
قال أبن القيم :هلا أثبت الجميع على وجه لا يماثل صفات المخلوقين ولا يشابهها ؟ ، ولما فهمت من إطلاق هذا التشبيه والتجسيم .. وفهمت من أطلاق ذلك التنزيه والتوحيد ، وهلا قلت أثبت له وجها ، ومحبة ، وغضبا ، وضحكا ، ليس من جنس صفات المخلوقين .
قال الجهمى : هذا لا يعقل .
قال أبن القيم : فكيف عقلت سمعا ، وبصرا ، وحياة ، وإرادة ، ومشيئة ، ليست من جنس صفات المخلوقين .
قال الجهمى : أنا أفرق بين ما يتأول ، ومالا يتأول ، بأن ما دل العقل على ثبوته يمتنع تأويله ، كالعلم ، ، والحياة ، والقدرة ، والسمع ، والبصر ... وملا يدل عليه العقل ، يجب أو يسوغ تأويله ، كالوجه ، واليد ، والضحك ، والفرح ، والغضب ، والرضى ... فإن الفعل المحكم دل على قدرة الفاعل ، وإحكامه دل على علمه ، والتخصيص دل على الإرادة ، فيمتنع مخالفة ما دل عليه صريح العقل .
قال أبن القيم: ، وكذلك الإنعام ، والإحسان ، وكشف الضر ، وتفريج الكربات ، دل على الرحمة كدلالة التخصيص على الإرادة سواء . والتخصيص بالكرامة والأصطفاء ، والأجتباء ، دال على المحبة كدلالة ما ذكرت على الإرادة .
والإهانة ، والطرد ، والإبعاد ، والحرمان ، دال على المقت ، والبغض ، كدلالة ضده على الحب ، والرضى .
والعقوبة ، والبطش ، والأنتقام ، دال على الغضب كدلالة ضده على الرضى .
( أيها الجهمى ) : إن كان ظاهر النصوص يقتضى تشبيها ، أو تجسيما ، فهو يقتضيه فى الجميع ، وإن كان لا يقتضى ذلك لم يجز تأويل شئ منه ، وإن زعمت أن بعضها يقتضيه ، وبعضها لا يقتضيه ، طولبت بالفرق بين الأمرين .
ولما تفطن الجهمى لتعذر الفرق قال : ما دل عليه الإجماع كالصفات السبع ، لا يتأول ، وما لم يدل عليه الإجماع فإنه يتأول .
قال أبن القيم : هذا الذى تقول به من أفسد الفروق ، فإن مضمونه أن الإجماع أثبت ما يدل على التجسيم والتشبيه ، ولولا ذلك لتأولناه ، فقد أعترفوا بإنعقاد الإجماع على على التشبيه والتجسيم .
وهذا قدح فى الإجماع ، فإنه لا ينعقد على باطل .
.................................................. .............
... نكتفى بهذا القدر ، ففيه بالغ الدلالة على تخبط الجهمية المعطلة للصفات
الأستاذ صبحى يوسف في القول المبرور فى الرد على عباد القبور وأهل الفجور
قال أبن القيم فى الفصل السادس من كتابه الفذ : ( الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ) :
إن الله سبحانه وتعالى وصف نفسه بصفات ، وسمى نفسه بأسماء ، وأخبر عن نفسه بأفعال ، فسمى نفسه الرحمن الرحيم ،الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، إلى سائر ما ذكر من أسمائه الحسنى ، ووصف نفسه بما ذكره من الصفات ، كسورة الإخلاص ، وأول الحديد ، وأول طه ، وغير ذلك .
ووصف نفسه بأنه يحب ، ويكره ، ويمقت ، ويرضى ، ، ويغضب ، ويأسف ، ويسخط ، ويجئ ، ويأتى ، وينزل إلى سماء الدنيا ، وأنه أستوى على عرشه ، وأن له علما ، وحياة ، وقدرة ، وإرادة ، وسمعا ، وبصرا ، ووجها ، وأن له يدين ، وأنه فوق عباده ، وأن الملائكة تعرج إليه ، وتنزل بالأمر من عنده ، وأنه قريب ، وأنه مع المحسنين ، ومع الصابرين ، ومع المتقين ، وأن السموات مطويات بيمينه .
ووصفه رسوله بأنه يفرح ، ويضحك ، وأن قلوب العباد بين أصابعه ، ، وغير ذلك مما وصف به نفسه ، ووصفه به رسوله .
يقال للجهمى المتأول لهذه الصفات : هل تتأول هذا كله على خلاف ظاهره وتمنع حمله على حقيقته ؟ ، أم تقر الجميع على ظاهره وحقيقته ؟ ، أم تفرق بين بعض ذلك وبعضه ؟ . . فإن تأولت الجميع على خلاف حقيقته ، كان ذلك عنادا ظاهرا ، وكفرا بواحا ، وجحدا للربوبية ، وحينئذ لا تستقر لك قدم على إثبات ذات الرب تعالى ، ولا صفة من صفاته ، ولا فعل من أفعاله ، فإن أعطيت هذا من نفسك ولم تستهجنه ألتحقت بأخوانك الدهرية الملاحدة ، الذين لا يثبتون للعالم خالقا ولا ربا .
قال الجهمى : بل أثبت أن للعالم صانعا وخالقا ، ولكن لا أصفه بصفة تقع على خلقه ، وحيث وصف بما يقع على المخلوق أتأوله .
قال أبن القيم : هذه الأسماء الحسنى ، والصفات التى وصف بها نفسه هل تدل على معان ثابتة هى حق فى نفسها أم لا تدل ؟ ... فإن نفيت دلالتها على معنى ثابت كان ذلك غاية التعطيل ، وإن أثبت دلالتها على معان هى حق ثابت ، قيل لك : فما الذى سوغ لك تأويل بعضها دون بعض ؟ وما الفرق بين ما أثبته ، ونفيته ، وسكت عن إثباته ، ونفيه ، من جهة السمع ، أو العقل .
ودلالة النصوص على أن له سمعا وبصرا ، وعلما ، وقدرة ، وإرادة ، وحياة ، وكلاما ، كدلالتها على أن له رحمة ، ومحبة ، وغضبا ، ورضى ، وفرحا ، وضحكا ، ووجها ، ويدين .
فدلالة النصوص على ذلك سواء ، فلما نفيت حقيقة رحمته ، ومحبته ، ورضاه ، وغضبه ، وفرحه ، وضحكه ، وأولتها بنفس الإرادة .
قال الجهمى :لأن إثبات الإرادة والمشيئة لا يستلزم تشبيها وتجسيما ، وإثبات حقائق هذه الصفات يستلزم التشبيه ، والتجسيم ،فإنها لا تعقل إلا فى الأجسام ، فإن الرحمة رقة تعترى طبيعة الحيوان ، والمحبة ميل النفس لجلب ما ينفعها ، والغضب غليان دم القلب طلبا للانتقام ، والفرح انبساط دم القلب لورود ما يسره .
قال أبن القيم : وكذلك الإرادة هى ميل النفس إلى جلب ما ينفعها ، ودفع ما يضرها ،وكذلك جميع ما أثبته من الصفات ، إنما هى أعراض قائمة بالأجسام فى الشاهد ، فإن العلم انطباع صورة المعلوم فى نفس العالم ، أو صفة عرضية قائمة به ، ، وكذلك السمع ، والبصر ، والحياة ، أعراض قائمة بالموصوف ، فكيف لزم التشبيه والتجسيم من إثبات تلك الصفات ولم يلزم من إثبات هذه ؟ .
قال الجهمى : إنى أثبتها على وجه لا يماثل صفاتنا ولا يشابهها .
قال أبن القيم :هلا أثبت الجميع على وجه لا يماثل صفات المخلوقين ولا يشابهها ؟ ، ولما فهمت من إطلاق هذا التشبيه والتجسيم .. وفهمت من أطلاق ذلك التنزيه والتوحيد ، وهلا قلت أثبت له وجها ، ومحبة ، وغضبا ، وضحكا ، ليس من جنس صفات المخلوقين .
قال الجهمى : هذا لا يعقل .
قال أبن القيم : فكيف عقلت سمعا ، وبصرا ، وحياة ، وإرادة ، ومشيئة ، ليست من جنس صفات المخلوقين .
قال الجهمى : أنا أفرق بين ما يتأول ، ومالا يتأول ، بأن ما دل العقل على ثبوته يمتنع تأويله ، كالعلم ، ، والحياة ، والقدرة ، والسمع ، والبصر ... وملا يدل عليه العقل ، يجب أو يسوغ تأويله ، كالوجه ، واليد ، والضحك ، والفرح ، والغضب ، والرضى ... فإن الفعل المحكم دل على قدرة الفاعل ، وإحكامه دل على علمه ، والتخصيص دل على الإرادة ، فيمتنع مخالفة ما دل عليه صريح العقل .
قال أبن القيم: ، وكذلك الإنعام ، والإحسان ، وكشف الضر ، وتفريج الكربات ، دل على الرحمة كدلالة التخصيص على الإرادة سواء . والتخصيص بالكرامة والأصطفاء ، والأجتباء ، دال على المحبة كدلالة ما ذكرت على الإرادة .
والإهانة ، والطرد ، والإبعاد ، والحرمان ، دال على المقت ، والبغض ، كدلالة ضده على الحب ، والرضى .
والعقوبة ، والبطش ، والأنتقام ، دال على الغضب كدلالة ضده على الرضى .
( أيها الجهمى ) : إن كان ظاهر النصوص يقتضى تشبيها ، أو تجسيما ، فهو يقتضيه فى الجميع ، وإن كان لا يقتضى ذلك لم يجز تأويل شئ منه ، وإن زعمت أن بعضها يقتضيه ، وبعضها لا يقتضيه ، طولبت بالفرق بين الأمرين .
ولما تفطن الجهمى لتعذر الفرق قال : ما دل عليه الإجماع كالصفات السبع ، لا يتأول ، وما لم يدل عليه الإجماع فإنه يتأول .
قال أبن القيم : هذا الذى تقول به من أفسد الفروق ، فإن مضمونه أن الإجماع أثبت ما يدل على التجسيم والتشبيه ، ولولا ذلك لتأولناه ، فقد أعترفوا بإنعقاد الإجماع على على التشبيه والتجسيم .
وهذا قدح فى الإجماع ، فإنه لا ينعقد على باطل .
.................................................. .............
... نكتفى بهذا القدر ، ففيه بالغ الدلالة على تخبط الجهمية المعطلة للصفات
الأستاذ صبحى يوسف في القول المبرور فى الرد على عباد القبور وأهل الفجور
تعليق