سلسلة: التمكين بين أنين الدوائر ويقين البشائر [مقدمة]
التمكين بين أنين الدوائر ويقين البشائر
- مقدمة -
أبو محمد الفلسطيني
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه
وبعد:
هذه مقدمة لسلسة مقالات طويلة هي عصارة التفكير لأكثر من عشرين سنة خلت كنت أتفكر وأقول لماذا تأخر النصر عن هذه الأمة؟ ولماذا هجرتنا الكرامة؟ وما هي العقبات أمامنا؟ وكيف نتحول إلى أمة ربانية تبتكر الأساليب وتصنع الأحداث وتحول المستحيل لواقع محسوس ؟ فاضطرني الأمر لدراسة أساليب الطغاة ومكرهم وكيدهم فدرست عن الماسونية العالمية وعن خطط الغرب بالاستيلاء على مقدرات المسلمين فشاب شعري مما قرأت فأردت أن لا يبقى هذا الأمر حبيس نفسي فقررت أن أنثر حبري في هذا المنتدى الطيب المبارك وأن أنصح إخواني كأفراد وجماعات شباباً وشياباً بحسب فهمي فإن أصبت فمن الله وحده وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان وأنا منه بريء, وأرجو من إخواني الكرام التعليق المفيد والإضافات التي تُثري الموضوع فأحسبكم على خير وبارك الله بكم.
قال الله جل جلاله {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ }[الأنفال:12].
{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ } [آل عمران:
151].
{وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً}[ الأحزاب: 26-27 ].
{هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ } [الحشر:2].
إنّ من يتأمل في هذه الآيات التي أنزلها الله وأكدها في أول القرآن وآخره ووسطه ليرى من شرح الله صدره ونوّر له بصره وبصيرته وقلبه وعقله أن فيها تبصير للمسلمين بقوانين الصراع بين الحق والباطل وبين الإيمان والكفر وفيها يُعلم متى يتحقق النصر ومتى تتفشى الهزائم وفيها تبصير لأهل الحق وأنصاره وجنوده أن الله تعالى قادر على إبطال المعادلات التي تحكم موازين القوى بجندي واحد من جنوده وهو الرعب فإذا شاء الله قذف الرعب في قلوب الكافرين فصاروا عاجزين عن استخدام طائراتهم ودباباتهم وصواريخهم وأموالهم وعلومهم وإذا شاء الله جعلهم وكل ما يمتلكون من أسباب القوه غنيمة وفريسة للمجاهدين الصادقين وذلك واضح بقليل من التأمل والتفكر بآية الأحزاب وكثير من الآيات العظيمة في القرآن الكريم قال الله جل جلاله
{وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً{26} وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً}[الحشر:27].
وفي سورة القصص
{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ{4} وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ{5} وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ{6}
فإذا شاء الله أهلك عدونا واستخلفنا في الأرض وأورثنا أرضهم وأموالهم وأسلحتهم ومكننا من رقابهم وذلك على الله يسير. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر ...." [رواه البخاري ومسلم].
وهذا معلوم محسوس من تاريخنا الجهادي الطويل الذي ابتدأ بخير القرون وبطولاتهم التي سطرها القرآن الكريم ومن بعدهم الذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين وأنا هنا اختصر حتى لا أطيل, فإذا نظرنا اليوم في الواقع نرى بأنّ هذا السلاح العظيم(الرعب)مسحوب من المعركة إلا من حالات جزئية هنا وهناك ولكن السيطرة والقوة والشوكة هي للكافرين والمنافقين وأعوانهم وأنّ حال المخلصين هو الاستضعاف والتقتيل والتشريد والزنازين والجراحات والعذابات والأنين, طبعاً هذا الاستضعاف بدأ يتغير في هذه الأيام لأنّ الأمة انتفضت وتحركت جزئياً وبإذن الله سيتحول هذا الضعف إلى قوة تدمر الشرك وأهله.
عَنْ ثوبان عن ثوبان مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا ، قُلْنَا : مِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ : لا ، أَنْتُم يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ ، يَنْزَعُ اللَّهُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ ، قِيلَ : وَمَا الْوَهَنُ ؟ قَالَ : حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ.
وفي حديث آخر
عَنِ ابن عمر قَالَ : أَتَى عَلَيْنَا زَمَانٌ وَمَا يَرَى أَحَدُنَا أَنَّهُ أَحَقُّ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ ، وَنَحْنُ الْيَوْمَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ أَخِينَا الْمُسْلِمِ ، وَذَلِكَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : " إِذَا ضَنَّ النَّاسُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ ، وَاتَّبَعُوا أَذْنَابَ الْبَقَرِ ، وَتَرَكُوا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَتَبَايَعُوا بِالْغَبْنِ أنزل اللَّهُ عَلَيْهِمْ ذُلا فَلَمْ يَرْفَعْهُ عَنْهُمْ حَتَّى يُرَاجِعُوا دِينَهُمْ " . مسند عبد الله بن عمر للطرسوسي.
فالحديث فيه تنبه لأمة التوحيد بعدم التعلق بالدنيا وايثارها على الآخرة وأنّ الأمة إذا فعلت ذلك سلط الله عليها الذل والعذاب والهوان وساعتها تجتمع علينا الأمم وتسرق نفطنا وخيراتنا وأموالنا وتنتهك كرامتنا ومقدساتنا وأعراضنا.... فما هو المخرج ؟ وكيف نفهم ما مضى وما هو آت من الأحداث؟؟ وهل هناك فرج قريب؟
نقول نعم بإذن الله لكن لكل نتيجة مقدمات لا بد أن تسبقها ولكل أمر شروط لا بد أن تستوفي شروطه وأن تُزال موانعه حتى يتحقق وعد الله لنا بالنصر الذي وعدنا به إن نحن نصرنا دينه ..
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }[محمد7]
{{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:26].
فإنّ الله نزع ملك فرعون الذي طغى وتكبر وتجبر في الأرض وأورث موسى عليه السلام ومن معه من المستضعفين ملك فرعون وأعزهم بعد الإذلال وكذلك مكن الله داوود عليه السلام من جالوت رغم الفرق الهائل في موازين القوى ومثل هذا كثير جداً في تاريخ الصراع بين حزب الرحمن وحزب الشيطان لكن هذا التمكين لن يتم حتى يُبتلى أهل الحق لتتمايز الصفوف وتتضح الطريق.
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ }[محمد:31].
{ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ } [محمد:4].
إذا لا بد أن نعلم بأنّ كل نصر للمؤمنين وتمكين يقابله هزيمة ونزع للملك من الكافرين أو المنافقين جزئياً أو كلياً لأنّ أمر الله إذا تحقق يكون للمؤمنين نصراً وتمكيناً واستخلافاً وتوريثاً ويكون بنفس الوقت عقاباً للكافرين والمنافقين وهذا كله بأجل يؤجله الله وهذا التأجيل أو التقدير من الله قائم على علم الله بالغيب حيث أن الله يعلم إن المجاهدين في هذا اليوم سيستفرغون الجهد ويبلغون أقصى ما يستطيعون من الأخذ بالأسباب التي أتاهم الله إياها وتوظيفها على الوجه الأكمل ويكون الكافرون أو المنافقون قد بلغوا من الطغيان والظلم والإفساد في الأرض الحد الأقصى فيتنزل أمر الله ثواباً لعباده المؤمنين على صبرهم وحسن بلائهم وعقاباً لحزب الشيطان على كفرهم وظلمهم وإفسادهم في الأرض ومحاربتهم لله ورسوله وأوليائه المؤمنين.
فأين نحن كأمة وجماعات وأمراء وأفراد؟؟ إلى أي مدى أحسنا الأخذ بالأسباب وتوظيف عناصر القوة التي استودعها الله تعالى في الأرض وفي الأمة ؟ وإلى أي مدى أحسنّا التفكير وبذلنا الجهود لتجميع عناصر القوة هذه والتي معظمها لم يكتشف حتى الآن أنّها موجودة في الأمة ؟
فمثلا الذهب موجود في باطن الأرض علينا كأمة أن نبذل الجهد العظيم لحفر ونقل مئات الأطنان من التراب ومعالجته لنستخرج كيلو غرامات من الذهب فقط وبعد أن نستخرج الذهب علينا أن نضع الخطط والبرامج والآليات التي نستطيع بتوفيق الله أن نحول هذا الذهب إلى قوة منتجة في كل المجالات وعندها لن تعرف أمتنا الفقر والاستضعاف.
وحتى ينجح هذا لا بد من وجود أهل الدين والأمانة والكفاءة، ولا بد من حسن توظيف الرجال والمال والعقول وذلك بإعمال أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم " إنّ الله يحب أحدكم إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" [حديث صحيح].
فإن نحن فعلنا ذلك كان حقاً على الله أن يؤيدنا بمعيته وولايته ونصرته ويوفقنا لما يحبه ويرضاه ويتحقق فينا قول الله تعالى
{وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً }[النساء:141].
{وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } [الروم:47].
أو أن يتحقق فينا قول الله تعالى
{وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً }[النساء:104].
{فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }[النساء:74].
{قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ }[التوبة:52].
هذه هي التجارة الرابحة مع الله فأين نحن منها يا مسلمون؟ هل نحن من العوامل المساعدة على تحقيق النصر أم أننا جزء من الموانع التي تمنع النصر؟ هذا ما سنبينه ونوضحه في سلسلة المقالات القادمة بإذن الله فتابعونا يرحمكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم الفقير أبو محمد الفلسطيني
منقول من شبكة شموخ الإسلام
منقول من شبكة شموخ الإسلام
تعليق