إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حقائق عن الصّوفيّة (1) معنى التصوّف - أبو جابر عبد الحليم توميات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حقائق عن الصّوفيّة (1) معنى التصوّف - أبو جابر عبد الحليم توميات

    الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
    فقد كاد التصوّف في القرن الأخير يعود إلى جحره، ويُقضَى نِهائيّا على شأنه وأمره. حتّى إنّ الكثيرين منهم أضْحَوا يتبرّءون من كثير من مذاهب القوم، رافعين عن أنفسهم الذمّ واللّوم.
    ولكنّهم عادوا من جديد .. على حين فرقة نخرت في صفوف الدّعاة إلى التّوحيد .. وإنّ لله سننا لا تتغيّر ولا تتبدّل، فقال عزّ وجلّ وهو أصدق القائلين:{وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[الأنفال:46].
    عادوا من جديد .. ولا يشكّ في ذلك عاقل رشيد ..
    فلهم في كلّ يوم ملتقيات .. وفي كلّ عام مؤتمرات .. وتمكّنوا من كثير من وسائل الإعلام، ويرفعون الشّعارات والأعلام ..
    فكان لا بدّ من تذكير المؤمنين، وتحذير المسلمين، من مخاطر الصّوفيّة، وبيان حقائق الطّرقيّة، فليس لدينا إلى الكلمات نتّخذها للحقّ نبراسا وضياء، وإنّ من خير ما أُثِر عن الحكماء، وحُفظ عن العلماء، قولهم:" لَأَنْ تُضيءَ شمعةًخيرٌ مِن أن تلْعنَ الظّلام "..


    المبحث الأوّل: معنى التصوّف والصّوفيّة.
    إنّ القوم يزعمون أنّ التصوّف كلمة مرادفة للتّقوى، والتّزكية، وتربية النّفس على الزّهد ! وحملها على ترك سفاسف الأمور ! فسُمُّوا صوفيّةً؛ للدّلالة على صفاء قلوبهم، ومعاملاتهم لبارئهم سبحانه!
    والجواب عن هذا الزّعم من وجوه:
    أ) الوجه الأوّل: لماذا العدول عن ألفاظ الكتاب والسنّة إلى غيرها ؟ أوليست ألفاظ القرآن الكريم والسنّة مثل: التّقوى، والتّزكية، والزّهد، والورع، وغير ذلك بكافيةٍ ومغنية عن غيرها ؟
    ب) الوجه الثّاني: إنّ هذا الاشتقاق غير صحيح من حيث اللّغة، فالنسبة إلى الصّفاء: صفويّ، أو صفاوي، أو صفائيّ، وليس صوفيّا.
    ج) الوجه الثّالث: إنّ أكابر الصّوفيّة قد اضطربت كلماتهم في تحديد أصل اشتقاق كلمة ( الصّوفيّة )، ولم يتّفقوا على أنّها مشتقّة منالصّفاء.
    فهذا أبو بكر الكلاباذي رحمه الله (ت:380 هـ) يقول:" لِمَ سُمّيت الصّوفيّة صوفيّة ؟
    قال طائفة: إنّما سمّيت صوفيّة لصفاء أسرارها. وقال بشر بن الحارث: الصّوفيّ من صفا قلبه لله...
    وقال قوم: إنّما سُمُّوا صوفيّة؛ لأنّهم في الصفّ الأوّل بين يدي الله عزّ وجلّ ...
    وقال قوم: إنّما سُمُّوا صوفيّة؛ لقُرب أوصافهم من أوصاف أهل الصفّة الّذين كانوا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
    وقال قوم: إنّما سُمُّوا صوفيّة؛ للُبسهم الصّوف " [" التعرّف على مذهب التصوّف " للكلاباذي (ص 21)].
    ثمّ قال (ص 26):" وإن جُعِل مأخذه من الصّوف، استقام اللّفظ، وصحّت العبارة من حيث اللّغة ".
    وهذا المعنى هو الّذي رجَّحه ابن الجوزيّ وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن خلدون رحمهم الله، وطائفة كبيرة من العلماء.
    وأيّدوا قولهم ذاك بأنّ الصُّوف كان شعارَ رهبانِ أهل الكتاب الذين تأثر بهم الأوائل من الصوفية.
    [انظر: " تلبيس إبليس " (163)، و" مجموع الفتاوى " (10/369)، و" وتاريخ ابن خلدون " (1/467)].
    د) الوجه الرّابع: وأقرب من ذلك كلّه من الأقوال في أصل اشتقاق هذه الكلمة:
    ما رجحه أبو الريحان البيروني (ت:440هـ)، ومن المعاصرين المستشرق النمساوي فون هامر (Joseph V. Hammer) وغيرهما أنّها مشتقة من كلمة صوفيا SOPHIAاليونانية، ومعناها ( الحكمة ) كما يقال عن: فيلوسوفيا.
    ويؤيّد هذا الرأي أمور:
    - أنّ الصّوفيّة ما طفت على سطح المجتمع الإسلاميّ إلاّ في القرن الثاني الهجري ببغداد وما حولها، حين بزرت حركة التّرجمة.
    - تشابه الفكرة العامّة للصّوفية وفلسفة اليونان والهند، وغايتها: وحدة الوجود، والحلول، والإشراق، والفيض عياذا بالله .
    - ما ورد عن كبار الصّوفية مثل السّهروردي وقد أُقيم عليه حدّ الردّة أنّه قال:" وأمّا أنوار السلوك في هذه الأزمنة القريبة فخميرة الفيثاغورثيين، وقعت إلى أخي أخميم (ذي النون المصري)، ومنه نزلت إلى سيارستري وشيعته (أي سهل التستري "اهـ.
    - ظهور مصطلحات مترجمة عن اليونانية في ذلك العصر، مثل الفلسفة، والفناء، والموسيقى، والسّفسطة، والهيولي.
    - قول القشيري رحمه الله - وهو من كبارهم -:" ولا يشهد لهذا الاسم اشتقاق من جهة العربيّة، ولا قياس، والظّاهر أنّه لقب، ومن قال: اشتقاقه من الصّفا أو من الصفّة فبعيد من جهة القياس اللّغويّ، قال وكذلك من الصّوف؛ لأنّهم لم يختصّوا بلبسه "اهـ
    [" تاريخ ابن خلدون " (1/467)]
    ج) الوجه الخامس: جعلُ الصّوف شعارا للزّهد والقناعة هو الرّياء بعينه.
    فإنّ أزهد الخلق صلّى الله عليه وسلّم لم يكن يقصِد التعبّد بلبس الصّوف، وإنّما كان يلبسه اتّقاء القرّ كسائر النّاس، وقد ثبت عنه صلّى اللهعليه وسلّم أنّه كان يلبس الكتّان والقطن.
    والزّهد المحمود في اللّباس هو أن يلبس أوسط اللّباس وأعدله، فلا يقصد الرّديء ولا النّفيس، وإلاّ وقع في الشّهرتين. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في " الفتح "(10/269):
    " قال ابن بطّال: كره مالك لُبسَ الصّوف لمن يجد غيره، لما فيه من الشّهرة بالزّهد، لأنّ إخفاء العمل أولى ".
    فترك اللّباس على أنواع:
    * من تركه بخلا، فهذا مذموم، غير مأجور.
    * ومن تركه متعبّدا محرّما إيّاه على نفسه فهذا ضالّ منحرف.
    * ومن تركه يريد أن يتشبّه بالعُبّاد فهو آثم لمراءاته، وهو إحدى الشّهرتين كما سبق ذكره.
    * من تركه زُهدا وتواضعا، فهذا مأجور على ذلك.
    كما أنّ اللاّبس للثّمين أنواع:
    * إن كان بنيّة الفخر والخيلاء فهو آثم لنيّته، وهو الشّهرة الأخرى.
    * أو كان مسرفا، فهو مذموم معتدٍ.
    * أو كان مظهِرا لنعمة الله عليه دون مجاوزة للحدّ، فذلك مأجور لنيّته.
    جاء في مجموع فتاوى ابن تيمية (22/ 133):
    " وسئل رحمه الله عن المتنزّه عن الأقمشة الثّمينة مثل الحرير والكتّان المُتغَالَى في تحسينه وما ناسبها: هل في ترك ذلك أجر أم لا ؟ أفتونا مأجورين.
    فأجاب: الحمد لله ربّ العالمين .. وأمّا المباحات: فيثاب على ترك فضولها، وهو ما لا يحتاج إليه لمصلحة دينه، كما أنّ الإسراف في المباحات منهيّ عنه ... وأمّا الكتّان والقطن ونحوهُما، فمن تركه مع الحاجة فهو جاهل ضالّ، ومن أسرف فيه فهو مذموم. ومن تجمّل بلبسه إظهارا لنعمة الله عليه فهو مشكور على ذلك، فإنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( إِنَّ اللهَ إِذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدٍ بِنِعْمَةٍ أَحَبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعَمِهِ عَلَيْهِ ))، وقال: (( إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ ))، ومن ترك لبس الرّفيع من الثياب تواضعا لله لا بخلا ولا التزاما للترك مطلقا فإنّ الله يثيبه على ذلك ويكسوه من حلل الكرامة.
    فهذه المسائل ونحوها تتنوع بتنوع علمهم واعتقادهم، والعبد مأمور أن يقول في كلّ صلاة:{اِهْدِناَ الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}، والله سبحانه وتعالى أعلم " اهـ.
    فيُنصح ويوعظ المتنعّمون بالزّهد والتّواضع والبذاذة. ويُنصح المتكلّف للزّهد الخارج به عن المعتاد بالوسطيّة، وإلاّ كان الترّفّه حينها أهون من إظهار الزّهد رياء وشهرة.
    ولهذا قال عبد الرشيد الولوالجي رحمه الله في " فتاواه ":
    " لبس الثياب الجميلة مباح إذا كان لا يتكبر; لأنّ التكبّر حرام, وتفسيره أن يكون معها كما كان قبلها، وللّه درّ القائل‏:‏
    أَجِدْ الثِّيَابَ إذَا اكْتَسَيْت؛ فَإِنَّـهَا *** زَيْنُ الرِّجَالِ بِهَا تُهَابُ وَتُكْرَمُ
    وَدَعِ التَّوَاضُعَ فِي اللِّـبَاسِ تَحَرِّيًا *** فَاَللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُكِـنُّ وَتَكْتُـمُ
    فَدَنِيُّ ثَوْبِك لَا يَزِيدُك زُلْفَــةً *** عِنْدَ الْإِلَهِ وَأَنْتَ عَبْدٌ مُجْــرِمُ
    وَبَهَاءُ ثَوْبِك لَا يَضُـرُّك بَعْدَمَا *** تَخْـشَى الْإِلَـهَ وَتَتَّقِي مَا يَحْرُمُ
    وكان بكر بن عبد الله المزنيّ رحمه الله يقول لمن يتظاهر بالزّهد رياء وسمعةً: البسوا ثياب الملوك، وأميتوا قلوبكم بالخشية.
    وكان الحسن رحمه الله يقول: إنّ أقواما جعلوا خشوعهم في لباسهم، وكبرُهم في صدورهم وشهروا أنفسهم بلباس الصّوف، حتّى إن أحدهم بما يلبس من الصوف أعظم كبرا من صاحب الطرف بمطرفه.
    وقال محمود الورّاق رحمه الله:
    تصوّف فازدهى بالصّوف جهلا *** وبعض النّاس يلبسه مـجانـه
    تصنّـع كي يقـال له أميـن *** ومـا معنى التصنّع للأمـانـه
    ولم يرد الإلـه به، ولـكـن *** أراد به الطّريـق إلـى الخيانه
    فأعدل الأمور أوسطها، وقد قال رجل لإبراهيم النّخعي رحمه الله: ما ألبس من الثّياب ؟ قال: ما لا يشهّرك عند العلماء، ولا يحقّرك عندالسّفهاء.
    الخلاصة:
    إنّ التصوف عقيدة فلسفية قديمة، نشأت قبل الإسلام في الفلسفة الاستشراقية المنسوبة إلى ( أفلاطون )، والفلسفة الهندية القديمة، وما زالت عقيدة الهند إلى اليوم، وهي: القول بوحدة الوجود.
    وهذه العقيدة هي عقيدة كثير من شعراء الفرس قبل الإسلام، وبعد الإسلام كجلال الدّين الرّومي وغيرهم.
    ولم يتضرّر الإسلام وحده بهذه الحركة الفلسفيّة، فقد نخرت هذه الحركة دين النّصارى أيضا الصّحيح منه والمحرّف ؛ لذا نجد كثيرا من الطّقوس يشترك فيها الصّوفيّة وأهل الملل المنحرفة: كالبوذيّين، والهندوس، والنّصارى، وغيرهم، وسيأتي تأييد ذلك في المقالات اللاّحقة إن شاء الله تعالى.
    والله الموفّق لا ربّ سواه.
    التعديل الأخير تم بواسطة امة الرحمن/فاطمة; الساعة 21-01-2012, 06:14 AM.

  • #2
    حقائق عن الصّوفيّة (2) عوامل ظهور التصوّف- أبو جابر عبد الحليم توميات

    الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
    فقد رصدت لنا السنّة الصّحيحة أخبارا عن بعض الصّحابة الكرام رضي الله عنهم الّذين أرادوا الانقطاع عن ملذّات الدّنيا، فهمّ بعضهم باعتزال النّساء، وآخرون بصوم الدّهر، وآخرون بهجر النّوم، حتّى إنّ بعضهم استأذن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الخِصاء !
    فكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوجّههم إلى الّتي هي أقوم، ويخطب في النّاس قائلا: (( مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا ؟! لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي )) [رواه البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه].
    وفي الوقت نفسه دعا صلّى الله عليه وسلّم صحابته، وندب أمّته إلى الزّهد في الدّنيا، وترك التوسّع في ملذّاتها، حتّى كانوا سادة الزّهاد، وقادةالعُبّاد.
    وسار على ذلك النّهج السّليم، والطّريق القويم، التّابعون وأتباعهم. فما الّذي حدث حتّى وصل التصوّف إلى ما هو عليه ؟

    عوامل ظهور التصوّف.
    فمن أهمّ عوامل ظهور التصوّف في هذه الأمّة:
    1- الغلوّ: وهو مجاوزة الحدّ الّذي شرعه الله عزّ وجلّ في كلّ شيء.
    وهو داء أتى على الملل الأولى من القواعد فخرّ عليهم دينهم من فوقهم؛ قال الله عزّ وجلّ:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُواأَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77)}.
    وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا، وَقَارِبُوا )) [رواه البخاري].
    يقول ابن الجوزي رحمه الله في " تلبيس إبليس ":
    " كانت النّسبة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان والإسلام، فيقال: مسلم ومؤمن, ثمّ حدث اسم زاهد وعابد! ثمّ نشأ أقوام تعلّقوا بالزّهد والتعبّد, فتخلّوا عن الدّنيا, وانقطعوا إلى العبادة, واتّخذوا في ذلك طريقة تفرّدوا بها ! وأخلاقا تخلّقوا بها !.."اهـ
    والعلاج: هو تربية الأمّة على منهج الوسطيّة، وإظهار مزايا اقتفاء السنّة النّبويّة.
    2- الجهل: فلسان قول وحال كثِيرٍ من النّاس هو: نحن لا نتجاوز الحدّ رغبة عن السنّة، ولكنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم اقتصر على ما ثبت عنه لأنّه مغفور الذّنب، وإمام الخلق ... الخ
    وهذه الشّبهة قد أزالها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من صدور أصحابه الكرام، وعالج قلوب من علِقت بها، ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت:
    كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذَا أَمرهم، أَمَرهُم من الأعمال بما يُطِيقُون، قالوا: إِنَّا لسنا كهيئتك يا رسول الله !إِنَّ اللهَ قد غَفَر لكَ مَا تقدَّمَ مِنْ ذنْبِك وما تأخَّر! فيغْضَبُ حتَّى يُعْرَف الغضبُ في وجهه، ثمَّ يقولُ: (( إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمُكُمْ بِاللهِ: أنا )).
    وكان صلّى الله عليه وسلّم لا يُقِرّ أحدا على مخالفة سنّته، فقد روى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قال: بَيْنَا النَّبِيُّ صلّى اللهعليه وسلّم يَخْطُبُ، إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ، وَلَا يَسْتَظِلَّ، وَلَا يَتَكَلَّمَ، وَيَصُومَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (( مُرْهُفَلْيَتَكَلَّمْ، وَلْيَسْتَظِلَّ، وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ )).
    وجرى على ذلك الصّحابة الّذين كانوا فِعلاً أمنةً للأمّة، ومن تطبيقاتهم رضي الله عنهم لهذا الأصل:
    - ما رواه عبد الرزّاق في " المصنّف " عن ابن عمر رضي الله عنه أنّه رأى رجلا يُصلِّي بعد طلوع الفجر، وهو يكثر الصّلاة، فحَصَبه ابن عمر رضي الله عنهونهاه، فقال له الرّجل: أترى الله يُعذِّبني على كثرة الصّلاة ؟ فقال: لاَ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُكَ عَلَى خِلاَفِ السُنَّةِ.
    - وروى التّرمذي عن نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ! قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَأَنَا أَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِصلّى الله عليه وسلّم، عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
    - وهذا ابنُ مسعود رضي الله عنه يُخبر عن أقوام جلسوا بالمسجد حلقًا، وبين أيديهم حصًى يسبّحون بها ويُهلّلون، فيقف عليهم قائلا مغضباً:
    مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ ؟
    قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ! حَصًى نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ، وَالتَّهْلِيلَ، وَالتَّسْبِيحَ.
    قَالَ: فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ ! فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ ! وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ! مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ ! هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صلّىالله عليه وسلّم مُتَوَافِرُونَ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ، وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ، أَوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ !
    قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ! مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ!
    قَالَ: وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم حَدَّثَنَا:
    (( أَنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، وَايْمُ اللَّهِ، مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ )). ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ: رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ..
    قال ابن الجوزيّ رحمه الله:
    " وكان أصل تلبيسه عليهم أنّه صدّهم عن العلم، وأراهم أنّ المقصود العمل، فلمّا أُطْفِئَ مصباحُ العلم عندهم تخبّطوا في الظّلمات "اهـ.
    العلاج: هو سدّ منافذ البدع، وتعليم الأمّة خطأ تقسيم البدعة إلى حسنة وسيّئة، فـ (( كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ )) وإن رآها النّاس حسنة.
    وتربية النّشء على الاستغناء بالسنّة، وتعليمهم أصولها، مثل: ( كمال الدّين )، و( شموليّة السنّة )، ونحو ذلك.
    ويلحق بعامل الجهل:
    3- انتشار الأحاديث الموضوعة والمنكرة.
    فقد ظهر في المجتمع الإسلاميّ من يُسمَّون بالقُصّاص، وهم طائفة يتتبّعون قصص الماضِين، وخصوصا ما ينقل عن بني إسرائيل.
    فكان أكثرهم لا يتحرّون الصّواب، ولا يحترزون من الخطأ لقلّة علمهم.
    وقد روى الطّبرانيّ في " الكبير "، وأبو نعيم في " الحلية " عن خبّاب رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا هَلَكُوا قَصُّوا )) [" الصّحيحة "(1681)]، أي: اهتمّ وُعّاظُهم بالقصص والحكايات، دون الفقه والعلم النّافع الذي يُعرّف النّاسَ بدينهم، فيحملهم ذلك على العمل الصّالح.
    العلاج: لا ينبغي لولاة الأمر أن يعيّنوا كلّ من هبّ ودبّ فيسمحوا للجُهّال بالتصدّر لوعظ النّاس، فإنّهم بلا شكّ سيفسدون أكثر ممّا يُصلحون، والجاهل يعمل في الأمّة ما لا يعمله العدوّ.
    لذلك روى أبو داود وغيره عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يقول: (( لَا يَقُصُّ إِلَّاأَمِيرٌ، أَوْ مَأْمُورٌ، أَوْمُخْتَالٌ )).
    4- حركة التّرجمة والنّظر في كتب الملل المنحرفة.
    فيوم دعا المأمون – وكان مولَعاً بالاطّلاع على الكتب – إلى ترجمة كتب اليونان والفرس والهند، واطّلع أهل الإسلام على ما لدى القوم من انحرافات وشطحات، حدثت بين المشتغلين بالعلوم ومصادر الوحي فجوة عميقة، ووقع كثير منهم في هُوةٍ سحيقة؛ فزُرعت في الأمّة أشواك علم الكلام، وحسك فلسفة الهنود واليونان، فحصدت من المفاسد في باب العقائد والإيمان ما لا يعلمه إلاّ الله.
    وقد سبق أن نقلنا كلام أبي الرّيحان البيروني من كتابه " تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة ", ةقد نسب التصوّف إلى (صوفيا) اليونانية، ومعناها: الحكمة, وملخّص كلامَه:
    ( إن قدماء اليونان أي: الحكماء السّبعة مثل: سولن الأثيني، وطاليس المالطي، كانوا يعتقدون قبل تهذيب الفلسفة بعقيدة الهنود بأنّ الأشياء إنّما هي شيء واحد! وكانوا يقولون: ليس للإنسان فضلٌ على الجماد والنّبات إلاّ بسبب القرب إلى العلّة الأوّلية في الرتبة ! وكان بعضهم يعتقد أنّ الوجود الحقيقيّ هو العلّة الأولى نفسها؛ لأنّها غنيّة بذاتها، وما سواها محتاج في الوجود إلى الغير، فوجودها في حكم الخيال، والحقّ هو الواحد الأوّل فقط !
    ويقول بعد تفصيل ذلك: وهذا رأي الصّوفية وهم: الحكماء, فإنّ ( صوف ) باليونانية ( الحكمة ) وبها سمي الفيلسوف ( بيلاسوبا ) أي محب الحكمة )[1].
    العلاج: ترسيخ عقيدة ( الاستغناء بالوحي ) في قلوب الأمّة:
    فالله تعالى قد أتمّ علينا منّته، وأسبغ علينا نعمته، بأن اصطفى لنا هذا الدّين وأتمّه فقال:{الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة: من الآية3]..
    لذلك روى الإمام أحمد والدّارمي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَتَى النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّمبِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ، وفي رواية - بنسخة من التّوراة - فَقَرَأَهُ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّمفَغَضِبَ، فَقَالَ: (( أَمُتَهَوِّكُونَ[2] فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِوَالَّذِي نَفْسِيبِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّمُوسَىعليه السّلامكَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي )).
    هذا حكم من نظر في التّوراة الّتي جاء بها موسى عليه السّلام ! والّتي يُعدّ الإيمان بها من أركان الإيمان ! يُلام عمر الفاروق من أجل النّظر فيها ! عمرُ الّذي قال فيه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَفْرَقُ مِنْكَ يَا عُمَرُ )) ! فكيف بغير التّوراة ؟! وكيف إذا كانالنّاظر فيها غير عمررضي الله عنه ؟!
    5- انفتاح الدّنيا على النّاس: فإنّ التطرّف لا يقود إلاّ إلى التطرّف.
    فمن أسباب ظهور الطبقة الّتي تسمَّت بـ( العُبّاد والزهّاد ) في القرن الثّاني الهجري هو: إقبال النّاس وتكالبهم على الدّنيا, فكان ردّ فعل بعض الصّالحين هو: البعد التامّ عنها.
    ومن هؤلاء العباد في المدينة: عامر بن عبد الله بن الزّبير، الّذي كان يواصل الصّوم ! فيقول والده رضي الله عنه: رأيت أبا بكر وعمررضي الله عنهماولم يكونا هكذا.
    ومنهم صفوان بن سليم، الّذي كان يصلّي على السّطح في اللّيلة الباردة لئلاّ يصاب بالنّعاس ! بل نقلوا عنه أنّه أعطى الله عزّ وجلّ عهداً أن لا يضع جنبه على فراش حتّى يلحق بربّه !
    وبالبصرة: طلق بن حبيب العنزيّ, وعطاء السّلمي.
    وبالكوفة: داود الطّائي، والأسود بن يزيد بن قيس الّذي كان يجهد نفسه في الصوم والعبادة حتى يصفرَّ جسمه.
    ومنهم كرز بن وبر الحارثي نزيل جرجان، وغيرهم.
    فهؤلاء كانوا على بداية خطّ الانحراف، ومرّت الأيّام، وجرّت معها الشّهور والأعوام، حتّى أصبح الخطأ لديهم صوابا.
    يقول ابن الجوزيّ رحمه الله:
    " ثمّ جاء أقوام فتكلّموا لهم في الجوع، والفقر، والوسواس، والخطرات، وصنّفوا في ذلك، مثل: الحارث المحاسبيّ ...".
    العلاج: تربية الأمّة على الجانب الرّوحي في الإسلام، وذلك عن طريق التّزكية بالقرآن والسنّة الصّحيحة، وتراجم الصّحابة والتّابعين لهم بإحسان، حتّى لا يطْغَى الجانب المادّي على الجانب الرّوحيّ، ومن ثمَّ لا يحدُ العكس.
    6- اتّباع الهوى: فنهاية التّصوّف طريق إلى استحلال المحرّمات، والإغراق في الشّهوات.
    وسيأتي توضيح ذلك في فصل خاصّ إن شاء الله تعالى، فما أسعدَ العاصي وهو يقترف الكبائر أن يقال له: إنّ على طاعة وإلى الله سائر !
    والعلاج: وَعظُ ودعوة النّاس إلى تقوى الله تبارك وتعالى، فالمواعظ سياط القلوب، تقودها إلى علاّم الغيوب.
    ومن لم يزعْه القرآن، فخير وازع هو السّلطان.
    والله الهادي إلى الصّواب.
    [يُتبع إن شاء الله]

    [1] " تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة " (ص 16) طبعة ليبزك. نقلا عن " تاريخ التصوّف في الإسلام " ص (67 , 68) للدّكتور قاسم غنيّ، ترجمه إلى العربيّة: صادق نشأت.

    [2] متهوّكون، أي: متحيرون ومتردّدون.
    التعديل الأخير تم بواسطة أحلام أم البراء; الساعة 24-09-2014, 01:15 AM.

    تعليق


    • #3
      رد: حقائق عن الصّوفيّة (1) معنى التصوّف - أبو جابر عبد الحليم توميات

      جزاكم الله خيرا
      وآآآآه يا أبي بكر هل لي من لقياك نصيب
      رضي الله عنك وأرضاك


      تعليق


      • #4
        رد: حقائق عن الصّوفيّة (2) عوامل ظهور التصوّف- أبو جابر عبد الحليم توميات

        جزاكم الله خيرا
        وآآآآه يا أبي بكر هل لي من لقياك نصيب
        رضي الله عنك وأرضاك


        تعليق


        • #5
          رد: حقائق عن الصّوفيّة (1) معنى التصوّف - أبو جابر عبد الحليم توميات

          جزاكم الله خيرًا
          بارك الله فيكم
          ضل الطريق من ترك الطريق . عودة من جديد

          يامن خذلتنا وخذلت إخوانك .. في وقت احتاجوا فيه نصرتك وعونك لهم .. ولكنك تركتهم ولم تلتفت لهم .!
          ابشر بالخذلان .

          حزب العار

          تعليق


          • #6
            حقائق عن الصّوفيّة (3) نشأة التصوّف وتطوّره - أبو جابر عبد الحليم توميات

            كنت أظن أول الأمر أنّ بعض الغلاة هم الذين أساءوا إلى التصوف والصّوفية, وأنّ الغلوّ والتطرّف هو الّذي جلب عليهم الطّعن وأوقعهم في التّشابه مع التشيّع والشّيعة, ولكنّني وجدت كلّما تعمّقت في الموضوع, وتأمّلت في القوم ورسائلهم, وتوغّلت في جماعتهم وطرقهم, وحقّقت في سيرهم وتراجمهم، أنّه لا اعتدال عندهم كالشيعة تماما, فإنّ الاعتدال عندهم كالعنقاء في الطيور.
            والشّيعي لا يكون شيعيّا إلاّ حين يكون مغاليا متطرّفاً, وكذلك الصّوفي تماما, فمن لا يعتقد اتّصاف الخلق بأوصاف الخالق, لا يمكن أن يكون صوفيّا ووليّا من أولياء الله. [ إحسان إلهي ظهير رحمه الله]

            الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن ولاه، أمّا بعد:
            فإنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يكرّر على مسامع أصحابه رضي الله عنهم في كلّ مناسبة أصلا من أصول الدّين الحنيف، فيقول: (( كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ )) .. ويقول: (( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ )).
            فسار الصّحابة رضي الله عنهم والتّابعون لهم بإحسان على هذا الأصل الأصيل، فما كانوا يستسيغون البدع وإن رآها النّاس حسنةً ! وإن رآها النّاس هيّنةً !
            ذلك، لأنّهم كانوا على علمٍ تامّ بأمرين مهمّين:

            - الأوّل: علموا أنّ الشّيطان الرّجيم لا يأمر فقط بانتهاك الحرمات، وارتكاب الموبقات، ولكنّه يأمر بتعدّي المباحات، وتجاوز المستحبّات .. وهو الّذي قطع عهدا على نفسه فقال:{لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} أي: يأتيهم من جانب العبادات والصّالحات..
            وقد ظفِر منهم بما طمع، قال الله عزّ وجلّ:{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سبأ:20].
            - الثّاني: كانوا على علم تامّ بالسّنن الكونيّة، وأنّ ( معظم النّار من مستصغر الشّرر )..
            فاستصغار المحدثات في باب العبادات أخطر مصايد الشّيطان، لذلك قال عزّ وجلّ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُواخُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}.
            خطوات بين الزّهد المشروع، والتصوّف الممنوع:
            فبعد أن ظهرت طائفة العُبّاد والزهّاد في الأمّة، حدثت مرحلة انتقالية جديدة بين الزّهد المشروع والتصوّف الممنوع، حيث أصبح للزّهد وأحوال الزُهّاد وأقوالهم تصانيف خاصّة.
            يقول ابن الجوزيّ رحمه الله في " تلبيس إبليس " (147):" ثمّ جاء أقوام فتكلّموا لهم في الجوع، والفقر، والوسواس، والخطرات، وصنّفوا في ذلك، مثل: الحارث المحاسبيّ. وجاء آخرون فهذّبوا مذهب التصوّف، وأفردوه بصفات ميّزوه بها ..."
            - وعلى رأس هذه المرحلة مالك بن ديناررحمه الله (130 هـ)، الّذي بدأ يدعو إلى أمور لم تثبت عن الزهّاد السّابقين, بل انتشرت بحكم انتشار كتب الرّوم والهنود وغيرهم، الّذين اشتهر عُبّادهم بالانقطاع عن المباحات: كعزوفهم عن الزّواج، وأكل اللّحم، ونحو ذلك.
            فكان مالك بن دينار يزهّد في الزّواج، ويدعو إلى تركه ! وكان يقول:" لا يبلغ الرّجل منزلة الصّديقين حتّى يترك زوجته كأنّها أرملة ! ويأوي إلى مزابل الكلاب !" [" سير أعلام النبلاء " (8/156)].
            وكان يقول:" إنّه لتأتي عَلَيّ السنة لا آكل فيها لحماً، إلاّ في يوم الأضحى, فإنّي آكل من أضحيتي ".
            وبدأت تظهر في كلماته عبارات تدلّ على التأثّر بما لدى الأمم السّابقة، فيقول: قرأت في بعض الكتب ... قرأت في التوراة ... وأوحى الله إلى نبيّ من الأنبياء ... وقرأت في الزّبور ... ويُروَى عن عيسى عليه السلام ... [انظر ترجمته في " حلية الأولياء " (2/357)].
            - ثمّ ظهرت طائفة تتحدّث عن محبّة الله عزّ وجلّ بعبارات غير لائقة: كالعشق، والهيام، ونحو ذلك .. وحرّفوا معنى العبادة وأنّها ليست طمعا في الجنان ! ولا خوفا من النّيران ! ولكنّها حبٌّ وعِشقٌ للرّحمن !
            ويرَون حبّ الأهل والأولاد نقصاً في محبّة الله عزّ وجلّ! وعلى رأس هؤلاء عبد الواحد بن زيد (177هـ)، ورابعة العدويّة (185 هـ)، ونقلوا عنها أخبارا وحكايات، إن صحّت عنها صحّ اتّهام أبي داودرحمه اللهلها بالزّندقة. [انظر: " البداية والنهاية " (10/186)].
            - وظهر في كلماتهم التحزّب دون سائر المسلمين، مثل قولهم: ( طريقتنا )، و( مذهبنا )، و( علمنا ) ...الخ.
            ظهور مصطلح التصوّف:
            أوّل ما ظهر مصطلح التصوّف بالكوفة؛ وذلك بسبب قربها من بلاد فارس، ومن أجل التأثّر بالفلسفة اليونانيّة بعد عصر التّرجمة، وبسلوك الرّهبان من أهل الكتاب، ثمّ شاع التصوّف بعد ذلك بالبصرة، ثمّ إلى غيرها من البلدان.
            واختلفوا في أوّل من لُقِّب بالصّوفي:
            - فذكر ابن النّديم في " الفهرست "(ص 499) أنّ أوّل من لُقِّب به هو: جابر بن حيّان (ت: 199 هـ، وقيل: 208)، الخراسانيّ الأصل، وعاش بالكوفة. وقد تنازعه كلّ من الفلاسفة، والأطبّاء والشّيعة وجعلوه من أقرب أصحاب جعفر الصّادق، وغيرهم.
            - وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه إلى أنّ أوّل من عُرف بالصّوفي هو أبو هاشم الكوفيالشّيعيّ ( ت150هـ أو 162هـ) ، وكان معاصراً لجعفر الصّادق، ويسمّيه الشّيعة مخترع الصّوفية.
            - وذهب بعض الباحثين كالمستشرق الفرنسي "ماسينيون" والباحث الإيراني الشيعي الدكتور قاسم غنيّ, وغيرهم , أنّ أوّل من لُقّب بالصّوفي هو عبد الكريم الكوفيّ المعروف بـ" عبدك الصّوفي " (ت:210)، وأنّه كان على رأس طائفة شيعيّة تسمّي نفسها صوفية تأسّست بالكوفة.
            وعلى كلّ حال، فإنّ هناك قواسم مشتركة بين هؤلاء الثّلاثة:
            فقد اجتمعوا على التشيّع، ممّا يدلّ دلالة واضحة على علاقة التشيّع بالتصوّف، وسيأتي تفصيله في فصل خاصّ.
            وقد اجتمعوا في نسبة الأسبقيّة إلى التلقّب بالصّوفي!
            كما اجتمعوا على أنّهم كانوا ثلاثتهم بالكوفة ! وما أقربها من فارس !
            وممّا يجمعهم: أنّهم ثلاثتهم اتّهموابالزّندقة، والمجون!
            قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في " مجموع الفتاوى " (10/358)-:
            " صار في ولاة الأمور كثيرٌ من الأعاجم، وخرج كثير من الأمر عن ولاية العرب، وعُرِّبت بعضُ الكتب العجمية من كتب الفرس والهند والرّوم ... وحدث ثلاثة أشياء: الرّأي، والكلام، والتصوّف ... فكان جمهور الرّأي من الكوفة ... وكان جمهور الكلام والتصوّف في البصرة ..."اهـ
            - وممّا يدلّ على أنّ مصطلح ( التصوّف ) و( الصّوفيّة ) قد عُرف تلك الأيّام: قولُ الشّافعيّ فيهم:" لو أنّ رجلاً تصوّف أوّل النّهار لا يأتي الظّهر حتّى يكون أحمق "، وقوله:" ما لزم أحد الصّوفية أربعين يوماً فعاد إليه عقله أبداً " [" تلبيس إبليس " (ص 327)].
            ظهور أوّل طقوس الصّوفية:
            كان من تلاميذ عبد الواحد بن زيد الّذي سبق ذكره -: أحمد بن علي الهجيميّ (200 هـ) الّذي بنى دُوَيْرَةً للصّوفية، قال ابن تيمية رحمه الله:
            " وهي أوّل ما بُنِي في الإسلام، وكان عبد الرحمن بن مهدي وغيره يسمّونهم: " الفقرية "، وكانوا يجتمعون في دويرة لهم. وصار لهؤلاء من الكلام المحدث طريقٌ يتديّنون به، مع تمسّكهم بغالب الدّين ... وصار لهؤلاء حالٌ من السّماع والصّوت، حتّى إنّ أحدهم يموت أو يغشى عليه ..."اهـ [" مجموع الفتاوى " (10/359)].
            وقال رحمه الله في " الاستقامة " (1/297):" وهذا حدث في أواخر المائة الثانية، وكان أهله من خيار الصّوفية ".
            ويقول رحمه اللهكما في " مجموع الفتاوى " (11/534)-:" وهذه القصائد الملحنة، والاجتماع عليها، لم يحضرها أكابر الشّيوخ، كالفضيل بن عياض، وإبراهيم بن أدهم، والكرخي, وقد حضرها طائفة منهم ثمّ تابوا، وكان الجنيد لا يحضره في آخر عمره "اهـ.
            - ويدلّ على أنّ أمر هؤلاء قد شاع وذاع، كلام الإمام الشّافعي رحمه الله فيهم: فإنّه عندما دخل مصر عام (199 هـ) قال:" خلفت بالعراق شيئا أحدثته الزنادقة يسمونه التغييروفي رواية: السّماع - يشغلون به الناس عن القرآن " [" تلبيس إبليس " (216)].
            والمقصود بالسّماع: الغناء والمواويل الّتي ينشدها الصّوفيّة.
            وتأمّل تسمية الشّافعيّ لهم بالزّنادقة، وقول السّلف:" من عبد الله بالحبّ وحده فهو زنديق " [" مجموع الفتاوى " (10/81)].
            كما يدلّ كلام الشّافعيّ على موقف الأئمّة الأعلام من أوائل الصّوفيّة، وأنّهم كانوا لهم بالمرصاد.
            ومن أشهر من ردّ عليهم أيضا مع مطلع القرن الثّالث: الإمام أحمد رحمه الله، وكان يحذّر بشدّة من كلام الحارث المحاسبي، ويأمر بهجر مجالسه.
            ومشى أهل العلم من أتباع السّلف على هذا التّحذير والتّنفير، وقد سئل الإمام أبو زرعة عن كتب المتصوّفة وقيل له: إنّ فيها عبرة ! فقال رحمه الله:" من لم يكن له في كتاب الله عزّ وجلّ عبرة، فليس له في هذه الكتب عبرة ".
            مسيرة الانحطاط:
            - ثمّ مع مطلع القرن الثّالث بدأ التصوّف يظهر مذهبا ومشربا, له مصطلحاته, وكتبه, وقصائده, وتعاليمه، وضوابطه, وأصوله، وقواعده, وفلسفته, ورجاله، وأصحابه، وتشعّبت مع الأيّام واللّيالي والأعوام طرقه.
            وقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله مسيرة هذا الانحطاط في " تلبيس إبليس " ونلخّصه فيما يلي:
            ثم مازال الأمر ينمى، والأشياخ يضعون لهم أوضاعا، وصاروا يرون أنّ ما هم فيه هو أوفى العلوم، حتّى سَمّوه العلم الباطن ! وجعلوا علم الشّريعة العلم الظاهر.
            - ومنهم من خرج به الجوع إلى الخيالات الفاسدة فادّعى عشق الحقّ والهيمان فيه، فكأنّهم تخايلوا شخصا مستحسن الصّورة فهاموا به ! وهؤلاء بين الكفر والبدعة.
            - ثمّ تشعّبت بأقوام منهم الطّرق، ففسدت عقائدهم: فمن هؤلاء من قال بالحلول، ومنهم من قال بالاتّحاد.
            - وجاء أبو عبد الرحمن السّلمي، فصنّف لهم كتاب " السنن "، فذكر عنهم فيه العجب في تفسيرهم القرآن ! والعجب من ورعهم في الطّعام وانبساطهم في القرآن !
            - وصنّف لهم أبو نصر السرّاج كتابا سمّاه " لمع الصّوفية "، ذكر فيه جملة من الاعتقاد القبيح والكلام المرذول.
            - وصنّف لهم أبو طالب المكّي " قوت القلوب "، فذكر فيه الأحاديث الباطلة والاعتقاد الفاسد وأشياء منكرة مستبشعة في الصفات.
            - وجاء أبو نعيم الأصبهاني، فصنّف لهم كتاب " الحلية "، وذكر في حدود التصوف أشياء منكرة قبيحة ولم يستح أن يذكر في الصوفية أبابكر وعمر وعثمان وعلياً وسادات الصحابة رضي الله عنهم ...
            - وصنّف لهم عبد الكريم بن هوازن القشيري كتاب " الرّسالة "، فذكر فيها العجائب من الكلام في الفناء والبقاء, والقبض, والبسط, والوقت, والحال, والوجد والوجود, والجمع والتّفرقة, والصّحو والسّكر, والذّوق والشّرب, والمحو والإثبات, والتجلي والمحاضرة والمكاشفة, واللوائح والطوالع واللوامع, والتكوين والتمكين، والشّريعة والحقيقة، إلى غير ذلك من التخليط الذي ليس بشيء، وتفسيره أعجب منه.
            - وجاء محمّد بن طاهر المقدسيّ، فصنف لهم " صفوة التصوّف "، فذكر فيه أشياء يستحي العاقل من ذكرها.
            - وجاء أبو حامد الغزالي، فصنّف لهم كتاب " الإحياء " على طريقة القوم، وملأه بالأحاديث الباطلة وهو لا يعلم بطلانها، وتكلم في علم المكاشفة وخرج عن قانون الفقه.
            وسنقف مع بعض مذاهبهم، ونطّلع على عقائدهم، ومصادر فقههم في الحلقات القابلة إن شاء الله تعالى.


            التعديل الأخير تم بواسطة أحلام أم البراء; الساعة 24-09-2014, 01:50 AM.

            تعليق


            • #7
              رد: حقائق عن الصّوفيّة (3) نشأة التصوّف وتطوّره - أبو جابر عبد الحليم توميات



              جزاك الله خيرا أخي

              على هاذه الافادة

              أسأل الله أن يبارك فيك

              متابعين معاك ان شاء الله


              تعليق


              • #8
                رد: حقائق عن الصّوفيّة (3) نشأة التصوّف وتطوّره - أبو جابر عبد الحليم توميات



                ،،،،،،


                جزاكم الله خير الجزاء

                بارك الله فيكم

                وزادكم الله من فضله ومنه وكرمه

                اللهم تقبل و اجعل كل حرف نكتبه في هذا المنتدى المبارك حجة لنا لا علينا


                مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية


                تعليق


                • #9
                  نبذة عن تاريخ الطّرق الصّوفية في الجزائر (1) - أبو جابر عبد الحليم توميات

                  الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعدفهذا مقالٌ مقتضبٌ أحاول أن أتناول فيه تاريخَ دخولِ بدعةِ التّصوّف إلى بلادنا، وأن أُعَرِّف بالطّرق الصّوفية الّتي انتشرت في الجزائر أثناء عصور الانحطاط، وقد قسّمتُ هذا المقالَ إلى مرحلتين تاريخيّتين: البدايات الأولى للتصوّف في الجزائر، ثمّ مرحلة التصوّف الشّعبي، وهي المرحلة الّتي ظهرت فيها الطّرق الصّوفية.

                  المطلب الأول: بدايات التصوّف في الجزائر. أوّلا: عصر الفاطميّين (296-567)
                  لقد كان أوّل ما عرفت الجزائر بدعةَ التصوّف في عصر بنِي عُبَيد، الّذين ادَّعَوْا النّسبَ الفاطميّ، حيثُ كانوا يفسّرون الإسلام ونصوصَه وتعاليمَه تفسيراً باطنيّا يلتقي مع بدعة التصوّف المأخوذة من الفكر اليونانِيّ لفظا ومعنى؛ فإنّ كلمة "الصّوفية" مشتقّة من كلمة (سوفيا) اليونانيّة الّتي تعني الحكمة - كما قاله البيروني -، ويؤكّده مضمونُ التّصوّف المختلط بالفلسفة، والمتفِّق معها في غايتها.
                  قال الجرجاني:" الفلسفة: التشبّه بالإله بحسب الطّاقة البشريّة، لتحصيل السّعادة الأبديّة "، وقال الكاشاني:" التصوّف: هو التخلّقبالأخلاق الإلهيّة ". ولذلك قال ابن عربي:" ومِن شُروطِ المنعوتِ بالتصوّف: أن يكون حكيما ذا حكمة، وإن لم يكن فلا حظّ له من هذا اللّقب ".
                  وقد بيّن ابن خلدون في مقدّمته أنّ الصوفية كانوا مخالطين للإسماعلية الباطنيّة " فأُشرِب كلّ واحدٍ من الفريقين مذهبَ الآخرِ، واختلطَ كلامهم وتشابهت عقائدهم ".
                  وفي تأكيد هذه الحقيقة التّاريخية يقول الشّيخ أبو يعلى الزّواوي في كتابه " الإسلام الصّحيح " (156- طبعة دار الحبر):
                  " إنّ الدّولة الفاطميّة الباطنيّة قد سَمّمت الأمّةَ الإسلاميّة بمعتقداتها، ومخترعاتها، وكفريّاتها، وادّعاءِ علمِ الغيب والعلمِ الباطنيّ ".
                  ويؤكّدها أيضا الشّيخ مبارك الميلي في "تاريخ الجزائر" (ص 720) لكن مع بيان موقف العلماء المسلمين من فكرهم وعقائدهم، فقال رحمه الله:" وقد عرفتْ الجزائرُ التصوّفَ زمنَ بني عُبيد، لكنّ العلماءَ أنكروا عليهم، وكفّروهم، حتّى قال محمّد بن عمّار الكلاعي الميورقي يوصي ابنَه في قصيدة:
                  وطاعةَ من إليه الأمرُ فالزمْ *** وإن جاروا وكانوا مسلمينافإن كفروا ككفر بني عبيد *** فلا تسكن ديارَ الكافرينا "
                  ثانيا: عصر المرابطين (480-541)
                  واستمرّ رفضُ العلماء المالكيّة وغيرهم للعقائدِ الصوفيّة بعد زوال دولة بني عبيد عن المغرب العربيّ، وظهر هذا الرّفضُ جليّا بما اشتهر من فتاوى المالكيّة بإحراق كتب الغزالِيّ لمّا دخلت المغربَ، وعلى رأسها "إحياء علوم الدّين"، وأمر ابن تاشفين بذلك.
                  والعلماء إنّما أنكروا هذه الكتبَ لا لما تضمّنتْه من مواعظَ ورقائقَ، ولكنْ لمِا تضمّنته من تعاليم التصوّف الفلسفيّ المضادّ لشريعة الإسلام، ولذلك قيل: إنّ الغزالي أمرضه "الشّفاء" لابن سينا.
                  على أنّ رفضَ العلماء لإحياء الغزالي لم يكُن قاصراً على المالكيّة المغاربة، بل شمل علماءَ المشرق من شافعيّة وغيرهم؛ فقد أنكروا على الغزالي ما في كتبه من فلسفة وتصوّف غالٍ، وقد أشار إلى ذلك الغزالي نفسُه في مقدّمة كتابه "منهاج العابدين" (ص:56)، لكنّ الغزاليّ (الّذي دخل في بطن الفلاسفة، ثمّ أراد أن يخرج منهم فما قدر) - كما قال ابن العربي - أرجعَ سببَ قدح القادحين إلى أنّ الإحياء احتوى دقائقَ اعتاصت على أفهامهم.
                  ثالثا: عصر الموحِّدين (515-668)
                  " وبقي الأمرُ على ذلك، حتّى جاءت دولةُ الموحِّدين الّتي نشرت كتب الغزاليّ " كما قال الشّيخُ مباركٌ الميليّ رحمه الله، ونشرُ الموحِّدين لكتبِ الغزالِيّ أمرٌ مشهورُ في التّاريخ، على أنّه لم يكن مقتصرا على كتب السّلوك، بل شمل نشرَ كتبِ أصولِ الفقه، وأصول الدّين؛ لأنّ ابنَ تومرت كان قد تتلمذ على الغزاليّ وتأثّر به.
                  ويؤكّد الشّيخ الميليّ رحمه الله على دورِ الدّولة الموحّدية في نشر بدعةِ التّصوف فيقول:" فلم يكن يومئذٍ بالمغرب شأنٌ للصّوفية إلى أن جاءت الدّولة المؤمنية، ونشرت المعارفَ ونصرت الفلسفة ، فظهر من الصّوفية رجالٌ ذوو علم طار صِيتُهم في الآفاق ".
                  ويقول الشّيخ أبو يعلى الزّواوي في "الإسلام الصّحيح" (ص:161):" فإذا تأمّلْتَ أيّها الواقف في استمرار الدّولتين المخزيتين العُبيديّة والموحِّدية قروناً كثيرةً - كما تقدّم - زال عنك التعجّب، وظهر لك سببُ الضّلال، وسببُ شغف النّاس بالأولياء الأموات، والأقطاب، والأغواث، والأبدال، والمجاذيب، وسائر المتصرّفين في الغيب على اعتقادهم الغيب والباطن، وأنّ جميع ما يقع في الكون بتصرّفهم وقضائهم ".
                  أعلام التصوّف في المرحلة الموحّدية.
                  ذكر الشيخ الميلي في كلمته الّتي نقلناها أنّه ظهر من الصّوفية في عهد الموحِّدين رجالٌ ذوو علم طار صيتهم في الآفاق، ولذلك عُرِف التّصوّف في أوّل مراحله بأنّه تصوّف علميّ، لا يصل إلى فهمه إلاّ من له باع في الفلسفة، فبقي تصوّفاً علميّا، أو تصوّفا خاصا بالنّخبة كما يعبَّر عنه في الاصطلاح المعاصر، ومن هؤلاء المشاهير الّذين عرفتهم الجزائر:
                  1-أبو مدين شعيب الأندلسيّ: دفين تلمسان المتوفَّى سنة (591 هـ/1194م):
                  قرأ على ابن حرزهم وغيره، وأخذ التصوّفَ عن أبي يعزى يلنور بن ميمون (ت:572) (وهو من المغرب الأقصى)، ويقال: إنّه لقِيَ في عرفة الشّيخَ عبدَ القادر الجيلانيّ، وكان قد استوطن بجاية ودرس فيها رسالة القشيريّ وغيرها، ولما كثُر أتباعُه وذاع صيتُه، استقدمه يعقوبُ بن يوسف المنصور الموحّدي(ت:595) إلى مراكش، فلمّا بلغ تلمسان توفِّي بها.
                  2- عبد السّلام بن مشيش(ت 625 هـ/1228 م):
                  وهو عبد السّلام بن سليمان المعروف بمشيش، أخذ طريقَ التصوّف عن أبي مدين شعيب، وعبد الرّحمن بن حسن العطّار الشّهير بالزيّات، ومن آثارها: دعاء المشيشية، مات مقتولا في شمال المغرب الأقصى.
                  3- أبو الحسن الشّاذلي (ت:655 هـ/1258 م):
                  وهو عليّ بن عبد الله المغربيّ الأصل،نُسِب إلى شاذلة - وهي قرية بتونس - لإقامته بها. أخذ التصوّف عن ابن مشيش في المغرب، وأقام مدّةً في تونس، ثمّ انتقل إلى الإسكندريّة بمصر حيث نشر مذهبَه.
                  وصار له أتباعٌ عُرِفوا بالدّراويش وبالفقراء - والدّرويش: كلمة فارسيّة معناها القانع والفقير -، وله أحزابٌ تتلى منها: حزب البحر، وتوُفِّي بأرض الحجاز، وإليه تنسب الطريقة الشّاذلية، وسيأتي الحديثُ عنها وعن طوائفها الكثيرة في الجزائر.
                  4- محيي الدّين بنُ عربيّ الأندلسي (ت:633 هـ/1240 م):
                  وُلِد في مرسية بالأندلس، ودرس بإشبيلية الفلسفةَ، وقد كان ظاهريَّ المذهب في العبادات، باطنِيّ النّظر في الاعتقادات، ويستعمل في كلامِه عباراتٍ غامضةً، وأحياناً يستعمل عباراتٍ صريحةً في الكفر، والقولَ بالاتّحاد، كقوله:" التّثليث أساس الوجود، ومع أنّ الله في اعتقادِنا فردٌ، فأوّل عدد فرديّ ثلاثة لا واحد ".
                  زعم أن الولاية أعلى رتبةً من النبوّة، وأنّه خاتم الأولياء. وأتباعُه يلقّبونه بالشيخ الأكبر. رحل إلى المشرق، وأقام في بجاية مدّة، واستقرّ في دمشق، وتوفِّي بها.
                  5- عبد الحقّ بن سبعين (ت:669 هـ/ 1269 م):
                  فيلسوف أندلسيّ، أخذ التصوّف عن أبي إسحاق إبراهيم بن يوسف بن محمّد بن الدهّاق، وانتقل إلى سبتة، ثم طُرد منها، فسكن بجايةَ مدّةً، وأقرأ بها، ثمّ لَحِق بالمشرق، وبقي بمكّة إلى وفاته. ومن كلامه:" شعيبُ عبدُ عملٍ، ونحن عبيدُ حضرة ". وهو من القائلين بوحدة الوجود.
                  من أعلام التصوّف العمليّ (الزّهد) بعد الموحّدين.
                  وبعد عصر الموحِّدين، لا شكّ أنّ هذا الفكرَ الغالِيَ والمنحرفَ قد وجد من يتبنّاه، كما وجد إلى جانب ذلك من عُرِف بالزّهد، أو ما يسمّى عند البعض بالتصوّف السنّي، أو التصوّف العملي لا الفلسفي.
                  وتبنّى هذا الاتّجاهَ جمهرةٌ من الفقهاء العلماء البعِيدِين كُلَّ البُعْد عن الفلسفة وزنادقتها، كما نجد ذلك في كتب تراجم المغاربة عموما؛ فإنّهم كانوا مائلين إلى الزّهد في الدّنيا مع صلاحٍ ظاهرٍ وورع تامّ، دون إيغالٍ في التعبّد، والترهّب، أو وولوج في باب الشّركيات.
                  ومن أعلام هذا الاتّجاه: الشّيخ الفقيه الزّاهد أبو زيد عبد الرّحمن بن محمّد الثّعالبي875 هـ/1471 م):
                  وُلد في مدينة يسر، وطلب العلمَ في بلده، ثمّ في بجاية، فلقي بها أكابِرَ أهل العلم في زمانه، ولم يقنع فرحل إلى تونس، ثمّ مصر، ثمّ تركيا، ثمّ الحجاز، وقفل راجعا إلى وطنه بعد رحلة طويلة في طلب العلم.
                  واستقر بالجزائر العاصمة، حيث عكف على نشر العلم تدريسا وتأليفا، فتخرّج على يديه كثير من العلماء، من أشهرهم: محمّد بن يوسف السّنوسي، ومحمّد المغيلي التلمساني، ومحمّد بن مرزوق الكفيف، وأحمد الزّروق، وأحمد بن عبد الله الزّواوي.
                  وإلى عصر هذا الشّيخ الّذي اشتهر بالزّهد، وكثرت مؤلّفاته في الوعظ والرّقائق، لم تنتشر الطّرق الصوفية، وإنّما انتشرت هذه الطّرق في عصر تلاميذه، أي: في القرن العاشر الهجريّ.
                  المطلب الثاني: ظهور الطرق الصوفية أو التصوف الشعبي.
                  ابتداءً من القرن العاشر الهجريّ، بدأ يظهر ما يُسمّى بالطّرق الصوفيّة، الّذي قام على مبدأ تحزيب الأتباع، وإعطاءِهم العهودَ والمواثيقَ للشّيوخ، حتى يلتزموا بطاعة الله وطاعة الشّيخ.
                  وقد رتّب من أسّس هذه الأحزاب ترتيباً يتدرّج فيه المسلم الّذي يريد الوصولَ إلى درجة الإحسان في العبادة وإلى ما هو أعلى منها ! وهو ترتيبٌ ما أنزل الله به من سلطان؛ فمن حضر وهو يريد الدّخولَ إلى طريقة الشّيخ يسمّى تلميذا، فإذا دخل وكان في أوّل الطّريق يسمّى مريدا، فإذا طال به العهد واختاره الله لحبّه صار فقيرا، فإن تقدّم به الحال إلى ما يسمّى بالمكاشفات فهو السّالك، وإن وصل إلى مرحلة الفناء وفقدان الوعي والانجذاب إلى الله تعالى فهو المجذوب.
                  وجعل كلّ شيخ يزعم أنّ له طريقا موصِلاً إلى الله تعالى لأتباعه أورادا وأذكارا يلتزمونها، ويتميّزون بها عن أهل الطّريقة الأخرى، وربّما جعل بعضَهم لأتباعه هيئةً معيّنةً في اللّباس، والعِمامة، والسُّبحة، ونحو ذلك.
                  وتعميمُ هذا الفكر على عامّة النّاس شجّعَ كثيرا من الدّجاجلة ومُدّعِي الزّهد والعبادة على الانتساب للتصوّف، فأصبحوا يؤسّسون لأنفسهم أو لشيوخٍ معروفين بالزهد قد ماتوا طرقا صوفيّة يكتسبون بها الأتباع والأرزاق؛ لأنّ أمر الطّرق لم يعُدْ قاصراً على اتّباعِ منهجٍ معيّنٍ في الذّكر مع معاهدة الشّيخ على لزوم الاستقامة؛ بل ترقّى إلى تقديم القرابين، وخدمة الشّيخ وأولاده مقابلَ إعطائِه الضّمانَ للمريدِ (أو ما يشبه صكوكَ الغفران).
                  وتعدّى الأمر إلى الدّعاية إلى عبادة القبور من أجل كسب الأرزاق وجمع الزّكوات. وكثيرٌ من هؤلاء الدّجاجلة قد عادوا في تصوّفهم إلى التصوّف الفلسفي الأصيل المبنيّ على إنكار الشّريعة، ودعوى الحلول والاتّحاد.
                  وفي وصف هذه الحال يقول الشّيخ عبد الرّحمن الأخضري (ت:983 هـ/1575 م):
                  آهٍ على طريقة الكمـال *** أفسدها طوائف الضّلالآهٍ على طريق أهـل الله *** آهٍ على طريق حزب اللهطريقة أفسدها أهل البدع *** فتُرِكت مهجورة، لا تُتّبعطريقة أفسـدها الفجّارُ *** فكثُروا، وانتشروا، وثارواوظهـرت في جملة البلاد *** طائفـة البلـع والازدراد
                  ووافقه على هذا الوصف الأخير شيخٌ مكّي، اسمه شهاب الدّين المرشدي، فقال فيما نقل عنه الميليّ:
                  صوفيّة العصر والأوان *** صوفيّة العصر والأواني
                  وسئل أحدُ شيوخ القادرية في طرابلس الشّام عن كثرة الطّرق وتعدّد شيوخها ؟ فقال:" تغييرُ شكل، لأجل الأكل ".
                  [يتبع]
                  التعديل الأخير تم بواسطة امة الرحمن/فاطمة; الساعة 26-01-2012, 05:58 PM.

                  تعليق


                  • #10
                    نبذة عن تاريخ الطّرق الصّوفية في الجزائر (2) - أبو جابر عبد الحليم توميات

                    هذا بيان لهذه الطّرق مع جهد يسير في ترتيبها، والتّعريف بها، وقد اعتمدت في ذلك على "تاريخ الجزائر الثّقافي" لأبي القاسم سعد الله، إضافةً إلى بعض المواقع الإلكترونية الخاصّة بهذه الطّرق، وقد أخّرْت الطّريقة الشّاذلية لكثرةِ فروعِها، وانقسامِها على نفسها.

                    1- الطّريقة القادريّة.
                    تُنسَب هذه الطّريق إلى الشّيخ عبد القادر الجيلالي (ت:561 هـ): الفقيه البغدادي الزّاهد المعروف، صاحب "الغُنية" وغيرِها، وقد كان لهذه الطّريقة الّتي ظهرت في المشرِقِ عدّة فروع تتّصل بالزّاوية الأمّ ببغداد.
                    وكان للطّريقة القادريّة في الجزائر عدّة زوايا في زمّورة، والشّلف، وتيارت، والوادي، وورقلة، والأوراس، وكنتة. وقد أبلغها الدّكتور سعد الله في كتابه "تاريخ الجزائر الثّقافي" إلى 33 زاويةً في نهاية القرن التّاسع عشر، ينتمي إليها 25 ألف مريد.
                    ولهذه الطّريقة وِرْدٌ تتميّز به، منه ما يتعلّق بالذكر بعد الصّلوات، ومنه وِرْدٌ يوميّ. ويلاحظ أنّ هذه الأوراد في أصلها مشروعة، لكنْ اعترتْها البدعيّة من ناحية التّخصيص بالأوقات والتّحديد بالأعداد، كقول "لا إله إلاّ الله" 500 مرّة في اليوم، والصّلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم 121 مرّة في اليوم، والاستغفار بعد الصّلاة 100 مرّة، مع أنّ المأثورَ عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم هو الاستغفار ثلاثاً.
                    وهنا ملاحظة حول جهاد الأمير عبد القادر: فإنّه لا علاقة له بالانتماء للقادريّة، لأنّه قد ساندَه فيه الرّحمانيّون والدّرقاويون، في حين أنّنا نجد من رموز القادريّة من لم يحارِبْ فرنسا، بل حارَبَ معها، كمقدَّم زاوية ورقلة الّذي قُتِل وهو يحارب مع الفرنسيّين إخوانَه الجزائريّين سنة 1895 !
                    ولقد ظلّت فرنسا راضيةً عن هذه الطّريقة وزواياها بعد ذلك؛ حتّى التحق شيخُها في وادي سوف الشّيخ عبدُ العزيز بن الهاشمي برَكْبِ الحركة الإصلاحيّة، وتبرّأ من بِدعِ وخرافاتِ وضلالاتِ الطّرقيّة، وحوّل زاويتَه إلى معهدٍ لتعليم الإسلام واللّغة العربيّة، فقلبت له فرنسا ظهر المجنّ، وأغلقت زاويتَه، ورمت به في غياهب السّجون؛ ذلك أنّها كانت تشجِّع زوايا الدَّجَل والدّروشة، وترى في زوايا العلم والمعرفة خطراً على وجودِها، ومناهضةً لسياسة التّجهيل والتّغريب الّتي كانت تنتهجها.
                    ومن فروع القادريّة الّتي كان لها وجود في الجزائر:
                    أ) العمارية.
                    نسبةً إلى الوليّ الصّالح عمّار بوسنّة (كان في القرن الثّاني عشر في ضواحي عنّابة)، ومؤسِّسُها هو مبارك بن يوسف المغربيّ، وهو عميلٌ من عملاء فرنسا، سمّى نفسه خديم سيدي عمّار، وطريقته: الطّريقة العمّاريّة؛ وقد أسّس هذه الطّريقةَ بتشجيعٍ من فرنسا الّتي بَنَتْ زاويةً قُرب "قالمة"؛ لتنطلق منها دعوتُه.
                    كما ساعدته بالدّعاية لطريقته بإقامة الحفلات في المدن وفي المقاهي، وعن طريق تكوين فِرق بهلوانيّة متجوّلة تنتقل في الأرياف.
                    وفي سنة 1882 تمكّن من وضع ذكرِ طريقتِه المستقِلّ عن الذّكر القادريّ، بإعانةِ شيخٍ قادريٍّ تونسيٍّ عميلٍ أيضا، وذِكْرُه هذا يتميّز باختلافه حَسَب أيّام الأسبوع؛ إذ منه:" لا حول ولا قوّة إلاّ بالله " يوم الأحد ، و" لا إله إلاّ الله " يوم الإثنين، وهكذا.
                    وقد بلغت الزّوايا التّابعة له 26 زاويةً، كانت تستقطب 7 آلاف مريد إلى نهاية القرن التّاسع عشر الميلادي.
                    ب) البوعليّة.
                    نسبةً إلى البوعلي (ت:610 هـ) من "نفطة" في تونس، وكان لها أتباعٌ في العهد الفرنسيّ في الشّرق الجزائريّ، وزاويةٌ لها مقدَّم في خنشلة، وحسَب بعضِ المؤرّخين الفرنسيّين فإنّها كانت تعتمد على الرّقص والشّعوذة، مثل طريقة العيساوة.
                    ج) البكائية.
                    وهي من الطّرق الّتي تفرّعت عن الطّريقة القادريّة، ومؤسّسُها: أحمد البّكاي الكُنْتِي في منطقة كنتة بتوات (في نهاية القرن الخامس عشر)، وكان لولده عمر (ت:960 هـ/1553 م) دورٌ في نشر القادريّة في غرب إفريقيا.
                    2- الطّريقة الرّحمانيّة.
                    مؤسِّس هذه الطّريقة هو محمّد بن عبد الرّحمن الأزهري (ت:1208 هـ/1793 م).
                    كان قد جلب الطّريقة الخلوتية من المشرق وطوّرها فنُسِبَتْ إليه، وذلك في سنة (1188 هـ/1774 م)، وكان لهذه الطّريقة 220 زاويةً تضُمُّ ما بين 130 إلى 160 ألف مريدٍ قبلَ نهاية القرن التّاسع عشر، ولذلك كانت تُعتَبَرُ من أوسع الطّرق انتشاراً في الجزائر أثناء الحقبة الاستعماريّة، وقد تراجع ذلك النفوذ كثيرا بفضل الدّعوة الإصلاحيّة المباركة الّتي نشرتها جمعيّةُ العلماءِ المسلمين.
                    وشيخُها المعروف بصاحب القبرين، أحدهما: في موطنه ومقرِّ زاويتِه ببني إسماعيل دائرة بوغني ببلاد القبائل. والثّاني: في مقبرة سيدي امحمد بالعاصمة.
                    ولزاويته فروعٌ في الشّرق والجنوب، من أشهرها: زاوية "الهامل" ببو سعادة، الّتي تحمل لواءَ الطّريقة في هذه الأيّام، ومنها زاوية الحملاوي وباشتارزي في قسنطينة، وخنقة سيدي ناجي ببسكرة.
                    3-الطّريقة التّجانية.
                    تنتسب إلى مؤسِّسها: أحمد بن محمّد التّجاني (ت:1230 هـ/1814 م)، وهو من مواليد عين ماضي بالأغواط عام (1150 هـ/1737 م).
                    ارتحل إلى فاس، وتلمسان، وتونس، والقاهرة، ومكّة، والمدينة، وبغداد، وأخذ الطّريقة القادريّة والطيبية والرحمانية والناصرية والمدنيّة والخلوتية.
                    وفي عام 1196 م قرّر إنشاءَ طريقةٍ خاصّة به، وكان يومَها بفاس المغربيّة، ثمّ اتّخذ عينَ ماضي مقرّاً للخلافة العامّة للطّريقة، الّتي صار لها أتباعٌ في وسطِ وغرب إفريقيا. وقد أحصى لها الفرنسيّون في الجزائر نهايةَ القرن التّاسع عشر 32 زاوية و25 ألف مريد.
                    وتتميّز هذه الطّريقةُ بصلاة "الفاتح" التي يزعُم التّيجاني أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم علّمه إيّاها في المنام، وأنّها من كلام الله تعالى، وقراءتُها خيرٌ من قراءة القرآن ! وأنّ من داوم على قراءتها دخل الجنّة بغير حساب ! ولأجل هذا أفتى الشّيخ ابنُ باديس رحمه الله تعالى بكفر من انتمى إليها، بناءً على هذه العقائد الباطلة.
                    4- السّنوسية الطكّوكية.
                    الطّريقة السّنوسية تُنسَب إلى محمّد بن عليّ السّنوسي المستغانمي (ت:1859 م) الّذي أخذ مجموعةً من الطّرق في الجزائر، والمغرب، ومنها الشّاذلية، ثمّ استقرّ في ليبيا، وأسّس عام 1843 م هذه الطّريقةَ الّتي تُنسَب إليه، وشرع في الدّعوة إليها من هناك.
                    أسّس في حياته 22 زاويةً، منها: زاوية جغبوب الّتي توفِّي بها، وهي طريقةٌ صوفيّة لا تختلف عن بقيّة الطّرق بأذكارها المبتدَعة، وحضرتِها المستقبَحة.
                    وبعضُ النّاس يبالغ في الثّناء عليها، وربّما وصفها بالسّلفية لاعتمادِ صاحبها على رواية الحديث النّبويّ، وخروجِه في بعض المسائل الفقهيّة عن اختيارات خليل صاحب "المختصر"، وكذلك بناءً على مواقفِ أتباعِها تُجَاه الاستعمار الأوروبيّ، وذلك لا يُخرجها عن حقيقتِها الصّوفية في السّلوك والاعتقاد.
                    وقد اتّبعت هذه الطّريقة سياسةً حاولت من خلالها استيعابَ مريدي الطّرق الأخرى؛ فأباحت تعدُّد المشايخ والانتماء؛ ولذلك كثر أتباعُها في إفريقيا وآسيا، وليس لها في الجزائر إلاّ زاويةٌ واحدة سمحت فرنسا بتأسيسها (عام 1859)، وببقائها، وهي: زواية ابن طكوك في مستغانم.
                    5- الشّاذلية.
                    تنسب هذه الطّريقة إلى أبي الحسن الشّاذلي الّذي سبق أن تحدّثنا عنه، وقد عرفنا شيخَه وسنَدَه، فقد كان ينتسِب إلى ابن مشيش، لكن سرعان ما استقلّ عنه، وأصبح يستمدّ من عالَم الرّوحانيات مباشرةً.
                    وقد انتشرت طريقتُه عن طريق خليفته أبي العبّاس أحمد المرسي (ت:686 هـ) الّذي كان يقول عن نفسه:" والله لو حُجب عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرفةَ عينٍ ما عددت نفسي من المسلمين "! ثمّ عن طريق تلميذِ هذا الأخير: ابنِ عطاء الله السّكندريّ (ت:709 هـ).
                    ومن خصائص هذه الطّريقة في الذّكر اليوميّ في الصّباح والمساء: الاستغفار 100 مرّة، والصّلاة على الرّسول صلّى الله عليه وسلّم100مرّة، وتكرار الشّهادة 100 مرّة، وحضور الحضرة مرّة في الأسبوع على الأقلّ، وزيارة المقدَّم والحديث إليه مرّة في الشهر على الأقلّ. كما أن للشّاذلي أورادا وأحزابا تُنسَب إليه يتلوها أتباعه، ويتقرّبون بها إلى الله عزّ وجلّ.
                    ولهذه الطّريق أكثرُ من عشرين فرعاً مُنشقًّا عنها، الّذي وُجِد منها في الجزائر: الزّروقية، واليوسفيّة، والعيساويّة، والكرزازيّة، والشيخيّة، والنّاصريّة، والطيبيّة، والزيانيّة، والحنصاليّة، والحبيبيّة، والمدنيّة، والدّرقاويّة، إضافة إلى السّنوسية التي تُعتبر مستقِلّة عنها تماما.
                    أ)الزروقية.
                    تنسب إلى الشّيخ أحمد الزروق الفاسي (ت:899 هـ/1494 م).
                    وهو فقيه أقام في الجزائر، وبجاية، وقسنطينة، قبل أن ينتقل إلى مصراته بليبيا، حيث كانت وفاتُه، وهو لم يؤسِّسْ طريقةً، وإنّما ترك أفكارا ومؤلّفاتٍ في آداب المريد، ثمّ أسّس أتباعه هذه الطّريقة ونسبوها إلى شيخهم، كما نسبوا إليه أشعارا إن لم تكن شركا فليس في الدّنيا شرك، ومن تلك الأشعار المشار إليها ما جاء في "البستان" لابن مريم (ص:48-49) أنّه قال:
                    وأُلْهِمْتُ أسراراوأُعطيتُ حـكمـةً *** وحُزت مقامات العُلـى المستنيـرة
                    وإن كنتَ في هـمّ، وضيقٍ وكربـةٍ *** وقلبٍ كسيـرٍ، ثمّ سُقمٍ وفاقـة
                    توجّهْ لقُـرْبٍ، وأسْـرِع بخـطـوة *** فنادِ: أيا زروقُ ءاتِ بسـرعـة
                    فكم كربةٍ تُجلَى إذا ذُكِـر اسْمُـنا *** وكم ثـمرةٍ تُجْنَى بأفرادِ صحبتِي
                    مريدي، فلا تخف ولا تخـش ظـالماً *** فإنّك ملحـوظٌ بعيـن العنـايـة
                    وإنّي للمريـد لا شـكّ حـاضـر *** أشـاهده فـي كلّ حين ولحظـة
                    وألحظـه ما دام يرعـى مـودّتِـي *** يلازِم حزبِي، ثمّ وردي، وحضرتي
                    أنـا لمريـدي جامـعٌ لشتـاتـه *** إذا مسّـه جَـوْر الزّمـان بنكبة
                    وقفت بباب الله وحـديموحّـدا *** ونوديتُ: يازروق، ادخُل لحضرتي
                    وقال لي أنت القطب في الأرض كلّها *** وكلّ عبيـد الله صـاروا رعيّـتِي
                    وتصرّفت بإذن من له الأمـر كلّـه *** وقرّبنِـي المولـى، وفـزت بنظـرة
                    وجالت خيولـي في الأرضين كلّها *** فأهل السّمـا والأرض تعرف سطوتِي
                    وإنّي ولِـيُّ الله، غـوثُ عبـادِه *** وسيـفُ القضـاء للظّالِم المتعـنّـت
                    أيا سـامعاً قـولِي هذا فحـاذرن *** وسلِّـم لأهـلِ الله فِي كلّ حـالـة
                    وما قلت هذا القولَ فخراً، وإنّمـا *** أذنْـت بـه؛ لتعلمـوا بِحقيـقَتِـي
                    ومنهم من ينسب هذه التّائيةَ إلى محمّد بن عيسى المكناسيّ صاحب الطريقة "العيساوية" الآتي ذكره، مع تغيير اسم زروق حيث ورد فيها بابن عيسى.
                    وقد كان للطّريقة الزروقية في الحقبة الاستعمارية أتباعٌ في قسنطينة، وتلمسان، وبجاية، وقد قُدِّر مريدوها آنذاك وإلى نهاية القرن التّاسع عشر ب 2.7 ألف مريد.
                    ب) اليوسفية.
                    نسبةً إلى أحمد بن يوسف الملياني (ت:931 هـ/1525 م)، وهو من تلاميذ أحمد الزّروق. وقد كان له أتباع في مليانة وتلمسان، ولكنّ خلفاءه من أحفاده التحقوا بالإدارة الفرنسيّة إثر الاحتلال؛ مما تسبب في قتلهم على التوالي في سنوات (1872 م و1881 م و1895 م)، ولعلّ ذلك كان سبب اندثار هذه الطريقة الّتي قُدِّر أتباعُها في نهاية القرن التّاسع عشر بـ 1.4 ألف.
                    ج) العيساوية.
                    وهي طريقة أسّسها محمد بن عيسى (ت:933 هـ/1526 م) دفين مكناس، وانحرف بها عن الشّاذلية الجزولية. وقد اشتهرت بأعمالها السّحريّة، والحركات البهلوانيّة، وهم يزعُمون أنّ أعمالَهم معجزاتٌ إلهيّة، وقد عُدَّ أتباعُها في الجزائر في نهاية القرن التّاسع عشر بـ3.5 ألف، موزَّعين على 13 زاوية في وزرة بالمديّة، والرّمشي قرب تلمسان، وقسنطينة، وعنّابة، ولا يزال لها أتباع في الجزائر إلى يومنا هذا.
                    د) الحنصاليّة.
                    مؤسّسُها: سعيد بن يوسف الحنصالي (ت: 1114 هـ/1702 م) من دادس بالمغرب الأقصى. وهي من فروع الشّاذلية، ويقوم أتباعُها بأعمال تشبه أعمالَ العيساويّة، وهم يزعُمون الإفادة في العثور على الأشياء المسروقة، والدّلالة على المجرمين، ويقرؤون جماعةً القصيدة الدّمياطية (الزّمياطي) الّتي هي سحرٌ خالص، فيُصيبهم نوعٌ من الصّرع والجنون.
                    وكان لها أتباع في قسنطينة، ووهران، ومجموع زواياها 18 زاوية، وأتباعها يقدّرون بـ4 آلاف مريد.
                    هـ) الكرزازية (الأحمديّة).
                    أسّسها أحمد بن موسى الحسني مولى كرزاز (ت:1016 هـ/1608 م) قُرْبَ توات بأدرار.
                    تتلمذ على أحمد بن يوسف الملياني، وأتباعُه يقولون: إنّه أذن له في تأسيس طريقة، ووِرْدُها متميِّز بما يأتي: لا اله إلاّ الله، محمّد رسول الله 10 مرّات عقب كلّ صلاة، والصّلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم 80 مرّةً عقب صلاة عصر الجمعة، وقراءة حزب الفلاح المعروف للشّاذلي عقِب صلاة الصّبح و المغرب، وبسم الله الرّحمن الرّحيم 100 مرّة عقب صلاة العشاء، و200 عقِب صلاة الصّبح، والصّلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عند المصافحة، وإقامة الذّكر المعروف بالسّماع الّذي يُقال بالمسجد في الشّتاء عقب صلاة الصّبح، وفي الصّيف كلَّ خميس.
                    أتباعُ هذه الطّريقة يزعُمون أنّهم لا يقبلون في صفوفهم إلاّ متعلّما، وليس لهذه الطّريقة أتباعٌ إلاّ في منطقة توات، وتلمسان وما جاورها.
                    كان ولاؤُهم للمغرب، ثمّ عُرفوا بالعِمالة للفرنسيّين، ظهر ذلك جليّا لمّا سلّم أحمد بن الكبير بوحجاجة بعضَ الهاربين إليه من ثورة بوعمامة، ولمّا توفّي عام 1896 بادر خليفتُه عبدُ الرّحمن بن محمد بإعلام الفرنسيين، ووعدهم بالسّير على منهاج سلفه.
                    في نهاية القرن التّاسع عشر كان لها 3 آلاف مريد.
                    و) الناصرية.
                    وهي طريقة شاذلية موجودة في المغرب، أسّسها محمّد بن ناصر الدّرعي (ت:1085 هـ/1674 م) وسنده إلى الشّاذلي عن طريق الشّيخ أحمد الزّروق، وعن طريق الجزولي، وأشار أبو القاسم سعد الله إلى وجود أتباع لها في الجزائر في الحقبة الاستعمارية، ومن فروعها الطّريقة الزيانيّة الآتي ذكرُها.
                    ز) الزّيانية.
                    أسّسها محمّد بن عبد الرّحمن بن بوزيان (ت:1145 هـ/1733 م) في القنادسة، بعدما تلقّى الطّريقة النّاصرية في المغرب الّتي تميّزت بتقسيم أذكار الطّريقة إلى ثلاثِ فئاتٍ ذكر خاصّ بالمتعلّمين، وذكر العوامّ، وذكر النّساء.
                    وتتميّز بوِرد خاصّ فيه: تلاوة حزب من القران خمس مرّات في اليوم، وقراءة "دلائل الخيرات" مرّة كلّ يوم، أو مرّة في كلّ جمعة، والوِرد اليوميّ للمبتدئين وهو الورد الشّاذلي العامّ: أستغفر الله العظيم وأتوب إليه 100 مرّة، واللّهمّ صلّ على سيّدنا محمّد عبدِك ورسولِك النبيّ الأمّي وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما 100 مرّة، لا إله إلاّ الله 1000 مرّة، وعلى رأس كلّ مئة يأتي محمّد رسول الله، وإن كان المريد لا يقدر على تمام الألف يقول: لا إله إلاّ الله 100 مرّة، محمّد رسول الله.
                    وقد كان أتباع هذه الطريقة موالين لفرنسا، وهم أوّل من خان الشّيخ بوعمامة عام 1881، وكانت من الطّرق الّتي أيَّدت فرنسا في الحرب العالميّة الأولى، وأصدرت بياناً مليئاً بعباراتِ التملّق لفرنسا، والاحتقار لألمانيا وتركيا.
                    ح) الطيبيّة الوزّانية.
                    تأسّست الطّريقة الوزّانية في المغرب (عام 1059 هـ/1659 م) على يد عبد الله بن إبراهيم الشّريف الوزاني الإدريسي (ت:1089 م)، واسم الطّيبية نسبة إلى حفيدة الطيب بن محمّد.
                    ولهذه الطريقة عدّة فروع في جميع جهات الجزائر، حيث كان لها إلى غاية نهاية القرن التّاسع عشر 20 زاوية، و22 ألف مريد، ولها في الجزائر مقدَّمون، أمّا شيخُها الرّئيسي فمقرّه في المغرب، ولا يكون إلاّ من أشراف وزّان.
                    ابتدأت علاقتُهم بالفرنسيّين في عهد بوجو الّذي طلب من المغاربة عن طريقهم الكفّ عن مساندة المقاومة، وتمتّنت هذه العلاقة أكثر بعد زواج أحد مقدَّمي الطّريقة بامرأة فرنسيّة.
                    ط) الطّريقة الشيخية.
                    نسبةً إلى أولاد سيدي الشّيخ، ومؤسِّس هذه الطّريقة هو عبد القادر بوسماحة دفين البيّض (ت:1023/1615)، ويزعُم أصحابُها أنّها طريقة مستمَدَّة من الشّاذلية والقادرية والصديقية والبكرية في آنٍ واحد، وقد كان مؤسِّسها قادريّا أوّل الأمر، ثمّ انتحل الشّاذلية، وأوصَى أولاده بذلك.
                    وحسب الإحصاءات الفرنسية في نهاية القرن التّاسع عشر، فإنّه كان لها أربعة زوايا وعشرة آلاف مريد.
                    وموقفُها من فرنسا كان مختلفا من زاوية إلى أخرى، وبعض المواقف كان مخزيا حيث اعتذروا للأمير عبد القادر فلم يساندوه، ثمّ خانوا محمّد بن عبد الله شريف ورقلة، وسلّموه لفرنسا، وتحالف بعضُهم مع الطّريقية الطّيبية لتعبيد الطّريق لفرنسا في الصّحراء، وفي 1881 أعلن الشّيخ بوعمامة ثورتَه بعدما أسّس زاوية خاصّة به، وقد استمرّ جهادُه إلى 1908 م.
                    ك) الشابية.
                    أسّسها بالقيروان أحمد بن مخلوف (ت:887 هـ/1482 م)، وقد ذكر أنّ أتباع هذه الطريقة قاوموا الأتراكَ، فشرّدوهم في البلاد، ومنهم من انتقل إلى شرق الجزائر كعنّابة وخنشلة وسوق أهراس، وأشار الدّكتور سعد الله إلى وجود أتباعٍ لها في العهد العثماني.
                    ل) الدرقاوية.
                    مؤسّس هذه الطّريقة هو محمّد العربي الدرقاوي (ت:1239 هـ/1823 م) نسبةً إلى قبيلة درقة بفاس.
                    تميّز أتباعُ طريقته بلباس المرقّع، وحمل السّبحة والعصا، ويفضّلون العزلة ويمشون حفاةً. وقد كان لهذه الطّريقة عشرُ زوايا في الجزائر و9.5 من المريدين إلى نهاية القرن التّاسع عشر.
                    ومن أهمّ زواياها: زاوية أولاد الأكراد بتيارت الّتي أسّسها عدّة بن غلام الله (ت:1283هـ/1867 م).
                    وعن الطريقة الدّرقاوية تفرّعت عدّة طرقٍ أخرى منها:
                    -المدنيّة.
                    تأسّست عام 1820 م على يد محمّد بن حمزة المدنِيّ، تلميذ الدّرقاوي في طرابلس، ولها في الجزائر زاويتان: إحداهما بالوسط، والأخرى في الغرب، وقُدِّر أتباعها بـ 1.6 ألف من المريدين في نهاية القرن التّاسع عشر.
                    -الشاذلية الجديدة.
                    مؤسّسها هو الموسوم بن محمد بورقية، كان درقاويا، أخذ الطّريقة عن عدّة غلام الله، ثمّ أنشأ زاويتَه في قصر البخاري عام (1865 م).
                    وزعم أنّه الوحيد الملتزم بالطّريقة الشّاذلية، وبرز أثناء ثورة أولاد سيدي الشّيخ (1864 م)، وثورة المقراني (1871 م)، حيث راسل الإخوانَ الطّرقيين يحرّم عليهم الانضمام إلى الثّورة، ويلعن كل من يتدخّل في السّياسة، وبقي خلفاؤه على الولاء المطلق لفرنسا.
                    وقد كان له 11 زاوية و14 ألف مريد في نهاية القرن التّاسع عشر.
                    وبعد وفاته عام (1883) انقسمت طريقته إلى زوايا مستقلة منها: زواية عنابة، وزاوية ثنية الحدّ، وزاوية قدور بن محمّد المستغانمي (ت:1905) الّذي أدخل على الطّريقة بعضَ تعاليم التّيجانية، وزاوية العطّاف لمحمّد بن الشرقي (ت: 1923).
                    -الهبرية.
                    أسّسها محمّد الهبري الإدريسي (ت:1901) في الرّيف المغربي، وزعم أنّه يريد تجديدَ الطّريقة الدرقاوية، ومن أقواله:" لا يدخل طريقتنا إلاّ من كان مكتوبا من السّعداء في اللّوح المحفوظ أو شريفا "!
                    وكان له أتباع في الغرب الجزائريّ. خلفه ولده محمد الهبري الصّغير (ت:1939) الذي كان مواليا لفرنسا.
                    -البلقايدية.
                    أسّسها محمّد بلقايد المولود عام 1911 بتلمسان، وهو يدّعي النّسب الشّريف، كان هبريا، وأعلَن انفصالَه عن شيخه بعد استقلال الجزائر.
                    وهو يزعُم أنّه لم يعلن ولايته إلاّ بعد وفاة أولاد شيخه محمّد الهبري الصّغير تأدُّباً معهم! ولكن هذا غير صحيح؛ لأنّ آخرَ أولاد شيخه إنّما توفّي عام 2000 م، وتوفّي هو قبله بسنتين أي عام 1998، حيث خلفه ولده عبد اللّطيف الّذي أسّس زاويةً في وهران.
                    -العليويّة.
                    مؤسّسها هو أحمد بن مصطفى بن عليوة (ت:1934). استقلّ عن الدرقاوية عام 1910 م، وأسّس زوايتَه في مستغانم، وقد كان أمّياً لا يكتب بشهادته على نفسه وجميع من يُنسَب إليه من كتابات هي لأصحابه.
                    والجديد في طريقته: الجهر بعقيدة الحلول والاتحاد، ولذلك هي تعتبر مستقلة تماما عن الطريقة الدرقاوية، ومن تعالميها: الخلوة مدّة أربعين يوما لا يكفّ فيها عن ذكر الله تعالى، ويذكر فيها الشّهادة 75 ألف مرّة .
                    وقد أيّدتْها فرنسا ظاهرا وباطنا، كما دخل فيها فرنسيّون كثيرون ادَّعَوْا الإسلام، وكانت طريقته من أشدّ الطّرق عداء لدعوة "جمعيّةالعلماءالمسلمين".
                    -طريقة الشيخ البودالي.
                    ومن فروع الدّرقاوية المستقلة عنها: طريقة الشّيخ البودالي بفرندة (تيارت)، ذكرها الدّكتور سعد الله.
                    - الحبيبية.
                    تُنسب إلى محمّد بن الحبيب الأمغاري الفاسي، والمدفون بمكناس (ت:1391 هـ/1972 م)، ولها أتباعٌ بالأغواط، والبُلَيْدة، وتلمسان.
                    هذا آخرُ ما أردنا تسطيرَه في هذه النّبذة التّاريخيّة الّتي تكشِف حقيقةَ هذه الطّرق الصّوفية، وأسباب تفرّقها وتعدّدها، وتبيّن كذلك مصدرَها، وكيفيّةَ وفودِها إلى هذه البلاد، نسأل الله تعالى أن ينفع بها، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
                    ملحوظة: بالنّسبة للإحصاءات المنقولة فهي إحصاءات تقريبيّة لبعض الفرنسيّين، نقلها عنهم الدّكتور أبو القاسم سعد الله في كتابه "تاريخ الجزائر الثّقافي".

                    تعليق


                    • #11
                      رد: نبذة عن تاريخ الطّرق الصّوفية في الجزائر (1) - أبو جابر عبد الحليم توميات

                      جزاكم الله خيرا
                      وآآآآه يا أبي بكر هل لي من لقياك نصيب
                      رضي الله عنك وأرضاك


                      تعليق


                      • #12
                        رد: نبذة عن تاريخ الطّرق الصّوفية في الجزائر (2) - أبو جابر عبد الحليم توميات

                        جزاكم الله خيرا
                        وآآآآه يا أبي بكر هل لي من لقياك نصيب
                        رضي الله عنك وأرضاك


                        تعليق


                        • #13
                          رد: حقائق عن الصّوفيّة (1) معنى التصوّف - أبو جابر عبد الحليم توميات

                          نفع الله بكم ورفع قدرك واحسن عملك
                          ووفقكم لما يحبه ويرضاه
                          نحن نساء لم تخدعنا الدنيا بزخرفها وجمالها
                          نحن نساء أقسمنا أن نجعل الدين نصب أعيننا
                          نحن نساء عاهدنا المولى على رفع راية الإسلام
                          إننا جواهر مصونة ولآلئ مكنونة
                          ظاهرنا السواد وباطننا البياض

                          تعليق


                          • #14
                            رد: نبذة عن تاريخ الطّرق الصّوفية في الجزائر (1) - أبو جابر عبد الحليم توميات

                            بارك الله فيكم
                            ينقل لقسم
                            العقيدة
                            اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.

                            تعليق

                            يعمل...
                            X