طريق المحبين
لفضيلة الشيخ :
ياسر برهامي
(1)
يحبُّهم ويحبُّونه
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن عبادة الحب هي أساس الإيمان والعبادة؛ لأن العبادة هي كمال الحب مع كمال الذل، فحب الله -عز وجل- لا يصح الإيمان بدونه، فإذا زال الحب زال الإيمان بالكلية.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) (المائدة:54)، فبيَّن الله -عز وجل- صفة أهل الإيمان الكُمَّل الذين ينصر بهم دينه، فهؤلاء الذين يحبهم الله -عز وجل-، ويحبونه -سبحانه وتعالى-، فأول فِعل ذكرَه من أفعالهم أنهم يحبونه -عز وجل-، وأثمر حبُّهم لله -عز وجل- حبَّهم لإخوانهم في الله، فلذلك صاروا أذلة عليهم، وضَمَّن الذِّلة معنى الشفقة، فهم مشفقون عليهم، والذِّلة تُعدّى باللام فيُقال: ذلَّ له، وتُعدّى بـ(على) فيُقال: ذل عليه، فإذا كانت التعدية بـ(على) تضمَّنت معنى الشفقة والعطف ونحو ذلك؛ لأنه في الحقيقة ليس خاضعًا له، لكنه محبٌّ له، يشفق عليه، ويعطف عليه، ويرحمه، ونحو ذلك، والله أعلم.
فذُلُّهم لله دفعَهم إلى أن يكونوا عطوفين رحماء بالمؤمنين؛ لأنهم يحبون من يحب الله ويعبده، كما يثمر لهم أيضًا العزة على الكافرين، والغلظة عليهم، والبغضاء لهم،فتبدو بينهم وبين الكافرين العداوة والبغضاء أبدًا حتى يؤمنوا بالله وحده، فقوله: (أَعِزَّةٍ عَلَى) عدَّى الفعل بـ(على) لأنه ضمَّنه معنى الشدة، وهذا مثل قوله تعالى: (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) (الفتح: 29)، فلما أحبوا الله أحبوا أولياءه الذين يحبونه، فعاملوهم بالمحبة، والرأفة، والرحمة، وأبغضوا أعداءَه الذين يُعادونه، فعاملوهم بالشدة والغلظة.
ثم يدفعهم حبهم لله إلى نشر هذا الحب والعبادة والإيمان في الأرض؛ ليُعبد الله وحده لا شريك له، فيحبون أن يُعبد الله في الأرض، ولذا يجاهدون في سبيل الله: جهاد القرآن وجهاد السنان، فيجاهدون بما يقدرون عليه من أنواع الجهاد حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، فتظهر عزتُهم على الكافرين، وبغضهم للكفر، وبراءتهم منه، فإن من تمام المحبة مجاهدة أعداء المحبوب، وأيضًا فالجهادُ في سبيل الله دعاء للمعرضين عن الله إلى الرجوع إليه بالسيف والسنان بعد دعائهم إليه بالحجة والبرهان، فالمحب لله يحب اجتلاب الخلق كلهم إلى بابه، فمن لم يُجب الدعوة باللين والرِّفق احتاج إلى الدعوة بالشدّة والعنف، قال –صلى الله عليه وسلم-: (عَجِبَ رَبُّكَ مِنْ قَوْمٍ يُقَادُونَ إِلَى الجَنَّةِ بِالسَّلاسِلِ) (رواه البخاري).
فتدفعهم محبتهم لله -عز وجل- إلى أن يزيلوا علوَّ الكفر في الأرض، وإن كانوا لا يستطيعون إزالة الكفر من القلوب؛ لأن القلوب بيد الله -سبحانه وتعالى-، وما شرع الله -سبحانه وتعالى- أن يُكرَه الناس حتى يكونوا مؤمنين، ولكن شرع -عز وجل- أن لا يعلو فوق أرضه إلا الإيمان، ثم الناس بعد ذلك يختارون: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف: 29)، وإذا ظهر الإيمان وعرفه الناس آمنوا، وأعظم مانع يمنع الناس عن الإيمان أنهم لا يعرفونه ولا يعرفون حقيقته، وأنه تُلبَّس عليهم الأمور، فتكذب عليهم شياطين الإنس والجن حتى يشوِّهوا صورة الإيمان، لذا كان الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله؛ لأنه إذا علت كلمة الله فسوف يدخل الناس في دين الله مختارين طائعين، وهذا من كمال حب المؤمنين لربهم -عز وجل- أن يسعوا لنشر محبته وعبوديته في الأرض، فأكمل الخلق إيمانًا وعبودية لله -عز وجل- من يَعبد في نفسه، ويسعى أن يُكمِّل عبودية غيره، حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، ولذا كان أكملُ الخلق الرسلَ، وكان أكملُ هؤلاء على الإطلاق محمدًا -صلى الله عليه وسلم- القائل: (بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللهُ لا شَرِيكَ لَهُ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
وقوله تعالى: (وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) أي: يفعلون ذلك، ولا يعبؤون بلوم اللائمين إذا عاتبوهم، أو لاموهم، أو ذموهم على إرادتهم نشر هذا الدين ونشر عبادة الله -عز وجل-، حيث أنهلا همَّ للمحبِّ غيرُ ما يُرضي حبيبه، رضي من رضي، وسخط من سخط، من خاف الملامة في هوى من يُحبُّه فليس بصادقٍ في المحبَّة.
فالوصف الأول المُحرِّك لكل ذلك (وَيُحِبُّونَهُ)، وهو في الحقيقة (يُحِبُّهُمْ) لأنهم أطاعوه وأحبوه،وذكر -عز وجل- محبته لهم أولاً قبل حبهم له ـ مع أن حبَّه لهم -عز وجل- إنما كان لطاعتهم وعبادتهم ـ لأن هذا أشرف شيء من صفاتهم أن الله يحبهم، فهذا الذي يتشرفون به، ويقصدونه، ويريدونه، ويسعون من أجله، فأشرف صفاتهم وأعلى منازلهم أن الله يحبهم، فبدأ بذكر حبه لهم مع أن حبه -عز وجل- إنما يكون بعد استكمال العبادة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ (اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ) (رواه البخاري)، ففي هذا الحديث أن الله يحب العبد بعد أن يتقرب إليه بالفرائض أولاً،ثم يواظب على النوافل،حتى يصل إلى درجة المحبوبية، لكن ذُكرت محبته -عز وجل- لهم في الآية أولاً لأن حبَّه -عز وجل- هو الغاية المقصودة التي يسعون إليها، فهم يريدون أن ينالوا محبة الله -عز وجل-، وهذا أشرف شيء يوصفون به، والله أعلى وأعلم.
نسأل الله أن يرزقنا حبَّه، وحبَّ من يحبه، وحبَّ عمل يقربنا إلى حبِّه.
فاتبعوني يحببكم الله
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فما زلنا مع عبادة الحب، التي هي أساس الإيمان وأصل العبادة.
قال -عز وجل-: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران: 31)، وهذا يدل على أن حبه -عز وجل- يكون لطاعتهم وعبادتهم، فإذا أحب العبدُ ربَّه -عز وجل- واتبع رسوله -صلى الله عليه وسلم- وصل بذلك إلى درجة المحبوبية، فمن زعم حب الله ثم لم يتبع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فليس بصادقٍ في دعواه المحبة؛ لأن من كان يحب الله -عز وجل- فلابد أن يتبع النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: "هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) (رواه البخاري ومسلم) ، ولهذا قال: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) ، أي: يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض الحكماء العلماء: "ليس الشأن أن تُحِبَّ؛ إنما الشأن أن تُحَبَّ"، وقال الحسن البصري وغيره من السلف: "زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية، فقال: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)".
ثم قال: (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي: باتباعكم للرسول -صلى الله عليه وسلم- يحصل لكم هذا كله ببركة سفارته.
ثم قال آمرًا لكل أحد من خاص وعام: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا) أي: خالفوا عن أمره؛ (فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)، فدل على أن مخالفته في الطريقة كفر، والله لا يحب من اتصف بذلك، وإن ادعى وزعم في نفسه أنه يحب الله ويتقرب إليه، حتى يتابع الرسول النبي الأمي خاتم الرسل ورسول الله إلى جميع الثقلين الجن والإنس، الذي لو كان الأنبياء ـ بل المرسلون، بل أولو العزم منهم ـ في زمانه لما وسعهم إلا اتباعه، والدخول في طاعته، واتباع شريعته".
وقال ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين عن هذه الآية: "وهي تسمى آية المحبة، قال أبو سليمان الداراني: "لما ادعت القلوب محبة الله أنزل الله لها محنة (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)".
قال بعض السلف: "ادعى قوم محبة الله فأنزل الله آية المحنة: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)"، وقال: (يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) إشارة إلى دليل المحبة وثمرتها وفائدتها، فدليلها وعلامتها اتباع الرسول، وفائدتها وثمرتها محبة المرسِل لكم، فما لم تحصل المتابعة؛ فليست محبتكم له حاصلة، ومحبته لكم منتفية).
وصدق القائل:
وقال -عز وجل-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) (البقرة: 165)، فهم يحبون الله -عز وجل- أعظم الحب، ألا وهو حب العبادة: حبٌّ مع ذلٍّ وانقيادٍ وخضوعٍ، وأشد من حب المشركين لشركائهم، ومن حب المشركين لله -عز وجل- إذا كان هناك من يحبه منهم، وهذا على تفسيرين في هذه الآية:
الأول: أن المشركين يحبون أندادهم مثل الحب الذي ينبغي أن يُصرف لله، أي مثل حب المؤمنين لله في النوع، ولكن حب المؤمنين لله -عز وجل- أشد من حب المشركين لشركائهم؛ لأنه الحب الفطري الذي جُبلت عليه القلوب وفُطرت على تحقيقه.
الثاني: أن المشركين لما توزَّعت محبتهم بين محبة الله ومحبة الأنداد كان حبهم ضعيفًا؛ لأنه حبٌّ مُوزَّعٌ: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (الزمر: 29)، أما حب المؤمنين لله -عز وجل- فهو حب لمحبوب واحد، لا يُشركون في ذلك الحب سواه، وأما من يحبونه من المخلوقين فمحبتهم له تابعة لمحبة محبوبهم الذي يعبدونه بهذه المحبة، فحبُّهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحبهم للمؤمنين، وحبهم للطاعات والأزمنة والأمكنة التي يحبها الله حبٌّ في الله ولأجله، وهي من كمال محبة الله -عز وجل-.
نسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى.
الحب.. وحلاوة الإيمان
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لله، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) (رواه البخاري ومسلم)، فحلاوة الإيمان مبنية على المحبة، وبدون المحبة لا يكون للإيمان حلاوة، ولا تُذاق ولا تُوجد في القلب إلا بذاك؛ لأن المسائل الثلاث المذكورة كلها مبنية على المحبة؛ فحب الله هو حب العبادة، وحب الرسول -صلى الله عليه وسلم- حب عبادة لله؛ لأنه حب في الله، فهم يحبون الرسول -صلى الله عليه وسلم- أكثر من كل أحد من المخلوقين؛ لأن الله يحب النبي -صلى الله عليه وسلم- أعظم من كل أحد، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَكِنْ صَاحِبُكُمْ خَلِيلُ الله) (رواه مسلم)، وقال إبراهيم –عليه السلام-: (إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلاً مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ) (رواه مسلم)، وكذا أن يحب المرء لا يحبه إلا لله.
وجَعَل حبَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- مقترنًا بحب الله -عز وجل- مع أنه ليس من جنس حب الله ـ إذ هو ليس عبادة للرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولم يجعله مقترنًا بحب المرء لا يحبه إلا لله؛ لأجل بيان منزلة النبي -صلى الله عليه وسلم، وكذلك لبيان أنه لا يُقبل حب الله ـ إن زعمه زاعم ـ بدون حب النبي -صلى الله عليه وسلم-، أما سائر الخلق فيمكن أن يقع منه خلاف ذلك، كأن يقع بين شخصين مؤمنين بغضاء لأجل شحناء بينهما، لكن لو كره النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد خرج من الملة؛ لأنه لابد أن يحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقدِّمًا له على كل من سواه؛ لأن حبَّه شرطٌ في قبول حب الله -عز وجل-، ولا يصح حبُّ الله -سبحانه وتعالى- بدون حب النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لمنزلته العظيمة، ولأنه أساس طاعته -صلى الله عليه وسلم-.
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا)، أي: من الآباء، والأبناء، والأزواج، والعشيرة، والأموال، والوطن، ومن كل شيء، فلا بد أن يكون حبه -صلى الله عليه وسلم- أعظم من حب كل المخلوقين، وأما حب الله فهو وحده حب العبادة، حب مع ذل، وحب النبي -صلى الله عليه وسلم- وطاعته ذلٌّ وحبٌّ لله -عز وجل- وعبودية له -سبحانه وتعالى-، وليس عبودية للرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهذا أمر ينبغي أن يُتفطن له: أن حبه -صلى الله عليه وسلم- ليس بعبادة له؛ لأنه ليس مع ذلٍّ له، وإنما مع ذلٍّ لله -عز وجل-.
وحب المؤمنين تابع لذلك: (وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لله) وذلك لأنه يطيع الله ويحبه، وقد أمر الله -عز وجل- بالحب فيه، وهذه الرابطة الإيمانية العظيمة التي تزول معها كل مشقة وتعب، وبدون الحب في الله تقسو الحياة، ويقسو قلب الإنسان، وتقسو عليه كل العقبات، وتشتد عليه، ولذلك تزيل الأخوة في الله -عز وجل- البأس والحزن، وحب الله -عز وجل- يزيل كل هم وضيق في هذه الدنيا، وحب النبي -صلى الله عليه وسلم- يفتح للقلب ـ كذلك ـ أنواع الخيرات مع اتباعه -صلى الله عليه وسلم-.
ولا شك أن هناك فرق بين حبه -صلى الله عليه وسلم- واتباعه؛ لأن اتباعه فرع على محبته -صلى الله عليه وسلم-، فليس كل متبع محبًّا، فالحب هو الحب لا يُفسَّر بغير ذلك، وهو أمر يوجد ويُذاق، وقد تجد من يتبع الهدي الظاهر ونحو ذلك ولكنه لا يكون محبًّا.
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ)، فكراهية الكفر بعد ذلك من كمال محبة الله -عز وجل-؛ حيث لا يطيق الإنسان الكفر، ولا من يكفر، حتى يكون متألمًا من الكفر، فلو خُيِّر بين أن يُلقى في النار وبين أن يكفر؛ لكان أن يُلقى في النار أحب إليه من أن يكفر.
وللحديث عن الحب بقية، نسأل الله أن يرزقنا حبَّه وحبَّ من يحبه، وحبَّ من يقربنا إلى حبه.
منزلة المحبة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد قال ابن القيم -رحمه الله- عن حب الله تعالى: "هو حياة القلوب، ونعيم الأرواح، وبهجة النفوس، وقرة العيون، وأعلى نعيم الدنيا والآخرة".
فحب الله هو حياة القلوب؛ لأن القلبَ يحيا ويموت، وهناك قلوب حية وقلوب ميتة، فمن لم يذق حب الله -عز وجل- فقلبه ميت: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) (الأنعام: 122).
وهو نعيم الأرواح لا نعيم الأبدان، بل أعلى نعيم يمكن أن يدركه الإنسان إذا وجد حب الله -عز وجل-، وهو بهجة النفوس فتبتهج النفوس وتفرح وتجد السعادة أعظم السعادة بحب الله -عز وجل-، وقرة العيون أي أنه تقر العيون به، أي تستقر وتطمئن، وتجد أعظم أنواع السكينة في حب الله -سبحانه وتعالى-، وهو أعلى نعيم الدنيا وأعلى نعيم الآخرة لأنه ينظر إلى وجه الله في الآخرة حبًّا له، وإنما يريدون النظر إلى وجه الله -سبحانه وتعالى- لأنهم يحبونه أعظم الحب، فمع الرؤية تكتمل المحبة، فلذلك كان أعلى نعيم الدنيا والآخرة.
وقال -رحمه الله-:
"منزلة المحبة، وهي المنزلة التي تنافس فيها المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى عَلَمها شمَّر السابقون، وعليها تفانى المحبون، وبرَوحِ نسيمها تَرَوَّح العابدون، فهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرة العيون، وهي الحياة التي من حُرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي مَن فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عدمه حلَّت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام.
وهي روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال، التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه، تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشقِّ الأنفس بالغيها، وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبدًا واصليها، وتبوئهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها، وهي مطايا القوم التي سراهم على ظهورها دائمًا إلى الحبيب، وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم الأولى من قريب.
تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة؛ إذ لهم من محبة محبوبهم أوفر نصيب، وقد قضى الله يوم قدر مقادير الخلائق -بمشيئته وحكمته البالغة- أن المرء مع من أحب، فيا لها من نعمة على المحبين سابغة".
قوله -رحمه الله-: "وإليها شخص العاملون"، جاء في لسان العرب: "شَخَصَ من بلدٍ إِلى بلدٍ شُخُوصًا أَي ذَهَبَ"، فمعنى شخَصَ الإنسان: أي خرج من داره في طلب شيء، والمراد أن العاملين يسعون إلى تحقيق حب الله -عز وجل-، فيصيرون بذلك محبين لله، محبوبين له -عز وجل-.
وقوله: "وإلى عَلَمِها شمَّر السابقون"، العَلَم: الجبل، ومنه قوله تعالى: (وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ) (الرحمن: 24)، أي: كالجبال، شبَّهَها بالجبل الذي يُرى من بُعْد، فإذا رآه من يطلبه شمَّر عن ساعد الجد واجتهد في الطلب، فإنَّ العبد إذا ذاق محبة الله -سبحانه وتعالى- عمل بأقوى وأشد ما يمكنه، ولم يدخرْ وسعًا أو يألِ جهدًا حتى يصل إلى غايته.
وقوله: "وعليها تفاني المحبون" أي: يضحُّون بكل غالٍ ورخيص من أجلها علامة على صدق الحب؛ فإن المحبَّ يبذل كل ما يطلبه محبوبُه، ولو كان أغلى ما عنده، كنفسه وأهله ووطنه، ولا يمكن أن توجد هذه التضحية إلا مع لذة المحبة التي هي أعظم من لذة ما يضحي به، ومن هنا كان المحب الصادق مستعدًّا لأن يجودَ بنفسه وأن يضحيَ بها؛ لأن لذة المحبة هي الدافع له، ولأنه يريد المزيد من القرب من الله -عز وجل- ومحبته.
وقوله: "وبرَوحِ نسيمها تَرَوَّحَ العابدون"، يشبِّه العابدين لله -عز وجل- بمن يسير في طريق فيه حر ومشقة وتعب، ولا شك أن الطريق إلى الله -عز وجل- مليء بأنواع العقبات والتكاليف والمشاق؛ (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (العنكبوت: 2)، فهذا كالحَرِّ الذي يصيبُ الإنسان في الطريق، وشبَّه المحبةَ بالنسيم الطيِّب الذي يُريح السائر في هذا الطريق، فبروح هذا النسيم ـ أي: براحته ـ تَرَوَّح العابدون، أي: استراحوا ووجدوا راحة في طريق سيرهم، فهانت عليهم المصاعب والمشاق، وهان عليهم ما يجدونه من آلام وما يجدونه من أنواع المتاعب خلال الطريق بسبب وجود حب الله تعالى في قلوبهم، ومن لم يحب الله -سبحانه وتعالى- فسوف يترك الطريق متى لاقى متاعب أو عقبات، ولكن من أحب الله -سبحانه وتعالى- فلن يترك الطريق مهما كانت العقبات والمتاعب والمشاق.
نسأل الله أن يوفقنا لمرضاته.
تم بحمدالله
الجزء الاول
تعليقى
لفضيلة الشيخ :
ياسر برهامي
(1)
يحبُّهم ويحبُّونه
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن عبادة الحب هي أساس الإيمان والعبادة؛ لأن العبادة هي كمال الحب مع كمال الذل، فحب الله -عز وجل- لا يصح الإيمان بدونه، فإذا زال الحب زال الإيمان بالكلية.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) (المائدة:54)، فبيَّن الله -عز وجل- صفة أهل الإيمان الكُمَّل الذين ينصر بهم دينه، فهؤلاء الذين يحبهم الله -عز وجل-، ويحبونه -سبحانه وتعالى-، فأول فِعل ذكرَه من أفعالهم أنهم يحبونه -عز وجل-، وأثمر حبُّهم لله -عز وجل- حبَّهم لإخوانهم في الله، فلذلك صاروا أذلة عليهم، وضَمَّن الذِّلة معنى الشفقة، فهم مشفقون عليهم، والذِّلة تُعدّى باللام فيُقال: ذلَّ له، وتُعدّى بـ(على) فيُقال: ذل عليه، فإذا كانت التعدية بـ(على) تضمَّنت معنى الشفقة والعطف ونحو ذلك؛ لأنه في الحقيقة ليس خاضعًا له، لكنه محبٌّ له، يشفق عليه، ويعطف عليه، ويرحمه، ونحو ذلك، والله أعلم.
فذُلُّهم لله دفعَهم إلى أن يكونوا عطوفين رحماء بالمؤمنين؛ لأنهم يحبون من يحب الله ويعبده، كما يثمر لهم أيضًا العزة على الكافرين، والغلظة عليهم، والبغضاء لهم،فتبدو بينهم وبين الكافرين العداوة والبغضاء أبدًا حتى يؤمنوا بالله وحده، فقوله: (أَعِزَّةٍ عَلَى) عدَّى الفعل بـ(على) لأنه ضمَّنه معنى الشدة، وهذا مثل قوله تعالى: (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) (الفتح: 29)، فلما أحبوا الله أحبوا أولياءه الذين يحبونه، فعاملوهم بالمحبة، والرأفة، والرحمة، وأبغضوا أعداءَه الذين يُعادونه، فعاملوهم بالشدة والغلظة.
ثم يدفعهم حبهم لله إلى نشر هذا الحب والعبادة والإيمان في الأرض؛ ليُعبد الله وحده لا شريك له، فيحبون أن يُعبد الله في الأرض، ولذا يجاهدون في سبيل الله: جهاد القرآن وجهاد السنان، فيجاهدون بما يقدرون عليه من أنواع الجهاد حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، فتظهر عزتُهم على الكافرين، وبغضهم للكفر، وبراءتهم منه، فإن من تمام المحبة مجاهدة أعداء المحبوب، وأيضًا فالجهادُ في سبيل الله دعاء للمعرضين عن الله إلى الرجوع إليه بالسيف والسنان بعد دعائهم إليه بالحجة والبرهان، فالمحب لله يحب اجتلاب الخلق كلهم إلى بابه، فمن لم يُجب الدعوة باللين والرِّفق احتاج إلى الدعوة بالشدّة والعنف، قال –صلى الله عليه وسلم-: (عَجِبَ رَبُّكَ مِنْ قَوْمٍ يُقَادُونَ إِلَى الجَنَّةِ بِالسَّلاسِلِ) (رواه البخاري).
فتدفعهم محبتهم لله -عز وجل- إلى أن يزيلوا علوَّ الكفر في الأرض، وإن كانوا لا يستطيعون إزالة الكفر من القلوب؛ لأن القلوب بيد الله -سبحانه وتعالى-، وما شرع الله -سبحانه وتعالى- أن يُكرَه الناس حتى يكونوا مؤمنين، ولكن شرع -عز وجل- أن لا يعلو فوق أرضه إلا الإيمان، ثم الناس بعد ذلك يختارون: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف: 29)، وإذا ظهر الإيمان وعرفه الناس آمنوا، وأعظم مانع يمنع الناس عن الإيمان أنهم لا يعرفونه ولا يعرفون حقيقته، وأنه تُلبَّس عليهم الأمور، فتكذب عليهم شياطين الإنس والجن حتى يشوِّهوا صورة الإيمان، لذا كان الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله؛ لأنه إذا علت كلمة الله فسوف يدخل الناس في دين الله مختارين طائعين، وهذا من كمال حب المؤمنين لربهم -عز وجل- أن يسعوا لنشر محبته وعبوديته في الأرض، فأكمل الخلق إيمانًا وعبودية لله -عز وجل- من يَعبد في نفسه، ويسعى أن يُكمِّل عبودية غيره، حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، ولذا كان أكملُ الخلق الرسلَ، وكان أكملُ هؤلاء على الإطلاق محمدًا -صلى الله عليه وسلم- القائل: (بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللهُ لا شَرِيكَ لَهُ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
وقوله تعالى: (وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) أي: يفعلون ذلك، ولا يعبؤون بلوم اللائمين إذا عاتبوهم، أو لاموهم، أو ذموهم على إرادتهم نشر هذا الدين ونشر عبادة الله -عز وجل-، حيث أنهلا همَّ للمحبِّ غيرُ ما يُرضي حبيبه، رضي من رضي، وسخط من سخط، من خاف الملامة في هوى من يُحبُّه فليس بصادقٍ في المحبَّة.
فالوصف الأول المُحرِّك لكل ذلك (وَيُحِبُّونَهُ)، وهو في الحقيقة (يُحِبُّهُمْ) لأنهم أطاعوه وأحبوه،وذكر -عز وجل- محبته لهم أولاً قبل حبهم له ـ مع أن حبَّه لهم -عز وجل- إنما كان لطاعتهم وعبادتهم ـ لأن هذا أشرف شيء من صفاتهم أن الله يحبهم، فهذا الذي يتشرفون به، ويقصدونه، ويريدونه، ويسعون من أجله، فأشرف صفاتهم وأعلى منازلهم أن الله يحبهم، فبدأ بذكر حبه لهم مع أن حبه -عز وجل- إنما يكون بعد استكمال العبادة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ (اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ) (رواه البخاري)، ففي هذا الحديث أن الله يحب العبد بعد أن يتقرب إليه بالفرائض أولاً،ثم يواظب على النوافل،حتى يصل إلى درجة المحبوبية، لكن ذُكرت محبته -عز وجل- لهم في الآية أولاً لأن حبَّه -عز وجل- هو الغاية المقصودة التي يسعون إليها، فهم يريدون أن ينالوا محبة الله -عز وجل-، وهذا أشرف شيء يوصفون به، والله أعلى وأعلم.
نسأل الله أن يرزقنا حبَّه، وحبَّ من يحبه، وحبَّ عمل يقربنا إلى حبِّه.
فاتبعوني يحببكم الله
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فما زلنا مع عبادة الحب، التي هي أساس الإيمان وأصل العبادة.
قال -عز وجل-: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران: 31)، وهذا يدل على أن حبه -عز وجل- يكون لطاعتهم وعبادتهم، فإذا أحب العبدُ ربَّه -عز وجل- واتبع رسوله -صلى الله عليه وسلم- وصل بذلك إلى درجة المحبوبية، فمن زعم حب الله ثم لم يتبع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فليس بصادقٍ في دعواه المحبة؛ لأن من كان يحب الله -عز وجل- فلابد أن يتبع النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: "هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) (رواه البخاري ومسلم) ، ولهذا قال: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) ، أي: يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض الحكماء العلماء: "ليس الشأن أن تُحِبَّ؛ إنما الشأن أن تُحَبَّ"، وقال الحسن البصري وغيره من السلف: "زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية، فقال: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)".
ثم قال: (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي: باتباعكم للرسول -صلى الله عليه وسلم- يحصل لكم هذا كله ببركة سفارته.
ثم قال آمرًا لكل أحد من خاص وعام: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا) أي: خالفوا عن أمره؛ (فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)، فدل على أن مخالفته في الطريقة كفر، والله لا يحب من اتصف بذلك، وإن ادعى وزعم في نفسه أنه يحب الله ويتقرب إليه، حتى يتابع الرسول النبي الأمي خاتم الرسل ورسول الله إلى جميع الثقلين الجن والإنس، الذي لو كان الأنبياء ـ بل المرسلون، بل أولو العزم منهم ـ في زمانه لما وسعهم إلا اتباعه، والدخول في طاعته، واتباع شريعته".
وقال ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين عن هذه الآية: "وهي تسمى آية المحبة، قال أبو سليمان الداراني: "لما ادعت القلوب محبة الله أنزل الله لها محنة (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)".
قال بعض السلف: "ادعى قوم محبة الله فأنزل الله آية المحنة: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)"، وقال: (يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) إشارة إلى دليل المحبة وثمرتها وفائدتها، فدليلها وعلامتها اتباع الرسول، وفائدتها وثمرتها محبة المرسِل لكم، فما لم تحصل المتابعة؛ فليست محبتكم له حاصلة، ومحبته لكم منتفية).
وصدق القائل:
تعصـي الإله وأنت تزعم حبه هذا محال في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
وأصل منازل العبودية وأعلاها وأولها وآخرها أن يصل العبد إلى درجة المحبوبية من خلال أن يحب الله -عز وجل-، فيبدأ به ويستمر معه، ولا ينقطع وإلا انقطعت العبادة، مع متابعته للرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن حبَّ الله تحقيقُ شهادة أن لا إله إلا الله، واتباعَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- تحقيقُ شهادة أن محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.لو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
وقال -عز وجل-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) (البقرة: 165)، فهم يحبون الله -عز وجل- أعظم الحب، ألا وهو حب العبادة: حبٌّ مع ذلٍّ وانقيادٍ وخضوعٍ، وأشد من حب المشركين لشركائهم، ومن حب المشركين لله -عز وجل- إذا كان هناك من يحبه منهم، وهذا على تفسيرين في هذه الآية:
الأول: أن المشركين يحبون أندادهم مثل الحب الذي ينبغي أن يُصرف لله، أي مثل حب المؤمنين لله في النوع، ولكن حب المؤمنين لله -عز وجل- أشد من حب المشركين لشركائهم؛ لأنه الحب الفطري الذي جُبلت عليه القلوب وفُطرت على تحقيقه.
الثاني: أن المشركين لما توزَّعت محبتهم بين محبة الله ومحبة الأنداد كان حبهم ضعيفًا؛ لأنه حبٌّ مُوزَّعٌ: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (الزمر: 29)، أما حب المؤمنين لله -عز وجل- فهو حب لمحبوب واحد، لا يُشركون في ذلك الحب سواه، وأما من يحبونه من المخلوقين فمحبتهم له تابعة لمحبة محبوبهم الذي يعبدونه بهذه المحبة، فحبُّهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحبهم للمؤمنين، وحبهم للطاعات والأزمنة والأمكنة التي يحبها الله حبٌّ في الله ولأجله، وهي من كمال محبة الله -عز وجل-.
نسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى.
الحب.. وحلاوة الإيمان
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لله، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) (رواه البخاري ومسلم)، فحلاوة الإيمان مبنية على المحبة، وبدون المحبة لا يكون للإيمان حلاوة، ولا تُذاق ولا تُوجد في القلب إلا بذاك؛ لأن المسائل الثلاث المذكورة كلها مبنية على المحبة؛ فحب الله هو حب العبادة، وحب الرسول -صلى الله عليه وسلم- حب عبادة لله؛ لأنه حب في الله، فهم يحبون الرسول -صلى الله عليه وسلم- أكثر من كل أحد من المخلوقين؛ لأن الله يحب النبي -صلى الله عليه وسلم- أعظم من كل أحد، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَكِنْ صَاحِبُكُمْ خَلِيلُ الله) (رواه مسلم)، وقال إبراهيم –عليه السلام-: (إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلاً مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ) (رواه مسلم)، وكذا أن يحب المرء لا يحبه إلا لله.
وجَعَل حبَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- مقترنًا بحب الله -عز وجل- مع أنه ليس من جنس حب الله ـ إذ هو ليس عبادة للرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولم يجعله مقترنًا بحب المرء لا يحبه إلا لله؛ لأجل بيان منزلة النبي -صلى الله عليه وسلم، وكذلك لبيان أنه لا يُقبل حب الله ـ إن زعمه زاعم ـ بدون حب النبي -صلى الله عليه وسلم-، أما سائر الخلق فيمكن أن يقع منه خلاف ذلك، كأن يقع بين شخصين مؤمنين بغضاء لأجل شحناء بينهما، لكن لو كره النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد خرج من الملة؛ لأنه لابد أن يحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقدِّمًا له على كل من سواه؛ لأن حبَّه شرطٌ في قبول حب الله -عز وجل-، ولا يصح حبُّ الله -سبحانه وتعالى- بدون حب النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لمنزلته العظيمة، ولأنه أساس طاعته -صلى الله عليه وسلم-.
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا)، أي: من الآباء، والأبناء، والأزواج، والعشيرة، والأموال، والوطن، ومن كل شيء، فلا بد أن يكون حبه -صلى الله عليه وسلم- أعظم من حب كل المخلوقين، وأما حب الله فهو وحده حب العبادة، حب مع ذل، وحب النبي -صلى الله عليه وسلم- وطاعته ذلٌّ وحبٌّ لله -عز وجل- وعبودية له -سبحانه وتعالى-، وليس عبودية للرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهذا أمر ينبغي أن يُتفطن له: أن حبه -صلى الله عليه وسلم- ليس بعبادة له؛ لأنه ليس مع ذلٍّ له، وإنما مع ذلٍّ لله -عز وجل-.
وحب المؤمنين تابع لذلك: (وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لله) وذلك لأنه يطيع الله ويحبه، وقد أمر الله -عز وجل- بالحب فيه، وهذه الرابطة الإيمانية العظيمة التي تزول معها كل مشقة وتعب، وبدون الحب في الله تقسو الحياة، ويقسو قلب الإنسان، وتقسو عليه كل العقبات، وتشتد عليه، ولذلك تزيل الأخوة في الله -عز وجل- البأس والحزن، وحب الله -عز وجل- يزيل كل هم وضيق في هذه الدنيا، وحب النبي -صلى الله عليه وسلم- يفتح للقلب ـ كذلك ـ أنواع الخيرات مع اتباعه -صلى الله عليه وسلم-.
ولا شك أن هناك فرق بين حبه -صلى الله عليه وسلم- واتباعه؛ لأن اتباعه فرع على محبته -صلى الله عليه وسلم-، فليس كل متبع محبًّا، فالحب هو الحب لا يُفسَّر بغير ذلك، وهو أمر يوجد ويُذاق، وقد تجد من يتبع الهدي الظاهر ونحو ذلك ولكنه لا يكون محبًّا.
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ)، فكراهية الكفر بعد ذلك من كمال محبة الله -عز وجل-؛ حيث لا يطيق الإنسان الكفر، ولا من يكفر، حتى يكون متألمًا من الكفر، فلو خُيِّر بين أن يُلقى في النار وبين أن يكفر؛ لكان أن يُلقى في النار أحب إليه من أن يكفر.
وللحديث عن الحب بقية، نسأل الله أن يرزقنا حبَّه وحبَّ من يحبه، وحبَّ من يقربنا إلى حبه.
منزلة المحبة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد قال ابن القيم -رحمه الله- عن حب الله تعالى: "هو حياة القلوب، ونعيم الأرواح، وبهجة النفوس، وقرة العيون، وأعلى نعيم الدنيا والآخرة".
فحب الله هو حياة القلوب؛ لأن القلبَ يحيا ويموت، وهناك قلوب حية وقلوب ميتة، فمن لم يذق حب الله -عز وجل- فقلبه ميت: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) (الأنعام: 122).
وهو نعيم الأرواح لا نعيم الأبدان، بل أعلى نعيم يمكن أن يدركه الإنسان إذا وجد حب الله -عز وجل-، وهو بهجة النفوس فتبتهج النفوس وتفرح وتجد السعادة أعظم السعادة بحب الله -عز وجل-، وقرة العيون أي أنه تقر العيون به، أي تستقر وتطمئن، وتجد أعظم أنواع السكينة في حب الله -سبحانه وتعالى-، وهو أعلى نعيم الدنيا وأعلى نعيم الآخرة لأنه ينظر إلى وجه الله في الآخرة حبًّا له، وإنما يريدون النظر إلى وجه الله -سبحانه وتعالى- لأنهم يحبونه أعظم الحب، فمع الرؤية تكتمل المحبة، فلذلك كان أعلى نعيم الدنيا والآخرة.
وقال -رحمه الله-:
"منزلة المحبة، وهي المنزلة التي تنافس فيها المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى عَلَمها شمَّر السابقون، وعليها تفانى المحبون، وبرَوحِ نسيمها تَرَوَّح العابدون، فهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرة العيون، وهي الحياة التي من حُرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي مَن فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عدمه حلَّت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام.
وهي روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال، التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه، تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشقِّ الأنفس بالغيها، وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبدًا واصليها، وتبوئهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها، وهي مطايا القوم التي سراهم على ظهورها دائمًا إلى الحبيب، وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم الأولى من قريب.
تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة؛ إذ لهم من محبة محبوبهم أوفر نصيب، وقد قضى الله يوم قدر مقادير الخلائق -بمشيئته وحكمته البالغة- أن المرء مع من أحب، فيا لها من نعمة على المحبين سابغة".
قوله -رحمه الله-: "وإليها شخص العاملون"، جاء في لسان العرب: "شَخَصَ من بلدٍ إِلى بلدٍ شُخُوصًا أَي ذَهَبَ"، فمعنى شخَصَ الإنسان: أي خرج من داره في طلب شيء، والمراد أن العاملين يسعون إلى تحقيق حب الله -عز وجل-، فيصيرون بذلك محبين لله، محبوبين له -عز وجل-.
وقوله: "وإلى عَلَمِها شمَّر السابقون"، العَلَم: الجبل، ومنه قوله تعالى: (وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ) (الرحمن: 24)، أي: كالجبال، شبَّهَها بالجبل الذي يُرى من بُعْد، فإذا رآه من يطلبه شمَّر عن ساعد الجد واجتهد في الطلب، فإنَّ العبد إذا ذاق محبة الله -سبحانه وتعالى- عمل بأقوى وأشد ما يمكنه، ولم يدخرْ وسعًا أو يألِ جهدًا حتى يصل إلى غايته.
وقوله: "وعليها تفاني المحبون" أي: يضحُّون بكل غالٍ ورخيص من أجلها علامة على صدق الحب؛ فإن المحبَّ يبذل كل ما يطلبه محبوبُه، ولو كان أغلى ما عنده، كنفسه وأهله ووطنه، ولا يمكن أن توجد هذه التضحية إلا مع لذة المحبة التي هي أعظم من لذة ما يضحي به، ومن هنا كان المحب الصادق مستعدًّا لأن يجودَ بنفسه وأن يضحيَ بها؛ لأن لذة المحبة هي الدافع له، ولأنه يريد المزيد من القرب من الله -عز وجل- ومحبته.
وقوله: "وبرَوحِ نسيمها تَرَوَّحَ العابدون"، يشبِّه العابدين لله -عز وجل- بمن يسير في طريق فيه حر ومشقة وتعب، ولا شك أن الطريق إلى الله -عز وجل- مليء بأنواع العقبات والتكاليف والمشاق؛ (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (العنكبوت: 2)، فهذا كالحَرِّ الذي يصيبُ الإنسان في الطريق، وشبَّه المحبةَ بالنسيم الطيِّب الذي يُريح السائر في هذا الطريق، فبروح هذا النسيم ـ أي: براحته ـ تَرَوَّح العابدون، أي: استراحوا ووجدوا راحة في طريق سيرهم، فهانت عليهم المصاعب والمشاق، وهان عليهم ما يجدونه من آلام وما يجدونه من أنواع المتاعب خلال الطريق بسبب وجود حب الله تعالى في قلوبهم، ومن لم يحب الله -سبحانه وتعالى- فسوف يترك الطريق متى لاقى متاعب أو عقبات، ولكن من أحب الله -سبحانه وتعالى- فلن يترك الطريق مهما كانت العقبات والمتاعب والمشاق.
نسأل الله أن يوفقنا لمرضاته.
تم بحمدالله
الجزء الاول
تعليقى
ما أجمل و أنقى و أصفى هذا الحب !!..
يُشبع رغبة ظاميء القلب و يضيء طريقه !!..
ما أحبَّه إلى القلب السليم من حب !!..
بارك الله في الشيخ و زاده سدادًا و رِفعة .
يُشبع رغبة ظاميء القلب و يضيء طريقه !!..
ما أحبَّه إلى القلب السليم من حب !!..
بارك الله في الشيخ و زاده سدادًا و رِفعة .
تعليق