إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الاعتصام بالكتاب والسنة للشيخ عائض القرني // مفهرس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الاعتصام بالكتاب والسنة للشيخ عائض القرني // مفهرس





    الاعتصام بالكتاب
    والسنة طريق واحد يوصل إلى الجنة، ومن حاد عنهما أو عن أحدهما خاب وخسر في الدنيا والآخرة، وقد دلت الأدلة والآثار على تلازمهما معاً ووجوب الاعتصام والتمسك بهما، ولا يجوز بأي حال من الأحوال التقديم على قول الله وقول رسوله.


    الحث على اتباع الكتاب والسنة
    الحمد لله الهادي، والصلاة والسلام على خيرة الحواضر والبوادي، أفصح من تكلم بالنوادي، ما هطلت الغوادي، وما صارت بذكره الأفئدة من كل مسلم إلى شريعته حادي.

    سلام الله عليكم ورحمته وبركاته:

    ولما جلسنا مجلساً طله الندى جميلاً وبستاناً من الحب دانيا
    أثار لنا طيب المكان وحسنه منىً فتمنينا فكنت الأمانيا
    وأمانينا معكم هذه الليلة أن يجمعنا الله بكم في دار الكرامة في مقعد صدق عند مليك مقتدر، يوم يتقبل الله منا أحسن ما عملنا، ويتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون.

    وعنوان هذه المحاضرة: الاعتصام بالكتاب والسنة... وهذا موضوع خطير وكبير، أما خطورته فلأنه يتعرض لضربات من أهل البدع والضلال على مر العصور والدهور والأعوام والأيام، وأما كونه كبيراً فلأنه شغل كثيراً من علماء الإسلام حتى خصصوه بالتأليف، وكتبوا فيه مجلدات، وكانت مجالسهم تدار فيها مواضيع مسألة الاعتصام بالكتاب والسنة.

    وفي هذا الموضوع ثلاثة عناصر:

    العنصر الأول: الحث على اتباع الكتاب والسنة.

    العنصر الثاني: حرص السلف الصالح على الاقتداء بسنته صلى الله عليه وسلم.

    العنصر الثالث: النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله، والتكلف والتعمق والتنطع، ووجوب الاكتفاء بالكتاب والسنة.

    فإلى هذا الحديث الشائق الذي بكم يشوق، وإلى هذا المجلس الرائد الذي بكم يرود؛ نتكلم عن مسائل هذا الموضوع سائلين المولى أن يثبتنا وإياكم، وأن يهدينا وإياكم سواء السبيل، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    إن الله يمدح الذين يتمسكون بالكتاب والسنة، وسر أصالة هذه الأمة وعمقها وتوجهها هو الكتاب والسنة.. ولذلك عندما كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم مكتفين بثقافة محدودة مضبوطة معينة؛ كانوا مرشدين مسددين مهديين، فلما كثرت الثقافات على القرون التي بعدهم، ودخلت البدع، وترجمت كثير من المقالات والكتب؛ دخل الزيف والدخن والدخل، ويظن كثير من الناس أن كثرة الثقافات الغريبة الوافدة بركة ونور، ولم يعلموا أنه تدهور وتورط للأمة إذا صدفت عن كتاب الله عز وجل.





    بيان اقتران القرآن والسنة معاً

    وقد بدأت الأمة مع محمد صلى الله عليه وسلم بالكتاب والسنة، ثم وصلت إلى عهد المأمون يوم ترجمت الكتب؛ فأتت البدعة، قال الله: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ [الأعراف:170] قال أهل العلم: يمسِّكون صيغة مبالغة، ومعناها: يتقيدون بأوامر الكتاب -وللفائدة: يقول أهل العلم: إذا ذكر الكتاب مجرداً فالسنة تدخل معه تبعاً، وإذا ذكرت السنة أصلاً فالكتاب يدخل معها دخولاً أولياً-.

    وقد قيل للإمام مالك: ما النجاة؟ قال: السنة، سفينة نوح من ركب فيها نجا، ومن تخلف عنها هلك. وقالوا لـعلي وهو على منبر الكوفة: [[ما النجاة؟ قال: الكتاب]] يعني القرآن.. قال ابن تيمية: لا يعنى بالكتاب إذا عني به أو قصد أو تكلم فيه أن يقتصر عليه، فإنه لو اقتصر عليه كان ضلالاً لمن اقتصر عليه -أعني وترك السنة- أي: تركه للسنة ضلالاً لا تقيده بالقرآن.. ولذلك يأتي من أمثال الخوارج، وصاحب الكتاب الأخضر من يدعون إلى التقيد بالكتاب لا بالسنة.

    قال ابن تيمية: الخوارج يأخذون بظواهر القرآن ولا يأخذون بالسنة التي ليست في القرآن.. ودخل رجل من أجدادهم وأسيادهم وعملائهم مع عمران بن حصين -والحديث في السنن فقال: [[يا عمران! من أين هذه الأحاديث التي تتحدثون بها، ونحن لا نجدها في القرآن؟ قال عمران: أتجد في القرآن أن صلاة الظهر أربعاً؟ قال: لا. قال: أتجد أنصبة الزكاة في القرآن؟ قال: لا. قال: أتجد أحكام الصيام في القرآن؟ قال: لا. قال: ما أسمعنا الرسول صلى الله عليه وسلم أسمعناكم، وما تركه صلى الله عليه وسلم تركناه، وما كان ربك نسياً]] وهذه المقولة لـابن عباس ولـعمران بألفاظ مختلفة.






    الرسول صلى الله عليه وسلم هو القدوة المصطفاة

    يقول تعالى: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ [مريم:12] قال أهل العلم: أي بحزم وجد وصرامة، وهي جدية الالتزام في أخذ التلقي من الكتاب والسنة؛ لنكون أمة جادة في أخذ تعاليمها من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.. والله يقول: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21] فهو كتابٌ يتكلم، ونبي يترجم، ولو كان الكتاب يكفي لنزل ووزع نسخاً على الناس، ولو كان الرسول يكفي بلا كتاب لتكلم بما في ذهنه، ولكن: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى [النجم:4-6] فإمامنا وقدوتنا محمد رسول الله.

    إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا *** كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا
    فهو صلى الله عليه وسلم معصوم، حتى يقول الإمام مالك لتلاميذه وهم يعرضون عليه الأقوال: كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر عليه الصلاة والسلام.. وقال الإمام أحمد لما سئل: يا أبا عبد الله! أيهما أفضل: التبتل أو الزواج؟ والله عز وجل يقول: وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران:39]؟ أي: يحيى. فيمدح الله يحيى، ويقول: سيداً، أي: الذي اكتملت فيه المروءة والسؤدد، وحصوراً أي: لا يأتي النساء. قال ابن عباس: لم يكن مع يحيى إلا مثل هذا -يعني: آلة الجماع- ورفع شقصاً من الأرض. فهذه الآية تدل على أن التبتل أفضل، قال الإمام أحمد: لا. يقول الله عز وجل: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً [الرعد:38] فقال السائل: إن إبراهيم بن أدهم يقول: ترك الزواج أفضل، فقال الإمام أحمد: أوه! وقعنا في بنيات الطريق، عليك بالمشرب الأول.. أي بمحمد عليه الصلاة والسلام، فإذا ما أتى الدرهم على سكته مختوماً بخاتم محمد صلى الله عليه وسلم وإلا فهو درهم زائف لا يباع به ولا يشترى؛ لأنه صلى الله عليه وسلم المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، فالله جعل القدوة به.



    أنواع الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم

    قال بعض العلماء من أهل السلوك: الاقتداء به صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أضرب:

    أولاً: اقتداء به في المعتقد.. وقد ضل فيه أهل الأهواء في العقيدة؛ كـالخوارج والرافضة والأشاعرة والمعتزلة.

    ثانياً: الاقتداء به في السلوك.. وقد ضل فيه قوم؛ كضلال أهل الرهبنة من غلاة الصوفية وأمثالهم.

    ثالثاً: الاقتداء به في الأحكام.. وقد ضل فيه قوم من أهل السياسات الذين خالفوا فيها سياسته الشرعية.

    وربما ندخل على ذلك: الاقتداء بالأقوال، وقد ضل فيها بعض المتفقهة الذين جانبوا النصوص عن غير عمدٍ، وإنما تأول يؤجرون عليه أجراً واحداً، لكن لا يسوغ أن نقلدهم في خطئهم، كما بين ذلك شيخ الإسلام في رسالة رفع الملام عن الأئمة الأعلام: قال الله عز وجل: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36] ومعنى الآية: إن الأمر إذا أتى من الله عز وجل، ومن رسوله عليه الصلاة والسلام ظاهراً لا يقبل التأويل، أو لا يحتمل أوجهاً غير وجه واحد؛ فإنه لا يسع المسلم أن يميل عن الوجه الذي يقصده الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم.



    الاتباع والتسليم دليل التصديق والمحبة

    دعي صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام ليفصل خصومة بين أنصاري والزبير، فذهب صلى الله عليه وسلم، ووقف على الماء فقال الأنصاري: {يا رسول الله! إن الزبير يحبس الماء عن مزرعتي، فأمر الزبير أن يترك الماء يمر على مزرعتي. فقال: يا زبير! اترك الماء حتى تروى مزرعتك، ثم أطلقه للأنصاري.. فغضب الأنصاري -وأتته نعرة الجاهلية، وتكلم مع سيد البشرية- وقال: أإن كان ابن عمتك؟!} لا إله إلا الله! أعدل وأبر أهل الأرض، وأخشى أهل الأرض يميل مع ابن العمة وابن الخالة! وهو الذي يعلنها صريحة أمام العالم من على منبره في المدينة: {والذي نفسي بيده! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها} قال الزهري: وحاشاها أن تسرق. لكنه العدل.

    وليته يوم قال الكلام كان صحيحاً؛ غير أنه ظلم وحاد.

    فغضب عليه الصلاة والسلام فقال: {يا زبير! اسقِ حتى يعود الماء إلى الجدر، ثم اترك الماء يمر} قال أهل العلم: أول كلامه صلى الله عليه وسلم كان صلحاً يصالح بينهما، والثاني كان حكماً أنزله الله على لسانه والحديث عند البخاري فنزل قوله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65] فمن حكمك في لا إله إلا الله؛ فعليه أن يحكمك في كل مسألة أتيت بها؛ لأنك عدل لا تظلم.. عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.

    وقال الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31] قال ابن كثير، وابن جرير: نزلت هذه الآية في قوم ادعوا محبة الله فابتلاهم الله بهذه الآية، فقال الله عز وجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]

    يا مدَّعٍ حب طه لا تخالفه فالخلف يحرم في دنيا المحبينا
    أراك تأخذ شيئاً من شريعته وتترك البعض تدويناً وتهوينا
    خذها جميعاً تجد فوزاً تفوز به أو فاطرحها وخذ رجس الشياطينا


    إما شريعة مقدسة، واتباع خالد، وإلا فانتهاء وارتداد ونكوص عن الطريق المستقيم، ولذلك لم يقبل الله دعواهم ولم يرض قولهم، ولم يعجبه حبهم: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ [المائدة:18].





    وصية الرسول صلى الله عليه وسلم في الحث على التمسك بالكتاب والسنة

    قال الإمام مالك: بلغني أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وسنتي} وهذا الحديث من بلاغات مالك بسند منقطع، وكل موطأ الإمام مالك موصول -كما قال ابن عبد البر - إلا ثلاثة أحاديث، منها هذا الحديث، فقد انقطع على ابن عبد البر، وهو جهبذ حاذق علامة، لكن أعيته الحيل أن يصله، فما وجد حبلاً يشدها إليها، فقال: ما وجدت ما أصل به هذه الآثار، منها هذا، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: {إني لأنسى لأسن} وفي لفظ: {إني لأنسى أو أنسى لأشرع} وهذه ضبطها ابن الأثير، (أُنسى) أي: أنه ينسيه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ليشرع.. والمقصود أن هذا الحديث ضعيف، لكن له شاهد عند الحاكم بسند صحيح، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {يا أيها الناس! تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً؛ كتاب الله وسنتي} وعند الترمذي بسند ضعيف أيضاً عن جابر: {إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي} قال الخطابي: عترته صلى الله عليه وسلم يؤخذ منهم العلم، وقيل يقدرون ويوقرون، فهو من أسباب النجاة التي ينجو بها العبد: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23].

    أما التمسك بالكتاب فمفهوم، لكن قوله: (عترتي أهل بيتي) معناه: أن تأخذوا العلم من علمائهم، وإلا فلو ضلوا فإنهم لا ينجيهم عند الله قربهم من الرسول صلى الله عليه وسلم. قال الله: قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة:124].

    إذا فخرت بأقوام لهم شرف نعم صدقت ولكن بئسما ولدوا

    فعلم بذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بكتاب الله عز وجل وبسنته صلى الله عليه وسلم.

    قال العرباض بن سارية -وهذه ساعة الوداع، ولحظة من آخر لحظات الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو يريد أن يترك الدنيا بعد حياة السهاد والجهاد والجلاد والسهر، فأراد أن يودع أصحابه بكلمة من فيض القلب، ومن شجا الروح، قال: {جلسنا عند الرسول صلى الله عليه وسلم فوعظنا موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب}.

    بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفَّت مآقينا
    نكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
    إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا


    أرانا الله وجهه.. وأجلسنا الله معه.. وبلغنا شفاعته.. وثبتنا على سنته.. ثم قال: {فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي} قال ابن تيمية: أمر صلى الله عليه وسلم باتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده أمراً عاماً، ثم خصص كما عند الترمذي من حديث حذيفة فقال: {اقتدوا باللَّذَين من بعدي: أبي بكر وعمر} فلماذا عمم صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بالخلفاء الراشدين، وفي حديث حذيفة قال: {اقتدوا باللَّذّين من بعدي: أبي بكر وعمر} وذلك لأنهما الشيخان، وعلامتا الدنيا، وهما القائدان العظيمان.

    قال ابن تيمية رحمه الله في كتاب الجهاد: لأن أبا بكر وعمر لم يتأولا في الدماء، ولا في الأموال، وأما علي فتأول في الدماء، وعثمان تأول في الأموال، فكان أبو بكر وعمر أقرب إلى هديه صلى الله عليه وسلم وإلى سنته، وكلهم مأجور ومشكور، لكن الأمر المقيد هو بـأبي بكر وعمر، والأمر المطلق بالخلفاء الراشدين المهديين رضي الله عنهم وأرضاهم.

    {فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ} وهي ما يقارب الثنايا من الأنياب، وهي أكثر عضاً على ما تمسك به: {عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة} وقد روى هذا الحديث أبو داود والترمذي بسند صحيح.

    وقال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} وفي لفظ: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} فالرسول صلى الله عليه وسلم يحرص دائماً على أن يربط بين الكتاب والسنة، فهو كما في حديث المقداد بن معد يكرب: {يوشك أن يأتي رجل شبعان ريان متكئ على أريكته، يقول: هذا كتاب الله، ما أحل فأحلوه، وما حرم فحرموه، وإني قد أوتيت الكتاب ومثله معه} قال الخطابي: معنى (أوتيت مثل الكتاب) أي: بما هدي به صلى الله عليه وسلم في الباطن ظهر به في ظاهر القرآن.

    وهذه الكلمة لم تتضح لي، ولكن يقول الشافعي: السنة مثل القرآن أو مثليه، على رواية: {أوتيت القرآن ومثله معه}.

    والمعنى الظاهر: أوتيت القرآن ومثل القرآن من السنة.. فإذا عُلم هذا فعلى المسلم أن يعلم أنه لا ينجو إلا بالاعتصام بالكتاب والسنة، ويوم يترك الكتاب والسنة، أو يتخاذل في الالتزام بهما؛ ينهار قوامه، ويتردى سلوكه، وليس معنا من وصية نوصي بها إخواننا إلا الالتزام بالكتاب والسنة، ولكن على فهم الصحابة؛ لأن الخوارج يقولون هم ألزم الناس بالكتاب والسنة، والمعتزلة وضُلال الأمة والرافضة، بل الباطنية يرون أنهم من ألزم الناس بالمنهج الحق وأنهم أهل الطريقة المرضية، ولكن:

    والدعاوى ما لم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء





    أقسام الناس في تلقي الكتاب والسنة

    قال عليه الصلاة والسلام في حديث أبي موسى عند البخاري ومسلم: {مثل ما بعثني الله من الهدى والعلم كمثل الغيث} ولم يقل صلى الله عليه وسلم: مثل المطر؛ لأن المطر إذا أطلق غالباً أطلق على العذاب، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ [النمل:58] ولماذا قال: (مثل ما بعثني) ولم يقل: أرسلني؛ لأنه إذا ذكر المعتقد في الغالب ذكر البعث، وإذا ذكرت العبادات التفصيلية ذكر الإرسال. وقال: (مثل ما بعثني الله من الهدى والعلم) فذكر العلم والهدى، مع أن العلم يشمل الهدى والهدى يشمل العلم؛ لأن الهدى هنا هو العمل، والعلم هو القول: واليهود أهل قول بلا عمل، والنصارى أهل عمل بلا اقتداء؛ ولذلك غضب الله على من تعلم ولم يعمل، وأضل الله من عمل بلا علم، قال الله: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7].

    فالرسول صلى الله عليه وسلم جمع بين الطريقتين فقال: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً} قال القرطبي: إنما شبه صلى الله عليه وسلم -وهذا في فتح الباري - إنما شبه صلى الله عليه وسلم الوحي بالغيث بجامع وجه الشبه وهو الصفاء، والأمر الثاني أن الأرض تحتاج إلى الغيث، فحاجة القلوب إلى الوحي كحاجة الأرض إلى الغيث بل أحوج.. ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الحديد:16-17].

    ثم عُلم من هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قسم الناس ثلاثة أصناف:

    قال: {فكان منها أرض طيبة نقية، قبلت الماء؛ فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أرض حبست الماء؛ فنفع الله بها الناس؛ فسقوا وزرعوا، وكان منها أرض إنما هي أجادب، لا تمسك ماء، ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من نفعه الله بما بعثني به، فعلم وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به} وقد سبق شرح هذا الحديث، وشاهدنا منه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل الناس ثلاثة أقسام: قسم استفاد وأفاد، وقسم استفاد ولم يؤثر، وقسم لا استفاد ولم يؤثر، وإنما هو كالخشب المسندة لا تعي ولا تعقل.

    فقل للعيون الرمد للشمس أعين تراها بحق في مغيب ومطلعِ
    وسامح عيوناً أطفأ الله نورها بأبصارها لا تستفيق ولا تعي


    أما ابن مسعود رضي الله عنه -كما في صحيح البخاري - يفتتح كلامه بقوله: إن أحسن الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. فالهدي عمل، والحديث قولٌ، فجمعت طريقته صلى الله عليه وسلم فصارت قولاً مهدياً مسدداً، وعملاً مرضياً متقرباً به إلى الله تبارك وتعالى.

    حرص السلف على الاقتداء بسنته صلى الله عليه وسلم
    التعديل الأخير تم بواسطة *أمة الرحيم*; الساعة 30-01-2015, 06:30 PM.
    رحمك الله يا أمي
    ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق!".الشافعي رحمه الله
    وظني بكـَ لايخيبُ

  • #2
    رد: الاعتصام بالكتاب والسنة للشيخ عائض القرني

    العنصر الثاني: حرص السلف الصالح على الاقتداء بسنته صلى الله عليه وسلم.

    شرح قول البخاري: باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم
    قال البخاري في الصحيح: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:74] قال البخاري: إماماً نقتدي بغيرنا، ويقتدي غيرنا بنا.. سبحان الله! ما أحسن كلام البخاري! كلام قليل لكنه كالكبريت الأحمر، وكالإكسير -إكسير الحياة- يأتي بالكلمة ويبوب لها، ولكنه يُعجز أذهان الجهابذة من العلماء أن يأتوا بمثلها.. ولذلك ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين لما جاء إلى كتاب البيع أتى بتبويب للمالكية والشافعية، ثم قال: وبوب عالم جهبذ بباب أذهل به المبوبين، ثم أتى بكلام البخاري.. فهو يسكت الناس بالتبويب، ويشرح الآيات شرحاً راقياً، رحمه الله رحمة وافية:

    سامحن بالقليل من غير عدل ربما أقنع القليل وأرضى

    وأبوابه قليلة لكنها درر، والدرر قليلة في العالم، وإنما أشير بذلك إلى العودة إلى الكنوز الأصيلة، والتخفيف من ضياع الوقت، أو التقليل من صرف الجهد في معلومات، أو مصادر للتلقي ليست أصيلة في منهجية المسلم، وفي حياته المرضية التي يريدها الله منه، كـالبخاري ومسلم والترمذي وأبي داود، أهل الأصالة والعمق والريادة، والعلم الباقي الذي خلده الله لهم في الخالدين.

    يقول: وقال ابن عون.. وهو عبد الله بن عون، راوي البخاري ومسلم، وهذا الرجل كان يتمنى رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم دائماً، فسقط من درجة وقبل وفاته بليلة رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام ثم مات.

    يقول: ثلاث أحبهن لإخواني، وأوصي بها إخواني: هذا القرآن أن يقرءوه ويتدبروه، وهذه السنة أن يتعلموها، ويدعوا الناس إلى الخير.

    سلَّم الله حالك، ولا فض فوك، ما أحسن الوصايا.

    وقد أتى بها البخاري موقوفة على ابن عون رضي الله عنه.



    حرص شيبة الحجبي على الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم
    قال أبو وائل: جلست إلى شيبة الحجبي. وهو من عبد الدار فهو عبدلي، وهو صاحب مفاتيح الكعبة، أراد أن يغتال الرسول صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فأخذ خنجراً مسموماً، وسمه بالسم حتى أصبح أزرق اللون، وأراد أن يسطر أعظم جريمة في تاريخ البشرية، وأن يغتال أعظم رائد من رواد إنقاذ الإنسان إلى الله وإلى الدار الآخرة.. قال: فأخفيته تحت إبطي، فأتى صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فاقترب من شيبة، فأراد شيبة أن يوكزه بالخنجر، فالتفت صلى الله عليه وسلم إلى شيبة ووضع يده عليه، وقال: {مالك يا شيبة؟ ماذا تريد؟ قال: أستغفر الله وأتوب إليه. قال: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم وضع يده على صدر شيبة، قال شيبة: والله ما رفعها إلا كان أحب الناس إلي}

    محاسنه هيولى كل حسنٍ ومغناطيس أفئدة القلوب

    وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل البيت في الفتح، وقال لـشيبة: سلِّم المفاتيح، قال: المفاتيح عند العجوز -وأمه هذه كانت المسئولة عن المفاتيح، تنام وتقوم وهي معها- قالت: لن أعطيك المفاتيح، قال: يا أماه! والله الذي لا إله إلا هو إما أن تعطيني مفاتيح الكعبة أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري، ثم سل سيفه، فقالت: خذ المفاتيح.. فأخذها صلى الله عليه وسلم، فلما هزها بيده وفتح الباب قال العباس: يا رسول الله! أعطنا المفاتيح لنجمع بين السقاية وبين مفاتيح الكعبة. فقال عليه الصلاة والسلام: {لا. خذها يا شيبة! تالدةً والدةً فيك وفي ذريتك} فالمفاتيح لا زالت عندهم إلى اليوم.

    الشاهد: أنه فتح الكعبة لـعمر وهو خليفة، فدخل عمر فرأى الذهب والفضة، ففكر، وكان كثير الفكر، متوقد الذهن، ميمون النقيبة، دائم الاستكشافات من ذهنه، يقترح دائماً؛ لأنه حي الإحساس، قوي العاطفة، مقترح.. جنَّد الأجناد، ودون الدواوين، ونظم الجيوش.. قال: لقد هممت أن أوزع هذه الثروة على فقراء المسلمين. قال شيبة: والله لا تفعل، والله لا تفعل، والله لا تفعل، قال: ولمه؟ قال: ما فعلها صاحباك. فنكص عمر وقال: هما المرءان يقتدى بهما. فما دام أنه قد ذكره بمحمد صلى الله عليه وسلم. وأبي بكر؛ فقد أوقفه عند حده، وإلا لو ذكره برجل آخر لبطحه أرضاً؛ لأن عمر يبطح الرجال، ويبطح الزعماء، لكن إذا أوقف عند محمد صلى الله عليه وسلم يقف.





    قصة عمر مع ميزاب العباس
    ويذكر أهل السير أن عمر رضي الله عنه خرج متلبساً قاصداً الجمعة، ومعه الدرة يخرج بها الشياطين من الرءوس، فهي علاج خاص لا يصرف إلا من صيدلية عمر، وإذا خرج بالدرة فخطر ممنوع الاقتراب، فأتى فرأى ميزاباً للعباس قطر عليه دماً، وكان قد ذبح قبل صلاة الجمعة دجاجة، فنـزل الدم على ثياب عمر، وليس عنده إلا ثوب واحد، وهو خليفة المسلمين، وكنوز الدنيا تحت يديه.

    يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدم له والكوخ مأواه
    يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه


    فلما سال الدم على ثيابه ضرب الميزاب بالدرة فأوقعه على الأرض، ثم عاد إلى بيته فغسل الدم، وأتى العباس، فقال: من قلع الميزاب؟ قالوا: عمر. قال: والله الذي لا إله إلا هو! لقد وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثم ذهب إلى عمر فأخبره، فقال عمر: سبحان الله! أسألك بالله أوضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده؟ قال: إي والله. قال: والله الذي لا إله إلا هو لأتكئن لك على الأرض، ولتصعدن على ظهري، ولتردن الميزاب مكانه. فجلس عمر، وقام العباس على ظهره، ورد الميزاب مكانه.. وهذا كله إكرام لصاحب تلك العين؛ ومن أجل عين تكرم ألف عين.




    عمر والوقوف عند كتاب الله
    وكان الحر بن قيس من حفاظ كتاب الله، وكان دائماً عند عمر، وجلاس عمر هم حفظة القرآن، ولو كانوا صغاراً وشباباً، فأتى عيينة بن حصن بن حمل بن بدر، وهو من بني بدر، الذي يقول فيهم حاتم الطائي عندما ضرب زوجته فغضبت عليه وحلفت باللات والعزى لتذهبن عند أجمل بيوت العرب فقال لها:

    إن كنت كارهة معيشتنا هاتي فحلي في بني بدر
    الضاربون بكل معترك والطاعنون وخيلهم تجري


    فـعيينة هذا كان منهم، لكنه لم يشبه آباءه، بل كان متخلساً متملقاً، دخل فطرق الباب على عمر، فخرج عمر وقال: من؟ قال: أنا الأكرم بن الأكرم بن الأكرم.

    قال عمر: كذبت يا عدو الله، بل أنت الأخس بن الأخس بن الأخس والأكرم بن الأكرم بن الأكرم هو يوسف بن يعقوب بن إسحاق، ففتح له الباب -وليتها كفت- فجلس، وقال: هيه يا بن الخطاب، والله إنك ما تعطينا الجزل، وما تحكم فينا بالعدل. فقام عمر بالدرة يريد أن يؤدبه ويلقنه درساً لا ينساه حتى يموت، فأخذه الحر بن قيس وقال: يا أمير المؤمنين! إن الله يقول: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199] فوقف عمر، وأنزل عصاه، وذهبت حرارته وتوقده.. وقد استدل بها البخاري بهذه القصة تحت هذا الباب، في مسألة التوقف إذا ذكر كتاب الله عز وجل، قال ابن عباس: [[وكان عمر رضي الله عنه وقافاً عند كتاب الله]].




    النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله

    قال ابن أبي مليكة.. وقد كان رحمه الله مؤذن أهل مكة، ونسبوا له قصة في ترجمة الإمام مالك، وهي أنه كان يؤذن بـمكة، وكان صوته جميلاً، فسمع بجانب المسجد مغنياً مطبلاً مزمراً يقول:

    صغيران نرعى البهم يا ليت أننا إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم

    وهذا بيت لمجنون ليلى، يقول: يا ليته وليلى كانا يرعيان البهم، ولم يكبروا ولم تكبر البهم، ويلعب معها حياة الضياع والهيام والعشق، وجمع الطوابع والمراسلة، وصيد الدجاج والحمام.. فلما سمعها ابن أبي مليكة وكان قد وصل في الأذان إلى قوله: حيَّ على الفلاح، فقال: حيَّ على البهم.. وهو إمام معتبر، وقد ذكر البخاري أنه قال: ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذباً.. لأنه كان يعظ الناس.

    قال: كاد الخيران أن يهلكا.. والخيران: أبو بكر وعمر؛ لأنهما رفعا صوتيهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الحجرات:2] فرفعا أصواتهما، فلما أتاهما الخبر؛ قال عمر: والله ما كلمت الرسول صلى الله عليه وسلم إلا كأخ السرار. وهذا هو التوقف عند كتاب الله، وأخو السرار يعني: اللين، وعدم رفع الصوت..

    وكان خطيب الأنصار ثابت بن قيس بن شماس يخطب بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما نزلت هذه الآية ذهب، فبقي في بيته يبكي صباح مساء، ليلاً ونهاراً، حتى قال صلى الله عليه وسلم: {يا معاذ! أين ثابت بن قيس بن شماس؟ قال: اعتزلنا يا رسول الله، ما ندري ماذا حدث له. فذهبوا إليه وقالوا: مالك؟ قال أنزل الله تلك الآية، وأنا أرفع صوتي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا المقصود بها، فأخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: أخبروه أنه من أهل الجنة} وقد قتل ثابت بن قيس في اليمامة -وهو من أشجع شجعان الناس- في القتال مع مسيلمة الكذاب دهدهه الله في النار، وكان من المقاتلين المجدين الشهداء العباقرة.. قتل في سبيل الله؛ فكان من أهل الجنة والحمد لله.

    فالتقيد بكتاب الله عز وجل، وبسنة الرسول صلى الله عليه وسلم يكون بالتوقف، ولذلك ذكر بعض أهل العلم في كتبهم، كـابن عبد البر وأهل السنن قالوا: قام صلى الله عليه وسلم يوماً خطيباً فقال للناس: {يا أيها الناس اجلسوا} فسمع ذلك ابن رواحة وهو خارج المسجد فجلس رضي الله عنه في السكة، فقال له الناس: مالك؟ قال: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: اجلسوا؛ فجلست. وهذا هو الامتثال.

    ولذلك يأتي الباب الثالث الذي بوب له البخاري بقوله: النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله -وقد حصل في التبويب تقديم وتأخير- فالواجب الاكتفاء بالكتاب والسنة، وترك التكلف والتنطع، قال الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات:1].. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ [المائدة:101-102] وهذا التقدم بين يدي الله ورسوله هو الاقتراح كما يقول سيد قطب، وهو أن تعرض أموراً من عندك ومن ذهنك تريد أن تسيَّر بها الأمة، وهي ليست في الكتاب ولا في السنة فهذا ملغي، ولا يجوز، وهو أمر محرم، واستحداث في الدين.

    وسعيد بن المسيب دخل المسجد -وهذه القصة يصححها الشيخ الألباني وغيره- فدخل رضي الله عنه فوجد بعد أذان الفجر رجلاً من المسلمين يصلي ركعتين ويسلم ثم يصلي ركعتين ويسلم.. والسنة بعد أذان الفجر ألا يصلي إلا ركعتي الفجر، ثم صلاة الفجر، وهناك حديث يستدل به الزيدية، ويجعلون وقت بعد طلوع الفجر وقتاً سادساً من أوقات النهي، فقال سعيد بن المسيب: "يا فلان! لا تصلَّ إلا ركعتين، إني أخشى أن يعذبك الله. فقال الرجل -بسوء فهمه-: والله لا يعذبني الله لأنني أصلي له. قال: والله لا يعذبك الله لأنك تصلي له، ولكنه يعذبك لأنك خالفت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فليس العذاب لأنك تصلي، لكن العذاب لأنك خالفت سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، والعبادة تكون بلا زيادة ولا نقصان، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه}.





    النهي عن كثرة السؤال

    يقول سعد بن أبي وقاص فيما رواه البخاري وغيره: [[إن أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته]] وهذا في عهد تنـزيل الوحي، أما الآن فللإنسان أن يسأل.

    والإمام مالك يرى أن الحديث الصحيح الذي نهى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كثرة السؤال، وإضاعة المال، وقيل وقال؛ أن المقصود بالسؤال هو السؤال عن الأغلوطات والتعجيز، أي: أن تعجز العلماء، فتسأل عن سؤال ليس بوارد، وفيه تعجيز للعلماء، وليس فيه نفع ولا فائدة، مثلما ذكر ابن أبي الدنيا في كتاب أدب الدنيا والدين: أن رجلاً من العوام أتى إليه فقال: أخبرنا العلماء أن نجماً إذا ظهر بعد سهيل مات الذين في الأرض جميعاً، فهل هذا صحيح؟ قال ابن أبي الدنيا: فكرهت أن أكرهه بالجواب، أو أن أكفهر في وجهه بالجواب، فقلت: أتأمل المسألة وأجد لك جواباً. وهو يريد أن يتخلص منه.

    ولذلك تجد بعض الناس يسأل عن أمور وهو في حاجة ماسة إلى معرفة أمور دينه، مثل أن يسأل بعضهم: هل تدور الشمس حول الأرض أم الأرض حول الشمس؟ أو يسأل عن أطفال أهل الفترة، أو عن أطفال المشركين... وغيرها من المسائل التي لا يعقد عليها كثير فائدة، ولا يستفاد منها لا في الدنيا ولا في الآخرة، والله لن يسألنا عن دوران الأرض حول الشمس، ولكن يسألنا عن دوراننا حول سنة محمد صلى الله عليه وسلم، فليدر المسلم حول سنته صلى الله عليه وسلم، وليترك الخزعبلات والتراهات التي تضيع عليه وقته، ولا تأتي هذه الأسئلة إلا من قلة العلم، أما العلماء وطلبة العلم والجادون في حياتهم فهم أضبط الناس أسئلةً.

    وقيل: كثرة السؤال: هو أن يسأل في عهد الوحي فيُحرَّم شيء، لأن الناس كلما سألوا نزل حكم، والسكوت أحسن.

    وقيل: كثرة السؤال: هو سؤال المال، كما ذهب إليه بعض المحدثين، ولكن هذا لا يتسنى؛ لأن سؤال المال مذموم قليله وكثيره إلا للحاجة.

    والصحيح: أن السؤال المنهي عنه هو السؤال عن الأغلوطات، أو عما لا ينفع في الدين.




    النهي عن الغلو والتشدد في الدين
    قال زيد بن ثابت: قمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليالٍ نصلي، وتنحنحنا ليلة لما نام صلى الله عليه وسلم عله أن يسمعنا، فلما أصبح الصباح قال صلى الله عليه وسلم: {إنه لم يخف علي مكانكم البارحة، ولكن خشيت أن تفرض عليكم فلا تستطيعوها} رواه البخاري.. ومعنى ذلك: عدم التقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاكتفاء بما أتى به صلى الله عليه وسلم.

    وأهل الحديث والفقه إذا ذكروا باب الاعتصام بالكتاب والسنة أتوا بعده بباب الاقتصاد في العمل، لأن بعض الناس إذا اعتصم بالكتاب والسنة حاول ألا يقصر فزاد؛ فيخرج من السنة، لأن بعض الناس يخرج من السطح، أو يخرج من السقف، فقد تجد بعض الناس يتشدد في تطبيق السنة حتى يخرج من السنة، أو يترك السنة حتى يجفو السنة، والمقصود: هو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم.

    يقول ابن المنير الزين شارح البخاري -وهو مغربي-: وقد رأينا ممن تشدد في تطبيق السنة من ترك السنة. ففي الأخير أودى به تشدده إلى ترك السنة، فتجده على قلامة الظفر، وعلى الشعرة، لا يتغاضى، ولا يعفو، ولا يصفح، ولا يتجاوز، ولا يهادن؛ وفي الأخير تجده يخرج عن السنة، وما أخرج الخوارج من السنة إلا تعمقهم وتنطعهم؛ حتى خرجوا من السنة. وبعض الناس لا يكتفي بالنوافل، بل يزيد ويرهق نفسه حتى يترك الفرائض، يقول ابن الجوزي كما في تلبيس إبليس عن الصوفية: يقوم أحدهم يصلي الليل كله فإذا اقترب الفجر نام، فنام عن صلاة الفجر، قال: وقد رأيت أحدهم يصلي الفجر في الضحى، فقلت: يا فلان، مالك؟ قال: قمت البارحة أصلي حتى قرب الفجر؛ فنمت عن صلاة الفجر.. سبحان الله!

    ككافلِة الأيتام من كد فرجها لك الويل لا تزني ولا تتصدقي

    صلاة الفجر في جماعة أفضل من قيام ألف ليلة نافلة. وروى الإمام مالك في الموطأ أن عمر مر بأهل صفوان بن المعطل فقال: [[أين صفوان؟ قالوا: ولمَ؟ قال: ما صلى معنا الفجر. قالوا: قام البارحة حتى اقترب وقت صلاة الفجر فنام عنها. قال عمر: لئن أشهد الصلاة مع المسلمين جماعة أحب إلي من أن أقوم الليل كله]] هذا هو الفقه، وهذه هي المعرفة، وهذا هو الانضباط والاقتصاد في العمل لكن بفهم.

    وذكر الخطابي في كتاب العزلة قال: مررت بصوفي من غلاتهم وقد ألصق شيئاً على عينه فحجبها. -أخذ لصقة فحجب عينه- فقلت: مالك؟ قال: إسراف أن أنظر في الدنيا بعينين! والله يقول: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:8-10] وهو يقول: إسراف! فانظر إلى الجهل إلى أين بلغ به، ولذلك يمدحابن الجوزي هؤلاء ويقول: فلان قام أربعين سنة فصلى صلاة الفجر بوضوء العشاء.

    أولاً: نسأل ابن الجوزي: من أخبرك أنه قام أربعين سنة؟ هل راقبه أحد ليل نهار أربعين سنة؟ وإن كان هو أخبر الناس فقد راءى بعمله، وإن كانت زوجته أو صديقه فما صدقوا؛ لأنه لا يمكن أن يكون أحد ملصوق به لا يفارقه لا ليلاً ولا نهاراً، ألم يحج؟ ألم يعتمر؟ ألم ينم؟ ألم يسافر؟!

    والأمر الثاني: هل هذا موافق للكتاب والسنة أم مخالف؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {أما أنا فأقوم وأنام وأتزوج النساء، وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني}.

    ويأتي ابن الجوزي رحمه الله في صفة الصفوة ويقول: مر فلان بـعسقلان في فلسطين فرأى رطباً على نخلة، فقال: يا رطب ما أشهاك! وما أحسنك! وما أدناك! والله لا أذوقك حتى ألقى الله، سبحان الله! لماذا ما أكلت الرطب، فرج الله عنك وعنا كل كربة؟ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أكل الرطب والخيار واللحم والعسل وهو أفضل الناس، وهل تركك للرطب يجعلك من العشرة المبشرين بالجنة؟!

    ويقول عن رجلٍ آخرَ عابدٍ لكنه جاهل، يقول: "الحمد لله، والله الذي لا إله إلا هو ما أكلت الرطب أربعين سنة.. فهل هذا فتح بدراً؟! أو رفع اللواء في حنين؟! أشرف الخلق عليه الصلاة والسلام أكل من هذا.

    وهذه التراجم إيرادها إنما هو من باب التشويه لبعض السير ولا تمر هذه إلا بتعليق: هل هي موافقة للكتاب والسنة أم لا؟ لأن بعض الناس أصابهم الفالج، وأصابهم اليبس، حتى ترك بعضهم الطعام -كما يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر - ثلاثين يوماً، قال: فأجبره العلماء على أن يأكل؛ فشرب شربة فوقعت كرش الماء على الحصى فمات.. سبحان الله! وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195].

    فلا بد من الاقتصاد ومعرفة السنة في ذلك؛ لأن بعض الناس يتوهم أن السنة معناها: أن تتبذل، وتضرب عن الطعام، وأن تعمل لنفسك أسابيع من التجويع، وتسهر، وتبتعد عن ملاذ الحياة، وأن تصبح كأنك في رهبنة، والرهبنة ليست بواردة، بل قد ذمها الله عز وجل فقال تعالى: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا [الحديد:27].




    بعض الأمثلة على كثرة السؤال
    أتى أعرابي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم -وهذا من باب التعدي على الكتاب والسنة- فربط ناقته في وادي وأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: أين ناقتي يا رسول الله؟ -ومن أدرى الرسول عنك وعن ناقتك؟! وهل بعث صلى الله عليه وسلم ليخبرك بناقتك وزوجتك وأطفالك؟!- فسكت صلى الله عليه وسلم، فقال: {أين ناقتي يا رسول الله؟ -هو يريد أن يسلم ويعرف هل الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب أم لا، فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم، وسكت الأعرابي، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يستهديه ويتألف قلبه- فقال: ناقتك في الوادي الفلاني مربوطة بشجرة سلم -أو كما قال صلى الله عليه وسلم- فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله}.

    وأورد ابن كثير أثراً في كتاب الشمائل، يقول: {أتى أعرابي يبيع ضباً في السوق -رأس ماله الضب هذا- فأتى الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوه -الرسول صلى الله عليه وسلم يستغل المناسبات في سوق عكاظ، وفي المجمع والنادي ومكان التجمع، فهو داعية يجوب كل مكان -قال: يا أعرابي! إني رسول الله إلى الناس، أسلم، واشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله. قال: أنت رسول الله؟ قال: أنا رسول الله. قال: من أرسلك؟ قال: الله. قال: والله لا أسلم لك حتى يسلم لك هذا الضب. قال: فإن أسلم الضب أتسلم؟ قال: نعم. فقال صلى الله عليه وسلم: يا ضب! أتشهد أني رسول الله؟ قال الضب: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله} والحديث في سنده نظر، لكن أورده البيهقي في الدلائل، وابن كثير في الشمائل.

    أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا تورد يا سعد الإبل

    لكن على كل حال؛ إنما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتألف قلب هذا الرجل حين قال: ناقتك مربوطة... وإلا فهو عليه الصلاة والسلام ليس مسئولاً عن هذه الأسئلة.

    وفي صحيح البخاري، قال أنس: {سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكثروا عليه؛ فغضب؛ فجلس، فقال أبو حذافة: من أبي يا رسول الله؟ قال: أبوك فلان. فجلس عمر على ركبتيه لما رأى غضب الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً} وإنما غضب صلى الله عليه وسلم من كثرة الأسئلة التي ليس لها داعي، وإنما هي من باب التقدم على الكتاب والسنة، فأنزل الله في ذلك: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ [المائدة:101] فاسكتوا حتى يأتي القرآن والسنة، ثم سيبين لكم الأمر، ولا تتقدموا بين يدي الله ورسوله.

    قال الدارمي: ثبت بسند صحيح عن عمر أن عمرو بن العاص أتى إليه، فقال: يا أمير المؤمنين! معي في الجيش رجل يأتي إلينا فيسألنا، قال عمر: عن ماذا يسألكم؟ قال: يقول: يقول الله عز وجل: وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً [الذاريات:1] قال عمر: هيه. قال: ويقول: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً [المرسلات:1] قال عمر: هيه. قال: ويقول: وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً [النازعات:1] قال عمر: هيه. قال: فيقول الرجل: كيف يقول الله هناك (والذاريات) وهنا (والمرسلات) وهناك (والنازعات)؟ فأنصت عمر، وقال: علي بالرجل، يا عمرو بن العاص! لا يفوت الرجل، والذي نفسي بيده! لئن فات الرجل ليمسنك مني عقوبة.. عمر ما عليه من أحد كبير أو صغير، ما يحميه من العدل حامي.. فذهب عمرو وأتى بالرجل، وقد تهيأ له عمر بضيافة ما بعدها ضيافة، فهيأ له عراجين النخل، ورشها بالماء لتليق بجسمه أحسن، فقال عمر: أنت الرجل الذي يقول كيت وكيت، قال: نعم يا أمير المؤمنين، وما أردت إلا الخير. سبحان الله! ما أحسن هذا الخير! قال: ابطحوه أرضاً، فاعتلاه أمير المؤمنين، ثم ضربه وجهاً لبطن من نية وإخلاص لله عز وجل، يحتسب أجره على الله، فأغمي على الرجل فقال: رشوه بالماء، فرشوه بالماء فأفاق ولسان حاله يقول: أصبحنا وأصبح الملك لله! قال عمر: ادنوه، فأدنوه فبطحه، قال: رشوه بالماء، فرشوه فأصبح، ومرة ثالثة... فقال: يا أمير المؤمنين! إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً، وإن كنت تريد دوائي فقد برئت والله.. انتهى المرض، علاج ما بعده علاج في غرفة عمليات عمر! ثم قال: احملوه إلى الجيش ولا يكلمه أحد. فحجزوا عنه الكلام، وأضربوا عن الحديث معه سنة كاملة، وبعد سنة قالوا: يا أمير المؤمنين! صلح حاله، أصبح مستقيماً على أمر الله. قال: اتركوه يحدث الناس.

    هذا التقيد بالكتاب والسنة: أما أن يتلاعب الإنسان ويأتي يخرص تخريصات، ويضلل الأمة، ويشوه معالم الكتاب والسنة بحجة الثقافة العامة فلا.. هذه قداسة.. وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32] هذا دين خالد لا يقبل اللبس، ولذلك جاء في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {لا يزال الناس يسألون، حتى يقولوا: هذا الله، فمن خلق الله؟!} ومن وجد هذا في نفسه فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا يعبث بالكتاب والسنة، فإن معنى ذلك فتح الباب لكل مهرج وموسوس ومهلوس والعياذ بالله.

    وفي السير في ترجمة عمر: أن رجلاً أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وسأله سؤالاً وقال: {يا رسول الله! سعيت قبل أن أطوف. قال صلى الله عليه وسلم: افعل ولا حرج} وهذا الحديث متنه في سنن أبي داود عن أسامة بن شريك قال: {يا رسول الله! سعيت قبل أن أطوف. فقال صلى الله عليه وسلم: افعل ولا حرج، فأتى الرجل إلى عمر وقال: يا عمر! سعيت قبل أن أطوف. قال: افعل ولا حرج. قال: صدقت، سألت الرسول صلى الله عليه وسلم قبل قليل فقال لي مثل ما قلت. فقال عمر: خررت من يديك، تسأل الرسول صلى الله عليه وسلم ثم تسألني} ولو كان في غير حياة الرسول صلى الله عليه وسلم لأدبه عمر تأديباً يردعه وأمثاله، وهذا فتح الباب للهلوسة والتخرص في دين الله.



    مسائل في الاعتصام بالكتاب والسنة ومحاربة البدع

    من المسائل التي بقيت: أن أبا بكر رضي الله عنه قال في خطبة خطبها: [[يا أيها الناس! إني متبع ولست بمبتدع]].

    ومن المسائل التي تهمنا أيضاً: أن عداوة إبليس تصل بالعبد إلى الشرك، فإن لم يستطع فإلى البدعة، والبدعة أحب إلى إبليس من المعصية، لأن المعصية في الغالب يتاب منها، والبدعة في الغالب لا يتاب منها، وهذا الكلام ينسب لـسفيان بن عيينة: "البدعة أحب إلى إبليس من المعصية"

    الهجر وتشويه المبتدعة
    وكان للسلف الصالح مناهج في محاربة البدعة، منها: ترك الكلام مع صاحبها، كما فعل سفيان الثوري مع ثور بن يزيد، فما كلمه حتى مات، ومنها: تشويه صورته أمام الناس، كما فعل واعظ بـأحمد بن أبي دؤاد، فـأحمد بن حنبل أحمدنا نحن، وأحمد المعتزلة وأهل البدعة أحمد بن أبي دؤاد، وكان كريماً قاضياً، لكن كرمه كان رياءً وسمعةً، كان يضيف الناس ويعطي الأعطيات، وكان يعطي في المجلس الواحد آلاف الدنانير، حتى يقول أبو تمام في أحسن قصيدة له:

    لقد أنست محاسن كل حسنٍ محاسن أحمد بن أبي دؤاد ِ
    وما سافرت في الآفاق إلا ومن جدواه راحلتي وزادي



    ولكن أتى أحمد بن أبي دؤاد وابتدع في دين الله القول بخلق القرآن، فكان الوعاظ ينهون عنه ويزجرونه، قال الإمام أحمد وهو يبتسم: "ما أحسن هؤلاء للعامة!

    يريد أن يندد بهؤلاء المبتدعة.. فمن مذاهب أهل السنة: التشهير بالمبتدع علناً إذا شهر ببدعته، كأن كتب في صحيفة، أو تكلم في إذاعة، أو كتب كتاباً، فواجب علماء السنة أن يردوا عليه، أما إذا سكت فيوصى في خاصة نفسه إذا لم يكن له تلاميذ وأتباع، ولا يشهر بالرد عليه؛ لأنه قد تأخذه العزة بالإثم وينحرف عن منهج الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

    نشر السنة والفرح بها
    ومن هدي أهل السنة: أنهم ينشرون السنة في مجالسهم، ويفرحون بنشرها، فقد رأى الإمام أحمد شيخاً مخضوب اللحية؛ فتبسم وفرح، وقال: إني لأرى الرجل يحيي شيئاً من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فأفرح بذلك. فثبته الله على السنة فصار إمام أهل السنة.

    وفي سكرات الموت تراءى له إبليس، فكان الإمام أحمد يقول: لا. بعد، لا. بعد، لا. بعد. أي: ما نجوت منك يا إبليس، فإن إبليس كان يقول: نجوت مني، كلٌ أدركت منه إلا أنت نجوت مني، فيقول الإمام أحمد: أخاف منك، وأتوكل على الله. فلما أصبح يردد (لا إله إلا الله) في سكرات الموت أخذوا يوضئونه، فكان يشير إلى لحيته، ويقول: خللوا لحيتي.. رحمك الله! وسقى الله عظامك شآبيب الرضوان، حتى تخليل اللحية في ساعة يذهل الولد عن والده، والزوجة عن زوجها، والحبيب عن حبيبه، لا تنسى هذه السنة، ويشير بأصابعه، أي: خللوا أصابعي؛ ولذلك رفعه الله مكاناً علياً بصدقه مع الله عز وجل.

    أهمية تعليم السنة ونشرها
    ومن مذهب أهل السنة: أنهم لا يرتضون بديلاً عن السنة في تدريسها مهما كانت الفائدة؛ لأنه قد يوجد في بعض الأماكن أن ترد على المسلمين مصنفات أو مؤلفات أو أطروحات أو خيارات؛ فيستعاض بهذه الكتب عن السنة، وهذا شيء خطير جد خطير، فينشأ ناشئة لا يعرفون السنة، ولا يعرفون الأحاديث.. يعرفون ثقافة عامة، لكنها ليست منضبطة بالسنة، فالذي أوصي به إخواني: أن يكون لهم جلسات مع إخوانهم وأهلهم وزملائهم يرددون كتب الحديث كما فعل السلف الصالح؛ الصحيحين، والسنن الأربع، ومسند أحمد، ورياض الصالحين، وبلوغ المرام، والترغيب والترهيب، ترديداً دائماً في كل مجلس لتحيا السنة، فإن حياة السنة مدارستها في الأوساط.

    أصناف أهل البدع
    ومما أريد أن أشير إليه في هذا المجلس أن المبتدعة أصناف: منهم مبتدع كافر ببدعته، لكن يسمى ويطلق عليه مبتدع، كما يكفر بعض الناس الذين قالوا بنقص القرآن، أو لعنوا عائشة، أو لعنوا الشيخين، وتبرءوا منهما، أو قالوا: إن جبريل خان الرسالة، فهؤلاء يكفرون بهذه المقالات.. وقد يفسق الرجل بالبدعة، فيبقى فاسقاً على بدعته؛ فيدخل النار على الأجناس لا على الأشخاص، لكن لا ندري هل يخلد أم لا، فإذا كان موحداً فلا يخلد.. وعلى كلٍ يصبح فاسقاً ببدعته، وهناك بدع طفيفة وبدع كبيرة، فالبدع الكبيرة مثل: بدع الخوارج والرافضة، والبدع الطفيفة مثل: بدع الأحكام العملية، كالأذكار والتسبيح، وهذه لها مباحث، وإنما مقصود الكلام: الاعتصام بالكتاب والسنة.



    طرق الاعتصام بالكتاب والسنة
    والسؤال المطروح: ما هي طريقتنا للاعتصام بالكتاب والسنة؟

    هناك ثلاثة طرق:

    دراسة السنة وتعليمها
    أولاً: تدريسها وتعليمها، وتقريرها في مدارسنا وجامعاتنا ومعاهدنا، وقيام الدعاة ببثها بين الناس، وإعادة الناس إلى المشرب الأول، مشرب محمد عليه الصلاة والسلام.

    العمل بالسنة في الحياة
    ثانياً: العمل بها، وتطبيقها في دنيا الواقع، وعلى السلوك، والهدي، فقد ذكر عن الإمام محمد بن نصر المروزي أو غيره: أنه ما قرأ حديثاً من الأحاديث العملية إلا عمل به. وقيل عن الإمام أحمد: أنه كتب المسند أربعين ألف حديث بالمكرر، وقال: ما من حديث مما يعمل به إلا عملت به، قال له بعض تلاميذه: وحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم جلس في الغار ثلاثة أيام؟ قال: جلست في غار بـالكرخ ثلاثة أيام، يوم فتنة القول بخلق القرآن، ليقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم. يأتي ابن عمر بناقته في المشاعر في منى ومزدلفة فيميل بها ويدور بها، قالوا: مالك؟ قال: لعل خفاً يوافق خف ناقة الرسول صلى الله عليه وسلم.

    وهذا من شدة الحرص على اتباع السنة، وإلا فالأمور العامة ليست مطلوبة، لأنها تسمى عند أهل العلم أمور اتفاقية، مثل: أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل المدينة يوم الإثنين، فهذا اتفاق، ومثل: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أكل أكلة في الضحى، أو خرج من مكة من أعلى مكة، لأن بعض أهل العلم يقول: هذه سنة، وبعضهم يقول: أمور اتفاقية. وقال ابن تيمية في ذلك: "كان عمر أعرف بالسنة من ابنه ابن عمر، فـابن عمر كان يصلي عند شجر كما في صحيح البخاري مثل عقبة هرشا، وشجرة كذا وكذا، وأما عمر فنهى عن الصلاة عند هذه الشجر، وقال: إذا أتت أحدكم الصلاة فليصل وإلا فليذهب. فـعمر كان أبصر وأعلم؛ ولذلك قطع تلك الشجرة لأن هذه أمور اتفاقية، وهناك فرق بين الأمر الاتفاقي العام وبين الأمر المسنون الذي ورد عنه صلى الله عليه وسلم، ومقصود به الاتباع، فليعلم ذلك.

    تبليغ الكتاب والسنة للناس
    ومن أمور الاعتصام بالكتاب والسنة: تبليغ الكتاب والسنة للناس، قال عليه الصلاة والسلام: {بلغوا عني ولو آية} وهي أمور سهلة، وفي سنن أبي داود عن عبد خير قال: أتى علي بن أبي طالب فصلى بنا، ثم خرج إلى الرحبة، فأتى بماء فتوضأ، ثم قال للناس: {هكذا رأيت رسول صلى الله عليه وسلم يتوضأ} وتطبيق الوضوء للناس سنة، وتعليم هذه الأمور، لأنه قد يلقي الإنسان محاضرات ولكن ليس فيها امتثال ولا تطبيق ولا روح فلا تنفع، بينما لو طبق مسألة كأن يصلي أمام الناس، أو يتوضأ أمامهم، كما كان يفعل عليه الصلاة والسلام بأصحابه؛ لكان أجدى وأنفع، وهذا هو الأمر المطلوب في تبليغ السنة، وهو اليسر في تبليغها للناس، وهذا عهد من الله وميثاق أخذه على طلبة العلم، قال الله: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ [آل عمران:187].. إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:159-160] هذا باب الاعتصام بالكتاب والسنة، وأحسن من كتب عن هذا الموضوع لمن أراد أن يتوسع: الشاطبي في كتاب الاعتصام، وشيخ الإسلام في المجلد العاشر والحادي عشر، ومجلد الجهاد في الفتاوى، وابن القيم في زاد المعاد، والإمام البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، والقرطبي، وغيرهم من أهل العلم الذين كتبوا كتابات طيبة ومفيدة يحسن الرجوع إليها.

    ولكن قد ترد بعض الأسئلة، مثل من يقول فعل بعض الصحابة أفعالاً ما فعلها صلى الله عليه وسلم؟

    وهذا سؤال مطروح، وقد ناقشه الشوكاني في إرشاد الفحول، وغيره من العلماء، والفعل إذا فعله الصحابي وقد خالف الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا لا يلتفت إليه أبداً، وإذا فعل الصحابي فعلاً ودل عليه عموم؛ فإن هذا أمر اجتهادي من الصحابي قد يخطئ وقد يصيب، وإذا فعل الصحابي فعلاً وفعل صحابي آخر فعلاً ولم يتضح وجه السنة من فعليهما فهو أمر كذلك اجتهادي، ولكن على كل حال؛ الشوكاني وأبو زهرة لا يأخذون باجتهاد الصحابي إذا كان له اجتهاد خاص، مثل أقوال ابن عباس التي ينفصل بها في الفتيا، وهذا له مبحث، ولكن أريد أن أبين أن بعض الشواذ من أفعال الصحابة لا يقتدى بها، مثل: أن ابن عمر كان يغسل داخل عينيه في الوضوء حتى عمي، ومثل ما جاء أن ابن مسعود كان يصلي وسط الصف، يجعل جماعة عن يمينه وأخرى عن يساره ويكون الإمام في الوسط. ويطبق بين كفيه في الركوع ويجعلهما بين ركبتيه ومثل: أن أبا هريرة كان يتوضأ إلى المنكب أو إلى الإبط، وهذا لم يفعله صلى الله عليه وسلم... إلى غير ذلك من الأفعال التي شذت من بعض الصحابة، فهذه لا يلتفت إليها، وندعو لهم، ونقول: هم مأجورون على كل حال، ولكن الرسول هو القدوة، ولا بد لأفعالهم من أدلة من الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن أفعاله صلى الله عليه وسلم لا تفتقر إلى أدلة؛ لأنها دليل بذاتها.




    وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    التعديل الأخير تم بواسطة *أمة الرحيم*; الساعة 30-01-2015, 06:37 PM.
    رحمك الله يا أمي
    ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق!".الشافعي رحمه الله
    وظني بكـَ لايخيبُ

    تعليق


    • #3
      رد: الاعتصام بالكتاب والسنة للشيخ عائض القرني

      بارك الله فيكم واثابكم
      ~وقفات مع الصحابة وامهات المؤمنين~ ♥♥♥متجدد♥♥♥

      سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

      تعليق


      • #4
        رد: الاعتصام بالكتاب والسنة للشيخ عائض القرني

        جزاكم الله خيرًا ... ونفع الله بكم ،،،

        تعليق


        • #5
          رد: الاعتصام بالكتاب والسنة للشيخ عائض القرني

          وجزاكم مثله وبارك فيكم
          رحمك الله يا أمي
          ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق!".الشافعي رحمه الله
          وظني بكـَ لايخيبُ

          تعليق


          • #6
            رد: الاعتصام بالكتاب والسنة للشيخ عائض القرني

            جزاكم الله خيرًا .... ونفع الله بكم ،،،

            تعليق


            • #7
              رد: الاعتصام بالكتاب والسنة للشيخ عائض القرني

              عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
              جزاكم الله خيرًا ونفع بكم


              "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
              وتولني فيمن توليت"

              "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

              تعليق


              • #8
                رد: الاعتصام بالكتاب والسنة للشيخ عائض القرني

                وجزاكم مثله وبارك فيكم
                رحمك الله يا أمي
                ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق!".الشافعي رحمه الله
                وظني بكـَ لايخيبُ

                تعليق

                يعمل...
                X